محمد الخامس بن يوسف الملك المقاوم

إنضم
19 يناير 2010
المشاركات
1,696
التفاعل
195 0 0
السلام عليكم و رحمة الله تعالى و بركاته في هدا الموضوع سنتناول ملك أسطورة لن ينساه المغاربة و لن ينساه التاريخ موضوعنا هو عن ملك المغرب 21 الملك محمد الخامس
Assoltan_sidi_mouhamed_ben_youssef.jpg

كبداية
سنقدم لكم تقديما عن حياة محمد الخامس
تقريبا جميع خطب الملك محمد الخامس
بعض المواقف للملك محمد الخامس
و دكرى وفاة محمد الخامس

ولد محمد الخامس بفاس 1909 و تلقى تعليما دينيا ثم أتقن اللغة العربية و آدابها و أصول الفرنسية
أصبح ملكاسنة 1927 و سنه لا يتجاوز 18 سنة
شارك في لقاء أنفا 1943 و قام برحلته التاريخية إلى طنجة 1947 و بعدها تعرض للنفي 20 غست 1953
عاد من النفى 1955
من أهم منجزاته تكوين أول حكومة مغربية و إصدار قانون الحريات العامة 1958 و تأسيس المجلس الإستشاري الذي شكل نواة مجلس النواب كما أحدث المجلس الدستوري لوضع مشروع الدستور 1960 و توفي سنة 1961


الفترة 1927 - 1961
ولادة 10 أغسطس 1909
مكان الولادة الرباط, المغرب
توفي 26 فبراير 1961 (العمر: 51 عاماً)
مكان الوفاة الرباط, المغرب
السلف يوسف بن الحسن
الخلف الحسن الثاني
عين والده يوسف سلطانا للمغرب بعد تنازل السلطان عبد الحفيظ بن الحسن عن العرش مباشرة بعد توقيع معاهدة الحماية. وقد تقلد محمد بن يوسف يوم 18 أغسطس 1927 العرش بعد وفاة أبيه. ساند السلطان محمد بن يوسف نضالات الوطنيين المطالبة بتحقيق الاستقلال، الشيء الذي دفعه إلى الاصطدام بسلطات الحماية . وكانت النتيجة قيام سلطات الحماية بنفيه خارج أرض الوطن. وعلى إثر ذلك اندلعت مظاهرات مطالبة بعودة أب الحركة الوطنية إلى وطنه. وأمام اشتداد حدة المظاهرات، قبلت السلطات الفرنسية بإرجاع السلطان إلى عرشه يوم 16 نوفمبر 1955. وبعد بضعة شهور تم إعلان استقلال المغرب
.
بعض مواقف الملك محمد الخامس و الأحدات التي حدتت له
مظاهر ثورة الملك والشعب
t-ph_armee005.jpg

ب
عد إعلان نبأ تنحية سلطان المغرب الشرعي سيدي محمد بن يوسف وتنصيب محمد بن عرفة كسلطان مزيف، انتفض الشعب المغربي قاطبة ضد الإجراء واستنكروا تجرؤ الفرنسيين على المس بكرامتهم والنيل من رمز سيادتهم. لذلك اندلعت أحداث مؤلمة وفي بعض الأحيان عفوية ضد الفرنسيين. كما شنت إضرابات عديدة شلت مختلف القطاعات الحيوية لاقتصاد البلاد. ونظمت عمليات للمقاومة أدت إلى استشهاد العديد من الوطنيين أثناء مقاومتهم للاستعمار، أمثال علال بن عبد الله والزرقطوني. ولهذا السبب أطلق على حركات المقاومة هذه اسم "ثورة الملك والشعب". وقد قررت سلطات الحماية إطلاق حملة من الاعتقالات في صفوف الوطنيين منذ 10 غشت 1952، ونفي رمز الأمة المغربية سيدي محمد بن يوسف وولي العهد آنذاك الأمير مولاي الحسن وصنوه الأمير مولاي عبد الله وكافة أفراد العائلة الملكية خارج الوطن يوم 20 غشت​
:: تنحية السلطان سيدي محمد بن يوسف
حينما اختار السلطان الامتناع عن توقيع الظهائر والمصادقة على قرارات الإقامة العامة واتجاهه العلني نحو اتخاذ موقف مساند لسياسة حزب الاستقلال، قررت سلطات الحماية تنحيته وتنصيب مكانه سلطانا مصطنعا يعمل كدمية تحت تصرفها. واستعانت من أجل ذلك بالأعيان الموالين لها والمجتمعين وراء عميلها الكلاوي باشا مدينة مراكش. فقد اجتمع يوم 20 مارس 1953 بالمدينة باشوات المدن المغربية الكبرى إضافة إلى عشرين قائدا، حيث حرروا عريضة تسير في اتجاه سحب الشرعية الدينية عن السلطان سيدي محمد بن يوسف كإمام
نفي جلالة السلطان محمد بن يوسف وعائلة
t-ph_4_G.jpg

بعد رفض جلالة السلطان سيدي محمد بن يوسف للإصلاحات المزعومة التي باشرتها سلطات الحماية وعلى إثر فشل المفاوضات مع المسؤولين الفرنسيين، لم يبق أمام السلطان إلا العمل على إعلان معارضته للتوجهات الفرنسية بقيامه بسن سياسة رفض التوقيع على الظهائر.
رغم أن الإقامة العامة تعهدت بالتطبيق الحرفي لمعاهدة الحماية الموقعة بفاس على أساس "مساندة جلالته الشريف وحمايته ضد الأخطار المهددة لشخصيته أو لعرشه والعمل على ضمان طمأنينة إيلاته" (الفصل الثالث من المعاهدة). لقد قرر الجنرال كيوم تنحية سلطان المغرب. وباتفاق مع الحكومة الفرنسية، أبعد سيدي محمد بن يوسف عن المغرب يوم 20 غشت 1953 على الساعة الثالثة بعد الزوال، حيث أقل هو وعائلته في طائرة عسكرية باتجاه كورسيكا قبل أن ينقل من جديد، يوم 2 يناير 1954 إلى مدغشقر. غير أن الحكومة الفرنسية انتقدت بشدة هذا الإجراء الذي اتخذه كيوم مما كلفه الإقالة وتعيين فرانسيس لاكوست مكانه سنة 1954.
أثناء فترة المنفى التي دامت من 20 غشت 1953 إلى 16 نونبر 1955، كان ولي العهد مولاي الحسن مرافقا لجلالة محمد بن يوسف في كل اللقاءات التي كان يجريها، إذ قام فيها بدور المستشار. كما شارك في كل المفاوضات التي تمت بكورسيكا ومدغشقر وأيضا في النقاشات الرسمية وغير الرسمية
كان لنفي جلالة السلطان محمد بن يوسف أثر قوي في تصعيد المقاومة ضد المحتل. فالمظاهرات التي قام بها الشعب المغربي قاطبة ضد المحتل، وبتأطير من حزب الاستقلال، أخذت تؤرق أكثر مما كان في السابق سلطات الحماية. فقد اندلعت انتفاضات قوية في مناطق متعددة من المغرب. وكانت أقوى انتفاضة هي تلك التي حدثت في وجدة يوم 16 غشت 1953، بتنظيم مناضلين من حزب الاستقلال. وقد طال الساحة السياسية المغربية نوع من الشلل والاضطراب الناتجين عن أجواء الاستياء العارم المصاحب لإبعاد السلطان عن البلاد. وقد قام الشعب المغربي بعرقلة إقامة حفل عيد الأضحى ضدا على إمامة السلطان الدمية لصلاة العيد ونحر الأضحية. إذ ظهر خلال المناسبة أن ابن عرفة غير مؤهل أن يكون سلطانا للمغاربة، لسبب بسيط هو أنه لا يتوفر على السلطة الشرعية التي كانت مجتمعة في شخصية جلالة المغفور له سيدي محمد بن يوسف. لقد أحدثت إذن تنحية سيدي محمد بن يوسف انطلاق نوع جديد من المقاومة المغربية أعطى شكلا جديدا من الوفاء والارتباط بالسلطان الشرعي للمغرب
التوابع السياسية لنفي محمد الخامس
اعتبرت عملية تنحية السلطان عن العرش من الناحية السياسية خطأ استراتيجيا. فرغم أن الإقامة العامة قد أضفت على الإجراء طابعا شرعيا بدفع بعض العملاء وبعض العلماء الاعيان إلى مساندة موقفها، فإن المغاربة لم يعترفوا بتولية ابن عرفة سلطانا. من الناحية السياسية الدولية، بدأت كل من الولايات المتحدة وبريطانيا في التخلي عن سياستها المتحفظة تجاه ما كان يجري في المغرب. إذ بدأت الدولتان بإعلان معارضتهما للقرارات التي كان يتخذها المقيم العام جوان منذ بداية سنة 1951. ولم يعترف دبلوماسيو هاتين الدولتين بالعريضة التي وقعها الأعيان، إذ اعتبروها محاولة فقط من سلطات الحماية لإجبار السلطان على قبول مخططاتها وذلك بالتوقيع على الظهائر. أما معارضة الدول العربية والآسيوية، فإنها تمثلت في شنها لحملة شرسة عبر الصحافة والإذاعة ضد الإجراء الفرنسي. فما إن أعلن عن نبأ تنحية السلطان حتى أدان زعيم الحركة الوطنية علال الفاسي عبر إذاعة القاهرة في برنامج صوت العرب إبعاد السلطان هو وعائلته عن الوطن. وأما جامعة الدول العربية، فقد عبرت عن تخوفاتها إزاء تطورات القضية المغربية وبدأت في الإلحاح على ضرورة استقلال المغرب. ومنذ 21 أغسطس 1953، أظهرت 15 دولة عربية آسيوية عضو في هيئة الأمم المتحدة انشغالها بمستقبل الاستقرار السياسي بشمال إفريقيا بعد عملية نفي محمد بن يوسف. وعلى مستوى العلاقات السياسية بين فرنسا وإسبانيا، حدث الأمر نفسه. فحسب الوفق الذي أبرم بين البلدين يوم 27 نوفمبر 1912، فقد حدد أنه يتعهد البلدان بالتزام " الاحترام إزاء الإمبراطورية الشريفة"، في المنطقتين، الخليفية التابعة للحماية الإسبانية، والجنوبية، الخاضعة للحماية الفرنسية. وقد استقبلت عملية تنصيب سلطان جديد على المغرب بإسبانيا بنوع من الاستياء، إذ اعتبرته سلطات مدريد إعلانا لنوع من العداء ضدها. مما دفعها إلى تنظيم عملية توقيع عريضة مشابهة لتلك التي تمت بمراكش في المنطقة التي تخضع لسيطرتها. وتمكنت من جمع 430 توقيعا من باشوات وأعيان المنطقة الخليفية ركزت فيها على تثبيت فكرة " تنحية السلطان الشرعي محمد بن يوسف، نتيجة للدسائس التي حاكتها الإقامة العامة " ورفض " سلطة ابن عرفة … والتي فرضتها فرنسا ضد إرادة الشعب المغربي". ثم أعلنت العريضة "أحقية السيادة التي يتمتع بها المهدي بن إسماعيل على المنطقة الخليفية"، وذلك تحت إمرة سلطة فرانكو.

