مقالات الكاتب الكبير ابراهيم حجازي

رد: مقالات الكاتب الكبير ابراهيم حجازي

مقالات الاستاذ ابراهيم حجازي في جريدة الأهرام عن حرب أكتوبر رائعة قرأت بعضها خصوصا المقالات التي نشرت في أكتوبر الماضي.
و الواقع أن أكثر المقالات التي أعجبتني هو هذا المقال و أقتبس منه هذا الجزء.
‏5‏ـ مدير المخابرات الإسرائيلية إيلي زاعيرا في كتابه حرب يوم الغفران قال بالحرف الواحد‏:‏

إن خطة الخداع المصرية هي أكبر نجاح علي المستوي الاستراتيجي وتكمن عظمة الخطة وسر نجاحها في الإدراك بأنه لكي تنجح في خداع الجيش الإسرائيلي أن تنجح في خداع الجيش المصري نفسه إلي ما قبل لحظة بدء الحرب ذاتها ومن أجل خداع الجيش المصري كان لزاما علي السادات ومجموعة كاتمي الأسرار المحدودة أن ينفذوا ثلاثة شروط‏:‏

الأول‏:‏ الحرص علي أن يبقي توقيت الحرب سرا دفينا وألا يوزع كأمر عمليات سري للغاية إلا في آخر لحظة‏.‏

الثاني‏:‏ إلغاء الحاجة إلي إجراءات الحشد والاستطلاع قبل شن الحرب نظرا إلي أن مثل هذه الأعمال بطبيعتها تكشف النقاب عن النيات‏.‏

الثالث‏:‏ وضع خطة حرب بسيطة وفاعلة لا تحتاج إلي إجراءات أو تحركات معقدة تتطلب تغييرات في أوضاع القوات علي الجبهة‏..‏ وقد نجح الجيش المصري في استيفاء وتحقيق كل شروط المفاجأة بل إن كل مناوراته اعتبارا من‏1971‏ كان هدفها الإعداد لتنفيذ خطة بسيطة يفاجئ بها الجيش الإسرائيلي‏!.‏

هذا كلام مدير المخابرات الإسرائيلي‏..‏ فهل في كلامه ما يفيد أو يشير أو يلمح إلي أن مصر انهزمت؟

‏6‏ـ خبراء الاستراتيجية في العالم وقت حرب أكتوبر وبعدها ولا أظن أن وزير الخارجية الإنجليزي واحد منهم‏..‏ جميعهم أجمع علي انتصار مصر‏..‏ وأكتفي هنا بكلام ديبويه وهو من أكبر خبراء الاستراتيجية في أمريكا وقتها‏..‏ والجنرال الفرنسي بوف قائد القوات الفرنسية في العدوان الثلاثي علي مصر‏...‏ اجتمع الخبير الأمريكي والخبير الفرنسي علي شيء واحد قالا فيه‏:‏

لا يحق لأي جيش في العالم مهما كانت درجة تقدمه أن يدعي أنه كان بإمكانه أن يخطط أو ينفذ حربا علي نفس الدرجة التي أدار بها الجيش المصري حرب‏1973...‏

بل إن ديبويه ذكر في كتابه النصر المراوغ أن ما قامت به إسرائيل في عملية الثغرة هزيمة وعملية تليفزيونية أدت إلي تحقيق الهدف المصري في إطالة زمن الحرب ووضعت إسرائيل نفسها في وضع حصار لقواتها في الثغرة لم تنقذها منه إلا الولايات المتحدة الأمريكية في صفقة فض الاشتباك الأولي التي وقعت في‏17‏ يناير‏1974.‏

‏7‏ ـ الخبير الاستراتيجي الأمريكي شهد بأن الثغرة لم تكن انتصارا ووزير الخارجية الإنجليزي إياه يري أنها انتصار معه مصر تعتبر مهزومة‏!.‏
 
رد: مقالات الكاتب الكبير ابراهيم حجازي

أووووووه لا لا
شكلنا هنقضى يومين ف الموضوع بتاعك يا ستنا
ابراهيم حجازى - بغض النظر عن قيمته كراجل عسكرى سابق و كاتب صحفى حاليا - انسان بسيط متواضع و مسلى ايضا و اللى بيتابع برنامجه - أظن اسمه دائرة الضوء - هيتأكد من ده

الموضوع دا لازم يتثبت و الاخت ريمان تواظب على رفع المقالات و هيبقى موضوع ممتاز
 
رد: مقالات الكاتب الكبير ابراهيم حجازي

عفوا كنت أقصد الاخت ايمى بس المشاركات ما بتتعدلش مش عارف ليه مع انى جربت كل الاستايلز الموجودة
 
رد: مقالات الكاتب الكبير ابراهيم حجازي

أووووووه لا لا
شكلنا هنقضى يومين ف الموضوع بتاعك يا ستنا
ابراهيم حجازى - بغض النظر عن قيمته كراجل عسكرى سابق و كاتب صحفى حاليا - انسان بسيط متواضع و مسلى ايضا و اللى بيتابع برنامجه - أظن اسمه دائرة الضوء - هيتأكد من ده

الموضوع دا لازم يتثبت و الاخت ريمان تواظب على رفع المقالات و هيبقى موضوع ممتاز

أتمنى فعلا تثبيت الموضوع
أعتقد أن الاستاذ ابراهيم حجازي ما زال مستمرا في كتابة المقالات.
 
رد: مقالات الكاتب الكبير ابراهيم حجازي

أتمنى فعلا تثبيت الموضوع
أعتقد أن الاستاذ ابراهيم حجازي ما زال مستمرا في كتابة المقالات.

فعلا ابراهيم حجازة ليه طريقه خاصه غريبه
بسيط ومش متكلف , تحس انه ابن بلد كده
واول ما قرأت عن حرب اكتوبر وانا صغير كان مقال عن ابراهيم الرفاعى وعن قصة استشهاده
ومن ساعتها حببنى فقراءة المزيد




النسرالمصرى(المجموعه73)
 
رد: مقالات الكاتب الكبير ابراهيم حجازي

أووووووه لا لا
شكلنا هنقضى يومين ف الموضوع بتاعك يا ستنا
ابراهيم حجازى - بغض النظر عن قيمته كراجل عسكرى سابق و كاتب صحفى حاليا - انسان بسيط متواضع و مسلى ايضا و اللى بيتابع برنامجه - أظن اسمه دائرة الضوء - هيتأكد من ده

الموضوع دا لازم يتثبت و الاخت ريمان تواظب على رفع المقالات و هيبقى موضوع ممتاز




ايه ستنا دي كده خلتني ستو خليني جدو احسن هههههههه:celebrate14[1]::celebrate14[1]::celebrate14[1]:

وان شاء الله اواظب علب رفع المقالات ولا يعوقني سوي ان النت بيستهبل شوية
 
رد: مقالات الكاتب الكبير ابراهيم حجازي

فعلا ابراهيم حجازة ليه طريقه خاصه غريبه
بسيط ومش متكلف , تحس انه ابن بلد كده
واول ما قرأت عن حرب اكتوبر وانا صغير كان مقال عن ابراهيم الرفاعى وعن قصة استشهاده
ومن ساعتها حببنى فقراءة المزيد




النسرالمصرى(المجموعه73)

انت كمان !!!

اول مقال قرأته له كان عن قصة هذا البطل العظيم ومن ساعتها وانا متابعة لكل مقالاتة وهو السبب الرئيسي في حبي للموضوعات العسكرية
 
رد: مقالات الكاتب الكبير ابراهيم حجازي

أتمنى فعلا تثبيت الموضوع
أعتقد أن الاستاذ ابراهيم حجازي ما زال مستمرا في كتابة المقالات.

شكرا علي شعورك الطيب وفعلا الاستاذ ابراهيم حجازي مازا مستمرا في مقالاته اسبوعيا وما نقله الي الان احدث المقالا التي كتبها
 
رد: مقالات الكاتب الكبير ابراهيم حجازي

خارج دائرة الضوء
حــرب أكتوبـــــــر‏1
ما بين‏5‏ يونيو‏67‏ و‏8‏ أغسطس‏1972‏
رأينا رأس العش وإغراق إيلات المدمرة
ونسف إيلات الميناء و‏500‏ يوم حرب استنزاف‏!‏
‏بقلم : إبـراهيـم حجـازي​




الزمن يجري والسنوات تمر ونحن في غفلة‏!‏
حرب أكتوبر‏1973‏ مرت عليها‏35‏ سنة بما يعني أن المصريين الذين هم في سن الـ‏40‏ الآن‏..‏ كانوا في الخامسة من عمرهم وقتها ولايعرفون شيئا عنها‏..‏ وهنا تطل علينا حقيقة لا نحب أن نراها وهي أن كل من هم أقل من الـ‏40‏ سنة في هذه السنة أعدادهم في تزايد كل سنة وكلها كام سنة ويصبحون الأغلبية العظمي من تعداد وطن سيكتشف يوما أنه لا توجد في ذاكرته أي حاجة تذكر عن أعظم انتصارات أمة‏!‏

