نقاط ظل جزائرية : اكتوبر 1988

الحاج سليمان

صقور الدفاع
إنضم
5 سبتمبر 2007
المشاركات
6,078
التفاعل
15,510 157 32
الدولة
Algeria
لخضر بن سعيد، أحد الفاعلين في الحركة النضالية لأبناء الشهداء، عارض نظام الحكم منذ 1986، وهو من أهمّ المساهمين في منظمة أبناء الشهداء وأحد المؤسّسين للتنسيقية الوطنية لأبناء الشهداء وأمينها العام سابقا، أما حاليا فهو الناطق الرسمي لـ"الهيئة الجزائرية للدفاع عن الذاكرة" وأمين عام "حركة الوطنيين الأحرار".

وفي هذا الحوار، يعود أحمد لخضر بن سعيد في هذا الحوار بالتحليل لأهمّ الأسباب التي دفعت إلى أحداث 5 أكتوبر 1988، التي يرى أنه من الضروري، لفهم خلفياتها، التعرض لمسألة خلافة الرئيس الشاذلي بن جديد لسلفه هواري بومدين ومدى تأثير الرئيس الفرنسي الأسبق فرانسوا ميتران على الشاذلي، خاصة خلال العهدة الأولى مابين 1979 و1984، وكيف تمّت عملية تحضير موازين القوى داخل نظام الحكم للقضاء على نظام الحكم البومديني، والتحضير لانفجار داخلي بطابع شعبي.



هل يمكن الحديث عن أسباب واضحة أدّت إلى انفجار أحداث 5 أكتوبر 1988؟

في البداية هناك من يسمّيها "أحداث أكتوبر"، وهناك من يطلق عليها أسماء أخرى، أنا أُسميها "مؤامرة 5 أكتوبر 1988"، أما عن أسبابها فتعيدني إلى تلك الظروف التي أدّت إلى وصول الرئيس الأسبق الشاذلي بن جديد إلى الحكم خلفا للرئيس الراحل هواري بومدين، لأنّ هناك بعض الألغاز التي يجب أن تُفكّك لدى الجزائريين لربط أنفسهم بالمراجع الحقيقية لمعرفة ما أُصبنا به من مؤامرات من طرف الفرنسيين.

كان وصول الشاذلي بن جديد إلى الحكم بسبب خلافات حدثت بين أعضاء مجلس الثورة، وهي الخلافات التي أدّت إلى بروز طرفين أولهما بزعامة عبد العزيز بوتفليقة الرئيس الحالي، وقد كان يومها وزيرا للخارجية، والطرف الثاني بزعامة محمد الصالح يحياوي مسؤول الأمانة الدائمة لحزب جبهة التحرير الوطني، هذا الخلاف أدّى بأقوى رجل آنذاك، وهو مسؤول المخابرات العسكرية العقيد الشهيد قاصدي مرباح إلى عمل كلّ ما في وسعه وترجى الطرفين وطلب منهما اختيار أحد أعضاء مجلس الثورة ليكون رئيساً لمواصلة برنامج الرئيس هواري بومدين، فوصلت الأمور بين الطرفين إلى حد اقتناع قاصدي مرباح بضرورة الدعوة إلى اجتماع طارئ لقيادة الجيش الوطني الشعبي وقيادة النواحي العسكرية، وقدّم الاقتراح التالي القاضي بتولّي الشاذلي بن جديد الرئاسة على اعتبار أنه مجاهد وأقدم ضابط في صفوف الجيش وعضو بمجلس الثورة، كما قدّم تقريرا للمجتمعين بكل المساعي التي قام بها مرباح للّم شمل الطرفين ولم تفلح، فاتّفق الجميع على تزكية الشاذلي، وانعقد مؤتمر جبهة التحرير، وخلاله تمّ اختيار الشاذلي أمينا عاما للحزب ومرشحا لرئاسة الجمهورية باسم الجبهة لخلافة بومدين، وكانت وضعية الشاذلي قبل ذلك كُلّف من طرف الرئيس الراحل بومدين من مشفاه بالاتحاد السوفياتي عن طريق رسالة بعث بها تقضي بتعيينه منسّقا لوزارة الدفاع في انتظار عودة بومدين إلى منصبه التي لم تتمّ طبعًا بسبب وفاته.

مباشرة بعد تعيين الشاذلي بن جديد رئيسا، استعان بأحد الضباط المنحدرين من الجيش الفرنسي وهو العربي بلخير بعد ترقيته إلى رتبة جنرال، وعيّنه رئيسًا لديوانه، والعربي بلخير حتى يعرف الجميع، له أخ في الجيش الفرنسي برتبة جنرال، من هنا بدأ الرئيس الفرنسي وقتها فرانسوا ميتران بترتيب بيت نظام الحكم في الجزائر بتوظيف علاقته الحميمية التي كانت تربطه بالعربي بلخير وأخيه، واستغلالها لربط علاقة بالرئيس الشاذلي بن جديد.

أول عملية بدأت تمثّلت في التخلُّص من الإطارات الوطنية التي بقيت في دواليب الدولة من نظام الرئيس بومدين، وكان على رأس هذه القائمة مسعود زقار الذي سُجن ثم حُكم ببراءته، وفي النهاية تمّت تصفيته في إسبانيا.. وفي خاتمة قائمة التصفيات الشهيد المرحوم قاصدي مرباح، وقبل ذلك خروجه مُهاناً من مكتبه كرئيس للحكومة، ولم تقتصر العملية على ذلك، بل ذهبت إلى درجة تعويض هؤلاء الوطنيين بالكثير من ذوي الماضي المشبوه، سواء في جبهة التحرير أو المناصب الحكومية، كلُّ ذلك تمّ في العهدة الرئاسية الأولى التي بدأت بوفاة بومدين واستمرّت إلى غاية سنة 1984 .

أما الترتيب للعهدة الرئاسية الثانية، فبدأ ببروز خلاف بين التيار الوطني والتيار الذي استولى على الشاذلي، وبيّن هذا الخلاف بأنّ الذين استولوا على الشاذلي كانوا هم الأقوى، فأُعيد ترشيحه لعهدة ثانية، مع ضرورة أن نسجّل هنا، أنّ التيار الرافض لترشح الشاذلي لعهدة ثانية تشكّل جلّه من الوطنيين، وبدأ الترتيب لتفجير الأوضاع مباشرة بعد انتخاب الشاذلي للعهدة الثانية للتخلص نهائيا من هذه القوة الوطنية، وصارت هذه العملية ظاهرة للعيان سنة 1987، وكان يومها المرحوم محمد شريف مساعدية على رأس جبهة التحرير، وحينها ألقى خطابه الشهير خلال تجمّع بالمعرض الدولي بالجزائر العاصمة استدعى إليه مجموعة من الوطنيين المصنّفين في المعارضة وكنت أحدَهم، في ذلك الخطاب أقرّ مساعدية بوجود خلل داخل الدولة وحمل خطابُه المذكور غضبا واضحا، فهمنا منه أنّ الأمور لا تسير في الاتجاه الصحيح، وفهمت أنا شخصيا، أنّ دفعة "لاكوست" استولت على دواليب الدولة.



ما هي المؤشرات التي تؤكد بأنّ للرئيس الفرنسي الأسبق يداً فيما حدث بالجزائر نهاية ثمانينيات القرن الماضي؟

أولا، كانت للرئيس ميتران زيارات غير رسمية كثيرة للجزائر، ولقاءات مطوّلة مع الرئيس الشاذلي، وقيامه بزيارات سياحية رفقته إلى الجنوب الجزائري ومناطق أخرى كانت تستغرق أحيانا أسبوعا كاملا، كما تمّت عملية هيكلة عملاء فرنسا بوصولهم إلى مناصب حسّاسة في الدولة، وبدأت سنة 1987 بمضايقة الجزائر عن طريق فبركة انهيار أسعار البترول، وتعلم أنّ شعار العهدة الأولى للرئيس الشاذلي وبداية عهدته الثانية، كان "من أجل حياة أفضل"، وبالتالي فأموال الشعب التي خزّنها بومدين تُوجّه جلُّها للاستيراد، والجزائريون يعرفون جيّدا تلك السنوات، كما أنّ من ضمن أهداف انفجار أحداث 5 أكتوبر 1988 التخلُّص من بقايا الوطنيين داخل جبهة التحرير، وعلى رأسهم المرحوم مساعدية وأحمد طالب الإبراهيمي.. والقائمة طويلة.

تمّ الانفجار، وخرج نظام الحكم برئاسة الشاذلي بن جديد بمشروع تعديل الدستور وتكريس التعدُّدية، ورأينا في دستور التعدُّدية، كيف كان الاعتماد بتأسيس حزب سياسي يُمنح لـ 15 شخصا فقط، يجهل الجزائريون ماضيهم الثوري وقدراتهم الفكرية والسياسية، وصار هذا الدستور يمنح تعددية مفروضة وديمقراطية ممنوحة، ولم نجد في تعدُّدية 1989 والأحزاب التي ظهرت بموجبها، إلا قوى سياسية قليلة كانت تقف في معارضة نظام الحزب الواحد، وفرض الرئيس الفرنسي فرانسوا ميتران اعتماد حزبين في الجزائر، هما "الجبهة الإسلامية للإنقاذ" و"التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية".



بهذا المعنى أنت تقول بأنّ الرئيس الأسبق الشاذلي بن جديد وصل من الضعف إلى درجة أنه صار رئيسا بلا رئاسة؟

أولا بعدما تمّ الاستيلاء على الرئيس الشاذلي من طرف الرئيس الفرنسي ميتران، استتبع ذلك عمليات عزل لكلّ الوطنيين سواء في المؤسسة العسكرية، أو في مؤسسات الدولة الأخرى، وفي هذا الصدد نسجّل عزل الجنرال بلوصيف بتهم باطلة لرفضه استعمال الأجواء الجزائرية من طرف الطائرات الأمريكية لضرب الإخوة الليبيين، وعُوِّض بأمين عام وهو عبد الحميد لطرش، وهو من الضباط المنحدرين من الجيش الفرنسي، وهذا شكّل اختراقا واضحا ومبرمجًا لمؤسسات الدولة العسكرية والمدنية لتنفيذ أجندة فرانسوا ميتران.



تقول بأنّ اعتماد "الجبهة الإسلامية للإنقاذ" كان بإيعاز من الرئيس الفرنسي ميتران.. ومن دون شك فإنّ الكثير من أنصار هذا الحزب لا يوافقونك الرأي، وهم يعتقدون أنّ اعتماد الفيس المُحل هو انعكاس لقوة هذا التيار الشعبية، وخروج هذا التيار إلى العلن، إنّما كان ترجمة فقط للعمل الدعوي السرّي الذي قضى فيه شيوخ الفيس سنوات طويلة؟

إذا تحدّثنا عن إسلام الجزائريين، أو إذا شئت عن الإسلام في منطقة المغرب العربي، فالحمد لله منذ دخول رسالة الإسلام إلى الجزائر منذ قرابة 14 قرناً، احتضنها سكان المنطقة وساهموا في نشرها، وجاهدوا من أجلها، وصار الإسلام في أقطار المغرب العربي نقيًّا إلى يومنا هذا، وفي هذه الجزئية فهو يختلف عن إسلام المشارقة والخليجيين، وكان إسلام ما قبل التعدُّدية ممثّلا في الرابطة الإسلامية وعلى رأسها الشيخ العلامة الفاضل أحمد سحنون، وكان كلُّ دعاتنا منضوين تحت لواء الرابطة الإسلامية، وبعد مجيء الدستور التعدُّدي، كان عباسي مدني قد أتمّ دراساته بإنجلترا، وأثناء وجوده هناك، تمّت عملية هيكلته من طرف المخابرات البريطانية، وهو الذي كان عضوا نشيطا يُقدّم دروسًا بالمساجد في بريطانيا، ولم ينتم يومًا إلى الرابطة الإسلامية.

قدّم عباسي مدني اقتراحا للشيخ أحمد سحنون بتأسيس حزب إسلامي في الجزائر، فرفض هذا الأخير الاقتراح، وهذا الكلام سمعته شخصيا من الشيخ سحنون في مسجد "شوفالي" بالعاصمة ذات جمعة من سنة 1991، قال لي الشيخ سحنون طلب منّي عباسي مدني تأسيس حزب تابع للرابطة الإسلامية، أو بعبارة أخرى، جناح سياسي تابع للرابطة الإسلامية، فكان ردي عليه: لو كان رأي الشيخ ابن باديس بضرورة أن يكون للجزائريين حزب سياسي باسم الإسلام، لقام بتأسيسه في ثلاثينيات أو أربعينيات القرن الماضي.."، والدليل أنا أتحدّى كلّ من يستطيع أن يأتيني باسم شيوخ منضوين تحت لواء "الجبهة الإسلامية للإنقاذ"، وهم في الوقت ذاته ينتمون إلى الرابطة الإسلامية، والدليل الآخر هو أنّ كلّ مؤسسي "الجبهة الإسلامية للإنقاذ" شبانٌ أكبرهم سنًّا هو المجاهد والداعية الشيخ عبد القادر بوخمخم.



