محتويات هذا المقال ☟
لقى 14 من البحارة حتفهم في حريق شب على متن غواصة روسية صغيرة معدة لأبحاث البيئة البحرية والمياه العميقة في قاعدة عسكرية في مدينة سيفيرومورسك في شمال البلاد، وفق وزارة الدفاع.
وقالت وزارة الدفاع الروسية إن “14 بحارا لقوا حتفهم نتيجة تسممهم” جراء تنشقهم الدخان الناتج عن حريق وقع الاثنين.
وأوضحت الوزارة أن الغواصة كانت تجري أبحاثا لمصلحة الأسطول البحري الروسي، لدراسة مناطق قريبة من قاع المحيط وفي قاع المحيط نفسه.
والحادث ليس الأول من نوعه، أغسطس 2000 غرقت الغواصة كورسك في بحر بارنتس ما أسفر عن مصرع 118 بحارا.
لوشاريك.. ولغز الحريق على متن الغواصة الروسية
تعد حادثة الحريق على متن الغواصة لوشاريك لغزا كبيرا إذ تعتبر واحدة من الغواصات المتفردة والأكثر قدرة والأكثر تميزًا في الأسطول البحري الروسي، خاصة وأنها باتت تتذيل قائمة الحوادث الكارثية التي مني بها أسطول الغواصات الروسي، دون تقديم أي تفسير منطقي لأسباب هذه الحادثة.
وقالت وزارة الدفاع الروسية إن الغواصة تديرها وحدة البحث والتطوير الرئيسية التابعة لها تعرضت لحريق، مما أسفر عن مقتل 14 بحارا على متنها. وبحسب ما ورد في البيان فإن السفينة كانت تعمل في بحر بارنتس وقت وقوع الحادثة أي داخل المياه الإقليمية الروسية.
وهناك تقارير متضاربة حول ما أشعل الحريق، وما إذا ما إذا كان البحارة قد اختنقوا بسبب الدخان الضار أو لأسباب أخرى، وما إذا كان الحريق قد وقع على الغواصة التي تخص الأبحاث البحرية أم على غواصة أخرى.
وقالت السلطات في النرويج المجاورة إنها تراقب الأوضاع لكنها لم ترصد أي ارتفاع غير عادي في مستويات الإشعاع بعد الحريق الذي اندلع في الغواصة الروسية.
وقال بير ستراند أحد مديري هيئة الإشعاع والسلامة النووية النرويجية لرويترز “قمنا بمراجعات ولم نرصد مستويات عالية أكثر مما ينبغي من الإشعاع في المنطقة”.
وأضاف أن مسؤولين روسا أبلغوا الهيئة بأن انفجارا للغاز وقع على متن الغواصة.
لكن روسيا نفت ذلك فيما بعد. ونقلت وكالة انترفاكس للأنباء عن وزارة الدفاع قولها إنها لم تبلغ الجانب النرويجي بوقوع انفجار غازي.
ورغم عدم تحديد هوية السفينة التي منيت بالكارثة، إلا أن وزارة الدفاع وصفتها بأنها “مركبة بحثية مخصصة لدراسة قاع البحار وتتبع سلاح البحرية الروسي”.
إلا أن وسائل إعلام روسية ذكرت أن الغواصة تعرف باسم AS-12 وهي تحمل ذات التصميم للغواصة AS-31، وتلقب بـاسم “بلوشاريك” نسبة إلى رسم كارتوني لحصان اشتهر إبان الحقبة السوفيتية، صورته على شكل كرات مركبة فوق بعضها البعض.
كلتا الغواصتان، AS-12 وAS-31 تعملان بالطاقة النووية وكانتا موضع تكهنات وشائعات بين خبراء العلوم البحرية والخبراء العسكريين لعدة سنوات بهدف التوصل لمعرفة قدرات وتصميم تلك الغواصتين.
AS-12 غواصة مهام خاصة
ووفقًا لأحد المدونين الخبراء في علوم البحرية، فإن AS-12 غواصة مهام خاصة للغوص في أعماق المحيطات، ويتم تشغيلها بواسطة وحدة الأبحاث الرئيسية التابعة للبحرية الروسية أو الإدارة العامة للبحوث في أعماق البحار GUGI غوغي.
وهذه الغواصة تعمل بالطاقة النووية بطاقم يصل عدده إلى 25 شخصا، ودخلت الخدمة منذ أوائل العقد الأول من هذا القرن، ويعتقد أنها قادرة على الغوص لعمق يصل إلى 6100 متر.