حلم حياتي أن تنتج القوات المسلحة ولا أحد غيرها فيلما عالميا عن حرب أكتوبر‏1973.‏

هذا الحلم لا يفارقني لدرجة أنه جعلني أري أمامي تترات الفيلم وهي مشاهد متتالية من سيناء يوم‏5‏ يونيو‏1967‏ وما تلاها من أيام إلي أن نصل إلي آخر مشاهد التتر أو المقدمة التي تسبق الفيلم وآخر مشهد القوات المصرية الشاردة المنسحبة وهي تخوض في مياه القناة من الشرق إلي الغرب تاركة وراءها سلاحها وذخيرتها وأرضها وعند هذا المشهد تثبت الصورة‏'FiXCADR‏ س لتكون آخر كادر في تترات الفيلم‏!.‏

آخر مشهد في التتر جنود يرمون بأنفسهم في القناة تاركين الشرق متجهين إلي الغرب‏!.‏ تاركين سيناء الأرض والشرف والعزة والكرامة‏.‏ آخر مشهد في مقدمة الفيلم‏..‏ شاهد إثبات علي أبشع هزيمـــة يمكــن أن تلحق بجيش في العالم‏!.‏ آخر مشهد لسان حاله يقــول مستحيـــل أن تصلب مصــــر عودهـا وتفكر في أرضها قبل‏30‏ سنة‏!‏

وتنتهي تترات الفيلم الحزينة لتبدأ الأحداث بقرار للعدو أراد أن يقضي به علي ما قد يكون متبقيا من معنويات جيش وكرامة شعب‏..‏ قرر الصهاينة الاستيلاء علي بورفؤاد باعتبارها المدينة الوحيدة في الشرق التي لم تسقط ولم يكن هذا بيت القصيد‏,‏ إنما كان الهدف إقامة مؤتمر صحفي عالمي لصقور الصهاينة من علي أرض بورفؤاد التي هي ليست بأي مدينة باعتبارها الشقيقة الصغري لمدينة بورسعيد التي يعرف العالم كله أنها الصمود وليست فقط الرمز للصمود‏..‏ وعندما ينتهك الصهاينة عرض بورفؤاد التي يفصلها عن بورسعيد القناة‏..‏ عندما يفعلون ذلك فهذه إشارة إلي أن أيديهم طايلة والدور علي بورسعيد وأن أي شيء بإمكانهم أن يفعلوه طالما جيش مصر انسحب وانهزم دون أن يحارب‏!‏

هذا ما أرادوه وقرروه إلا أن الله عز وجل كان له قرار آخر‏..‏ ومكروا ومكر الله والله خير الماكرين‏.‏

الذي أراده اليهود هو الاستيلاء علي بورفؤاد بغرض دهس كرامة شعب ومحو معنويات جيش‏..‏ إلا أن كلمة الله هي العليا وإرادة الله تمحو كل الإرادات‏..‏ والله أراد لهم ما دبروه لنا‏!.‏ أراد لهم أن يقوموا بحملة عسكرية هائلة للاستيلاء علي آخر مدينة مصرية في الشرق‏..‏ وفرض الله علينا القتال في معركة غير متكافئة علي الإطلاق‏..‏ فرضها الله علينا حتي نعرف أننا لم نمت وأننا نقدر علي الصمود أمامهم بل والنيل منهم‏!‏

أراد الله لنا هذه المعركة لأجل ألا تمر هزيمة‏1967‏ والمقاتل المصري لم تتح له فرصة مقاتلة العدو‏..‏ ليعرف أين هو من هذا العدو‏!.‏ أراد الله هذه المعركة لأن هذه المواجهة لم تحدث من قبل لا في‏1948‏ ولا في‏1956‏ ولا في‏1967‏ وفي كل مرة تحسب علينا هزيمة ونحن أصلا لم نحارب لنعرف علي الأقل هل العيب فينا أم أن الميزة فيهم‏!‏

أراد الله هذه المعركة التي استمرت ليلة بأكملها لم يستطع خلالها طابور مدرع صهيوني تري أوله العين ولا تدرك آخره‏..‏ طابور لم يستطع التقدم مترا واحدا أمام مقاتلين مصريين أقسموا علي ألا يمر العدو إلا علي جثثهم وخلاف هذا لن يتقدم العدو شبرا واحدا‏!‏ أراد الله معركة رأس العش لنعرف نحن أننا أحياء ونعرف أننا أقوياء ونعرف أن أسطورة الجيش الذي لا يقهر خيال ووهم صنعوه وصدقوه وكدنا نؤمن به ونستسلم له بعد حرب‏5‏ يونيو‏!.‏

أراد الله أن نري بعيوننا وعقولنا وقلوبنا بذرة الأمل وهي تنبت في رحم الهزيمة‏!.‏ أراد الله معركة رأس العش لأجل أن نثق في أنفسنا ونثق في أننا نقدر علي التصدي لهم ونلزمهم مكانهم‏!.‏ أراد الله رأس العش ليعرف الصهاينة أن المصريين ليسوا صيدا سهلا ولن يكونوا‏!.‏ أرادها الله ليعرف الصهاينة أنه ليست كل اللحوم تؤكل وأن المصريين لحمهم مر‏!‏

خلاصة القول إن حرب‏6‏ أكتوبر بدأت فعالياتها من يوم‏1‏ يوليو‏1967..‏ يوم معركة رأس العش التي اطمأنت مصر فيها واطمأن قلب مصر خلالها إلي أنها وطن خير أجناد الله علي الأرض‏!‏

معركة رأس العش أرادها الله لنعرف أن الهزيمة أمام الصهاينة ليست قدرا مكتوبا علينا أو أنها الحقيقة الوحيدة في حياتنا‏!.‏

أرادها الله في توقيت دقيق غريب فيه جيش مصر يلملم نفسه وبشق الأنفس ويلصم ما يقدر عليه من وحدات‏..‏ ومن إحداها هؤلاء المقاتلون الذين فرض الله عليهم قتالا غير متكافئ علي الإطلاق في معركة رأس العش‏..‏

كل الظروف ليست في مصلحتنا ومع هذا فرضها الله علينا لأجل أن نوقن ونؤمن بأنه خلقنا لنصمد ونتصدي ونواجه وننتصر‏..‏ وهذا ما حدث‏..‏ والذي حدث في تلك الفترة صعب جدا رصده علي شخص مثل العبد لله ليس تحت يديه كل المعلومات‏.‏ وهنا شكر وامتنان وتقدير للخبير العسكري اللواء عبد المنعم كاتو‏..‏ الذي هو بحق موسوعة معلومات مدققة موثقة لهذه المرحلة البالغة الأهمية في تاريخ الوطن‏!‏

كل الظروف ضدنا‏!.‏ عدو في عمق مصر علي القناة بعد أن احتل سيناء بأكملها ويربض علي مواجهة طولها‏165‏ كيلومترا ما بين السويس وبورسعيد‏!.‏ أهالي ثلاث محافظات تم تشريدهم سنوات بسبب التهجير‏!‏ دول العالم كله باتت قناعتها تامة بأن العرب لا وزن لهم وأن كل ما يملكونه الكلام وأن إسرائيل أقوي وأهم وأفيد من كل الدول العربية مجتمعة‏!.‏ الدنيا كلها تسخر منا وتشفق علينا‏!.‏ الشماتة ظهرت ووضحت والنفوس الضعيفة الوضيعة انفضحت والشماتة استهدفت مصر وحدها والمؤلم أنها جاءت من أقاربنا وشماتة الصديق تدمي‏..‏ لكن شماتة العدو لا تغني‏!.‏ الشعب معنوياته في الأرض والجيش في حاجة إلي ثقة وانضباط وسلاح ومعدات وتدريب شاق‏!.‏ المرحلة تفرض علينا أن نصمد لثبات الوضع علي ما هو عليه لأن أي تراجع سيقضي علينا ولابد من الصمود إلي أن يتم إعادة التنظيم وبدء مرحلة البناء والتخطيط للمستقبل‏.‏

بعد معركة رأس العش أيقن الصهاينة أنهم أمام شعب ليس له حل‏..‏ وأنه لابد من الضغط المستمر علي المصريين حتي لا يأخذوا فرصة تفكير وفي يومي‏14‏ و‏15‏ يوليو قام العدو بقصف علي طول الجبهة لمدن القناة وتصدت المدفعية المصرية لهم فقام العدو بهجوم جوي عليها وتصدي له الطيران المصري الذي أجبر المقاتلات الصهيونية علي الفرار للشرق وهو خلفها وفي عودته قام بقصف مواقع إسرائيلية في سيناء‏..‏ وفي‏30‏ أغسطس عقد مؤتمر قمة عربي في الخرطوم صدر عنه قرار اللاءات الثلاثة‏..‏ لا للتفاوض ـ لا للاستسلام ـ لا لاستمرار احتلال الأرض‏!.‏

القرار العربي هذه المرة لم يكن استمرارا للشعارات‏..‏ لأن أي عاقل مستحيل أن يقبل فكرة التفاوض وهو في الوضع راكعا لأن الكلام سيكون في اتجاه واحد ومتي كان للمهزوم حق إبداء رأي‏!.‏

العالم وقتها وقع علي ظهره من كثرة الضحك علينا وعلي الوهم المعشش في عقولنا‏!.‏ العالم كله تلك قناعته وهو معذور فيها لأن الظروف لم تسمح له بفرصة التعرف عن قرب علي شعب عبقري لم يفقد سنتيمترا واحدا من أرضه علي مدي التاريخ رغم تعرض مصر للاحتلال سبع مرات‏!.‏ العالم كله يقينه أن العرب ومصر تحديدا في الطراوة وصعب جدا بعد هزيمة‏5‏ يونيو أن يؤخذ أي كلام لهم علي محمل الجد‏!.‏

