تواصل قوات النظام السوري تقدمها في آخر معاقل المعارضة بمحافظة إدلب، متسببةً بحركة نزوح كبرى تنذر بحدوث كارثة إنسانية في حال عدم تدارك الوضع، أكّدت وزارة الدفاع التركية اليوم السبت، أن نقاطها الـ 12 للمراقبة في إدلب تواصل مهماتها وقادرة على حماية نفسها، محذّرةً من أنها ستردّ بقوة على أي استهداف جديد قد تتعرّض له.
الرئيس التركي رجب طيب أردوغان وبعد إعلانه سابقاً أن بلاده ستنشر منظومة الدفاع “حصار إيه” في إدلب، في خطوة تُعدّ الأولى من نوعها لأنقرة في سوريا، عزّز الجيش التركي السبت نقاط مراقبته في المحافظة عبر تزويدها بناقلات جند مدرّعة، غداة إرساله 150 آلية عسكرية وعناصر من القوات الخاصة.
وكان أردوغان أمهل الجيش السوري حتى نهاية فبراير (شباط) الحالي للانسحاب خلف نقاط المراقبة التركية، مهدداً بشن عملية عسكرية في المنطقة.
كذلك أشارت وزارة الدفاع في بيان، إلى أن وحدات حماية الشعب الكردية التابعة لقوات سوريا الديمقراطية (قسد) لا تزال موجودة في شرق شمالي سوريا وغرب شمالها، حيث نفّذت أنقرة العام الماضي هجوماً عسكرياً ضدّ الأكراد. وأعلنت الوزارة مقتل جندي تركي وإصابة 4 آخرين في حادث سير شمال شرقي سوريا.
وفد روسي في أنقرة
في الأثناء، يُنتظر أن يصل وفداً روسياً إلى تركيا اليوم السبت لبحث المستجدات في سوريا.
وصرح وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو خلال مؤتمر صحافي مشترك مع نظيره السلوفاكي ميروسلاف لايتشاك يوم الجمعة، في العاصمة التركية أنقرة “سنبحث الوضع في إدلب مع وفد روسي غداً (السبت)”. وأضاف “سنفعل كل ما يلزم لوقف المأساة الإنسانية في إدلب”.
ووصف جاويش أوغلو الوضع في إدلب بالمأساوي، إذ أن آلاف المدنيين أُجبِرُوا على ترك منازلهم بسبب هجوم الجيش السوري. وأضاف أن النظام السوري “زاد هجماته وعدوانيته”، لافتاً إلى أن “الذين لا يؤمنون بالحل السياسي ويفضلون الحل العسكري مخطئون للغاية”.
وقال إن الجانب التركي يعيد تقييم المرحلة التي عمل فيها مع روسيا الضامن للنظام السوري، وأنه اتُفق بعد الاتصال بمسؤولين روس على بحث الوضع في إدلب مع الوفد الروسي القادم إلى تركيا. وأشار إلى أن اجتماعاً على مستوى القادة سيُعقَد في حال لزم الأمر عقب اجتماع الوفود.
وأكّد الوزير التركي أن “هدف تركيا هو وقف عدوان النظام في أسرع وقت… ومواصلة اجتماعات اللجنة الدستورية والإسراع في العملية السياسية”.
تقدم ميداني
وكانت قوات النظام السوري أحرزت الجمعة تقدّماً في شمال غرب سوريا خلال الحملة التي تشنّها ضدّ آخر أكبر مناطق سيطرة المعارضة، وفق المرصد السوري لحقوق الإنسان. وأفاد المرصد بأن قوات النظام سيطرت على جزء من طريق سريع رئيسي في محافظة إدلب.
وقال مدير المرصد رامي عبد الرحمن “سيطرت قوات النظام السوري على كامل جزء الطريق الدولي دمشق – حلب الذي يمر بمحافظة إدلب، ولم يتبقّ لها إلا جزء من الطريق بمحافظة حلب المجاورة لاستعادة الطريق كله”.
من جهتها لم تعلن وسائل الإعلام الرسمية عن سيطرة قوات النظام على هذا الجزء من الطريق السريع، لكنّها قالت إن القوات الحكومية سيطرت على قريتين تقعان على هذا الطريق.
ولطالما وضع النظام السوري نصب عينيه استعادة السيطرة على هذا الطريق السريع المعروف باسم “أم 5” (أم فايف) لأنّ من شأن هذا الأمر أن يعيد حركة المرور إلى طبيعتها على هذا الشريان الرئيسي بين العاصمة دمشق وحلب، ثاني كبرى مدن البلاد وعاصمتها الاقتصادية سابقاً.
وبحسب المرصد فإن التقدّم الذي أحرزته قوات الرئيس السوري بشار الأسد “يعني أن 30 كيلومتراً فقط، تتمثّل في 13 قرية وبلدة لا تزال بأيدي مسلحي المعارضة، تفصل قوات النظام عن السيطرة على الطريق بالكامل”.
ويمتد هذا الطريق السريع من الحدود الأردنية في جنوب سوريا إلى شمالها، وهو أطول طريق سريع في البلاد ويمر عبر الحقول الخصبة والمناطق الصناعية وأربع مدن رئيسية.
