محتويات هذا المقال ☟
توجد في إسرائيل إلى جانب مؤسسات الدولة الرسمية، قوى غير رسمية، تتمثل في الأحزاب السياسية غير المشاركة في الائتلاف الحاكم، وجماعات الضغط أو المصالح. تشارك هذه القوى في رسم السياسة العامة للدولة، ومن ثم في صنع القرار السياسي.
الأحزاب السياسية في إسرائيل وحركات السلام
أبرز ما تتميز به الأحزاب السياسية الإسرائيلية هو تعددها، ومرجع هذا التعدد هو التركيب المتناقض للمجتمع الإسرائيلي، والتفاوت الظاهر بين مختلف طبقاته وفئاته، التي هي عبارة عن خليط متنافر من الجماعات ذات الأصول المتباعدة، والاتجاهات المتباينة، عنصرياً، ودينياً، وفكرياً، وثقافياً. ومن ثم كان من الطبيعي أن يؤدي هذا التنافر إلى أن تعبر كل فئة أو جماعة عن نفسها في حزب سياسي، بعد أن عزز النظام الانتخابي القائم على أساس التمثيل النسبي للأحزاب في الكنيست، الاتجاه نحو تعدد الأحزاب، بما يكفل، إلى حد بعيد، تمثيل الأحزاب الصغيرة تمثيلاً يتناسب مع عدد أعضائها.
اتفق الكثيرون على تصنيف الأحزاب السياسية الإسرائيلية إلى يسارية، ويمينية ودينية استناداً إلى منطلقاتها الإيديولوجية، بيد أنه من الصعوبة القطع بصحة هذا التصنيف، ذلك أن كل الأحزاب السياسية في إسرائيل تشترك في إيديولوجية واحدة هي: الإيديولوجية الصهيونية التي كان هدفها الوحيد قبل عام 1948 إقامة دولة يهودية في فلسطين عن طريق طرد سكانها الأصليين وإحلال الجماعات اليهودية المهاجرة محلهم. ثم أصبح بعد عام 1948 الحفاظ على أمن هذه الدولة وبقائها، وعلى طابعها اليهودي، من خلال استمرار تدفق هجرة الجماعات اليهودية، والعمل على ضمان استيعابهم داخل الدولة، ضمان تفوق الدولة على جيرانها العرب في كافة المجالات.
راحت الحركة الصهيونية ـ في أواخر القرن التاسع عشر، وأوائل القرن العشرين ـ تُشجّع قيام أحزاب متعددة الاتجاهات، بقصد احتواء جميع الفئات والجماعات اليهودية المختلفة داخلها. ومن ثم ظهرت ثلاثة تيارات رئيسية، يؤمن معظمها بالصهيونية السياسية، ويشترك جميعها في هدف واحد، بينما تختلف في سبل تحقيق ذلك الهدف. وهذه التيارات الثلاثة هي:
1. العمالي الاشتراكي.
2. الصهيوني اليميني.
3. الديني.
وقد تضمن التيار الأخير جناحاً صهيونياً دينيا،ً وآخر معارضاً للصهيونية، آثر الخروج من المنظمة الصهيونية العالمية. وهكذا تعددت السبل وظل الهدف واحداً وواضحاً وثابتاً، مما أدى إلى تعايش فئات يهودية ذات أفكار مختلفة، ورؤى متناقضة (ماركسية، اشتراكية، محافظة، ليبرالية، دينية،…) في ظل إطار أيديولوجي واحد هو “الصهيونية”.
أولاً: السمات العامة للأحزاب في إسرائيل
تشترك كل الأحزاب السياسية في إسرائيل في عدد من السمات أبرزها ما يلي
1. إنها نشأت في أوروبا الشرقية، وعلى وجه الخصوص في بولونيا وروسيا، ثم انتقلت إلى فلسطين، قبيل إنشاء الدولة، أو أنشأت لها فروعاً فيها، بعد أن سبقتها طلائع المهاجرين اليهود في استعمار البلاد واستيطانها. وقد تكوّن معظم هذه الأحزاب، بعد المؤتمر الصهيوني الأول وقيام المنظمة الصهيونية العالمية عام 1897، بل إن الكثير منها نشأ في كنف المنظمة ذاتها وبتشجيع منها، مثل «حزب عمال صهيون» الذي نشأ لمواجهة “عصبة العمال اليهود في ليتوانيا وبولندا وروسيا: البوند”[1]، و”حزب المركز الروحي: المزراحي” بقصد استمالة اليهود المتدينين في شرق أوروبا.
2. إن هذه الأحزاب تعكس، من ناحية، صورة الحركة الصهيونية التي جمعت شتات مذاهب الجماعات اليهودية. ومن ناحية أخرى، تعكس حالة المجتمع الإسرائيلي المكون من جماعات وفئات مختلفة الأصول العرقية والدينية. فمن الأحزاب العرقية حزب “حراس التوراة الشرقيين: شاس”، وحزب “صعود إسرائيل: إسرائيل بعاليا”.
3. إن هذه الأحزاب ليست مجرد أحزاب سياسية تسعى إلى الفوز في الانتخابات والوصول إلى الحكم، وإنما هي تقوم بعدة نشاطات تشمل كافة مجالات المجتمع من سياسية، واقتصادية، واجتماعية، وثقافية، وفنية، ورياضية، وترفيهية. فالحزب يدير الحملات الانتخابية، ويقدم مرشحيه فيها، ويوفر السكن لأعضائه، ويدير الشركات، والأعمال التجارية، والصناعية، كما يشرف على مستعمرات زراعية، وكيبوتزات[2]، ومستشفيات، ومصحات، ونواد رياضية، ويصدر نشرات ثقافية، وجرائد، ومجلات تعبر عن أفكاره. وهذا يدفع العديد من الباحثين إلى القول بأن الأحزاب السياسية، في إسرائيل، تسيطر على حياة أتباعها من المهد إلى اللحد، وإنها في جوهرها منظمات استيطانية. ولعل وضع هذه الأحزاب يفسر عدم وجود مرشحين مستقلين في إسرائيل.
4. إن كل هذه الأحزاب قد شكل، قبل قيام الدولة، ميليشيات عسكرية مسلحة، غدت بعد 1948، تشكل ما صار يُعرف باسم “جيش الدفاع الإسرائيلي: زاحال”. ومن هذه الميليشيات قوات “الهاجاناه” التي كانت تابعة لحزب “الماباي”، ومنظمة “الأرجون” التي تحولت إلى حزب سياسي يحمل اسم “الحرية: حيروت” بعد قيام الدولة.
5. إن كل هذه الأحزاب لا تعبر عن أفكار، ومبادئ متناقضة، بل تؤمن كلها بأيديولوجية واحدة، هي الإيديولوجية الصهيونية[3]. ومن ثم فإن التنافس بين هذه الأحزاب، هو تنافس حول المنافع السياسية، والاقتصادية، وليس حول المبادئ، والأهداف. ولعل هذا يُفسر تناسي هذه الأحزاب، لاختلافاتها، ومبادئها، عند تشكيل الحكومات الائتلافية.
6. تتركز السلطة داخل هذه الأحزاب في يد قادتها على نحو مركزي، وما على باقي أعضاء الحزب إلا الطاعة وتنفيذ قرارات قيادة الحزب وتعليماتها. وقيادة كل حزب، مسؤولة عن تشكيل قوائم المرشحين في الانتخابات؛ وهذا يفسر اتجاه العديد من الأحزاب ـ في الحقبة الأخيرة ـ إلى إجراء انتخابات داخلية لاختيار قائمة المرشحين للانتخابات.
7. إن كل هذه الأحزاب تتلقى دعماً ومساندة مالية ومعنوية من فروعها في الخارج، أو من المنظمات اليهودية المنتشرة في العديد من دول العالم.
8. على الرغم من علمانية معظم الأحزاب السياسية، إلا إنه ليس بمقدورها إغفال قيمة ووزن الأحزاب الدينية بل إنها تنسى اختلافها معها، ورفضها لمطالبها عشية تشكيل حكومة ائتلافية، وذلك بهدف ضمان ولاء هذه الأحزاب الدينية. التي تتغاضى بدورها عن تمسكها الشديد بمبادئ الشريعة اليهودية وقت تـأليف الحكومات، بقصد الحصول على أعظم منافع سياسية ممكنة، فكثيراً ما عارضت الأحزاب الدينية الانضمام إلى حكومات لا تطبق الشريعة، غير أنها سرعان ما تراجعت وقبلت الائتلاف مع أحزاب أخرى تضمن لها تحقيق بعض مصالحها.
9. تتسم الأحزاب السياسية بالتعددية[4]، حيث تكثر عمليات الانشقاق والانقسام عشية كل دورة انتخابية. فقد كان عدد القوائم، التي تقدمت إلى أول انتخابات عام 1949 ،24 قائمة، وفي عام 1959، وصل العدد إلى 26 قائمة، ثم إلى 31 قائمة عام 1981. وفي انتخابات عام 1996، كان عدد القوائم 19 فقط، أما انتخابات الكنيست الخامس عشر عام 1999، خاضتها 33 قائمة. وتعود هذه السمة إلى أسباب عدة منها:
أ. طبيعة الجماعات اليهودية، ونزوعها نحو الإفراط في التحزب.
ب. طبيعة المجتمع الإسرائيلي القائم على خليط متعدد الأجناس، والثقافات، واللغات.
ج. تشجيع المنظمة الصهيونية العالمية، على تمثيل كافة الاتجاهات داخلها لضمان ولاء كافة الجماعات اليهودية.
د. النظام الانتخابي المتمثل في نظام التمثيل النسبي مع القائمة الحزبية، مما لا يسمح للأفراد بالترشيح كمستقلين.
وتجدر الإشارة إلى أن تعدد الأحزاب، في إسرائيل، يعمل على امتصاص التناقضات الموجودة داخل المجتمع، ويحول دون تفجرها. كما أن هذه الأحزاب تتحد وتندمج عند الخطر. بسبب اتفاقها على الثوابت والأهداف العليا، فليس ثمة اختلاف، مثلاً، حول استمرار تدفق المهاجرين اليهود، وحول ضمان استيعابهم واستيطانهم، وحول أمن الدولة وتفوقها العسكري والاقتصادي، على جيرانها العرب. ولعل مما يساعد على ذلك تجانس قيادات كل هذه الأحزاب وانتمائها إلى موطن واحد هو شرق أوروبا.
ويفسر التقارب الأيديولوجي بين الأحزاب كثرة وسهولة الانشقاقات، والائتلافات، بينها من جهة، وعدم واقعية تصنيفها إلى أحزاب يسارية، وأخرى يمينية، من جهة أخرى. لقد كان تكتل “ليكود”، بزعامة “مناحم بيجن”، أكثر مرونة من حزب “العمل”، إبان التفاوض مع مصر، كما أن حزب العمل، الذي يوصف بأنه حزب معتدل، هو الذي خاض كل حروب إسرائيل التوسعية ضد الشعوب العربية، وارتكب العديد من المذابح والمجازر ضدها.
ثانياً: الأحزاب والتكتلات[5]
يرجع اختلاف الأحزاب في وسائل تحقيق أهداف الحركة الصهيونية إلى التيارات السياسية الفكرية الثلاثة التي تبلورت داخل هذه الحركة، في أواخر القرن التاسع عشر، وأوائل القرن العشرين. وتتمثل هذه التيارات الثلاثة في: التيار الصهيوني الاشتراكي، التيار الصهيوني الليبيرالي، التيار الديني.
1. التيار الصهيوني الاشتراكي
يُمثل هذا التيار، العديد من المنظمات الصهيونية، التي ارتكزت إلى أفكار الصهيوني الروسي “بورشوف” (1881 – 1917)، الذي حاول العثور على أساس ماركسي للصهيونية، في كتابه “المسألة القومية والصراع الطبقي” الصادر عام 1905، وكذا أفكار الصهيوني الروسي “آرون ديفيد جوردون” (1856 – 1922) صاحب نظرية “دين العمل”[6]، وتتمثل أشهر هذه المنظمات الصهيونية في:
أ. منظمة “عمال صهيون، أو حزب العمال الاشتراكي الديمقراطي اليهودي الروسي”: ظهرت في صورة جماعات صغيرة في أماكن مختلفة من روسيا، في بداية هذا القرن، ثم اندمجت تحت اسم “حزب العمال الاشتراكي الديمقراطي اليهودي الروسي” في عام 1905. الذي أنشأ العديد من الفروع في النمسا وبولندا وبريطانيا والولايات المتحدة الأمريكية. وفي عام 1906 أنشأ فرعاً آخر في فلسطين.
ب. منظمة “الحارس الفتي: هاشومير هاتسعير”: نشأت في بولندا بشرق أوروبا، وهي حركة زراعية شبه عسكرية، أعلنت منذ نشأتها، أن هدفها هو إقامة دولة اشتراكية في فلسطين، بالتعاون بين العرب واليهود (فكرة القومية الثنائية).
ج. منظمة “العامل الفتي: هابوئيل هاتسعير”: تأسست في فلسطين عام 1906، على يد مهاجري شرق أوروبا، وأنشأت مستعمرات يهودية، بالاعتماد على «العمل العبري» واستبعاد العمل العربي.
ثمة منظمات صهيونية اشتراكية أخرى، أقل أهمية من المنظمات الثلاث السابقة، مثل منظمة “العمال الزراعيين”، ومنظمة “شباب صهيون”. وقد شهدت بعض هذه المنظمات كثيراً من الانشقاقات والاندماجات، أدت في النهاية إلى تشكيل حزب “عمال أرض إسرائيل: الماباي” في عام 1930.
وقد أنشق عن الماباي، في عام 1944، ما سُمى بـ “الكتلة ب”، التي أطلقت على نفسها اسم “وحدة العمل: أحدوت هعفوداه”. واندمجت مع منظمة “الحارس الفتى” ويساري “عمال صهيون” عام 1948، لتشكل حزب “العمال الموحد: المابام”. وفي عام 1954، انشقت “وحدة العمل” مرة أخرى عن “المابام”، واندمجت مع “الماباي” عام 1965. وفي العام نفسه، انشق زعيم “الماباي”، “ديفيد بن جوريون”، عن حزبه، وشكلّ كتلة جديدة تحت اسم “رافي”.
في عام 1968، توحدت الأحزاب والكتل العمالية: “الماباي”، و”وحدة العمل”، وجزء من قائمة “رافي”، تحت اسم “حزب العمل الإسرائيلي: مفليغت هعفودا هيسرئيليت”. وبقى الجناح الثاني من “رافي” مستقلاً تحت اسم “القائمة الرسمية”. وفي عام 1969، تشكل “حزب التجمع أو التحالف: المعراخ” من اتحاد حزبي “العمل” و”المابام”. واستمر هذا التحالف حتى عام 1984، حين خرج “المابام” من التجمع ليعود اسم “العمل” له من جديد.
وفي العام 1969، انشقت “شولاميت آلوني” عن “الماباي” لتشكل “حركة حقوق المواطن: راتس”. كما انشق عن “المعراخ”، عام 1973، “حزب التغيير: شينوي”. وفي العام 1992، اندمجت أحزاب: “المابام” و”راتس” و”شينوي”، لتشكل معاً كتلة جديدة باسم “الحيوية: ميرتس”. وعشية انتخابات عام 1996، انشق عن حزب “العمل” ثلة من أعضائه الأكثر تشدداً، بزعامة العميد المتقاعد “أفيغدور كهلاني”، لتشكل حزباً باسم “الطريق الثالث”.
ويوضح (شكل نشأة الحركات العمالية من 1906 إلى 1996) الانشقاقات، والاندماجات، التي شهدها التيار الصهيوني الاشتراكي منذ مطلع القرن العشرين حتى عشية انتخابات 1996.
وقد حصلت قائمة شينوي وميريتس، في انتخابات 1992، على اثني عشر مقعداً، وفي انتخابات عام 1996 حصلت القائمة ذاتها على تسعة مقاعد فقط. وفي انتخابات عام 1999، عاد شينوي لخوض هذه الانتخابات مستقلاً ليحرز ستة مقاعد. وقد نشر الحزب برنامجه الانتخابي في شهر نوفمبر 2002، للانتخابات التي جرت في 28 يناير 2003، واصفاً نفسه بأنه حزب ديمقراطي ليبرالي صهيوني علماني، يكافح القهر الديني ويدعو لدولة علمانية، وأن الحزب يقف في كافة القضايا موقفاً وسطاً بين العمل والليكود. وقد حصل في هذه الانتخابات على خمسة عشر مقعداً، في المركز الثالث بعد العمل والليكود. وفي انتخابات عام 2006، لم يحصل الحزب على نسبة الحسم، ومن ثم لم يحصل على أي مقعد في هذه الانتخابات، وهو الأمر الذي أدى إلى اختفائه تماماً.
2. التيار الصهيوني الليبرالي
ظهر هذا التيار داخل الحركة الصهيونية ـ في مطلع القرن العشرين، معبراً عن اتجاهين متمايزين، الأول: عُرف فيما بعد باليمين المتطرف، وتعود جذوره الفكرية إلى اليهودي الصهيوني المجري “ماركس نورداو” (1849 – 1923)، الذي شكلت أفكاره القاعدة التي انطلق منها اليهودي الروسي “فلاديمير جابوتنسكي” (1880 – 1940). الذي انشق عن المنظمة الصهيونية العالمية عام 1925، ليشكل “اتحاد الصهيونيين التصحيحيين” (حركة الإصلاحيين)، وتتلخص مبادئه في:
أ. أرض الدولة اليهودية هي فلسطين وشرقي الأردن.
ب. تجميع اليهود المشتتين في هذه الأرض.
ج. بناء حضارة يهودية، لغتها: العبرية، وروحها: التوراة، ونظامها: الحرية، والعدالة الاجتماعية.
