محتويات هذا المقال ☟
كشف تقرير حديث صادر عن المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية الأمريكية أن الحرب النفسية هي سلاح إيران الأساسي لإخفاء ضعفها العسكري، والتغطية على نظامها القتالي التقليدي، وأسلحتها التي أصيبت بالقدم والشيخوخة.
واتفق المعهد مع تقرير صادر عن مؤسسة راند الأمريكية أن الحرب مع العراق كانت النقطة الحاسمة في تغيير الاستراتيجية العسكرية الإيرانية، التي تعتمد على الحماس الثوري، ويسيطر عليها الحرس الثوري.
وصممت القوات المسلحة الإيرانية استراتيجياتها القتالية للحرب لمواجهة خصوم متفوقين عليها من الناحية التكنولوجية، مثل الولايات المتحدة، واعترفت ضمنا أنها لا تملك سوى فرصة ضئيلة للفوز في صراع تقليدي قائم على القوة، واختارت نموذجا يستند إلى حرب الاستنزاف التي تثير مخاطر الخصوم، بهدف إحداث هزيمة نفسية تعطل عملية المواجهة والقتال.
حرب المناورة
طورت إيران استراتيجيتها العسكرية خلال حربها الطويلة مع العراق التي استمرت 8 سنوات، وبحسب معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى دخلت مفاهيم مثل الاعتماد على الذات والدفاع المقدس، وتصدير الثورة للمرة الأولى للمعجم العسكري، وتم تدوينها كاستراتيجية في أوائل التسعينات.
اختلطت هذه الأفكار بمفاهيم من استراتيجية ما قبل الثورة الخمينية، والتي تأثرت بشدة بالولايات المتحدة، لتشكيل هجين فريد من نوعه يميز الاستراتيجية العسكرية الإيرانية الحديثة عن نظيرتها السوفيتية المستوحاة إلى حد كبير في العالم العربي.
قلصت طهران تدريجيا جهودها لتصدير ثورتها بعد الحرب العراقية، مع تحول أهداف سياستها الخارجية، وأصبحت استراتيجية الأمن القومي الإيراني أكثر دفاعية، وبدأ العسكريون الإيرانيون في إيلاء المزيد من الاهتمام لمبادئ حرب المناورة الحديثة، مثل العمليات المشتركة.
تخلف استراتيجي
في منتصف التسعينات كان هناك حديث عن دمج الحرس الثوري الإيراني مع الجيش النظامي، للتخفيف من مشاكل القيادة والسيطرة المتمثلة في وجود خدمتين عسكريتين متوازيتين تعملان جنبا إلى جنب، ولا تزال القدرات العسكرية الإيرانية متخلفة عن استراتيجيتها، ولكن بحلول نهاية العقد، كانت قواتها تتطور تدريجيا على الطراز الغربي.
وأدت هجمات الحادي عشر من سبتمبر والغزو الأمريكي للعراق وأفغانستان إلى إعادة النظر في مسار قواتها المسلحة، فالبيئة الأمنية الإقليمية تغيرت بشكل كبير، لم يعد هناك تهديد من البعثيين في العراق وحركة طالبان في أفغانستان، وهما اثنان من الخصوم الرئيسيين لإيران، لكنها وجدت فجأة قوات الولايات المتحدة متمركزة على جانبيها الغربي والشرقي، وهو ما دفع طهران إلى إعادة تقييم استراتيجيتها للأمن القومي.
الاستراتيجية البرية
في عام 2005، أعلن الحرس الثوري الإيراني أنه اعتمد دفاعا مرنا ذا طبقات يشار إليه كدفاع فسيفساء، كان المؤلف الرئيس لهذه الخطة هو الجنرال محمد جعفري، مدير مركز الاستراتيجية في الحرس الثوري الإيراني، والذي عين لاحقا قائدا للحرس الثوري الإيراني.
وأعاد الحرس الثوري الإيراني هيكلة القيادة والسيطرة ليصبح نظاما يتكون من 31 أمرا منفصلا، واحد لمدينة طهران و30 لمحافظات إيران، وكان الهدف الأساسي هو تعزيز تماسك الوحدات على المستوى المحلي ومنح القادة مزيدا من الحرية للاستجابة للتهديدات المحتملة الخارجية والمحلية، لكن الهيكل الجديد يصعب مهمة القوات الخارجية من تقويض القيادة والسيطرة الإيرانية، وهو درس تعلمه الجيش الإيراني من تحليل العمليات الأمريكية في العراق وأفغانستان ومنطقة البلقان.
واحتوت مناورات الحرس الثوري الإيراني وقوة الباسيج على نصب كمائن محاكية على أعمدة مدرعة للعدو وطائرات هليكوبتر، وتم إجراء الكثير من هذا التدريب في بيئة حضرية، مما يشير إلى أن إيران تعتزم جذب قوات خصومها إلى المدن لحرمانها من الحركة والدعم الجوي.