العالم كله نسي أنه علي أرض مصر في كل الأزمنة خير أجناد الأرض‏..‏ وهذا ما وضح بعد أربعة أشهر و‏16‏ يوما من يوم‏5‏ يونيو‏!.‏

الشهر أكتوبر‏1967‏ في اليوم الحادي والعشرين وفيه صدر قرار‏!.‏ قرار شجاع لابد منه لأجل شعب حقه أن يفخر بعد طول انكسار وجيش يتطلع لنسف حاجز رهبة من العدو الصهيوني‏!.‏ القرار عمل عسكري ليعرف العالم أن العرب لم ولن يستسلموا وليعرف العدو أنه في متناولنا ونقدر عليه ونعرف نحن أن الصهاينة لا أسطورة ولا حاجة‏...‏

واذا كانت أسلحتنا ومعداتنا أقل عددا وكفاءة إلا أنها هائلة الخطورة وشديدة الفتك لأن العبرة فيمن يحمل السلاح‏..‏ في إيمانه في انتمائه في شجاعته في حب وطن يعيش في قلبه‏!.‏

المدمرة إيلات هي الهدف وتدميرها هو القرار‏..‏ وربما يكون الصهاينة السبب في اختيار هذه المدمرة للتدمير والخروج من الخدمة بل من الدنيا كلها‏!.‏ ربما يكونون هم الذين اختاروها للموت هي ومن عليها لا نحن‏..‏ عندما سمحوا لها بالتنطيط قبالة سواحلنا وداخل مياهنا الإقليمية بأسلوب غبي مستفز للنفوس والعقول وخادش للكرامة‏!.‏ تركوا المدمرة إيلات تتمخطر في مواجهة شواطئنا وعن عمد تدخل مياهنا الإقليمية أي تنتهك حدودنا بكل غطرسة اعتمادا علي أن أحدا لن ينطق وهل للمهزوم صوت وإن حدث وخرج له صوت فسيكون محشرجا مبحوحا قد لا يسمعه هو نفسه‏!.‏

المدمرة إيلات قبالة بورسعيد وعلي متنها دفعة التخرج من الكلية البحرية الإسرائيلية واليوم‏21‏ أكتوبر‏1967‏ والقرار المصري تدمير هذا الهدف‏!.‏ خرج زورق صواريخ مصري من قاعدة بورسعيد وحجم هذا الزورق قد يكون واحدا علي ألف من حجم المدمرة إيلات‏..‏ لكن الحدوتة لا هي بالحجم ولا هي بالكثرة ولا هي بوقوف العالم كله مع العدو‏..‏ الحدوتة‏..‏ عقيدة وانتماء وقلوب وعقول ونفوس لا تخشي الموت ولا تخاف إلا خالقها‏!‏

يمكن القول إن نظرة العالم اختلفت جذريا قبل وبعد‏21‏ أكتوبر‏1967.‏

نظرة السخرية لنا والإشفاق علينا قبل‏21‏ أكتوبر‏..‏ ونظرة الدهشة والصدمة التي أصابت العالم بعد‏21‏ أكتوبر‏..‏ بعد أن رقدت إيلات في قاع البحر المتوسط وأخذت معها الغطرسة الصهيونية الكدابة‏!.‏

ضرب المدمرة إيلات وتمزيقها وإغراقها بمن عليها وبمن هم داخلها‏..‏ هذه العملية العسكرية الشجاعة الجريئة‏..‏ أذهلت دول العالم‏..‏ أذهلت العدو منها قبل الصديق وأجبرت الجميع علي حتمية إعادة النظر مرة ثانية في قضية الصراع العربي الصهيوني‏!.‏ ضرب المدمرة إيلات رآه العالم رسالة مصرية محددة وواضحة في أن العرب لن يتركوا أرضهم‏!.‏ تدمير هذه المدمرة العملاقة الهائلة‏..‏ رسالة داخلية رفعت معنويات شعب وأعادت ثقة للجيش‏!.‏

رأس العش عنوان للثقة وإغراق المدمرة إيلات الإمساك علي الثقة وعندما تعود الثقة إلي القلوب والنفوس والعقول‏..‏ من وقتها بإمكانه أن يقف أمام الرجال‏!.‏

القيادة السياسية في وقتها هي أول من شعر وأحس بعودة الثقة وهذا ما جعلها تصدر قرارا آخر يوم‏25‏ نوفمبر‏1967‏ بمقتضاه حصلت القوات الموجودة في خط النار علي حرية الرد علي العدو فيما لو قصف قواتنا‏..‏ وهذا القرار في ذاك التوقيت أراح صدور المقاتلين ومن الآن‏..‏ العين بالعين والويل لهم إن اشتبكوا‏!.‏ القرار جاء قراءة جيدة لما في عقول وقلوب ضباطنا وجنودنا المنقوطين من غطرسة عدو يعيش دور المنتصر المكتسح في حرب لم يطلق فيها طلقة لأن جيش مصر انسحب قبل أن يحارب‏!.‏

‏8‏ سبتمبر عام‏1968‏ لعله يكون أول يوم في تاريخ العسكرية المصرية الذي يري نيران مدفعية بمثل هذا الكم الهائل حيث قامت المدفعية المصرية علي طول خط القناة بأعنف قصف رأته هذه المنطقة علي مدي تاريخها حتي هذا اليوم‏!.‏ تحضيرات مدفعية من قسوتها وجبروتها بدت كطاقة جحيم لا ينضب من الغرب يصب غضبه علي الشرق وهذا القصف في هذا اليوم دمر أغلب تحصينات العدو التي كان يقوم بتشييدها ومن قوة نيران المدفعية وشدتها تدخلت الأمم المتحدة والدول الكبري لأجل وقف سيل الجحيم الذي صنعته فوهات المدافع المصرية ووصلت أصداؤه لكل المراقبين العالميين لينتزع ردود فعل عالمية متضادة ما بين الإعحاب والدهشة والحنق والغيظ‏..‏ والذي حدث في هذا اليوم جعله عن جدارة يستحق أن يكون عيدا للمدفعية المصرية‏!.‏

الاستعدادات لم تتوقف لحظة طوال الفترة التي تلت يونيو‏1967.‏ كل وحدة من وحدات القوات المسلحة بدأت إعدادها من أول السطر علي أول صفحة في دفتر جديد‏!.‏ بدأ الإعداد من أول وجديد لهدف واضح ومحدد هو تحرير أرضنا‏!.‏

مرحلة تدريب شاقة وجادة جدا وأقسم بالله أننا في القوات الخاصة خلال هذه الفترة وحتي قرار الحرب‏..‏ خضنا تدريبات عنيفة جدا وخضعنا لضغوط نفسية وبدنية هائلة جدا‏..‏

لأن طبيعة المهام التي تقوم بها القوات الخاصة صعبة جدا ولابد أن يتعرض المقاتل باستمرار في التدريبات للأصعب لأجل ألا يفاجأ وقت العمليات بما هو أصعب‏!.‏

وحدات جيش مصر باتت قادرة علي الانتقال من مرحلة الدفاع عما هو قائم والصمود علي ما هو واقع إلي مرحلة مهاجمة العدو في أي وقت وأي مكان في سيناء التي يدنسونها أو داخل حدودهم المتصورين أنهم يحمونها‏!.‏

عندما وصلت وحدات جيش مصر في الأسلحة المختلفة إلي هذه المرحلة من الإعداد‏..‏ قررت القيادة بدء حرب الاستنزاف في‏8‏ مارس‏1969‏ وهي فترة زمنية مستحيل أن تنسي‏..‏

مستحيل أن ينساها العدو من الأهوال التي تعرض لها ومستحيل أن ينساها جيش مصر لأن الـ‏500‏ يوم عمر حرب الاستنزاف التي انتهت في‏8‏ أغسطس‏1970..‏

لم تكن الخمسمائة يوم مثل أي أيام مرت قبلها أو ستجيء بعدها لأن الاشتباكات الحربية التي قام بها المقاتلون المصريون خلالها كانت علي مدار الساعة لا اليوم‏!.‏ يوميا ثلاثة قصفات مدفعية‏!.‏ يوميا المتوسط‏15‏ اشتباكا بالدبابات والأسلحة المضادة للدبابات والرشاشات الثقيلة‏!.‏ يوميا في المتوسط ثلاث دوريات تندفع من الغرب إلي الشرق في مهام مختلفة بدءا من استطلاع قوات العدو ومرورا بنسف معسكرات للعدو ونهاية بخطف جنود للعدو‏!.‏ يوميا دوريات داخلة سيناء ودوريات خارجة من سيناء‏!.‏ أسبوعيا من غارة إلي غارتين علي النقاط القوية علي طول خط المواجهة وفي عمق سيناء ومن هذه الإغارات أذكر‏:‏

ليلة‏13‏ مارس‏1969‏ أغارت دورية مصرية علي رتل عربات للعدو يحمل ذخائر مكون من‏13‏ سيارة وتمكنت من إصابتها وظلت النيران مشتعلة في طابور العربات لمدة يوم ولا أحد قادر علي الاقتراب نتيجة انفجارات الذخائر التي كانت في العربات‏!.‏ في نفس اليوم نجحت دورية أخري في العودة بأول أسير إسرائيلي من نقطة جنوب البحيرات بعد إغارة ناجحة شجاعة لدورية مصرية‏!.‏

