نهوض الهند والتحدي الصيني

black ops

عضو
إنضم
8 يوليو 2010
المشاركات
1,500
التفاعل
77 0 0
لن يجازف أي مسؤول أميركي رسمي من الآن وصاعدا، بارتكاب «قلة ذوق» من النوع الذي ارتكبه وزير الدفاع الأميركي السابق دونالد رامسفيلد المستاء من الروابط النووية القوية بين موسكو ونيودلهي حين قال في عام 2001 أثناء لحظة سهو « تشكل الهند تهديدا لشعوب أخرى من ضمنها الولايات المتحدة وأوروبا الغربية ودول غرب آسيا».
ان المارد العالمي الهندي الذي يبلغ قمة ارتقائه الآن عزم على تغيير الواقع السابق في الأذهان والتخلص من الصورة التي رافقته دائما منذ حقبة جواهر لال نهرو باعتبار الهند مجرد فريق اقليمي «متمسك بدبلوماسية أخلاقية» يحكم اليوم عليها بشكل قاس والتحول الى المشاركة بالكامل في «الحقل الدائم للقوى العظمى» بالتعبير التصويري والتهكمي بعض الشيء للكاتب سونيل خلناني.

صحيح ان الظروف العالمية والاخفاق المدوي للنموذج الأميركي الأحادي لم يكن لهما تأثير كبير على الهند بحيث تكون أحد الأقطاب العالميين الخمسة أوالستة الذين يتمتعون بالسلطة والنفوذ، الى جانب الولايات المتحدة، والصين وروسيا، وأوروبا، واليابان، وربما البرازيل الا ان الهند تركز على تصعيد مكانتها وارتقائها مرتبة القطب القوي على الساحة العالمية من خلال التوسع الاقتصادي واعتماد الخيار العسكري واستغلال الضخامة العددية لسكانها وموقعها شبه الرسمي كدولة نووية منذ عام 1998.

ويتمتع الهنود الذين تتودد اليهم جميع الدول الكبرى باستثناء الصين بترفٍ نسبي يسمح لهم باختيار حلفائهم فهم في سياق سعيهم لان يصبحوا عضوا ثابتا في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة يتحرقون لاستكشاف نوايا ادارة باراك اوباما، التي تعتبر تلقائيا أقل تأييدا للهند من الادارة السابقة خصوصا فيما يتعلق بالخلاف الأبدي القائم بين الهند وباكستان، بخصوص اقليم كشمير.

ويعتبر كريستوف جافريلو المحلل الاستراتيجي المتخصص في الشؤون الهندية، ان التغير الثقافي العميق في الهند يجعلها تسعى الى التحول من داعية كبيرة للأخلاقيات الى منادية بمقاربة واقعية للعلاقات الدولية. وتحاول الهند تعزيز هذا الموقع من خلال ارساء ثلاث ركائز:

- عليها السهر على عدم السماح للأزمة الاقتصادية العالمية بتقويض خططها الانمائية.

- عليها الاستفادة ماليا من النجاح الدبلوماسي الرائع الذي حققته من خلال اتفاقية الطاقة النووية المدنية التي تفاوضت عليها مع واشنطن في عام 2005 (اتفاقية جورج بوش ومانموهان سينغ) والتي صادق عليها الكونغرس الأميركي في عام 2008 اذ تعيد هذه الاتفاقية النظر في قواعد اتفاقية عدم انتشار الأسلحة النووية وتقضي بتكريس الهند (بأسلحتها النووية المئة والخمسين) كقوة نووية عسكرية «مسؤولة».

- تمثل القوة العسكرية التقليدية بالنسبة الى الهند رهانا مهما بقدر الركيزتين الأولى والثانية فالقارة الآسيوية تشهد ذروة اعادة التسليح لجيوشها ولاشك انه المنحى الذي يثير أكبر السجالات والتساؤلات لدى صناع الاستراتيجية الهندية.