مؤتمر إيكس ليبان
t-ph_Approbation05.jpg

ب
عد اشتداد الأزمة السياسية بالمغرب، عقب الفراغ المؤسساتي الحاصل إثر رفض المغاربة الإعتراف بابن عرفة كسلطان، رضخت السلطات الفرنسية لمبدأ قبول التفاوض مع الشخصيات السياسية المغربية والممثلة للتوجة الراغب في تسيير المغرب من طرف أبنائه وتوجيهه نحو الاستقلال. ولذلك عقد لقاء بين الأطراف المغربية والفرنسية في مؤتمر إيكس ليبان بفرنسا، أسفر بعد نقاشات انطلقت يوم 23 غشت 1955 ودامت خمسة أيام عن اتخاذ قرار تنحية ابن عرفة عن العرش ، إضافة إلى تشكيل حكومة وطنية مغربية تضم مختلف المكونات السياسية وذلك في أفق التفاوض مع الحكومة الفرنسية من أجل إدخال إصلاحات على نظام الحماية. وكان الوفد الفرنسي المفوض الذي حضر مناقشات إيكس ليبان يتكون من إيدكار فور رئيس الحكومة والسيد بيناي، وزير الشؤون الخارجية والجنرال كوينغ وزير الدفاع وروبيرت شومان وبيير جولي. بينما كان الوفد المغربي يتشكل من 37 شخصية كان من بينهم مبارك البكاي، الحاج الفاطمي بنسليمان والحاج محمد المقري إضافة إلى ممثلي الأحزاب: عبد الرحيم بوعبيد ومحمد اليازيدي وعمر بن عبد الجليل والمهدي بن بركة من جانب حزب الاستقلال، وعبد القادر بن جلون واحمد بن سودة وعبد الهادي بوطالب ومحمد الشرقاوي من طرف حزب الشورى والاستقلال. إلى جانب الشخصيات السياسية وجد بعض العلماء كالسيد جواد الصقلي وحميد العراقي. كما ضم الوفد القائد العيادي وعباس
:: موافقة السلطان سيدي محمد بن يوسف على مخطط إيكس ليبان
كان المخطط الذي خرجت به مفاوضات إيكس ليبان ينتظر لكسب الشرعية القانونية، المصادقة من طرف سلطان المغرب الشرعي. فمادام أن السلطات الفرنسية قد وقعت معاهدة الحماية مع السلطان في شخص مولاي عبد الحفيظ سنة 1912، فقد كان لزاما عليها من الناحية القانوية أن يتم التفاوض على مبدأ الاستقلال مع سيدي محمد بن يوسف. ففي هذا الإطار استقبل جلالته في يوم 5 سبتمبر 1955 وفدا فرنسيا مفوضا يضم الجنرال كاترو وهنري يريسو، إضافة إلى الوفد المغربي المشكل من السيد مولاي حسن بن إدريس ومبارك البكاي والفاطمي بن سليمان وعبد الهادي بوطالب وعمر عبد الجليل وعبد الرحيم بوعبيد. وجاء هذان الوفدان من إجل إبلاغ السلطان عن النتائج التي توصل إليها الطرفان المتفاوضان والحصول على التعليمات التي يجب اتباعها. وبعد مشاورات طويلة لعب فيها ولي العهد آنذاك مولاي الحسن دورا أساسيا في توجيه الموقف الذي اتخذه سيدي محمد بن يوسف من المخطط، وهوالموافقة على المخطط مع التحفظ بإعلان ضرورة بقاء مجلس العرش مؤقتا إلى حين عودة السلطان إلى أرض الوطن
:: العودة المظفرة لسيدي محمد بن يوسف
t-ph_leretour.jpg

إن قرار الإقامة العامة بنفي السلطان سيدي محمد بن يوسف، والذي تم في فترة متزامنة مع مناسبة الاحتفال بعيد الأضحى، قد أدى إلى انتشار سخط عارم وسط الشعب المغربي. واجه السلطان سيدي محمد بن يوسف هذا الحدث الأليم الذي وقع في تاريخنا الوطني بعزم وثبات معتمدا على إيمانه وإخلاص شعبه الوفي الذي لم يقبل أبدا أن يبعد عنه الأب الروحي للوطنية المغربية. ففي هذا السياق، اندلعت أحداث دموية في العديد من المدن والبوادي. وأمام هول وشراسة المقاومة، لم يجد الفرنسيون بدا من الرضوخ لفكرة إعادة السلطان الشرعي سيدي محمد بن يوسف إلى بلده والعدول عن فكرة إبعاده عن العرش. وفي هذا الإطار عاد سيدي محمد بن يوسف عودة الإمام المظفر إلى أرض الوطن يوم 16 نونبر 1955 ليعلن بذلك بداية أفول الاستعمار وبزوغ شمس الاستقلال
تشكيل أول حكومة في المغرب المستقل
t-ph_formation.jpg

قام مبارك البكاي يوم 6 نونبر 1955، تحت إمارة السلطان سيدي محمد بن يوسف بتشكيل أول حكومة وطنية. وكان الهدف الرئيسي لهذه الحكومة هو متابعة المفاوضات مع سلطات الحماية من أجل استرجاع استقلال البلاد، إضافة إلى بناء الدولة المغربية وتنظيمها. وقد كثف من أجل ذلك السلطان سيدي محمد بن يوسف وبجانبه ولي العهد آنذاك، مولاي الحسن مجهودات جبارة ومتواصلة، أثمرت بتوقيع عقد الاستقلال في يوم 2 مارس 1956 بالكي دورسي
وفاة جلالة الملك محمد الخامس

ذكرى وفاة الملك محمد الخامس في يوم الأحد 10 رمضان عام 1377 ه الموافق 26 فبراير1961توفي على اثر عملية جراحية أجريت له بالقصر الملكي وقد أعلن ولي العهد نبأ الوفاة عبر أمواج الإذاعة الوطنية وتلقى الشعب المغربي هذا النبأ بمرارة إذ كان خبر وفاة ملكه صدمة هزت البلاد من أقصاها إلى أقصاها وفاجعة لم تقو قلوب المغاربة على تحملها وقد خيم على البلاد كلها جو من الحزن والاسى ولم تكن وفاة محمد الخامس فاجعة أصيب بها الشعب المغربي وحده بل كانت نكبة حلت بكل الشعوب الافريقية والعربية والإسلامية ذلك لأنها فقدت فيه بطلا من الأبطال المناضلين وزعيما كرس كل حياته لمقاومة الاستعمار.
و نسمع نحن كمغاربة أن الناس كانت ترمي بنفسها من فوق المباني حزنا على موت الملك محمد الخامس
 
رد: محمد الخامس بن يوسف الملك المقاوم

خطب جلالة الملك محمد الخامس
جلالة السلطان محمد الخامس يخاطب شعبه الوفي من طنجة : 10 أبريل 1947
الثلثاء 6 كانون الثاني (يناير) 2004, بقلم المركز المتعدد الوسائط

