بخلاف أنظمة الدول العربية، راهن الزعيم الليبي الراحل، معمر القذافي، طيلة سنوات حكمه في ليبيا، على كتائب مسلحة، تدين له الولاء التام وتأتمر بتعليماته المباشرة، بدل جيش نظامي موحد ومحترف، وهي كلها كتائب تم تأسيسها بناء على بعد عشائري وقبلي، لا عن بعد وطني وقومي يحمي أمن حدود البلاد.
وبعد أفول نظامه في أكتوبر 2011، تفرقت بهذه الكتائب السبل وخاضت حروبا أهلية فيما بينها، إلى حدود اصطفافها بتسميات جديدة، على طرفين نقيضين، الأول في بنغازي شرقا، مع قوات خليفة حفتر. والثاني في طرابلس غربا، مع حكومة “فايز السراج”.
وبذلك، يتساءل المهتمون بالشأن الليبي، عن طبيعة هذه الكتائب والميليشيات المسلحة في ساحة الاقتتال الليبي؟ وحول ما إذا كانت السبب الرئيس في عرقة الحل السياسي السلمي في ليبيا؟
تعتمد وزارة الداخلية في حكومة “الوفاق”، لحماية المدن التي تسيطر عليها غربا، على نظام الكتائب، التي تتولى مأمورية حماية أمن المدن بالكامل، بل وقد تتفرع منها وحدات عسكرية خاصة، تولى لها هي الأخرى مهمات خاصة.
في طرابلس، تولى لكتيبة “قوة الردع الخاصة”، بقيادة عبد الرؤوف كاره، مهمة حماية القصر الرئاسي والمؤسسات الحكومية والأمنية الخاصة، وأيضا تشارك في مواجهات قتالية شرسة، وتتبع لوزارة الداخلية في حكومة السراج، ومقرها الرئيسي في معيتيقة.
كتيبة أخرى في طرابلس، هي “كتيبة تاجوراء”، يقودها بشير خلف الله، المعروف بلقب “البقرة”، وهي من الكتائب التي تسيطر على أغلب سجون الغرب الليبي، واتهمت في وقت سابق بـ”الاتجار في المهاجرين الأفارقة”.
وكتيبة “ثوار طرابلس”، بقيادة أيوب أبو راس، هي ثالث الكتائب المسلحة في العاصمة الليبية، تحكم قبضتها على مناطق واسعة من العاصمة، أهمها “الفرناج”، “عين زارة”، و”بئر أوسطا ميلاد”، وتتبع لوزارة الداخلية في حكومة الوفاق.
ليبيا.. ستة لقاءات دولية للتسوية دون جدوى
كتيبة “لواء النواصي”، المسماة بـ”القوة الثامنة”، يرأسها مصطفى قدور، يتميز سلوك قتالها في ساحات المواجهة، بالاعتماد على جيش من “القناصة” بخلاف باقي الكتائب الأخرى، المتمرسة على المواجهات الساخنة والتقليدية.
وإلى جانب هذه الكتائب، توجد أخرى، وهي “كتيبة الردع والتدخل السريع”، يقودها عبد الغني ككلي، الملقب بـ”غنيوة”، وهي ميليشيا تتمركز في الضواحي الجنوبية لطرابلس.
وفي مصراتة، العاصمة الاقتصادية لليبيا، حيث أصعب المحاور على قوات حفتر، تتمركز كتيبة “البنيان المرصوص”، التي توصف بـ”الأقوى”، في حكومة الوفاق، ولا يعرف لها قائدا أو متحدثا رسميا باسمها.
وتعمل في مصراتة، إلى جانب كتيبة “لواء الصمود”، بقيادة صلاح بادي (صلاح الدين عمر بشير بادي)، والتي تتولى مهمة حراسة وأمن الضاحية الجنوبية لمصراتة.
وفي نفس المدينة أيضا، توجد كتيبة، “لواء الحلبوص”، بقيادة البشير عبد اللطيف، وهي من أكثر الكتائب تجهيزا، تأسست في عام 2011، فضلا عن كتيبة “الفاروق”، ذات المرجعية الدينية، وقائدها التهامي بوزيان.
