مهم _الفقه الافتراضي بين مدرستي اهل الراي واهل الحديث

الرياضي

بكل روح رياضية
إنضم
8 فبراير 2010
المشاركات
4,699
التفاعل
938 0 0
الفقه الافتراضي
بين أهل الرأي وأهل الحديث

الفقه الافتراضي هو اجتهاد الفقيه في وضع الحكم الشرعي لما لم يقع بعد من الحوادث والنوازل المقدرة . ومثاله : ما كان حين نزل قتادة الكوفة ، فقام إليه أبو حنيفة ، فسأله : يا أبا الخطاب ‍ ما تقول في رجل غاب عن أهله أعوامًا ، فظنت امرأته أن زوجها مات ، فتزوجت ، ثم رجع زوجها الأول . ما تقول في صداقها ؟ وكان أبو حنيفة قد قال لأصحابه الذين اجتمعوا إليه : لئن حدَّث بحديث ليكذبن ، ولئن قال برأي نفسه ليخطئن . فقال قتادة : ويحك أوقعت هذه المسألة ؟ قال : لا . قال : فلِمَ تسألني عما لم يقع ؟ قال أبو حنيفة : (( إنا لنستعد للبلاء قبل نزوله ، فإذا ما وقع ، عرفنا الدخول فيه والخروج منه )) . (1)

أهل الحديث وتوقفهم عن الافتراض
نشأت مدرسة الحديث الفقهية في الحجاز في أواخر العصر الأموي ، وزعيمها الإمام مالك ، ومن بعده الإمام الشافعي ، والإمام أحمد ، وغيرهم . وتميز عمل هذه المدرسة الفقهي بما يلي :
1- الوقوف عند النصوص والآثار ، والتمسك بظواهرها ، دون بحث عن علة الحكم .
2- لا يلجئون إلى الرأي إن كان هناك نص أو أثر ، وإن رواه واحد فقط ، ما دام هذا الراوي ثقة عدلاً.
3- الاعتماد على رأى في حالات الضرورة القصوى ، والامتناع عن الفصل في المسائل التي لا حكم لها يعرفونه من الكتاب أو السنة ، أو الإجماع ، ولا رأى صحابي .
4- التوقف عن الخوض في المسائل التي لم تقع فعلاً .

أهل الرأي وتوسعهم في الافتراض

نشأت هذه المدرسة الفقهية في العراق في أواخر العصر الأموي أيضًا ، وزعيمها الإمام أبو حنيفة .وتميز عملها الفقهي بما يلي :
1- يذهب أهل الرأي إلى أن أحكام الشرع معقولة المعنى ، تشتمل على مصالح ترجع إلى العباد ، كما أنها بنيت على أصول محكمة وعلل ضابطة لتلك الحكم ، فكانوا يبحثون عن تلك العلل والحكم ، ثم يربطون الحكم بها وجودًا وعدمًا .
2- التشدد في قبول أخبار الآحاد ، وذلك لأن الكوفة لم تكن موطن الحديث كما كانت المدينة ، وفي الكوفة انتشرت كثير من البدع ، ووضعت الأحاديث لتعضيدها .
3- التوسع في استخدام القياس ، وافتراض حوادث لم تقع ، وإبداء الرأي فيها .
وقد أفادت هذه المدرسة في مرونة الفقه الإسلامي ، وتوسع نطاقه في الزمان والمكان ، وانتقاله من المرحلة الواقعية إلى المرحلة النظرية ، وذلك من خلال مجهود فقهائها الذهني الذي غطى أوجه الحياة كلها .

الافتراض في الكتاب والسنة وعند السلف
ورد في القرآن الكريم ما يفهم منه كراهة السؤال عما لم يقع ، في قول الله تعالى : { يا أيها الذين آمنوا لا تسألوا عن أشياء إن تبد لكم تسوؤكم .... } [ المائدة : 101] .
وفي الصحيحين ورد نهى النبي  عن السؤال عما لم يقع بقوله (( دعوني ما تركتكم ، إنما أهلك من كان قبلكم سؤالهم واختلافهم على أنبيائهم ، فإذا نهيتكم عن شيء فاجتنبوه ، وإذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم )) . وروى أحمد من حديث معاوية أن النبي  نهى عن الأغلوطات . وتشمل هذه الأغلوطات المسائل المفترضة لتغليط الخصم وتعجيزه ، والمسائل التي لا طائل وراءها . وكان عمر بن الخطاب يقول : " إياكم وهذه العضل ، فإنها إذا نزلت بعث الله إليها من يقيمها ويفسرها " . (2)
وأثر عن السلف كراهة الكلام فيما لم يقع ، وتوقفهم عن الإفتاء فيه ، فعن مسروق قال : سألت أبى بن كعب عن مسألة ، فقال : أكانت هذه بعد ؟ قلت : لا . قال : " فأَجِمَّني حتى تكون " . (3)
وعن خارجة بن زيد بن ثابت عن أبيه أنه كان لا يقول برأيه في شيء يُسئل عنه حتى يقول أنزل أم لا ؟ فإن لم يكن نزل ، لم يقل فيه . وإن يكن وقع تكلم فيه . (4) وقال ابن مسعود : " إياكم وأرأيت ، أرأيت، فإنما هلك من كان قبلكم بأرأيت ، أرأيت . ولا تقس شيئًا فتزل قدم بعد ثبوتها ، وإذا سئل أحدكم عما لا يعلم ، فليقل : لا أعلم ، فإنه ثلث العلم " . (5)
ورفض التابعون الجواب عما لم يقع ، كأن في الافتراض نجامة ، أو رجمًا بالغيب ، أو تحديا للمستقبل ، مخافة أن يحلوا حرامًا أو يحرموا حلالاً دون إلمام تام بالظروف ، وكان الشعبي يقول : احفظ عنى ثلاثًا . منها : إذا سئلت عن مسألة فأجبت فيها ، فلا تتبع مسألتك أرأيت ، فإن الله تعالى قال في كتابه : { أرأيت من اتخذ إلهه هواه } [ الفرقان : 43] . (6) وسأل عبد الملك بن مروان الإمامَ ابن شهاب الزهري ، " فقال الزهري : أكان هذا يا أمير المؤمنين ؟ قال : لا . قال : فدعه ، فإنه إذا كان أتى الله بفرج " (7)
ومن جانب آخر نجد أن الصحابة الكرام سألوا رسول الله  مسائل عما لم يقع لا تكاد تحصى ، وبين لهم أحكامها بالسنة ، مثلما في الحديث المتفق عليه عن رافع بن خديج أنه سأل النبي فقال : إنا لاقو العدو غدًا ، وليس معنا مدى ، أفنذكي بالليطة؟ (8) فقال النبي  : " ما أنهر الدم ، وذُكر اسم الله عليه فكل ، إلا ما كان من سن أو ظفر " . وروى الترمذي أن رجلاً سأل رسول الله  فقال : أرأيت إن كان علينا أمراء يمنعونا حقنا ، ويسألونا حقهم . قال : " اسمعوا وأطيعوا ، فإنما عليهم ما حُمِّلوا ، وعليكم ما حُمِّلتم " . وفي صحيح مسلم عن حذيفة بن اليمان قال : " كان الناس يسألون رسول الله عن الخير ، وكنت أسأله عن الشر مخافة أن يدركني .... " ، وفيه سأل حذيفة : "فما أفعل إن أدركني ذلك ؟ " وكان النبي  في أحيان كثيرة يخبر بداية بما سيقع ، ويدل على العمل المطلوب إزاءه .