فيما يتعلق بالسلاح غيرالتقليدي يبدو ان نيودلهي وصلت الى نقطة توازن حقيقي منذ فبراير 2008 حينما نفذت أول عملية لاطلاق صواريخ باليستية استراتيجية من غواصة بحرية كما دشنت الهند في 26 يوليو 2009 أول غواصة نووية ذات صناعة محلية لتصبح بذلك قوة نووية من المرتبة الأولى قادرة على ردع العدوان بضربة لاحقة حتى وان بقيت العقيدة الاستراتيجية الهندية هي التزود بوسائل الردع الفعالة بحدها الأدنى وعدم المبادرة الى استخدام السلاح النووي. وفيما يتعلق بالتسلح التقليدي، فقد ظهر هذا التوجه بوضوح بعد ان طرحت الهند مناقصة قيمتها 12 بليون دولار للحصول على 126 طائرة مقاتلة من رواد صناعة الطيران الحربي في العالم ثم بدأت في 17 أغسطس 2009 دراسة ومقارنة العطاءات.

- أمام الصين
تبحث الهند عن طريقها الخاص لفرض مصداقية ردعها ازاء الجيوش الغربية والصين التي تعمل على تحديث قواتها بخطوات متعاظمة من الاتصالات وصولا الى الانظمة الفضائية ولكون الهند لاتزال مرتبطة بنموذج عملي استراتيجي يعود الى الحرب الباردة وتجهيزات روسية (حوالي 80 في المئة من واردات الأسلحة الهندية من روسيا) ترغب الهند في تسريع وتيرة تحولاتها العميقة في امتلاك عناصر القوة خاصة انه في أقل من 15 عاما، حدثت ثورة تقنية هائلة في انظمة المراقبة والاتصالات وتحديات الحرب غير النظامية وبروز ظاهرة عسكرة الفضاء، وضرورة تطوير برامج الأمن الداخلي وتأمين الحماية لخطوط الاتصالات البحرية.

وانطلاقا من هذا الواقع تسعى النخب المدنية والعسكرية الهندية في التنظير لنموذج أمني ملائم فهي تأمل من خلال تنويع الموردين الأجانب ومن خلال المراهنة على تحول ثقافي تدريجي الى احداث ثورة في أدواتها العسكرية التي يعتبر البعض انها لم تخرج تماما من تقاليد «جيش الهند» البريطاني.

ولتحقيق ذلك شهدت الميزانية العسكرية الهندية في 2009 2010 أعلى ارتفاع سنوي في تاريخها (23.7 في المئة) لتصل الى 29 بليون دولار.

وتمتلك الهند أكثر من 1.3 مليون رجل وامرأة في الخدمة العسكرية أي انها ثالث قوة عالمية بالنسبة الى تعداد جيشها بعد الصين والولايات المتحدة. ويضم الجيش البري القسم الأكبر من القوات الهندية المقاتلة ويضم وحدات نخبة وقوات خاصة لها شهرتها، لكن الوضع العام للتجهيزات البرية لا يبدو جيدا حيث هناك تجهيزات قديمة وآليات بطل عملها وصعوبة ابقاء المعدات في حالة استعداد، وهذه ثغرات أساسية تغذي شعور الكبت لدى «القوات البرية» التي كانت المستفيد الأقل من ميزانيات البحوث والتطوير والمشتريات قياسا بالقوات الجوية والبحرية.

ويعد تطوير الهند للقوات البحرية والجوية حجر الأساس في القوة الهندية اذ يرمز كل من انجاز برنامج الغواصات النووية الوطني في يوليو2009 واطلاق الغواصة الحربية «INS Arihant» التي لن تدخل الخدمة قبل عام وشراء حاملتي طائرات من روسيا يعاد تأهيلهما الى الموقع الجديد الذي تطالب به الهند كقوة محيطية شاملة.

ومما لاشك فيه ان القوات الجوية هي العنصر الأكثر شهرة واحتضانا من بين القوات المسلحة الهندية وكان يناط بهذا السلاح الذي انشأه البريطانيون في عام 1933 مهمات تكتيكية من قبل المستعمر وسعت الهند بعد الاستقلال الى تطوير تشكيلاتها من خلال محاولة الحصول على طائرات أميركية من طراز «F-104» لكن الشراكة بين واشنطن واسلام آباد لم تسمح بذلك، ولذا اعتمد الطيران الهندي لفترة طويلة على الصناعة الروسية وأخذ الطيارون الهنود ثقافة الطيارين السوفييت الأكثر دفاعية ولعل طائرات الدفاع الجوي من طراز «Mig-21» التابعة للقوات الجوية الهندية ترمز الى هذا الارث.