وقد شكل أتباع هذا الاتحاد حركة “شباب بيتار”، في أوروبا الشرقية، كمنظمة شبه عسكرية، مهمتها إرسال الشباب المؤمن بأفكاره، إلى فلسطين، كما شكل هؤلاء منظمة “العمال القوميين”، كمنظمة عمالية تابعة للحركة. وقد انشق أتباع هذه الحركة، عن منظمة “الهاجاناه” التابعة للمنظمة الصهيونية، التي يسيطر عليها التيار العمالي الاشتراكي، وأسسوا “المنظمة القومية: أرجون زفاي لائومى (إتسل)” في عام 1937، بسبب عدم قناعة “جابوتنسكي”، وأنصاره بما سمي بأسلوب الدفاع السلبي، الذي ظهرت به الهاجاناه، في أول عهدها وقد مارست “إتسل” العديد من الأعمال الإرهابية، ضد سكان فلسطين الشرعيين، وتحولت عام 1948، إلى حزب “الحرية: حيروت”.
أما الاتجاه الثاني، فيمثله الصهيونيون العموميون، أتباع “حاييم وايزمان”، رئيس المنظمة الصهيونية العالمية، الذين لم يكونوا منتمين لأي من الاتجاهات الصهيونية الرئيسية، داخل المنظمة الصهيونية. وكان هذا الاتجاه ذا صبغة ليبرالية، يسعى إلى إقامة دولة يهودية في فلسطين، على الأسس الرأسمالية البحتة.
وفي عام 1929، تبلور هذا الاتجاه تنظيمياً، إلا أنه سرعان ما انقسم إلى مجموعتين (أ)، (ب)، حيث كونت المجموعة (ب) حزباً سياسياً، أطلق عليه “الصهيونيون العموميون”، عام 1946، في حين شكلت المجموعة (أ)، حزباً آخر حمل اسم “الحزب التقدمي” وذلك عام 1948. وفي عام 1961، اتحد الحزبان تحت اسم “الحزب الليبيرالي أو حزب الأحرار”. وقد تصدع هذا الحزب، عام 1965، حين شكل أتباع الحزب التقدمي “حزب الأحرار المستقلين”، في حين احتفظ الجناح الآخر باسم “الحزب الليبيرالي”. وعشية انتخابات عام 1965، تشكل تكتل “جاحال”، من اتحاد “حزب حيروت”، و”الحزب الليبيرالي”. وفي عام 1968، انشقت عن التكتل الجديد حركة سياسية عُرفت باسم “المركز الحر”، بزعامة “شموئيل تامير”. وفي عام 1973، تشكل “حزب التكتل: ليكود” من “جاحال”، و”المركز الحر”، و”القائمة الرسمية (رافي)”، وحركة “أرض إسرائيل الكاملة”. وقد عانى التكتل من انشقاقات عديدة، أسفرت في النهاية، عن ظهور عدة أحزاب، منها حزب “النهضة: هتحيا”، بقيادة “جيئولا كوهين”، عام 1979، وحزب “سلام صهيون: شالومتسيونتسيون”، بزعامة “آريل شارون”، عام 1977، وحزب “الوسط الليبيرالي”، بزعامة “إسحاق موداعي”، عام 1948.
ويبين (شكل نشأة الحركات اليمينية من 1925 إلى 1996) الانشقاقات والاندماجات، التي شهدها التيار الصهيوني الليبيرالي منذ نشأته وحتى عشية انتخابات 1996.
عندما اندمج كل من “الليكود” و”تسوميت” و”جيشر”، في انتخابات 1996، بزعامة “نتنياهو”، وحصلوا على اثنين وثلاثون مقعداً في انتخابات الكنيست؛ إلا أنه في انتخابات 1999، حصل الليكود على تسعة عشر مقعداً فقط. وفي انتخابات الحزب، في يناير 2002، فاز “شارون” برئاسة الحزب ما قاده لنيل أربعين مقعداً، عام 2003. وفي مطلع 2004 حدث شرخ سياسي داخل حزب “الليكود” ما بين مؤيد ومعارض لسياسة “شارون”، الذي شكل حزباً سياسياً جديداً يعبر عن (اليمين الوسط) وهو حزب “كاديما”، الذي حصل على المرتبة الأولى (تسعة وعشرين مقعداً) في الكنيست السابع عشر، في 28 مارس 2006؛ بينما حصل “الليكود” على اثنى عشر مقعداً فقط. أما في انتخابات الكنيست الثامن عشر، في الأول من فبراير 2009، حصل “كاديما” على ثمانية وعشرين مقعداً؛ بينما حصل “الليكود” على سبعة وعشرين مقعداً في تصويت الأحزاب السياسية
3. التيار الديني
ويضم التيار الديني جناحين
الأول: نشأ داخل المنظمة الصهيونية، مؤيداً للأفكار الصهيونية، ويتمثل في حركة “المركز الروحي: المزراحي”، التي تأسست عام 1902، في أوروبا، عضو مستقل في المنظمة الصهيونية العالمية، وجناحها العمالي “العامل المزراحي: هبوئيل همزراحى”، الذي ظهر عام 1922. وقد تشكل “الحزب القومي الديني: المفدال”، من اتحاد حركتي المزراحي، والعامل المزراحي.
الثاني: نشأ خارج المنظمة الصهيونية، معارضاً للصهيونية. يمثله حركة “أغودات إسرائيل العالمية”، وحركة “عمال أغودات إسرائيل”.
تزايد قوة التيار الديني ونفوذه
حققت الأحزاب السياسية الدينية قفزة كبيرة في عهد حكومة “نتنياهو” (مايو 1996 ـ مايو 1999)، حيث سيطرت على وزارتي الأديان والداخلية. أما انتخابات الكنيست الخامس عشر (مايو 1999)، فقد أسفرت عن زيادة تمثيل هذه الأحزاب، إذ حصلت الأحزاب السياسية الدينية الثلاثة الكبرى على سبعة وعشرين مقعداً، كان نصيب “شاس” منها سبعة عشر مقعداً (مقابل عشرة مقاعد في الكنيست السابق)، و”المفدال” خمسة مقاعد (مقابل تسعة مقاعد في الكنيست السابق)، و”يهود التوراة” خمسة مقاعد (مقابل أربعة مقاعد في الكنيست السابق). وبذلك تكون الأحزاب السياسية الدينية قد ارتفعت بحصتها من ثلاثة وعشرين مقعداً إلى سبعة وعشرين مقعداً، بزيادة قدرها أربعة مقاعد. ويمكن أن نضيف إليها حركة “ميماد الدينية المعتدلة”، التي خاضت الانتخابات متضامنة مع “حزب العمل” ضمن قائمة “إسرائيل واحدة”، وفازت فيها بمقعد واحد من مقاعد القائمة.
وفي انتخابات الكنيست السادس عشر (عام 2003)، حصل “شاس” على أحد عشرة مقعداً، و”المفدال” على ستة مقاعد، و”يهود التوراة” على خمسة مقاعد، بإجمالي اثنين وعشرين مقعداً. أما في انتخابات الكنيست السابع عشر، التي جرت في 28 مارس 2006، فقد حصل “شاس” على اثنتي عشر مقعداً، و”المفدال” مع “الاتحاد القومي” على أربعة مقاعد؛ بينما حصل “يهود التوراة” على ستة مقاعد. وفي انتخابات الكنيست الثامن عشر، التي جرت في 10 فبراير 2009، حصل “شاس” على أحد عشر مقعداً، و”البيت اليهودي” على ثلاثة مقاعد، و”يهودية التوراة” على خمسة مقاعد.
الأحزاب السياسية (الاشتراكية والليبرالية)
أولا: الأحزاب العمالية الاشتراكية
1. النشأة التاريخية
تشمل الحركات الأحزاب السياسية الصهيونية الاشتراكية، التي تشكل المعراخ “التجمع”، الذي ظهر على مسرح الحياة السياسية رسمياً عام 1969، يتكون من اتحاد حزبين رئيسيين من الأحزاب العمالية الصهيونية هما حزب العمل الإسرائيلي، وحزب العمال الموحد “مابام”.
وتعود الجذور التاريخية للمعراخ إلى عام 1919، عندما شهدت الحركة العمالية اليهودية أول ائتلاف لها، حين تأسست “أحدوت هعفوداه: الاتحاد الصهيوني الاشتراكي لعمال أرض إسرائيل”، من طريق توحيد حزب عمال صهيون، وأهم رجالاته “بن جوريون”، وحزب “عمال غير حزبيين”، بقيادة “إسحاق طبنكين”. وقد تضمن البرنامج السياسي، “أحدوت هعفوداه”: “إقامة دولة يهودية في أرض إسرائيل، والدعوة إلى قيام منظمة عمالية عامة تقاسمها المسؤولية”، وقال برنامج “أحدوت هعفوداه”: “نعم إن أرض إسرائيل غير خالية من السكان، لكن معظم أراضيها خراب والعرب لا يملكون القدرة على تطويرها”.
وفي يناير1930، اتحدت حركة “أحدوت هعفوداه”، مع “هبوعيل هتسعير: العامل الشاب”، في حزب صهيوني اشتراكي واحد، يحمل اسم “حزب عمال أرض إسرائيل: الماباي”، وكان من أبرز مؤسسي هذا الحزب، “ديفيد بن جوريون”، وتمتع الحزب الجديد بأغلبية ساحقة في الهستدروت “نقابة العمال العامة”، واستطاع السيطرة على المنظمة الصهيونية العالمية، وعلى أكبر المنظمات الصهيونية العسكرية في فلسطين “الهاجاناه”، و”البالماح”. وقد حدد الحزب أهدافه، في مؤتمره التأسيسي على النحو التالي: التفاني في بعث شعب إسرائيل على أرضه، كشعب عامل متحرر ومتساوي الحقوق، يضرب جذوره في جميع المجالات الزراعية والصناعية، ويطور ثقافته وتراثه العبري.
وظهرت ثلاثة تيارات يسارية في الحركة العمالية الصهيونية في فلسطين:
التيار الأول: اتحاد الجمعيات ومعظم أعضائه انتموا إلى حزب “هبوعيل هتسعير”.
التيار الثاني: ظهر عام 1927، ويحمل اسم “الكيبوتز الموحد”، وأسسه أعضاء “أحدوت هعفوداه”.
التيار الثالث: ظهر كذلك عام 1927، تحت اسم “الكيبوتز القطري”، “الحارس الشاب: هشومير هتسعير”.
وعلى الرغم من انضمام هذه التيارات الثلاثة إلى “الماباي”، والتزامها بسياسته، إلا أنها حاولت إقامة محور يساري، فظهرت بوادر كتلة معارضة لقيادة “ماباي”، انتمى معظمها إلى تيار “الكيبوتز الموحد”، بقيادة “إسحاق طبنكين”، ائتلفت مع فرع الحزب، في تل أبيب، وأسست “كتلة ب” في الماباي، وشكلت الجناح اليساري فيه، متهمة الماباي بالتنازل عن نضاله، لصالح نشاطات أخرى، كما اعترضت على السياسة الخارجية للحزب، وطالبت بإعادة الديموقراطية إلى مؤسساته المختلفة.
لكن دستور “حزب الماباي”، الذي أقره مؤتمر الحزب، عام 1942، رفض وجود كتل داخلية ضمن الحزب، وانفصلت “كتلة ب” عن الماباي عام 1944، وشاركت في انتخابات الهستدروت، تحت اسم: “حركة أحدوت هعفوداه”.
وعلى الرغم من تبلور “هشومير هتسعير: الحارس الشاب”، كمنظمة قطرية، غير سياسية، تعتمد قوتها في الأساس على إقامة الكيبوتزات، حيث يتبعها ما يزيد على المائة كيبوتز، تنتمي جميعها إلى تنظيم موحد، أطلق عليه “هكيبوتس هآرتسي: الكيبوتز القطري”، وعلى رغم ذلك، وافقت هذه الحركة، على دخول الميدان السياسي، لمواجهة حزب عمال إسرائيل “ماباي”، ووضعت لنفسها الشروط اللازمة، وأسست عام 1937، “الرابطة الاشتراكية في أرض إسرائيل”.
وفي عام 1946، تأسس “حزب العمال الموحد: مابام”، الذي ضم “هشومير هتسعير: الحارس الشاب”، وحركة “أحدوت هعفوداه بو علي تصيون”، التي انفصلت عن الماباي، مع “هشومير هتسعير”، وشكل الاثنان حزب “العمال الموحد: مابام”، الذي ضم جميع العناصر اليسارية في الحركة العمالية الصهيونية، وأصبح القوة الثانية في إسرائيل.
غير أن التنظيمات التي شكلت حزب “مابام”، لم تنجح في الانصهار في بوتقة واحدة، وبدأت الخلافات والتكتلات تظهر من جديد، خاصة في أعقاب المؤتمر الثاني للحزب، الذي عقد عام 1951، عندما قرر الحزب أنه حزب ماركسي لينيني إسرائيلي، إلى جانب كونه حزباً صهيونياً طليعياً، كما قرر أن يكون حزباً إقليمياً يهودياً عربياً، ذا نظام مركزي، يسعى لتحطيم الحواجز بينه وبين قوى الثورة العالمية، فعارضت الأقلية، التي تنتمي إلى “أحدوت هعفوداه”، ونسبتها40%، توجهات الحزب الفكرية، والعقائدية الجديدة، وخاصة انضمام الأعضاء العرب، وطالبت بالتشديد على طابع الحزب، كحزب صهيوني، طلائعي لليهود فقط.
وفي عام 1953، تغيرت توجهات الحزب تغييراً جذرياً، عندما طردت مؤسسات الحزب النائب اليساري، “موشى سنيه”، وأنصاره، فقام هؤلاء، بتشكيل حزب خاص بهم، أطلقوا عليه “حزب اليسار الاشتراكي في إسرائيل”، وأقام هذا الحزب جبهة مشتركة، مع الحزب الشيوعي الإسرائيلي، ثم اتحد معه، وبعد ذلك بسنوات انقسم الحزب الشيوعي الإسرائيلي، إلى قسمين:
الأول، بزعامة “شموئيل ماكونيس”، ومعظم أعضائه من اليهود.
والثاني، بزعامة “مائير فلنر”، ومعظم أعضائه من العرب مع قلة من اليهود، وعرف هذا الحزب، باسم “ركاح”، وهو مختصر لاصطلاح عبري، معناه بالعربية، “القائمة الشيوعية الجديدة”.
وفي عام 1954، اشتد الخلاف، مرة أخرى، بين حركة “هشومير هتسعير” وحركة “أحدوت هعفوداه”، حول ثلاث نقاط هي:
أ. الموقف من الاتحاد السوفيتي.
ب. ثورة أكتوبر.
ج. الموقف من فتح أبواب الحزب، أمام المواطنين العرب، كأعضاء متساوين، بعد أن كان لهذا الحزب قسم عربي خاص بالأعضاء العرب.
ومن ثم انشق الحزب على نفسه، وخرجت منه حركتا، “أحدوت هعفوداه”، و”بوعلي تصيون”، وشكلتا حزباً جديداً، فيما احتفظ حزب “هشومير هتسعير” باسم “حزب العمال الموحد: مابام”، وفتح أبوابه أمام العمال العرب، حيث أصبح لهم تمثيل في جميع هيئات الحزب.
أما “أحدوت هعفوداه”، و”بوعلي تصيون”، فقد شكلتا حزباً، سياسياً، جديداً، يحمل اسم “وحدة العمل: أحدوت هعفوداه”.
وفي بداية الستينيات، ظهر واضحاً أن الأحزاب السياسية العمالية الصهيونية الثلاثة “أحدوت هعفوداه”، “المابام”، “الماباي”، تتقارب في وجهات النظر شيئاً فشيئاً حول مسائل السياسة الخارجية، وإن اختلفت وجهات نظرها حول البرامج الاقتصادية والاجتماعية وقضايا النظام والدستور، كما بقيت هذه الأحزاب، تعمل على تعميق وتحقيق الحلم الصهيوني، عن طريق تشجيع وتكثيف الاستيطان، والعمل بكل الوسائل على أمن إسرائيل.
وكان الوقت ملائماً في عام 1963، لأن يطرح “الماباي”، فكرة توحيد جميع الأحزاب العمالية، لتقوية الحركة العمالية، وجعلها صاحبة القرار في سياسة الدولة من دون اللجوء إلى تنازلات للأحزاب الدينية، لكسب أصواتها في الائتلافات الحكومية، فرفضت “المابام”، الفكرة مقابل رفض طلبها بالاستقلال داخل الاتحاد المقترح، في حين وافقت “أحدوت هعفوداه: وحدة العمل” ضمن شروط كثيرة أهمها تغيير طريقة الانتخابات التي عارضها “بن جوريون”، واستقال من قيادة الحزب عندما صادق على قرار توحيد الحزبين، وأصر “بن جوريون” عام 1965، على مطالبة مؤتمر حزب “الماباي” بالتحقيق في العملية المسماة بعملية لافون، ومعارضة اتفاقية الاتحاد مع “أحدوت هعفوداه: وحدة العمل”، والعمل الجاد لتغيير طريقة الانتخابات لكنه لم يحصل على أكثر من 40% من أصوات المندوبين، وبذلك تسلم “ليفي أشكول” قيادة الحزب، بدلاً من “بن جوريون”، الذي شكل كتلة جديدة باسم “رافي”، وكان من أبرز الشخصيات، التي تضامنت معه، وترك الحزب، كل من “موشى ديان”، و”شيمون بيريز”، و”يغئال هوروفيتش”، وغيرهم. وفي الانتخابات الأحزاب السياسية التي جرت عام 1956، خاضت هذه الكتلة الجديدة المعركة الانتخابية بزعامة “بن جوريون”، إلا أن الفشل الذريع كان من نصيبها إذ حصلت على عشرة مقاعد فقط.