في‏17‏ أبريل‏1969‏ صدرت الأوامر بتدمير دشم العدو بواسطة الضرب المباشر من المدفعية أو الدبابات وأول عملية تسببت في قتل عشرات الإسرائيليين‏..‏ وهذه العملية أفقدت العدو صوابه ليقوم بضرب محولات قناطر نجع حمادي في‏29‏ أبريل‏.‏

العدو لم يكتف بضرب قناطر نجع حمادي إنما راح يفكر في أعمال يرفع بها معنويات جيشه وشعبه بسبب الـ‏500‏ يوم استنزاف‏!.‏ العدو لم يكن يريد عمليات علي القناة لأن الخسائر متوقعة فراح يبحث عن عمليات مضمون عدم وقوع خسائر له فيها ويحقق بها دعاية لنفسه ويرفع من خلالها معنويات جيشه ويحبط بها المصريين‏!‏ في العملية الأشهر‏..‏ قام إبراهام أدان بإغارة علي منطقة الزعفرانة حيث لا توجد قوات بالمعني المفهوم‏..‏ المهم أنه في هذه العملية خطف رادار وحصل علي معدات وذخائر من خلال الإغارة علي منطقة بلا حماية تقريبا‏!.‏ هذه العملية قامت بها سفينتان للعدو‏..‏ واحدة للإبرار والثانية حاملة جنود والعملية فضحونا بها في العالم كله والدعاية لها هائلة ربما للتغطية علي المجازر التي تعرضوا لها في الـ‏500‏ يوم حرب استنزاف‏!.‏

القيادة المصرية قررت الرد علي عملية الرادار بإغراق السفينتين اللتين أغارتا علي الزعفرانة وضرب ميناء إيلات وهذا معناه أننا قادرون علي أن نطولهم داخل أرضهم‏!.‏ القوات البحرية تكفلت بالمهمة وقائدها الفريق محمود فهمي جاهز للتكليف لأن قواته في مختلف وحدات البحرية جاهزة ولأنه يعلم يقينا أن ضفادع مصر البشرية من أكفأ المقاتلين في العالم وهذا ما أثبتوه في مهمة تأديب إيلات ذلك الميناء الذي دخلته ضفادع مصر ثلاث مرات بثلاث عمليات علي التوالي دون أن ينكشف أمرها وهذه جرأة لم تحدث في أي حرب من قبل لأن الضفادع إن دخلت مكانا لا تعود له ثانية وهذا عرف بحري معروف‏!.‏ المرة الأولي يومي‏15‏ و‏16‏ نوفمبر‏1968‏ ودمروا فيها سفينتين‏!,‏ وفي يومي‏5‏ و‏6‏ فبراير‏1970‏ قامت الضفادع البشرية بالعملية الثانية ودمرت السفينتين اللتين أغارتا علي الزعفرانة وقبل مرور شهرين نفذت ضفادع مصر البشرية العملية الثالثة علي إيلات وفيها دمرت نصف الميناء وقتلت نصف دستة ضفادع للعدو‏..‏

أما الانتصار الحقيقي لنا‏..‏ أن ضفادع مصر البشرية اقتلعت من عقول الصهاينة فكرة الأمان ورسخت في عقولنا حقيقة أنهم في متناولنا‏!.‏

وقبل أن توقف حرب الاستنزاف استعدادا لحرب أكتوبر‏..‏ قرر مقاتلونا في قطاع بورسعيد أن يتركوا للعدو ذكري وكانت في‏30‏ مايو‏1970‏ وهذا اليوم أطلقوا عليه في إسرائيل الاثنين الحزين وهو حزين لأن مجموعة قتال مصرية قامت بعمل كمين مزدوج ما بين التينة وشمال القنطرة لاصطياد قول مدرع للعدو‏..‏ وحدث ووقع الطابور المدرع في الكمين ودمرت دبابتان وثلاث مدرعات وقتل وأصيب‏30‏ إسرائيليا وتم أسر اثنين‏!.‏

وتوقفت حرب الاستنزاف بعد أن حققت أهدافها تماما وأولها التعرف علي حقيقة وقدرات الجندي الإسرائيلي وثانيها استعادة الثقة وثالثها كسر حاجز نفسي رهيب بدأ نموه من عام‏1948‏ ورابعها الثقة التامة في التخطيط والتنفيذ وخامسها تلاحم الشعب والجيش‏!.‏

توقفت حرب الاستنزاف التي كانت أكبر خسائرها علينا استشهاد الفريق عبدالمنعم رياض يوم‏9‏ مارس أثناء تفقده الجبهة‏..‏ وخلاف هذه الخسارة كانت حرب الاستنزاف كابوسا مرعبا للعدو لأنه ما من يوم إلا وفيه اشتباكات معه وخسائر له‏!.‏

توقفت حرب الاستنزاف لتبدأ مرحلة اللمسات الأخيرة انتظارا لأهم قرار في تاريخ المحروسة‏..‏ قرار اقتحام القناة والحرب الشاملة بمواجهة‏165‏ كيلو مترا‏...‏

وهذه حكاية فيها ألف حكاية‏!.‏

للحديث بقية مادام في العمر بقية​
 
رد: مقالات الكاتب الكبير ابراهيم حجازي

خارج دائرة الضوء
حــرب أكتوبـــــــر‏2‏
قالوا الاقتراب من القناة انتحار فجاء الرد
من جيش مصر‏80‏ ألف مقاتل في سيناء بعد‏540‏ دقيقة فقط‏!‏
‏بقلم‏:‏ إبـراهيـم حجـازي



‏‏ تحدثت الأسبوع الماضي عن حلم حياتي‏..‏ والحلم قيام القـوات المسلحـــة المصريــــة بإنتاج فيلم عالمي عن حرب أكتوبر‏....‏

..‏ والحلم سوف يتكلف لكن مهما كانت التكلفة فإن المردود لا سقف لقيمته لأنه سيبقي العمر كله فاعلا مؤثرا في أجيال وراء أجيال لما فيه من ملاحم شجاعة وبطولات نادرة لمقاتلين مصريين وضعوا أرواحهم علي أيديهم لأجل وطن تركوا الدنيا كلها وراء ظهورهم في سبيل تحرير أرضه‏!.‏

تخيلت وأنا أكتب الأسبوع الماضي تترات الفيلم وهي صور النهاية لأسوأ هزيمة يمكن أن تلحق بجيش في العالم وآخر مشهد فيها تقف الصورة‏fixcha‏ علي ما تبقي من قوات مصرية شاردة تلقي بنفسها في القناة تاركة خلفها في الشرق الحلم والأمل والأرض‏!.‏ رويت الأسبوع الماضي كيف عاد الوعي عندما تأكدنا في معركة رأس العش أننا لم نمت وأننا أحياء وأننا نقدر عليهم وأن حدوتة الجيش الذي لا يقهر أكذوبة أطلقوها وصدقوها وكدنا نبتلعها‏!.‏ تأكدنا بعد رأس العش وإغراق المدمرة إيلات بمن عليها وتدمير ميناء إيلات وبعض العمليات الحربية التي لم يعلن عنها وصعب الآن الإعلان عنها‏..‏ تأكدنا بعد الـ‏500‏ يوم حرب استنزاف‏..‏ تأكدنا ووثقنا وأيقنا واكتشفنا مثلما هم اكتشفوا‏..‏ أننا شعب ليس له حل وأن لحمنا مر وأن بأسنا عليهم شديد وأن الحق مستحيل أن يضيع طالما علي أرض مصر مقاتلون مصريون من هذا الطراز‏!.‏ قلت الأسبوع الماضي إن القيادة بعد‏5‏ يونيو‏1967‏ ولعدة أشهر بعده‏..‏ كل همها ألا نتراجع عما نحن عليه وكل المطلوب عقب الهزيمة في تلك المرحلة الدقيقة في حياة الوطن‏..‏ كل المطلوب أن نصمد وألا نتراجع‏..‏

وصمدنا بعد أن تأكدنا من أنفسنا في رأس العش ولتعزيز الصمود بادرنا بتدمير المدمرة إيلات ثم ميناء إيلات ردا علي عربدة الصهاينة التي لو ابتلعنا مهانتها لابتلعتنا‏!.‏ ذكرت أننا نجحنا في الصمود ونجحنا في التحول من الدفاع إلي الهجوم‏..‏ من الصمود حتي لا نتراجع وإلي أن يلملم الجيش نفسه إلي الهجوم في معركة الـ‏500‏ يوم التي عرفناها باسم حرب الاستنزاف والتي لم تكن ساعة زمن تمر فيها إلا وهناك اشتباكات وعمليات وخسائر يتم إلحاقها بالعدو علي مدار اليوم طوال‏500‏ يوم استنزاف بدأت يوم‏8‏ سبتمبر‏1969‏ بمعارك مدفعية رهيبة بمواجهة‏165‏ كيلو مترا استهدفت تحصينات العدو علي طول القناة ودمرتها وفي هذا اليوم ومن قسوة المدفعية المصرية وشدتها تدخلت الأمم المتحدة لوقف جحيم النيران القادمة من الغرب للشرق والتي عن حق جعلت من‏8‏ سبتمبر عيدا للمدفعية المصرية وبداية لحرب عظيمة اسمها الاستنزاف انتهت يوم‏8‏ أغسطس‏1970‏ وقرار وقفها كان لابد منه لأجل أن يبدأ الاستعداد للمرحلة النهائية‏..‏ مرحلة اقتحام القناة لاسترداد الأرض‏!‏