أبو حنيفة رائد الفقه الافتراضي
وحين جاء أبو حنيفة توسع في تفريع الفروع على الأصول ، وافتراض الحوادث التي لم تقع إذ كان يرى أن وظيفة المجتهد تمهيد الفقه للناس ، والحوادث إن لم تكن واقعة زمن المجتهد ، لكنها ستقع لاحقًا . وكان له جرأة على توليد المسائل وافتراضها ، وأغرق في تنزيل النوازل ، ولم يتردد عن أن يستعمل الرأي في الفروع قبل أن تنزل ، وتشقيقها قبل أن تقع ، والكلام فيها ، والحكم عليها قبل أن تكون ، فاتسع الفقه الافتراضي النظري حتى بلغ ذروته ، وصار مستوعبًا للحوادث المتجددة والمستبعدة، ولذلك حين سئل رقبة بن مصقلة عن أبى حنيفة قال : " هو أعلم الناس بما لم يكن ، وأجهلهم بما قد كان " . (9)
وتبع أبا حنيفة على ذلك الافتراض الفقهي مدرسته ، تستعرض مسائل الفقه استعراضًا شاملاً ، وتجيب على فروضها الإجابات الضافية ، فلم تكتف بما يحدث من أحداث ، بل كأنها فرحت بما عندها من وسائل الاجتهاد ، وأدوات القياس ، والقدرة على التخريج ، فأباحت إثارة المسائل الفرضية ، تبدى فيها رأيها ، وتستعمل قياسها ، حتى فرضوا المستحيل وبعيد الوقوع ، مثل : إن قال رجل لامرأته : أنت طالق نصف تطليقة ، أو ربع تطليقة ، فما الحكم ؟ ولو قال : أنت طالق واحدة ، بعدها واحدة ؟ .. ونحو ذلك . كأن الأمر صار مرانًا عقليًا كمسائل الحساب والجبر والهندسة ، ومرنوا على ذلك مرانًا عجيبًا ، فكان لهم قدرة فائقة على قياس الأمر بأشباهه ، واستخراج العلل والأسباب ، ووجوه الفروق والموافقات ، وأكثروا الفروض في أبواب الرقيق والطلاق والأيمان والنذور ، كثرة لا حدَّ لها .
ومن هنا عرفت مدرسة أبى حنيفة بمدرسة ( الأرأيتيين ) ، أي : الذين يفترضون الوقائع بقولهم: (أرأيت لو حصل كذا ؟ أرأيت لو كان كذا ؟ ) فقد سأل مالكًا- رحمه الله- بعض تلاميذه يومًا عن حكم مسألة فأجابه ، فقال تلميذه : أرأيت لو كان كذا ؟ فغضب مالك . وقال : هل أنت من الأرأيتيين ؟ هل أنت قادم من العراق ؟ (10)

منهج أهل الحديث في الفقه الافتراضي
أما أهل الحديث فقد قاوموا الاتجاه إلى افتراض ما لم ينزل ، وقرنوه بالأغلوطات والمعضلات التي يذم من يشتغل بها ، وعدوا الاشتغال بذلك والاستغراق فيه تعطيل للسنن ، وبعث على الجهل بحقيقة الشريعة وأحكامها ، وترك الوقوف عليها والعمل بها ، ومدعاة للتكلف في الدين ، وهو مذموم في القرآن الكريم بقوله : { قل ما أسئلكم عليه من أجر وما أنا من المتكلفين } [ ص : 86] ، واستدلوا لمذهبهم بنهى النبي  عن الأغلوطات ، ونهيه عن القيل والقال وكثرة السؤال ، وبما رواه أبو داود في مراسيله أن النبي  قال : ((لا تعجلوا بالبلية قبل نزولها ، فإنكم إن لا تفعلوا ، أوشك أن يكون فيكم من إذا قال سدد أو وفق ، فإنكم إن عجلتم تشتتت بكم الطرق ههنا وههنا )) . واستدلوا أيضًا بكثير من الآثار ، منها ما جاء عن ابن عمر قال : " لا تسألوا عما لم يكن ، فإني سمعت عمر يلعن من سأل عما لم يكن " (11) وكان الإمام أحمد كثيرًا إذا سئل عن شيء من المسائل المحدثة المتولدات التي لا تقع يقول : " دعونا من هذه المسائل المحدثة " . (12) وروى أسد بن الفرات بعد أن قدم إلى المدينة على مالك ، أن ابن القاسم وغيره من أصحاب مالك كانوا يجعلونه يســـأله ، فـــإذا أجاب يقولون قل له : فإذا كان كذا ؟ فضاق علىَّ يومًا ، فقال لي : " هذه سليسلة(13) بنت سليسلة ، إن أردت هذا فعليك بالعراق " (14).
وعلى هذا الطريق كان فقهاء أهل الحديث يحذرون من الافتراضيين ، ويطلقون عليهم تسميات عدة مثل : ( الآرائيين) ، ( الهداهد ) ، ( الأرأيتيين ) ، ( أصحاب أرأيت ) ، وينهون تلاميذهم عن مجالستهم والأخذ عنهم واتباع طريقتهم ، قال أبو وائل : " لا تقاعد أصحاب أرأيت " ، وقال الشعبي : "ما كلمة أبغض إلىَّ من أرأيت " . وقال الشعبى أيضًا : " إنما هلك من كان قبلكم في أرأيت " . (15)