وعشية حرب يونيه 1967، تلاشت معظم الخلافات بين الأحزاب العمالية وكذلك بين التكتلات السياسية الصهيونية، من اليمين واليسار، فتشكلت حكومة التكتل القومي. وأثبتت جميع الأحزاب الصهيوينة: أن ما يجمعها أكثر بكثير مما تختلف عليه.
في عام 1968، بدأت المشاورات لتوحيد حركات العمل والأحزاب العمالية الصهيونية، من جديد في إطار حزب العمل الإسرائيلي، حيث وافقت أحزاب “الماباي” و”أحدوت هعفوداه” و”رافي”، على أنها متحدة في أهدافها، وأمانيها، لتجميع الشعب اليهودي في وطنه، وبناء المجتمع العامل والحر في دولة إسرائيل المستقلة. أما بالنسبة لقائمة “رافي”، فقد انقسمت على نفسها وانضم بعض أعضائها إلى التحالف العمالي الجديد، أما البعض الآخر، فقد استمر ضمن قائمة “رافي”، وخاض من خلالها انتخابات الكنيست عام 1969، وحصل على أربعة مقاعد فقط في انتخابات الأحزاب السياسية. وكانت هذه صفعة مؤلمة لهذه المجموعة.
في عام 1969، وقبل الانتخابات بفترة قصيرة، أقيم حزب التجمع “المعراخ”، باتحاد حزب “العمل الإسرائيلي” وحزب “المابام”. وفي نطاق هذا التجمع العمالي، حافظ “المابام” على حقه في التصويت الحر في القضايا التي يراها “ضميريه” كالعلاقة بين الدين والدولة، وتغيير طريقة الانتخابات. أمّا في القضايا التي تخص عرب فلسطين المحتلة عام 1948، فلم تختلف عن طريقة تصويت “الماباي”، في “المعراخ”، يؤكد هذه الحقيقة تصويت المابام، إلى جانب قانون مصادرة أراضي بدو النقب. انفصل حزب “مابام”، عن “المعراخ”، في أعقاب انتخابات الكنيست عام 1984، لمعارضته إقامة حكومة الوحدة الوطنية بين “المعراخ”، و”الليكود”.
2. حزب العمل
مما سبق يتضح أن حزب العمل هو وريث حزب “الماباي”، الذي كان حزباً اشتراكياً، صهيونياً، ينادي بالاقتصاد الموجه، وإقامة المزارع الجماعية التعاونية، وتأميم بعض المرافق والخدمات العامة، وسيطرة الدولة على التجارة الخارجية من جهة، ويشجع القطاع الخاص ويعمل على تعزيز استثمارات رؤوس الأموال الأجنبية من جهة أخرى. وقد تمتع الحزب بتقاليد ثابتة ومستقرة من الناحية التنظيمية، فقد اتسم بدقة التنظيم والمرونة والسيطرة المطلقة على أعضائه. كما أقام علاقات متشابكة وقوية مع جميع الأجهزة والمؤسسات داخل الدولة، من خلال سيطرته على الكيبوتزات والهستدروت والجيش والوكالة اليهودية، فضلاً عن علاقاته القوية مع دول الشرق والغرب.
وغني عن البيان أن حزب “الماباي”، ومن بعده “المعراخ” ثم “العمل”، قد هيمن على النشاط الصهيوني في فلسطين منذ عام 1930، وحتى اليوم ـ فيما عدا فترات حكم الليكود، وفترات الحكومات الائتلافية ـ حيث قاد عمليات هجرة الجماعات اليهودية من دول العالم المختلفة، وتوطينها في فلسطين قبل عام 1948، وكان له الفضل الأكبر في قيام الدولة، والعمل على تعزيز أمنها، وضمان تدفق الهجرة إليها، فضلاً عن إشرافه على نشاطات المنظمات الصهيونية العسكرية مثل “الهاجاناه”، و”البالماخ”، اللتين شكلتا نواة جيش الدفاع الإسرائيلي، كما قاد عمليات تهجير وطرد الشعب الفلسطيني من أرضه، وشن الحروب التوسعية ضد الدول العربية المجاورة.
وعلى الرغم من تاريخ الحزب، المليء بكل صور الإرهاب والتنكيل والاغتصاب، فإنه يُوصف دوماً بصفة “الاعتدال”. ففي السابق تبنى الحزب “مشروع آلون” ـ الذي قُدّم كمشروع سلام بين إسرائيل والعرب ـ في الوقت الذي تجاهل فيه وجود الشعب الفلسطيني، وآمن بما سمي “الخيار الأردني”، الذي يرفض قيام دولة فلسطينية، ويرى في الأردن وطناً للأردنيين والفلسطينيين.
وقد تبلور، عشية انتخابات عام 1973، ما أطلق عليه«خط الحمائم»، داخل حزب العمل، كما جاء في الوثيقة، التي قدمها “آرييه الياف” ـ السكرتير العام للحزب آنذاك ـ لمؤسسات الحزب كبرنامج انتخابي. وقد تضمنت هذه الوثيقة اقتراحاً بأن تعلن إسرائيل، “أن ما بين البحر والصحراء، في أرض الأسباط الإثنى عشر، ثمة مكان لدولتين مستقلتين تتمتعان بالسيادة: دولة إسرائيلية، ودولة فلسطينية ـ أردنية، مع استعداد إسرائيل للاعتراف بحق تقرير المصير للعرب الفلسطينيين، شريطة ألا يكون هذا الحق على حساب وجود إسرائيل وأمنها وسلامتها”.
كما اقترحت الوثيقة، إعادة سيناء إلى السيادة المصرية، مع احتفاظ إسرائيل بمنطقة مضايق تيران، وكذلك إعادة أجزاء من هضبة الجولان إلى سورية، مع إقامة وجود استيطاني دفاعي دائم لإسرائيل فيها. وأكدت الوثيقة على أن القدس هي “العاصمة الأبدية لشعب إسرائيل”، مع إمكانية منح الدولة الأردنية ـ الفلسطينية، مركزاً خاصاً في الأماكن الإسلامية بالقدس الشرقية.
وفي إطار خطة الحمائم تبلورت حلقة فكرية ـ داخل الحزب ـ سُميت “حلقة ليفون”، التي تقدمت ببرنامج أكثر تطوراً من وثيقة “الياف”. فقد دعا إلى “اعتراف كامل بحقوق الفلسطينيين في تقرير مصيرهم، إمّا في دولة مستقلة، أو في اتحاد فيدرالي مع الأردن، أو داخل الأردن، وإظهار نوايا عدم الرغبة في ضم المناطق المحتلة”. وانتهى الأمر داخل الحزب، إلى عدم الاعتراف بوثيقة “الياف” ولا بـ “برنامج ليفون”، وذلك بعدما أدت إليه حرب أكتوبر 1973، من تعزيز النهج المتشدد داخل الحزب وهو ما سُمي أصحابه بالصقور، مما دفع “الياف”، وأنصاره، و”ليفون”، ومؤيديه إلى الاستقالة من الحزب[1].
في أعقاب أزمة مارس 1990، بين حزبي “العمل” و”الليكود”، وفشل “العمل”، في تشكيل حكومة برئاسة زعيمه “شيمون بيريز”، اتجه الحزب إلى تبني الأسلوب الأمريكي، في اختيار زعيم الحزب، والقائمة الحزبية المرشحة للانتخابات، وهو ما يُعرف باسم “Primary Elections”، أي الانتخابات الأولية، داخل الحزب. وقد أجريت الانتخابات الأحزاب السياسية ، في 19 فبراير 1992، وفاز “اسحاق رابين” برئاسة الحزب.
عكس برنامج الحزب ـ عشية انتخابات الأحزاب السياسية 1992 ـ التغيرات التي طرأت على مواقفه، إزاء النزاع العربي الصهيوني، فقد نص على: “الاعتراف بالحقوق الشرعية للفلسطينيين، وإلغاء القانون الذي يحظر الاتصال بمنظمة التحرير الفلسطينية، والسعي إلى حل مشكلة الجولان مقابل ضمان ترتيبات إسرائيل الأمنية”. وكان هذا التغيير ثمرة الصراع بين جناح “المعتدلين”، وجناح “المتشددين”، داخل الحزب، الذي انتهي لصالح الأول. ويضم الجناح “المعتدل”، مجموعة من شباب الحزب، أمثال “إبراهام بورغ”، و”حاييم رامون”، و”يائيل دايان”، و”يوسى بيلين”، و”موشى شاحال”، و”عوزى برعام”، والعربيين “نواف مصالحه”، و”صالح طريف”. وقد شكل هؤلاء قوة ضغط على زعيم الحزب “رابين”، لحمله على دفع مسار المفاوضات مع الفلسطينيين والدول العربية إلى الأمام.
في أعقاب فوز حزب العمل في انتخابات العام 1992، وعودته إلى السلطة، واصل الحزب ما بدأه حزب “الليكود” عام 1990، من مفاوضات مباشرة مع الفلسطينيين، وكل من سورية ولبنان والأردن، على أساس قراري مجلس الأمن رقمي 242 و 338، وبرعاية كل من الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد السوفيتي (السابق). وعلى الرغم من ادعاء حزب “العمل” أنه يتطلع إلى تحقيق السلام مع العرب ـ طوال فترة المفاوضات وحتى اليوم ـ فإن واقع الحال يؤكد أنه لم يتزحزح قيد أنملة عن ثوابت الحركة الصهيونية، والأهداف العليا للدولة.
وفي مقابل جناح “المعتدلين”، ثمة جناح “متشدد”، داخل الحزب، يقوده أبناء الجيل الوسط، الذين دخلوا الحياة السياسية من بوابة الجيش، من أمثال “أفيغدور كهلاني”، و”أوري أور”، ومردخاي جور، و”شمعون شطريت”، و”أفرايم سنيه”، و”إيهود باراك”، و”بنيامين إليعازر”. وقد شكل “أفيغدور كهلاني”، ومجموعة من أنصاره، داخل الحزب، حركة منشقة عن حزب العمل سُميت باسم “الطريق الثالث”، بهدف الوقوف في وجه تيار “المعتدلين”، والحيلولة دون وصوله إلى قيادة الحزب من جهة، ومعارضة الانسحاب من الجولان السورية المحتلة من جهة أخرى. وقد تحولت هذه الحركة إلى حزب سياسي مستقل، عشية انتخابات 1996، وحصلت على أربعة مقاعد في الكنيست. ويعد حزب الطريق الثالث من الأحزاب التي دخلت في الائتلاف، الذي شكله الليكودى “نتنياهو” عام 1996، وتولى زعيمه “كهلاني” منصب وزير الأمن الداخلي.
لقد ظل حزب “الماباي” ـ ومن بعده “المعراخ” ثم “العمل” ـ أكبر الأحزاب تمثيلاً في الكنيست، مما مكنه من تشكيل كل الحكومات بين عامي 1949 و1977، مؤتلفاً مع أحزاب وقوى صغيرة بسبب عدم حصوله على أغلبية مطلقة في الكنيست.
يوضح (جدول حجم القوة البرلمانية لأحزاب: الماباي، المعراخ، العمل من 1949-1996م) حجم تمثيل الحزب في الكنيست من 1949 إلى 1996.
شارك حزب “العمل”، حزب “الليكود”، في حكومة وحدة وطنية، بين عامي 1984، و1988. وقد انهارت الحكومة الأخيرة في مارس 1990، إثر أزمة تسببت فيها الأحزاب الدينية. وفي عام 1992، عاد حزب “العمل” إلى السلطة، حتى هزيمة زعيمه “بيريز”، في أول انتخابات مباشرة لرئيس الوزراء عام 1996، أمام مرشح “الليكود”. وحصل الحزب في انتخابات 1999 على (34) مقعداً، إلا أنه انتظم في صفوف المعارضة، بسبب هزيمة زعيمه. ومن بين ما تضمنه برنامج الحزب في هذه الانتخابات:
أ. التطلع إلى سلام في الشرق الأوسط، لا يشهد مزيداً من الحروب أو العمليات الإرهابية، ولا يخصص موارد اقتصادية ضخمة لسباق التسلح. وإنما يتضمن إنشاء سوق مشتركة، بين دول المنطقة، وتدعيم التعاون مع الدول العربية، في مجالات الاقتصاد والري والسياحة والنقل والاتصالات والثقافة والتكنولوجيا، الخ. كما يعنى هذا السلام، إيجاد مناخ إيجابي بين الشعب الإسرائيلي والشعوب العربية، من خلال وسائل الإعلام والثقافة.
ب. الاستمرار في محاربة القوى الأصولية بكل قوة، وعلى رأس هذه القوى، حزب الله، ومنظمتي حماس، والجهاد الإسلامي، وكذلك معارضة تسليح أي نظام معاد، وخاصة إيران. وأن تكون الحكومة حرة تماماً في اختيار المكان، والأسلوب، والتوقيت المناسب، في معركتها مع هذه القوى.
ج. اعتماد سياسة إسرائيل على: قوة الجيش الإسرائيلي وقدرته على الردع، وجود حدود آمنة يمكن الدفاع عنها، ترتيبات أمنية سياسية، تعزيز تفوق إسرائيل النوعي على الجيوش العربية وإعطاء البحوث العسكرية أهمية كبرى.
د. اعتبار القدس عاصمة دولة إسرائيل الأبدية، والمركز الرئيسي للشعب اليهودي، وأن تظل موحدة غير مقسمة تحت السيادة الإسرائيلية، مع ضمان حرية العبادة للطوائف والأديان الأخرى.
هـ. مواصلة عملية السلام مع السلطة الفلسطينية وسورية ولبنان، مع مراعاة النقاط التالية[2]
(1) عدم فرض الحكم الإسرائيلي على الشعب الفلسطيني.
(2) أن يمثل نهر الأردن الحدود الشرقية الآمنة لإسرائيل، وألا يوجد جيش آخر غربي ذلك النهر.
(3) تأكيد السيادة الإسرائيلية على وادي الأردن، شمال غرب منطقة البحر الميت، ومنطقة غوش عتسيون، وغيرها، من المناطق الحيوية لأمن إسرائيل.
(4) التعاون الاقتصادي بين الإسرائيليين والفلسطينيين والأردنيين.
(5) تسوية مشكلة اللاجئين الفلسطينيين، خارج حدود إسرائيل، ورفض عودتهم إليها.
(6) فرض القانون الإسرائيلي على معظم المستوطنين، وعدم إقامة أية مستوطنات جديدة.
(7) مراعاة وجود حدود آمنة، وترتيبات أمنية، وتأمين الموارد المائية، لإسرائيل، وإقامة علاقات طبيعية وكاملة وتعاون اقتصادي، في إطار عملية السلام مع سورية.
(8) مراعاة المصالح الأمنية لإسرائيل، ومصالح سكان شمال إسرائيل، وضمان استئصال المقاومة الإسلامية، في إطار عملية السلام مع لبنان.
(9) عرض أي حل نهائي، يتم التوصل إليه للاستفتاء العام، قبل الموافقة عليه.
و. تدعيم العلاقات السلمية مع مصر والأردن، وتعزيز العلاقات مع المغرب وتونس وموريتانيا وعمان وقطر.
أزمة حزب العمل 2002 – 2004
تعمقت أزمة حزب العمل تدريجيا لتصل إلى ذروتها عقب فشل أتفاق أوسلو، الموقع مع الفلسطينيين عام 1993، في جلب السلام مع العرب، إلى جانب التدهور الشديد الذي لحق بالأوضاع الاقتصادية والاجتماعية، بعد اندلاع المواجهات مع الفلسطينيين، في سبتمبر 2000. وأخيراً، فإن انهيار الأيديولوجيا الشيوعية ذاتها في مطلع التسعينيات من القرن الماضي، كان بدوره أحد الأسباب التي فاقمت من أزمة الأحزاب القائمة على الأيديولوجيات الاشتراكية، ومنها حزب “العمل”، بطبيعة الحال.
أ. أزمة تجديد القيادة
مع رحيل “إسحاق رابين”، عام 1995، وتقدم “شيمون بيريز” في السن، كان من الطبيعي أن تشتعل المنافسات بين الجيل الأصغر، الذي لم يتمكن من تصعيد قيادة قوية لإخراج الحزب من أزمته. وقد تبدى ذلك بوضوح في السنوات الأخيرة، التي تعاقب فيها على رئاسة الحزب، خلال فترة لا تزيد عن سبع سنوات ستة أشخاص هم: “شيمون بيريز” (عقب مقتل رابين عام 1995)، ثم “أيهودا باراك”، ثم عودة مؤقتة لبيريز عقب فشل باراك في انتخابات 2001، ثم “إبراهام بورج” لفترة قصيرة حتى نهاية عام 2001، ثم “بنيامين بن اليعازر”، الذي خسر الانتخابات الداخلية في الحزب، التي جرت في 19 نوفمبر 2000، لصالح “عميرام متسناع”.
وعلى الرغم من المحاولات التي قام بها رئيس الحزب “عمران متسناع”، لإعادة الحزب إلى مبادئه الرئيسية وتفعيله كي يعبّر بالفعل عن يسار الوسط، إلا أن الهزيمة التي مني بها الحزب في انتخابات الكنيست السادس عشر، وحصوله على تسعة عشر مقعداً، دفعت متسناع في نهاية المطاف إلى تقديم استقالته من رئاسة الحزب، في 4 مايو 2003. واختير “شيمون بيريز” كرئيس مؤقت للحزب حتى فبراير 2004، وجرى بعد ذلك تمديد رئاسته لعام أخر؛ ونظراً لأن حزب العمل عجز عن توحيد صفوفه، أو العودة إلى مبادئه التي تستند إلى الحل الوسط الإقليمي، فقد خرج “متسناع” من الحزب وشكل مع “يوسي بيلين” حزباً جديداً باسم “شاحار”، بهدف توحيد صفوف اليسار ومعسكر السلام، تمهيداً لأن يكون الحزب الجديد بديلاً لحزب العمل. وقد ائتلف هذا الحزب بعد ذلك مع حزب “ميريتس”، وشكلا حركة جديدة باسم “ياحد”.