استمرت حرب الاستنزاف‏500‏ يوم كل يوم منها شاهد علي أكثر من عملية حربية ضد العدو وخلال الخمسمائة يوم ألحقنا بالصهاينة خسائر كبيرة في قواته ومعداته ومعنوياته وحرب الاستنزاف التي تعد أطول جولة في تاريخ الصراع العربي الإسرائيلي‏..‏ هذه الحرب كان لابد منها لأجل التعرف علي حقيقة الجندي الإسرائيلي ولأجل كسر حاجز نفسي بيننا وبينه ولأجل استعادة ثقة راحت في يونيو‏1967‏ ولأجل الثقة في التخطيط والتنفيذ‏!‏

وإذا كانت حرب الاستنزاف حتمية في فترة فإنه كان لابد من وقفها في فترة أخري حانت فيها نهاية مرحلة وبداية مرحلة النهاية‏..‏ مرحلة الحرب لاستعادة الأرض‏!‏

الاستراتيجية المصرية قناعتها لا تقبل أي شك في أن تحرير الأرض مرتبط بتنامي قدرات القوات المسلحة وقدرتنا علي تحدي نظرية الأمن الإسرائيلي عن طريق عمل عسكري شامل يلحق بالعدو أكبر خسائر ممكنة في أقل فترة زمنية وهي رسالة واضحة للعدو مفادها أن احتلال الأرض لم ولن يستمر وأن هذا الاحتلال لن يوفر الأمان للصهاينة ولن يحميهم من النيران المصرية والكوماندوز المصريين‏!‏

توقفت حرب الاستنزاف وبدأت استعدادات الحرب لاستعادة الأرض التي بات واضحا أنها لن تعود إلا بالدم والرصاص حيث إسرائيل تواصل تغيير ملامح كل الأرض العربية التي احتلتها بعد يونيو‏1967‏ علي اعتبار أنها خطوط الدفاع الأنسب والأفضل عن إسرائيل والعمل بشتي الطرق علي منع القوات المصرية والعربية من استعادتها‏!‏

هذا فكر العدو الذي لم يجعله كلمات علي ورق إنما حوله إلي واقع علي كل الجبهات وفي المصرية مثلا نجح في تغيير أوضاعها حتي إنه جعل من القناة كممر مائي والساتر الترابي الذي رفعه علي الشاطئ الشرقي للقناة بامتداد‏165‏ كيلو مترا وخط بارليف المكون من‏31‏ نقطة قوية‏..‏ جعل من القناة والساتر وبارليف خط دفاع لم يعرف التاريخ مثله من قبل لاستحالة اجتياز الموانع الثلاثة دون التعلق أمامها أو عليها إلي أن يأتي الهجوم المضاد الذي يجد بقايا جيش وليس جيشا لأن خسائر من يجرؤ علي اقتحام القناة فوق الـ‏60‏ في المائة في أول يوم قتال‏!.‏ العدو في بطنه بطيخة صيفي لأن القناة والساتر وبارليف حصن أمان مستحيل الاقتراب منه فكيف يترك الأرض التي احتلها بدعوي السلام‏!‏

في المقابل مصر لها فكرها وتخطيطها والأهم شجاعة لا تنضب ولولا هذه الشجاعة ما عرفت مصر كيف تفكر أو كيف تخطط‏..‏ وبداية من أغسطس‏1970‏ بدأت إجراءات تحقيق النصر والتي قامت علي ثلاثة محاور‏:‏

الأول‏:‏ توحيد مفهوم الحرب وقرار الحرب هو اقتحام قناة السويس وهذا الاقتحام ما لم تتوحد مفاهيم الوحدات المختلفة تجاهه فستكون مشكلة ولهذا تم رصد كل وجهات النظر من كل الوحدات وتم تحليلها من خلال دراسات مستفيضة انتهت إلي نتائج محددة صدرت من خلال توجيهات عن القيادة إلي كل الوحدات ومن ثم أصبح هناك تصور واحد لكل تفصيلة من آلاف التفاصيل الخاصة باقتحام جيش مصر للقناة واجتيازه للساتر الترابي وتدميره لخط بارليف‏!‏

أذكر هنا مثلا التوجيه رقم‏41‏ الصادر عن القيادة العامة وهذا التوجيه وضع حلولا وخطوطا رئيسية لاقتحام القناة بعد أن وحد كل المفاهيم عن العبور وطبيعي أن تكون مفاهيم المشاة مثلا مختلفة عن المدرعات أو المدفعية فيما يخص العبور وكان لابد من وضع توجيه واحد علي ضوء الدراسات التي تمت بعد أن قامت بتقريب وجهات النظر المختلفة بين الوحدات المختلفة‏..‏ وهذا التوجيه مع الـ‏56‏ توجيها التي صدرت أظنها من أهم الدروس المستفادة من هزيمة يونيو‏1967‏ المليئة بالاجتهادات المختلفة والقرارات العكسية في غياب التنسيق‏!‏

المحور الثاني من خطة القيادة هدفه تعظيم الممكن في مواجهة سلبيات المستحيل‏!‏

المولي عز وجل في كتابه الكريم قال سبحانه وتعالي‏:(‏ وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة‏)..‏ وهذه إشارة واضحة من الله أنه ليس بالضرورة أن نعد لهم نفس ما هو عندهم‏..‏ لأن المسألة لو كانت هكذا ما كنا انتصرنا عليهم أبدا لأن إسرائيل معداتها وأسلحتها وطائراتها وذخيرتها أكثر عددا وأكثر كفاءة ولا تقل أو تنضب والطائرة التي ندمرها أمريكا في الحال ترسل إليهم اثنتين‏..‏ وعليه‏!‏

الله أمرنا بأن نعد لهم ما نقدر عليه من قوة وأن نكون علي يقين بأن تعويض الفارق مهما بلغ يأتي بقوة الإيمان بالله والإيمان بقدراتنا والإيمان بعدالة قضيتنا ومن أننا نحارب لاسترجاع حق وصون كرامة وحفاظا علي شرف أمة‏..‏ وعلي هذا اليقين جاء المحور الثاني من خطة القتال وهو تعظيم الممكن‏..‏ أي الاستفادة القصوي مما نملكه من كل سلاح عندنا‏..‏ من حتمية التعاون الوثيق بين الوحدات المختلفة للقوات المسلحة للحصول علي أعظم عطاء ممكن للتغلب علي سلبيات المستحيل الناجمة عن الكم والكيف الذي يملكونه في السلاح والمعدات‏!‏

عندنا مثلا طيارون كفاءتهم هائلة وشجاعتهم نادرة وطائرات أقل كفاءة وأقل عددا‏..‏ إلا أن نسور مصر قهروا المستحيل بل وتفوقوا عليه بالتعاون الرائع مع الدفاع الجوي الذي حرم الطيران الإسرائيلي من الاقتراب لمسافة‏15‏ كيلو مترا من القناة ليحرم مشاة ومدرعات العدو من ميزة الغطاء الجوي الذي بدونه ينكشفون‏!‏

شجاعة المصريين وقوة النفس عندهم والتدريب والاستعداد الجيد والتعاون ما بين الوحدات والتطبيقات العملية في المناورات الشاقة التي تمت في فترة الإعداد‏..‏ كل هذه الأمور قهرت سلبيات المستحيل والدليل أن دبابات العدو مدي مدافعها‏1800‏ متر مقابل‏800‏ متر فقط للدبابة‏t34‏ التي نقاتل بها وتفوقنا بل واكتسحنا وجعلناهم يبكون بدل الدموع دما علي مئات الدبابات التي دمرناها لهم وسط ذهول خبراء العسكرية في العالم‏..‏ اكتسحنا بالتعاون ما بين المدرعات والصواريخ التي يحملها أفراد‏..‏ وهذا التعاون علي سبيل المثال نتيجته تدمير‏170‏ دبابة إسرائيلية يوم‏6‏ أكتوبر من إجمالي‏280‏ دبابة كانت مهمتها الصعود إلي مصاطب خاصة بها علي النقاط القوية ولو صعدت إلي هذه المصاطب يوم‏6‏ أكتوبر لانتهي الأمر لأنها راكبة القناة ولن تسمح بإقامة كوبري أو نزول قارب للقناة‏!‏

ونأتي للمحور الثالث في خطة النصر وهو المفاجأة وفلسفة هذه المفاجأة تأخير التعبئة الإسرائيلية لمدة لا تقل عن‏24‏ ساعة بما يحقق للقوات المصرية السيطرة علي الضفة الشرقية للقناة بمواجهة‏165‏ كيلو مترا‏..‏ وهذا تحقق بفضل الله‏!‏

والوجه الثاني للمفاجأة منع العدو من توجيه ضربة إحباط ضد قواتنا أثناء تحضيرات الهجوم‏..‏ وأيضا حققنا هذا‏!‏