تم تصميم الغواصة بطريقة تسمح لها بالغوص بعمق أكبر من الغواصات الروسية أو تلك التي تحمل الصواريخ الباليستية، وتتميز عن غيرها من الغواصات ذات المظهر التقليدي بوجود سلسلة تشبه الأجرام، وهو السبب الذي لقبت فيه باسم لوشاريك الحصان الكرتوني.
كما صممت الغواصة بشكل يمكن حملها أو نقلها على متن غواصة أكبر مما يعطيها المزيد من الحمائية من أن يتم التقاطها عبر السونار أو الأمواج فوق الصوتية أو المراقبة بالرادارات.
وقال محللون عسكريون إن الغواصة التي غالبا ما تنقل لوشاريك هي الغواصة من طراز BS-136 أورينبورغ، وهي غواصة صاروخية قديمة من طراز دلتا 3 خضعت للتعديل.
ويعزو أحد المحللين العسكريين لوقوع الحادثة على متن لوشاريك إلى المحاولات الروسية في عهد الرئيس فلاديمير بوتن لتحديث الأسطول البحري الروسي.
ويعبر المسؤولون العسكريون في الولايات المتحدة علنًا عن مخاوفهم من أن القوات الروسية ربما تطور طرقًا جديدة وسرية للاستفادة من أو حتى قطع كابلات الألياف الضوئية تحت البحر والتي تمر عبر الأطلسي.
وأشار آخرون إلى الجهود الروسية الجديدة لملاحقة شبكة المصفوفات الصوتية والكابلات البحرية التي نشرتها الولايات المتحدة وحلف الناتو لسنوات في أعماق البحار لتتبع الغواصات.
ويعد غوغي GUGI، قسم الأبحاث التجريبية الرائد في البحرية، وراء العديد من أنظمة الأسلحة الحديثة في السنوات الأخيرة، بما في ذلك طوربيد يعمل بالطاقة النووية.
كما أنها مسؤولة عن سفينة الأبحاث المعروفة باسم يانتار Yantar، والتي تم إطلاقها في عام 2015 والتي تستطيع حمل غواصتين مأهولتين ومركبة تعمل عن بعد تحت الماء.
وتشتمل يانتار على أجهزة مخصصة للتعقب في أعماق البحار، فضلاً عن معدات لتوصيل كابلات الاتصالات السرية للغاية.
في عام 2018، ذهبت الولايات المتحدة إلى حد اتهام موسكو “بتتبع كابلات الاتصالات البحرية” وفرضت عقوبات اقتصادية على الشركة الروسية التي يزعم أنها توفر معدات الغوص تحت الماء لجهاز الأمن الفيدرالي الروسي..
أصداء واسعة للحادث
بالنسبة للعديد من الروس، كان للحادث أصداء كبيرة، فهي واحدة من أكثر اللحظات الفارقة للرئيس بوتن ومنها غرق غواصة كورسك عام 2000، والتي أودت بحياة 118 بحارًا.
فقد وصف بوتن في اجتماع مع وزير دفاعه سيرغي شويغو وبثه التلفزيون “هذه خسارة كبيرة للبحرية”.
وأضاف بوتين الذي ألغى المشاركة في مناسبة عامة اليوم للتعامل مع الحادث “نقدم خالص تعازينا لأسر الضحايا. سنبذل كل ما في وسعنا لدعمهم “.
وطلب بوتن من وزير الدفاع التوجه إلى سيفيرومورسك، القاعدة البحرية الروسية على بحر بارنتس حيث توجد الغواصة المنكوبة، للوقوف على أسباب الحادث ثم رفع تقرير له.
ويقول أحد الخبراء العسكريين إن الروس يستثمرون الكثير من الجهد والمال في تطوير أساليب جديدة للحرب تحت البحر، لكن الموروثات التي تعود إلى الحقبة السوفيتية، وخاصة في الإفراط في التصاميم وشبهات الفساد لا تزال حاضرة إلى الآن.
ومع أنه من السابق لأوانه تحديد سبب الحريق على متن الغواصة وفيما إذا كان خطأ بشريا أو ميكانيكيا أم لا، إلا أنه من المحتمل أن يكون لحادث لوشاريك تأثير تشغيلي كبير على إدارة أبحاث البحار ، بالنظر إلى مدى تقدم هذه الغواصات وعددها القليل نسبيا في العالم.