ب. نحو حكومة ائتلافية تضم العمل
تمكن شارون من حسم اتجاه دفة السياسة الإسرائيلية، مع نهاية عام 2004، وذلك بالتوجه مجدداً نحو حكومة جديدة تضم حزب العمل، لإخراج حكومته من مأزقها بعد انفراط عقدها بانسحاب العديد من الأحزاب لأسباب سياسية أو أيديولوجية واقتصادية، ومن ثم شكل حكومته الثانية بالاتكاء على دعم الأحزاب السياسية اليمينية والدينية الصغيرة، والتي ضمت، إضافة إلى حزبه “الليكود”، حزب “العمل” وحزب “شينوي” وأحزاب “الاتحاد الوطني”، و”المفدال” و”يهدوت هتوراه”. وقد أقر البرلمان بيانه الوزاري، في 10 يناير 2005، حول توسيع حكومته بمشاركة حزب العمل، بعد تسوية الخلاف على منصب نائب رئيس الحكومة، والذي كان من نصيب “شيمون بيريز”، ومنحه الثقة حيث صوت 58 نائباً فيما عارض 56 وامتناع ستة عن التصويت، وأدي وزراء العمل الجدد السبعة اليمين القانونية.
ج. تجديد القيادة في حزب العمل
جرت انتخابات زعامة الحزب، في 9 نوفمبر 2005، وأسفرت عن فوز “عمير بيرتس”، على منافسه الرئيسي “شيمون بيريز” رئيس الحزب ونائب رئيس الوزراء.
وعلى خلفية ما تعانيه الأحزاب السياسية الإسرائيلية كافة من أزمات داخلية، خاصة صراع الأجيال بين الحرس القديم، الذي يعد نفسه من الآباء المؤسسين، وبين جيل الوسط، الذي لم يأخذ فرصته في الحكم، واجه الزعيم الجديد لحزب العمل “عمير بيرتس” مشكلة إعادة لم شمل الحزب وإعادة بنائه، عبر تبني برنامج متكامل يراعي مستجدات الأوضاع على كافة الأصعدة، ومعالجة ضآلة حجم تمثيله في البرلمان (تسعة عشر نائباً أنذالك)
د. الخطوط الرئيسية لبرنامج العمل
(1) المفاوضات: يدعو إلى استئناف المفاوضات مع السلطة الفلسطينية، من خلال الالتفاف على حماس، وتشجيع الرئيس “محمود عباس” (أبو مازن) وتياره السلمي.
(2) الإرهاب: محاربة الإرهاب كما لو أنه لا توجد مفاوضات سلام، وإدارة مفاوضات سلام كما لو أنه لا يوجد إرهاب (هذه هي مقولة كان “اسحق رابين” قد طرحها في سنة 1994، ويتبناها بيرتس اليوم). أما إذا فشلت المفاوضات، فيكون اللجوء إلى خطوات أحادية الجانب، وحتى هذه يتم تنسيقها مع الفلسطينيين.
(3) ويدعو للتفاوض مع سورية ومع لبنان، وإقامة علاقات جيدة مع العالم العربي بأسره.
(4) التسوية: يجب أن تقوم على أساس مبدأ دولتين للشعبين، وتكون الدولة الفلسطينية مستقلة وذات سيادة ويكون أساس حدودها أراضي الضفة الغربية، على أساس حدود 1967، باستثناء الكتل الاستيطانية الكبرى القائمة على المناطق الحدودية (يؤيد حزب العمل إزالة معظم المستوطنات في الضفة الغربية).
(5) القدس: تكون غير موحدة بالمفهوم التقليدي إنما القسم الغربي منها، إضافة إلي الأحياء اليهودية في القسم الشرقي هي عاصمة إسرائيل، والأحياء العربية تكون عاصمة الدولة الفلسطينية وتحت سيادتها، والأماكن المقدسة توزع بينهما: اليهودية لإسرائيل، والإسلامية والمسيحية لفلسطين.
(6) الاقتصاد: إدارة الاقتصاد على طريقة أنظمة الحكم الاسكندنافية، سياسة رفاه في ظل اقتصاد ليبرالي حر
(7) المساواة: تحقيق المساواة بين مواطني إسرائيل اليهود والعرب.
وفي انتخابات الكنيست السابع عشر، في 28 مارس 2006، حصل حزب العمل على عدد المقاعد نفسها السابق (19 مقعداً)، محققاً المركز الثاني في الانتخابات بعد حزب “كاديما” (29 مقعداً)؛ بينما حصل حزب “ميرتس” على خمسة مقاعد بدلاً من ستة مقاعد في الانتخابات السابقة.
وكانت الخطوط الرئيسية لبرنامج العمل في هذه الانتخابات كما يلي:
(1) رفض حزب العمل مقترح الحكومة الخاص بالموازنة العامة، وقرر انسحاب الحزب من الحكومة لتشكيل أزمة ائتلافية، جعلت شارون يقرر التوجه إلي انتخابات مبكرة، في نوفمبر 2006.
(2) بسبب قضايا الفساد التي تورط فيها رئيس الوزراء المستقيل “أولمرت”، وعجز خليفته في حزب “كاديما”، وزيرة الخارجية “تسيبي ليفني”، عن تشكيل حكومة جديدة، تم الاتفاق على إجراء انتخابات برلمانية مبكرة، في 10 فبراير 2009 للكنيست الثامن عشر، والتي أسفرت عن فقد حزب العمل ستة مقاعد (من 19 إلى 13) واحتل المرتبة الرابعة، لأول مرة في تاريخه. كما فقد حزب “ميرتس” مقعدين (من 5 إلى 3). ومثلت هذه النتائج تراجع اليسار تراجعاً غير مسبوق.
3. حركة “الحيوية: ميرتس”
تشكلت هذه الحركة عشية انتخابات الأحزاب السياسية عام 1992، من اندماج ثلاثة أحزاب هي “المابام” و”راتس” و”شينوى”، وهى الأحزاب السياسية التي تطلق على نفسها اسم “أحزاب السلام في إسرائيل”، أو “كتلة اليسار”. وقد استطاعت هذه الحركة الحصول على (12) مقعداً عام 1992، غير أن حجم تمثيلها تراجع في انتخابات 1996، إلى تسعة مقاعد. وقد شاركت الحركة، في أعقاب انتخابات 1992، حزب العمل في تأليف الحكومة ـ بجانب حزب شاس الديني ـ إذ تم تعيين ثلاثة وزراء في الحكومة من “ميرتس”. وزاد حجم تمثيل “ميرتس” في انتخابات الأحزاب السياسية 1999 إلى عشرة مقاعد، ثم تقلص إلى ستة مقاعد في انتخابات 2003، ولم يُعين وزراء من الحركة في الحكومة، وتقلص عدد المقاعد إلى خمسة مقاعد في انتخابات 2006، ثم إلى ثلاث مقاعد في انتخابات 2009. وتلخص برنامج الحركة آنذاك في:
أ. الاعتراف بحق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره سواء كان هذا الحق يتجه إلى قيام دولة فلسطينية مستقلة، أو إلى اتحاد فيدرالي، أو كونفدرالي مع الأردن.
ب. عدم مشاركة منظمة التحرير الفلسطينية في مفاوضات التسوية إلا بعد أن تعترف بإسرائيل وتنبذ الإرهاب والعنف.
ج. الاستعداد لحل وسط ومعقول في الجولان.
د. عدم تقسيم القدس.
هـ. إيقاف الاستيطان فوراً.
أمّا برنامجها الانتخابي في عام 1996، فكان كالتالي:
(1) الموافقة على قيام دولة فلسطينية مستقلة، إلى جوار دولة إسرائيل.
(2) القدس عاصمة إسرائيل، ولن تقسم مرة أخرى.
(3) معارضة سياسة الاستيطان في المناطق المحتلة.
(4) تدعيم أمن إسرائيل.
(5) ضرورة السلام مع سورية لإزالة خطر الحرب المفاجئة، وتمهيد الطريق لسلام إقليمي كامل. مما يستلزم وجود ترتيبات أمنية مشددة وشاملة ومتنوعة، ونزع للسلاح، وخفض واسع للقوات، وآليات للرقابة، وضمانات دولية، مقابل انسحاب إسرائيلي تدريجي إلى الحدود الدولية.
(6) محاربة التمييز العنصري داخل الدولة، وحظر نشاط الجماعات العنصرية، وضرورة تعزيز القيم الديموقراطية والإنسانية في نظم التعليم.
(7) معارضة أي شكل من أشكال الإكراه في الشؤون الدينية، والعمل على الفصل بين الدين والدولة، وتشريع قانون للزواج المدني، بجانب الزواج والطلاق الديني المعمول به. ويدعو الحزب، إلى الاعتراف بقواعد متعددة وليبرالية في شأن من هو اليهودي، كما دعا الحزب إلى إقامة مقابر مدنية، بجوار المقابر الدينية، وإلى تجنيد كل طلاب المدارس الدينية.
(8) معارضة كل صور التمييز والتفرقة تجاه السكان العرب، في إسرائيل، في كل المجالات.
(9) ضمان حقوق متساوية وكاملة للمرأة، في كل مجالات الحياة، وفي مواقع اتخاذ القرار، والتأكيد على حق المرأة في اتخاذ قرارها الخاص بإنهاء الحمل.
وفيما يلي عرض مختصر لأطراف هذه الحركة الثلاثة من حيث نشأتها ومبادئها وتطورها:
أ. حزب العمال الموحد “المابام”
تشكل هذا الحزب عام 1948، من اتحاد “منظمة الحارس الفتى: هاشومير هاتسعير”، و”وحدة العمل: أحدوت هعفوداه”، و”يساريي: عمال صهيون”. كانت منظمة “الحارس الفتي” منظمة ماركسية صهيونية، تتحدث عن وحدة الطبقة العاملة العربية واليهودية، والنضال المشترك ضد الإقطاع، ومن ثم كانت فكرة “ثنائية الدولة”، في فلسطين. وفي الآن نفسه كانت هذه المنظمة تعمل على تعزيز العمل الصهيوني، في فلسطين، عن طريق قوتها الضاربة “البالماخ”، وتقوم ببناء المزيد من المستوطنات الزراعية العسكرية. كما آمنت المنظمة بما سُمي بـ “أرض إسرائيل التاريخية”، التي تضم جانبي نهر الأردن. ومن ثم طالبت بدفع عملية الاستيطان إلى شرق الأردن كذلك. وبقيام دولة إسرائيل وظهور حزب “المابام”، سقطت فكرة “الدولة ثنائية القومية”، وصار الحزب من أنصار قيام دولتين على أرض إسرائيل، “دولة إسرائيل”، في غرب الأردن، و”دولة عربية”، في شرقه. كما طالب الحزب بتحقيق المساواة الكاملة بين الأقلية العربية في إسرائيل، وبين اليهود، ودعا إلى توطين اللاجئين الفلسطينيين، في الدول العربية. وكذلك نادى الحزب بالتعاون الاقتصادي مع الأردن، باعتبار أن إسرائيل والأردن، شريكتان في أرض إسرائيل التاريخية.
والحق أن الهدف النهائي للحزب، كان توطين اللاجئين نهائياً في الأردن، والقضاء على حقوق الشعب الفلسطيني. ويؤكد هذا أن الحزب أيد بقوة حرب 1956، وعارض الانسحاب من غزة، فضلاً عن مشاركته في اتخاذ قرار حرب 1967، وموافقته على ضم القدس. بل راح يقيم مستوطنات جماعية، شبه عسكرية، على أنقاض القرى العربية المهدّمة في الضفة الغربية.
طوّر الحزب برامجه تجاه العرب منذ عام 1973، حيث اعترف بحق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره، بيد أنه ظل رافضاً لإقامة دولة فلسطينية مستقلة، ومعارضاً الاعتراف بمنظمة التحرير الفلسطينية، ومؤمناً بالقدس الموحدة، عاصمة أبدية لإسرائيل. كما اقترح إعادة أجزاء من الجولان، إلى سورية، مقابل سلام دائم، وإقامة سلام مع مصر، تعاد بموجبه سيناء إلى السيادة المصرية، مع بقاء نقاط ارتكاز إستراتيجية، في يد إسرائيل. وقد عارض الحزب التدخل الإسرائيلي في لبنان، خاصة بعد خروج عملية الغزو عن أهدافها ـ وفقاً لرؤية الحزب ـ ووقوع خسائر بشرية، ومادية ضخمة.
فاز الحزب بالمركز الثاني في انتخابات الكنيست الأولى بحصوله على (19) مقعداً، ثم أخذ حجم تمثيله يضعف شيئاً فشيئاً، حيث حصل على (15) مقعداً عام 1951، و(9) مقاعد أعوام 1955، و1959، و1961، و(8) مقاعد عام 1965. وثم انضم الحزب عام 1969، إلى حزب “الماباي” تحت اسم “المعراخ”، حتى عام 1984، حين انشق عليه نتيجة تشكيل “المعراخ” حكومة وحدة وطنية مع حزب “الليكود”. وفي انتخابات عام 1988، حصل الحزب على ثلاثة مقاعد. شارك حزب “المابام”، في عدة حكومات ائتلافية مع حزب “الماباي”، في: نوفمبر 1955، ونوفمبر 1958، وديسمبر 1959، ويناير 1966، (حكومة وحدة وطنية)، ومارس 1969، وديسمبر 1969.
ب. حركة حقوق المواطن “راتس”
انشقت هذه الحركة عن حزب العمل، في أعقاب حرب أكتوبر 1973، بزعامة “شولاميت آلوني”، لأسباب تتعلق بالسياسة الداخلية للحزب. وقد حاولت الحركة الاندماج مع حركة “شينوي”، المنشقة كذلك عن حزب العمل، عام 1975، إلا أنها فشلت. ثم اتحدت، مع جماعة “آربيه الياف”، وحركة “ليفون”، عام 1975، تحت اسم “الدفء: ياعد”. ودعت الحركة الجديدة إلى تسوية سلمية مع العرب على أساس الاعتراف المتبادل، غير أن هذه الحركة سرعان ما انهارت في أواخر العام نفسه. وقد ضمنت حركة “راتس”، برامجها السياسية، العديد من المقترحات الرامية إلى الحد من تأثير الأحزاب والمؤسسات الدينية، في الحياة السياسية، والعمل على “علمنة” المؤسسات السياسية والتعليمية، فضلاً عن اهتمام الحزب بحقوق الإنسان في الأرض العربية المحتلة، واعترافه بحق الفلسطينيين في تقرير مصيرهم، مع مراعاة مقتضيات الأمن الإسرائيلي. ويعارض الحزب، الاستيطان في الأراضي المحتلة. وقد حصلت الحركة على ثلاثة مقاعد عام 1973، ومقعد واحد عامي 1977، 1981، وثلاثة مقاعد عام 1984في الأحزاب السياسية، وخمسة مقاعد عام 1988.
ج. حركة التغيير “شينوي”
انشقت هذه الحركة، بعد حرب أكتوبر 1973، عن حزب العمل، بزعامة البروفيسور “آمنون روبنشتاين”، لأسباب تتعلق بطبيعة النظام السياسي والأوضاع الاجتماعية والاقتصادية، وضمت الحركة مجموعة من المثقفين وأساتذة الجامعات، واندمجت مع “الحركة الديموقراطية”، المنشقة عن حزب “العمل”، بزعامة الجنرال المتقاعد “إيجال يادين”، تحت اسم “الحركة الديموقراطية للتغيير: داش”.
ولم يكن برنامج الحركة الديموقراطية، يختلف كثيراً عن برامج حزب العمل، كما أنها لم تكن ـ وهي حركة يغلب عليها التوجه العسكري ـ على وفاق مع “شينوي”، التي يغلب عليها التوجه الأكاديمي والثقافي. وقد حصلت “داش”، على (15) مقعداً في انتخابات عام 1977، مما مكنها من الاشتراك في حكومة الليكود الائتلافية، مما أفضى إلى انشقاق “شينوي”، عنها.
وفي عام 1981، فشلت حركة “يادين”، بمفردها في الحصول على أية مقاعد في الكنيست، بينما حصلت “شينوي”، على مقعد واحد. وفي العام 1984، حصلت “شينوي”، على ثلاثة مقاعد، ثم مقعدين عام 1988 واندمجت مع حركة “ميرتس” عام 1992، فحصلت على (12) مقعداً في انتخابات 1992، ثم على (9) مقاعد في انتخابات الكنيست 1996، ثم انفصلت حركة “شينوي” لتخوض انتخابات الكنيست عام 1999، وحصلت على ستة مقاعد. وأعلنت بأنها تقف بين حزب “العمل” وحزب “الليكود” مواقفاً وسطاً، وحصلت في انتخابات الكنيست عام 2003، على (15) مقعداً، بينما لم تحصل في انتخابات 2006 على نسبة الحسم المطلوبة للحصول علي أي مقعد، واختفت من الحياة السياسية، بعد ذلك.
4. الجبهة الديموقراطية للسلام والمساواة “حداش”
خرجت هذه الجبهة من عباءة “الحزب الشيوعي الإسرائيلي”، الذي تأسس عام 1919، في فلسطين. فقد عانى هذا الحزب، منذ تأسيسه، العديد من الصراعات، بين جناحيه اليهودي والعربي. وبعد سلسلة من الانشقاقات والاندماجات انقسم الحزب، في عام 1948، إلى قسمين:
الأول: ضم الشيوعيين العرب، تحت اسم «عصبة التحرر الوطني».
الثاني: ضم الشيوعيين اليهود، تحت اسم «الحزب الشيوعي الإسرائيلي: ماكي».
وقد أيد “ماكي”، قرار التقسيم، وقيام دولة يهودية. وقد انضم إليه المنشقون العرب بعد ذلك.