المفاجأة تحققت وأظن أن عمليات الخداع والذكاء وأعلي درجات السرية التي سبقت قرار الحرب لم يحدث لها مثيل في أي حرب ويكفي أنها تفوقت علي كل أجهزة المخابرات وأولها الموساد وهذا باعترافهم هم وليس كلامنا نحن‏..‏ وهذا الفكر العظيم والتخطيط الدقيق أثمر نتائج أعظم‏!.‏

مفاجأة القرار أو قرار المفاجأة‏..‏ هو بحق عمل غير مسبوق في تاريخ الحروب العسكرية بالعالم واستحق أن يفرض نفسه علي كتب العسكرية الحديثة‏!.‏ القرار الأعظم قدم لنا قرارات عظيمة‏!‏

الضربة الجوية‏..‏ قرار عظيم مدروس نتاج استراتيجيات حديثة في تلك الفترة لأجل تدمير مراكز الثقل لدي العدو خاصة قياداته بهدف شل حركته بما يؤخر ردود فعلهم لمدة يوم علي أقل تقدير‏!‏

والضربة الجوية يوم‏6‏ أكتوبر هي في الواقع أول ضربة جوية في تاريخ العسكرية المصرية وتم التخطيط لها علي مستوي علمي راق ونفذت كما خططت بحشد كل الإمكانات والقدرات لضمان نجاحها ونسور المحروسة انطلقوا إلي سماء مصر في توقيت دقيق نحو‏56‏ هدفا للعدو أصابوها في مقتل بنسبة‏95‏ في المائة والخسائر أقل من‏2‏ في المائة من طائراتنا الـ‏220.‏

الضربة الجوية نجحت في تأمين العبور ومكنت القوات البرية من التقدم وتحقيق أهدافها بدون هجمات مضادة لأن الطيران المصري عندما ضرب مثلا قيادة العدو في أم خشيب أصابها بالشلل التام والدقيقة الواحدة تأخير في اتخاذ القرار لها ثمنها الباهظ ودفعوه غاليا نتيجة ضربات الطيران المصري الموجعة‏!‏

تحضيرات المدفعية التي بدأت بعد الضربة الجوية‏..‏ قرار عظيم مدروس حمل معه قوة النيران الأساسية التي دمرت الأهداف المعادية‏..‏ وتخطيط المدفعية في حرب أكتوبر جاء فريدا في نوعه حيث استمر التمهيد النيراني بقوة‏2000‏ مدفع أطلقت ثلاثة آلاف طن ذخائر‏..‏ ونار الله الموقدة القادمة من الغرب إلي الشرق علي مدي‏53‏ دقيقة لم تكن مدتها عفوية إنما هي الفترة الزمنية المحسوبة لعبور قوات النسق الأول بالكامل والنيران الهائلة للمدفعية والضربات الجوية الرهيبة هدفها ستر العبور‏!‏

وخلال هذه الفترة الدقيقة الحاسمة نجح التخطيط الرائع في تنسيق العلاقة بين طلعات الطيران وتمهيد المدفعية‏.‏

الضربة الجوية بدأت في الساعة الثانية وخمس دقائق والمدفعية ساكتة وصامتة ولم تبدأ الضرب في عمق سيناء إلا في الساعة الثانية وعشر دقائق والدقائق الخمس هذه هي الفترة الفاصلة ما بين وصول الطيران لأهدافه المحددة وتدميرها وعودته إلي المطارات من الأجناب وليس من أماكن دخوله سيناء لأجل إخلاء المجال للمدفعية التي انطلقت مدافعها الـ‏2000‏ في الثانية وعشر دقائق لتنفيذ مهامها‏!‏

وحائط صواريخ الدفاع الجوي قرار عظيم مدروس به قطعت مصر الذراع الطويلة لإسرائيل‏!.‏ دفاع مصر الجوي أسقط يوم‏6‏ أكتوبر‏38‏ طائرة إسرائيلية يقودها أكفأ طيارين عندهم‏!.‏ هذا الحائط فكر مصري خالص استخلصه القادة المصريون من الصراع بين الصاروخ والطائرة خلال الـ‏500‏ يوم حرب استنزاف‏!.‏ والدفاع الجوي خطط ونفذ ما خططه بنجاح في تأمين المجال الجوي للتشكيلات البرية علي الأرض أثناء إدارة معاركها ونجح في حرمان القوات البرية الإسرائيلية من حماية طائراتها وهي التي تعودت القتال علي الأرض تحت غطاء جوي كثيف في السماء‏!.‏ انحرموا منه وهذا ما جعل قائد الطيران الإسرائيلي يعطي تعليماته لطياريه بعدم الاقتراب من القناة لمسافة‏15‏ كيلومترا حتي لا يذهبوا إلي الآخرة بصواريخ الدفاع الجوي المصري‏!‏

وملحمة إنشاء الكباري والمعديات قرار عظيم مدروس لعله يكون واحدا من أهم ملاحم نصر أكتوبر وأيضا تم بفكر مصري بعد مئات التجارب علي مدي شهور طويلة لأجل فتح ثغرات في الساتر الترابي الممتد علي شاطئ القناة الشرقي من السويس وحتي بورسعيد‏!.‏ تدريبات تمت في أماكن كثيرة تم اختيارها بعناية وبقدر الفكر والجهد والعناء المبذول في التدريب كان النجاح المبهر يوم‏6‏ أكتوبر‏!‏

المطلوب فتح‏81‏ ثغرة في الساتر الترابي وهذا معناه إزاحة ما يقرب من ثلاثة أرباع مليون متر مكعب من الرمال في هذه الفتحات بواقع‏1500‏ متر مكعب في المتوسط بكل فتحة بعرض ستة أمتار وبمنسوب الأرض‏!‏

رجال المهندسين العسكريين فكروا وجربوا ووجدوا من تجربة السد العالي أن المياه أفضل وسيلة لفتح هذه الممرات في الساتر الترابي إلا أن الأمر يتطلب طلمبات غاية في القوة وهي غير موجودة ولابد من استيرادها دون إثارة لأي شكوك ونجحنا عندما تم الأمر علي أنه لدعم معدات الإطفاء في مواجهة الحرائق‏..‏ لأن واحدا منها التهم دار الأوبرا‏!‏

المهندسون العسكريون بدأ عملهم في الساعة‏2.40‏ دقيقة بعد وصول رجال المشاة إلي مسافة مناسبة لتأمينهم‏.‏

أول فتحة تمت في الساتر الترابي في الخامسة والربع يوم‏6‏ أكتوبر في القنطرة‏..‏ وأول معدية لعبور المشاة كانت في السادسة والنصف في جنوب الإسماعيلية وأول كوبري أقيم في الثامنة والنصف في شمال الإسماعيلية‏(‏ كوبري القرش‏).‏

القوارب المطاطية نقلت‏12‏ موجة من المقاتلين وفي كل موجة‏1600‏ قارب‏!‏

الإسرائيليون كل تقديراتهم وحساباتهم تؤكد أن المصريين إن فكروا في الحرب فلن ينجحوا في تركيب أي وسيلة عبور علي سطح القناة إلا بعد‏24‏ ساعة‏!‏

علي خط النار‏..‏ الساعة لم تصل إلي الثانية عشرة من منتصف ليل‏6‏ أكتوبر والحرب لم يمض علي بدئها عشر ساعات‏...‏

جيش مصر له‏80‏ ألف مقاتل في الشرق‏..‏ في سيناء‏!‏

بحبـك يا مصر‏.‏

للحديث بقية مادام في العمر بقية
 
رد: مقالات الكاتب الكبير ابراهيم حجازي

خارج دائرة الضوء
حــرب أكتوبـــــــر‏3
عبقرية التخطيط وشجاعة المقاتلين
وراء تنفيذ‏100‏ مهمة عسكرية في أول ساعة قتال‏!‏
‏بقلم : إبـراهيـم حجـازي ‏


44517_32m.jpg



‏‏ قالوا‏..‏ والذين قالوا هم الصهاينة ومن ورائهم العالم كله‏:‏ إن الاقتراب من قناة السويس انتحار‏!.‏ وأن خسائر الجيش المصري في أول يوم قتال إذا ما فكر في اقتحام القناة ستكون أكثر من‏60‏ في المائة‏!.‏ وأن جيش مصر لن يقدر علي إقامة أول كوبري علي القناة إلا بعد مرور‏24‏ ساعة من بدء المعركة‏!.‏

هم قالوا هذا وصدقوا ذلك والعالم كله وراءهم مقتنع مثلهم ويقول كلامهم ولا أحد علي ظهر الأرض له رأي مختلف إلا المصريين‏!.‏

المصريون قناعتهم أنه إذا كان الاقتراب من القناة انتحارا فإن الاكتفاء بالضفة الغربية للقناة‏..‏ يعني أننا شعب مات ومحسوب غلط علي الأحياء‏!.‏

جيش مصر بعد أن أنهي حرب الاستنزاف بات علي قناعة تامة بقدرته علي اقتحام القناة واجتياح الساتر الترابي والاستيلاء علي نقاط خط بارليف القوية‏!.‏

جيش مصر بعد صمود الأيام الصعبة السوداء في أعقاب‏5‏ يونيو‏1967‏ وبعد قرار العين بالعين ودخول مرحلة الرد علي بلطجة الصهاينة العسكرية السياسية‏..‏ الرد بإغراق إيلات المدمرة وتفجير إيلات الميناء‏..‏ وبعد‏500‏ يوم استنزاف للعدو لم يهنأ فيها يوما بدون خسائر في الأرواح والمعدات والمعنويات‏!.‏