برأيك هل فشلت أحداث 5 أكتوبر 1988 أم حقّقت أهدافها؟

لقد أعطيتُ بعض الأسباب لتلك الأحداث، بالنسبة لي لا أؤمن أنّ أحداث أكتوبر قدّمت لنا شيئا، لقد تمّ استرجاع الجزائر اليوم تحت وصاية فرنسا الاستعمارية، أمّا تقييمي لأكتوبر بعد 25 سنة من تلك الأحداث، فيمكن أن أوجزه في السؤال التالي: الجزائر قدّمت 200 ألف ضحية خلال سنوات الدم، كانت هناك جمهورية واحدة، فصارت لدينا جمهوريات يمثّل فيها كلّ وزير أو وال جمهورية لوحده، وترون كيف تضخ الأمة من باطن الأرض أموالها وتخزنها في البنوك الأوربية والأمريكية، والشعب مهدّد بالمجاعة، وصار الشاب الجزائري يسرق ذهب أخته أو أمه ليشتري مكانا في قارب يقوده إلى الموت في مغامرة بحرية غير مضمونة، والقليل ممّن ينجون يوجدون في معتقلات في إسبانيا ودول أوربية أخرى، وهؤلاء الشبان المعتقلون صاروا يُباعون كالأغنام لأمريكا وغيرها لتوظيفهم كمرتزقة، وفي النهاية هل هذه هي الجزائر التي حلم بها الشهداء الذين كان شعارهم "نموت شهداء أو نعيش سعداء"، وشعارهم الثاني نموت.. نموت وتحيا الجزائر؟
 
رد: نقاط ظل جزائرية : اكتوبر 1988

أحاول منذ أيام كتابة موضوع جامع عن الربع قرن الاخير في تاريخ الجزائر غير ان احد المراقبين لديه رؤية مخالفة

المهم

للوصول الى تحليل عميق لأزمة خريف 1988 لابد من فحص عقد الثمانينات بكامله بأحداثه وازماته

في عهد الرئيس الشاذلي بن جديد عرفت الأوضاع الاقتصاديةوالاجتماعية تدهورا ملحوظا بسبب الأزمة الاقتصادية ووجه الرئيس الشاذلي بن جديدانتقادات لاذعة للحزب و الحكومة بسبب تقصيرهما في أداء مهامهما لمعالجة المشاكلالتي يتخبط فيها المجتمع وهذه الانتقادات ذكرها يوم إلقائه خطابا في 19 سبتمبر 1988للإعلان عن افتتاح مناقشة مشروع الاتحاد بين الجزائر وليبيا فالأزمة الاقتصادية أدتالى بدأ الحديث عن تنظيم مظاهرات مناهضة للنظام وفعلا في 5 أكتوبر 1988 قامتمظاهرات في العاصمة كما انتشرت في ضواحي أخرى من الوطن .وفي يوم 10 أكتوبر 1988ألقى رئيس الجمهورية خطابا وعد فيه الشعب الجزائري القيام بإصلاحات سياسية كبيرةتعرض على الشعب للاستفتاء حولها وكان أهم هذه الإصلاحات تعديل الدستور تعديلا شاملاوأجرى حوله استفتاء في يوم 23 فيفري 1989 وكان من أهم الإصلاحات السياسية التيأقرها هذا الدستور إلغاء نظام الحزب الواحد واقرار التعددية الحزبية ومنذ ذلكالتاريخ فالدولة الجزائرية تسعى إلى تجسيد نظام التعددية الحزبية في مؤسساتهاالمنتخبة (رئاسة الجمهورية ،المجالس الشعبية الوطنية و الولائية والبلدية ) . أما على مستوى السياسةالخارجية فان الجزائر حافظت في عهد الشاذلي بن جديد على خط عدم الانحياز والانتماءالحضاري والعربي والإسلامي وتدعيم منظمة الوحدة الإفريقية واحترام مواثيق الأممالمتحدة والمنظمات العالمية الأخرى . وفي عهد الشاذلي بن جديد لعبت الدبلوماسيةالجزائرية دورا فعالا في تحرير الرهائن الأمريكيين المحتجزين في السفارة الأمريكيةبإيران من يوم 5 نوفمبر 1979 إلى يوم 20 جانفي 1981 . وأهم إنجاز حققته السياسةالخارجية للجزائر في هذه المرحلة يتمثل في عودت العلاقات الجزائرية المغربية يوم 16ماي 1988 بعدما قطعت العلاقات بين البلدين في شهر فيفري 1976 بسبب مشكلة الصحراءالغربية ثم احتضان الجزائر أول قمة مغاربية في زيرالدة يوم 10 جوان 1988 حضرهارؤساء الدول المغاربية الخمس . التطور الذي عرفته الجزائر بعد الاستقلال لم يقتصرعلى الجانب السياسي وانما شمل الجانب الاقتصادي والاجتماعي و الثقافي .2/ التطور الاقتصادي ( 1962-1989) : خلال السنوات التي سبقت استسلامالاستعمار وتحقيق الجزائر لاستقلالها كان اقتصاد الجزائر يتميز بعدة خصائص سلبيةأهمها تمركز المنشآت الصناعية في مناطق جغرافية محدودة لا تخدم سوى جزء صغير منالبلد ، الأراضي الزراعية الخصبة كانت ملكا لفئة صغيرة تتمثل في المعمرين وعدد منالملاك الكبار الجزائريين الموالين للاستعمار كما ان التجارة الخارجية الجزائريةكانت مرتبطة بفرنسا فأكثر من 90 % من مبادلات الجزائرتتم مع فرنسا وكل هذه الخصائص السلبية ورثتها الجزائر المستقلة عن الاستعمارالفرنسي وما زاد الوضع سوءا ان المعمرين قبل خروجهم من الجزائر دمروا معظم المنشآتالصناعية وخربوا العتاد الفلاحي وهذه الظروف الاقتصادية الصعبة التي حرمتالجزائريين من استغلال خيرات بلادهم بالإضافة إلى تدهور اقتصاد الجزائر جعلت ميثاقطرابلس في جوان 1962 يتبنى النظام الاشتراكي القائم على التخطيط والتأميم والهادفإلى تحقيق العدالة الاجتماعية التي حرم منها الشعب الجزائري طوال سنوات الاستعمار . ووفق النظام الاشتراكي الذي اتبعته الجزائر منذ الاستقلال عرف اقتصاد البلاد عدةتطورات أهمها : أ/ في المجال الزراعي : في عهد الاستقلال هاجرالمعمرون وتركوا الأراضي الزراعية التي كانوا يملكونها والمقدرة بـ 2.5مليون هكتارولتسييرها تم إصدار مرسوم في يوم 22 مارس 1963 لإحداث نظام التسيير الذاتي وفي سنة 1966 كرس مجلس الثورة دورة خاصة خلال ( 22-29مارس 1966) لدراسة مشكلات قطاع التسييرالذاتي فقرر مجلس الثورة في النهاية تطبيق نظام اللامركزية على هذا القطاع واعادةتوزيع المسؤوليات بين العمال والحزب والدولة .وفي يوم 8 نوفمبر 1971 أصدرت الدولةالجزائرية مرسوم الثورة الزراعية الذي يهدف إلى تأميم أراضي الملاك الكبار لتوزيعهاعلى صغار الفلاحين لاستغلالها بشكل جماعي وهذا العمل يهدف إلى تحسين الوضعيةالاجتماعية للفلاحين الصغار .غير أن السياسة الزراعية المتبعة منذ الاستقلال لمتحقق النتائج الاقتصادية والاجتماعية المرجوة فقل الإنتاج ،كما أصبحت الدولة عاجزةعن تدعيم الفلاحين بسبب ظهور بوادر أزمة اقتصادية منذ 1985 .فاضطرت الدولةالجزائرية إلى إعادة النظر في السياسة الزراعية فأصدرت قوانين جديدة لإنهاء العملبنظامي التسيير الذاتي والثورة الزراعية في ديسمبر 1987 وتمثل هذا التشريع الجديدفي قانون المستثمرات الفلاحية ووفق هذا القانون أصبحت الأراضي الزراعية يستغلهاالقطاع الخاص بشكل فردي أو جماعي وهذه الإجراءات التي اتبعتها الجزائر منذ 1987 هيالخطوات الأولى نحو تحول النظام الاقتصادي الجزائري من نظام اشتراكي موجه نحو نظاماقتصاد السوق الحر . ب/ في المجال الصناعي : كان برنامج الاستثمارالصناعي في الجزائر أيام الاستعمار يرتكز حول الموارد المنجمية الموجهة للتصديروخلال الح .ع.2 حين تعرضت فرنسا للاحتلال الألماني أقامت بعض الشركات الصناعيةالفرنسية فروعا لها في الجزائر وفي سنة 1958 في إطار مشروع قسنطينة الذي أعلن عليهالجنرال ديغول بغرض إخماد الثورة الجزائرية أقامت فرنسا وحدات صناعية في الجزائرلتوفير مناصب شغل للجزائريين .ولكن وعقب مفاوضات ايفيان في مارس 1962 قام المعمرونبتخريب معظم الوحدات الصناعية في الجزائر بالإضافة إلى فرار الإطارات الفرنسيةوبفعل هذا العمل عرفت الصناعة الجزائرية عقب الاستقلال ركودا كبيرا ولذلك كانتأولويات الدولة الجزائرية عقب الاستقلال العمل على ترميم المصانع المخربة واعادةتشغيلها .أما الخطوة الثانية قامت الدولة الجزائرية بإنشاء قاعدة صناعية ثقيلة فيشهر سبتمبر 1964 أنشأت الشركة الوطنية للحديد والصلب وكلفت ببناء مصنع الحديدوالصلب بالحجار في إطار المخطط الثلاثي (1967-1969) وفي عقد السبعينات أعلنت الدولةعن مخططين رباعيين الأول (70-73 والثاني (74-77 ) وفي إطار هذين المخططين أقامتالدولة مراكز للصناعة البتروكيماوية في أرزيو وسكيكدة إلى جانب كل هذا أقامت الدولةالجزائرية عبر مختلف أنحاء الوطن مركبات صناعية متنوعة ( إلكترونية،ميكانيكية،نسيجية،غذائية ....) أما خلال عقد الثمانينات عرفت الدولةالجزائرية مخططين خماسيين الأول (80-84) والثاني (85-89) فالسياسة الاقتصادية التيتبنتها الجزائر في المخططين الخماسيين تتمثل في محاولة إيجاد توازن بين القطاعاتالاقتصادية بالإضافة إلى العمل على إعادة هيكلة المؤسسات العمومية العاجزة مالياوالمثقلة بالديون التي اقترضتها من البنوك لتغطية مصاريفها فأصبحت هذه المؤسساتالعمومية خاصة الصناعية ثقلا على ميزانية الدولة لذلك سعت الدولة إلى تطبيق سياسةاستقلال المؤسسات الصناعية في تسييرها وفي الاعتمادات المالية وهي السياسة التيحولت الكثير من الشركات الوطنية إلى وحدات صناعية مستقلة وهي خطوة نحو تحول فيالسياسة الاقتصادية للدولة . جـ/ التجارة الخارجية : بعد الاستقلالاتجهت الدولة الجزائرية إلى تجديد التجارة وفق الاتحاد الاشتراكي لتأمين احتكارالدولة للاستيراد والتصدير ومن المشاكل التي كانت تعانيها التجارة الخارجية للجزائرأنها كانت مرتبطة بفرنسا نسبة كبيرة فصادرات الجزائر إلى فرنسا بلغت نسبتها 78% قبل سنة 1966 من جملة صادراتها الإجمالية ثم انخفضتإلى 67.4 % سنة 1966 والى 14.6% سنة 1980 لان الجزائر أخذت تعمل منذ السنوات الأولى بعد الاستقلالللحد من تبعيتها لفرنسا وذلك عن طريق تنويع زبائنها غير ان هناك مشكل لم تتخلص منهالتجارة الخارجية الجزائرية فالصادرات البترولية ما زالت تمثل نسبة كبيرة من جملةالصادرات الجزائرية تصل أحيانا إلى 98% وهذا ما يسببأزمة اقتصادية للجزائر وعموما فان اقتصاد الجزائر منذ الاستقلال إلى سنة 1989 كانوفق التوجه الاشتراكي لذلك فالجزائر بعد الاستقلال اتبعت سياسة التأميم للثرواتالوطنية وسياسة التخطيط لاتباع اقتصاد موجه وفق أسس النظام الاشتراكي وكان القطاعالعام هو الذي يحتكر النشاطات الاقتصادية المختلفة أما القطاع الخاص كان دوره ضعيف . 3/ التطور الاجتماعي و الثقافي : بعدما تحصلت الجزائر على استقلالهاورث الشعب الجزائري عن الاستعمار الفرنسي وضعا اجتماعيا وثقافيا مزريا فعقبالاستقلال كان الوضع الاجتماعي والثقافي على النحو التالي : حوالي 2 مليون جزائريعاطل عن العمل وضمن هؤلاء العاطلين يوجد 120 ألف مجاهد كان لهم الدور الفعال خلالحرب التحرير فكيف يتم دمجهم في الحياة الاجتماعية وإمكانيات الدولة الضعيفةبالإضافة إلى ان معظمهم أميون . وفي المجال الصحي نقص الإطارات ( الأطباء والممرضون) بالإضافة إلى قلة المرافق الاجتماعية الصحية .وفي مجال السكن آلاف القرىدمرت والجزائر عرفت نزوحا ريفيا وعودة اللاجئين الى الجزائر (300الف) وكيفية التكفلبأرامل الشهداء واليتامى والمعطوبين .والوضع الثقافي ليس احسن حالا من الوضعالاجتماعي فالأمية مرتفعة وتقدر بأكثر من 90 % بالإضافةإلى نقص الإطارات ( المعلمون و الأساتذة) أما النسبة القليلة المتعلمة من أبناءالجزائر فمعظمهم مثقفون باللغة الفرنسية بالإضافة إلى ان الإدارة في الجزائر مفرنسةبنسبة 100 % وهذا من آثار الاستعمار الفرنسي الذي حاولالقضاء على العربية لغة وثقافة .كل هذا أوجب على الدولة الجزائرية الفتية مواجهةهذه الأوضاع المزرية وكانت السياسة الاجتماعية الجزائرية عقب الاستقلال تتمثل فيإيجاد مناصب عمل للعاطلين في نهاية 1962 أوجدت الدولة الجزائرية 40 ألف منصب عملأما في المجال الصحي والتعليمي طلبت الدولة الجزائرية من الدول الصديقة والشقيقة انترسل لها معلمين وأطباء .ولقد وجهت الجزائر كل طاقتها المادية والبشرية في عقدالستينات للتخفيف من الوضع الاجتماعي والثقافي المزريين اما سياسة الدولة في عقدالسبعينات كانت موجهة لتحسين مستوى معيشة السكان وجعل التعليم إجباريا والعمل علىجزارة الإطارات في التعليم والصحة بالإضافة إلى تعميم استعمال اللغة العربية فيالإدارة والمؤسسات التعليمية وتحسين الخدمات الاجتماعية كالطب المجاني وتطوير شبكةالمواصلات . وفي عقد الثمانينات استمرت سياسة الدولة في هذا الاتجاه ولكن النقائصما زالت موجودة في المجال الاجتماعي والثقافي فالأمية ما زالت موجودة وأصبحت تقدربـ 35% ومشكلة السكن ما زالت مطروحة ورغم انتشارالتعليم وجزارة الإطارات في الكثير من القطاعات بنسبة كاملة إلا ان الجزائر ما زالتعاجزة عن امتلاك التكنولوجيا رغم المجهودات الجبارة التي بذلت في هذا المجال . ولعلمن أهم الأسباب التي جعلت الدولة الجزائرية عاجزة عن القضاء على كل المشاكلالاجتماعية والثقافية ترجع إلى الانفجار الديمغرافي السريع والأزمة الاقتصادية التيمست اقتصاد الجزائر بشكل خطير منذ 1986 بعد تدهور أسعار البترول

الازمة الاقتصادية: شهدت الجزائر منذ النصف الثاني من ثمانينات القرن العشرين تدهوراً اقتصاديا ً واضحا ًوهو ما كشفت عنه بوضوح مؤشرات النشاط الاقتصادي في الجزائر. وتمثلت ابرز مظاهرها في:

ا- تراجع الناتج القومي. المعبر عنه في الجدول التالي: الملاحظ ان الناتج القومي انخفض خلال سنة واحدة (1988) بمعدل 15% وفي المدة نفسهـــا تراجع فيهـا الناتـج القـومي الاجمـالي، في حين كــان معــدل النمـو السكاني يصل الى 3% الأمر الذي يؤشـر حالـة التدهــــور في تلبيـــة احتياجـات المواطنين.