في عام 1965، عاد العرب لينشقوا عن الحزب، ومعهم عدد غير قليل من اليهود، ليشكلوا حزباً جديداً أُطلق عليه “القائمة الشيوعية الجديدة: راكاح”، في الوقت الذي احتفظت فيه الأقلية اليهودية بالحزب الشيوعي الإسرائيلي “ماكي”[3]، وقد دافع حزب “راكاح” دوماً عن حقوق العرب، وطالب بعودة اللاجئين إلى ديارهم، كما عارض عدوان 1967، ودعا إلى تنفيذ قرار مجلس الأمن الرقم (242)، ومساواة العرب مع اليهود، في الحقوق المدنية، داخل إسرائيل، وعلى الرغم من أن الحزب لا يعترف بوجود شعب يهودي واحد، إلا أنه يرى أن اليهود في فلسطين، يشكلون شعباً واحداً منسجماً. وقد اعترف الحزب عام 1974، بالحقوق الوطنية للشعب الفلسطيني، بما في ذلك حقه في تقرير مصيره، وفي إنشاء دولة مستقلة له في الضفة الغربية وقطاع غزة والقدس العربية. كما ندد بالاستيطان.
اندمج حزب “راكاح”، مع أحد أجنحة “حركة الفهود السود”، وشخصيات عربية ودرزية ويهودية أخرى في عام 1988، ليشكل “الجبهة الديموقراطية للسلام والمساواة: حداش”. وقد حصلت “حداش”، على أربعة مقاعد في ذلك العام، وعلى ثلاثة مقاعد عام 1992. وحصلت في انتخابات 1996، على خمسة مقاعد، وضمت قائمتها قائمة التجمع الوطني الديمقراطي، وهي حركة عربية، برئاسة “هاشم محاميد”[4]. وحصلت “حداش” على ثلاثة مقاعد في انتخابات الأحزاب السياسية 1999، تقلصت إلى مقعدين في انتخابات 2003، وزادت مرة أخرى إلى ثلاثة مقاعد في انتخابات 2006، وإلى أربعة مقاعد في انتخابات 2009.
يوضح (جدول حجم التمثيل البرلماني الأحزاب السياسية الشيوعية 1949 – 1996) عدد المقاعد البرلمانية، التي حصلت عليها القوائم الشيوعية في إسرائيل.
اندمج حزب «ماكي»، مع كتل يسارية أخرى، بعد تضاؤل قوتها في انتخابات عام 1969، وشكل حركة “الموقد: موقيد”. وقد اعتبرت هذه الحركة الصهيونية “حركة تحرير وطني للشعب اليهودي”، وهكذا انتهي الأمر بالحزب الشيوعي الإسرائيلي، إلى أن أصبح حزباً صهيونياً خالصاً. حصلت “موقيد” على مقعد واحد عام 1973.
ثانيا: التيار الصهيوني الليبيرالي “الأحزاب اليمينية”
1. حزب الليكود
أ. النشأة التاريخية
تشكل هذا الحزب نتيجة عدة تحالفات واندماجات حزبية، عبر مراحل زمنية متتابعة، تمثل قطباه الأساسيان في “حزب حيروت: الحرية”، و “الحزب الليبيرالي: حزب الأحرار”. كما ضم حركات صهيونية أقل أهمية، منها: “حركة أرض إسرائيل الكاملة”، و”القائمة الرسمية”، و”المركز الحر”، و”حركة سلام صهيون: شالومتسيون”، عشية انتخابات 1973.
ظهر حزب “الحرية: حيروت” عام 1948، كامتداد سياسي للمنظمة الصهيونية السرية: “المنظمة العسكرية القومية: الأرجون”[5] المرتبطة ارتباطاً وثيقاً، بحركة الإصلاحيين الصهيونية، أتباع “فلاديمير جابوتنسكى”. وأعلن حزب “حيروت”، بمجرد قيامه، أن “الوطن القومي اليهودي، الذي يمتد على ضفتي نهر الأردن، هو وحدة تاريخية، وجغرافية، لا تتجزأ”، وأن من ضمن مهامه: “إرجاع أجزاء الوطن، التي اقتطعت منه، وسُلمت إلى حكم أجنبي، إلى السيادة اليهودية”.
من الناحية الاقتصادية، آمن الحزب بنظام الاقتصاد الحر، وبمعاداة الاشتراكية، وتدخل الدولة في القطاع الاقتصادي.
يرى الحزب ضرورة وضع دستور دائم ومكتوب للدولة، ورفض مبدأ الحياد، وعادى الاتحاد السوفيتي.
وقد اتسمت مواقف حزب “حيروت”، بوضوحها وبُعدها عن المناورة والمواربة، بيد أنه ـ ومع طول بقائه في صفوف المعارضة ـ راح يتحدث بعبارات دبلوماسية، ويتطلع إلى إقامة السلام، مع الأردن.
تشكل عام 1965، تكتل “جاحال”، من اندماج حزبي “حيروت”، و”الأحرار”، مما دفع تيار “شيموئيل تامير” إلى الخروج على الحزب، وتشكيل حزب “المركز الحر”. وقد شكل “تامير”، تحدياً لزعامة “مناحم بيجين”، لحزب “حيروت”.
تعود أصول الحزب الليبيرالي إلى الصهيونيين العموميين، الذين شكلوا التيار اليميني الثاني في عام 1929. ويتفق العموميون مع حزب “حيروت” على الإيمان بـ “حق الشعب اليهودي في أرض إسرائيل التاريخية”. وقد درج الصهيونيون العموميون على التحالف مع حزب “الماباي” لحاجة مشروعهم الرأسمالي ـ الذي يدعون إليه ـ إلى اليد العاملة. وتحالف “الحزب التقدمي” و”العموميون” في حزب واحد، عام 1961، تحت اسم “حزب الأحرار” أو “الحزب الليبيرالي”، الذي انفصمت عُراه عام 1965، حين انضم أتباع “العمومين” إلى “حيروت”، لتشكيل تكتل “جاحال”، وظل أتباع الحزب التقدمي تحت مظلة مستقلة باسم “الحزب الليبيرالي” أو “حزب الأحرار المستقلين”. عشية انتخابات عام 1973، تشكل حزب “الليكود”، بانضمام “المركز الحر”، و”حركة أرض إسرائيل الكاملة”، و”القائمة الرسمية” إلى تكتل “جاحال” (حيروت والحزب الليبيرالي).
ب. مبادئ الليكود السياسية
(1) حق إسرائيل في كامل أرض إسرائيل التاريخية: فلسطين، وشرق الأردن.
(2) السلام مع العرب عبر مفاوضات مباشرة.
(3) استمرار عمليات الاستيطان واسعة النطاق في كل أرض إسرائيل المحررة.
(4) التأكيد على الاقتصاد الحر، والحد من تدخل الدولة.
وقد وضع “الليكود” هذه المبادئ، موضع التنفيذ حين وصل إلى السلطة عام 1977. وحينما شكل زعيمه “إسحاق شامير”، حكومة الوحدة الوطنية، مع حزب العمل عام 1988، راح يؤكد على دعوة الدول العربية إلى مفاوضات مباشرة مع إسرائيل، و”أن على أرض إسرائيل دولتين، يقصد إسرائيل والأردن، وليس هناك مجال لإقامة دولة عربية أخرى داخل دولة إسرائيل، وأن حل مشكلة عرب المناطق المحتلة يكمن في اتفاقيات كامب ديفيد، وأن المستوطنات في الضفة والقطاع تلعب دوراً أمنياً مهماً في الدولة”.
خاض “ليكود” انتخابات عام 1996، في قائمة مشتركة مع حزبى “جيشر”، و”تسوميت”، بزعامة “بنيامين نتنياهو”، فحصل على (32) مقعداً، وفاز زعيمه في أول انتخابات مباشرة لرئيس الوزراء.
ج. نقاط البرنامج الانتخابي للحزب في انتخابات عام 1996
(1) فتح أبواب “إسرائيل”، أمام المزيد من المهاجرين اليهود، وتدعيم المستوطنات وإلغاء قرار تجميدها.
(2) المحافظة على أمن البلاد شرط رئيسي في أية تسوية سلمية.
(3) مواصلة العملية السلمية مع الفلسطينيين مع مراعاة الآتي:
(أ) ضرورة إلغاء بنود الميثاق الفلسطيني، التي تدعو إلى تدمير إسرائيل، والتصدي للإرهاب (يقصد القوى الإسلامية) والتحريض ضد إسرائيل.
(ب) يمكن منح الفلسطينيين، حكماً ذاتياً في كافة المجالات عدا الشئون الخارجية، والأمن.
(ج) معارضة قيام دولة فلسطينية مستقلة.
(د) توفير فرص عمل للفلسطينيين، داخل مناطق الحكم الذاتي، بهدف تقليص عدد العمال الفلسطينيين داخل «إسرائيل».
(هـ) للجيش الإسرائيلي الحرية الكاملة في العمل ضد الإرهاب (القوى الإسلامية) في كل مكان.
(و) بقاء المناطق الأمنية الحيوية لأمن إسرائيل، والمستوطنات اليهودية، تحت السيادة الإسرائيلية بشكل كامل.
(ز) بقاء مصادر المياه الحيوية بالنسبة لإسرائيل، في الضفة الغربية تحت السيادة الإسرائيلية.
(ح) القدس الموحدة عاصمة إسرائيل، ومن ثم يجب حظر الأنشطة التي تتآمر على مكانة القدس هذه، وإغلاق مؤسسات منظمة التحرير الفلسطينية فيها، بما في ذلك بيت الشرق.
(ط) يمثل نهر الأردن الحدود الشرقية لدولة إسرائيل، كما يمثل الحدود الدائمة بين الدولة والمملكة الأردنية.
(4) التأكيد على سيادة إسرائيل الكاملة على مرتفعات الجولان.
(5) دعم الجهود الرامية إلى تعزيز العلاقات مع الدول العربية وخاصة المغرب وتونس والجزائر ودول الخليج.
(6) مواصلة مكافحة المقاطعة العربية الاقتصادية لإسرائيل، وكذلك المقاطعة الثقافية.
(7) تعميق العلاقات السلمية مع مصر والأردن.
وفي جدولي (القوة التمثيلية لأحزاب حيروت، جاحال، الليكود في الكنيست 1949 – 1996) و(القوة البرلمانية للصهيونيين العموميين والأحزاب المنشقة عليهم) بيان بالقوة التمثيلية لأحزاب اليمين.
حدث انشقاق في صفوف الحزب، في أوائل عام 1996، خرج على أثره “ديفيد ليفي” واليهود الشرقيون ـ وخاصة المغاربة ـ من صفوف الحزب، ليشكلوا حزباً جديداً باسم “الجسر: جيشر”. وكان هذا الانشقاق ثمرة خلافات وصراعات طويلة بين “ليفي” واليهود الشرقيين من جهة، وقيادة “الليكود”، من جهة أخرى حول حقوق الشرقيين، ومكانتهم داخل الحزب. ومع ذلك خاض “الليكود”، و”جيشر”، و”تسوميت”، انتخابات 1996، بقائمة انتخابية واحدة احتل فيها زعيم “جيشر” الترتيب الثاني.
د. الأزمة الداخلية في الليكود
على الرغم من أن شارون تمكن من الفوز على نتنياهو في انتخابات الحزب، التي جرت عام 2002، وقاد الليكود للفوز بـ (40) مقعداً في الانتخابات العامة، التي جرت في يناير 2003؛ إلا أن هذه الانجازات لم تؤد عملياً إلى إنهاء المعارك بين المعسكرين، ولم تحسم الأمر لصالح شارون ومعسكره بشكل واضح. وقد اشتعل الموقف بين المعسكرين مجدداً مع مطلع عام 2004، عندما طرح إيريل شارون” على مؤتمر الحزب خطته للانسحاب الأحادي من قطاع غزة، مع تفكيك كافة المستعمرات به، إضافة إلى أربع مستعمرات أخرى في الضفة الغربية. وفي تحد لمعسكر نتنياهو، أعلن شارون أنه سيعرض خطته للتصويت في اللجنة المركزية للحزب؛ فيما أعلن نتنياهو ومؤيدوه أنهم لن يسمحوا بتمريرها. ومنذ الوهلة الأولى كان واضحاً أن معسكر نتنياهو يحظى بتأييد الأربعة وزراء الممثلين لحزبي “الاتحاد القومي” و”المفدال” في الائتلاف، فضلاً عن وزراء الليكود السبعة.
ومع استقالة وزراء “المفدال” و”الاتحاد القومي” من الحكومة، بعد تمرير الموافقة علي خطة شارون المعدلة في مجلس الوزراء، في مطلع شهر يونيه 2004، بدا بوضوح أن المعارك الداخلية في الليكود قد اشتدت هذه المرة، على خلفية المحاولات التي كان شارون يجريها لإدخال حزب العمل في الائتلاف الحاكم.
وخلال فترة المشاورات الأولى التي أجراها شارون، منذ استقالة وزراء “المفدال” و”الاتحاد القومي”، والتي امتدت حتى نهاية شهر يوليه، هاجم شارون مناوئيه في أكثر من مناسبة، كانت أشدها في 30 يوليه 2004، عندما اتهم “سلفان شالوم” (وزير الخارجية) دون أن يسميه، بإدخال الحزب في أزمة تنذر بتفكيك الحكومة، وربما عدم تمكن الليكود من العودة إلي السلطة مرة ثانية.
أصبح الشرخ السياسي داخل حزب الليكود عصياً على الترميم أو العلاج، حيث تبلور صراع حاد بين مؤيدي ضرورات اللحظة السياسية والسياسات البراجماتية، في التعامل مع الصراع مع الفلسطينيين، وبين المنادين بضرورة التمسك بروح ومبادئ الليكود التاريخية، وهو ما أبرزه تهديد شارون بإقالة وزير ماليته ومنافسه الأول في حزب الليكود “بنيامين نتنياهو” من الحكومة، مثلما أقال من قبله الوزير “عوزي لندوا” كوزير بلا حقيبة، ونائبه “ميخائيل راتسون”، وتم فصله في أكتوبر 2004، عندما قررا التصويت ضد الخطة عام 2004.
هـ. شارون والتمرد داخل الليكود
كانت الانقسامات داخل حزب الليكود قد وصلت إلى درجة من التعقيد، ما حال دون أن يستمر شارون في خطته على النحو الذي رغب فيه. فكانت هناك مجموعة متمردة والذين عارضوا خطة شارون منهم ثلاثة عشر نائباً في الكنيست، أي ثلث الكتلة البرلمانية. وفي قضايا أخرى من قبيل الموازنة، وصل عدد هؤلاء المتمردين إلى عشرين نائباً صوتوا ضد منح الثقة لحكومة شارون، الذي هو زعيم حزبهم، في مارس 2005.
تقدم نتنياهو في مطلع أغسطس باستقالته احتجاجاً على تطبيق خطة الانسحاب الأحادي، وهو ما عدّه شارون دليلاً واضحاً على أن نتنياهو لا يكترث للبرنامج السياسي لليكود، ولا لمصير إسرائيل، وأن كل ما يهمه هو مصلحته الشخصية ومعركته للعودة إلي رئاسة الحزب والحكومة، ومشيراً إلى أن الفترة التي كان فيها نتنياهو قائداً للحزب ورئيساً للحكومة (1996 – 1999)، كانت من أسوأ الحقب في تاريخ إسرائيل؛ فعاقب الشعب الليكود على ذلك بأن انخفض عدد مقاعده في الكنيست من (33) مقعداً إلى (19) مقعداً. وذكّر شارون مستمعيه بأنه هو الذي أعاد الليكود إلى الحكم في سنة 2001، ورفع عدد نوابه من (19) إلى (40) نائباً، ولفت أنظارهم إلى أن جميع استطلاعات الرأي تؤكد أن الليكود بقيادة نتنياهو سيعود إلى (19) مقعداً، بينما الليكود بقيادة شارون سيحصل على (40) مقعداً وأكثر، إذا جرت الانتخابات اليوم.
وقد عمقت خطوة الاستقالة التي أقدم عليها وزير المالية الإسرائيلي “بنيامين نتنياهو”، وذلك قبيل موافقة الحكومة على إخلاء مجموعة أولى من مستوطنات قطاع غزة (ثلاث مستوطنات صغيرة)، الأزمة السياسية في حزب الليكود وفي الحكومة معا. فقد تولي الوزير “أيهود أولمرت” أعباء وزير المالية، وأعلن “عوزي لينداو” عن ترشيح نفسه لرئاسة الليكود، كمنافس لزعيم الحزب “أرييل شارون”. وقد نصح مقربو شارون بأن عليه أن يستغل التأييد الواسع له في أوساط الجمهور، من أجل تشكيل إطار حزبي جديد للتنافس أمام الليكود.
و. الخطوط الرئيسية لبرنامج الليكود
(1) الدولة الفلسطينية: لا لدولة ما بين نهر الأردن وإسرائيل، والحل للقضية الفلسطينية هو بإقامة حكم ذاتي للفلسطينيين تحت استمرار السيطرة الأمنية الإسرائيلية.
(2) نهر الأردن: هو الحد السياسي والأمني لإسرائيل، من جهة الشرق.
(3) القدس: لا تُعطى أي إمكانية لإعادة تقسيم القدس، ولا يسمح بالانسحاب من أية قطعة أرض في الضفة الغربية، ولا تُزال أية مستوطنة.
(4) الجولان السورية: لا يعدها سورية، ولكنه مستعد للبدء فوراً بإجراء مفاوضات مع سورية من أجل عقد اتفاقية سلام.
(5) الاقتصاد: حر راديكالي، والانسجام السياسي والاقتصادي مع العولمة.
(6) تقوية الأسس الصهيونية واليهودية في جهاز التعليم.