الحمد لله وحده والصلاة والسلام على رسول الله

من النعم التي لا يفي بواجبها الا متواصل الشكر، نعمة الاجتماع بين قلوب اتحدت وجهتها، وصفت محبتها، وأخلصت له عملها، ذلك وصف المومنين الذين قال فيهم ربنا جلت قدرته: الا ان أولياء الله لا خوف عليهم ولاهم يحزنون، الذين آمنوا وكانوا يتقون لهم البشرى في الحياة الدنيا وفي الآخرة، لا تبديل لكلمات الله، ذلك هو الفوز العظيم. يمتاز المومن بين أفراد البشر بكمال اليقين، واطمئنان الضمير، والاعتماد على ربه في حركاته والسكنات، في مسراته وكدر الحياة، يعلم أن الله سبحانه بين له ما يتجه اليه من الواجبات، يقوم بتأديتها ويتيقن بعد بأن الباري جل جلاله لا يضيع أجر من أحسن عملا، فما علينا اذن الا أن نزكي العمل بعد توطيد اليقين، لنكون حقا من عباد الله المومنين. فاضت على المسلمين أهوال بلغت من الشدة أقصاها، ورمتهم يد النائبات فأصابت الكوارث مرماها، كان العلم بيننا منبثق الانوار، متبلج الاسرار، فهجرناه حتى أظلمت سبلنا وعظمت بالجهل حيرتنا، كان العدل مخيما في اعطاننا، منشورا في عرصات أوطاننا مبذولا للعاكف والباد، متمتعا به كل العباد، فاحرفنا عن سواء سبيله حتى حل الظلم في نادينا واستحالت الى الاجحاف بالحقوق مبادئنا، كان الاحسان الى البؤساء ضاربا أطنابه في الحواضر والبوادي، مزدانا بالكرم والانفاق في سبيل الخير كل نادي، فتملك الشح الانفس فأشقاها، واستولى الايثار على الهمم حتى بلغت من الخذلان منتهاها، مهدنا لشقائنا سببا، حتى تفرقنا ايدي سبا، ولم تقتصر الكوارث النازلة بنا على ابعاد المشرقي على المغربي بل ابت الا أن تمزق وحدة بلاد كانت تصول بالاتحاد وتزدان بتماسكها بين البلاد، فأصبح الفرد منا غريبا عن أخيه الشقيق، نازحا عن موطنه لا يصل اليه بأي طريق، فسلبنا بعظيم غفلتنا أشرف الحقوق وتمزقت وحدة بلادنا بما جنيناه عليها من العقوق، وكذلك كنا نقضي ايام الحياة كمدا، لما تفرقنا في كل الشؤون طرائق قددا، الا أن الباي جل علاه رحمنا بالهام الرشاد، لما ولانا بأمر هذه البلاد فسعينا جهد المستطاع في تلافي الاحوال، مرشدين الى سر النجاح في الحال والمآل، مهتدين بتعاليم ديننا الحنيف، الذي ألف بين قلوب المسلمين، ووفق الامة العربية المسلمة الى التعاضد والتكاتف والتعاون حتى وضعت أسس تلك الجامعة الرشيدة، التي متنت العلاقات بين العرب اينما كانوا ومكنت ملوكهم ورؤساهم في الشرق وفي الغرب من توحيد خطتهم، وتوجيه سيرهم نحو الهداية الدينية، والعزة الاسلامية، والكرامة العربية، وأخذنا العهد على أنفسنا ببذل كل الجهود في استرداد مجدنا الغابر، باحياء المهج وارشاد الضمائر، وانضاج الافكار وتنوير البصائر، ولما علمنا أن لا حياة لهذه الامة الا بما تقدم به سلفها الكريم أخذنا على عاتقنا نشر العلم سواء منه الجديد والقديم، هذا لنتوفق به الى تحلية النفوس بأنوار اليقين ومكارم الاخلاق، وذلك لاكتساب وسائل السعي الى الامام في كل سبل الرقي والارتزاق، فأخذت بحمد الله وكمال عونه كل النفوس تحيا بحسن النتائج في تربيتها. وتطمح الى المزيد في السير الى نشرتها، فتأسست مدارس يتلقى فيها الشباب المغربي بذور الصلاح، وأخذت تلوح في افق الرشاد شموس الفلاح، واستيقظت الامة متنبهة لحقوقها، وسلكت لادراك مجدها أنفع طرقها، ولكن شتان مابين ما حصلته في ذلك السبيل ومنتهى مرماها، فانما هي في فاتحة الجهود وكم ينبغي لها أن تبذل قبل أن تحمد سراها، ثم اذا كان ضياع الحق في سكوت أهله عنه، فما ضاع حق من ورائه طالب، ان حق الامة المغربية لا يضيع ولن يضيع، فنحن -بعون الله وفضله- على حفظ كيان البلاد ساهرون، ولضمان مستقبلها الزاهر المجيد عاملون، ولتحقيق تلك الامنية التي تنعش قلب كل مغربي سائرون، فما علينا الا أن لا نني في الجد وراء ما يجب للوطن من السعي الحميد، ولا نزال دائبين لادراك ما نطمح اليه من حفظ مجدنا القديم وتحصيل الجديد، ولنشمل كل النواحي المغربية بكامل رعايتنا، برهنا بالوقوف على كل شؤونها على جميل عنايتنا، فانتقلنا عند كل مناسبة الى كل جهاتها من مغربها الى المشرق، وآن أن نزور عاصمة طنجة التي نعدها من المغرب بمنزلة التاج من المفرق، فهي باب تجارته ومحور سياسته، وعنوان محاسنه الوهاجة، وفي صفحات مجده أجمل ديباجة، بنيت في أول العهود من تاريخ البشر، طالما ازدهى المغرب ببهجتها وافتخر، فجددنا بها عهد زيارة جدنا المقدس مولاي الحسن، لنزيل عن عين غفلتها الوسن، لذلك اممنا وجهتها الميمونة، لنتفقد شؤونها المصونة، حاملين الى ساحتها بشائر العناية، ونزف الى سكانها براهين الاعتبار والرعاية، ليعلموا أنهم في صف الملحوظين بين رعايانا المخلصين، وفي طليعة المميزين بقوي النجدة بين العاملين، جئنا نتفقد شؤون طنجة وكل أرجائها تفقد الاب الحنون، الذي يشعر بكل ماعليه من الواجبات، المستعد للقيام بتنجيزها ليريح ضميره ويرضي ربه، وينهض ببلاده نهضة تسترد ما مضى لها من مجد، وما يجب أن تطمح اليه من استرداد الحقوق، وسعي الى تقدم يجعل المغرب برمته في صف الدول وطبقة أعلى الامم حضارة ومدنية، ذلك ما عاهدنا عليه الله ووقفنا كل مواهبنا عليه، وننتظر أن يقع في القريب العاجل ذلك الاجتماع الذي سينعقد للنظر في شؤون طنجة. راجين أن يسمع فيه صوت المغربي ليتوصل الى ما يؤمله من الحقوق، ولكم سرنا تجديد العهد بكل هذه البلاد التي حلها ركابنا الشريف، واجتماعنا بخليفتنا المفوض بتطاون الذي يعلم كل حزمه وتمام استعداده للسير الى الامام في كامل اتفاق مبدئنا جميعا في ما يرضي الله جل جلاله، ولنا اليقين بأن جميع رعايانا التابعين له يبذلون له، تلك النصيحة الواجبة على كل مؤمن، في ذلك الاخلاص الذي لا يتم الاتحاد الا به، ونرجو أن تكون نتائج هذا الاجتماع محمودة وافرة في كل سبل الخير ان شاء الله، ولقد بلغنا ما وجهه رعايانا الطنجيون من المطالب، فنجز منها حينا ما أمكن تنجيزه مساعدة لهم، وسنوالي بحول الله كل الجهود حتى يتوصلوا الى كل مرغوبهم، ويحمدوا بضل الله حسن منقلبهم، وغاية ما ندعوهم ا ليه هو أن تكون كل جودهم لادراك ما يطمحون اليه، متجلية في دائم السكينة وسائد الوقار، فان أحسن الرقي ما نشأ عن حركة لا يمازجها طيش ولا يتخللها اضطراب، هذا ولقد نصبنا في كل مدينة وكل ناحية من أنحاء مملكتنا رجالا توسمنا فيهم الكفاءة والاخلاص، فقلدناهم مهمة النيابة عنا في السهر على مصالح هذه الامة وضمان حقوقها المدنية والشرعية، ان هذه المهمة الجليلة تستدعي نسيانا للمصالح الشخصية في سبيل الصالح العام، فليس الوظيف طريقا الى استعمال السلطة فيغير ما وضعت له، بل الوظيف مؤسسة يقصد منها أولا وأخيرا خدمة مصالح رعايانا الاوفياء، ورفع نير الظلم والهوان عنهم ومد يد المساعدة والتشجيع لكل المشاريع الثقافية والاجتماعية والاقتصادية الرامية الى تنوير الاذهان ورفع مستوى الحياة وتوسيع ضيق العيش، وبالجملة فعلى الموظف المسؤول أن يسعى ويجد ليمكن سكان المنطقة أو الناحية أو المدينة التي نصبناه عليها، من التمتع بجميع ما يخوله الانتساب الى المملكة المغربية والاخلاص والولاء للعرش، العلوي, ذلك العرش الذي عمل منذ قرون بكل ما أوتيه من قوة على حفظ كيان الامة وسلامة أجزائها وسعادة مختلف طبقاتها، فلهذا كله نامر النواب والباشوات والقواد والعمال والقضاة وجميع الرجال الذين حبوناهم ثقتنا وميزناهم باعتمادنا أن يتبصروا في الواجب الوطني الهام المقلى على عاتقهم -فليتمسكوا بلين الجانب في المعاملات، والعدل والانصاف في المحاكمات، والخبرة والحزم والتنبه لما يتجه على كل واحد من الواجبات، لنؤديها برمتها بغير توان ولا وجل، ولا تعذر بمثبط الكسل، فالى العمل الباعث من العجز المميت، والى الجد الذي يلم كل شتيت، فلا مجد للمتخاذلين، ولا مستقبل للعاجزين، والى حياض العرفان الذي تحيا به القلوب وتنزاح بنوره الوهاج مظلمات الخطوب، الى العلم الذي ينير للمتبصر مسالك السعي النافع، والى العمل بنتائجه التي تحول دون المطامع، فاذا أجبتم ما وجهناه اليكم من ناصح الندا، نجوتم حالا واستقبالا من مهاوي الردى، أمكنكم أن تحيوا أعزاء بين الناس، بعد أن تنزعوا من قلوبكم قاتل اليأس، اعملوا بما يوجبه عليكم دينكم الطاهر المتين، لتدركوا به الفلاح المبين، فاليه يدعونا الباري جل علاه حين يقول في ذكره الحكيم "ومن يعتصم بالله فقد هدي إلى صراط مستقيم".

ثم انظروا في العالم العصري، واقتبسوا من علومه، وسيرو في الطريق الذي عبده رجال الحضارة الجديدة مستعينين بالعلماء والفنيين من أبناء الامم الصديقة، وبالاخص الاحرار من رجال فرنسا التي ناضلت عن مبادئ الحرية التي بها تسمو البلاد وتزدهر​
 
رد: محمد الخامس بن يوسف الملك المقاوم

خطاب لجلالة الملك محمد الخامس يشرح قضايا التعليم وتحقيق النهضة الثقافية :28 يونيو 1943
الثلثاء 6 كانون الثاني (يناير) 2004, بقلم المركز المتعدد الوسائط

خير ما نستزيد به النعم، حمد الله الذي لم يزل سبحانه يفيض علينا جزيل احسانه، ويفعم لنا أنهار امتنانه، فلا نزال نتقلب في مظاهر لطفه، ونشاهد دلائل عطفه، في وسط أحوال تعلمون شدتها، وبحور أهوال عمت أقطار الدنيا جميعا.

وهل نجد برهانا على عناية الله بهذه الامة، أقوى من انتشار معالم دينه القويم، وأنفع من اشراق شموس الهداية بالتعليم؟ ازهرت رياض المعارف بعد ذبولها، وأشرقت أنوار الدين الحنيف بعد أفولها، ولا سعادة بدون علم، ولا يهتدي بغير رائده الرشيد. تعلمون الحالة التي وجدنا عليها التعليم بجامع القرويين، وماكان يهدده من الوقوع في هاوية الزوال: علماء يقلون، وطلبة يتشتتون، علوم تنقص بموت مزاوليها، وقلة ذات اليد تلزم المدرسين أن يهجروا العلم للارتزاق بمهن أخرى، لا مرشد خير يهدي الناس السبيل، ولا رائد رشد يورد من المعارف العذب السلسبيل، حتى أدركتنا العناية الربانية. فوجهنا همتنا لاصلاح الاحوال، وتدارك مهجة العلم مما كان يهدده من الاضمحلال، فأسسنا المجلس الاعلى للعلوم الاسلامية بأعتابها الشريفة، ليباشر تحت اشرافنا انشاء نظام جديد للمعهد القروي، فرتب مزاولة العلم في ثلاث طبقات ابتدائية وثانوية ونهائية، وحدد لكل طبقة ما يقرأ بها من العلوم كما حصر أمد سني الدراسة فيها، وعين المدرسين لكل واحدة منهما ورتب الرواتب الكافية، ثم عين مراقبا لسير الدروس، بعد ما حصر الفنون والكتب التي تقرأ بها، وأوجب امتحانا سنويا لترقي الطلبة من طبقة الى طبقة، وآخرين للمتخرجين من سادسة الثانوي وثالثة النهائي الديني والادبي، وجعل شهادتين لذلك يتمسك بهما أولئك المتخرجون، دليلا على تحصيلهم وتأهيلا لهم لنيل الوظائف الدينية أو المخزنية. ثم أحدثنا شهادة أخرى لمتخرجي رابعة الثانوي تخفيفا على طلاب البادية، ولم تقتصر عنايتنا على اصلاح المعنويات بل أمرنا بكل ما يستطاع من الاصلاح المادي، فقد شاهد الكل ما تم من اصلاح المدرسة المحمدية، وباشرنا في الاسبوع الفارط افتتاح خزانة الكتب وردهة اجتماع أعضاء المجلس التحسيني والمدرسين، وما يتبع ذلك من الامكنة الازمة لتسيير شؤون الكلية على نمط يضمن لها الحياة ويسهل لها الرقي، أما مدارس سكنى الطلبة، فلا تزال يدخل عليها الاصلاح المتواصل من انارة وغيرها، على أننا نرجو في ذلك السبيل مزيدا بعد مزيد، ثم صرنا نتابع هذا الرقي بنفسنا متعهدين باصلاح النظام كلما سنحت بذلك فرصة، قابلين ما يرد علينا من الآراء السديدة، فاتحين باب الاصلاح كلما سنحت فرصة للاصلاحات الجديدة.

ووجهنا كذلك جهودنا للنهوض بجامعة ابن يوسف، فشملتها عنايتنا حتى تم نظامها على نمط نظام القرويين من كل الوجوه. فصارت تعد بفضل الله بمستقبل زاهر منير، فأزهرت بذلك كله رياض العلوم الادبية والدينية، ضامنة بفضل الله السعادة الدنيوية والاخروية، على أننا لا نزال نسأل الله تيسير المزيد، وأملنا فيه سبحانه قوي وطيد. ثم انكم تعلمون أن من طبيعة الكون أن يستتبع الاصلاح اصلاحا، بحيث لا ينبغي للانسان أن يقف في طريق التحسين، بل المتعين هو مواصلة الجهود مادام المرء حيا ذلك ما نعدكم به، ولانزال بحول الله نجد في الصعود بشأن العلم وأهله حتى نصل الى أبعد الغايات، وتجني الامة كلها في حقول ما ينير الاذهان ألذ الثمرات، الا أنكم تعلمون أن يد الله مع الجماعة، وان المرء قليل بنفسه كثير باخوانه، فليوجه كل عنايته لبلوغ الامل، وليجعل نفسه مثال اقتداء في حلبة العمل، على أن لنا ولله المنة والحمد، أحسن أسوة في سلفنا المجيد، الذي امتاز بين الامم بالهداية والتسديد، فما من سبيل يوصل الى السعادة الا سلكه، ولاذخر من ذخائر العرفان الا ملكه، مهتديا في سبيل الفلاح، بكتاب رب العالمين، وراقيا مدارج النجاح بسنة سيد المرسلين، الى الحسنى يتسابقون، ومن حياض الرشد والسعادة يستقون، ويستمعون القول فيتبعون أحسنه، ويرون حسن السبيل، فيقتفون سننه، حتى لاحوا في سماء المعالي نجوما، وأعدوا لشياطين الضلال رجوما.