وتشهد إدلب وجوارها منذ ديسمبر (كانون الأول) الماضي، حيث يعيش ثلاثة ملايين شخص نصفهم تقريباً من النازحين، تصعيداً عسكرياً من قوات النظام وحليفتها روسيا، يتركز تحديداً في ريفي إدلب الجنوبي وحلب الغربي حيث يمر جزء من الطريق الدولي الاستراتيجي أم 5.
ويعبر “أم فايف” أبرز المدن السورية من حماة وحمص وصولاً إلى الحدود الجنوبية مع الأرد..
ودفع التصعيد منذ ديسمبر الماضي، 580 ألف شخص إلى النزوح من المنطقة باتجاه مناطق أكثر أمناً، وفق الأمم المتحدة، في واحدة من أكبر موجات النزوح منذ بدء النزاع في سوريا قبل تسع سنوات. كما قُتل أكثر من 300 مدنياً في منطقة إدلب في الأشهر الأخيرة، وفق المرصد.
وأسفر النزاع المستمر في سوريا عن مقتل أكثر من 380 ألف شخص وتشريد أكثر من نصف سكان البلاد منذ اندلاعه في عام 2011.
الأسلوب الروسي
في موازاة ذلك، يقول محللون ودبلوماسيون إن من المرجح أن تنتهج روسيا أسلوباً تدريجياً لمساعدة النظام السوري على استعادة إدلب مع إدراكها أن أي مواجهة مع تركيا يمكن أن تغرق موسكو في مستنقع عسكري.
واستعادت قوات الحكومة السورية بمساعدة هجمات جوية روسية مكثفة عشرات البلدات في محافظة إدلب خلال الأسبوعين المنصرمين في أكبر تقدم لها منذ سنوات مما أجبر عشرات الآلاف على الفرار إلى الحدود التركية. ولكن من غير المرجح أن تتدخل روسيا بقوتها العسكرية لتحقيق تقدم كامل في مدينة إدلب ذات الكثافة السكانية الكبيرة.
ومثل هذا التقدم سيساعد الأسد على أن يستعيد بشكل كامل سيطرته على سوريا التي يحكمها هو ووالده الراحل من قبله منذ نحو 50 سنة، ولكن ذلك سيتضمن أيضاً مجازفة بحدوث مواجهة كبيرة مع تركيا التي تدعم قوات المعارضة.
وقال مصدر في جهاز استخباراتي غربي إنه يبدو أن روسيا تعتزم “استقطاع” أجزاء من الأراضي التي يسيطر عليها مسلحو المعارضة تدريجياً.
وهددت تركيا بتنفيذ عمل عسكري إذا لم تتراجع قوات النظام السوري بحلول نهاية الشهر الحالي. وعززت أنقرة مواقعها في المنطقة وأنشأت مواقع جديدة لإبطاء هذا التقدم. وتستضيف تركيا بالفعل 3.6 مليون لاجئ سوري.
وقال مسؤول تركي لرويترز إن “النظام اقترب جداً من مدينة إدلب. قواعد الاشتباك في سوريا تغيرت، بدأت مرحلة جديدة الآن”.
ويمكن الآن لأكثر من مليون شخص يعيشون في المدينة، معظمهم سوريون نزحوا بسبب الهجمات الحكومية على أراضيهم، سماع أصوات إطلاق النار.
وقال إبراهيم سمعان الحاج الذي يعمل بدّالاً في المدينة “الناس في كل مكان رعب وتشريد والخلق في الطرقات نايمة وحتى في السيارات ما في مكان تبرك فيه”.
الغوص في المستنقع
من جهة أخرى، اعتبر العميد الركن المنشق عن الجيش السوري أحمد رحال أن “ما يهم روسيا الآن هو فتح الطرق الدولية لأن هذه الطرق ذات أهمية سيادية”. الغوص في مستنقع إدلب المدينة مكلف ومكلف جداً عسكرياً وإنسانياً وهناك مليون مواطن داخلها”.
وتقف الآن القوات البرية السورية التي تساعدها فصائل مسلحة مدعومة من إيران قادمة من حلب على مشارف مدينة إدلب بعد السيطرة على مدينتَي معرة النعمان وسراقب قرب طريق إم4-إم5 الاستراتيجي حلب المؤدي إلى حماة واللاذقية على البحر المتوسط.
“خط أحمر”
وكان مصدر حضر اجتماع عُقد في الآونة الأخيرة مع 40 من قادة مسلحي المعارضة الذين تدعمهم تركيا قال إن الاستخبارات التركية أبلغت هؤلاء خلال الاجتماع أن المحادثات مع موسكو أخفقت وعليهم التأهب للأسوأ، مضيفا أن مدينة إدلب “خطر أحمر”.
وقال خبراء عسكريون غربيون إن موسكو استخدمت أسلوب “الأرض المحروقة” خلال القصف الجوي الذي طال مستشفيات ومدارس وبُنى أساسية أخرى في مناطق ريفية في الغالب بالمحافظة. ولكن مثل هذه الأساليب قد تثبت أنها أكثر صعوبة في المدينة.
وقال أبو براء الشامي، وهو اسم مستعار لقائد ميداني في “هيئة تحرير الشام”، في رسالة نصية تلقتها وكالة رويترز عبر الانترنت “إذا صارت معركة في داخل إدلب رح يصير في مذبحة والجهاديون سيقاتلون بكل قوتهم وراح نشوف عمليات انتحارية أكثر ونحوّلها مقبرة للغزاة الروس”.