بدأ شارون يتحرك على نحو جدي لتنفيذ خطة فك الارتباط من جانب واحد مع قطاع غزة، وتشكيل حزبه الجديد، في نوفمبر 2005؛ فشارون أدرك بوضوح أن طروحاته تحظى بتأييد غالبية الرأي العام الإسرائيلي، في الوقت الذي عجز فيه عن الحصول على تأييد حزبه “الليكود”. ومن ثم خرج شارون من “الليكود” وشكل حزباً جديداً استقطب الكثير من أعضاء “الليكود”، حيث انضم إليه أربعة عشر عضو برلمان من “الليكود”. وبدأت تتدفق عليه طلبات العضوية من الاتجاهات السياسية كافة. وقد أنضم إليه سبعة من وزراء “الليكود” في حكومة شارون، كان أبرزهم وزير الدفاع “شاؤول موفاز”، ووزير الصناعة “أيهود أولمرت”، ووزيرة التربية “ليمور ليفنات”. كما حسم “شيمون بيريز” موقفه بعد تردد، وقرر الانسحاب من حزب “العمل” والانضمام إلى حزب شارون الجديد.
وإلقاء نظرة على خريطة العضوية لحزب “كاديما”، تكشف بوضوح عن أن الحزب وقف على أرضية يمين الوسط، ومن ثم فقد استقطب ما يمكن اعتباره يسار “الليكود” ويمين “العمل”، وهي مساحة كبيرة يقف على أراضيها غالبية الرأي العام الإسرائيلي، وهو ما يفسر نتائج استطلاعات الرأي العام، التي كانت تعطى للحزب الجديد المكانة الأولى بلا منازع على حساب “العمل” و”الليكود”.
ز. الخطوط الرئيسية لبرنامج “كاديما” (قُدماً إلى الأمام)
(1) خطة خريطة الطريق: تلتزم إسرائيل بخريطة الطريق؛ لكنها لن تنتظر تطبيقها حتى تنضج الرغبة بالسلام في الطرف الفلسطيني، إنما ستبادر إلى خطوط عملية لترسيم حدودها النهائية حتى عام 2010.
(2) نهر الأردن: سيكون الحدود الأمنية الأبدية الموحدة؛ ولكن توافق إسرائيل على قيام دولة فلسطينية إلى جانبها، يعيش الفلسطينيون فيها مسؤولين بالكامل عن مصيرهم وإدارة شؤونهم، شرط عدم المساس بإسرائيل وعدم ممارسة الإرهاب.
(3) القدس: ستكون عاصمة إسرائيل الأبدية الموحدة؛ ولكن إسرائيل تريدها بأكثرية يهودية ساحقة، وعليه فإنها ستتنازل عن بعض الأحياء العربية فيها للفلسطينيين.
(4) المستوطنات: تحتفظ إسرائيل بالكتل الاستيطانية الكبرى، في الضفة الغربية.
(5) الفصل: تسعى إسرائيل إلى الانفصال التام عن الفلسطينيين، بحيث لا يبقى وراء الحدود الجديدة، التي ترسمها إسرائيل أي مستوطن؛ لكن المناطق التي تنسحب منها إسرائيل في الضفة الغربية لن تُسلم إلى الفلسطينيين، بل تبقى بأيدي الجيش الإسرائيلي إلى حين تبدأ مفاوضات سلام حقيقية مع القيادة الفلسطينية المعنية بالسلام، حول مستقبلها وسبل السيطرة عليها أمنياً وإدارياً.
(6) الاقتصاد: سيتبع خطة اقتصادية تأخذ بالاعتبار محاربة الفقر والبطالة، وتشجيع الاستثمار الاقتصادي المحلي والأجنبي.
(7) اجتماعياً: التوافق ما بين الدين والدولة.
خرج شارون من حزب الليكود وشكّل حزباً سياسياً جديداً، يعبر عن “يمين الوسط” (حزب “كاديما”)، حيث خاض الحزب انتخابات الكنيست السابع عشر عام 2006، وحصل على المرتبة الأولى (29) مقعداً، بينما حصل “الليكود” على (12) مقعداً فقط، جاء بموجبها بعد حزب “العمل” الذي حصل على (19) مقعداً ومتساوياً مع حزب “شاس” الديني.
ح. صعود أولمرت
في مفاجأة غير متوقعة، دخل شارون في غيبوبة طويلة، منذ الرابع من يناير، وامتدت حتى الانتخابات وما بعدها، خضع خلالها لعدة عمليات جراحية. وقد امتدت فترة الغيبوبة لأكثر من مائة يوم، وبذلك انتهت ولايته قانوناً نظراً لعجزه المستمر. ومنذ 16 أبريل 2006، أصبح خلفه بالوكالة “أيهود أولمرت” القائم بأعمال رئيس الوزراء، بشكل رسمي.
وقد تولى “أيهود أولمرت” نائب رئيس الوزراء منصب رئاسة الوزراء بالوكالة، كما تولى منصب رئيس حزب “كاديما”. وأصبح المرشح الأوفر حظاً للفوز في الانتخابات وتشكيل الحكومة.
وما أن أعلنت نتائج الانتخابات حتى شرع “أيهود اولمرت” في الاستعداد لتشكيل ائتلاف حكومي واسع النطاق على أرضية “الوسط”، بمكونيه اليميني “كاديما”، واليساري حزب “العمل”. وبدا أولمرت حريصاً على تهيئة الأجواء أمام انضمام حزب العمل.
ط. تقرير لجنة فينوجراد
قدم القاضي المتقاعد “الياهو فينوجراد” تقريره الأولي عن الحرب، التي شنتها إسرائيل على لبنان خلال شهري يوليه وأغسطس 2006. وقد حمّل التقرير الحكومة الإسرائيلية مسؤولية الفشل في هذه الحرب. وأكثر التقرير من استخدام مصطلح “الفشل” في وصف أداء الثلاثي الرئيسي، وهم: رئيس الوزراء “أيهود أولمرت” ووزير الدفاع “عمير بيرتس”، ورئيس الأركان المستقيل “دان حالوتس”. ويمكن تسمية “الفشل” هو عنوان التقرير وخلاصته؛ فالقيادة فشلت، والجيش فشل، والنتيجة هي فشل إسرائيل في تحقيق أهدافها من وراء تلك الحرب.
وعقدت نتائج التقرير من وضع رئيس الوزراء “ايهود أولمرت”؛ فهو ورث منصب رئاسة الحزب نتيجة مرض شارون المفاجئ، ولا يحظي بتأييد واسع داخل صفوف الحزب. كما أن هناك دوائر عديدة داخل الحزب تنتظر اللحظة المناسبة للقفز على المنصب الحزبي والحكومي، وعلى رأس هذه الدوائر الدائرة تلك التي تقودها وزيرة الخارجية “تسيبي ليفني”.
وقد مثلت نتائج الانتخابات الفلسطينية صدمة للحكومة الإسرائيلية، التي غاب عنها رئيسها شارون، بسبب المرض. وبدأت موجة جديدة من الانتقادات للأجهزة الأمنية الإسرائيلية، بسبب فشلها في التنبؤ بفوز حماس وحصولها على الأغلبية المطلقة في المجلس، والتي تكفي لأن تشكل الحكومة بمفردها. وعمل تكتل الليكود، برئاسة نتنياهو، على توظيف هذه النتائج من أجل تحسين الفرص في الانتخابات البرلمانية الإسرائيلية. فحزب شارون الجديد بقيادة “أيهود أولمرت” ركّز على أن أفضل السبل للتصدي لحركة حماس، هو في مواصلة نهج شارون في حماية أمن الدولة والمواطن.
وهدد باراك باللجوء إلى انتخابات مبكرة في حال عدم تنحي أولمرت عن رئاسة الحكومة والحزب، حيث طالب حزب “كاديما” بالسعي لتنصيب زعيم جديد يحل محل أولمرت. وفي اليوم التالي طالبت وزير الخارجية الإسرائيلية “تسيبي ليفني”، والتي كانت تطمح إلى أن تحل محل أولمرت، طالبت الأخير بالتنحي عن منصبه وإجراء انتخابات على رئاسة الحزب، كما دعت الحزب إلى اختيار خلف لأولمرت.
كما طالب رئيس كتلة الليكود البرلمانية “جدعون ساعر” في 12 يوليه، باستقالة رئيس الحكومة “أيهود أولمرت” فوراً، بعد الكشف عن ملف تحقيق في شبهات جديدة ضده. وأكد أن هذه الحكومة فقدت مصداقيتها تماماً، وأن المشكلة لم تعد مقصورة على أولمرت وحده، بل على وزراء الحكومة الآخرين. في حين صادق مجلس حزب “كاديما” على تقديم موعد الانتخابات التمهيدية إلى سبتمبر 2008.
وفي 30 يوليه، أعلن رئيس الوزراء الإسرائيلي “أيهود أولمرت” أنه سيستقيل، حال اختيار حزب “كاديما” الحاكم زعيماً جديداً في الانتخابات الداخلية، التي تجري في 17 سبتمبر، والتي لن يرشح نفسه فيها. واعترف أولمرت أنه ارتكب العديد من الأخطاء، خلال حياته السياسية.
أسفرت الانتخابات عن فوز “تسيبي ليفني” برئاسة “كاديما”، وكلفها الرئيس الإسرائيلي “شيمون بيريز” بتشكيل الحكومة الجديدة. وقد فشلت ليفني في تشكيل الائتلاف في الأسابيع الأربعة المحددة لتشكيل الوزارة، وحصلت على فترة إضافية مدتها أسبوعان، من 20 أكتوبر 2008.
وانتهي الأمر بقرار ليفني التوجه إلى انتخابات مبكرة للكنيست، والتي جرت في العاشر من فبراير 2009 وأسفرت عن استمرار حزب “كاديما” في المقدمة (28) مقعداً، وتلاه تكتل “الليكود” في المرتبة الثانية (27) مقعداً، وبذلك فاز معسكر اليمين الإسرائيلي بأغلبية المقاعد. وأسفرت توصيات القوائم الفائزة بتكليف الرئيس الإسرائيلي لزعيم الليكود “بنيامين نتنياهو” بتشكيل الحكومة الثانية والثلاثين، في 31 مارس 2009.
2. أحزاب وحركات يمينية أخرى
أ. أحزاب وحركات يمينية لم يعد لها وجود اليوم
(1) “قائمة معاً: ياحد”
تزعمها “عيزرا وايزمان”، على أثر خلافه مع “بيجن”، على زعامة “الليكود”، حول السلام مع مصر. حصلت القائمة على ثلاثة مقاعد في انتخابات عام 1984، كما شاركت في حكومة الوحدة الوطنية التي شُكلت آنذاك.
(2) “حركة تجسيد الصهيونية: تلم”
تأسست عام 1981، برئاسة “موشى ديان”، بهدف الحيلولة دون قيام دولة فلسطينية مستقلة، وتعزيز عمليات الاستيطان في الضفة الغربية، والحفاظ على القدس عاصمة موحدة. حصلت على مقعدين في الكنيست عام 1981.
(3) “حركة النهضة أو البعث: هتحيا”
كنتيجة لرفض اتفاقيات كامب ديفيد مع مصر، انشقت حركة “هتحيا”، عن حزب “الليكود”، بزعامة “جيئولا كوهين”، وضمت بعض قيادي “كتلة الإيمان: غوش أُيمونيم” الدينية، في أغسطس 1979. وكان الذي جمع بين أنصار هذه الحركة ـ المتدينين والعلمانيين ـ هو الرفض التام لأية تسوية سلمية مع العرب، انطلاقاً من إيمانهم المطلق بفكرة “أرض إسرائيل الكاملة”. وقد حصلت الحركة على ثلاثة مقاعد في الكنيست عام 1981، وعلى خمسة مقاعد عام 1984، بعد انضمام حركة “تسوميت”، إليها عشية الانتخابات. وفي العام 1988، حصلت “هتحيا”، بمفردها على ثلاثة مقاعد، ثم فشلت في الدخول إلى الكنيست عام 1992. وشاركت “هتحيا”، في حكومتي “الليكود” عامي 1981، و1983.
ب. أحزاب وحركات يمينية لا تزال موجودة في الحياة السياسية
(1) “حزب الصهيونية المتجددة: تسوميت”
أسسه وتزعمه الجنرال المتقاعد “روفائيل إيتان”، يتفق هذا الحزب، مع حزب “هتحيا”، على المطالبة بـ “أرض إسرائيل الكاملة”. حصل “تسوميت” بمفرده على خمسة مقاعد في الكنيست، بالاشتراك مع “هتحيا”، عام 1984، وعلى مقعدين عام 1988، وثمانية مقاعد عام 1992، وفي انتخابات عام 1996، اشترك الحزب في قائمة مشتركة مع “الليكو”، و”جيشر”، حصلت على (32) مقعداً.
(2) “حزب الوطن: موليديت”
يميني متطرف يتزعمه الجنرال المتقاعد “رحبعام زئيفي”، ينادي بالطرد الجماعي للعرب. حصل على مقعدين في الكنيست في الانتخابات التي تمت أعوام 1988، 1992، 1996.
الأحزاب والحركات الدينية اليهودية
أوشكت مساحة الأرض، التي احتلها الجيش الإسرائيلي، في أعقاب حرب عام 1967، أن تتطابق مع الحدود التي حددتها بعض أسفار توراة اليهود، لما يُسمى “ملكوت إسرائيل”، أو “أرض الميعاد”؛ فبعد ستة أيام فقط من الحرب صار جيش الدولة ـ التي كانت تعيش في قلق وخوف دائمين من جيرانها العرب ـ يحتل شبه جزيرة سيناء المصرية، ومرتفعات الجولان السورية، والأهم من هذا وذاك، الضفة الغربية لنهر الأردن حيث المناطق الأكثر قدسية ـ كما ترى التوراة ـ عند اليهود (أورشليم القديمة، وحائط المبكى، الخليل وقبور الأنبياء، يهودا والسامرة[1]، بيت آيل، الخ…) والتي كانت تحت الحكم الأردني.
وعلى الرغم من أن انتصار 1967، قد حققه جنود دولة علمانية إلا أنه مثّل فرصة للمتدينين لابتعاث جملة من القيم الدينية؛ فحرب 1967، صارت معجزة إلهية، وهدية ربانية لـ “الشعب المختار”، وعقاباً لأعدائه، وهى كذلك، بداية الخلاص والافتداء، وقرينة على قرب مجيء المسيح المخلص. ومنذ تلك الأيام أضحى كل شيء مقدساً: الجيش الذي حقق الانتصار، والشعب الذي قاد الجيش، وقبل كل هذا وذاك، الأرض التي “تم تحريرها بعد ألفي عام من الاحتلال”، وبالتالي فإن المساس بها، لدى قطاع واسع من المتدينين، يعد انتهاكاً للوصايا الدينية وخروجاً على عملية الافتداء.
وقد شهدت البلاد، في أعقاب حرب 1967، ازدهاراً اقتصادياً لم تشهده من قبل، وثقة بالنفس في كافة قطاعات المجتمع ومؤسساته، وصارت عبارة “الذي لا يقهر”، تسبق دوماً اسم إسرائيل[2].
وكما صور المتدينون حرب 1967، كمعجزة إلهية، فقد رأوا في حرب 1973، تعبيراً عن “آلام المخاض”، التي تسبق قدوم المسيح، ذلك القدوم الذي يعني أمراً واحداً هو إقامة “ملكوت إسرائيل”. بيد أن حرب 1973، أدت ـ في واقع الأمر ـ إلى زعزعة وضع المؤسسة العمالية الحاكمة في إسرائيل، من جهة، وتصاعد قوة الشباب داخل حزب “المفدال”، الحليف الرئيسي “للمعراخ”، حتى ذلك الحين من جهة أخرى.
وكان من نتائج حرب 1973، تصاعد روح التماسك الاجتماعي، في صفوف المتدينين، والميل نحو التعاون مع العلمانيين، ولهذا راح المتدينون يسعون إلى احتواء الدين الرسمي للدولة (الدين المدني)، برموزه وقيمه داخل إطار الدين التقليدي، فصورا حرب 1973، على أنها إحدى مراحل عملية الافتداء. وهكذا صارت هذه الحرب ـ في نظر الحاخام “إيهودا أميطال”، “معجزة إلهية”، “وإنها لم تكن بين دولة إسرائيل والدول العربية، وإنما بين الأمة اليهودية وأمم العالم أجمع”، كما كان يردد.
نشأت الأحزاب الدينية اليهودية في شرق أوروبا وروسيا القيصرية. وفي أعقاب موجات الهجرة اليهودية إلى فلسطين، أنشأت هذه الأحزاب فروعاً فيها، أصبحت بمرور الزمن المراكز الأساسية لنشاطها. وقد تعرضت الأحزاب الدينية، شأنها في ذلك شأن بقية الأحزاب، إلى العديد من الانشقاقات والاندماجات.
و(شكل نشأة وتطور الحركات والأحزاب الدينية) يوضح نشأة وتطور الأحزاب الدينية الصهيونية، من عام 1902إلى 1996.
وقد حصلت الأحزاب الدينية على (27) مقعداً في انتخابات 1999، مقابل (23) مقعداً في انتخابات 1996، وتقلص العدد إلى (22) مقعداً في انتخابات 2003، كما حصلت على العدد نفسه في انتخابات 2006، ولكنه تقلص مرة أخرى إلى (19) مقعداً في انتخابات 2009.
النشاط الحزبي وانعكاساته على النظام السياسي ( 1949 – 1976)
أولاً: المرحلة الأولى (1949 – 1955)
1. الائتلافات الحكومية خلال الكنيست الأول (1949 – 1951)
تشهد الساحة السياسية في إسرائيل، عقب كل دورة انتخابية، ظهور حكومة ائتلافية، تضم أحد الأحزاب السياسية الكبرى، وعدداً آخر من الأحزاب السياسية الصغيرة. وتكشف هذه العملية عن مدى التوافق بين القوة البرلمانية للأحزاب وقوّتها السياسية الفعلية. واللافت أن تأليف الحكومات الإسرائيلية، كان يعتمد على مشاركة حزب ديني أو أكثر؛ إذ أدى موقع الدين في الدولة والمجتمع، إلى المشاركة الحتمية للأحزاب الدينية في الائتلافات الحكومية الإسرائيلية كافة، منذ نشأتها وحتى الآن.
