محتويات هذا المقال ☟
من المتوقع أن تقود الحرب التجارية القائمة بين الصين وأمريكا إلى حرب عسكرية مفتوحة ,وحتى تكون صورة الإحتمالات وضحة أمامنا لا بد من دراسة عدد من المعطيات التي لدينا.
ماذا يقول التاريخ؟
التوترات المتصاعدة بين بكين وواشنطن تدفع الكثيرين الآن للاعتقاد أن مواجهة مسلحة بين الطرفين تعد الآن أقرب من أي وقت مضى، لكن لنبدأ من فرضية الحتمية التاريخية أولاً.
يأتي في سياق الحتمية التاريخية للصراع نظرية أستاذ التاريخ في جامعة هارفارد جراهام أليسون المعروفة بـ «فخ ثوسايديداس» التي ينطلق فيها من الصراع بين إسبرطة وأثينا قبل قرون والمرتبطة بقلق قوة عُظمى موجودة من صعود قوة عظمى أخرى تتحدى سلطتها.
ويحذر أليسون في كتاب له بعنوان «الحرب مقدرة بينهما» من أنه «بناء على المسار الحالي للأحداث لا تعتبر الحرب بين الصين وأمريكا ممكنة وحسب، ولكنها أكثر احتمالاً مما يتم الاعتراف به علناً حالياً».
لكن نظرية الحتمية التاريخية لأليسون مردود عليها من آخرين بدعوى أنها غير شاملة، حيث إنها نظرية غربية لكنها لا تنطبق على تاريخ الشرق ولا باقي الحضارات في العالم، بحسب بحث نشره موقع معهد ناشيونال انتريست الأمريكي.
نظرية أليسون حول صراع القوى ردَّ عليها باحث آخر هو ديفيد كانغ بدراسته لطبيعة الصراع بين القوى في شرق آسيا حيث الديناميكية مختلفة، ويكون التركيز على استمرار القوة وليس التنافس مع قوة أخرى.
الحرب التجارية قائمة
منذ وصول الرئيس الأمريكي دونالد ترامب للبيت الأبيض واستخدامه لمصطلح «الحرب التجارية» مع الصين زادت حدة القلق من الصراع الصيني-الأمريكي واحتمالات تحوله لمواجهة مسلحة. صحيح أن الإعلام الأمريكي يركز أكثر على روسيا بسبب ادعاءات تدخّلها لصالح ترامب في الانتخابات الرئاسية، لكن كبار المسؤولين في الإدارة والبنتاغون يعتبرون الصين الخطر الأبرز على الهيمنة الأمريكية.
فالصين قصة مختلفة تماماً، لضخامة اقتصادها وتنوّعه وتنامي قوتها التكنولوجية بصورة متسارعة ومشروع «الحزام والطريق» الدولي الذي تبنيه شركاتها وقواتها العسكرية التي تزداد وتصبح أكثر حداثة بصورة مذهلة، كل هذه عناصر قد تمكن الصين من مضاهاة أو التفوق على الولايات المتحدة كقوة عالمية مسيطرة، وهذا ما لن تسمح به واشنطن، وهنا بالتحديد مكمن الخطر في أن تتحول الحرب التجارية إلى مواجهة مسلحة، بحسب تقرير بعنوان «الولايات المتحدة بالفعل في حالة حرب مع الصين«.
ورغم أن واشنطن بوست نشرت تقريراً الجمعة 26 إبريل/نيسان 2019 ألقت فيه الضوء على التراجع الكبير في النمو الاقتصادي للصين عام 2018 واصفة إياه بأنه الأسوأ منذ 1990، مما جعل بكين تقلل من توقعاتها للنمو هذا العام، وكانت أبرز أسباب ذلك التراجع الحرب التجارية مع الولايات المتحدة، مضيفة أنه على المستثمرين أن يتعودوا على فكرة أن الصين لن تكون قادرة على إنعاش الاقتصاد العالمي بسبب متاعبها الكثيرة داخلياً.
كيف يمكن أن ترد الصين
يري بعض المراقبين أن استمرار الحرب التجارية من جانب إدارة ترامب ربما يأتي بنتائج عكسية؛ حيث ستجد بكين نفسها بين شقَّي الرحى، فمن ناحية يخشى زعماء الحزب الشيوعي الصيني من حدوث قلاقل اجتماعية تداخلية بسبب تراجع الاقتصاد نتيجة للإجراءات الأمريكية وهو خط أحمر لبكين؛ حيث إن الحفاظ على التماسك الداخلي هو الغاية الأهم لهم، ومن ناحية أخرى فإن سياسة ترامب التصادمية تجارياً تقوِّي المتشددين داخل الحزب والجيش، مما قد يؤدي لوقوع المحظور.
يأتي في هذا السياق قرار ترامب بفرض رسوم بقيمة 60 مليار دولار على الواردات الصينية في مايو/أيار 2018 ورفعها في سبتمبر/أيلول إلى 200 مليار بهدف إصلاح الميزان التجاري بين البلدين الذي يميل بشدة لصالح بكين وفي نفس الوقت حماية الاقتصاد الأمريكي مما وصفه ترامب «بالسلوك الشرير» للصين.
لكن النظر في مطالب الوفد التجاري الأمريكي للمفاوضين الصينيين يوضح أن هدف واشنطن الرئيسي ليس حماية اقتصادها بقدر ما هو عرقلة نمو الاقتصاد الصيني.
سيناريو الحرب
لكن على الرغم من التوترات المتزايدة هناك رأي آخر يرى أن واشنطن وبكين لن تصلا إلى مواجهة عسكرية بسبب الظروف الداخلية لدى كل منهما، فالصين سوف تتجنب أي حرب عسكرية مع الولايات المتحدة؛ لأن عصب سياستها الحالية قائم على الحفاظ على الاستقرار الداخلي.
فقادة الحزب مهووسون بالاستقرار الاجتماعي في بلد يقطنه نحو ربع سكان الكرة الأرضية، وذلك منذ احتجاجات ميدان تياننمين التي كادت تعصف بالحزب؛ لذلك يضع الجميع وعلى رأسهم زي ينغ بينغ الاستقرار الاجتماعي على رأس أهدافهم رغم أي اعتبارات أخرى.
هذه الاعتبارات تضعف من احتمالات الدخول في مواجهة مسلحة مع الولايات المتحدة الأمريكية، والأمر نفسه ينطبق على الجانب الأمريكي؛ حيث إن العنصر الحاسم في الانتخابات الرئاسية منذ عقود هو الاقتصاد، وبالتالي فإن هدف ترامب الحفاظ على قوة الاقتصاد الأمريكي الحالية، وبالتأكيد الدخول في حرب مع الصين لن يفيد.