ب- العجز في ميزان الحساب الجاري، فبعد ان حقـق فائضـاً بلـــــغ (1014) مليــــون دولار في سنة 1985. سجــــل عجزاً في السنة التالية بلغ (2230) مليون دولار وقد انخفض العجز الى (772) مليــــون دولار في 1988، ولكــن بتكلفــــة اقتصـــــادية واجتماعية لايمكن الا ان تكون شديدة الارتفاع. لقد تحقق هذا الأنخفاض مثلا ً على حساب الواردات التي ضغطت بشكل مستمر خلال الثمانينات، فبعد ان كانت قيمتها (15,367) مليون دولار في سنــة 1986 و (10,116) مليون دولار في سنة 1987 و (9,637) مليون دولار فقط سنة 1988 (1). نتج عن ذلك، وصول نسبة الانكمــــاش في الــــــواردات بين 1986 و 1988 الى (18,48) ويعـــــود ســـــبب ذلك الى

-انخفاض قيمة الصادرات الجزائرية من المحروقات، فضــــلاً عن التـدني في اسعـار المحروقـــــات كمــــا مبين في الجدول الاتي:

قيمة الصادرات الجزائرية من المحروقات للفترة من 1986الى 1988 (القيمة مليون دولار أمريكي) نتج عن ذلك الانخفاض عجزٌ في تلبية المطالب الاجتماعية المتصاعدة باستمرار جراء الزيادة السكانية ومن جراء الآلة الانتاجية المفككة التي أصبحت عاجزة عن استقبال عمالة جديدة لدرجة انه بدأ التفكير جدياً في تسريح العمال (2).

- خدمة المديونية الخارجية وارتفاعها: لقد قدرت قيمة المديونية الخارجية طويلة الأجل في سنة 1988 حوالي (23,229) مليون دولار أمريكي. أي بنسبة (44,5 %) من الناتج القومي الاجمالي ، ووصلت خدمتها الى (6,343) مليون دولار. اي بنسبة(72,3%) من حصيلة الصادرات والسلع والخدمات. وكان من الطبيعي ان يؤدي الانكماش في الواردات في السلع الغذائية الى تباطؤ في النشاط الاقتصادي. مثال ذلك انه في الربع الثالث من سنة 1989 كان المخزون من مستلزمات الانتاج قد نفد في (60%) من المنشآت الصناعية وان 41% من الطاقة الانتاجية للقطاع الخاص كان مستخدماً بنسبة تقل عن 50% وكان طبيعياً ان ينعكس هذا الوضع على تلبية الاحتياجات الاساسية للمواطن(3).

وضاعف من حدة المشكلات الاقتصاديةوالاجتماعية وخطورتها مجموعة من العوامل اهمها:

- ارتفاع معدل الزيادة السكانية في الجزائر، الذي يصل الى 3% ويعد من اعلى المعدلات في العالم . ترتب على ذلك ان نحو 60% من السكان اعمارهم دون سن العشرين. وهو ما يلقي اعباءً ثقيلةً فيما يتعلق بخدمات التعليم والصحة والاسكان والصرف الصحي... وتوفير فرص عمل حقيقية لتلك الاجيال الناشئة حفاظاً على الامن الاجتماعي والاستقرار الحياتي. وفي مثل هذه الحالة فأن هؤلاء الشباب مستعدون للأنخراط في اعمال عدائية ضد النظام السياسي.

- استشراء الفساد في بعض القطاعات الحكومية واضراره بالمصلحة العامة وبالاقتصاد الوطني الجزائري. وتمثلت احدى اهم مظاهر الفساد في قطاع البترول والغاز. واتهم “ سيد احمد غزالي” وزير البترول الجزائري الاسبق “ بلقاسم بن نبي” والمسؤولين عن قطاع النفط والغاز بالاضرار بالاقتصاد الوطني والحصول على رشاوى تبلغ عدة مليارات من الدولارات. (4)

ويبدو ان وطأة الآثار الناجمة عن تدهور الوضع الاقتصادي واعبائه على النظام السياسي الجزائري. قد بدا واضحاً عندما اقر الرئيس الجزائري الاسبق “ الشاذلي بن جديد” في بيان متلفز توجه به الى المواطنين يوم العاشر من تشرين الاول / اكتوبر 1988 (اي بعد احداث 5 تشرين الاول/ اكتوبر من العام نفسه) بالمصاعب الاقتصادية التي واجهتها الجزائر في الاعوام الاخيرة، وذكر بهبوط اسعار المحروقات وبالجفاف وبعبء المديونية الخارجية.


أزمة المديونية :

التضخم :