منهج جديد للفقه الافتراضي
ومع هذا الاختلاف بين المدرستين فإن عوامل كثيرة قربت بين أهل الرأي وأهل الحديث مثل الجدل والمناظرات التي كانت تقوم كثيرًا على فرض الفروض والحكم عليها بين الفريقين ، ومثل الرحلة في طلب العلم ، وأخذ بعضهم عن بعض ، فالشافعي مثلاً أخذ عن محمد بن الحسن ، وهذا الأخير أخذ عن مالك ، وأحمد بن حنبل أخذ عن محمد بن الحسن ، ولقي أسد بن الفرات صاحبي أبى حنيفة : أبا يوسف ومحمدًا ، وسمع منهما الفروع على الطريقة العراقية ، فمزج الفقهين معًا في "المدونة " مثلما فعل محمد بن الحسن في المدينة بمزج فقه مدرسته العراقية بفقه الحجازيين . ومن هنا بدأ الشافعية والمالكية في الافتراض ، وصار كل الفقهاء يغوص بحثًا عن المعاني ، وأكثروا البحث فيما وقع وما لم يقع ، وتناظروا في عويص المسائل ، وتوسعت كتب الفقه في تناول ما وضعه الحنفية من افتراضات بالبحث والمدارسة .
ويبين التاريخ ظهور غلاة من الجانبين خالفوا الحق وجمد فكرهم : فمن أتباع أهل الحديث من سدَّ باب المسائل حتى قل فهمه وعلمه لحدود ما أنزل الله على رسوله ، وصار حامل فقه غير فقيه . ومن فقهاء أهل الرأي من توسع في توليد المسائل قبل وقوعها ، ما يقع في العادة منها وما لا يقع ، واشتغلوا بتكلف الجواب عن ذلك ، وبكثرة الخصومات فيه ، والجدال عليه ، حتى يتولد من ذلك افتراق القلوب ، ويستقر فيها الأهواء والشحناء والعداوة والبغضاء . ويقترن هذا غالبًا بنية المغالبة وطلب العلو ، والمباهاة وصرف وجوه الناس . (16)

ومن هنا ندعو إلى منهج جديد في الفقه الافتراضي يقوم على الأسس التالية :
1- ألا تكون المسألة المفترضة مما يستحيل وقوعه ، بأن تكون متصورة الوجود في نفسها ، حتى يمكن تصور تحققها ووقوعها ، فلا يصح الافتراض لما يستحيل عقلاً ولا طبعًا ، نحو الجمع بين المتضادين ، فإنه بعيد عن تكليف الشارع وحكمته ، وهو قبيح ومحال عقلاً عند الحنفية ، وعند أهل الحديث هو محال عقلاً ، لا أنه قبيح . (17) ويستثنى من ذلك ما يظن أنه محال دون بينة ولا قرينة مما يختلف في تقديره أهل العلم . وكم من أشياء وقعت ، ظنها السابقون محالات أو لم ترد لهم على بال ، مثل الاستنساخ ، والكشف عن الجينوم البشرى ، وتحديد جنس الجنين في بطن أمه، واختراع الكمبيوتر والإنترنت وغيرها كثير !
2- إن كان في المسألة نص من كتاب الله ، أو سنة عن رسول الله ، أو أثر عن الصحابة الكرام، لم يكره الكلام فيها ، بل قد يجب بيانها بقدر الحاجة إليها .
3- إن لم يكن في المسألة نص ولا أثر ، وكانت محتملة الوقوع ، وغرض السائل الإحاطة بعلمها ليكون فيها على بصيرة إذا وقعت ، استحب الجواب عنها ، أو صار واجبًا بحسب الحاجة ، ولاسيما إن كان السائل يتفقه بذلك ، ويعتبر بالمسألة نظائرها ، ويفرع عليها ، فحيث كانت مصلحة الجواب راجحة كان هو الأولى(18).
ومن المسائل المفترضة التي يحتاجها الناس : حكم المرأة تموت ، وليس معها نساء ، ولا ذو محرم ، ولا زوج . وحكم الرجل بموت ليس معه إلا نساء . والحكم فيهما التيمم كما ذكره مالك في الموطأ . ومنها حكم من قدر على بعض الطهارة وعجز عن الباقي ، إما لعدم الماء ، أو لمرض في بعض أعضائه دون بعض ، فإنه يأتي من ذلك بما قدر عليه ، ويتيمم للباقي . سواء في ذلك الوضوء والغسل . ويطرد هذا في العبادات ، فإن من عجز عن فعل المأمور به كله ، قدر على بعضه ، فإنه يأتي بما أمكن منه لقول الله تعالى: { فاتقوا الله ما استطعتم } [التغابن 16] ، ولحديث النبي  : (( إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم ..)). وأما من فاته الوقوف بعرفة في الحج ، فهل يأتي بما بقى منه من المبيت بمزدلفة ورمى الجمار أم لا ؟ بل يقتصر على الطواف والسعي ، ويتحلل بعمرة ؟ على روايتين عن أحمد ، أشهرها أنه يقتصر على الطواف والسعي ؛ لأن المبيت والرمي من لواحق الوقوف بعرفة وتوابعه ، وإنما أمره الله تعالى بذكره عند المشعر الحرام ، وبذكره في الأيام المعدودات لمن أفاض من عرفات ، فلا يؤمر به من لا يقف بعرفة ، كما لا يؤمر به المعتمر . (19)


هوامش
1) تاريخ بغداد : الخطيب البغدادي ، ( 13/348) .
(2-4،7) جامع بيان العلم وفضله : ابن عبد البر ، ص ( 2/142-143) .
(5) إعلام الموقعين : ابن القيم ، ص ( 1/47) .
(6) جامع بيان العلم وفضله ( 2/147) .
(8) الليطة : الفلقة من القصب .
(9) جامع بيان العلم وفضله (2/145) .
(10) السنة ومكانتها في التشريع : د. مصطفي السباعي ، ص 403 .
(11) جامع بيان العلم وفضله ( 2/139) .
(12) جامع العلوم والحكم : ابن رجب ، ص 88 .
(13) سليسلة : تصغير سلسلة ، والمقصود بها هنا أن الأسئلة الافتراضية كحلقات السلسة يتصل بعضها ببعض ، وتتابع بلا نهاية .
(14) أبو حنيفة : عبد الحليم الجندي ، ص 234 .
(15) جامع بيان العلم ( 2/146،147 )
(16) جامع العلوم والحكم ، ص 88 .
(17) وانظر ميزان الأصول في نتائج العقول : علاء الدين السمرقندي ، ص 167 وما بعدها .
(18) إعلام الموقعين : (4/193) .
(19) جامع العلوم والحكم ، ص 92 .
(
 