أ. الائتلاف الحكومي الأول (8 مارس 1949)
شهد 14 فبراير 1949 أول اجتماع للهيئة التأسيسية. وكُلّف زعيم الحزب الأكبر في الكنيست، “ديفيد بن جوريون”؛ بتأليف الحكومة؛ فسعى إلى ائتلاف حكومي واسع، قدر الإمكان، مهد له باستشارة القوى السياسية كافة الممثلة في الكنيست، عدا الشيوعيين وحزب “حيروت”. وانتهت المشاورات إلى الائتلاف الحكومي الأول، في 8 مارس 1949، بين حزب “الماباي” و”الجبهة الدينية الموحدة” و”الصهيونيين التقدميين”؛ تدعمه التجمعات العربية والشرقية (انظر جدول نتائج انتخابات الهيئة التأسيسية، 25 يناير 1949 (الكنيست الأول) والائتلاف الحكومي الأول، 8 مارس 1949).
بدأت الأحزاب الدينية المشاركة الفعلية في الحياة السياسية من خلال انتخابات الهيئة التأسيسية، في إطار الائتلاف الحكومي الأول؛ مستهدفة الحصول على أعلى نسبة ممكنة. وعارض العديد من الأحزاب والحركات الدينية هذه المشاركة، منها حركة “أغودات إسرائيل” وحركة “بوعالي “أغودات إسرائيل”؛ إلا أن حزبا “هامزراحي” و”هابوعيل هامزراحي”، قررا المشاركة في الائتلاف الحكومي، ليحققا، في ظل الدولة العلمانية، أهدافهما المتمثلة في المطالبة باحترام التقاليد والقِيم الدينية اليهودية، وتعديل قانون “من هو اليهودي؟”، وضمان تدفق الدعم المالي للمؤسسات والمدارس الدينية. أمّا الأحزاب الحريدية، الطامحة إلى دولة توراتية، تحكمها الشريعة اليهودية، فلم تكن غايتها من المشاركة في ذلك الائتلاف إلا الحفاظ على قِيم المجتمع الحريدي ومصالحه، مع ضمان استمرار تدفق الدعم المالي لمؤسسات الحريديم ومدارسهم.
أوْلى حزبا “هامزراحي”، من خلال الائتلاف الحكومي، اهتمامهما ومشاركتهما السياسية داخل الكنيست، للمسائل المتعلقة بشؤون الأمن والخارجية والاقتصاد؛ فضلاً عن الأمور الدينية؛ إذ سَعَيَا إلى صبغ الحياة العامة بصبغة دينية. أمّا “الحريديم”، فقصروا اهتمامهم على الشؤون الدينية. وحرص بن جوريون على تحقيق التعايش والتعاون مع الأحزاب الدينية، ضماناً لاستقرار الحكم، وحصر الصراع بين الدين والدولة في إطار محدود.
ب. الائتلاف الحكومي الثاني (1 نوفمبر 1950)
انهارت الحكومة الائتلافية الأولى، في أكتوبر 1950، إثر معارضة الجبهة الدينية الموحدة، اقتراح رئيس الوزراء إنشاء وزارة للتجارة والصناعة، واختيار وزير لها من خارج الكنيست. وعُهد إلى بنحاس روزين تأليف حكومة جديدة؛ ولكنه أخفق، فَوُكِلَت إلى “بن جوريون”، في نوفمبر 1950، والذي أمكنه تأليفها، وحقق لها ثقة الكنيست. واحتفظت الجبهة الدينية فيها بالمقاعد الوزارية، التي كانت تشغلها في الائتلاف الأول؛ إلا أنها رضيت بالتعديل، الذي كان قد اقترحه “بن جوريون”.
2. الائتلافات الحكومية خلال الكنيست الثاني (1951-1955)
أ. الائتلاف الحكومي الثالث (8 أكتوبر 1951)
اعترى الائتلاف الحكومي الثاني، في فبراير 1951، أزمة وزارية حادّة، نجمت عن الخلاف في التربية الدينية لأطفال اليهود اليمينيين. فقد سعى “بن جوريون” إلى تنفيذ نظام تعليمي موحد، إلا أن الجبهة الدينية، طالبت أن يكون التعليم الديني تحت إشراف حزبَي “هامزراحي” و”أغودات” وسيطرتهما. وما لبثت الحكومة أن فقدت ثقة الكنيست، إثر امتناع الجبهة الدينية عن تأييدها؛ فاستقال رئيس الوزراء.
خاض انتخابات الكنيست الثاني، في 30 يوليه 1951، 17 تحالفاً، 15 منها حققت الحدّ الأدنى من الأصوات، التي بلغت نسبتها 57.1%. أسفرت نتائج الانتخابات عن فقْد حزب “الماباي” مقعداً واحداً؛ وحيازة الصهيونيين العموميين 13 مقعداً؛ وخسارة الأحزاب الدينية، التي خاضت الانتخابات بتحالفات منفردة، مقعداً واحداً، لتحالف “بوعالي أغودات إسرائيل”. وفُوّض إلى “بن جوريون” تأليف الحكومة، فتمكّن من ذلك، بعد مشاورات مضنية، تمخضت بضم حزب “الماباي” والأحزاب الدينية الأربعة؛ إضافة إلى دعم التحالفات العربية، التابعة لحزب “الماباي”، والتحالفات الشرقية. وعززت الأحزاب الدينية نفوذها في هذا الائتلاف الحكومي، إذ احتلت أربعة مقاعد وزارية (انظر جدول نتائج انتخابات الكنيست الثاني، 30 يوليه 1951 والائتلاف الحكومي الثالث، 8 أكتوبر 1951).
وإثر اقتراح، رئيس الوزراء، وضع نظام تعليمي علماني موحد، وملزم للجميع؛ وإصدار تعليمات بتجنيد الفتيات وطلاب المدارس الدينية؛ غادر الائتلاف الحكومي حزبا “أغودات إسرائيل” و”بوعالي “أغودات إسرائيل”، فاستقالت، في 19 ديسمبر 1952، حكومة بن جوريون الثالثة.
ب. الائتلاف الحكومي الرابع (22 ديسمبر 1952)
مع خروج حزب “أغودات إسرائيل” وحزب بوعالي “أغودات إسرائيل” من الائتلاف ألّف بن جوريون الحكومة الائتلافية الرابعة، من تحالف حزب “الماباي” وحزبَي “هامزراحي” و”الصهيونيين العموميين والصهيونيين التقدميين”. وقد حسمت هذه الحكومة مشاكل التعليم، إذ جعلته نظاماً ثنائياً، يتضمن تعليماً علمانياً وآخر دينياً.
اعترت الحكومة الائتلافية الرابعة أول أزمة وزارية، في مايو 1953، حينما عارض “الصهيونيون العموميون” رغبة حزب “الماباي” في إلزام المدارس العلمانية في مناطق نفوذه، برفع العلم الأحمر، إلى جانب علم إسرائيل. وأيّده حزب “هامزراحي” وحزب “هابوعيل هامزراحي” لينشأ، منذئذٍ، تحالف تاريخي بين الأحزاب الثلاثة.
ج. الائتلاف الحكومي الخامس (26 يناير 1954)
كان الائتلاف الحكومي الخامس، في 26 يناير 1954، على غرار سابقه، عدا رئاسته، التي تولاها موشي شاريت. وقد عصف به، اتهام حزب “حيروت” عضواً في حزب “الماباي”، كان ممثلاً للوكالة اليهودية في المجر، أثناء الحرب العالمية الثانية، بمعاونة النازيين على إبادة اليهود؛ طالباً من الكنيست الاقتراع على الثقة بالحكومة. وهدد شاريت بالاستقالة، إذا لم يمنحها أيّ شريك ائتلافي ثقته، وحينما امتنع “الصهيونيون العموميون” عن تأييدها، نفذ شاريت تهديده، واستقال في 29 يونيه 1955.
د. التشكيل الحكومي السادس (29 يونيه 1955)
ألّف شاريت الحكومة السادسة، من حزب “الماباي” وحزب “هامزراحي” وحزب “هابوعيل هامزراحي”، إضافة إلى “الصهيونيين التقدميين” والتحالفات الأخرى، التابعة لحزب “الماباي”. إلا أن هذه الحكومة كان لها سمات خاصة، إذ اقترب موعد انتخابات الكنيست الثالث؛ لذلك، احتفظ فيها حزبا “هامزراحي” بحقائبهما الوزارية الأربع؛ كما أن شاريت حرص على العلاقة والائتلاف بين حزب “الماباي” والأحزاب الدينية، التي شاركته في الحكومة.
3. تقييم المشاركة الحزبية في الائتلافات الحكومية، خلال المرحلة الأولى (1949-1955)
على الرغم من أن حزب “الماباي”، كان أكبر الأحزاب السياسية، والمهيمن على الساحة السياسية، خلال الفترة من 25 يناير 1949 حتى يوليه 1955، إلا أنه لم يحقق الأغلبية المطلقة، ولم يتمكن من تأليف الحكومة بمفرده؛ وإنما استحوذ على رئاسة الحكومة.
تحددت مطالب الأحزاب الدينية، المشاركة في الائتلافات الحكومية، بتعديل قانون “من هو اليهودي؟”، بما يقصر التحول إلى اليهودية على اليهود الأرثوذكس فقط؛ وبضرورة الحفاظ على القِيم والتقاليد الدينية اليهودية، ودعم التعليم الديني.
أثبتت الائتلافات الحكومية خلال الكِنِِيستَين: الأول والثاني، أن الأحزاب الدينية على استعداد للتخلي عن ثوابتها الأيديولوجية الصارمة، من أجل الحصول على المعونات المالية من الحكومة. وما مشاركة حزبَي ” “أغودات إسرائيل” و”بوعالي “أغودات إسرائيل” في الحكومة المؤقتة، والائتلافَين الحكوميَين: الثاني والثالث؛ على الرغم من معارضة الحزبَين للصهيونية وللدولة ـ إلا رغبة في استعادة ما انقطع من الدعم الخارجي، المالي والبشري.
اتسم زعماء حزب الماباي، في تأليفهم للحكومات، بالاعتماد، أساساً، على عدم اتخاذ مواقف واضحة ومحددة؛ وذلك للحدّ مما ينزلون عنه لشركائهم، ضد الأحزاب الدينية في الائتلاف. ولذلك، كانوا يصدرون مراسيم إدارية، يمكن التراجع عنها، عند الضرورة؛ إذ رأوا أن الائتلاف مع تلك الأحزاب، هو أقلّ ثمناً من الائتلاف مع الأحزاب الأخرى، التي لها مواقف ورُؤَى محددة، في المجالات: الاقتصادية والاجتماعية والأمنية والخارجية. كما كانت مشاركة الأحزاب الدينية في الائتلافات الحكومية، خلال هذه المرحلة، شرطاً لازماً لاستمرار الحكومات؛ وخروجها منها، يعني انهيار الائتلاف الحكومي.
ثانياً: المرحلة الثانية (1955-1976)
1. الائتلافات الحكومية خلال الكنيست الثالث (1955-1959)
جرت انتخابات الدورة الثالثة للكنيست في 26 يوليه 1955. وخاضها 18 تحالفاً انتخابياً، تجاوز 12 تحالفاً منها الحدّ الأدنى من الأصوات، وكانت نسبة التصويت 82.8%. وأسفرت عن تضاؤل قوة “الماباي” و”الصهونيين العموميين”. وعلى الرغم من ذلك، فقد عُهِد إلى بن جوريون، زعيم حزب “الماباي” بتأليف الحكومة السابعة (انظر جدول نتائج انتخابات الكنيست الثالث، 26 يوليه 1955؛ والائتلاف الحكومي السابع، 3 نوفمبر 1955).
أ. الائتلاف الحكومي السابع (3 نوفمبر 1955)
بعد مشاورات، استمرت قرابة ثلاثة أشهر، تمكن بن جوريون من تأليف حكومة، ضمت حزب “الماباي” وحزب “هامزراحي” وحزب “هابوعيل هامزراحي” وحزب “أحدوت هاعفودات” المنشق عن “الماباي”، وحزب “المابام” وحزب “الصهيونيين التقدميين”، والكتل العربية التابعة لحزب الماباي. وحصلت الحكومة على ثقة الكنيست، في 3 نوفمبر 1955.
أكد برنامج الحكومة الجديدة عزمها على دعم القدرة الدفاعية، وتطوير المنظمات العسكرية، وتدريب القوات الإسرائيلية، سواء الفعلية أو الاحتياطية؛ وكذلك قوات القرى المتمركزة بالقرب من الحدود. وتعهدت بالحفاظ على الائتلاف، بالتعاون بين حزب “الماباي” والأحزاب الدينية.
ما كاد يمضي شهر على الائتلاف السابع، حتى وقع أكبر اصطدام مسلح، على الحدود مع سورية، في منطقة بحيرة طبرية؛ وفي أكتوبر 1956، كان العدوان الثلاثي على مصر. وخلال هذه المرحلة، حصلت الأحزاب الدينية، بقانون من الكنيست، على ما تعهد به زعيم حزب “الماباي”، وهو جعْل مادة الوعي اليهودي مادة دراسية إلزامية في المدارس. وأكدت مناقشات الكنيست، في شأن تراجع القوات الإسرائيلية عن سيناء، أن موقف القوة السياسية، أصبح أكثر وضوحاً، وخاصة فيما يتعلق بالخطط العسكرية تجاه الدول العربية؛ وكذلك انضمام إسرائيل، في مايو 1957، إلى مشروع أيزنهاور. وانتابت الحكومة السابعة عدة أزمات، كان أشدها في عام 1957، حينما اعترض حزبا “المابام” و”أحدوت هاعفودات” على توثّق العلاقة الإسرائيلية ـ الألمانية، وخاصة في مجال شراء الأسلحة؛ وتسرب مناقشات الحكومة خلال اجتماعاتها؛ ما حمل بن جوريون، على الاستقالة، في 31 ديسمبر 1957.
ب. الائتلاف الحكومي الثامن (7 يناير 1958)
طابق الائتلاف الثامن سابقه مطابقة تامة. وواجه عدة أزمات، أثارها حزب “أحدوت هاعفودات” وحزب “المابام”؛ ولكنه حظي بدعم حزبَي “هامزراحي”، اللذَين يمثلان الجبهة الدينية الموحدة. بيد أنه ما لبث أن فَقَدَ تلك الحظوة، في أزمة 1958، التي أثارتها مطالبة وزير الداخلية، وهو من أعضاء حزب “أحدوت هاعفودات”، بتسهيل الإجراءات الإدارية لتسجيل اليهود، بغض النظر عن أهليتهم حسب الشريعة اليهودية؛ بل إن الحزبَين تخلّيا عن الحكومة. إلا أنهما استمرا في تأييدها، حيث دعما اتفاق بن جوريون وألمانيا على صفقة سلاح؛ فأُقرَّت، في يونيه 1959، بأغلبية 57 صوتاً، ومعارضه 45 صوتاً، وامتناع 6 أعضاء من التصويت. غير أن الخلافات الحزبية، التي عصفت بالحكومة، انتهت، في 5 يوليه 1959، إلى استقالتها.
2. الائتلاف الحكومي التاسع، خلال الكنيست الرابع (1959-1961)
عانى الائتلاف الحكومي الثامن، منذ نهاية 1958، وخلال عام 1959، التظاهرات والاحتجاجات الجماهيرية، والمصادمات بين المهاجرين ورجال الأمن، في حيفا وبئر السبع. وعمد رئيسه إلى الاستقالة، سعياً إلى فراغ حكومي، يتيح له حرية التصرف، من دون رقابة، في انتخابات، لجأ فيها حزب “الماباي” إلى التخويف والرشوة، واستغلال الانقسام بين أحزاب المعارضة.
جرت انتخابات الكنيست الرابع، في 3 نوفمبر 1959. وخاضها 24 تحالفاً حزبياً، تجاوز 12 تحالفاً منها الحدّ الأدنى من الأصوات، وكانت نسبة التصويت 81.6%. وأسفرت عن قوة حزب “الماباي” البرلمانية، وازدياد مقاعده سبعة مقاعد في الكنيست. وفي الوقت نفسه، حافظ حزب “المابام” على قوّته؛ وفَقَدَ الصهيونيون العموميون خمسة مقاعد، و”أحدوت هاعفودات” ثلاثة مقاعد. أمّا الأحزاب الدينية، فكادت تحتفظ بقوّتها، لولا حصول حزب “المفدال” على مقعد إضافي (انظر جدول نتائج انتخابات الكنيست الرابع، 3 نوفمبر 1959؛ والائتلاف الحكومي التاسع، 17 ديسمبر 1959).
تمكّن “بن جوريون” من تأليف الحكومة التاسعة، التي جمعت أحزاب: “الماباي” و”المفدال” و”المابام” و”أحدوت هاعفودات” والكتل العربية التابعة لحزب “الماباي”. ورفض حزبا “الصهيونيون العموميون” و”الصهيونيون التقدميون” الاشتراك في حكومة، تضم الأحزاب اليسارية. وحظيت الحكومة، في 17 ديسمبر 1959، بثقة الكنيسيت؛ حيث تمكن حزب “الماباي” من تعزيز قوّته. ولكن سرعان ما دبت فيها الصراعات، وتزايدت تظاهرات اليهود الشرقيين ومعارضة الهستدروت؛ وانقسم حزب “الماباي” بين أغلبية تطالب بضرورة محالفة “الصهيونيين العموميين”، بدلاً من الأحزاب اليسارية، وبين أقلية، يتزعمها بن جوريون، تؤيد محالفة مع الأحزاب اليسارية.