أما الطيارون الذين باتوا يطمحون الى بلوغ مستوى «الهجوم في العمق الأكثر استراتيجية فيطالبون بانظمة تشبه انظمة القوات الغربية، ويمارسون ضغطا كبيرا لدرجة ان الجيش الهندي اليوم هوالمشتري الوحيد في العالم الذي يوافق الروس على بيعه انظمة أحدث من تلك التي يمتلكها جيشهم الخاص وصولا الى التطوير المشترك بين موسكو ونيودلهي لبرامج من الجيل الخامس».

لكن ذلك لم يكن كافيا بالنسبة للهند اذ يجري طلب المعدات من اسرائيل وفرنسا وحتى الولايات المتحدة بالرغم من المناهضة التقليدية لأميركا التي لاتزال قوية في الهند. وعلى سبيل المثال عرضت القوات الجوية 26 برنامج تجهيز على المنافسة الأكثر رمزية من بينها اليوم برنامج الطائرة الحربية المتعددة الأدوار من الجيل الرابع «MMRCA» ويتضمن الطلب الهندي 126 وحدة مقابل حوالي 12 بليون دولار وتتهافت على ما يعرف باسم(عقد القرن) الشركات الأوروبية Dassault، Sabb وEADS والروسية MIG والأميركيتان Boing وLockheed Martin، اللتان لقي عرضاهما الدعم مؤخرا من هيلاري كلينتون وروبرت غيتس أهم أركان ادارة اوباما وذلك أثناء زيارتهما الى الهند.

وتدفع ما أسماه جنرال الطيران الحربي ف. ك. فيرنا، بـ«الصدمة الناجمة عن التمييز العنصري التكنولوجي لسنوات الحرب الباردة» الهنود للسعي الى تأسيس صناعة مستقلة تماما على المدى الطويل في مجال الطيران فهم لا يرغبون في مقايضة سريعة لعلاقاتهم بالروس الذين يعرفونهم تمام المعرفة، مقابل ارتهانهم للغربيين المعتادين على الانقلابات المفاجئة في التحالفات وبالنسبة الى الفائز بالصفقة أيا كان فان برنامج الطائرة الحربية «MMRCA» يتضمن شروطا صارمة فيما يتعلق بنقل التكنولوجيا اذ سيتم تسليم الطائرات الـ18 الأولى قبل عام 2012، لكن الطائرات الـ108 الباقية ستصنع في الهند من قبل شركة Hindustan Aeronautical Limited كما ستلتزم شركة التصنيع التي سيتم اختيارها باستثمار نصف قيمة العقد في الاقتصاد الهندي بحد أدنى يبلغ 6 بلايين دولار.

ويعكس هذا السعي الى التطوير والتحديث في المجالين الجوي والبحري رغبة نيودلهي في تملكها القدرة على التدخل في الأمد البعيد ففي عام 1999، وفي مجلة «الدفاع عن الهند» دافع غاسوانت سينغ، وزيرالخارجية حينذاك عن هذا الخيار الجديد لكن سواء أرضى ذلك انصاره المتحمسين أم لا فلايزال هذا الانحراف في الوجهة لسلطة محيطية وجوية الممزوج بانبهار تكنولوجي يبدو سطحيا بعض الشيء ليس فقط بسبب الثقافة الهندية التي طالما اعتبرت المياه السوداء للمحيط مسكونة بالشياطين وانما بالأخص نظرا الى التحديات الضخمة القائمة أصلا في البيئة الجغرافية المباشرة للبلاد.

- النزاعات المحيطية
والسبب ان هذه البيئة تتمحور حول كل من آسيا الجنوبية والجنوبية الشرقية المزودة بكثافة بالسلاح النووي فضلا عن وجود مجموعة كبيرة من الرهانات الاقليمية ذات التداعيات العالمية من تايوان الى كشمير مرورا بجزر سبارتلي. ولذا مهما كانت مساعي الهند لـ«تصدير الأمن» أو تحقيقه من الجبهات أو من المدى الأبعد جغرافيا (وفق النموذج المضاد الأميركي) فلا يمكن للهند تجاهل خصومات الجيرة مع باكستان والصين وهما زوجان حليفان يختصران وحدهما هواجس الحصار التي تنتاب نيودلهي.