التعديل الأخير بواسطة المشرف:
رد: مهم _الفقه الافتراضي بين مدرستي اهل الراي واهل الحديث

الإمام أبو حنيفة النعمان… إمام الرأي
مقدمة:
رأي الشيخ الإمام محمد أبو زهرة أن تاريخ الإسلامي لم يعرف إماما كثر مادحوه و كثُر ناقدوه مثل الإمام أبو حنيفة النعمان رضي الله عنه لأنه كان فقيها مستقلا سلك تفكيره الإجتهادي مسلكا مستقلا …
و لكن تاريخ الإسلامي و بعد أن إستوت مذاهبه و مدارسه أنصف أبا حنيفة فقيه العراق من كيد معاصريه له، بين الناس، و عند السلطان، و من افتراء الكذب عليه بعد وداعه للدنيا.
وقال عنه معاصريه إن أبا حنيفة كان رجلا فقيها معروفا ب ، واسع المال، معروفاً بالأفضال علي كل من يطيف به، صبورا علي تعلم العلم بالليل و النهار، حسن الصوت، قليل الكلام حتى يُسأل عن شيء من … تفتح و يسيل كالوادي وتسمع له دويا و جهاره بالكلام .
و قال عنه معاصروه (مليح بن وكيع ) كان أبو حنيفة عظيم الأمانة و كان يؤثر رضا ربه ولو أخذته السيوف .
و أبو حنيفة وصفه معاصره تلميذه الورع التقي (عبد الله بن المبارك ) بأنه (مُخ العلم ).
و روي التاريخ عن الأمام مالك أن أبا حنيفة وضع ثلاثا و ثمانين ألف مسألة الإسلامي، منها ثماني و ثلاثون ألف مسألة ( هي) أصل العبادات… و خمس و أربعون ألف مسألة (هي) أصل المعاملات .
هذا هو الأمام ((أبو حنيفة النعمان )) الذي منحته الأجيال لقب ((الإمام الأعظم )) فكيف عاش أو كيف كانت نظرته فقه الإسلام … ؟
ولد أبو حنيفة النعمان سنة 80 من الهجرة النبوية، بالكوفة أبوه فارسي النسب إسمه- ثابت بن زوطي – كان جده زوطي من كابل و هي مدينة بأفغانستان التي كانت تابعة لفارس و قد أُسر جده عند فتح العرب لبلاد فارس ثم أسلم و أُعتق ثم ولد أبو حنيفة النعمان حراً ومن قبله ولد أبوه حراً .
إذن كان أبو حنيفة من الموالي (غير العرب ) و الموالي زمانه كانوا هم حملة و لهذه الظاهرة أسباب:
فالعرب عصر الدولة الأموية كانت لهم السيادة و السلطان و كان عليهم الحرب و النزال فشُغلوا عن الدرس و البحث … و تقدم الموالي حيث كانوا ينتسبون إلي أمم عريقة ذات ثقافات و علوم و بفقدانهم سلطانهم بلادهم فقد لجأوا إلي العلم و المعرفة… يدفعهم ذلك حرمانهم للوصول إلي الكمال و بلغوا العلم و سيطروا به علي الفكر العربي الإسلامي تاركين للعرب الغُلب المادي و كان أبو حنيفة النعمان واحداً من الموالي .
و بالكوفة نشأ أبو حنيفة و بها تربي بيت أبيه تاجر الحرير، الموسر، و المسلم الحسن الإسلام ، و كان أبوه ثابت قد التقي و هو صغير بالكوفة بالإمام علي بن أبي طالب رضى الله عنه و رأي ثابت أباه زوطي و قد و ضع الإمام علي رضي الله عنه كفه علي رأس أبيه و دعا له بالبركة ه و ذريته .
و في سن الصبا حفظ أبو حنيفة القرآن الكريم و اخذ قراءته للقرآن عن عاصم احد القراء السبعة… و أشع عقله مجتمع يعيش فيه العرب و السريان و الفرس وأبناء خراسان و بلاد ما وراء النهر و تلتقي فيه فلسفة اليونان بحكمة الفرس و تتحاور فيه في العقائد مذاهب النصرانية و أراء الشيعة و الخوارج و المعتزلة ولقد راح ابو حنيفة يُجادل دفاعا عن الإسلام مع المجادلين و ينازل أصحاب الأهواء بفطرته السليمة المستقيمة .

