ذكرت «بلومبيرج» أواخر الشهر الماضي أن روسيا رفضت طلباً للحصول على نظام الدفاع الصاروخي المتطوّر (أس -٤٠٠). ونقلت الوكالة عن مصدرين مطّلعين أن بوتين شخصياً رفض الطلب الإيراني، وأن موسكو عزت سبب الرفض لما لهذه الخطوة من مخاطر، من شأنها أن تؤدي إلى زيادة التوتّر في المنطقة.
ويطرح هذا الموقف في مثل هذه الظروف التي تشهدها منطقة الخليج العربي لناحية التصعيد الأميركي- الإيراني أكثر من سؤال حول طبيعة العلاقة التي تربط موسكو بطهران، وما الذي يبرر الموقف الروسي الذي يبدو متناقضاً مع ما يروجه النظام الإيراني عن وجود علاقات مميّزة، وما لدى روسيا لتخسره أو تربحه من تسجيل هذه النقطة.
ثمّة كذلك ما يزيد المعادلة غرابة، إذ سبق لروسيا وأن أعلنت أنها أتمت صفقات بالفعل لنقل نظامها الدفاعي المتطور إلى دول مثل الصين والهند، إلا أن المفارقة الأكبر هي أن رفض الصفقة مع إيران يأتي في الوقت الذي تؤكّد فيه موسكو على بدء إجراءات نقل النظام الدفاعي الصاروخي (أس-٤٠٠) إلى دولة عضو في حلف شمال الأطلسي (الناتو) وهي تركيا.
هذه المعطيات توحي بأن روسيا لا تنظر إلى الموضوع على أنه مجرد بيع لتكنولوجيا عسكرية، وإنما هناك شق سياسي لا يقل أهمية، سيما عندما يتم استخدام هذه الصفقات في نزاعات غير عسكرية في الأساس. فجزء من أهداف الصفقة مع تركيا تعميق الخلاف الجاري بينها وبين الولايات المتحدة، ومحاولة شق صف دول حلف شمال الأطلسي.
أما بالنسبة إلى إيران، فموسكو مستفيدة حالياً من حملة «الضغط الأقصى» التي تمارسها الولايات المتحدة ضد طهران، سواء فيما يتعلق بأي ارتفاع محتمل في أسعار النفط، أو فيما يتعلق بوضع إيران في سوريا، أو فيما يتعلق بحرمان إيران من سلاح نووي محتمل.
روسيا تدرك أن تزويد طهران بمثل هذه المنظومة من شأنه أن يحيد جزءاً كبيراً من التهديدات الأميركية لإيران، الأمر الذي سيحرم موسكو من إمكانية الاستفادة من الأزمة بين الطرفين.
تمتلك إيران أكبر برنامج للصواريخ الباليستية في المنطقة، وهي تحتل المرتبة الأولى لناحية التهديدات الصاروخية لدول الجوار.
الدول الإقليمية الأخرى تمتلك قدرات محدودة جداً في مجال الصواريخ الباليستية، لكنها تمتلك في المقابل منظومات دفاعية كباتريوت وثاد. هذه المعادلة تفرض نوعاً من التوازن بين الطرفين في الشق الهجومي والدفاعي، وإذا ما أخذنا ذلك بعين الاعتبار، فان بيع منظومة (أس-٤٠٠) لإيران من شأنه أن يخل بالتوازن القائم في محيطها الإقليمي.
فضلاً عن ذلك، وفي هذه الحالة، لن تحيد إيران هجمات الآخرين أو قسم كبير منها فقط، بل ستكون قادرة على مواصلة إطلاق صواريخها من قواعد محمية بالنظام الروسي. هناك نقطة أخرى أيضاً تتعلق بطموح روسيا الإقليمي، حيث من الممكن ملاحظة أنها تقوم بقص أجنحة إيران في الشرق الأوسط، لا سيما في سوريا.
الهدف من هذه السياسة الروسية توطيد علاقات موسكو بلاعبين آخرين، من بينهم العديد من الدول الخليجية وإسرائيل أيضاً.
حتى الآن، حققت موسكو تقدماً ملحوظاً في رفع مستوى علاقاتها مع تل أبيب والدول الخليجية، ومن المرجح أنها ستبقى تستخدم إيران من أجل الحصول على أكبر قدر من المكاسب من هذه الدول، في سعيها لأن تكون حاضرة إقليمياً من جهة، ولتوسيع نطاق مصالحها من جهة أخرى.