واذا كان الاستراتيجيون الهنود يشددون على تصوير باكستان كملحق ثانوي بالصين وهو ما ينفيه الهاجس الهندي الموروث من التاريخ المحتدم حيال الشقيق العدو الا انهم في المقابل يتابعون عن قرب التطورات التكنولوجية والاستراتيجية الصينية التي تقلقهم أكثر بكثير، والتي غالبا ما يميلون الى الافراط في تفسيرها. هكذا يعتبر العديد من الاستراتيجيين ان «الواقع الجيوسياسي الآسيوي يجعل من الصعب ان لم يكن من المستحيل اقامة علاقة أخوية بين البلدين مستقبلا واذا استمرت الهند والصين في تعزيز موقعهما في الأعوام المقبلة فستكون المنافسة حتمية على الصعيد الأمني».

ويؤكد القرار الهندي الأخير باستثناء الجيش الصيني في عام 2009 من المعرض الثاني للقوات البحرية الهندية على هذا الحذر المتزايد، فبالنسبة الى نيودلهي، يبدو تدخل بكين غير مقبول في هذا المعرض الذي يجمع قادة أركان القوات البحرية التابعة الى الدول المحاذية للمحيط الهندي والذي تأسس في فبراير 2008 برعاية هندية.. هنا كانت الاحتجاجات الصينية قوية فالصحف الرسمية قد سخرت من مفهوم «محيط الهنود» وقرنت ذلك برفض نيودلهي تحول بكين الى مراقب في جمعية آسيا الجنوبية للتعاون الاقليمي بالرغم من الدعوات الموجهة الى أعضاء ثانويين آخرين.

كما ان الهاجس الهندي حول «عقد اللؤلؤ» وهي سلسلة من القواعد البحرية الصينية قيد الانشاء تمتد من بحر الصين الجنوبي وصولا الى شواطئ افريقيا مرورا بالمحيط الهندي هو أساس هذا الاصرار على ابقاء بكين بعيدة عن مساحة بحرية تدعي نيودلهي بوضوح السيطرة عليها.

بيد ان كثافة التدفقات البحرية المعولمة في هذه المساحة اضافة الى المشاعر المختلطة للدول الساحلية الأخرى ازاء الهند (بدءا بباكستان وسريلانكا وبورما أو جزر المالديف حتى تاريخ قريب) تتداخل لتسهيل الوجود المتزايد للقوات البحرية التابعة لـ «جيش التحرير الشعبي الصيني» داخل ما لم يعد يعرف اليوم بـ«محيط الهنود» وفي انتظار ذلك جسد التسابق بين القوتين البحريتين على توجيه قواهما ضد القراصنة الصوماليين مرة أخرى وبوضوح بوادر هذه الخصومة المحيطية.

وفي ناحية الشمال الشرقي لم يتم ايجاد حل للصراع مع الصين حول منطقة «أروناشال براديش» وبصورة أشمل يتركز القلق المستمر لقيادات الأركان في نيودلهي على الولايات الثمانية لهذه المنطقة والمرتبطة بنصف القارة الهندية فقط عبر ممر «سيليغوري» الحدودي (بعرض يتراوح بين 21 و40 كيلومترا) فقد منع الأجانب من دخول جزء من هذه المنطقة لحوالي أربعين سنة، ويكثر المتمردون الانفصاليون فيها، لكون ثقافات الأكثرية فيها مختلفة جذريا عن ثقافات نصف القارة، ولاتزال الجبهة الموحدة لتحرير آسام» ترفض استمرار السلطة الهندية، التي تشك الهند بدور الصين في تقديم المساعدات لها. وبعيدا ومن جهة الجنوب توجد بنغلاديش التي تشكل «معقلاً» متمركزًا حول دلتا براهمابوترا والتي تتعرض لوضع ديموغرافي واقتصادي صعب ويتدفق كثير من المهاجرين منها باتجاه الهند التي تستخدم حوالي خمسين ألفا من قواتها المسلحة لاعاقة هذا السيل البشري كما بادرت الى بناء جدار فاصل (4000 كيلومتر من الاسلاك الشائكة) بالرغم من الاحتجاجات الدولية وذلك لوضع حد لأي انتقال كثيف للسكان وتعزز هذه المراقبة اليوم بطائرات الاستكشاف. وعلى الرغم من المساعدة المصيرية التي قدمتها الهند الى بنغلاديش في عام 1971 لدى انفصالها عن باكستان الغربية لم تكن الدولتان (الهند وبنغلاديش) أبدا مولعتين الواحدة بالأخرى حتى ان شيتاجونغ المرفأ الأساسي في بنغلاديش أصبح محطة للبحرية الصينية لكون بكين لم تبخل بجهد لاعادة تأهيل القسم العسكري للمنشأة البحرية.