و في سن الصبا و إلي سن الثانية و العشرين من عمره كان ابو حنيفة النعمان يشتغل بتجارة الحرير مثل أبيه … و بجانب ذلك كان يحضر حلقات العلم في المسجد في بعض الأحيان النادرة مثل عامة المسلمين إلي أن إستوقفه يوما الفقيه (إبراهيم الشعبي ) و قد رأي فيه ذكاء و لمح وراء ذكاءه عقلا علميا و قد نصحه الفقيه بقوله (لا تغفل و عليك بالنظر في العلم و مُجالسة العلماء فاني أري ك يقظة و حركة ) .
و وقعت نصيحة الشعبي موقعا طيبا من قلب أبي حنيفة و ترك أمر متجره إلي شريكه و اكتفى بمراجعته و الإشراف علي عمله من خلال ذلك الشريك و يفرغ جل وقته للتردد علي حلقات العلم… كان عُمر أبو حنيفة النعمان حين جلس إلي أستاذه حماد بن سليمان في مسجد الكوفة إثنين و عشرين عاما و قد عرف قدراً من النحو و الأدب و الشعر والحديث و قدراً اكبر في علم الكلام و استفاد بعد أن صار فقيها من قدرة علماء الكلام في المناقشة و الحوار و الجدل و ضرب المتشابهات في القياس… عليماً في فهمه لأصول الدين، و مجادلته ل الفرق حين يدخلون عليه مسجد الكوفة و هو منصرف إلى الفقه ابتغاء إحراجه و تكفيره في أصول الإعتقاد ولزم أبو حنيفة أستاذه حماد ملازمة تامة حتى مات بعد ثماني عشر سنة.
و مع ملازمة أبي حنيفة لحماد فقد جلس إلي غيره من الفقهاء و المحدثين و خصوصا التابعين الذين اتصلوا بالصحابة و كانوا ممتازين في الفقه و الاجتهاد فتلقي عنهم فقه عمر بن الخطاب و فقه عبد الله بن مسعود و فقه عبد الله بن عباس تلقاه عن أصحابهم من العرب و الموالي .
وكان أبو حنيفة كثير الرحلة إلي بيت الله الحرام حاجاً و لذلك كان يلتقي في مكة و المدينة بالعلماء و منهم كثيرون من التابعين و كان لقاؤه بهم لقاءً علميا يروي عنهم الأحاديث و يذاكرهم الفقه و يدارسهم ما عنده من طرائف وكانوا من مدارس مختلفة .
ولما توفي حماد أستاذ أبي حنيفة عام 120 هـ و كان أبو حنيفة في سن الأربعين وإثر وفاته أجلسه تلاميذ حماد و رفاقه في مجلس شيخه و شيخهم بمسجد الكوفة، و راح أبو حنيفة يدارس تلاميذه من الرفاق السابقين و القادمين الجدد ما يعرض له ولهم من فتاوي فقد كان يؤثر مشاركة الغير له في البحث عن الحق ويقيس الأشياء بأشباهها، و الأمثال بأمثالها، بعقل قوي و منطق سديد حتى وضع بهم و معهم الطريقة الفقهية التي اشتق منها المذهب الحن في (طريقة القياس و الرأي ) .
لم يكد ابو حنيفة النعمان يجلس في مجلس شيخه حماد بمسجد الكوفة فقيها مفتيا حتى قامت ثورات العلويين ضد الأمويين و كانت عواطف أبي حنيفة كإنسان و فقيه مع العلويين المضطهدين من بني أمية و استغرقت هذه الثورات عشر سنوات عاني فيها العلويين من الأمويين العذاب و تكبد فيها الأمويين من العلويين المشاق و كانت ثورات يؤازرها العلماء و الفقهاء في السر بالمال وفي العلن بالتأييد، و اشتدت الفتن و نال أبو حنيفة قسطا من الظلم وسُجن و جُلد ثم أفرج عنه و أعد نفسه وأهل بيته ودوابه للرحيل لسفر طويل ليلا إلي مكة و كان هروبه في سنة 130 هـ .
أقام أبو حنيفة بمكة ست سنوات و لحق به تلاميذه الحريصون علي علمه و الأخذ عنه ولم يستقر أبو حنيفة في الكوفة إلا في زمن أبي جعفر المنصور سنة136 هـ حين استقرت الأحوال بالعراق .
في عهد الخليفة المنصور صار أبو حنيفة عزيزا عليه، يدنيه منه و يعلي مكانته عنده و يرفع قدره في مجلسه، ويحاول بين حين و أخر أن يعطيه العطايا الجزيلة و لكن أبا حنيفة لم يكن يري أن يقبل الفقهاء هدايا الخلفاء و لذلك كان يرد عطاء المنصور و هداياه في رفق و حيلة سواء جاءت من المنصور بطريق مباشراً أو غير مباشر .
و انتهت أيام الصفو بين أبي حنيفة و المنصور حين سجن المنصور عبد الله العلوي.
و ظهرت تباشير هذه النهاية في الكلام القليل الناقم علي العباسيين الذي كان يخرج من شفتي أبي حنيفة بين الحين و الحين و يكشف عن ولائه لأبناء علي بن أبي طالب خاصة .


شخصية الفقيه :
توصف شخصية الفقيه بصفات تجعله في الذروة بين العلماء فقد كان من طراز الرجال الذين يسيطرون علي مشاعرهم ممن لاتعبث بهم الكلمات العارضة ولا تبعدهم عن الحق العبارات النابية.
وأية ضبط أبي حنيفة لنفسه و سيطرته علي مشاعره أن حية سقطت في حجره و هو جالس مسجد الكوفة فتفرق الناس لسقوطها من حوله و لكنه استمر في حديثه و نحاها بيده و كأنها ليست حية بها سم زعاف .
وآية سيطرته علي مشاعره انه كان يناقش مسألة أفتي فيها واعظ العراق الحسن البصري فقال أبو حنيفة:
"أخطأ الحسن ".
فانبري له رجل من بين الجالسين قائلا له في تعصب:
أأنت تقول أخطأ الحسن يا ابن الزانية ؟
ولم يتغير وجه أبي حنيفة و لم يؤاخذ الرجل علي حدته و قال مؤكدا في هدوء :
والله أخطأ الحسن وأصاب عبد الله بن مسعود.
ثم قال أبو حنيفة :
اللهم من ضاق بنا صدره فأن قلوبنا تتسع له.
و كان أبو حنيفة مستقلا في تفكيره فلم يكن يأخذ بفكره غيره إلا بعد أن يعرضها علي عقله… و لم يكن يخضع عقله كفقيه إلا لنص من كتاب أو سنة أو فتوي مجمع عليها من الصحابة.
عاش أبو حنيفة في عصرين كانت البلاد الإسلامية تموج فيهما بمسائل في الفكر الديني عقيدة و فقها و سياسة و علما وحياة اجتماعية… تموج بحضارات أمم و علومها و بشعوب مختلفة العادات والتقاليد و الأعراف و بفتن الصراع الديني بين السنة و الشيعة و الخوارج و الصراع الاجتماعي بين الأمويين و العلويين والعباسيين ثم بين العباسيين و العلويين و بعقائد هؤلاء و هؤلاء و سياستهم و بفقه هؤلاء و هؤلاء يتوقف الفقه هنا عند آراء السلف و يتجدد هناك عند اهل الرأي.

و كان علي" أبي حنيفة" أن يتمثل حصاد ذلك كله خاصة ما يتصل ب بالفقه الإسلامي عند اهل الحديث و عند أهل الرأي فلسوف يكون فقيها مفتيا، و الإفتاء في الفقه مرحلة عليا لا ينالها إلا الصابرون في طلب العلم و لايبلغها إلا من أحاط علما بحياة الناس و سياسة الناس و معتقداتهم.
و فقه أبي حنيفة بالعراق يعتمد علي مصادر من الكتاب و السنة وفقه الصحابة و القياس و الاستحسان و العُرف علي حين كان معاصره الإمام (مالك بن أنس ) يأخذ بالكتاب و السنة و فقه الصحابة و عمل أهل المدينة و القياس والاستحسان و المصالح المرسلة.
و لقد أُتهم أبو حنيفة في حياته و بعد وفاته بمخالفة السنة و لقد ن في أبو حنيفة عن نفسه هذه التهمة و يقول (إنا نأخذ أولا بكتاب الله ثم السنة ثم بأقضية الصحابة و نعمل بما يتفقون عليه فان اختلفوا قسنا حكماً علي حكم بجامع العلة بين المسألتين حتى يتضح المعني ) .
و فقه أبي حنيفة كان يميل إلي إطلاق الحرية الشخصية الملك و المال و الوقف وولاية المرأة لأمر زواجها بنفسها بشرط الكفاءة.
و فقه أبي حنيفة به فروع تكشف عن عقليته كتاجر خبير بالأسواق يُقسم وقته بين التجارة والفقه و العبادة قسمة عادلة في أخذه بالاستحسان في المعاملات و في عنايته بأحكام عقود البيوع علي أساس من الأمانة و حفظ الحقوق .
عاش أبو حنيفة خمسين سنة من حياته في العصر الأموي، و عشرين سنة في العصر العباسي لم يتوقف طوالها عن الإشتغال بالتجارة منذ أن شب عن الطوق إلي أن لقي وجه ربه .
لم يكتب أبو حنيفة أقواله الفقهية بيده بل قام بتدوينه تلاميذه و كانوا يقرأون عليه أقواله في الفروع و يبوبوها في كتب و يضيفون إليها في مؤلفاتهم و أقوالهم في الفقه الحنفي .
و من تلاميذ أبي حنيفة كان أبو يوسف و محمد بن الحسن الشيباني و علي الرازي و غيرهم كانوا من فرسان الفقه الحنفي الطبقة الأولي من العلماء الأحناف .