التضخم الاقتصادي: هو من أكبر الاصطلاحات الاقتصادية شيوعاً غير أنه على الرغم من شيوع استخدام هذا المصطلح فإنه لايوجد اتفاق بين الاقتصاديين بشأن تعريفه ويرجع ذلك إلى انقسام الرأي حول تحديد مفهوم التضخم حيث يستخدم هذا الاصطلاح لوصف عدد من الحالات المختلفة مثل:
1. الارتفاع المفرط في المستوى العام للأسعار PRIX .
2. ارتفاع الدخول النقدية أو عنصر من عناصر الدخل النقدي مثل الأجور أو الأرباح.
3. ارتفاع التكاليف.
4. الإفراط في خلق الأرصدة النقدية.
وليس من الضروري أن تتحرك هذه الظواهر المختلفة في اتجاه واحد في وقت واحد، بمعنى أنه من الممكن أن يحدث ارتفاع في الأسعار دون أن يصحبه ارتفاع في الدخل النقدي، كما أن من الممكن أن يحدث ارتفاع في التكاليف دون أن يصحبه ارتفاع في الأرباح، ومن المحتمل أن يحدث إفراط في خلق النقود دون أن يصحبه ارتفاع في الأسعار أو الدخول النقدية.
وبعبارة أخرى فإن الظواهر المختلفة التى يمكن أن يطلق على كل منها " التضخم " هي ظواهر مستقلة عن بعضها بعضاً إلى حد ما وهذا الاستقلال هو الذي يثير الإرباك في تحديد مفهوم التضخم.
ويميز اصطلاح التضخم بالظاهرة التى يطلق عليها وبذلك تتكون مجموعة من الاصطلاحات وتشمل:
1. تضخم الأسعار: أي الارتفاع المفرط في الأسعار.
2. تضخم الدخل: أي ارتفاع الدخول النقدية مثل تضخم الأجور وتضخم الأرباح.
3. تضخم التكاليف: أي ارتفاع التكاليف.
4. التضخم النقدي: أي الإفراط في خلق الأرصدة النقدية.
5. تضخم الائتمان المصرفي: أي التضخم في الائتمان.
ومن هنا يرى بعض الكتاب أنه عندما يستخدم تعبير "التضخم" دون تمييز الحالة التى يطلق عليها فإن المقصود بهذا الاصطلاح يكون تضخم الأسعار وذلك لأن الارتفاع المفرط في الأسعار هو المعنى الذي ينصرف إليه الذهن مباشرة عندما يذكر اصطلاح التضخم.
فهرس
[إخفاء]
· 1 تاريخ التضخم
· 2 أنواع التضخم
· 3 أسباب نشوء التضخم
· 4 العلاقة بين التضخم وسعر الصرف:
· 5 العلاقة بين التضخم وارتفاع الأسعار
· 6 العلاقة بين التضخم والكساد:
· 7 إجراءات الحد من التضخم
o 7.1 السياسة المالية:
o 7.2 ب- السياسة النقدية:
o 7.3 ثالثاً: معدلات الفائدة: Interest rates
· 8 المراجع
<--xx-- type=text/--xx--> // [تحرير] تاريخ التضخم
في القرن التاسع عشر كان التركيز على جانب واحد من جوانب التضخم وهو (التضخم النقدي)، ( بحيث إذا ازداد عرض النقود بالنسبة إلى الطلب عليها انخفضت قيمتها، وبعبارة أخرى، أرتفع مستوى الأسعار، وإذا ازداد الطلب على النقود بالنسبة إلى عرضها أرتفعت قيمتها، وبعبارة أخرى انخفض مستوى الأسعار).
ثم كانت تحليلات الاقتصادي "كينز"، حيث ركز على العوامل التي تحكم مستوى الدخل القومي النقدي، وخاصة ما يتعلق بالميل للاستهلاك، وسعر الفائدة، والكفاءة الحدية لرأس المال. وهكذا توصل "كينز" إلى أن التضخم هو: زيادة حجم الطلب الكلي على حجم العرض الحقيقي زيادة محسوسة ومستمرة، مما يؤدي إلى حدوث سلسلة من الارتفاعات المفاجئة والمستمرة في المستوى العام للأسعار، وبعبارة أخرى تتبلور ماهية التضخم في وجود فائض في الطلب على السلع، يفوق المقدرة الحالية للطاقة الإنتاجية.
وفي النصف الثاني للقرن العشرين ظهرت المدرسة السويدية الحديثة، بحيث جعلت للتوقعات أهمية خاصة في التحليل النقدي للتضخم، فهي ترى أن العلاقة بين الطلب الكلي والعرض الكلي لا تتوقف على خطط الإنفاق القومي من جهة وخطط الإنتاج القومي من جهة أخرى، أو بعبارة أدق تتوقف على العلاقة بين خطط الاستثمار وخطط الادخار.
[تحرير] أنواع التضخم
1- التضخم الأصيل: يتحقق هذا النوع من التضخم حين لا يقابل الزيادة في الطلب الكلي زيادة في معدّلات الإنتاج مما ينعكس أثره في ارتفاع الأسعار.
2-التضخم الزاحف: يتسم هذا النوع من أنواع التضخم بارتفاع بطيء في الأسعار.وهذا النوع من التضخم يحصل عندما يزداد الطلب بينما العرض او الانتاج ثابت (مستقر) فيؤدي إلى ارتفاع في الاسعار. مستوى الاسعار قد يرتفع بشكل طبيعي إلى 10%.
3-التضخم المكبوت: وهي حالة يتم خلالها منع الأسعار من الارتفاع من خلال سياسات تتمثل بوضع ضوابط وقيود تحول دون اتفاق كلي وارتفاع الأسعار.
4-التضخم المفرط: وهي حالة ارتفاع معدلات التضخم بمعدلات عالية يترافق معها سرعة في تداول النقد في السوق، وقد يؤدي هذا النوع من التضخم إلى انهيار العملة الوطنية، كما حصل في كل من ألمانيا خلال عامي 1921 و1923 وفي هنغاريا عام 1945 بعد الحرب العالمية الثانية (الأمين، 1983: 35). مستوى الاسعار قد يتجاوز الارتفاع 50% في الشهر الواحد(كل شهر) او أكثر من 100% خلال العام.
[تحرير] أسباب نشوء التضخم
ينشأ التضخم بفعل عوامل اقتصادية مختلفة ومن أبرز هذه الأسباب:
1-تضخم ناشئ عن التكاليف: ينشأ هذا النوع من التضخم بسبب ارتفاع التكاليف التشغيلية في الشركات الصناعية أو غير الصناعية، كمساهمة إدارات الشركات في رفع رواتب وأجور منتسبيها من العاملين ولاسيما الذين يعملون في المواقع الإنتاجية والذي يأتي بسبب مطالبة العاملين برفع الأجور(العمر، 1416هـ: 40).
2-تضخم ناشئ عن الطلب: ينشأ هذا النوع من التضخم عن زيادة حجم الطلب النقدي والذي يصاحبه عرض ثابت من السلع والخدمات، إذ أن ارتفاع الطلب الكلي لا تقابله زيادة في الإنتاج. مما يؤدي إلى إرتفاع الأسعار.
3-تضخم حاصل من تغييرات كلية في تركيب الطلب الكلي في الإقتصاد او تغيرات في الطلب النقدي حتى لو كان هذا الطلب مفرطاً أو لم يكن هناك تركز اقتصادي إذ أن الأسعار تكون قابلة للإرتفاع وغير قابلة للانخفاض رغم انخفاض الطلب .
4-تضخم ناشئ عن ممارسة الحصار الاقتصادي تجاه دول أخرى، تمارس من قبل قوى خارجية، كما حصل للعراق وكوبا من قِبل أمريكا ونتيجة لذلك يَنعدم الاستيراد والتصدير في حالة الحصار الكلي مما يؤدي إلى ارتفاع معدلات التضخم وبالتالي انخفاض قيمة العملة الوطنية وارتفاع الأسعار بمعدلات غير معقولة (البازعي، 1997م: 91).
[تحرير] العلاقة بين التضخم وسعر الصرف:
تعد أسعار الصرف الموازية لأسعار الصرف الرسمية واحداً من المؤشرات الإقتصادية والمالية المعبرة عن متانة الاقتصاد لأية دولة سواء كانت من الدول المتقدمة أم الدول النامية، وتتأثر أسعار الصرف بعوامل سياسية وإقتصادية متعددة، ومن أشد هذه العوامل الإقتصادية، التضخم، ومعدلات أسعار الفائدة السائدة في السوق، اللذان يعكسان أثرهما في سعر الصرف للعملة الوطنية في السوق الموازية لسعر الصرف الرسمي الوطني.
[تحرير] العلاقة بين التضخم وارتفاع الأسعار
وتفسير التضخم بوجود فائض الطلب يستند إلى المبادئ البسيطة التى تتضمنها قوانين العرض والطلب، فهذه القوانين تقرر أنه - بالنسبة لكل سلعة على حدة - يتحدد السعر عندما يتعادل الطلب مع العرض .. وإذا حدث أفراط في الطلب - فإنه تنشأ فجوة بين الطلب والعرض، وتؤدي هذه الفجوة إلى رفع السعر، وتضيق الفجوة مع كل ارتفاع في السعر حتى تزول تماماً وعندئذً يستقر السعر ومعنى ذلك أنه إذا حدث إفراط في الطلب على أية سلعة فإن التفاعل بين العرض والطلب كفيل بعلاج هذا الإفراط عن طريق ارتفاع الأسعار.
وهذه القاعدة البسيطة التى تفسر ديناميكية تكوين السعر في سوق سلعة معينة يمكن تعميمها على مجموعة أسواق السلع والخدمات التى يتعامل بها المجتمع فكما أن إفراط الطلب على سلعة واحدة يؤدي إلى رفع سعرها، فإن إفراط الطلب على جميع السلع والخدمات - أو الجزء الأكبر منها - يؤدي إلى ارتفاع المستوى العام للأسعار وهذه هي حالة التضخم.
[تحرير] العلاقة بين التضخم والكساد:
شهد الإقتصاد العالمي عدة تقلبات وموجات من التضخم والكساد ، تعود في الأساس إلى عدم مقدرة الأدوات التي تعتمد سعر الفائدة على إدارة النشاط الإقتصادي . ولعمري فإن علاج هذا الإختلال مفتاحه قول الحق عز وجل : (وكل شيء عنده بمقدار) . ولما كانت المصارف أهم أدوات تنفيذ السياسات الإقتصادية الرامية إلى تحقيق التنمية الإقتصادية والإجتماعية، فعندما اجتاحت العالم حالة كساد كبير حدثت بطالة قاسية فكانت النتيجة مزيدا من المجاعات والبؤس، عندئذ تصدى العالم ( كينز) لدراسة تلك الظاهرة ووضع تعريفا لتلك الظاهرة جاء فيه أن الكساد أو الركود يعني الهبوط المفاجئ للفاعلية الحدية لرأس المال بإحداثه نقصا في الاستثمارات وفي الطلب الفعال.
كل ذلك يؤدي إلى عدم التوازن بين الادخار والاستثمار، بحيث ينخفض الاستثمار وتقل العمالة، ويقل الدخل، ويميل الناس إلى الاكتناز، ويتراكم المخزون لدى أرباب العمل، وما إلى هنالك. أما تعريفات الاقتصاديين المعاصرين لتلك الظاهرة فأهمها التعريف الذي جاء فيه: (إن مظهر الركود الاقتصادي يتجلى في تزايد المخزون السلعي فيما بين التجار من ناحية والتخلف عن السداد للأوراق التجارية والشيكات فيما بين التجار من ناحية أخرى)
[تحرير] إجراءات الحد من التضخم
يمكن الحد من التضخم ولاسيما في الدول المتقدمة بتنفيذ إجراءات السياستين المالية والنقدية:
[تحرير] السياسة المالية:
أولاً: تضع وزارة المالية السياسة المالية (( fiscal policy للدولة وبموجبها تتحدد مصادر الإيرادات واستخداماتها والفائض ( surplus ) في الموازنة ( Budget ) يؤدي إلى تقليل حجم السيولة المتاحة. وبالتالي سيؤدي ذلك إلى خفض معدل التضخم.
ثانياً: قيام وزارة المالية ببيع حجم الدين العام إلى الجمهور وبالتالي سحب النقد المتوفر في السوق ويؤدي ذلك إلى الحد من عرض النقد.
ثالثاً: زيادة الضرائب على السلع الكمالية التي تتداولها القلة من السكان من أصحاب الدخول المرتفعة.
رابعا: خفض الإنفاق الحكومي: يعد الإنفاق الحكومي أحد الأسباب المؤدية إلى زيادة المتداول من النقد في السوق، وبالتالي فإن الحد من هذا الإنفاق وتقليصه سيؤدي إلى خفض النقد المتداول في الأسواق(البازعي، 1997م: 188).
[تحرير] ب- السياسة النقدية:
تتولى المصارف المركزية في الدول المختلفة وضع وتنفيذ السياسات النقدية باعتماد مجموعة من الأدوات الكمية والنوعية:
أولاً: الأدوات الكمية:
1. زيادة سعر إعادة الخصم: ومن النشاطات الاعتيادية التي تقوم المصارف التجارية بها: خصم الأوراق التجارية للأفراد وفي حالات أخرى تقوم بإعادة خصمها لدى البنك المركزي وفي هذه الحالة يقوم البنك المركزي برفع سعر إعادة الخصم بهدف التأثير في القدرة الإنتمائية للمصارف من أجل تقليل حجم السيولة المتداولة في السوق ويعد هذا الإجراء واحداً من الإجراءات لمكافحة التضخم.
2. دخول المصارف (البنوك المركزية) إلى الأسواق بائعة للأوراق المالية وذلك من أجل سحب جزاء من السيولة المتداولة في السوق. أو ما يسمى بدخول السوق المفتوحة.
3. زيادة نسبة الإحتياط القانوني. تحتفظ المصارف التجارية بجزء من الودائع لدى البنوك المركزية وكلما ارتفعت هذه النسبة كلما انخفضت القدرة الإنتمائية لدى المصارف.
ثانياً: الأدوات النوعية:
أما الأدوات النوعية فإنها تتلخص بطريقة الإقناع لمدراء المصارف التجارية والمسؤولين فيها عن الإنتماء المصرفي، بسياسة الدولة الهادفة إلى خفض السيولة المتداولة في الأسواق، وهذه السياسة فعالة في الدولة النامية بشكل أكبر مما في دول أخرى.
[تحرير] ثالثاً: معدلات الفائدة: Interest rates
غالباً ما تقترن معدلات الفائدة بمصادر التمويل المقترضة سواء أكانت هذه المصادر قصيرة، أم متوسطة، أم طويلة الأجل، إذ يخصص رأس المال في إطار النظرية المالية من خلال أسعار الفائدة، وتتفاوت هذه الأسعار حسب تفاوت أجال الاقتراض، فالفوائد على القروض قصيرة الأجل تكون أقل في حين تكون أسعار الفائدة على القروض طويلة الأجل مرتفعة بينما أسعار الفائدة على القروض متوسطة الأجل تكون بين السعرين وتزداد أسعار الفائدة عند تزايد الطلب على رؤوس الأموال الحاصل عن الرواج الاقتصادي.
وقد تتوفر فرص استثمارية تشجع المستثمرين على استغلال هذه الفرص الاستثمارية. ولتوقعات المستثمرين أثر واضح في زيادة الطلب على رؤوس الأموال، إذ تتجه توقعاتهم بأن الحالة الاقتصادية في تحسن وأن رواجا اقتصادياً سيؤدي إلى توفر فرص استثمارية متاحة أمام المستثمرين ولذلك يزداد الطلب على رؤوس الأموال وعلى شكل قروض قصيرة الأجل الأمر الذي يؤدي إلى زيادة أسعار الفائدة القصيرة الأجل بشكل يفوق أسعار الفائدة على القروض طويلة الأجل خلافاً للقاعدة التي تقول انّ أسعار الفائدة على القروض طويلة الأجل أكثر من الفوائد على القروض قصيرة الأجل.
وتتأثر أسعار الفائدة بعدة عوامل يترتب على مؤثرات هذه العوامل أن يطلب المقرض (الدائن) علاوات تضاف إلى أسعار الفائدة الحقيقية ومن أبرز هذه العوامل(البازعي، 1997م: 221):
· معدل التضخم ( Inflation ):
تؤثر معدلات التضخم في تكاليف الإنتاج الصناعية لمنشآت الأعمال عموماً ولذلك يزداد الطلب على رأس المال لتغطية هذه التكاليف. وكما أشير إليه سابقاً فان انخفاض القوة الشرائية للنقد تسبب ازدياد الحاجة إلى التمويل. وعلى افتراض أن تقديرات إحدى منشآت الأعمال، أشارت إلى أن كلفة خط إنتاجي مقترح ضمن خطتها السنوية للسنة القادمة بلغت (10) مليون دينار، وعندما أرد تنفيذ الخط الإنتاجي تبين أن هذا المبلغ لا يكفي لتغطية تكاليف إقامة هذا الخط الإنتاجي، بل يتطلب (15) مليون دينار(البسام، 1999م: 92).
هذه الزيادة ناتجة عن ازدياد معدل التضخم وانخفاض قيمة العملة الوطنية، مما أدى إلى زيادة الطلب على رأس المال وزيادة الطلب هذه، تؤدي إلى زيادة أسعار الفائدة على التمويل المقترض، إذا تأثرت القرارات المالية لمنشأة الأعمال ولا يقتصر الـتأثير على أسعار الفائدة بل يؤثر التضخم في أسعار الصرف للعملة الوطنية تجاه العملات الأخرى، وتنسجم أسعار الفائدة مع معدلات التضخم. ففي ألمانيا كانت أسعار الفائدة أقل من نظيرتها في الولايات المتحدة الأمريكية ويعود السبب إلى أن معدل التضخم في ألمانيا كان أقل منه في أمريكا.
· العرض والطلب:
يزداد الطلب على اقتراض الأموال في الحالات التي يكون فيها الاقتصاد الوطني للدولة في حالة انتعاش ورواج, وذلك لتوفر فرص استثمارية للمستثمرين وباختلاف مستويات العائد والمخاطرة المتوقعين لأية فرصة استثمارية, يتم اختيارها, ويصاحب هذه الزيادة في الطلب على الأموال زيادة في أسعار الفائدة, في حين زيادة عرض الأموال يؤدي إلى انخفاض أسعار الفائدة.
[تحرير] المراجع
· الأمين وباشا, عبد الوهاب, زكريا عبد المجيد, مبادئ الاقتصاد ـ الجزء الثاني ـ الاقتصاد الكلي ـ دار المعرفة ـ الكويت ـ 1983.
· البازعي، حمد سليمان، مجلة الإدارة العامة – الانتقال الدولي للتضخم – العدد الأول – 1997م.
· العمر، حسين، تأثير عرض النقد وسعر الصرف على التضخم في الاقتصاد الكويتي – مجلة جامعة الملك سعود– 1416هـ .

الخوصصة :