- استراتيجيا وثقافة
بالتوازي مع المساحات المحيطية الكبيرة تشكل بؤر النزاع البرية الاطار العام الذي يتطلع اليه الفكر الدفاعي الهندي، حيث تستهوي هذه الرهانات الرأي العام الهندي، وتتزايد عدد المجلات حول العقائد العسكرية ومراكز الأبحاث بشكل كبير منذ عشرة أعوام مثل مركز دراسات القوة الجوية التابع لسلاح الجو الهندي ومجموعة التخطيط الاستراتيجي أو مجموعة جنوب آسيا للدراسات التابعة للمسؤول الهندي السابق في محاربة الارهاب باهوكوتومبي رامان، الذي يعد مؤيدا لاستراتيجية أمنية صارمة خارجيا كان ذلك أم داخليا.ويحتدم السجال كما في جميع الدول وتنشأ خصومات اعتيادية بين مؤيدي الخيارات البرية والبحرية والجوية والفضائية وفي سياق تعزيز رؤاهم يشرح الخبراء دروس التجارب الاستراتيجية الهندية، اذ يعرض هؤلاء على الفكر الاستراتيجي نماذج لحروب تقليدية (حملة كشمير في عامي1947 - 1948، والحروب الهندية - الصينية في عام 1962، والهندية - الباكستانية بين عامي 1965 - 1971) ولحروب محدودة «عمليات الأمم المتحدة في الكونغوفي عام 1961 - 1962) ولعمليات حفظ السلام (القوات الهندية لحفظ السلام في سريلانكا في عام 1987، وعملية «الصبير» في جزر المالديف في عام 1988) وكذلك لعمليات مختلطة (حرب كارغيل المسماة حرب «المسطحات الجليدية» في كشمير في عام 1999).

واذا كان الارث التاريخي كما التكنولوجي والموروث التاريخي والنزاعات الحدودية عوامل تؤكد دائما الذهاب نحو نموذج الفرق العسكرية الثقيلة فان الجيش الهندي يراهن على التكيف التكنولوجي والتكتيكي على حد سواء وذلك في مواجهة انتفاضة «النالكساليت» في الهند الوسطى أو الحركات الانفصالية في الشمال الشرقي. وتدرس القوات الجوية عن قرب الحملة الجوية التي شنت في سريلانكا في عام 2008 باحثة من خلالها عن وصفات قابلة للتطبيق في مجال مواجهة الانتفاضة (التنسيق بين القوات البرية والجوية واستخدام طائرات الاستكشاف) ومن جهتها، قدمت مناورات «هند شاكتي» التي أجرتها القوات البرية في مايو2009، في البنجاب، محاكاة لغارة على باكستان واختبرت طريقة أكثر ليونة للهجوم الصاعق مستوحاة من أكثر الدروس التكتيكية جرأة في مدرسة المدرعات الروسية.

ويقول البعض ان تلك المناورات قد استفادت من وسائل فضائية جديدة، ففي ابريل 2009، وضعت الهند في الفضاء قمرا صناعيا للمراقبة يعمل في كل الظروف، هو القمر «RISAT-2» اسرائيلي المنشأ وخصص لمراقبة الحدود الباكستانية.

وعلى غرار بكين التي ينظر القادة الهنود بعين الحسد الى «القناة الخاصة» العسكرية للنظام الصيني «بايدو» المتخصص في تحديد المواقع الجغرافية بالأقمار الصناعية تسعى نيودلهي الى استثمار تقدمها في المجال الفضائي للاستفادة من الميزة الاستراتيجية الناتجة عن العسكرة المتزايدة للفضاء، والهدف هو الابقاء على التوازن مع الصين.