فعلى العلماء أن لا يكتفوا بالقاء الدروس الاعتيادية، بل ينبغي لكل واحد ان لا يزال يجتهد في المطالعة وتحسين طرق التدريس، ويتابع الترقي في أسلوب التعليم، غير قانع بما يتيسر عفوا، بل يوجب عليه اختصاصه بفن واحد أن يدأب على البحث والتنقيب، في كل وسيلة تسهل تبليغ العلم للطلبة، وأن يغتنم كل فرصة تسنح لتهذيب النشأ، اذ لا غاية كحسن التربية لتنمية المواهب الطبيعية، وتطهير الاخلاق الغريزية، ولينصحوا الطلبة بكل ما يحسن أحوالهم، ويزكي مئالهم، ويسهل عليهم عقبات المسير، ويقرب لهم وسائل التيسير، وينصحوا والدي الطلبة مهما استطاعوا الى ذلك سبيلا، فلن تزال النصيحة للعباد على قوة الايمان دليلا، ومن أنجع النصائح ان يحثوا الطلاب، على ملازمة التعلم الامد الطويل، فان ذلك من آكد شروط التحصيل. واننا لاجتهادهم شاكرون، ولاعمالهم في سبيل حفظ مهجة العلم حامدون فلسنا نعمل طريقا لتحسين أحوالهم الا سلكناه، ولا سبيلا يضمن لهم السعادة الا مهدناه، بحول الله القوي المعين. وعلى الطلبة أن يفعموا قلوبهم بمحبة أساتذتهم، وتعظيمهم وتحسين ظنهم بهم، فانهم مهذبوا أرواحهم، والمجدون لتيسير فلاحهم، وليعلموا أن رابطة المحبة بين الاساتذة والطلاب، من أمتن وسائل التحصيل وأنفع الاسباب، والذي نحث عليه جميع الاساتذة والطلبة، هو المحافظة على الوقت وملازمة ساعات التدريس، فلا يوتي النظام ثماره، اذا لم تلازموا اعتباره، فهو شرطه الاول وأساسه. ثم لما علمنا أن نظام القرويين لا يكمل الا اذا مهدت له السبل من الخارج ومدت اليه الوسائل من كل جانب، بدأنا الاصلاح من الاساس ليكون هيكله امتن، ووجهنا عنايتنا لاصلاح كتاتيب القرآن، اعتناء بحفظ كتاب الله وتجويده، فاصلح الموجود بكل ما يستطاع وأنشأنا مدرسة بفاس سميناها اسم نجلنا البار مولاي الحسن، وأخرى بالدار البيضاء باسم شقيقه الارضى مولاي عبد الله وأسس برنامجهما لحفظ كتاب الله ومزاولة التعليم الابتدائي ليكون وسيلة الى تخريج الطبقة الابتدائية منهما، ليمكنها الدخول الى ثانوي القرويين أو ابن يوسف، والامل هو أن ننشئ أمثالهما بكل مدن إيالتنا الشريفة، ليمكن بذلك أن يسقط كل الابتدائي من الجامعتين فلا يبقي فيهما الا الثانوي والنهائي، تسهيلا على طلبة العلم الشريف، وتيسرا لورودهم على حياضه، من كل النواحي المغربية، من غير أن يتحمل الاحداث مشاق التغرب في أول سني الدراسة، كما تأسست مدرسة ابتدائية بمكناس، بمناسبة حلول ركابنا الشريف بها، بمكن للمتخرجين منها أن يدخلوا ثانوي القرويين بأسهل الوسائل، وهناك أمر آخر نهتم به كل الاهتمام، وهو تعليم بناتنا وتثقيفهن لينشأن على سنن الهدى ويهذبن بما ينبغي حتى يتصفن بما يتعين أن تتصف به المرأة المسلمة، حتى تكون على بينة من الواجب عليها لله ولزوجها وبنيها ولبيتها، فلا يدرك ذلك بالاهمال، ولا يحصل عليه بمجرد الاتكال، ولذلك أمرنا أن يؤسس لتعليمهن برنامج يوافق تعاليم الدين الحنيف، يكون تحت اشرافنا ليلا يلحقه شطط ولا تحريف، ليضمن رقي الامة من كل الحيثيات، ويحفظ من الاهمال كما يحصن من الافات، ويتسنى لها تسابق الامم، من غير خروج على مبدأ دينها الاقوم، تتعلم ما ينفعها ويحييها، وتجتنب ما يؤخرها ويرديها، مقصدها العلم الحقيقي النافع، ورائدها الرشد البين الساطع، لا تحيد عن طريق الهدى، ولا تلوي على مهاوي الردى، وديننا الزكي الطاهر، يسر لا عسر، ومنهجه القويم الظاهر سهل لا قسر، هذا ولقد تعهدنا بالسعي الى المصلحة العامة في كل الحيثياث، والدأب وراء سعادة الامة بما يستطاع من الممهدات، لا نالو جهدا في النصيحة والارشاد، ولا نمل العمل في سبيل نفع العباد، راجين أن نصعد بالاوطان الى أوج الكمال، ليزدهر المغرب في الحال والمئال، فالله جل جلاله ولي التوفيق، يهدينا فيما يرضيه الى أحسن طريق، انه السميع العليم، ذو المنن الجواد الكريم
 
رد: محمد الخامس بن يوسف الملك المقاوم

خطاب جلالة الملك محمد الخامس بمناسبة عيد العرش : 18 نونبر 1949
الثلثاء 6 كانون الثاني (يناير) 2004, بقلم المركز المتعدد الوسائط

الحمد لله وحده والصلاة والسلام على رسول الله

وزراءنا الانجاد، وكافة الشرفاء والاعيان، وعامة رعايانا المخلصين.

سن الله جل جلاله لخلقه في ممر الدهور أعيادا، ليغتنموها مواقيت أفراح ويجعلوها لاسباب الرقي استعدادا. فإذا جاء العيد جعله أهل التبصر فرصة يتساءلون فيها عما مضى من المناسبات، هل أدوا فيها ماكان يتوجه عليهم من الواجبات، فيتهيؤون ان غفلوا، ويتداركون ما أهملوا، ثم يتبصرون فيما يستقبلون من العمل المفيد، ويستعدون لتشييد النافع من الجديد، يشمرون على ساق الجد بين الورى، ويسارعون الى ما يعلو بهم الى أعلى الذرى، يجدون السير كي لا تستولي عليهم سنة الكرى، ليقولوا بعد بذل الجهود: "عند الصباح يحمد القوم السرى".

ويتعين أن يراعي ذلك في عيد العرش الذي يحثنا أن نجتمع متئازرين، ونتحد متواصلين، لنؤدي للوطن حقه الراجح، ونوفي للمغرب الاخلاص في تنجيز المطامح، فيسعد ببنيه الابرار، ويسعدوا برقيه بين الاقطار. فلنثبت على ما سطرناه لانفسنا من مبدأ العمل الدائم المتواصل، متفقدين ما حصلنا عليه فيما عبرناه من ا لمراحل، ناظرين الى الامام لنعلم ما بقي علينا تنجيزه للقيام بالواجب، مسرعين في استرداد ما ضيعته الغفلة بما يتعين بذله من الجهود ويناسب.

تعلمون أن مبدأنا لم يزل في بناء هيكل الرقي على أساس التعليم، لانه روح العمران البشري، وتهذيب أفراد الامة على سنن الدين الطاهر الزكي، المبني على ذلك الكتاب، الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، تنزيل من حكيم حميد، وسنة خير البشر عليه الصلاة والسلام الضامنة لمن اقتفاها كل فلاح في القديم والجديد. واننا لم نحصل على النتائج التي نراها في ميدان التعليم والمحافظة على اللغة العربية، والثقافة الاسلامية، الا بعد بذل الجهود المتواصلة. ولا تزال مع ذلك أمامنا عقبات يجب تذليلها. من ذلك ما نحث عليه رعايانا، من وجوب الانفاق في سبيل المدارس التي شيدها أهل الغيرة والدين من رجال أمتنا، والسهر عليها، وتعهدها بما يلزمها. اذ لا يجمل بنا أن ندع تلك الجهود ذابلة الازهار، قبل أن توتي لذيذ الثمار، وأن نترك ذلك العمل البار ذاويا، متكلين على أولئك المؤسسين قانعين بتحبيذ جهودهم من غير مشاركتهم في العمل. بل يتعين على كل فرد من أفراد الامة، أن يشارك بكل ما يستطيع في مواصلة العمل، ويقوم بكل ما يتيسر لديه بدون توان ولا فشل، حتى تؤدي هذه المدارس المهمة التي أسست من أجلها، على أكمل وجه، وتصير الامة جمعاء على بصيرة من أمر دينها ودنياها، ويمكن لكل فرد من أفرادها أن ينفع نفسه وذويه ودينه ووطنه.

وقد دعوناكم في السنة الماضية الى وجوب الاهتمام بشؤون الاقتصاد، والاقبال على ترقية طرقه، وتحسين وسائله، لان الاقتصاد في هذا العصر -بل في كل عصر- هو أساس رقي الامة، وعليه تبنى رفاهية الشعب وسعادته. واننا متيقنون أن النجاح في هذا السبيل سيتطلب السنين الطويلة، والجهود الكبيرة، ولكن بالصبر والثبات تذلل كل الصعوبات "ومن سار على الدرب وصل" وينبغي السير في مضمار الاقتصاد، بجد واجتهاد، بل ان الجهود التي يتطلبها، لا تظهر آثارها الا بعد حين، وربما كانت النتائج في اول الامر غير متناسبة مع تلك الجهود، خصوصا في الظروف الحالية، اذ أن الحياة الاقتصادية والمالية فيما بعد الحرب لم تستقر بعد، ولكن هذه المصاعب من شأنها أن تحفز بمضاعفة الجهود لما ينبني على النجاح في هذه الناحية، من ضمان أسباب الراحة والرفاهية لكافة أفراد الأمة.

وان من نتائج انتشار الصناعة الحديثة تكاثر عدد العاملين الذين يكونون الركن الاساسي في الانتاج الصناعي. فينبغي الاهتمام بشؤونهم وتمكينهم من جميع الوسائل التي تضمن لهم أن يعيشوا عيشا يتناسب مع الكرامة الانسانية، وأن يدافعوا عن حقوقهم بكيفية مشروعة. وينبغي الاعتناء بهم، وخصوصا من الناحية الصحية، وتوفير أسباب الراحة في مساكنهم، اذ العمل في المصانع الحديثة، والمعامل والمناجم، متعب للجسم، منهك للقوى. ولا يمكن أن يخفف من أثره على العامل الا بتسهيل أسباب الراحة لديه بعد رجوعه من عمله المضني. وان من حقه علينا أن نسهر على تربية أبنائه وتعليمهم، والمحافظة على صحتهم، كل ذلك يفرضه علينا واجبنا الديني، اذ "المومن للمومن كالبنيان، يشد بعضه بعضا". كما قال النبي صلى الله عليه وسلم. لذلك تعين علينا أن ننبهكم لهذا الواجب الديني والانساني متيقنين أن كل واحد في ناحيته سيعمل كل ما في استطاعته لتلبية ندائنا والقيام بالواجبات التي نبهنا عليها.

وان ما قلناه عن العامل الصناعي ينطبق على العامل الفلاحي، بل ان هذا الاخير احوج الى العناية، وحالته تستدعي اهتماما أعظم، خصوصا والمغرب بلاد فلاحية قبل كل شيء، والارض هي التي تضمن وسائل المعيشة لمعظم سكان المغرب، فكلما زاد الاعتناء بالعامل الفلاحي وبالفلاح وبالارض التي تدر خيراتها على البلاد، زادت أسباب الرفاهية، وتوفرت وسائل المعيشة الطيبة.

