الفريق قايد صالح ,,, الرجل الذي وعد ووفى و سلم السلطة للمدنيين

فقدت الجزائر أمس أحد رجالاتها الأبطال، الذي بقي إلى آخر لحظة وفياً لمساره الزاخر بالتضحيات الجسام من أجل ضمان إجراء الانتخابات الرئاسية وعبور البلاد إلى بر الأمان.

فالتاريخ سيكتب هذه المآثر الجليلة بأحرف من ذهب على صفحة مشرقة من حياة الفقيد الذي وعد ووفى بمرافقة الحراك من دون سقوط أي قطرة دم، والتزم بعدم دعم أي مرشح للرئاسة وإجراء انتخابات في كنف الشفافية، فهو الذي صان الأمانة وأوفى بالعهد في فترة من أصعب الفترات التي اجتازتها الجزائر.

حيث أخذ مسؤولياته كاملة لاسترجاع سيادة المؤسسات، ونصرة الحل الدستوري ومحاربة العصابة بزج ابرز عناصرها في السجون، وضمان إبعاد البلاد عن خطر التدخل الخارجي.

الصورة:

يمضي الرجال ويبقى النهج والأثر، فالتاريخ يشهد بإخلاص لفقيد الوطن الفريق قايد صالح للجزائر وتفانيه في عمله وعدم رضوخه للضغوطات، فقد حرص على تنظيم الانتخابات في ديسمبر، وكأنه أحس أن قدره قريب.

حيث أراد رؤية بلاده اجتازت المرحلة العصيبة بأمان قبل رحيله، بعدما اجتازت البلاد مرحلة عصيبة توجت بانتخاب رئيس جديد قادر على صون البلاد وحمايتها من العصابة. لكن رحيل الفقيد في هذا الظرف يقتضي مزيداً من التلاحم والتماسك بين أبناء الشعب وتكملة رسالة قايد صالح في رؤية بلاده في صف الأمم المتطورة.

بعدما راهن الكثير على سقوط الجزائر ودخولها في بحر من الدماء، سخر الله لهذه البلاد، قائد أركان الجيش، الذي نجح في توحيد الصف وإنهاء أكبر مؤامرة داخلية وخارجية لجر البلاد إلى عنف التسعينيات، ورافق الحراك.

الراحل قايد صالح لقب بالرجل غير المتوقع نتيجة مواقفه المتغيرة تبعا للظروف السائدة في البلاد (الأناضول)

حيث إنه بعد ثلاثة أسابيع من المسيرات السلمية التي خرج فيها ملايين الجزائريين، وبالضبط في 26 مارس المنصرم، طالب الفريق بضرورة تطبيق المادة 102 من الدستور والاستجابة لمطلب ملايين الجزائريين بإنهاء حكم الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة، ثم جال الجزائر شرقا وغربا من اجل إقناع الجزائريين بمسار الإصلاحات، ومن اجل إنجاح الاستحقاق الانتخابي.

وقد التزم بالحكم واتخاذ الإجراءات المناسبة في الوقت المناسب، ففيما عمل على الاستجابة لمطلب تأجيل الانتخابات مرتين، عمل من جهة أخرى على تحصين المسار السياسي واحترام الشرعية الدستورية، فقد كان واقفا حاملا الجزائر في قلبه حتى أخرجها إلى بر الأمان.

كما لم تتوقف جهود المؤسسة العسكرية عند تنظيم الانتخابات الرئاسية، بل رافقت المطلب الشعبي في مكافحة الفساد ودعم جهاز العدالة في محاكمة عدد من مسؤولي النظام السابق.

محبوب شعبياً

الفقيد بقي إلى آخر لحظة وفياً لمساره الزاخر بالتضحيات الجسام التي ما انقطعت منذ أن التحق في سن مبكرة بصفوف جيش التحرير الوطني الذي ترعرع في أحضانه وتشرَّب منه جندياً فضابطاً فقائداً محبوباً شعبياً، وفي آخر كلمة له في 14 ديسمبر الجاري بمناسبة حفل تنصيب عبد المجيد تبون رئيسا للجمهورية.

هنأ الفقيد قايد صالح أفراد الجيش والأجهزة الأمنية، الذين ساهموا في تأمين الانتخابات، وجعلوا منها عرسا ديمقراطيا. وقال إن جهود الجيش، وضعت نصب أعينها الحفاظ على مؤسسات الدولة، وحماية المرفق العام وأملاك المواطنين، وحماية المسيرات السلمية، طيلة 10 أشهر كاملة.

وكان الفقيد يدرك أنه لولا تدخل الجيش الوطني الشعبي في الظروف الاستثنائية، لفُرضت انتخابات محسومة مسبقا، ولواصلت «العصابة» نهب أموال الشعب. لذلك ساهم مع الحراك في إبقاء الأمور سلمية لأبعد الحدود وإقناع الجزائريين بضرورة العودة للمسار الانتخابي، إلى غاية استدعاء الهيئة الناخبة شهر سبتمبر الماضي وتنظيم الرئاسيات في 12 ديسمبر الجاري التي أسفرت عن انتخاب رئيس للجمهورية.

الفقيد، هو من مواليد 13 يناير 1940 بولاية باتنة شرق الجزائر، التحق مبكرا بالثورة التحريرية، حيث انضم لجيش التحرير الوطني لمقاومة الاستعمار الفرنسي، وكان في السابعة عشرة من عمره. حتى إنه يعد من آخر المحاربين القدامى، الذين شاركوا في حرب التحرير (1954-1962) في الجيش الوطني لما بعد الاستقلال.

View image on Twitter

وبعد الاستقلال في 1962، تابع تدريبا عسكريا في أكاديمية سوفييتية وتحصل على شهادة بأكاديمية فيستريل بموسكو، وبعد أن قاد عدة نواح عسكرية، ترقى في الرتب إلى أن بلغ رتبة لواء، حيث تم تعيينه رئيسا لأركان القوات البرية (1992-2002).

تدرج في المناصب

وواصل فقيد الوطن تدرجه في سلم الوظائف العسكرية، إذ تولى قيادة الناحية العسكرية الثالثة، ثم الثانية، وتمت ترقيته إلى رتبة لواء في 05 يوليو 1993 في عهد رئيس المجلس الأعلى للدولة الأسبق علي كافي.

قائد أركان

عام 1994 عُين قائداً للقوات البرية في عهد الرئيس السابق اليامين زروال، وفي أغسطس 2004 عينه الرئيس الجزائري المستقيل عبد العزيز بوتفليقة رئيساً لأركان الجيش الجزائري، ليتقلد في 05 يوليو 2006 رتبة فريق، ويُعين في 11 سبتمبر 2013 نائباً لوزير الدفاع الوطني، رئيساً لأركان الجيش الوطني الشعبي في الجزائر.

كما قُلد الفريق أحمد قايد صالح قائد أركان الجيش الجزائري بأوسمة عدة، أبرزها وسام جيش التحرير الوطني، ووسام الجيش الوطني الشعبي من الشارة الثالثة، ووسام الاستحقاق العسكري.