...‏ بعد الصمود والرد والاستنزاف جيش مصر قادر علي دخول الحرب والانتصار علي الصهاينة وإثبات أن حدوتة الاقتراب من القناة انتحار ما هي إلا أوهام صنعوها وقالوها وصدقوها من جانب واحد لم يضع في اعتباره الجانب الآخر وكأن المصريين ماتوا‏!.‏

وجاء الرد من جيش مصر عملا لا قولا وبعد‏540‏ دقيقة فقط من الضربة الجوية علي أرض سيناء‏80‏ ألف مقاتل مصري‏!.‏

باسم الله ولا قوة إلا بالله‏80‏ ألف مقاتل أغلبهم اقتحم القناة في قوارب من المطاط دون اعتبار إلي أن القناة لم تعد ذاك الممر المائي المعروف إنما هي الآن أقوي وأصعب وأشرس مانع مائي عرفته الحروب العسكرية‏..‏ لأن تيار السحب هائل والأصعب أنه متغير ولأن المد والجزر يتسببان في ارتفاع وانخفاض منسوب الماء أمتارا ولأن المياه مليئة بمختلف أنواع الألغام البحرية وما أشرسها وأبشعها ولأن سطح ماء القناة جاهز لأن يكون جهنم الحمراء في لا وقت بشبكة أنابيب النابلم والبترول التي تغطي سطح القناة علي طول خط المواجهة‏!.‏

أفيقي أيتها الدنيا واعرفي أن جيش مصر رجال لا يعرفون المستحيل وفي صدورهم قلوب لا تعرف الخوف‏..‏ رجال أثبتت الأيام أن كل لحظة في حياتهم ملحمة شجاعة وفداء وانتماء‏..‏

جيش مصر إعجاز حقق معجزات وأولها أن يكون له في الشرق‏80‏ ألف مقاتل بعد ساعات من القتال وثانيها الأداء القتالي الأسطوري لتنفيذ خطة هجوم هائلة رائعة نفذتها بدقة متناهية الوحدات المختلفة للقوات المسلحة التي قامت بأدوارها منفردة ومجتمعة وكأنها تعزف سيمفونية بالطيران والمدفعية والمدرعات والدفاع الجوي والمشاة والمهندسين والقوات الخاصة‏!.‏

قواتنا المسلحة قدمت نموذجا متفردا في القتال والجرأة وفي الشجاعة وفي استخدام السلاح وفي تعويض فارق التسليح كما وكيفا بيننا وبين العدو الذي يملك أحدث ما في ترسانة أمريكا العسكرية وما عندنا من سلاح أغلبه كان مستخدما في الحرب العالمية الثانية‏...‏

فعلا قواتنا المسلحة عزفت سيمفونية‏..‏ لكنها سيمفونية جهنم الحمراء‏!.‏

أنا لن أتكلم عما حدث لكنني أستشهد بشهاداتهم عن الأحداث علي خط النار‏!.‏

أتصفح مع حضراتكم كتابا مهما جدا أصدره الزميل الأستاذ إسلام الشافعي الذي يتقن اللغة العبرية والصحفي بالقسم الخارجي لجريدة الوفد‏..‏ والكتاب عنوانه حرب الأيام الأربعة من داخل غرفة عمليات الجيش الإسرائيلي‏.‏ وقيمة وأهمية الكتاب أنه نشر الترجمة الحرفية لأحاديث وحوارات واتصالات القادة الصهاينة والبلاغات العسكرية التي تمت علي الجبهة وترجع أهمية الوثائق إلي أن الذي سجلها الجنرال شاموئيل جونين قائد المنطقة العسكرية الجنوبية المواجهة للجيش المصري علي القناة‏.‏

يقول البلاغ الأول للعدو‏:‏ في الساعة‏14.05(‏ الثانية وخمس دقائق بعد ظهر‏6‏ أكتوبر‏)‏ المصريون يقصفون الكتيبة‏184‏ الطاسة‏.‏ المصريون يقصفون الطاسة‏.‏ الدبابات المصرية تقف علي الضفة الغربية وتفتح نيرانها علي حصون خط بارليف‏.‏ هجوم جوي علي شرم الشيخ‏.‏ بدء عمل الصواريخ أرض ـ أرض‏.‏ قصف جوي مكثف علي أم خشيب‏(‏ موقع غرفة عمليات قيادة الجيش الإسرائيلي في سيناء‏).‏

البلاغ الإسرائيلي الثاني‏:‏ المصريون استولوا علي أحد الحصون في الجنوب‏..‏ الضغط هائل علي الحصون ومحاولات ناجحة للاستيلاء عليها بإطلاق النيران الكثيفة‏.‏ لا توجد قوات مصرية شرق القناة‏.‏ نجح المصريون في تدمير حصن مفريكيت‏.‏ انقطاع الاتصال مع حصن أوركال‏.‏ قوات المشاة المصرية تهاجم موقع نيسان‏.‏ مئات المصريين عبروا القناة‏.‏ تزايد أعداد القتلي والجرحي علي خط بارليف‏.‏

البلاغ الثالث‏:‏ المصريون يحدثون ضجة كبيرة ويهللون بكلمة الله أكبر خلال العبور‏.‏ المصريون يرفعون الأعلام المصرية شرق القناة‏.‏ صدمة كبيرة لدي الجنود خاصة من النيران الشديدة للطيران والمدفعية‏.‏ المشاة المصريون يعبرون بأعداد كبيرة تتبعهم الدبابات‏.‏

جونين قائد الجبهة بعد البلاغ العسكري الثالث سجل في المذكرات التي تركها وأفرجت المخابرات الإسرائيلية عن بعضها بعد مرور‏30‏ سنة علي الحرب‏..‏ سجل السطور التالية‏:‏

بعد البلاغ الثالث بدأت نداءات القادة الإسرائيليين تعلو صارخة تطلب المساندة الجوية بعد أن رسخ في ذهن الجيش الإسرائيلي بأكمله بعد حرب‏1967‏ أن سلاح الجو الإسرائيلي قادر علي فعل أي شيء وكل شيء لكن هذه المرة لم يكن الأمر كما نعتقد‏..‏ لقد نجحت قوات الدفاع الجوي المصري المزودة بصواريخ سام‏2‏ وسام‏3‏ وسام‏6‏ في السيطرة تماما علي سماء قناة السويس وكذلك طيارو الميج المصريون أصبحوا أمهر بكثير مما كنا نعرفه عنهم من الحروب السابقة‏.‏ لقد أصبح عنصر المفاجأة في أيدي العدو هذه المرة وسلاح الجو الإسرائيلي أصبح عاجزا عن فعل أي شيء خاصة أنه مطلوب أيضا لتلبية النداءات في المنطقة الشمالية‏(‏ سوريا‏)‏ وهناك المسافة صغيرة جدا بين خطوط القتال والجبهة الداخلية‏.‏

البلاغ الرابع‏:‏ نداءات طلب المساعدة الجوية تتزايد علي طول خط المواجهة مع القوات المصرية‏..‏ أريد بني‏..‏ أريد بني

توضيح من عندنا‏:‏ قائد سلاح الطيران الإسرائيلي اسمه بنيامين والنداء اختصار لاسم وإشارة إلي سلاح‏..‏ وعموما الطيران لم يحضر ولم يساعد لأن بني نفسه بعد يوم‏8‏ أكتوبر أصدر أمرا للطيارين بعدم الاقتراب من القناة لمسافة‏15‏ كيلو مترا لأن الدفاع الجوي المصري جعل الداخل فيها مفقودا والخارج مولودا‏!‏

هذه عينة من البلاغات العسكرية الإسرائيلية وهي أول رد فعل علي قرار الحرب واقتحام القناة واكتشاف العدو أنه أمام مقاتل ليس له حل ولا شيء يوقفه‏..‏ لا مانع مائي ولا ألغام ولا ساتر ترابي ولا نقط قوية‏!‏

أنا لن أتكلم عن جيش مصر ولا ما فعله وحوش مصر‏..‏ لكني أنقل لحضراتكم النص الحرفي لأخطر تصريحات لأهم منصب عسكري‏.‏ تصريحات موشي ديان وزير الدفاع الإسرائيلي للتليفزيون الإسرائيلي ومنعت جولدا مائير إعادة إذاعتها حماية لما تبقي من روح معنوية لدي جنودهم‏!.‏ ديان قال هذا الكلام في مؤتمر صحفي مساء يوم‏9‏ أكتوبر وليس في قعدة داخل حجرة مغلقة‏.‏ قال‏:‏

'‏الجهود الإسرائيلية ناجحة في تحييد الجبهة السورية‏.‏
الموقف المصري صعب ولاتتوافر لنا إمكانات في الوقت الحاضر لرد المصريين إلي ما وراء القناة‏.‏

إن لدي المصريين معدات متنوعة وفعالة وممتازة خاصة ما يتعلق بالتسليح الفردي ضد الدبابات‏..‏ علاوة علي دباباتهم ومدفعيتهم والصواريخ والشيء الوحيد الذي نتفوق فيه هو الطيران إلا أن الصواريخ تشكل صعوبة بالنسبة لنا‏.‏