الاستراتيجية البحرية
تنظر طهران إلى العمليات القتالية البحرية بالطريقة نفسها التي تنظر بها إلى العمليات البرية، وتبدو استراتيجية البحرية الإيرانية موجهة نحو خصم متفوق تقنيا – غالبا ما يفترض أنه البحرية الأمريكية – مع وجود شكل من أشكال حرب العصابات في البحر.
تم تطوير قواعد الاستراتيجية خلال حرب الناقلات (1984-1988)، والتي استخدمت خلالها إيران الطائرات والقوارب السريعة والألغام البحرية وصواريخ كروز البرية المضادة للسفن لمهاجمة سفن النقل المدنية في الخليج العربي. بعد تعرض فرقاطة أمريكية لأضرار بالغة بسبب لغم إيراني قامت البحرية الأمريكية بالانتقام من عملية صرع السرعوف (1988)، مما أدى إلى تدمير منصتي نفط إيرانيتين وإغراق عدد من السفن الإيرانية السطحية.
بعد عملية السرعوف قررت طهران تغيير طريقة عمل قواتها البحرية، وباتت استراتيجيتها تعتمد على طبقة دفاعية وحشد من القوة النارية، حيث تدمج أسلحة بحرية وبرية وجوية متعددة في وقت واحد، ويشمل ذلك الألغام البحرية، التي يمكن نشرها سرا باستخدام قوارب صغيرة أو سفن تجارية؛ وصواريخ كروز البرية والبحرية المضادة للسفن؛ وطائرة هجوم سريع صغيرة، والتي يمكن أن تشارك في عمليات حشد أو هجمات انتحارية؛ وغواصات.
الاستراتيجية الجوية
تركز استراتيجية الدفاع الجوي الإيرانية على الدفاع عن المجال الجوي الإيراني، وتواجه القوات الجوية الإيرانية وقوة الدفاع الجوي، وهما قيادة منفصلة، عددا من التحديات في الدفاع عن المجال الجوي الإيراني، وتعد الجغرافيا عاملا محددا، نظرا لحجم إيران وتضاريسها الجبلية، والتي تميل إلى إنتاج ثغرات في تغطية الرادار.
وتظل مشكلة الشيخوخة والمعدات القديمة أكبر التحديات الإيرانية، فقد قدمت الولايات المتحدة قبل ثورة 1979 عددا من الطائرات في مخزون IRIAF، بما في ذلك الدعامات الأساسية مثل F-14A وF-4D. تم تشغيل بعض هذه المنصات، إما عن طريق تفكيك أجزاء من طائرات أخرى أو شراء قطع غيار من السوق السوداء، ولكن من المفترض أن مستويات استعداد IRIAF منخفضة بسبب مشكلات الصيانة.
نتيجة لهذه التحديات، اختار الجيش الإيراني استخدام أصول الدفاع الجوي المحدودة لحماية أهداف النقاط، بما في ذلك المنشآت النووية، وتم تدريب الطيارين الإيرانيين على التعويض عن القيود المفروضة على طائراتهم وأنظمة الطيران والأسلحة باستخدام تكتيكات خاصة، مثل إخفاء التضاريس في كمين دون أن يتم اكتشافها، كما حاولت قوات الدفاع الجوي الإيرانية زيادة قابلية وحداتها للبقاء على قيد الحياة بتدابير دفاع سلبية، بما في ذلك تشتت الأصول واستخدام قواعد التشغيل الأمامية والملاجئ المقواة والمنشآت المخفية.
الصواريخ الباليستية
يعود برنامج الصواريخ الباليستية الإيراني إلى منتصف الثمانينات، خلال الحرب العراقية الإيرانية.
بالنسبة لطهران، فإن استخدام العراق للقذائف التسيارية ضد الأهداف الاستراتيجية الإيرانية سلط الضوء على نقاط الضعف الحرجة في دفاعات إيران؛ كما أنه أحبط سكان إيران المدنيين، فأطلقت إيران برنامج الصواريخ الباليستية الخاص بها لردع العراق ووقف مهاجمة المراكز السكانية والصناعات الاستراتيجية، وبدأت الشحن الأولى لعدد محدود من صواريخ SCUD-B من ليبيا بنهاية الحرب، وأطلقت أكثر من 100 صاروخ باليستي على أهداف عراقية فيما أصبح يعرف باسم «حرب المدن».
وأصبحت قوات الصواريخ أحد أعمدة الاستراتيجية الإيرانية الآن، ويرجع ذلك إلى ارتباطها الضمني ببرامج أسلحة الدمار الشامل الإيرانية، ففي عام 2010، كان لدى إيران أكبر مخزون من الصواريخ الباليستية في الشرق الأوسط، ويواصل الحرس الثوري الإيراني، الذي يتمتع بالسيطرة التشغيلية على قوات الصواريخ الإيرانية، توسيع مدى أداء صواريخه الباليستية وتحسينها، ومن المحتمل أن تكون مخصصة لأهداف استراتيجية مثل المدن ومنشآت إنتاج وتصدير النفط والموانئ ومحطات تحلية المياه.