و بعد رحيل أبي حنيفة عن الدنيا اكتسب مذهبه نفوذاً في الدولة العباسية من وقت أن صار تلميذه أبو يوسف قاضياً للقضاة في عهود الخلفاء العباسين ( المهدي – الهادي – الرشيد ) و شاع في أكثر البقاع الإسلامية في مصر و الشام و بلاد الروم و العراق و ما وراء النهر و في الهند و الصين حيث لا منافس له و لا مز احم .

و قد بدأ مذهب أبي حنيفة يكتسب نفوذه في أول أمره بسبب اختيار الخلفاء للقضاة من أئمته و المجتهدين فيه ثم تجاوز هذا النفوذ الرسمي له بنشاط علمائه فيه و عملهم علي نشره.
 
التعديل الأخير بواسطة المشرف:
رد: مهم _الفقه الافتراظي بين مدرستي اهل الراي واهل الحديث


مدرسة الحديث
16.gif


سميت هذه المدرسة بمدرسة ؛ لكثرة روايتها الحديث في المدينة والحجاز ، ولقلة استعمال أهل هذه المدرسة للرأي ، فكانوا يكرهون الخوض بالرأي ، ويهابون الفتيا والاستنباط ، إلا لضرورة ملحة وحاجة واقعة ، واعتنوا بتحصيل الأحاديث ، ونقل الأخبار ، وبناء الأحكام على النصوص .
cir.png
كما سميت هذه المدرسة وعرفت بمدرسة المدينة أو الحجاز ، لأن المدينة مهد السنة ، ومأوى الفقهاء ، وبها جمهور الصحابة الذين عاصروا الرسول
salla.gif
، وحفظوا عنه الحديث وتناقلوه ، واقتدوا به صلوات الله عليه في أفعاله وتصرفاته، كما كانت تصدر فتواهم عن سنته
salla.gif
وأحاديثه ، فكان من الطبيعي أن يتأثر فقهاء هذه المدرسة من التابعين وتابعيهم بفقهاء الصحابة.

cir.png
ولشيوخ المدينة في الفقه والعلم مكانة لا يجاريهم فيها أحد ، فهم أهل السبق والفضل ، فلقد كان لمدرسة المدينة مكانة كبيرة عند الحكام والمحكومين، فخلفاء بني أمية كانوا يرجّحون علماء الحجاز وقولهم على علماء أهل الشام وقولهم ، وكذلك كان خلفاء من بني العباس كالمهدي والرشيد يرجحون علماء الحجاز وقولهم على علماء أهل العراق .
«وقد ذكر ذلك الشافعي وأحمد وغيرهما ، أن من تدبر أصول الإسلام ، وقواعد الشريعة ، وجد أصول مالك وأهل المدينة أصح الأصول والقواعد » ،

مفتو التابعين بالمدينة

num1.png
سعيد بن المسيب ( ت 93 هـ ) وهو رئيسهم وشيخهم .

num2.png
عروة بن الزبير ( ت 94 هـ ) .

num3.png
أبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام ( ت 94 هـ ) .

num4.png
عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود ( ت 98 هـ ) .

num5.png
خارجة بن زيد بن ثابت ( ت 95 هـ وقيل 99 هـ ) .

num6.png
القاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق ( ت 107 هـ وقيل 102 هـ ) .

num7.png
سليمان بن يسار ( ت 107 هـ ) .

cir.png
وتعتبر مدرسة الفقهاء السبعة المدرسة الفقهية الأولى في هذا العصر ، حتى سمي باسمهم ، فقيل : عصر الفقهاء السبعة لشهرتهم ولظهورهم على غيرهم ، فمن هؤلاء السبعة انتشر فقه أهل المدينة ، وعلى يدهم تخرج من جاء بعدهم من الفقهاء إلى أن انتهت إلى الإمام مالك

cir.png
آلت بعد ذلك زعامة مدرسة الحديث إلى الأئمة :
مالك بن أنس ، ومحمد بن إدريس الشافعي ، وأحمد بن حنبل ، وسفيان الثوري ، وابن شهاب الزهري ، ومجاهد ، وعطاء بن أبي رباح .

cir.png
من مشاهيرهم في القرن الثاني الهجري :
يحيى بن سعيد القطان ، ووكيع بن الجراح ، وسفيان الثوري ، وسفيان بن عيينة ، وشعبة بن الحجاج ، وعبد الرحمن بن مهدي ، والأوزاعي ، والليث بن سعد .

cir.png
ومن مشاهيرهم في القرن الثالث الهجري : علي بن المديني ، ويحيى بن معين ، وأبو بكر بن أبي شيبة ، وأبو زرعة الرازي ، وابن جرير الطبري ، والبخاري ، ومسلم ، والنسائي ، وأبو داود ، والترمذي ، وابن ماجه .

مدرسة أهل الحديث فى بغداد

لم تنحصر مدرسة أهل الحديث في إطار المدينة ، ولا في إطار الحجاز ، بل كان العلماء المنادون بها ، والقائمون عليها منتشرين في كل قطر ، غير أن أهل المدينة حتى عهد الإمام مالك كانوا أقوم بها من غيرهم ، فبعد موت الإمام مالك وأمثاله من علماء الحجاز ، برزت بغداد من المدائن ، كأبرز معقل لأهل الحديث، ويرجع ذلك إلى أن من سكنها أفشى السنة ، وأظهر الحديث ، أمثال: الإمام أحمد بن حنبل ، وأبي عبيد ، وغيرهما من فقهاء مدرسة الحديث.