تعلمون كلكم عظيم سهرنا على مستقبل هذه المملكة السعيدة وتحسين حالة سكانها، محافظين على كيان البلاد وحقوقها ووحدة ترابها، فلا نزال نرعيها عين التبصر والرعاية، ونوليها جهود التنبه والعناية، حتى لا يطرأ ما ينقص من الامامة العظمى الملقاة على عاتقنا، مستمدين من الله الكريم عونه الوافر المديد، راجين منه سبحانه الاعانة على القيام بهذا الواجب العظيم، وأن يصحبنا في كل حركاتنا وسكناتنا الرأي الموفق السديد. ان أعظم رابطة روحية بين عاهل هذه البلاد ورعاياه المخلصين، لهي التفاني في خدمتها والنهوض بشؤونها، لذا يسرنا أن نشاهد عند كل مناسبة علامات تلك الاواصر المتينة التي لا انفصام لها.

ولقد تأثرنا أجمل التأثر عند حركتنا السابقة الى مكناس وفاس وايابنا منهما الى الرباط لما رأيناه متجليا على وجوه الجميع من براهين المحبة والولاء، ودلائل الاخلاص والوفاء، من كل طبقات الامة. ولقد اتيح لجنابنا العالي عند التجول في تلك النواحي السعيدة، أن نشاهد بأعيننا بوادر النهضة في كل الميادين، بالاقبال على العلم بزائد الاهتمام، والدخول في معامع الاجتهاد بغاية الثبات والاقدام، شأن الامم الحية الغيورة المستعدة، أن تلقي دلوها بين الدلاء، وتزاحم العاملين المجتهدين بتبصر واهتداء.

وقد اغتنمنا فرصة تلك الزيارة للوقوف على تحسينات جدد كزيارة فرع القرويين المؤسس بجامع الرصيف المنبئ بمتابعة نمو الاعمال فينشر التعليم. اذ تعلمون أن اهتمامنا الاكيد لازال متعلقا بترقي كلية القرويين الى ما تستحقه من الصعود المتواصل، حتى تؤدي وظيفها للدين والوطن، وتحل محلها الذي هو منبع كل اصلاح، وروض كل سعادة وفلاح. كما زرنا البناء الجديد الذي تعده الاحباس لايواء اللاجئين بالمرستان، ووضعنا الحجر الاساسي بمسجد جديدة بمدينة مكناس. كما انتهزنا ابان تعيين أعضاء المجالس البلدية، لنرد للعاصمة الفاسية ميزتها الانتخابية التي كان العمل جاريا بها وتوقف مدة الحرب. واننا لنأمل أن يدخل عليه الاصلاح المتعين وأن يعم كل المدن المغربية، حتى يكون خطوة لاحداث حياة نيابية لجميع رعايانا. اذ نحن متيقنون أن لا شيء يضمن المصالح العامة، مثل النظام الديموقراطي الذي سني الاسلام مبادئه الاساسية قبل أن يتخذ شكله الحديث. فهو في جوهره يتفق مع أوامر ديننا الحنيف. قال الله تعالى : "وشاورهم في الامر" وقال تعالى "وأمرهم شورى بينهم".

هذا وقد رأت السنة المنصرمة نجاح ابننا البار ولي عهدنا مولاي الحسن أصلحه الله في السنة الاولى من دراسته العليا، وقد تابع فيها ايضا دروسا عليا في الفقه الاسلامي وتاريخ تشريعه مع تاريخ المغرب والادب العربي. وقام بعد نجاحه في الامتحان برحلة على متن الباخرة البحرية "جان دارك" المعدة للتدريب على الفنون البحرية العصرية. وبلغنا من ثناء الذين أشرفوا على تدريبه ما أثلج فؤادنا، وأدخل علينا سرورا هو لاشك سرور رعايانا الذين يعلقون عليه كبير الآمال أصلحه الله ووفقه. وكان ابتداء هذه الرحلة بزيارة افقطر التونسي الشقيق حيث اقتبله بكل حفاوة وأكبرعناية، أخونا صاحب المملكة التونسية، سيدي محمد الامين باشا باي حفظه الله، ثم تابع رحلته الميمونة بزيارة فرنسا وسويسرا ليطلع على مظاهر المدنية الحاضرة، ليزداد خبرة بما يشاهد، واطلاعا على ممهدات العمران العصري. وقد كان موضوع تكريم واجلال أثناء مقامه بالديار الفرنسية، سواء من قبل الحيثيات الرسمية أو غيرها، أو من أبناء وطنه المقيمين هناك. ولقد زار في ايابه بلاد اسبانيا ووقف على آثار الحضارة الاسلامية بها، التي تدل على ماقام به العرب هناك من تأدية واجبات المدنية الحقة للعالم البشري. واننا نحمد الله على ما بلغنا عنه من مواقف تشرفه كما تعود بحسن الذكرى على بلاده وكل مواطنيه، فلقد ترك حيثما مر أجمل أثر في نفوس من اتصل بهم أثناء تلك الرحلة الموفقة الميمونة، التي ستبقى بحول الله فاتحة خير وطالعة سعد اقبال، في حياته التي لا نزال نبتهل الى الباري جل جلاله أتن يجعلها لصالح البلاد، وحسن مستقبل العباد، وخير مقتدي لاقرانه شباب المغرب الذي نعلق عليه أكبر الآمال.

فلنواصل جميعا جهود الاعتناء بكل شؤون المغرب، فانه لايزال ينتظر منا السعي الحثيت ليتابع رقيه الميمون، ويشاهد في المستقبل القريب اشراق مجده المصون، متكلين على الله القوي في تسديد خطانا، وتوفيق سرانا، وتيسير المنى محفوفا بكمال رضاه، وارشادنا جميعا لسبل هداه، راجين منه سبحانه أن يوفقنا مع كل اخواننا المسلمين -شرقا وغربا- لنسعى مستنيرين بنور هدايته، حتى نسترد ما ازدهت بها تلك العصور الماضية، من مجد أصيل، وعلم مكين، ونفوذ حفه العدل في كل مظاهره وسعادة انسانية شاملة دائمة. انه خير من وفق المومنين من عباده، وأكرم من استجاب المخلصين من قصاده
 
رد: محمد الخامس بن يوسف الملك المقاوم

خطاب جلالة الملك محمد الخامس بمناسبة عيد العرش : 18 نونبر 1948
الاثنين 5 كانون الثاني (يناير) 2004, بقلم المركز المتعدد الوسائط

الحمد لله وحده والصلاة والسلام على رسول الله

وزراءنا الامجاد وكافة الشرفاء وعامة رعايانا المخلصين.

يبعث عيد العرش حينما يفد علينا اشعته الى القلوب، فتزداد اتحادا ويحيي فيها رجاءا قويا، فتواصل اجتهادا يمتن بين الامة وعاهلها عرى الاتصال المبني على الاخلاص والوفاء، فتقوى تلك الروابط المتأصلة منذ قرون، وتنبعث بنشاط لخدمة البلاد واحيائها حتى يصبح كل فرد من الامة المغربية يشعر شعورا قويا، بكل ما عليه من الواجبات، ويؤديها بذلك النشاط المتجلي في ميدان العمل، وباهر الاخلاص الذي لا يتخلله توان ولا فشل. على اننا لا نزال ككل الناس نقاسي شدائد الحرب التي ان وضعت اوزارها ما فتئت تجر على البشر بأجمعه اثقال عواقبها نجا العالم -ولله المنة الحمد- من ذلك الاسر الذي كانت دول الظلم والعدوان تريد ان توقفه فيه، وانتصرت الامم الحرة التي تريد ان يتحرر بنو الانسان من قيود العبودية، ويترقى العالم البشري رقيا روحيا، يتمع فيه كل افراده بحقوقه، يسمو بالعدل والعرفان، ولا يرتبك في قيود الذل والهوان. وتعلمون ما قام به المغرب من تأدية واجباته الدولية، وثباته بمركزه الثبات الوطيد، الذي اكسبه بين كل الدول، ذلك الذكر الحميد الذي يخوله حق الصعود الى اعلى مقام، حتى يصطف مع الامم التي شاركها في الضراء، فاستحق بوفائه وثباته ان يقاسمها مواجب السراء، بعد استتباب السلم الذي لا نزال نبتهل الى الباري جل علاه ان يسدل ارديته الوافرة على العالم، حتى يسعى الجميع في الصالح العام، ويتمتع كل الناس بالسعادة والاطمئنان، ويامن كل واحد من الخوف والطغيان.

كما نرجو للأمم العربية الشقيقة ان تنجلي عنها زوابع العدوان، النازلة بتلك البقاع المقدسة التي يسكنونها منذ قرون، ولانزال نعتقد ان الحق يثبت لذويه، ويستتب الامن والسكينة بين الناس ليسعى الكل في مصلحة الكل.

لايزال المغرب يواصل جهوده الحميدة، في سبيل نشر العلم الذي طالما دعونا ولانزال ندعو اليه، اذ من اعز رغائبنا ان يسلك كل مغربي فجاج سبله المثمرة النافعة، ليعلم ماله وما عليه في هذه الحياة الدنيا، ومشاريع دينه، متبصرا بكل شؤون الحياة يسعى قدما من الصالح الى الاصلح، ومن النافع الى الانفع، حتى يصبح بين اخوانه فردا منتفعا نافعا، ولبلاده عضدا منجدا. نعم، انجز منذ ندائنا الاول، في سبيل نشر العلم، شيء يسر بعدده وحسن سيره، وقوي نتائجه. ولا يفوتنا ان ننوه هذه السنة بما قام به احد الغيورين من تجار الدار البيضاء السيد عبد الكريم الحلو الذي اعطى للاغنياء خير مثال في العمل الصالح العام، وعرف كيف يشكر المولى تعالى على ماافاء عليه من نعم، فقد بنى مدرسة عظيمة ستؤدي ان شاء الله اكبر الخدمات للعلم، كما انجز ا لسيد محمد بن كيران بفاس، تلك المدرسة التي كنا وضعنا لها حجرها الاساسي منذ عامين.

ومن الاعمال الجليلة التي تستحق الذكر، تلك المؤسسة الصادرة عن غيرة وارثات السيد محمد بن عمرو، نعم، فانهن وقفن من تركة موروثهن الصائر الى رحمة الله، قدرا عظيما من المال لينفق في سبيل نشر العلم، وقد قررت اللجنة الواقفة على تدبير شؤونه ان توجه الى فرنسا بعثة من الطلبة المغاربة ليواصلوا دروسهم العليا الفنية، ويقام على حاجياتهم من ذلك المال الرابح، وانه لتنشرح صدورنا فرحا بهذه الاعمال، وكل ما ييسر في هذا السبيل الذي يدل دلالة واضحة عل ان الافكار نضجت، وان القلوب اشعرت ما يجب على كل واحد من القيام بخدمة الاوطان والسهر على الصالح العام، حتى صارت النساء في طليعة العاملين المنجدين، يذكرننا بأزهر عصور الاسلام التي كان فيها الرجال والنساء يسارعون الى مغفرة من ربهم وجنة عرضها السماوات والارض.