مفهوم الخصخصة :
لقد ظهرت مصطلحات عديدة في الآونة الأخيرة للتعبير عن عملية تحويل بعض الوحدات الإنتاجية (على المستوى الوطني) ، من نطاق القطاع العام إلى نطاق القطاع الخاص ، من أبرزها الخصخصة والتخصيص والإستخصاص ، ونزع الملكية العامة وغيرها . ولكن من أكثر هذه المصطلحات شيوعاً في الاستخدام تعبير الخصخصة ، وهو الاصطلاح المستخدم في هذه الدراسة ، ولقد ظهرت تعريفات عديدة للخصخصة ، فيعرفها البعض "على أنها نقل لملكية مشروع من القطاع العام إلي القطاع الخاص " (3) . وفي تعريف آخر تشير الخصخصة إلى "تحويل الملكية العامة إلى القطاع الخاص ، إدارة أو إيجاراً أو مشاركة أو بيعا وشراء في ما يتبع الدولة أو تنهض به أو تهيمن عليه ، في قطاعات النشاط الاقتصادي المختلفة أو مجال الخدمات العامة " (4) . وفي تعريف آخر ينظر إليها " باعتبارها عملية انتقال الملكية والإدارة التشغيلية للمؤسسات المملوكة للدولة إلي القطاع الخاص إما جزئيا أو كليا ، ويمكن للقطاع الخاص إن يكون أما مؤسسات أو رجال أعمال أو شركات أجنبية " ( 1 ) . وفي تعريف آخـر تشير الخصخصة إلى " تحويل ملكية المنشآت العامة إلى أطراف أخرى تقوم بإدارتها وفقاً لمبادئ قطاع الأعمال الخاص" . ( 2 ) ويشير تعريف ثالث إلى أن الخصخصة تتمثل في " زيادة كفاءة إدارة وتشغيل المشروعات العامة من خلال الاعتماد على آليات السوق والتخلص من الترتيبات البيروقراطية " ( 3 ) .
ومن جملة هذه التعريفات يمكن أن يستنتج ، إلى أن الخصخصة تتمثل في زيادة الدور الذي يقوم به القطاع الخاص في ملكية وتشغيل وإدارة الوحدات الإنتاجية في المجتمع ؛ بغرض تحسين الكفاءة الإنتاجية لهذه الوحدات ، بما يخدم أهداف التنمية الاقتصادية والاجتماعية ، ومن هذا المنطلق تتضمن الخصخصة عددا من العناصر أهمها ما يلي (4) :
1- إن أهم عنصر في عملية الخصخصة ، هو تغير أسلوب تشغيل وإدارة المشروعات العامة ، لتتفق مع مبادئ القطاع الخاص ، والتي تتمثل في إتخاذ الربح أو الإنتاجية كأساس لتقييم الأداء ، والاعتماد على الأسعار الإقتصادية في حساب المنافع والتكاليف ، وتبنى نظام الحوافز في تشغيل وإدارة الموارد . وعليه يمكن أن يتحقق هذا المعنى للخصخصــة ( على المستوى المحلي ) بإسناد المشروعات العامة إلى وحدات قطاع خاص ، طبقاً لعقود إدارة مع احتفاظ الدولة بملكيتها العامة ، كما يمكن أن يتحقق بتأجير هذه المشروعات العامة لوحدات قطاع خاص ، لتتولى تشغيلها وإدارتها مقابل الأرباح بنسب معينة يتم الإتفاق عليها ، كما يتحقق بمساهمة وحدات القطاع الخاص سواء المحلي أو الأجنبي في رأس مال هذه المشروعات ، مع اشتراكها في الإدارة .
2- تتضمن الخصخصة نقل ملكية بعض وحدات القطاع العام المحلي إلى القطاع الخاص ، ويتم نقل الملكية بأكثر من أسلوب ، مثل بيع الشركات العامة إلى مستثمر واحد ، أو مجوعة من المستثمرين ، أو طرح أسهم هذه الشركات للبيع إلى الجمهور، أو إرجاعها لأصحابها قبل التأميم ، أو أي توليفة من هذه الأساليب.
3- إن الخصخصة لا تقتصر على مجرد تحويل ما بيد القطاع العام إلى حوزة القطاع الخاص ، وإنما تتضمن زيادة الدور الذي يوكل إلى القطاع الخاص المحلي في خطط التنمية على المستويات المحلية ؛ من خلال الحوافز التي تقدم له ، بحيث يستحوذ تدريجياً على النصيب الأكبر من الإستثمار والعمالة والناتج على المستوى المحلي .
ثانياً: أهداف الخصخصة :
من الخصائص الرئيسية للوضع الإقتصادى في الدول العربية ، سيطرة القطاع العام في هذه الدول على نسبة عالية من الأنشطة الإقتصادية ، وتغلغله في كل نواحي الحياة الإقتصادية بشكل مباشر أو غير مباشر . وجاءت هذه الهيمنة عن طـريق امتلاك الدولة لعناصر الإنتاج ، عن طريق التأميم وقيـام مشاريع إقتصادية عـامة . وأصبحـت بذلك معظـم الأنشطة الاقتصادية في يـد الـدولة ( الصناعة ، المصارف ، التجارة الداخلية والخارجية ، المقاولات ، المرافق العامة، النقل والمواصلات وغيرها) ، وتراجع دور القطاع الخاص ، بل كاد أن ينعدم خلال فترات معينة ، وحل التخطيط المركزي محل نظام السوق ، كقوة فاعلة في تخصيص الموارد (1) .
كان من المفروض أن يسهم القطاع العام إسهاماً إيجابياً في عملية النمو والتنمية ، غير أن التجربة خلال السنوات الماضية تشير إلى أن الأداء كان دون المستوى المطلوب . وباستخدام المؤشرات العامة لقياس درجة الكفاءة ، مثل مقدار الأرباح والخسائر ، عجز الميزانية العامة ، نسبة العائد على رأس المال المستثمر ، قدرة الدولة التنافسية في الأسواق الخارجية ، وغيرها ، فيلاحظ ، أن النتائج بصفة عامة غير مرضية ، فمعظم المشاريع العامة تعانى من خسائر متوالية ، وتدنى العائد والإنتاجية بها ، كما أن نسبة عالية من طاقتها الإنتاجية معطلة وتعتبر عدم كفاءة معظم مؤسسات القطاع العام السبب الأساسي في تنامي الدين العام . وفى أغلب الأحيان ، لم تراع قراراته اعتبارات الكفاءة والإنتاجية.
وبالتالي فأن أهداف الخصخصة يمكن حصرها فيما يلى (1) :
1- إعادة توزيع الأدوار بين القطاع العام والقطاع الخاص وانسحاب الدولة تدريجيا من بعض النشاطات الاقتصادية وفسح المجال أمام المبادرات الخاصة عن طريق تشجيع الاستثمار الخاص.
2- التخفيف من الأعباء التي تتحملها ميزانية الدولة نتيجة دعمها للمنشات الاقتصادية الخاسرة ، وتكريس موارده لدعم قطاعات التعليم والبحث العلمي والصحة ، والاهتمام بالبنية الأساسية والمنشات الاقتصادية ذات الأهمية الاستراتيجية .
3- تطوير السوق المالية وتنشيطها وإدخال الحركية على راس مال الشركات بقصد تطويرها وتنمية قدرتها الإنتاجية .
4- خلق مناخ الاستثمار المناسب ، وتشجيع الاستثمار المحلي لاجتذاب رؤوس الأموال المحلية والعربية والأجنبية .
ثالثا : أساليب الخصخصة :
1- طرح الأسهم في اكتتاب عام ( الطرح الكلي أو الجزئي ) :
"يقصد بالطرح العام قيام الحكومة بطرح كل أو جزء من أسهم رأسمال المنشاة للبيع للجمهور ، من خلال سوق الأوراق المالية" (1) . ويعتبر هذا الأسلوب أفضل الأساليب من وجهة النظر الاقتصادية ، لما يؤدي هذا الأسلوب من توسيع نطاق الملكية وقاعدة المنافسة .
وفي حالة قيام الحكومات ببيع نسبة من أسهمها في الشركة ، فإن النتيجة هي أن تصبح الشركة مختلطة " حكومية / قطاع خاص " ، وقد يكون الغرض من هذا التصرف تنفيذ سياسة التحرير الاقتصادي أو الرغبة من جانب الحكومة في الاحتفاظ بوجود لها في الشركة ، أو أن يكون بمثابة الخطوة الأولى نحو الخصخصة الكاملة لهـا .
ولنجاح هذه الطريقة يتعين توافر الشروط التالية (2) :
أ- أن تكون الشركة مستمرة ولها سجل أداء مالي معقول ومبشر في المستقبل .
ب- أن يكون هناك قدر كبير ومتاح من المعلومات المالية والإدارية عن الشركة ، ويتم الإفصاح عنه للمستثمرين .
ج- توافر قدر محسوس وملموس من السيولة النقدية في السوق المحلي لتمويل الشراء .
د- وجود سوق نشط للأسهم .
2- طرح الأسهم في اكتتاب خاص :
" يقصد بالطرح الخاص بيع أسهم المنشأة أو جزء منها لمستثمر واحد أو مجموعة مختارة مـن المستثمرين . ويمكـن التمييز بين أسلوبين شائعين للطـرح الخاص هما المعطاءات ، والتفاوض المباشر (1) .
ويفضل هذا الأسلوب في حالة الشركات ذات الأداء الضعيف ، أو الشركات التي تحتاج إلى مالكين أقوياء تتوافر لديهم الخبرات الصناعية والمالية والتجارية اللازمة لنجاح الشركات ، وكذلك الدعم المالي القوي (2) .
كما يلاحظ أن هذه الطريقة قد تكون هي الطريقة المجدية الوحيدة في حالة غياب سوق أسهم نامي ، حيث لا توجد آلية يمكن من خلالها الوصول إلى جمهور المستثمرين ، علاوة على أن أحجام بعض الشركات قد لا يكون من الكبر بحيث يبرر الاكتتاب العام.
3- بيع أصول الشركة بالمزاد العلني :
يلاحظ في الطريقتين السابقتين أن عملية الخصخصة تتم من خلال قيام القطاع الخاص بشراء أسهم الشركة الحكومية والمستثمرة في أداء نشاطها ، أما هذه الطريقة فتأخذ شكل شراء أصول الشركة بصفة أساسية ، وتتم هذه العملية بالمزاد العلني .
وفي الواقع يوجد العديد من صور بيع الأصول ، ومن أهمهما (3) :
أ- إذا كان المرغوب فيه خصخصة جزء من الشركة ، فإنه يمكن التصرف في هذه الأصول مع بقاء الجزء الرئيسي من الشركة مستمرا في نشاطه ، وبالتالي فان هذه الطريقة تكون مفيدة في حالة الرغبة في تقليص حجم الشركة .
ب- إذا كان الاتجاه هو بيع الشركة بالكامل ، ولكن لا يمكن تحقيق ذلك خلال استمرارها في ممارسة نشاطها الطبيعي " أي لايمكن بيع أسهمها " ، وقد تضطر الحكومة إلى حلها وتصفيتها ، وبيع أصولها " مع ديونها أو بدون هذه الديون " إلى المستثمرين من القطاع الخاص ، الذين يقومون بدورهم بتكوين شركتهم الجديدة من خلال السيطرة على كل أو بعض الأنشطة التي كانت تمارسها الشركة الحكومية المنتهية .
ج- قد يكون من الممكن بيع الشركة وهي ما زالت تمارس نشاطها ، ولكن لأسباب مالية . ( كالضرائب مثلا )، أو أسباب قانونية ، قد يكون بيع أصولها في مصلحة جميع الأطراف .
أن بيـع الأصول لشخص معروف يحقق نفس مزايا البيع المباشر للأسهم لـه ، كما أنه يمكن من التمتع بمزيد من المرونة ، فقد يكون من المجدي بيع أصول منفردة بدلا من البيع الكامل للشركة ، أو أن السماح ببيع الشركة المستمرة في نشاطها قد يقابله صعوبات جسيمة في التطبيق العملي . مع ذلك ، يجب أن يبقى دائما في الحسبان أن هذه الطريقة قد تخلق التزامات متبقية على الحكومات بعد البيع (1) .
4- ضخ استثمارات خاصة جديدة في الشركة :
قد لا ترغب الحكومات في إضافة المزيد من رأس المال إلى الشركة التي تملكها ، وغالباً ما يحدث ذلك بسبب رغبتها في التوسع أو التحديث لعملياتها ، ويتم ذلك من خلال فتح باب المساهمة في رأس المال الشركة للقطاع الخاص .
ويلاحظ في هذه الطريقة للخصخصة أن الحكومات لا تتصرف في ملكيتها الحالية للشركة ، بل تزيد من الملكية الخاصة في الشركة وهذا يؤدي إلى التخفيـــف ،من مركز ملكيتها ، وتتولد تركيبة ملكية مشتركة بينها وبين القطاع الخاص ، وتسمى في هذه الحالة شركة مشتركة (2) .
وتجدر الإشارة إلى أن هذا النوع من الخصخصة لا يصاحبه دائما زيادة في رأس مال الشركة ، حيث يخفض رأس مال الشركة أولاً لامتصاص الخسائر إذا كانت موجودة ، ثم يلي ذلك زيادة الملكية الجديدة ، والنتيجة الطبيعية هي أنه قد لا توجد زيادة ملموسة في رأس مال الشركة.
5- شراء الإدارة و / أو العاملين للشركة :
يقصد بشراء الإدارة للشركة قيام مجموعة صغيرة من المديرين بالسيطرة والتحكم في رأس مال الشركة ، كما انه يمكن تصميم عملية مشابهة من خلالها يحقق العاملون أو الإدارة مع العاملين نفس السيطرة السابقة ، ويفرق بين العملية السابقة وبين إتمام عملية الشراء من خلال الاقتراض من المصارف ، حيث يحصل المشترون ( الإدارة / أو العمال ) على ائتمان مصرفي لتمويل حصولهم على الشركة ، ويقدمون أصول الشركة كضمان لهذا التمويل ، ونشير إلى أنه من النادر حدوث الخصخصة في الدول النامية بهذه الطريقة ، ولكنها شائعة في الولايات المتحدة الأمريكية ، حيث تتحول الشركـات المساهمة إلى شركات خاصة (1) .
6 - عقود التأجير والإدارة :
وتتضمن هذه الطريقة التعاقد مع خبراء من القطاع الخاص ، لتسير وإدارة الوحدات الاقتصادية المملوكة للدولة ، في مقابل أتعاب معينة ، أو مقاسمة الربح الصافي مع الدولة ( 2 ) . "وهذا التعاقد لا يعرض المستأجر لأي مخاطر مالية كما أن الشركة الحكومية تتحمل المخاطر التجارية بالكامل ، وتتمثل ميزة هذا العقد في احتفاظ الحكومة بملكيتها للشركة" ( 3 ) .وتعتبر عقود الإدارة من طرق الخصخصة الآخذة في النمو ، وذلك بسب مـزايا عديدة أهمها : التوفير في تكاليف أداء الخدمـة ، والتغلب على مشكلة عدم مرونة العمالة الحكومية مع التغيرات في طبيعة العمل وظروفه ( 4 )
 
رد: نقاط ظل جزائرية : اكتوبر 1988

اما من جهة علاقات الجزائر بالدول المغاربية فقد كانت علاقات تخضع لمتغيرات السياسية الاقليمية والدولية حيث
معاهدة الإخاء والتعاون بين تونس والجزائر وموريتانيا:
بدأ التوافق بين تونس والجزائر منذ مطلع الثمانينات فكانت الجزائر تعانى نتيجة فشل حركة بوليساريو فى إحراز نصر عسكرى على
المغرب رغم كل ما يقدم لها من مساعدات جزائرية مادية وعسكرية، فى نفس الوقت كانت الجزائر ترى ليبيا على أنها رغم دعمها
للبوليساريو تبدو بعيدة عن الاهتمام بالمنطقة بسبب قضية تشاد.

أما تونس فقد رأت فيها الجزائر دولة تسعى لتحقيق مصالحة جزائرية ـ مغربية بصدد مشكلة الصحراء لذلك أثرت الجزائر التقرب من تونس فهى على العكس من ليبيا دولة معتدلة ليس لها أى طموحات إقليمية سوى تحقيق وفاق بين دول المغرب العربى، هذا إضافة
إلى بروز عوامل أخرى شعت هذا الاقتراب كوجود مقر جامعة الدول العربية، وكذلك البناء السياسى لمنظمة التحرير الفلسطينية فى
تونس، وذلك فى فترة يتزايد فيها التوجه الجزائرى نحو الاهتمام بالمسائل القومية والإقليمية المتعلقة بأزمة الشرق الأوسط
والعلاقات العربية ـ العربية.

من ناحية ثانية كانت تونس تترقب بشىء من الحذر النوايا الليبية تجاهها، وعلى الصعيد الداخلى كانت ترغب فى محاولة امتصاص
حدة الصراعات بين نظام الحكم وفئات الشعب التى ثارت أكثر من مرة ضد غلاء المعيشة من ناحية، وبين نظام الحكم وبعض أعضاء
النخبة التونسية المحجوبة عن الشرعية فى إطار الصراع على السلطة، أو كسب المزيد من النفوذ على الأقل من ناحية ثانية.
فى ظل هذه الأوضاع الداخلية والإقليمية قامت تونس والجزائر فى مارس /1983 بالتوقيع على معاهدة الإخاء والتعاون، وقد ترك
الباب مفتوحا أما انضمام دول أخرى لهذه المعاهدة، وبالفعل انضمت موريتانيا فى ديسمبر /1983 كطرف ثالث فى المعاهدة
.
وقد خلق الاتفاق محورا فى منطقة شمال أفريقيا، وبالطبع آثار المغرب الذى يبدو أنه تفهم الموقف التونسى إزاء ليبيا، وأن
كان قد تخوف من النوايا الجزائرية، لا سيما بعد فشل لقاء الحسن ـ بن جديد فى فبراير /1983، وانزعج من موقف موريتانيا التى
انضمت فيما بعد للمعاهدة ولا سيما بعد أن هدد المغرب بملاحقة البوليساريو داخل الأراضى الموريتانية وأثارت المعاهدة ليبيا
التى رفض فيما بعد انضمامها للمعاهدة، إلا بعد تسوية المنازعات الحدودية مع الجزائر فى منطقة "غاث".
وقد خلقت المعاهدة تعاونا وثيقا بين تونس والجزائر، ففى نوفمبر/1983 قرر البلدان توحيد برامجهما التعليمية الأولية حيث وقع
على مذكرة رسمية بهذا المعنى، كما اتفق على مرور الغاز الطبيعى الجزائرى إلى إيطاليا عبر الأراضى التونسية وإضافة إلى تطوير
التعاون فى إطار الاتفاقيات الثنائية تم تشكيل لجنة مشتركة تونسية ـ جزائرية لبحث إمكانية ترسيخ التعاون بين البلدين فى
أكثر من مجال.