مدرسة الرأى
16.gif

نشأت المدرسة في العراق وهي امتداد لفقه عبدالله بن مسعود الذي اقام هناك ، وحمل اصحابه علمه وقاموا بنشره . وكان ابن مسعود متأثرا بمنهج عمر بن الخطاب في الاخذ بالرأي والبحث في علل الاحكام حين لا يوجد نص من كتاب الله او سنة رسوله صلى الله عليه وسلم .
ومن أشهر تلامذة ابن مسعود الذين أخذوا عنه : علقمة بن قيس النخعي ، والاسود بن يزيد النخعي ، ومسروق بن الاجدع الهمداني ، وشريح القاضي ، وهؤلاء كانوا من ابرز فقهاء القرن الاول الهجري .
ثم تزعم مدرسة الرأي بعدهم ابراهيم بن يزيد النخعي فقيه العراق بلا منازع وعلى يديه تتلمذ حماد بن سليمان ، وخلفه في درسه ، وكان اماما مجتهدا وكانت له بالكوفة حلقة عظيمة يؤمها طلاب العلم وكان بينهم ابو حنيفة النعمان الذي فاق أقرانه وانتهت اليه رئاسة الفقه ، وتقلد زعامة مدرسة الرأي من بعد شيخه ، والتف حوله الراغبون في تعلم الفقه وبرز منهم تلاميذ بررة على رأسهم ابو يوسف القاضي ، ومحمد بن الحسن ، وزفر والحسن بن زياد وغيرهم ،وعلى يد هؤلاء تبلورت طريقة مدرسة الرأي واستقر امرها ووضح منهجها

27.gif


والحقيقة أن المدرستين (الرأي والحديث) قد تقاربتا إلى حدٍّ كبير، بعد أن لقي الصاحبان الإمامان أبو يوسف ومحمد الإمام مالكاً، وروى محمد الموطأ عنه، وبعد أن اقترب مالك من أصحاب الرأي بقوله بالمصالح المرسلة وعمَلِ أهل المدينة، وتخصيصه النصوص بمخصِّصات شتَّى! حتى قيل: لولا مالك لضاقت المسالك، وحتى قال الإمام محمد أبو زهرة في كتابه عن (مالك) إنه من أئمة الرأي، وهو محقٌّ في ذلك. ولذا أنصف مَن اعتبره من (فقهاء أهل الحديث) بل هو إمامهم.
ويعتقد علماء العصر الحديث أن مدرسة فقهاء الحديث التي يمثِّلها أمثال عز الدين بن عبد السلام، وابن دقيق العيد، وابن تيمية، وابن القيم، وابن كثير وأمثالهم - هي المدرسة التي تمثِّل «الوسطية الإسلامية»، التي تفهم النصوص الجزئية في ضوء المقاصد الكلية، ولا تقيم معركة بين السنة والقرآن، ولا بين صحيح النقل وصريح العقل، ولا بين الحديث والفقه وأصوله، بل تقيم منهجاً متكاملاً ومتوازناً يجمع أفضل ما عند المدرستين.
وهذا ما انتهجه شيخ الإسلام ابن تيمية ومدرسته، وقد دافع عن الأئمة المتبوعين المقبولين عند جمهور الأمة، وفي مقدِّمتهم أبو حنيفة، وذلك في كتابه الشهير (رفع الملام عن الأئمة الأعلام).
والله تعالى أعلى وأعلم
[/SIZE]
 
رد: مهم _الفقه الافتراظي بين مدرستي اهل الراي واهل الحديث

الفرق بين العلم والفكر


للشيخ/ صالح آل الشيخ


أولاً: العلم أدلته منضبطة أدلته معلومة هي ثلاثة عشر دليلا وبالتفصيل عشرون دليلا كما ذكر ذلك القرافي في كتبه الأصولية، أما الفكر فأدلته غير منضبطة الفكر سيَّاح

ترى مرة من أدلة المفكر حدث تاريخي ويستدل به على الحكم على نازلة وواقعة من الواقعات التي تحصل في هذا الزمن متى كان التاريخ دليلا؟ يأتي مفكر فيقول أهل بلد من البلاد كما ذكر المؤرخون أهل بلد من البلاد انصرفوا لما قلّ الخبز وكثر الجوع أو نحو ذلك بأن قاموا بمظاهرات عارمة فهذا أصل من أصول جواز المظاهرات في الإسلام حتى كان الاستدلال بمثل هذه الأشياء دليلا هذا فكر رأي وهذا الفكر غير صائب وهذا الرأي غير صائب لأنه استدلال بتاريخ والفكر غير منضبط الفكر سيّاح ممكن أنْ أقول أي كلمة وأستدل عليها بأي شيء ولكن الكلام ليس في أنْ تقول تعليلا وتفسيرا لرأيك لكن الكلام أنْ يكون هذا التفسير وهذا التعليل مقبولاً صحيحًا، يأتي آخر فيستدل بأنّ أهل الحديث تنكبوا عن الصناعات وتنكبوا عن الدخول في الإنتاج العلمي وقال إنه في تاريخ المسلمين ما أنتج التقدم ولا الحضارة ولا الاكتشافات ولا أثرى المكتبة إلاّ أصحاب العقل أي العقلانيون، فهم الذين شجعوا الصناعة وشجعوا الأفكار الحضارية وتقدموا وانتجوا الطب والرياضيات .. إلخ

فلا يعرف في المحدثين من كان كذلك فهذا دليل على أنّ مدرسة أهل الحديث مدرسة قاصرة عن أنْ تقود الأمة والمدرسة السلفية قاصرة عن أنْ تقود الأمة ، نعم هم في الأحكام في آراء لكن فيما نفع به الناس الأمة فإنما هم المعتزلة فالمعتزلة هم الحقيقون بقيادة الأمة في الزمن الماضي وفي الزمن الحاضر فالأفكار العقلانية هي التي تتقدم بالأمة وأما المحدثون أو الفقهاء فإنما هم مجرد وعاظ هذا حدث تاريخي أو تحليل تاريخي يستدل به ذاك على إبطال أصل من الأصول ودليل من الأدلة الذي فيه أنّ الفرقة الناجية إنما هم أهل السنة والجماعة وهم أهل العلم، وجود أولئك يحكم عليه أهل العلم هل هو جائز أم غير جائز، الصناعات لا يحرمها أهل العلم، والمعطيات الحضارية لا يحرمها أهل العلم ومن حرمها فلقصور نظره أو لبعده عن فهم مقاصد الشرع فأولئك يحكمون هم أطباء للقلوب، سائرون بالناس إلى الدار الآخرة فمن وجد ليقوِّم الحياة الدنيا ويعطي معطيات حضارية وصناعية واكتشافات طب وهندسة، وضوابط كيمائية وفيزيائية وفلكية في الأمة إلى آخره هذا إنما يحكم على فعله هل فعله صحيح أم غير صحيح ولا يعني أنّ ما ذكر من أنهم هم القادة بل القيادة معروفة إنما هي في الدين لأهل العلم لهذا ذلك الاستدلال الفكري هذا سيّاح غير منضبط، استدل بشيء من التاريخ في إبطال أصل من الأصول الشرعية وهناك من يقتنع بذلك ويردده في هذه المسألة.