والذي ادخل سرورا عظيما علينا وعلى كل افراد الامة، نجاح نجلنا البار ولي العهد مولاي الحسن اصلحه الله في شهادة الباكالوريا التي تتوج الدراسة الثانوية، وهاهو الان يتابع دروسه العليا القانونية مع اقباله على دراسة الفقه والتاريخ والاداب العربية وتاريخ التشريع الاسلامي حتى يضم الى ثقافته الحديثة ثقافة عربية اسلامية عليا. فنرجو من الله الكريم ان يسهل له ولسائر اقرانه من نجباء الامة، وسائل التحصيل النافع، وانه لينثلج صدرنا جميعا ان نرى رعايانا -ذكورا واناثا- مقبلين على ما ندعوهم اليه، ساعين وراء القصد الذي لم نزل منذ اول عهدنا نحث جميع الناس عليه، حتى نرى كل افراد شبابنا الانجاد يستقون من حياض العلم بجميع انواعه الى اقصى غايات النجاح ليحل الجميع العلى درجات الفلاح.

واننا كما بذلنا اقصى الجهود في سبيل تثبيت فكرة الاقبال على التعلم في نفوس رعايانا، فاننا نريد من شعبنا ان يلتفت بجد الى شؤون اقتصاده إذ لم تكن تلك الجهود الا وسيلة للمرحلة الثانية التي هي التقدم في سبيل الاقتصاد بكل انواعه الثلاثة من فلاحة وصناعة وتجارة. على أننا اذا جارينا الناس في تلك الميادين انما نقتدي بسلفنا الصالح الذي لا تزال كل اقطار المعمور تشهد بتفوقهم في كل مجاري السعي البشري. فهذه آثارهم الفلاحية والصناعية لاتزال قائمة العين شرقا وغربا، ومع هذا كله يجب علينا ان نبحث عن الوسائل الجديدة المستنبطة حديثا في كل مساعي الفلاحة والصناعة، يتعين على عدد وافر ان يعدوا انفسهم في تلك المدارس العصرية حتى يتخرج منهم مهندسون يمكنهم بالعلم الجديد ان ينافسوا غيرهم في ميادين الحياة الجديدة. ويعلم الكل ان وسائل الفلاحة القديمة لا تفي بحاجيات اليوم الا اذا استثمر الفلاح ارضه بالطرق التي يمكنه بها ان يستخرج منها اعشار ما كانت تورده قبل اليوم. وكذلك وسائل تربية الماشية وكل فروع الفلاحة، اما من حيث الصناعة، فقد كان الصانع قبل، من يحسن عمل يده ويجيد مصنوعاته. اما الآن فقد سطت الآلة على عمل اليد: فالصانع من يستخرج بالطرق الميكانيكية، والآلات البخارية والكهربائية، منتوجاته من كل ما يريد عرضه على الاسواق التجارية، وبالجملة فليس اليوم كأمس، بل يتعين على كل العاملين ان يشاهدوا ما فاز به العالم الجديد في كل السبل، ويسلكوا ما استنبط من الوسائل العصرية، ليكونوا رجال اليوم، من حيث النشاط والتبصر، والتقدم الى الامام. اذ الحياة مبنية على المزاحمة، ولا مزاحمة الا اذا تقاربت وسائل المباراة، في كل شؤون الحياة.

على ان ما اتصف به العامل المغربي منذ قديم الزمان، يسهل له ان يدرك كل المزايا العصرية، والاوصاف التي يمكنه بها ان يتطور تطورا حميدا، حتى يصير في القريب العاجل، عاملا عصريا يرتقي في مدارج العمل، ليصبح في طليعة العاملين المنتجين.

ويتعين علينا ان نعتني خصوصا بالعامل الفلاحي وننهض باجرته، لتسهل له وسائل معيشته، ومعيشة ذويه. فلا يبقى متخبطا في البؤس، محالفا للشقاء، يعمل طيلة نهاره بدون جدوى، ساعيا كل سنته من غير امل تحسين حالته، بفضل جده وثمرة اجتهاده وان ذلك الاعتناء بحالته لمما تفرضه علينا واجبات الانسانية وقوانين العدل.

نريد ان تستنير الامة المغربية بما يفرضه علينا ديننا الطاهر، من قوي الاتحاد، ونافع التعاضد، قال تعالى: "انما المومنون اخوة". وقال صلى الله عليه وسلم: "المومن للمومن كالبنيان يشد بعضه بعضا" فاذا اتحد المومنون واخلص بعضهم للبعض، سهلت الاعمال، وتمت المشاريع، وانتجت الجهود المبذولة،حتى يحمد الكل مغبة المسعى، وحسن المنقلب.

كما أن مفتاح النجاح في الثبات على المبدأ وفي الصبر والمصابرة، ولذلك اثنى الله عز وجل على هذا الوصف الحميد، ووعد سبحانه ذويه بكامل الفلاح، فامرنا -عزت قدرته- بملازمته في كل شؤون الحياة، وقال: "يا أيها الذين امنوا اصبروا وصابروا ورابطوا واتقوا الله لعلكم تفلحون" كما قال تعالى: "انما يوفي الصابرون اجرهم بغير حساب". ولا يتم عمل مهم في هذه الحياة، بدون مصابرة العراقل، ومقاومة الشدائد، والصبر على انتظار نتائج الاعمال وثمرة السعي.

على ان نجاحنا بهذه الدنيا وسعادتنا في الاخرة منوطان بتمسكنا بالشريعة المطهرة، واتباع سبلها الفيحاء في قواعدها الاساسية وتفاصيلها الفرعية. كما يجب على كل واحد منا ان يلتفت دائما الى من حوله من اخوانه لياخذ القوي بيد الضعيف، ويعين الغني الفقير، ويرشد المتبصر الغافل، ليهتدي الجميع الى انفع السبل، ويتحد الاخوان على سلوك اقوم المثل. نحث العلماء بالخصوص على القيام بمامورية الارشاد، والاعتناء بثقافة الشباب. كما لا نزال نوصي كل من تولى امرا من امور رعايانا -من قضاة وباشوات وعمال ونظار وأمناء- ان يبذلوا ما يستطيعون من الجهود في القيام بماموريتهم التي انيطت بهم بما يرضي الله ورسوله من نزاهة وامانة واخلاص، وخفض الجناح والاعتناء بشؤون الرعية احسن الاعتناء، غير غافلين ان الدين النصيحة لله ولرسوله ولامراء المسلمين وعامتهم.

اذا ادى كل واحد منهم ما يوجبه عليه دينه التأم الشمل واجتمعت الكلمة واتحدت القلوب على خدمة البلاد ومراعاة صلاحها حتى تتحسن الاحوال فيحمد الناس المسير في سبيل مرضاة الله وتسعد بالرفاهية والهناء ايامهم وتلوح شموس فلاح دائم في ممر الزمان اعوامهم سعيدا بالمومنين اميرهم الساهر بمعونة الله على مصالحهم، الباذل كل ما يستطيع من الجهود في ادراك رفاهية شعبه الوفي، الساعي بكل قواه في سعادة امته الكريمة الغيورة. وعلى الله ذي الجلال مجيب المنيبين اذا ما دعوه، وملبي المخلصين كلما قصدوه ورجوه كل اتكالنا في تتويج الختام بحسن المنقلب والصعود بالمغرب الى اعلى الرتب، انه بكل احوالنا سميع عليم، وبعباده المومنين لطيف رحيم
 
رد: محمد الخامس بن يوسف الملك المقاوم

خطاب جلالة الملك محمد الخامس بمناسبة عيد العرش : 18 نونبر 1946
الاثنين 5 كانون الثاني (يناير) 2004, بقلم المركز المتعدد الوسائط

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله

وزرائنا الانجاد وكافة رعايانا المخلصين،

في مثل سرعة تقلب الاحوال الاتية بعد زوبعة الحرب التي عم ظلامها كل بقاع الارض، وأثقلت أرزاؤها كاهل الامم، يتعين على المرء أن يخلو بنفسه ليتفكر، ويتبادل الانظار مع اخوانه ليتبصر، ويتحد مع بني جنسه ليتدبر، ينبغي للعاقل ان يفكر قبل الشروع في أعماله، ويبحث عن مقدماتها حتى اذا أحاط علما بالاسباب والمسببات، وما تستوجبه النتائج من الجهود والمقدمات، علم أن ما يطمع اليه من تحسين حاله لا يزال يستدعي المزيد في الاجتهاد ليدرك ذلك الكمال الذي يناسب فكرته ويسمو الى الرقي حتى ينال منزلته، كذلك ينبغي لنا أن نلقي نظرة عامة على حالتنا الروحية، ودرجتنا الفكرية، ومنزلتنا المادية، ومستوى طبقتنا الادبية نجول بفكرنا في نواحي مملكتنا الشريفة متسائلين عن أحوال سكانها لنعلم هل بلغوا درجة عموم الناس في مختلف البلاد، وهل يحق لهم أن يقترنوا في ميدان السعادة بسائر العباد، هل نجدهم مستنيرين بأنوار العلوم التي تنمو بها الافكار، أو نلقاهم محرومين من غذاء الارواح وميسرات الاعتبار، هل يعيشون مترفهين في مثوى السعادة وحياة الرغد أو يتقلبون على جمر الغضا من مسببات الشقاء وبؤس النكد، نرى اذا حققنا النظر في ذلك كله أن الحالة العامة لا ترضي العاقل من شتى وجوهها وخصوصا من حيث العرفان ومختلف وسائله وممهدات العمران وجملة مشاكله، تتحقق اذ ذاك بما يجب علينا من بذل المستطاع لرتق حالنا حتى نخرج من وهدة الخمول وندرك في مراقي الصعود وأعلى درجة الرقي كل مأمول، ونجد السعي في ميادين العمل الذي تستلزمه نهضة البلاد وتطالبنا به الظروف للحصول على سعادة البلاد. فماذا أديناه الى الان من ذلك الواجب الاكيد الذي يتعين علينا القيام به عن غير توقف ولا ترديد؟ طالما خاطبناكم منبهين للغافلين مرشدين للعاملين، مشجعين لذوي الهمم العالية من الغيورين، محركين غيرتهم الوطنية، مؤزرين قوة مبادئهم الدينية ليجدوا غير متكاسلين، وينفقوا غير حاسبين، مغتنمين أثمن الفرص لادراك أعلى المقاصد، مبتهجين بحسن النتائج وصفاء الموارد، مشجعين بالاقوال والافعال، حاثين على طلب المزيد في تحسين الحال والمئال، مرددين النصائح لنزع ثوب الخمول عن الافكار، وازاحة رداء الغرور عن البصائر والابصار. ولقد سرنا ما شهدناه من شروع الامة في أعمال نهضتها، وحسن النتائج التي اخذت تظهر من مبارك حركتها، وان كانت لا تزال قليلة تطالبنا بالمزيد في كل السبل. نريد أن نبين لكم في هذا العيد السنوي المجيد، ما نجز في بحر هذه السنة من الاعمال التي لا نزال نواصلها بحول الله قياما بالواجب قبلكم وقبل الوطن الذي لا يسعدنا الا ازدهاره، على أن طريق السعي اليها كثير العقبات صعب السلوك لقلة الوسائل وكثرة الحاجات.

فتحت ست عشر مدرسة شعبية تأوي ما يقرب من خمسة آلاف تلميذ بين بنين وبنات، يتلقى جميعهم ضروري العلم الديني والدنيوي ليخرجوا متبصرين أحرارا يعرفون ما لهم وما عليهم، يمتعون كما قلناه في غير ما مرة بوسائل الحياة ويتقنون ما يباشرون من الاعمال في صفاء الافكار وطهارة الضمير وحرية العيش. وقفنا بنفسنا على وضع أساس المدرسة الكبرى التي اكتتب فيها سكان الرباط فوضعنا بيدنا حجرتها الاولى متيمنين بالخير المديد، راجين لها ولاخواتها حسن المزيد، متشكرين من كل المكتتبين ذوي النجدة الوطنية والغيرة الدينية، راجين من الجميع مواصلة العمل والثبات على طريق الاجتهاد، حتى يمكننا أن نفتحها في بحر السنة المقبلة ان شاء الله.