وبالفعل اتفق فى إطار المشاورات الثنائية التى تبنتها هذه اللجنة على حرية تداول السلع بين الدولتين اللتين تتعهد كل منهما
بتزويد الأخرى بما تحتاج إليه عملا بمبدأ الأولوية التفضيلية، وإبرام العقود بالموافقة المتبادلة بالنسبة للمعاملات
التجارية دون المرور بمرحلة طرح العطاءات الدولية، هذا إضافة إلى التوصل لاتفاقات أخرى فى مجالات الزراعة والسياحة والبنوك
أن تونس تعتبر أسلوب التعاون المشترك هو الطريق الذى يؤدى على المدى البعيد إلى وحدة المصالح المشتركة، وصولا إلى مرحلة
التكامل الاقتصادى، ومن ثم الوحدة الاندماجية، وهو الأسلوب الذى تتبعه حاليا فى علاقاتها مع الجزائر
اتفاق ـ اوجدة ـ
بعد أن رفضت الجزائر انضمام ليبيا لمعاهدة الإخاء والتعاون الموقعة عام 1983، وجدت ليبيا نفسها فى عزلة كاملة فرضتها عليها
الولايات المتحدة، بمساعدة أطراف عربية، ففى الشرق توجد مصر أكبر القوى المعارضة للنظام الليبى منذ عام 1977
وفى الجنوب الصراع مع تشاد منذ أمد طويل، وفى الغرب الخلاف مع تونس والجزائر منذ توقيع البلدين معاهدة الإخاء والتعاون
هذا إضافة إلى معارضة عدد من الدول الأفريقية للسياسة الليبية اثر محاولة نظام الحكم فى ليبيا مد نفوذه الثورى إليها
وفى نفس الوقت، كانت المغرب تعانى أيضا من عدة مشكلات بسبب الأوضاع الاقتصادية، ومشكلة الصحراء الغربية التى تمخضت داخل
نظام الحكم مشكلة سيادة، ووحدة وطنية، إضافة للمشاكل عن الاجتماعية والأمنية التى أسفرت عنها، وكذلك اعتراف حوالى 30 دولة
وقتئذ بالجمهورية الصحراوية
أدت هذه الظروف لقيام ليبيا والمغرب بتوقيع اتفاق ـ وجدة ـ فيما بينهما، وكانت العلاقات الدبلوماسية بين البلدين، قد
قطعت بمبادرة مغربية فى إبريل / 1980 إثر إقدام ليبيا على الاعتراف بالجمهورية الصحراوية، وذلك بعد أن اعترفت دول الرفض بها
ضمن قرارات جبهة الصمود والتصدى ورغم ما قدمت به ليبيا من مد يد المساعدة المادية والعسكرية لجبهة البوليساريو أعيدت
العلاقات بين البلدين عام 1981
وفى صيف عام 1984 دعا المغرب إلى عقد لقاء قمة يضم ليبيا وتونس والجزائر والمغرب، ولم يحضر الاجتماع الذى التأم فى المغرب
سوى العقيد الليبى معمر القذافى، وإثر ذلك تمت الموافقة بين الطرفين على توقيع اتفاق الاتحاد العربى الأفريقى فى مدينة ـ
وجدة ـ فى 12/أغسطس/1984
ونص الاتفاق على إنشاء مؤسسة رئاسة الاتحاد بالتناوب بين البلدين، إضافة لأمانة دائمة، ومجلس تغطى المجالات السياسية
والعسكرية والاقتصادية والثقافية والتقنية، وكذلك برلمانا مشتركا ولجان تنفيذية ومحكمة اتحاد وقد عقدت بالفعل عدة اجتماعات
لهذه المجالس، حيث التأم البرلمان المشترك وعقدت اجتماعات منفصلة للمجلس السياسى، والمجلس الاقتصادى، ومجلس الشئون الثقافية
والتقنية كما تم إبرام عدد من الاتفاقيات المشتركة فى مجال النفط والصناعة الثقيلة، وإنشاء معمل بتروكيماويات، إضافة لعدة
مشاريع مشتركة فى مجال الحديد والصلب والنسيج والجلد
وقد أملت المغرب من هذا الاتفاق قطع المساعدات المالية والعسكرية الليبية لجبهة البوليساريو، إضافة إلى حل المشاكل
الاقتصادية المستعصية، بينما أملت ليبيا الخروج من عزلتها الإقليمية
وقد أثار الاتفاق ردود فعل واسعة فعلى الصعيد الإقليمى بدأ هناك تشكك جزائرى من نوايا المغرب فى الاتحاد مع ليبيا، كما بدا
تشكك تونسى من نوايا ليبيا وعلى الصعيد الدولى فقد شحبت الولايات المتحدة خطوة العاهل المغربى، إذ أنها دعمت الموقف الليبى
إقليميا، وقامت بإرجاء زيارة الملك الحسن الثانى زيارة الملك الحسن الثانى لواشنطن مرات متتالية، وجمدت عددا من القروض
المالية، كما قامت بتغيير السفير الأمريكى لدى الرباط، وبدأت تنادى بالحل السلمى لمشكلة الصحراء وعلى الجانب الآخر اتجه
الدعم الأمريكى إلى الانحياز الطفيف نحو الجزائر وتونس، وهو ما اتضح أثناء زيارة بن جديد للولايات المتحدة فى إبريل/1985
خاصة على الصعيد الاقتصادى، وكذلك أثناء زيارة بورقيبة للولايات المتحدة فى يونيه/1985، حيث أكدت إدارة ريجان دعمها الكامل
لسلامة الأراضى التونسية ضد التهديدات الليبية أما الموقف الفرنسى، فكان أقل تحفظا من الموقف الأمريكى بسبب رغبة فرنسا فى
حل مشكلة تشاد عبر ليبيا سلميا، وقد اتضح هذا الموقف أثناء زيارة الرئيس ـ ميتران ـ للمغرب فى الوقت الذى كان الشعب
المغربى يدلى بصوته فى الاستفتاء على اتفاق ـ وجدة ـ ، وبعد مرور عدة أسابيع قامت فرنسا بعقد اتفاق مع ليبيا بشأن تشاد
الأزمة بين تونس وليبيا:
اتهمت تونس ليبيا أكثر من مرة بتشجيع إثارة الاضطرابات الداخلية، ولجأت إلى عدة إجراءات تمثلت فى تحويل جزء من الأموال
المخصصة بأغراض التنمية إلى ميزانية الدفاع، كما اشتركت مع الجزائر فى مارس/1983 فى معاهدة الإخاء والتعاون ولم يكن ذلك
يرجع إلى أى نوايا عدائية بشأن المغرب، إذ أنها التزمت بموقف الحياد إزاء النزاع الجزائرى ـ المغربى بصدد الصحراء الغربية
وفى عام 1984 تدهور الوضع مع ليبيا بدرجة كبيرة أثر تلميح تونس باشتراكها فى عملية تخريب ضد خط أنابيب للنفط الجزائرى يمر
عبر تونس، وكذلك اتهام ليبيا الجانب التونسى بالسماح للعناصر المعارضة لنظام حكم العقيد معمر القذافى بالتسلل إلى أراضيها
للقيام بأعمال تخريب داخل ليبيا وفى نهاية الأمر قامت تونس بسحب سفيرها من ليبيا فى مايو/1984.
وقد ازدادت حدة التوتر بين البلدين اثر قيام ليبيا بطرد آلاف العمال التونسيين العاملين فى ليبيا فى أغسطس 1985، وقد تصاعد
الأمر إلى حد التهديد باستخدام القوى المسلحة من جانب ليبيا، وانتهاك طيرانها المجال الجوى التونسى وعلى الجانب الآخر لجأت
تونس إلى حشد قواها العسكرية والسياسية استعدادا لأى موقف، كما اجتمع الرئيس التونسى الحبيب بورقيبة وقتئذ مع رئيس أركان
البحرية الأمريكية، وقام الرئيس بن جديد بزيارة تونس للأعراب عن المساندة الجزائرية سياسيا وعسكريا ضد أى اعتداء ليبى
تطبيقا لاتفاق الإخاء والتعاون وقد أدى الوضع فى النهاية إلى قطع العلاقات الدبلوماسية بين البلدين بمبادرة تونسية فى
سبتمبر 1985
.
وعندما قامت الطائرات الأمريكية بضرب ليبيا فى منتصف أبريل من العام الماضى اتهمت ليبيا تونس بالسماح للطائرات الأمريكية
باستخدام مجالها الجوى فى قصف طرابلس وبنغازى والجدير بالذكر أن تونس لم يصدر عنها أى رد فعل رسمى يحدد موقفها من العدوان
الأمريكى، بل أن السلطات التونسية أقدمت على اعتقال من قادوا المظاهرات المعادية للموقف الأمريكى تجاه العدوان
.
إزاء هذا الوضع حاولت كل من الكويت والمغرب والجامعة العربية التدخل للمصالحة بين الجانبين، إلا أن هذه الجهود فشلت فى
بادئ الأمر وقد بدأت بوادر التحسن فى العلاقات بين البلدين فى فبراير 1986، اثر التحول الذى طرأ على الموقف الجزائرى، حيث
قام وزير الخارجية ـ أحمد طالب الإبراهيمى بزيارة البلدين فى محاولة لرأب الصدع بينهما، إضافة إلى لقاء مسئولى البلدين فى
باريس فى إبريل 1986 ثم فى جنيف، وفى طرابلس بعد ذلك وقد نوقشت أثناء هذه المباحثات إمكانية استعادة مستحقات العمال
التونسيين المطرودين من ليبيا، وكذلك رجال الأعمال الذين لم يتسلموا مستحقاتهم مقابل السلع التى قاموا بتصديرها إلى ليبيا
إضافة إلى حل مشكلة تجميد ممتلكات شركة الخطوط الجوية التونسية وقد أسفرت هذه التحركات جميعها عن قيام ليبيا بتسديد جزءا
كبيرا من أموال شركة الطيران التونسية وبوادر انفراج فى تسديد مستحقات العمال التونسيين.

سقوط اتفاق " وجدة "
لم يكن النقد الليبى لقمة " أفران" هو السبب الوحيد الذى أدى إلى سقوط اتفاق ـ وجدة ـ ، وإن كان هو السبب الرئيسى
فمن ناحية رأى المغرب منذ فترة أن الاتفاق قد عمق الخلاف مع الجزائر وأشاع جوا من عدم الثقة مع الولايات المتحدة، بينما
نظرت تونس وموريتانيا للاتفاق بترقب وحذر
من ناحية ثانية مرت العلاقات المغربية ـ الليبية بعد إبرام الاتفاق بفترات حرجة للغاية، فلم تسحب ليبيا اعترافها
بالجمهورية الصحراوية، ولم تبد أى تحفظ عندما حققت الجزائر انتصارا دبلوماسيا كبيرا أدى إلى قبول الجمهورية الصحراوية عضوا
فى منظمة الوحدة الأفريقية، أثناء أعمال القمة الأفريقية فى 1984
وفى مطلع عام 1986 بدأت العلاقات الليبية ـ الجزائرية تشهد تقدما كبيرا بعد أن شهدت مرحلة كبيرة من الجفاء بين البلدين
ـ اثر إبرام اتفاق ـ اوجدة ـ وطرد العمال التونسيين من ليبيا ـ حيث قامت الجزائر بدور الوساطة بين تونس وليبيا، كما
اتجهت ليبيا لتوطيد علاقاتها مع الجزائر فى محاولة لفتح الجسور مرة أخرى مع فرنسا بصدد قضية تشاد كل هذه الأمور أقلقت
المغرب إلى حد كبير
وفى أغسطس 1986 عقدت فى ـ أفران ـ مباحثات بين الملك الحسن الثانى ملك المغرب و ـ شيمون بيريز ـ رئيس الوزراء
الإسرائيلى وقتئذ، وبعد المباحثات قام الملك الحسن الثانى بإرسال مبعوثيه إلى الدول العربية لتبرير وعرض نتائج قمة "أفران
" وقد رفض العقيد الليبى "معمر القذافى" استقبال المبعوث المغربى ورغم هذه التطورات تمسك الجانبان باتفاق"وجدة"
إلا أن البيان السورى ـ الليبى الذى صدر عقب انتهاء زيارة الرئيس "حافظ الأسد" لليبيا، والذى اتهم الملك الحسن الثانى
بالخيانة أدى إلى إقدام الملك على إلغاء اتفاق "وجدة" من جانب واحد فى نهاية أغسطس 1986 وقد وضعت هذه الخطوة حدا لتدهور
العلاقات المغربية ـ الأمريكية، كما بدأت ترسم شكلا آخر من أشكال التحالفات فى المنطقة
التقارب بين ليبيا وكل من تونس والجزائر:
بدأ التقارب الليبى ـ الجزائرى بعد هدوء حالة التوتر بين ليبيا وتونس فى نهاية عام 1985، وقد تدعم هذا التقارب إثر زيارة
ـ عبد السلام التريكى ـ أمين المكتب الشعبى للاتصال الخارجى الليبى وقتئذ للجزائر فى نوفمبر 1985 ويناير 1986 إلا أن
التطور الكبير تمثل فى القمة الليبية ـ الجزائرية التى عقدت بالجزائر فى نهاية يناير 1986 بمدينة ـ عين أم الناس ـ
الحدودية، وقد جاءت هذه القمة فى ظل إعلان الجزائر عن استنكارها للتهديدات الأمريكية لليبيا وبينما أعلنت وكالة الأنباء
الليبية تأكيد الجانبين على حل مشكلة الصحراء فى إطار وحدة المغرب العربى، أعلنت الأنباء الجزائرية أن الطرفين أكدوا على
ضرورة تلبية حق شعب الصحراء الغربية فى تقرير المصير ونيل الاستقلال كخطوة ضرورية لبناء المغرب العربى مما يثبت ـ إذا حدث
ذلك بالفعل ـ مدى التراجع الكبير فى الموقف الليبى قبل إلغاء اتفاق ـ وجدة ـ خاصة فى ضوء اتفاق العاهل المغربى والرئيس
الليبى من قبل على ضرورة إجراء استفتاء فى إقليم الصحراء تحت إشراف دولى
وعقب الغارة الأمريكية على ليبيا كانت الجزائر أكثر دول شمال أفريقيا تعاطفا مع ليبيا ضد العدوان الأمريكى، وفى الوقت الذى
رفضت فيه ليبيا استقبال مبعوث الحسن الثانى بعد لقاء ـ أفران ـ كان "عبد السلام جلود" الرجل الثانى فى القيادة
الليبية قبل ذلك بعدة أيام فى زيارة للجزائر
وقد كان لإلغاء اتفاق "وجدة" أثر كبير على الانفتاح فى العلاقات بين البلدين، فلم تمض أيام على هذا الإلغاء إلا
واستقبلت ليبيا وفدا جزائريا للمشاركة فى ذكرى احتفالات ثورة سبتمبر ولم تمض عدة أسابيع إلا وقام الرئيس الجزائرى بن جديد
بزيارة ليبيا فى ديسمبر 1986، وقد جاءت هذه الزيارة قبل مرور عام على لقاءه بالعقيد القذافى فى الجزائر وكان محور اللقاء
المصالحة التونسية ـ الليبية، وإمكان انضمام ليبيا لمعاهدة الإخاء والتعاون، وكيفية محاربة استشراء النفوذ الصهيونى فى
المغرب وقد وجد "بن جديد" فى تصرفات القيادة الليبية تجاه تونس مؤخرا، بوادر نوايا طيبة نقلها للقيادة التونسية عقب
زيارته لليبيا، حيث نوقشت إمكانية إعادة العلاقات الدبلوماسية بين تونس وليبيا
وقد اتخذت ليبيا مبادرة لتسوية النزاع مع تونس فى مارس الماضى وذلك أثناء زيارة الخويلدى الحميدى عضو مجلس قيادة الثورة
الليبى للعاصمة التونسية حيث أسفرت المحادثات بين الجانبين عن تعهد ليبى بتعويض العمال المطرودين من ليبيا وعدم السماح
باستخدام أراضيها كمنطلق لأعمال تخريبية ضد تونس، وعدم حشد أى قوات على الحدود، وتم الاتفاق على برنامج زمنى لتنفيذ ذلك
خلال شهر ونصف لتبدأ المباحثات السياسية لإعادة العلاقات الدبلوماسية على أسس جديدة
القمة الجزائرية المغربية:
كان آخر لقاء جمع بين الرئيس بن جديد والملك الحسن الثانى ذلك الذى تم فى 26 فبراير 1983 وهو اللقاء الذى لم يسفر عن أى
تقدم يذكر بين البلدين وقد ظل الوضع مجمدا بعد ذلك حيث شهد سلسلة من التحالفات والانفصالات ـ سابقة الذكر ـ بين دول
المنطقة
وقد شهدت العلاقات الجزائرية ـ المغربية أحلك مراحلها فى مطلع العام الحالى حيث أنفجر الوضع الأمنى بتصعيد عسكرى كبير
نتيجة المعارك العنيفة التى شنتها قوات البوليساريو ضد الجيش المغربى فى شهر فبراير الماضى، لعرقلة بناء جدار أمنى جديد
يقوم المغرب بتشييده فى الصحراء منذ شهور إذ أن جبهة البوليساريو وجدت فى ذلك العمل ما يعوق حركتها إلى حد كبير فالجدار
يمتد بمحاذاة الحدود المغربية الموريتانية حتى يصل إلى ساحل المحيط وهو مزود بنقاط للمراقبة وردارات قوية وتجهيزات عسكرية
حديثة تسمح للمغرب باستشعار أى تحرك للبوليساريو ومن ثم لا يصبح أمام البوليساريو سوى مهاجمة المغرب انطلاقا من الأراضى
الموريتانية مما جعل موريتانيا التى أعلنت حيادها فى الصراع منذ ديسمبر 1984 تنزعج، الأمر الذى جعل الرئيس بن جديد يقوم
بزيارة نواكشوط قبل لقائه بالحسن الثانى كل هذه الأحداث عجلت بالجهود السعودية لعقد لقاء قمة بين المغرب والجزائر ففى مطلع
مايو الماضى عقدت القمة على الحدود بين البلدين حضرها الملك فهد وذلك فى محاولة لتخفيف حدة التوتر بينهما.