ووفقاً للعسكريين الهنود، تتطلب هذه الاستراتيجية الاستثمار في آلية هجومية للدفاع في الفضاء، لانه وفق السيناريو المحتمل لنشوء نزاع محدود، لن تتردد الصين في حجب الرؤية عن أقمار المراقبة هذه، أو تدميرها بصورة انتقائية، بهدف اضعاف القدرات الهندية لتعوق بالتالي اطلاعنا الضروري على أرض المعركة وهذا ما يحذر منه العقيد كازا لاليتندرا من سلاح الجو الهندي.

على رأس قائمة تلك السجالات الداخلية حول أشكال الصراع المرتفع أو المنخفض الحدة من الحروب في الجبال وصولا الى السيطرة الفضائية مرورا بالحجم المثالي للقوات الخاصة الهندية، يتداخل أخيرا نقاشان أفقيان ينبثقان عن الرهانات الجيوسياسية للهند الجديدة.

يتجسد النقاش الأول حول المعضلة التي سبق ذكرها بين نموذج دفاعي يتمحور حول الأولويات الحدودية ونموذج آخر أكثر طموحا لـ«عرض القوة» عالميا، يفرض مناصروه المتحمسون حججهم بشكل متزايد في قيادات الأركان لمواجهة الصين. وتتجلى هذه الازدواجية النظرية خاصة في سلاح البحرية حيث يعتبر البعض المتأثرون بالمدرسة السوفييتية ان الأسطول البحري مجرد مساعد يساهم في خلق توازن نووي اقليمي في حين يرغب البعض الآخر المتدربون في المدارس الأميركية في اعاقة التوسع الصيني من خلال استراتيجية محيطات مضادة للبواخر أكثر عدائية.

أما النقاش الثاني فيهدف من جهته الى اقناع السلطة السياسية بهشاشة الهند المتعددة الثقافات في مواجهة الارهاب ارتكازا على هجمات المسلحين على مومباي (174 قتيلاً في 26 نوفمبر 2008) حيث يطالب البعض بتقارب أفضل بين الدفاع والأمن(أمن داخلي عسكري) فبالنسبة الى وزير المالية براناب موخرجي، الذي عرض في 7يوليو2009 الميزانية الجديدة للاتحاد «ان الهجمات الارهابية على مومباي قد منحت طابعا جديدا بالكامل للارهاب الحدودي وقد تم اجتياز عقبة جديدة حيث تدهورت بيئتنا الأمنية بشكل كبير هذه النزعة هي المسيطرة اليوم وتستعد البلاد للحصول خلال الأعوام الثلاثة المقبلة على أكثرمن 10 بلايين دولار من التجهيزات الخاصة بتأمين الحدود(طائرات بدون طيار للمراقبة زوارق اعتراض خفيفة جوازات سفر قياسية مروحيات نقل أسلحة لحرب المدن).أما بالنسبة الى القوات الخاصة الهندية فيفترض ان يرتفع عددها بشكل كبير نتيجة عملية اعادة التوازن الحالية بين الفرق الخاصة التابعة لوزارة الداخلية والوحدات العسكرية، لصالح هذه الأخيرة والأهداف هي محاربة الارهاب والتدخلات المدنية.
وبالرغم من ان الهاجس التكنولوجي يزداد رسوخا لايزال الجيش الهندي بسبب هذه السجالات الاستراتيجية والثقافية فيلا ثقيلا بطيء التحول...فهل يمكن للأوضاع المالية ان تؤثر على طموحات نيودلهي الدفاعية؟.
ينفي الخطاب الرسمي ذلك فبالنسبة الى برديب كومار الذي كان مسؤولاً عن الانتاج العسكري قبل تعيينه وزيرا للدفاع في يوليو 2009، سوف تستمر عملية تحديث القوات المسلحة الهندية، ولن يكون للأزمة المالية أي تأثير على سياقه.
وهكذا يعيش مثال نهرو «الأخلاقي» غير المنحاز الذي كان ضحية جانبية للواقعية المتعددة الأقطاب، لحظاته الأخيرة في عقول أصحاب القرار الهنود.
 
عودة
أعلى