توجهنا الشهر الماضي الى الدار البيضاء لفتح المدرسة التي شيدها بعض ذوي الغيرة من الشباب المغربي هناك، وزرنا مشجعين أول معمل صناعي عصري أسسه بالعاصمة التجارية الشاب النشيط السيد محمد بن عمرو الفاسي الذي نرجو له ولسائر رعايانا المجتهدين نجاحا باهرا، ومستقبلا متنورا زاهرا.

ثم شهدنا افتتاح القسم الداخلي الذي أحدثه السيد العلمي مدير المدرسة الحسنية البيضاوية في معهده المنبيء بكامل النجاح ان شاء الله. وتوجهنا بعد لفاس لنرأس بنفسنا افتتاح الدروس بجامع القرويين بعدما عطلت مدة، وهددها الركود بأسباب مختلفة عدة، فأكدنا للجميع قوة اهتمامنا وصريح اخلاصنا لنشر العلوم، وبالخصوص منها الدينية لما فيه من السعادتين، وما كنا لنرضى تقدما لرعايانا المخلصين الا اذا شربوا من الكأسين: كأس الرقي الدنيوي ليعيشوا أحرارا بين الامم، وكأس الرشاد الديني لاتباع السنن الابلج الاقوم، مقتفين في ذلك نصيحة سيد المرسلين عليه الصلاة والسلام حين قال: "ليس بخيركم من ترك دنياه لآخرته ولا لآخرته لدنياه حتى يصيب منهما جميعا فان الدنيا بلاغ الاخرة."

ثم فتحنا المدرسة المحمدية الفاسية وشهدنا تأسيس مدرسة أخرى، ومعهد المساكين هناك، وجرى ذلك كله في محفل ملأت أنواره القلوب سرورا، وأفعمت الافئدة آمالا والافكار نشورا. وجرت تحت رياسة بنتنا للاعائشة أصلحها الله في أقصى مظاهرات الابتهاج محافل تهم تعليم البنات، التي يجب علينا أن نسهر في تحسين أحوالها وضمان مستقبلها، وسرنا مالاح في ذلك الافق من لامع الرجا، ووطيد اليقين في انقشاع حالك الدجى، حتى تلوح البنت المغربية شمسا نيره بسماء العلا، وتسعد بها الامة حتى تكون الآخرة خيرا لها من الاولى. ولقد أنبنا عن جنابنا الشريف ولي عهدنا البار مولاي الحسن أصلحه الله في كثير من مناسبات افتتاح مدارس أخرى. واننا نشكر غيور الموقف ومحيي النشاط في مظاهر السرور الذي أبداه أهل فاس قاطبة بمناسبة تلك الحفلات الخالدة التي ازدهت بها العاصمة الادريسية عند حلول ركابنا الشريف بها. قررنا في الصيف الماضي اجتماع لجنة كبرى للمذاكرة في تسيير المعارف على ما يرضي من التقدم والنهوض الى مستوى الرقي العصري، وفعلا اجتمع فيها أعلى من نعرف من ذوي الافكار الراقية وأرباب الحيثيات العالية، في رجال المعارف الفرنسية، وخير من نعلم من المتنورين المتبصرين بمسائل التعليم من رعايانا فتذاكروا في جل المسائل التي تهمنا، وتيسر سبل المسير أمامنا.

ويسرنا الشروع في توجه شبابنا المتنور المحصل لشهادة التعليم الثانوي الى الكليات الفرنسية بقصد استكمال ما يتوقف عليه المغرب من العلوم العليا، يقرب عددهم من المائة، واننا لنرجو في ذلك حسن المزيد وجميل المواظبة. كما أنشأنا لجنة للوقوف على اختيار الكتب الدراسية المؤلفة بالمغرب ليكون التعليم بها في مدارسنا المغربية بموحد الوسائل، ومستكملا لشروط النجاح، شاكرين همة المؤلفين منا وحامدين الله على ايجادهم من بيننا.

كانت المواصلة بين ملوك المغرب واخوانهم بالديار الشرقية جارية على سنن الاخوة الدينية، بمناسبة الحج في تلك البقاع الشريفة المقدسة، ثم انقطعت الجهود بمختلف حوادث الايام، ولقد يسر الله جل جلاله اعادتها واستؤنفت بما بذلناه من الجهود في ذلك السبيل الحميد، وتوثقت عرى الاخوة الصادقة لما تيسر الحج من جديد، وأخذ الوفد المغربي يحل محله بين حجاج المسلمين، ويؤدي فرائضه ويمثلنا بين وفود المومنين.

هذه بعض أعمال السنة من حيث الصعود بالفكر المغربي وتنوير البصائر للعموم، ولا نزال دائبين حتى يكلل الله جل علاه كل الجهود بادراك الامل، بعد متواصل السعي في حلبة العمل، اما في غير ذلك السبيل فانكم تعلمون بما بذلناه من حميد الجهود للافراج عن المعتقلين، ولا نزال نواصلها حتى يعم السراح الجميع ان شاء الله.

ولما أصيب سكان القنيطرة في الصيف الاخير بذلك الحريق المهول، أنشأنا لجنة اسعاف المصابين، اغاثة للبائسين وتوسعة على المنكوبين، مشاركين في ذلك بمالنا الخاص لما نعلمه من أن الدعاء للخير بالافعال هو المنتج في كل وجوه الحركة، ورعيا لما نتيقنه من أن أعمال البر واجبة على كل ما يجد اليها سبيلا.

ولما ظهر من طيش من لا يزال يطمح الى التفريق بالبدعة، واحداث أنكر أسباب الارتزاق بالباطل، جعلنا دون تلك المساعي سدا بالظهير الشريف الذي اصدرناه، والقرار الذي أمرنا بكتابته، ما نعين بذلك احداث أي طريق في الدين، لما في ذلك من محض الضلال ومهالك الاختلاق قال تعالى "وان هذا صراطي مستقيما فاتبعوه، ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله، ذلكم وصاكم به لعلكم تتقون". وقال عليه الصلاة والسلام: "تركتكم على المحجة البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها الا هالك" -وقال إمام دار الهجرة مالك بن أنس رضي الله عنه: من ابدع في الاسلام بدعة يراها حسنة، فقد زعم أن محمد صلى الله عليه وسلم خان الرسالة (وحاشاه) لان الله يقول: اليوم أكملت لكم دينكم، فما لم يكن يومئذ دينا لا يكون اليوم دينا. هذا بعض ما قررناه من المصالح العامة التي نرجو لها نتائج وافرة هامة، على أن طريق السعي اليها كثير العقبات قليل التيسير لقلة الوسائل وكثرة الحاجات، ولا نزال نجد السعي الى تحسين ما نستطيع من الاحوال، والرقي بالبلاد والعباد الى أن ندرك بحول الله غايرة المنى في الحاة والمئال. وما كان هذا كله ليقنعها لما بقي علينا من المسير الى الامام، وما لا نزال نرجوه لهذه البلاد من زهرة الايام فاذا نجز بعض ما نامله لم يزل أمامنا طموح الى عشرة أعشاره، ووجوب بذل النفس والنفيس كي نسد من حاجاتنا خللا، ونجعل لبؤس حياتنا بدلا.

ولنلق ان شئتم نظرة عامة على ما يقرعنا من الخجل امام ما يعوزنا من أكيد العمل: يقدر سكان المغرب بثمانية ملايين نسمة ليس فيها من جنسها ثمانية أطباء لينوب كل مليون من الاشخاص طبيب واحد، بلغت الطرق المرصفة والسكك الحديدية آلافا من الكيلومترات في كل نواحي المغرب، وليس من أبنائه الا من يستعمل به أجيرا، يعاني الشقاء في انشائها، ويحالف العناء مامورا لا أميرا، ولا يوجد منا مهندس واحد يسير قطارها أو يدبر أمر ادارتها، بنيت مخازن للمياه لسقي الارض وتوليد الكهرباء، ولا نجد من رعايانا الخاملين مهندسا واحدا يشارك في تشييدها أو يعين في القيام بنفع مياهها. ينتفع جل سكان المغرب بمنافع البريد والتلغراف والتلفون وليس فيهم الا الرقاصة لتفريق المكاتيب او خدمة اصلاح الاسلاك. تبلغ مساحة أراضي المغرب الفلاحية ملايين عديدة من الهكتارات، ولا نجد عشرة من المغاربة يقابلون خدمتها بطرق الفلاحة العصرية. لا يوجد بعامه المغرب في باديته وحاضرته الا معمل صناعي عصري واحد أنشأه بعد أكيد العناء، ذلك الشاب الغيور الذي نرجو له مزيد الفلاح، لا يوجد في بلادنا الا شركات تبلغ من القلة عدد أصابع اليد، والحال أن الاجانب تعد شركاتهم بالمئات.

رأيتم بعد هذا العرض الوجيز المخجل أننا نحاول أن نزاحم الامم المتسابقة الى الطرق الجديدة بوسائل القرون الوسطى، حيث لم يكن بخار ولا كهرباء، تيقنوا أن المغرب لا يقوم بواجباته قبل نفسه حتى يخرج خمسمائة مدرس في السنة بين من يعلم في مدارسه باللسان العربي وغيره، ويمكننا أن نزاحم العاملين يوم لا نكون عالة على غيرنا في كل حاجياتنا من مأكولات وملابس ومواد صناعية. فإذا أدركنا تلك الدرجة من الرقي وعم التعليم كل البقاع المغربية وقامت معاملنا بما نستهلكه وفلاحتنا بما يكفي البلاد ويساعد الاتجار في الخارج بالموارد المغربية، أمكننا أن نرفع رؤوسنا ابتهاجا بالجهود المبذولة، ونصول زهوا بالنتائج المحصولة، فلننزع عن أفكارنا حجب الجهل القاتل، ومن أفئذتنا أدواء اليأس الخاذل، مجتنبين أباطيل الهرج، ملازمين التؤدة والوقار في سلوك أنفع نهج، مطمئنين في طريق الحق الذي نسمو اليه، ثابتين على مبدئنا الذي نقف كل مواهبنا عليه، ولنجد المسير الى أعلى مدارج السيادة، ولنمهد وسائل التيسير الى مراتع السعادة، حاثين المجدين بمواصلة بذل الجهود، حتى يدركوا بنا خير مقصود، متكاتفين في هدوء للطموح الى المعالي، متآزرين في السكينة والثبات الى أن نحل الرتب العوالي، في سمو تلك المنازل التي أعدها الله للعاملين، وبهجة سعادة الدارين الخاصة بالمومنين، متيقنين أن الصلاح يضمن حسن العاقبة لذويه، وان مجاني الفلاح تخص المقتفين لاوامر ربهم المجتنبين لنواهيه، ولقد وضع لنا ربنا جل علاه للهداية سبلا، كما أنه سبحانه لا يضيع أجر من أحسن عملا، ووعدنا وعده الوفي بورود مناهل الطلب، وضمن للعاملين المخلصين حسن المنقلب. فهل لكم أيها المومنون أن تلبوا دعوة سلطانكم، فإنه الى السعادة يناديكم "استجيبوا لله وللرسول اذ دعاكم لما يحييكم". لتكونوا في صف الامم من الفائزين، وينجز لكم وعده اذ يقول رب العالمين: "ونريد أن نمن على الذين استضعفوا في الارض ونجعلهم أئمة ونجعلهم الوارثين
 
رد: محمد الخامس بن يوسف الملك المقاوم

خطاب جلالة الملك محمد الخامس بمناسبة عيد العرش : 18 نونبر 1944
الاثنين 5 كانون الثاني (يناير) 2004, بقلم المركز المتعدد الوسائط

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله

وزراءنا الانجاد وكافة رعايانا المخلصين.