وبالعودة إلى تفاصيل هذه القمة يلاحظ عقد جلستين أعقبهما ولأول مرة ـ منذ اندلاع حرب الصحراء ـ بيان مشترك أشار إلى
اتفاق الجانبين على مواصلة لقاءاتهما لحل المشاكل القائمة وإلى تجنب المواجهة العسكرية المباشرة بينهما مهما كانت الظروف.
 
رد: نقاط ظل جزائرية : اكتوبر 1988

تمر الذكرى الخامسة والعشرين، لأحداث أكتوبر 1988، أو ما صار يعتبره الكثيرون بعد الثورات العربية الأخيرة، بنسائم الربيع العربي، التي هبّت على الجزائر، وأجبرت الدولة على أن تُكسّر طابو الأحادية التي سيّرت بها البلاد في زمن أحمد بن بلة وهواري بومدين، وخلال عشر سنوات من حكم الرئيس الراحل الشاذلي بن جديد للجزائر، عندما اشتعلت الثورة في شوارع العاصمة وسقط قتلى، وظهر في الساحة الكثير من رجالات السياسة، وغالبيتهم كانوا يشتغلون في الخفاء ومنهم من كان منفيا في الخارج، وعجلت بظهور الكثير من الساسة والأحزاب الجديدة على اختلاف توجهاتها، رغم أن انتفاضتين حدثتا في عامي 1980 و1986 سبقتا انتفاضة أكتوبر في العاصمة وفي غرب البلاد.



شرارة الانتفاضة بدأت في تيزي وزو وقسنطينة

وكانت أول أحداث عنف واحتجاج، وقعت في الجزائر منذ الاستقلال تلك التي عُرفت بالربيع البربري، في ربيع 1980 في عهد الرئيس الأسبق الشاذلي بن جديد، عندما كان الكاتب الشهير مولود معمري بصدد التحضير لإلقاء محاضرة في مركز ثقافي بقلب مدينة تيزي وزو من دون ترخيص رغم بُعد المحاضرة السياسي، فمنعه رجال الأمن بالقوة، وهذا في 11 مارس 1980، ليحدث تشابك بين المحتجين ورجال الأمن، انتقل بعد ذلك إلى شوارع مدينة تيزي وزو وكامل منطقة القبائل، وبقيت حصيلة الربيع القبائلي إلى حد الآن مجهولة مع تضارب الأرقام وتناقضها خاصة أن الإعلام الفرنسي خاض فيها وصوّرها على أنها "مجازر" و"أودية من الدم"، متناقضة بين ما أعلنه المنتفضون وأوصلوه إلى المئات، وما أعلنته السلطة بعد سنوات، وهي التي رفضت في ذلك الوقت التطرق للمشكلة عبر وسائل الإعلام، التي كانت بالكامل تابعة للدولة، وتم إجهاض الانتفاضة في مهدها، رغم أن ما حدث في ذات المنطقة بعد مقتل الشاب ماسينيسا في بداية الألفية الحالية، كانت له جذور من أحداث ربيع 1980 البربري، ولكن هذه المرة بدعم من بعض وسائل الإعلام، وتغطية للبقية بما في ذلك التلفزيون ووسائل الإعلام المكتوبة والمسموعة العمومية فما بالك بالخاصة.



أما أحداث 1986 فكانت شرارتها الأولى في جامعة قسنطينة منتوري، بعد إضراب عادي للطلبة في الثامن من نوفمبر، تطوّر إلى عمليات تخريب مسّت وسط مدينة قسنطينة، طالت كل المرافق العمومية من دون استثناء واشتعلت النيران في السيارات، وشلت المدينة بالكامل، وأدت الأحداث إلى سقوط قتيلين من المحتجين، من بينهما سيّدة حامل خنقها الغاز المسيل للدموع، وتميّز الثامن من نوفمبر بغلق الجامعة وتبادل الطلبة رشق الحجارة مع رجال قمع المظاهرات، الذين بادلوهم بوابل من القنابل المسيلة للدموع، وقدّم التلفزيون الجزائري بعد يومين كاملين من الحادث أي بعد عودة الهدوء إلى مدينة قسنطينة، ثلاثة شبان قيل إنهم من المتابعين قضائيا، واعترفوا بأنهم أرادوا "الفوضى في البلاد" دون أن تقنع هذه الشهادات عامة الناس الذين وصفوها بالمفبركة.

ورغم أن الأحداث أجهضت أيضا في مهدها في عاصمة الشرق الجزائري، إلا أنه خلال تنقل فريق شباب قسنطينة، لإجراء مقابلة نهاية الأسبوع بعد أحداث قسنطينة إلى ملعب الفاتح من نوفمبر بتيزي وزو، وجد ترحاباً منقطع النظير وهتف المناصرون للشبيبة باسم لاعبي الشباب أكثر من لاعبي ناديهم شبيبة القبائل، وبعد شهر من أحداث قسنطينة، أي في الحادي عشر من ديسمبر 1986، إندلعت أحداث أخرى في المدينة المجاورة بسطيف، شهدت سقوط قتيل.



ظهور يحيى عبد النور ومصطفى بويعلي

أدّت هذه الأحداث التي بقيت في طي الكتمان وتجاهلها الإعلام، حتى أن عامة الجزائريين لم يعلموا بها ولا أحد وثق لوقوعها، أدت إلى نشاط معلن من الحقوقي الأستاذ علي يحيى عبد النور، الذي رفع صوته لأجل إطلاق سراح كل المعتقلين السياسيين، فتم توقيفه في 17 ديسمبر 1986، وأفرزت كل هذه الأحداث اندلاع غيرها، وبعضها أخذ توجهات إسلامية في بداية عام 1987، عندما تم القضاء على القيادي الإسلامي الشهير مصطفى بويعلي في شهر جانفي، وكان مصطفى من الذين رأوا أن "الحل الإسلامي" هو السبيل الوحيد للخروج من الأزمة.

وخلال عام 1987 وقعت أحداث سياسية مختلفة، من بينها ظهور الرئيس الحالي عبد العزيز بوتفليقة في المشهد السياسي، بعد اختفائه نهائياً مباشرة بعد تأبينية الرئيس الراحل هواري بومدين، رغم أن ظهوره كان وجيزا ومن دون أدنى ضجة إعلامية، وهذا في 16 فيفري 1988، أي قبل توليه الرئاسة بـ11 سنة، وفي نفس الشهر تواصلت مهازل الانتخابات الأحادية الأبعاد التي أساءت للنظام وللجزائر في عصر البيريسترويكا، حيث قدمت جبهة التحرير الوطني وحدها قوائم للانتخابات التشريعية في 26 فيفري 1988، وقيل إن نسبة المشاركة فاقت 88 بالمئة، وذهبت المقاعد التي عددها 295 لحزب جبهة التحرير الوطني بالكامل، كما تم اغتيال في ظروف غامضة المحامي الجزائري علي مسيلي بشوارع باريس، وهو أحد مؤسسي الأفافاس رفقة آيت أحمد، ومازالت جريمة اغتياله مبهمة إلى حد الآن رغم أن بعض مناضلي الأفافاس وجهوا أصابع الاتهام للنظام الجزائري.

توالت بعد ذلك الأحداث بسرعة منذ أن عرفت الجزائر أول وأكبر انتفاضة في تاريخها بعد الاستقلال، وأيضا أول انتفاضة شعبية في تاريخ المنطقة العربية، طالت الجامعات والمساجد، وما زال التضارب إلى حد الآن، عن عدد القتلى، حيث صعُب إعطاء رقم حقيقي بين 159 إلى 500 قتيل، في الجزائر العاصمة فقط، وتم خلال الأحداث توقيف مالا يقل عن 3800 مواطن كلهم من الشبان والذكور، ولم يفرج في اليوم الأول إلا عن 923 وتمت محاكمة البقية في أجواء مشحونة.

وبعد أن ظن الرئيس الشاذلي بن جديد والسلطة عموما، بأن الأمور قد استقرت على الهدوء في نهاية عام 1987 وبداية 1988، انشغلت بالشؤون المغاربية، حيث زار الزعيم الليبي السابق أمعمر القذافي الجزائر في ديسمبر 1987، وفيفري 1988 وانشغل الشاذلي بن جديد بهذه الزيارات التي لم تنقطع من القذافي الذي كان عادة لا يكتفي بيوم أو بضعة أيام ولا بساعة زمن من المحادثات، فعجلت بعودة العلاقات الديبلوماسية بين الجزائر والمغرب في منتصف شهر ماي 1988، وتم فتح جزئي للحدود مع المغرب، ثم توالت الاجتماعات المغاربية والاهتمام بالشأن الخارجي والمغاربي على وجه الخصوص في لقاءات زرالدة، وفي الخيمة القذافية العملاقة في طرابلس، في الوقت الذي انهار سعر البترول مع الاستقرار العالمي، وهو ما جعل الاقتصاد الجزائري ينهار، وتختفي مظاهر الأبَّهة التي عرفها الجزائريون في بداية ثمانينيات القرن الماضي، إلى درجة أن منحة السياحة صارت لا تتعدى الثلاث مئة فرنك فرنسي، وبدأت مظاهر الفقر تظهر أمام العيان خاصة في الجزائر العاصمة، حيث توقفت نهائيا مشاريع السكن والتشغيل وعرف الشباب أنهم أمام آفاق مغلقة، ولا أمل لهم في الشغل وفي السكن، وحتى في الهجرة إلى الخارج، خاصة أن الدولة أغلقت أبواب الإعلام في وجوههم، وكانت الصورة الظاهرية توحي أن البلاد في أحسن أحوالها، بينما باطنها كان معقدا جدا اجتماعيا واقتصاديا وسياسيا، وكل هذه الظروف مهّدت لاندلاع أحداث الخامس من أكتوبر 1988 التي هزّت العاصمة وحي باب الواد بالخصوص، وشارك فيها جامعيون وطلبة الثانويات، وأفرزت لأول مرة إعلان حالة الطوارئ على مستوى الجزائر العاصمة، وانتقلت أحداث العنف والمظاهرات إلى قرابة 70 بالمئة من التراب الوطني، وبقيت منطقة القبائل ومدن شرق البلاد، في عمومها بعيدة عن الأحداث لأنها عاشت ربيعها في عامي 1980 و1986.



المظاهرات التي عجلت بتعديل الدستور

وتوالت بعد ذلك الأحداث بسرعة منذ أن عرفت الجزائر أول وأكبر انتفاضة في تاريخها بعد الاستقلال، وأيضا أول انتفاضة شعبية في تاريخ المنطقة العربية، طالت الجامعات والمساجد وما زال التضارب إلى حد الآن، عن عدد القتلى، حيث صعُب إعطاء رقم حقيقي بين 159 إلى 500 قتيل، في الجزائر العاصمة فقط، وتم خلال الأحداث توقيف مالا يقل عن 3800 مواطن كلهم من الشبان والذكور، ولم يفرج في اليوم الأول إلا عن 923 وتمت محاكمة البقية في أجواء مشحونة.