ولم يفلِح رئيس الحكومة في محاولات الجمع بين الطرفَين المختلَف فيهما. واشتد الصراع بين شيوخ الحزب وجماعتهم، و”بن جوريون” وأعوانه، الذين يشرفون على قوات جيش الدفاع، والاستخبارات، والأمن، وجزء كبير من الجهاز الحكومي، والصحافة والإذاعة، ويسيطرون عليها جميعاً. وأمسى الصراع سياسياً حادّاً؛ حتى إن “بن جوريون” لم يتردد، عام 1960، في ضم حزب اليهود الأرثوذكس إلى الائتلاف الحكومي، سعياً إلى ضمانات إضافية من الدول الغربية؛ بل جَهِد، منذ منتصف عام 1960، في فرض تسلّطه، والحدّ من قدرة جماعة الشيوخ، إذ عزل واحداً من أنشط رجالها، لافون من منصب السكرتارية العامة للهستدروت، بقرار من “الماباي”؛ فاندلعت الاحتجاجات، التي انتهت، في 27 مارس 1961، إلى قرار من الكنيست، للمرة الأولى، حل نفسه.
3. الائتلافات الحكومية خلال الكنيست الخامس (1961-1965)
حاول بن جوريون ومعاونوه إرجاء الانتخابات البرلمانية، ريثما يعيد حزب “الماباي” تماسكه، بعد أن ضعضعته قضية لافون؛ فاعتمدوا وسائل الضغط: السياسي والاقتصادي، إغراءً للناخبين. وجرت انتخابات الكنيست الخامس، في 15 أغسطس 1961، قبل عامَين من موعدها. وكانت نسبة المشاركة فيها 81.6%، وخاضها 14 تحالفاً انتخابياً، حقق 11 تحالفاً منها الحدّ الأدنى من الأصوات. ونجم عنها خسارة حزب “الماباي” خمسة مقاعد برلمانية؛ واحتفاظ أحزاب: “المابام” و”حيروت” و”المفدال” وحزبَي “أغودات”، بقوّتها؛ وتعزيز الصهيونيين، عموميين وتقدميين، قوّتهم، بعد اندماجهم، وتكوينهم الحزب الليبرالي، وازدياد عدد مقاعدهم ثلاثة مقاعد (انظر جدول نتائج انتخابات الكنيست الخامس، 15 أغسطس 1961؛ والائتلاف الحكومي العاشر، 2 نوفمبر 1961).
أ. الائتلاف الحكومي العاشر (2 نوفمبر 1961)
بعد أن رفض ليفي أشكول تأليف الحكومة، ألّفها “بن جوريون”، في 2 نوفمبر 1961، وحصل على ثقة الكنيست، نتيجة تحالف أحزاب: “الماباي” و”المفدال” و”أحدوت هاعفودات” و”بوعالي “أغودات إسرائيل”، والكتل العربية المرتبطة بحزب “الماباي”. وتميز الائتلاف الحكومي بقبول حزب “أحدوت هاعفودات” منصبَين وزاريَّين، فأصبح تابعاً لحزب “الماباي”، متخلياً عن وعوده للطبقة العاملة الإسرائيلية.
مع تزايد حدة الصراعات داخل حزب “الماباي”، ازداد نفوذ اليمين المعارض للائتلاف الحكومي؛ إذ تكونت كتلة يمينية موحدة، ضمت حزب “حيروت” وأغلبية الحزب الليبرالي، تحت اسم كتلة “جحال”. وحرص زعماء حزب “الماباي”، في مؤتمره، الذي عُقد في أكتوبر 1963، على تجميع الصفوف ومواجهة الاضطرابات العمالية؛ بل نشطوا لإشراك حزب “المابام” في الحكومة الائتلافية، ليكون ستاراً يسارياً لتغطية سياستهم الرجعية.
ب. الائتلاف الحكومي الحادي عشر (26 يونيه 1963)
استقالت حكومة “بن جوريون” في 16 يونيه 1963، بعد تفاقم موجة الغضب الداخلي، على تعاونها مع الحكومة الألمانية. وكُلف ليفي أشكول بتأليف الحكومة الحادية عشرة، وكانت على شاكلة سابقتها؛ إذ اعتمدت على الائتلاف بين “الماباي” و”المفدال” و”أحدوت هاعفودات” و”بوعالي “أغودات إسرائيل” والكتل العربية التابعة لحزب “الماباي”. وحازت الحكومة، في 26 يونيه 1963، ثقة الكنيست.
ج. الائتلاف الحكومي الثاني عشر (22 ديسمبر 1964)
انتهج أشكول أسلوباً أكثر مرونة، لتحقيق سياسة الحزب؛ إلا أن الأوضاع لم تستقر، بل ازدادت حدة التظاهرات في القدس، مطالبة بتحرير البلاد من الاضطهاد الديني، وتحسين ظروف العمل. واضطر إلى الاستقالة، إثر احتدام الصراع بين مؤيديه ومؤيدي بن جوريون، واشتداد ضغط الأحزاب المعارضة، وخاصة الحزب الليبرالي. بيد أن اللجنة المركزية لحزب “الماباي”، اختارته، مرة أخرى، ليؤلف الحكومة، فألّفها من الائتلاف نفسه، الذي كوَّن حكومته السابقة. وحاز، في 22 ديسمبر 1964، ثقة الكنيست.
خلال هذه المرحلة، تعزز نفوذ الأحزاب السياسية الدينية في الائتلاف؛ إذ إن ضغوط اليمين على “الماباي”، أجبرته على التشبث بمحالفة حزب “المفدال”، لأنه لو تخلى عنها، لانهارت الحكومة. واستمر هذا الائتلاف، على كثرة المشاكل، التي واجهته، والناجمة عن العلاقات بالغرب، والتوتر المستمر مع العرب ودول الجوار، وقوانين الطوارئ، والقوانين الاقتصادية التي تخدم رؤوس الأموال الأجنبية في إسرائيل.
4. الائتلافات الحكومية خلال الكنيست السادس (1965-1969)
جرت انتخابات الكنيست السادس في الأول من نوفمبر 1965. وكانت نسبة المشاركة فيها 83%. وخاضها 16 تحالفاً حزبياً، تجاوز 13 تحالفاً منها الحدّ الأدنى من الأصوات. وفقد تحالف “الماباي” و”أحدوت هاعفودات” خمسة مقاعد. وجاءت كتلة “جحال” في المرتبة الثانية، وخسر حزب “المفدال” مقعداً واحداً. وبدأت تزداد قوة حزب “رافي”، إثر نجاحه في استمالة أصوات المهاجرين اليهود الجدد، وكذلك العمال وبعض الضباط القادة (انظر جدول نتائج انتخابات الكنيست السادس، 1 نوفمبر 1965؛ والائتلاف الحكومي الثالث عشر، 12 يناير 1966).
أ. الائتلاف الحكومي الثالث عشر (12 يناير 1966)
عاقت أشكول عن تكوين الائتلاف الحكومي، مطالبة الحزب الليبرالي بحُرية أكثر لرؤوس الأموال الأجنبية؛ ومساومة حزب “المفدال” وابتزازه بمطالبته بخضوع اليهود المتدينين لمحاكم الحاخامات فقط. وتمكن أشكول، في 12 يناير 1966، من تأليف الحكومة، من حزب “الماباي” وحزب “المفدال” وحزب “المابام” والحزب الليبرالي المستقل و”بوعالي “أغودات إسرائيل”، والكتل العربية التابعة لحزب “الماباي”. وحصل حزب “المفدال” على العديد من المكاسب؛ إذ زادت الحكومة الاعتمادات المالية المخصصة لهيئاته ومدارسه؛ وفي المقابل، أخرت فتح جميع المؤسسات التجارية والصناعية، أيام السبت.
وحولت إسرائيل هذه الحكومة إلى حكومة وحدة وطنية، قبل إعلانها الحرب على الدول العربية، في 5 يونيه 1967؛ إذ ضمت إليها كلاًّ من كتلة “جحال” وتحالف “رافي”، لتبلغ مقاعد الائتلاف الحكومي 111 مقعداً؛ محققة بذلك نسبة تصويت وصلت طاولت 91.3%. واستمر انضمام الكتل العربية التابعة لحزب “الماباي” إلى حكومة الحرب، تلك، ونالت، في 5 يونيه 1967، ثقة الكنيست.
ب. الائتلاف الحكومي الرابع عشر (17 مارس 1969)
بعد وفاة “ليفي أشكول”، في 26 فبراير 1969، كُلفت جولدا مائير بتأليف الحكومة، فألفتها وفق أُسُس الحكومة السابقة وقواعدها. وتكفلت بتنفيذ ما كانت قد وعدت به الائتلافات الحكومية، التي كُوِّنت خلال الكنيست السادس. ونالت هذه الحكومة، في 17 مارس 1969، ثقة الكنيست.
5. الائتلاف الحكومي الخامس عشر، خلال الكنيست السابع (1969-1973)
جرت انتخابات الكنيست السابع، في 28 أكتوبر 1969. وبلغت نسبة المشاركة فيها 81.7%. وخاضها 19 تحالفاً انتخابياً، حقق 13 تحالفاً منها الحدّ الأدنى من الأصوات، أي 68.4%. اندمجت تحالفات “الماباي” و”أحدوت هاعفودات” و”المابام”، في ما عُرف باسم “المعراخ”، أيْ التجمع. كذلك ظهر تحالف “رافي” أو التحالف الرسمي، الذي تكوَّن، بعد انشقاق بن جوريون عن “الماباي”.
كُلفت “جولدا مائير” بتأليف الحكومة الخامسة عشرة. واشترط “المفدال” لاشتراكه فيها، أن تُمنع برامج التليفزيون، أيام السبت؛ وأن يعيَّن أحد أعضائه نائباً لوزير التعليم. وقُبِل شرطاه، فوُلد، في 15 ديسمبر 1969، ائتلاف حكومي من “المعراخ” و”جحال” و”المفدال” والحزب الليبرالي المستقل. ولم يشترك فيه حزب “بوعالي “أغودات إسرائيل”، الذي فضّل الانضمام إلى المعارضة (انظر جدول نتائج انتخابات الكنيست السابع، 28 أكتوبر 1969؛ والائتلاف الحكومي الخامس عشر ، 15 ديسمبر 1969).
وفي أغسطس 1970، استقالت كتلة “جحال” بسبب قبول الحكومة مبادرة روجرز الأمريكية؛ فاستبدِل بوزرائها آخرون من “المعراخ”. وهدد حزب “المفدال” بالاستقالة، إذا لم تُلبَّ طلباته، ولا سيما مسألة “من هو اليهودي؟”، التي أُثيرت غير مرة، وكادت تطيح الحكومة، لا بل إن أحد أعضائه، صوّت في مصلحة اقتراح، يقصُر عملية التحول إلى اليهودية على الحاخامات الأرثوذكس فقط؛ ما حمل رئيسة الحكومة، على طرده. وفي الوقت نفسه، هددت بالاستقالة، إذا طرح نواب حزب الأحرار على الكنيست مشروع قانون، يسمح بالزواج المدني. وبصفة عامة، حقق حزب “المفدال” مكاسب سياسية كبيرة، خلال فترة حكم مائير؛ بل كان زعيمه من المقربين إليها؛ لا، بل من صانعي القرار السياسي، المعروفين باسم “مطبخ مائير”.
6. الائتلافات الحكومية خلال الكنيست الثامن (1973 – 1977)
جرت انتخابات الكنيست الثامن، في 31 ديسمبر 1973. وبلغت نسبة المشاركة فيها 78.6%. وخاضها 21 تحالفاً انتخابياً، حققت 10 تحالفات منها الحدّ الأدنى من الأصوات. وتأثرت نتائجها بحرب أكتوبر 1973 مباشرة، ففقد حزب “المعراخ”، خمسة مقاعد في الكنيست؛ وازداد تكتل اليمين، “الليكود”، سبعة مقاعد. أمّا الأحزاب الدينية، فقد خسرت ثلاثة مقاعد؛ وفَقَدَ “المفدال” مقعدَين. ويُعزى ضعف الأحزاب السياسية الدينية إلى أن مؤيديها، وخاصة في مستوطنات الضفة الغربية، وكذلك في الجيش، منحوا أصواتهم تكتل اليمين الجديد، “الليكود” (انظر جدول نتائج انتخابات الكنيست الثامن، 31 ديسمبر 1973؛ والائتلاف الحكومي السادس عشر، 10 مارس 1974).
لئن مُنيت الأحزاب السياسية الدينية بخسارة عددية، فإن قدْرتها على المساومة والابتزاز قد تعاظمت؛ وذلك لتراجع قوة “المعراخ” البرلمانية، وازدياد قوة “الليكود” في الكنيست. ومن ثَم، فقد اشترط “المفدال” تعديل قانون العودة، وإجراء انتخابات عامة في حالة الوصول إلى اتفاق مع الدول العربية، وضم “الليكود” إلى الحكومة. ولكن هذه الشروط، لم يوافق عليها، لا حلفاء “المعراخ” في الخارج، ولا جولدا مائير، التي هددت بقصْر الائتلاف على “الأحرار المستقلين” و”راتس”؛ واستبعاد “المفدال”؛ ما اضطر هذا الأخير إلى التراجع عن شروطه، عدا ثانيها، المتمثل في ضرورة إجراء انتخابات، في حالة الوصول إلى اتفاق مع الدول العربية، يقضي بالتخلي أراضٍ في الضفة الغربية.
أ. الائتلاف الحكومي السادس عشر (10 مارس 1974)
ألّفت “جولدا مائير” الحكومة الائتلافية من تحالف “المفدال” و”الأحرار” و”المعراخ”، والكتل العربية التابعة للأخير. ويؤكد ذلك أن الأحزاب الدينية، هي أحرص على التدفقات المالية والمساعدات لمؤسساتها ومدارسها، منها على ثوابتها الأيديولوجية. وحازت الحكومة، في 10 مارس 1974، ثقة الكنيست.
ولكنها سرعان ما استقالت، في 11 أبريل 1974، بعد نشر تقرير لجنة “أجرانات”، في شأن هزيمة الجيش الإسرائيلي في حرب أكتوبر، الذي اتهم الحكومة بالتقصير.
ب. الائتلاف الحكومي السابع عشر (3 يونيه 1974)
كُلف “إسحاق رابين” بتأليف الحكومة الجديدة. وأجبره “المفدال” بشروطه السابقة نفسها، على تكوين ائتلاف محدود من “المعراخ” و”راتس” و”الأحرار المستقلين” والكتل العربية التابعة لحزب “المعراخ”. وحصلت الحكومة، في 3 يونيه 1974، على ثقة الكنيست.
انهار ائتلاف الحكومة في ديسمبر 1976، إثر اقتراح الجبهة التوراتية الموحدة، المكونة من حزبَي “أغودات إسرائيل”، حجب الثقة عن الحكومة، لانتهاكها حرمة يوم السبت، بإصرارها فيه على استقبال ثلاث طائرات أمريكية الصنع، في أحد المطارات، وعودة مستقبليها في سياراتهم إلى منازلهم. وصوّت جميع أعضاء “المفدال” في الكنيست في مصلحة هذا الاقتراح، فبادر رابين، بموجب حقه في طردْ الوزراء، الذين لا يلتزمون بالمسؤولية الجماعية للحكومة، إلى طرْد وزراء “المفدال” فيها؛ واستقال في 22 ديسمبر 1976، ودعا إلى انتخابات مبكرة.
كانت الحكومة الائتلافية السابعة عشرة خاتمة للمشاركة التاريخية، بين حزبَي “الماباي” و”المفدال”، وفاتحة مرحلة جديدة ودور جديد الأحزاب السياسية : الدينية والعلمانية، في الحياة السياسية و الأحزاب السياسية الإسرائيلية.
7. تقييم المشاركة الحزبية في الائتلافات، خلال المرحلة الثانية (1955 – 1976)
حال اختلاف توجهات الأحزاب وتعارُضها، دون حصول أيٍّ من الأحزاب السياسية على الأغلبية المطلقة، التي تمكنه من تأليف حكومة بمفرده. كما لم تؤلَّف حكومة من دون مشاركة الحزبين الأكبَرَين: “الماباي” و”المعراخ”. كذلك لم يسلم حزب “الماباي” من الخلافات الداخلية، التي انتهت إلى سقوط بعض الحكومات الائتلافية؛ بل إلى انشقاق الحزب نفسه، وظهور بعض الكتل المستقلة.
كان حزب “المفدال” شريكاً رئيسياً لحزب “الماباي” في الائتلافات الحكومية، وحليفه الأمين، في الأزمات؛ ولا سيما منذ الحكومة الائتلافية الرابعة. أمّا مشاركة حزب “بوعالي أغودات إسرائيل”، فكانت محدودة.
طالما رهنت الأحزاب السياسية الدينية اشتراكها في الائتلافات الحكومية؛ بتعديل قانون “من هو اليهودي؟”، ومراعاة القيم والتقاليد اليهودية، وضمان تدفق الدعم المالي. ولئن كانت مستعدة للتخلي عن ثوابتها الأيديولوجية، مقابل بقائها في الائتلافات الحكومية، وحصولها على الدعم المالي؛ فإنها تشبثت، ولا سيما حزب “المفدال”، بتعديل قانون “من هو اليهودي؟”، ولم تتخل عنه أبداً.
لم يتخذ قادة “الماباي” ثم “المعراخ” مواقف محددة، وواضحة، في برامجهم الائتلافية؛ استرضاء للأحزاب: اليسارية واليمينية والدينية. ومن ثَم، فقد ضمتها جميعاً كلّ الحكومات الائتلافية، في إطار سياسة: “فرق تسد”، التي انتهجها قادة “الماباي” ليحُوْلوا دون أيّ تآلف بين الأحزاب: الدينية واليمينية. كما أن عدم وضوح برامج الائتلاف، كان يحُدّ مما يُقدم للشركاء في الحكومة.