اذا كان عيد هذا اليوم السعيد، عيد ابتهاج باجتماع أهل اليقين، يسرنا أن نزينه بالذكرى، لان الذكرى تنفع المومنين، خلقنا الباري جل جلاله للعمل في هذه الحياة، وقسم الزمان أقساما: من صلاة الى صلاة من يوم الى يوم من جمعة الى جمعة من شهر الى شهر من عيد الى عيد ومن سنة الى سنة لنتساءل في كل موقف من هذه المواقف عن أعمالنا هل أدينا الواجب علينا فنواصل الثبات على الطريق المستقيم ونزداد، أم قصرنا في القيام به وانحرفنا عن السبيل السوي فنتفكر ونرجع الى مهيع الرشاد، فلنقم اذن بهذا الواجب متسائلين عن حالتنا هل هي على ما ينبغي من كل الحيثيات أو لم تزل تستدعي المثابرة على العمل، نجيب هنا لأننا لا زلنا متصفين بالتقصير، وبالخصوص فيما يهم الاستعداد، لرفع مستوى الامة والبلاد. ثبت لدى كل عاقل أن لا صلاح لأحوال البشر بدون انتشار العلم الحقيقي النافع فهو أساس العمران، ومنبع الرشاد لبني الانسان، فماذا أنفقنا من مال وجهود في سبيله؟ يقدر عدد مسلمي المغرب الاقصى بثمانية ملايين من ا لخلق منهم ما يقرب من ربع هذا العدد فتيان وفتيات يتعين علينا جميعا أن نعتني بتعليمهم وتثقيفهم حتى اذا آن لهم أن يقتحموا بحار الحياة العملية وجدوا في أنفسهم كل الاستعداد اللازم ليكونوا أعضاء عاملين لا أثقالا رازحين.

فكم من هذين المليونين نوجه الى المدارس؟ لا نجد منهم العشر اذن بقي ثمانمائة الف من أفلاذ أكبادنا مهملين معرضين للسقوط في مهاوي الجهل والخسران، نشاهدهم مشتتين في قوارع السبل مبعثرين في مسارح اللهو يلتقطون فيها بذور الفساد، لا بصحتهم اعتنينا، ولا على مستقبلهم سهرنا، ولا الى الواجب علينا قبلهم التفتنا، تعرضنا بهذه السيرة على القضاء على حياة الامة التي تسببنا في بقاء تسعة أعشارها في الجهل الذي هو عين الموت أن لم نقل بل هو أقبح من الموت. فماذا يداوي هذه الحالة السيئة؟ لا سبيل الى اصلاح أحوالنا الا الاقبال بسرعة على العلم الذي ينبغي ان يبذل لا لعدد قليل منا بل لجميعنا من غني وفقير وحاضر وباد ومزاول للصنائع ومستعد للوظائف ومتعاط للتجارة والفلاحة -وأول شرط لهذا هو أن نعد قبل كل شيء المعلمين منا في سائر أنواع التعليم، ثم ننفق كل ما بأيدينا في سبيل نشر العلم بالمغرب ونجعل من ءاكد الواجبات علينا متابعة أحوال شبابنا ذكورا وإناثا حتى يتعلموا ويهذبوا على أحسن ما يجب أن يكون عليه المسلم الذي اذا احتيج اليه نفع، وإذا استغنى عنه أغنى نفسه- تيقنوا أننا لا نؤدي الواجب علينا في هذا السبيل حتى يتلقى كل ابنائنا وكل بناتنا مبادئ العلوم الدينية والدنيوية الضرورية في منتهى الثانية عشرة من عمرهم، ليكون كل رعايانا في القريب من المستقبل على بينة من أمر دينهم القويم، ويكابدوا مشاق الحياة بسلوك الصراط المستقيم، فيمكن لمريد العلوم أن يزيد وللتاجر والفلاح والصانع أن يتعاطى مهنته وهو على بصيرة مما يريد.

والذي نحث عليه بعد هذا هو حالتنا الاقتصادية التي هي محور دنيانا، فبصلاحها يصلح كل شيء، وبفسادها يتعسر بل يستحيل كل اصلاح، كثيرا ما شهدنا بغاية الاسف تبذير الناس في الحفلات العائلية كالاعراس وما يشبهها وما يقتحمه الكثير من الانفاق الخارج عن كل حد حتى في المئاتم، فان ذلك يؤدي بلا ريب الى فقر الامة، واذا افتقرت عجزت وصارت كلا على نفسها وعلى من يريد النهوض بها والسير بشؤونها الى الرقي والسعادة، ولو أنفق الناس في سبيل التعليم نصف ما يصرفونه في تلك المناسبات، لكان المغرب اليوم روضة من رياض العلم، ولتحلي شبابنا بحلية التهذيب والثقافة التي تؤهله لنفع بني جنسه وبلاده، اذن لكنا حقيقة "خير أمة أخرجت للناس" اذن لكنا في طليعة التقدم، ووجدنا من ابنائنا أطباء ومعليمن، ومديرين ومهندسين، وفلاحين أهل خبرة بالطرق الجديدة النافعة، وتجارا يتقنون وسائل الارتزاق بالحلال، فالذي نريده منكم ويسرنا من سيرتكم، هو أن تلازموا نافع الاقتصاد في كل الاحوال، متبعين في ذلك ما أرشدنا اليه الباري جل جلاله من التوسط في صرف الاموال، "ولا تجعل يدك مغلولة الى عنقك ولا تبسطها كل البسط فتقعد ملوما محسورا". وتعلمون بعد ذلك أن الزكاة أعظم أركان الاجتماع -اذ رد الغني على الفقير من ماله الواسع أخرجه من حرج العسر الى سعة اليسر، فيحمده ويشكر عمله، ويتقيد له بالاحسان، فتثبت بذلك الاخوة الحقيقية، وتتقوى عرى الاتحاد، حتى يصير كل أفراد الامة أعضاء جسد واحد، يبذل كل وسعه في صلاح الجميع، فيتم للامة بذلك الرقي البديع- ولا نعلم لاتحاد بني الانسان وسيلة خير كالاحسان، فهو على متانة الدين أقوى دليل، "وما على المحسنين من سبيل" فاذا سلكتم في حياتكم سبل التدبير، وأنفقتم أموالكم بدون اسراف ولا تقتير، رافعين بنود العلم لتستنير بها القلوب، وتسعى في مرضاة علام الغيوب، وشيدتم صروح النفع والاحسان، تعززتم بالمعالي بين بني الانسان وتقلبتم في مراسح الخير والسعادة، "للذين أحسنوا الحسنى وزيادة" سارعوا الى مجاني الفلاح، بسلوك سبل النجاح، واعملوا لرقي البلاد، فلا تزال تطالبكم بالحاح، واسعوا لسعادة العباد، بملازمة وسائل الاصلاح، واعملوا لتزدهر أوطانكم، ويباهي بكم سلطانكم، واظبوا على تأسيس منتج الاعمال، متئازرين في الاقوال والافعال، متعاونين على البر والتقوى، سالكين طرق التناصح والجدوى، لزهرة الدين مسرعين، ولسعادة الدارين طامحين، ويصبح بكم المغرب روضة رفاهية وسعادة، ويرقى بفضل الله درج الرقي والسيادة، تنور المعارف في مرابعكم، وتزدهي الفضائل في مجامعكم، نجلي في ميدان السباق، وقد طابت لنا الاخلاق، الى رضي الله نسارع، وبفضله نهتدي فتتم لنا المشارع، اذ بخيرالخلق نقتدي، فنردد حامدين وشاكرين، اذا طابت لنا الايام، ولنعم أجر العاملين "ان الدين عند الله الاسلام
 
رد: محمد الخامس بن يوسف الملك المقاوم

خطاب جلالة الملك محمد الخامس بمناسبة عيد العرش : 18 نونبر 1941
الاثنين 5 كانون الثاني (يناير) 2004, بقلم المركز المتعدد الوسائط

لو لم يكن من فضل لهذا العيد إلا مزية اجتماعكم حول سلطانكم الذي تعرفون عظيم محبته لشعبه الكريم لكفى سببا للاحتفال به والابتهاج بحلوله السعيد. ويسرنا أن نغتنم فرصة هذا الاجتماع لنعرب لكم عن متين يقيننا في ازدهار مستقبل المغرب وتيسير أسباب رفاهيتكم والحصول على وسائل سعادتكم.

تعلمون كم أسس سلفنا الصالح من المشاريع التي يحق للإسلام أن يفتخر بها بين الأديان ولمدنيتنا أن تصول بها في تاريخ بني الإنسان، إلى أننا لا ننكر ما أدركنا من الفشل في ذلك السير العجيب نحو رقي البشر ونشر العمران، وما أهملناه من روح الإخلاص والعمل في سبيل الله ومراعاة النفع العام. فمن ذلك أوتينا حتى وصلنا إلى ما تعلمون ولا ينكره أحد، إلا أننا لانزال بفضل الله في بحار لطفه سابحين، وفي جنان رحمته الواسعة متنعمين، فالقرآن بين أظهرنا منير مزدهر، وحديث خير البشر صلى الله عليه وسلم جلي منتشر، ولقد قال عيه الصلاة والسلام: تركت فيكم شيئين لن تضلوا ما تمسكتم بهما: كتاب الله وسنتي، فعليكم بهما نبراسا وهاجا، واستظلوا بظلهما تسلكوا إلى السعادة سبلا فجاجا. فلا سعادة إلا بهما ولا غبن إلا في نبذهما. ومهما تمسكتم بالعروة الوثقى ماكان شيء ليضركم كيف ما كانت شدته ومهما بلغت سطوته. فلا شدة تدوم في هذه الحياة الدنيا. ولا بؤس يخاف لمن اعتصم بالتقوى، ولئن تجلى لنا الله سبحانه بما عسى أن يرجع به العباد للطريق الاقوم، فالصبر سبيل النجاح للأمم. على أن هذه الأزمة النازلة بنا وإن ظهرت شديدة فهي بنسبة ما أصاب الغير خفيفة جدا فلا تزال ولله الحمد مظاهر لطفه سبحانه متجلية. ومناشير رحمته جل جلاله ظاهرة بادية. على أننا لا نالوا جهدا في تخفيف وطأتها وتكسير ما نستطيع من شوكتها. وغاية ما نوصيكم به هو الارتداء بجلباب الصبر فإنه مفتاح الفرج. ونحثكم على ملازمة صراط الله الأقوم. فلا يدوم مع الإنابة الى الله حرج، واعتنوا كل الاعتناء بتربية النشإ لعلكم ترشدون. وأحسنوا ما استطعتم الى البؤساء فبضعفائكم ترحمون. ومن الله سبحانه نستمد وسائل التوفيق ليسلك بنا مسالك النجاح، والى هداه أحسن طريق، إنه قوي مجيب
 
رد: محمد الخامس بن يوسف الملك المقاوم

شكرا جزيلا لك
 
رد: محمد الخامس بن يوسف الملك المقاوم

مشكور أخي الكريم فعلا ملك ضخى بالغالي و النفيس من أجل بلدنا الحبيب المغرب و يواصل حفيده جلالة الملك محمد السادس نصره الله طريق الاصلاح و التنمية حفظه الله و أبعد عنه عين الحاسدين
 
عودة
أعلى