وتم سحب البساط بعد الأحداث تحت أقدام المرحوم الشريف مساعدية والجنرال لكحل عياط كإجراء لامتصاص الغضب، وهذا في التاسع والعشرين من شهر أكتوبر، وسارع الشاذلي بن جديد إلى إجراءات التخفيف وكان أهمها إطلاق سراح المعتقلين، وتقديم دستور جديد للتعديل كان من أهم بنوده إقرار الديمقراطية والتعددية الحزبية، والحرية لوسائل الإعلام التي لم يكن فيها في الساحة، سوى جرائد الشعب والمساء والنصر والجمهورية باللغة العربية، والمجاهد وآفاق 2000 باللغة الفرنسية، إضافة إلى أسبوعيات رياضية وعامة، وأعطى الجزائريون بنسبة 92 بالمئة موافقتهم على تغيير الدستور، الذي أفرز بعد ذلك قرابة الستين حزبا غالبيتها ذات أبعاد عرقية ودينية.

وبعد شهر بالتمام والكمال على أحداث الخامس من أكتوبر تم تعيين الراحل قاصدي مرباح، رئيسا جديدا للحكومة واسمه الحقيقي، هو عبد الله خالف وهو من مواليد أفريل عام 1938، قبل أن يُغتال في أوت عام 1993، وبدأت الأحداث السياسية تتسارع فعاد في الشهر الموالي، الكثير من أنصار وأصدقاء الرئيس الأول للجزائر، أحمد بن بلة، كما تم ترميم العلاقات الديبولماسية مع مصر، تحت ضغط المجتمع الدولي بعد إحدى عشرة سنة من القطيعة، عقب الزيارة الشهيرة لأنور السادات إلى القدس المحتلة ومعاهدة السلام مع ميناحيم بيغن وجيمي كارتر، التي جعلت الجزائر من أوائل الدول التي قطعت علاقاتها مع القاهرة.

وحاول الشاذلي تقديم صورة أخرى للجزائر رغم أنه ترشح لوحده لرئاسيات 22 ديسمبر عام 1988، من خلال إعطاء أرقام بعدية عن قرابة المئة من المئة من المنتخبين بـ"نعم"، فأعطى رقم 82 بالمئة من الذين قبلوا مواصلته قيادة البلاد في غياب أي مترشح، وأيضا قبل ظهور الأحزاب السياسية ببضعة أسابيع فقط، ورغم ما بذلته الجزائر اقتصاديا خاصة المعاهدات التجارية لتبليغ الغاز الجزائري لدول البحر الأبيض المتوسط الشمالية، ومنها فرنسا بالخصوص، إلا أن الاقتصاد الجزائري بقي في الحضيض، وهو ما شكّل ضغطا على نظام الشاذلي بن جديد الذي عجز نهاية عام 1988 عن إخراج البلاد من عنق الزجاجة، واستغلت فرنسا الفرصة، فجرّت الجزائر إلى مستنقعات سياسية، وأيضا إلى تغيير بعض المواقف ومنها زيارة الرئيس الشاذلي بن جديد في الشهر الأول من عام 1989، أي بعد ثلاثة أشهر عن أحداث 1988 إلى المغرب، ولكن الحالة الاجتماعية بقيت معقدة وأصبحت الإضرابات ظاهرة جزائرية وكسّر الجزائريون حاجز الخوف من السلطة منذ أحداث أكتوبر 1988 حيث شهدت كل الولايات من دون استثناء احتجاجات خاصة في الجامعات.
 
رد: نقاط ظل جزائرية : اكتوبر 1988

لاتزال أحداث الخامس من أكتوبر 1988، تصنع الحدث حتى بعد ربع قرن من وقوعها، وأهميتها تكمن في أنها سبقت عصرها مقارنة بما حدث قبل سنتين في الكثير من الدول العربية، فضلا عن المساعي التي حاولت من خلالها السلطة، مؤخرا، استثمار تلك الأحداث في إبعاد شبح ما يسمى "الربيع العربي" عن اجتياح الجزائر.

رؤية السلطة في ذلك الوقت لأحداث أكتوبر، يمكن قراءتها من خلال الشهادة التي قدمها العميد المتقاعد محمد بتشين بعد ذلك بعشر سنوات.

وتنبع أهمية شهادات مسؤول بحجم العميد المتقاعد محمد بتشين، في كونه عين عقب أحداث أكتوبر على رأس المندوبية العامة للوقاية والأمن، فضلا عن كون بتشين هو الذي أمر بإجراء تحقيق في أعمال التعذيب التي رافقت وأعقبت تلك الأحداث، وأفضت إلى "نتائج مفيدة مدونة في وثائق رسمية".

ويعتبر العميد المتقاعد محمد بتشين، من المسؤولين البارزين الذين كانوا يتولون مناصب سامية في الدولة خلال أحداث الخامس من أكتوبر 1988، حيث كان الرئيس الأسبق، الشاذلي بن جديد، قد عيّنه أثناء تلك الأحداث، مساعدا لوزير الدفاع الأسبق، العميد المتقاعد خالد نزار، الذي كان يومها مكلفا بإقرار النظام في العاصمة، أكبر المدن المتضررة من تلك الأحداث، من حيث عدد الضحايا وكذا الخسائر التي طالت الممتلكات العامة والخاصة.



أهداف شيطانية وراء أحداث أكتوبر 1988

وينفي العميد المتقاعد في شهادته المدونة في جريدته الأصيل، أية مسؤولية له في ممارسات التعذيب التي تعرض لها بعض الناشطين في أحداث أكتوبر 1988، وأعلن استعداده تسليط الضوء على نقاط الظل التي لاتزال ترافق هذه الأحداث، كما قال إنه جاهز للمحاسبة إذا كان مذنبا، وذلك في عدد من الحوارات التي خص بها بعض الجرائد الوطنية والدولية في سنتي 1998 و1999، التي شهدتا هجوما مركزا وشرسا على الرجل، وكان من بين أبرز نتائج تلك "الحملة" استقالته من منصب الوزير المستشار لدى الرئيس السابق اليامين زروال، وإعلان نهاية حكم هذا الأخير، والذهاب لرئاسيات 1999 المسبقة التي جاءت بالرئيس بوتفليقة.



يقول الجنرال المتقاعد محمد بتشين، معلقا على أحداث الخامس من أكتوبر: "لقد كنت أثناء أحداث أكتوبر 1988، مديرا مركزيا لأمن الجيش (المنصب الذي كان يتقلده العميد جبار مهنة قبل التغييرات الأخيرة)، وهي وظيفة تختلف عن وظيفة مسؤول مصالح الاستعلام، التي كانت تحت الوصاية المباشرة لرئيس الجمهورية أنذاك".



المخطط بدأ في جويلية 1988

ويعرض الوزير المستشار لدى الرئيس السابق اليامين زروال في حوار أوردته يومية "الأصيل" التي كان يملكها صاحب الشهادة، وجهة نظره في تفسير أحداث أكتوبر، فيقول: "يوجد في جهة ما مركز حساس تثيره أهداف شيطانية، تسبّب في الأحداث المذكورة وقادها، لكن الأمور في النهاية فلتت من يديه وخرجت عن السيطرة".

ويعتقد المتحدث أن أحداث أكتوبر بدأ التحضير لها في شهر يوليو (جويلية) من نفس السنة بوضع "مخطط معين وتنفيذه في سبتمبر من السنة ذاتها"، مضيفا "سيأتي يوم لا محالة يسألون ويحاسبون عنه".

وتضيف الشهادة: "قناعتي هي أن الهدف المراد تحقيقه كان يتمثل في المساس بسمعة رموز الكفاح الوطني، وبالخصوص الجيش الوطني الشعبي"، غير أن الرجل يتوقف عن الخوض فجأة في هذا الملف، ويفضل ترك ما بحوزته من معلومات، ورقة لـ"ردع" خصومه الذين أشعلوا صيف عام 1998، حربا مركزة ضده من أجل إسقاط حكم الرئيس السابق، اليامين زروال، مشترطا أن يكون الإدلاء بمزيد من المعلومات حول "مسلسل الأحداث وكذا الأعداد والأسماء" أمام "لجنة محلّفين شرفية لا يمكن الطعن فيها"، مكتفيا بتقديم وجهة النظر الرسمية بشأن عدد الضحايا والذين قدر عددهم بـ190 ضحية.

ويعترف محمد بتشين، نائب القائد العسكري المكلف باسترجاع الأمن العمومي في العاصمة (خالد نزار)، بأن لديه "معلومات ثابتة ولا يحرجني أن أتطرق إلى هذا الموضوع، إذا كان الهدف حقا هو تنوير الشعب الجزائري"، ويضيف: "ماتزال ذاكرتي تحفظ أحداثا وأرقاما وأسماء. وهل هناك مثال واحد عن رئيس مصلحة مخابرات في العالم لم يحتفظ في ذاكرته الحية بما شهدته الفترة التي اجتازها من أحداث؟".



كيّفت دور المخابرات دستوريا

وبخصوص القراءات التي ذهبت إلى القول بأن تعيين بتشين على رأس مصالح الاستعلامات بعد الأحداث، كان الهدف منه قمع الانتفاضة ووأد العملية الديمقراطية الناشئة، يوضح صاحب الشهادة أن مهمته كانت تتمثل في "تكييف مصالح الاستعلامات مع السياق الدستوري الجديد المتميز بالتعددية الحزبية وملابساتها السياسية والاقتصادية والاجتماعية".

وتابع المتحدث، موضحا طبيعة مهمته الجديدة على رأس المخابرات: "كان المقصود هو القيام، إن صح التعبير، بتحضير مصالح الاستعلامات وأحكام احترافيتها، وتحقيق انفتاحها على المجموع وتثبيتها في دور المساعد للسلطة السياسية، وأذكر في هذا الصدد ثلاثة تدابير كمثال يدعم ما أقول.

فقد سحبتُ مصالح الاستعلامات من الحقل الاقتصادي لإجبارها على الانتشار في نطاق السرية والاهتمام بالمعلومات الاستراتيجية وألا تقوم بحسابات بقال.. لقد قمت وعززت الوسائل الملائمة لتنشيط عملية استقاء المعلومات ذات المصلحة الحيوية خارج الوطن..

لقد أسست وعززت المعهد العالي لتدريب أطر الأمن والاستعلامات وفتحه بشكل حازم على المجتمع المدني، وكثير من الشباب والقادة السامين في الوقت الراهن (الشهادة كانت في 1998) تلقوا فيه تداريبهم الأولى. كما طالبت بعودة الشخصيات التاريخية المقيمة في المنفى إلى الوطن وكان لي ما أردت، وعاد معظمهم إلى البلد".



ما يجب توفره في المخابرات الجزائرية!

ويشرح المسؤول السابق لمصالح المخابرات تصوره لما يجب أن يكون عليه هذا الجهاز الحساس في الدولة الناشئة ديمقراطيا، ويقول: "في المقام الأول، متطلب خلقي، أي على مصالح الاستعلامات أن تقبل المواطنين الجزائريين وأن تتعامل معهم باعتبارهم شركاء، صانعي الأمن الوطني، لا كأعوان مساعدين.

ومتطلب سياسي يجب أن تتجرد فيه مصالح الاستعلامات من السياسة وأن تتشبع مع ذلك بالوطنية، ويجب ألا تكون أطرها تابعة لأي حزب، أو مركز سلطة ما، أو مركز نفوذ ما. ومتطلب تقني أو فني، بمعنى أن تكون مصالح الاستعلامات ذات احترافية عالية من حيث التأطير البشري والوسائل المستعملة، وينبغي أن تكون مصالح الاستعلامات بطبيعة جوهرها، سلاحا من أسلحة النخبة.

ومن الطبيعي في مثل نظام ديمقراطي ناشئ، أن تكون المراقبة السياسية على هذه المصالح المخابراتية، مؤسسة تدريجيا عن طريق تمثيل وطني وحسب كيفيات وطرق ملائمة".



5 أكتوبر من متّهم إلى منقذ!

لقد وقفنا من خلال شهادة الجنرال المتقاعد والرجل الأول في المخابرات ما بين 1988 و1990، على توصيف السلطة في ذلك الوقت لأحداث أكتوبر الشهيرة، فهل بقي التوصيف ذاته بعد ربع قرن، أم أن المعطيات المحلية والظروف الإقليمية فرضت توصيفا جديدا لتلك الأحداث؟

عندما اجتاحت موجة الربيع العربي التي هبّت على الجارة الشرقية للجزائر، تونس، قبل أن تعصف بأنظمة العديد من الدول العربية، انقلب الخطاب الرسمي رأسا على عقب، وأصبحت أحداث أكتوبر بمثابة المخلّص، وهي التي كانت بالأمس القريب، مخططا بأهداف "شيطانية"، كما رددته سلطات 1988.

وقد رفع هذا التحليل العديد من الشخصيات الحكومية والبرلمانية والحزبية والجمعوية، وأصبح جميع هذه الشخصيات يعتبر أحداث أكتوبر "ثورة جزائرية" كان لها شرف الأسبقية على ثورات الربيع العربي، وكان الهدف من ترديد مثل هذا الخطاب، هو وضع الجزائر بعيدا عن أي حراك شعبي قد يودي باستمرارية النظام القائم.
 
رد: نقاط ظل جزائرية : اكتوبر 1988

ما الذي تغير منذ تلك الأحداث؟ .. نعيش نفس الحالة الإقتصادية لما قبل 86 .. النظام نفسه و الفساد نفسه ..
نفس المخاطر الإقتصادية أو ربما أسوأ ..
 
رد: نقاط ظل جزائرية : اكتوبر 1988

ما الذي تغير منذ تلك الأحداث؟ .. نعيش نفس الحالة الإقتصادية لما قبل 86 .. النظام نفسه و الفساد نفسه ..
نفس المخاطر الإقتصادية أو ربما أسوأ ..
الحقيقة المرة التي لا ينكرها الا جاحد هي ان البلاد تنتقل من سيئ لأسوء و تسير نحو الهاوية هذا الكلام لن يعجب اصحاب العنتريات الذين يخونوننا في كل مرة باسم الوطنية و . . . الخ
 
التعديل الأخير:
عودة
أعلى