وفي مدينة الزاوية، تعمل “كتيبة الزاوية”، بقيادة أبو عبيدة الزاوي، وفي الزنتان تعمل “مليشيا الزنتان”، بقيادة أسامة الحويل.
وفي الجانب الآخر، تتكون قوات الشرق، بقيادة خليفة حفتر، من عسكريين وضباط من النظام السابق لمعمر القذافي، وتتمركز في الشرق تحت غطاء شمال يسمى “الجيش الوطني الليبي”، إلى جانب كتائب وألوية أخرى، تتفرق بين جهات قبلية وأخرى سلفية (مدخلية) كارهة لفكر “الإخوان المسلمين”، فضلا عن مرتزقة من دول داعمة.
وتعد كتيبة “اللواء 106″، من أكبر الفصائل المسلحة العاملة تحت لواء جيش حفتر، ويعتمد عليها في مهمات قتالية كبيرة، يقوده خالد خليفة حفتر (نجل خليفة حفتر)، الذي منحه والده رتبة مقدم.
كواليس لقاء برلين.. حفتر يُغضب ميركل ويُفاجئ الروس
وأسندت مهمة الهجوم على طرابلس، حيث تعد الأكثر تجهيزا بالآليات والسيارات العسكرية الحديثة، والأسلحة والذخائر الثقيلة.
ومن بين ركائز “الجيش الليبي”، بقيادة خليفة حفتر، كتيبة أخرى تحت مسمى “اللواء السابع”، التي تعود إلى عائلة “الكاني” في مدينة “ترهونة” (تبعد نحو 88 كلم جنوب شرق العاصمة)، وتسيطر هذه العائلة على مفاصل المدينة منذ سنوات، بعد أن إستحوذوا على أسلحة ثقيلة، ومعدات عسكرية من مخلفات النظام السابق.
كتيبة أخرى، في مدينة “الكفرة”، جنوب شرق ليبيا، وهي “سبل السلام”، وهي ميليشيات سلفية صرفة، يقودها “أبو عبد الله الليبي”، تربطه علاقات جيدة مع خليفة حفتر، ويعتبر يده الضاربة في الجنوب الليبي.
كتيبة “قوات الصاعقة”، من أبرز ركائز جيش حفتر، تتكون من عناصر النظام السابق، وتتمركز في بنغازي، وهي أحد الأذرع المهمة لقوات حفتر، يقودها اللواء ونيس المبروك بوخمادة، ويشتهر وسط ليبيي الشرق، بقسوته وسطوته.
وتعمل أغلب كتائب خليفة حفتر، إلى جانب مرتزقة أجانب، من روسيا مثل مرتزقة “الفاغنر”، ومجموعة “آر إس بي”، وسودانية لمنشقين عن قوات “الجنجويد” السودانية.
“عرقلة” السلام
ويعسر التواجد الكبير للكتائب المسلحة في ليبيا، من إمكانية فرض السلام على الأرض، إذ أغلبها يحتكم إلى المصالح القبلية والشخصية الخاصة، بل منهم من له قدرة على الضغط السياسي وفرض الشروط على كل من الطرفين، في ما يتعلق بمستقبل ليبيا.
هنا، رأى علية العلاني، محلل سياسي وباحث في القضايا الاستراتيجية، لـ”الحرة”، إن سبب فشل لقاءات التسوية السياسية في ليبيا، هو التواجد الكبير للكتائب والميليشيات المسلحة في الساحة.
وأشار الخبير، إلى أن كل من خليفة حفتر وفايز السراج، لا يمكن في الفترة الحالية، القول لا، لقادة هذه الميليشيات”، مشيرا إلى انها “تضغط عليهما فيما يحفظ مصالحها في أي تسوية سياسية”.
واعتبر أيضا، ان حل الأزمة الليبية، “يمر حتما من حل هذه الميليشيات، وتحديد قواسم مشتركة بين الطرفين، حول طريقة تأسيس جيش موحد للدولة يضم كل من كان يقاتل في صفوف الطرفين، إضافة إلى صياغة دستور يقسم السلطة فيما بينهما”.
العلاني، لفت أيضا إلى ان إصرار خليفة حفتر على مطالبة فايز السراج في كل لقاء على حل الميليشيات المقاتلة في صفه، ورفض الأخير لطلبه، “دليل على كونهم سبب عرقلة السلام في ليبيا”.