الثاني من الفروق: أنّ العلم له أصول يوزن بها والفكر ليس له أصل يوزن بها إذا تكلم أحد في مسألة علمية فتستطيع أنْ تزن هل كلامه مقبول أم غير مقبول؟ هل كلامه قوي أم غير قوي؟ أما الفكر فما ضوابطه؟ ما أصوله؟ أريد أنْ أزن كلاما فكريا يعني من عامة الناس فيزن بأي شيء؟ لا يستطيع أن يصل إلى موازين معروفة، فالعلم له موازين هو أما الفكر فإنه غير منضبط وليس له موازين وأصول يُقيِّم بها إلاّ الرجوع إلى العلم فإنه هو الحكم عليه.

الثالث : العلم الأصل فيه المدح والأصل في أهله المدح وأما الفكر فهو الرأي والرأي الأصل فيه الذم وهذا فرقٌ عظيمٌ بين الأمرين.

الرابع: العلم حاكم على الفكر حاكم على الأفكار والرأي والفكر محكوم عليه وهذا فرق مهم بين هذا وذاك.

الخامس: وهذا تلخيص لما سبق العلم جامع ويجمع الأمة وينبذ الفرقة، ويقلل الاختلاف ويقلل المدارس المختلفة، أما الفكر والرأي فإنه يفرق ويزيد من المدارس ويزيد من الاختلاف وهذا الاختلاف وكثرة المدارس تنتج تحزبات تنتج آراءًا يتبعها مواقف شتى.

آخر كلمة في هذا البيان أنّ ما ذكر نريد منه الوصول إلى نتيجة مهمة ألا وهي أنّ العلماء في دين الأمة وفي مواقفها هم القادة هم الذين يُبَيِّنون للناس ما يحل ويحرم؟ ما ينبغي اتخاذه وما لا ينبغي اتخاذه، ما يجوز وما لا يجوز كيف تتخذ المواقف كيف يحكم على الأوضاع، على الأفكار إلخ العلماء هم المؤهلون لذلك هم المرجع في أمور الدعوة هم المرجع عند الاختلاف، هم القادة، وهم الدعاة يعني في أمر الدين، فإذا كان المفكرون هم قادة الدعوات، وإذا كان المفكرون هم رؤساء الجماعات فإنه لا شك سينتج….

الجماعات والمدارس في بعض البلاد كيف آل بهم الأمر أن يعادي بعضهم بعضًا وأن يقتل بعضهم بعضا –نسأل الله جلّ وعلا السلامة والعافية- إذًا المفكرون لا يصلحوا أنْ يكونوا قادة في أمر الدين لا يصلحون أنْ يكونوا حكامًا على الأوضاع حكامًا على الآراء حكاما على أهل العلم، المفكرون لا يجوز أنْ يتحكموا في مصير دعوة الله ودعوة الله مرجعها الكتاب والسنة والذين يفقهون الكتاب والسنة هم الذين يتأهلون لئن يقودوا الدعوة، فالمفكر ينبغي أنْ يقف عند ما حدّ له فإذا جاوز ذلك فإنّ مجاوزته عليه لا له، المفكر لا يصلح له أنْ يقيِّم المصالح والمفاسد لا يصلح أنْ يعرض بفكره المصالح والمفاسد، فيقول هذه هي المصلحة وهذه هي المفسدة، يقيم وضعًا اجتماعيًا يقيِّم دولة يقيم موقفا من المواقف، ويقول المصلحة في كذا والمفسدة في كذا ما دليلك على ذلك؟ والله هكذا نرى هكذا أدى إليه الرّأي والفكر، لا يجوز للمفكر أنْ يكون كذلك وإنما من يقيِّم المصلحة والمفسدة هم أهل الشرع لأنّ الشريعة كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية جاءت بتحصيل المصالح وتكميلها ودرء المفاسد وتقليلها، إذًا متى يصح من المفكر أنْ يفكر وأنْ يكتب؟ إذا كان محكوما بالعلم.

وفي النهاية نصيحة موجهة إلى شباب الأمة وإلى المفكرين وإلى أهل العلم أنْ يقوموا بواجب العلم وأنْ يقيموا الأمة على العلم وأنْ يوسعوا قاعدة العلم لأنّ الأمة أشد ما تكون حاجة إلى العلم والعلم هو القاعدة وقد قرّر ذلك جمع من العقلاء والمفكرين بعد أهل العلم فالجميع متفق على أنّ القاعدة التي تنطلق منها الأمة هي العلم ولكن من الذي يأخذ بذلك ؟ الناس بحاجة إلى العلم بحاجدة إلى العلم بحاجة إلى من يرجعهم إليه من يبينه لهم إلخ ذلك ، الفكر والكتابات الفكرية لابدّ أنْ تقيمها لا تعتمد على أفكار الكتّاب، لا تكن قراءتك في الكتب الفكرية هي الغالبة عليك في يومك وليلتك، إنما ليكن الغالب العلم، لأنّ العلم هو الذي ينور الصدور، أما الفكر فإنما هو رأي، وإذا جعلت العلم هو الأصل كان الفكر في مكانه الصحيح وكنت سائرا بتثقيف وبفكر يمكن أنْ تخوض به فيما يخاض به في المجتمع من الأفكار والأقوال لكن إنْ كان علمك قليلاً فإنك تكون ريشة في مهب رياح الأفكار وهذا لا شك يقود إلى خللٍ في الفكر وخلل في التفكير.

كتابات المفكرين الذين يكتبون الكتابات المختلفة من الموجودين المعاصرين أو ممن توفاهم الله جلّ وعلا يجب أنْ تضعهم في مكانهم الصحيح وأن لا تكون تلك الكتابات حَكما ولا مدرسة ولا قيادة وإنما هي شواهد وإنما هي أفكار يقبل منها ويرد.


 
عودة
أعلى