لقد أدرك العالم كله الآن أننا لسنا أكثر قوة من المصريين وأن الهالة التي كانت علي الجيش الإسرائيلي قد سقطت‏...‏

إننا نفكر في الانسحاب إلي خطوط أقل تبعثرا وأكثر أمنا ونحن ندفع الضريبة كل يوم في صورة فقد معدات وقوات وطيارين وطائرات ودبابات‏!‏

لقد تدمرت لنا مئات الدبابات وفقدنا‏50‏ طائرة خلال ثلاثة أيام وأنني آمل أن يرسل لنا الأمريكيون طائرات ودبابات وقد وافقوا علي ذلك‏!‏

انتهي كلام ديان في المؤتمر الصحفي وكلامه لم يأت من فراغ وأيضا لم يذكر كل الحقيقة لأن الحقيقة في الحقيقة مخيفة ومرعبة وبالغة القسوة علي عدو لم يخطر علي باله في لحظة أنه علي موعد مع جهنم‏!‏

ديان اكتشف أن المواجهة مع المصريين هذه المرة مختلفة تماما وأن الحرب ضدهم لم تعد ضربة طيران ينتهي بعدها كل شيء‏!.‏ اكتشف ديان أن المصريين مقاتلون لا يعرفون المستحيل ولا شيء يوقفهم لأنه لا شيء يخيفهم ومما يخافون والموت نفسه لا يخشونه ولعل هذه الحقيقة هي التي دفعت وزير الدفاع الإسرائيلي إلي التفكير في الانسحاب هربا من موت محقق يطل عليهم في كل لحظة من أي مكان علي جبهة حولها المصريون إلي جهنم الحمراء بفكر وتخطيط وتنفيذ بالغ الرقي وبالغ الدقة وبالغ النظام وأضرب هنا مثالا يوضح أنها لم تكن مجرد معركة إنما سيمفونية عسكرية هائلة رائعة غير مسبوقة‏..‏ أجتهد في إلقاء الضوء عليها من خلال هذه النقاط‏:‏

‏1‏ ـ قرار الحرب داخله‏100‏ إجراء مطلوب تنفيذها خلال ساعة واحدة ابتداء من الثانية وخمس دقائق‏!.‏ ضربة الطيران إجراء وتحضيرات المدفعية إجراء وعبور الموجات الأولي إجراء وتوقيت كل موجة إجراء وهكذا‏!.‏ وبراعة القيادة المصرية في فكرها وتخطيطها وتنفيذها وضح في السيطرة بالغة الدقة علي الـ‏100‏ مهمة المختلفة التي تم تنفيذها خلال أول ساعة في الحرب بنجاح مذهل أربك عدوا قناعته أن الاقتراب من القناة انتحار‏!‏

‏2‏ ـ أحد أهم المهام الـ‏100‏ اصطياد أكبر عدد من الـ‏280‏ دبابة إسرائيلية المتمركزة علي بعد ثلاثة كيلو مترات من شط القناة للحيلولة دون وصولها إلي المصاطب الخاصة بها علي القناة في نطاق النقاط القوية لأن هذه الدبابات لو صعدت إلي المصاطب ركبت القناة ودمرت كل ماهو موجود في الغرب ودمرت المعابر ودمرت الكباري ودمرت خطة الحرب‏!.‏

ماذا فعلت القيادة المصرية؟‏.‏ تركيز هائل من المدفعية علي مواقع الدبابات المتمركزة علي بعد ثلاثة كيلو مترات وتركيز المدفعية هدفه إن لم تحدث إصابات مباشرة فإن نار المدفعية أوقفت خروج هذه الدبابات من خنادقها لحين وصول أطقم الصاعقة والمشاة الذين اقتحموا القناة في الموجة الأولي للعبور بمهمة محددة هي اقتناص وتدمير أي دبابة تفكر في الاقتراب من القناة‏!.‏ مهمة خاصة اختاروا لها مقاتلين قلوبهم ميتة لأن العبرة ليست في السلاح الذي يحملونه إنما في نوعية مقاتل شجاع مطلوب منه أن يقترب من الدبابة لأقرب مسافة إذا أراد تدميرها وتلك المسألة يطلقون عليها قتال الرجل للدبابة‏..‏ وبالمناسبة أريد توضيح نقطة في خطاب ديان الذي تحدث عن الأسلحة التي يملكها المصريون ولم يشر بكلمة للرجال الذين يحملون هذه الأسلحة‏..‏ والحقيقة التي يعلمها ديان وكل العالم يعرفها أن ما كان عندنا من أسلحة أقل كما وأقل كفاءة مما عندهم والفارق عوضته وفاقته عقيدة وشجاعة المقاتلين المصريين الذين جعلوا الفارق لمصلحتهم علي طول الجبهة وفي الوحدات‏!‏

المهم أن جيش مصر دمر‏170‏ دبابة إسرائيلية يوم‏6‏ أكتوبر‏!.‏ المهم أن العدو حاول المستحيل لأجل أن تصل دباباته إلي مصاطبها وفشل بفضل اختراع مصري اسمه قتال الرجل للدبابة والنجاح المبهر الذي حققناه سببه معدن الرجال لأنه ليس كل من حمل صاروخا قادرا علي تدمير دبابة حيث الشجاعة الفائقة هي الفيصل ولهذا نجح الرجال في أن يدمروا‏30‏ دبابة أخري يوم‏7‏ أكتوبر‏..‏ ومن الآخر دمرنا الفرقة‏252‏ مدرعة التي كانت مهمتها تأمين خط بارليف والصعود إلي المصاطب لمنع أي هجوم مصري‏!.‏ الفرقة أعيد تشكيلها بعد ثلاثة أيام قتال مع المصريين‏!‏

‏3 ‏ ـ القيادة المصرية قسمت نقاط خط بارليف الـ‏31‏ إلي ثلاثة أقسام‏.‏

القسم الأول‏:‏ نقاط قوية تؤثر علي محاور الهجوم المصرية الرئيسية ولابد أن تسقط هذه النقط ويتم الاستيلاء عليها في أول يوم قتال‏.‏

القسم الثاني‏:‏ النقط البعيدة نوعا ما تحاصر علي أن يتم إسقاطها في ثاني يوم قتال‏.‏

القسم الثالث‏:‏ النقاط البعيدة والتي لا تأثير لها علي محاور الهجوم‏..‏ تحاصر ويتم مهاجمتها والاستيلاء عليها عندما تسمح الظروف‏..‏ فكيف تعاملنا مع أقوي خط دفاعي عرفته الحروب العسكرية في العالم حتي الآن؟

يوم‏6‏ أكتوبر أسقطنا واستولينا علي‏6‏ نقاط قوية‏..‏ ويوم‏7‏ أكتوبر استولينا علي‏17‏ نقطة قوية ويوم‏8‏ أكتوبر سقطت بقية النقط القوية فيما عدا اثنتين‏.‏ الأولي بور فؤاد وهذه النقطة لم تسقط لأننا أصلا لم نهاجمها واكتفينا بحصارها والثانية نقطة لسان بور توفيق وسقطت وسلمت يوم‏13‏ أكتوبر وهي آخر نقطة استسلمت وهي أيضا الشاهد علي حدث لم يحدث في تاريخ الحروب عندما قام الضابط الإسرائيلي وهو يستسلم بتسليم علم إسرائيل للقائد المصري والأصل هو أن يسلم علما أبيض‏..‏ والضابط الإسرائيلي فعل هذا واستسلم هو وموقعه بتسليم علم بلاده لأن ضابط الصاعقة المصري الرائد زغلول فتحي صمم علي أن يكون الاستسلام بالعلم ولا شيء خلافه‏!‏

وبالمناسبة أول نقطة قوية في خط بارليف سقطت وسلمت هي نقطة الكيلو‏19‏ جنوب بورسعيد ووقعت في الساعة الثالثة و‏25‏ دقيقة أي بعد‏80‏ دقيقة من بداية الحرب وبعد عشر دقائق وقعت نقطة لسان التمساح‏!‏

‏4 ‏ ـ حدوتة عسكرية فريدة من نوعها تجسد ذكاء ودهاء وشجاعة المقاتل المصري‏..‏ وهذه الحدوتة عرف بها الرئيس السادات بعد نهاية الحرب بسنتين وهو يفتتح قناة السويس فأصدر قرارا بمنح وسام نجمة الشرف لبطلنا وبطل هذه الموقعة العميد أحمد صلاح عبد الحليم‏!‏

الحدوتة اسمها معركة الكيلو‏10‏ والمكان منطقة رأس العش الموجود فيها ثلاث نقط قوية في خط بارليف مدعمة بسرية مظلات وسرية دبابات للعدو‏.‏ النقاط القوية الثلاث مطلوب إسقاطها يوم‏6‏ أكتوبر وفقا للتخطيط وتم الهجوم عليها بقوات من اللواء‏135‏ مشاة من جهة الشمال تجاه بور فؤاد إلا أن النقاط القوية بما فيها من مختلف أنواع الأسلحة بالإضافة إلي الدعم المدرع والمظلي نجحت في إيقاف المصريين‏..‏ فكيف تصرف قائد اللواء المصري؟

قرر أن يقوم بعملية خداع يوهم فيها العدو بأنه يهاجم بقوات جديدة قادمة من الغرب إضافة إلي القوات التي تهاجم من الشمال ولهذا دفع بجزء من قواته إلي جهة الغرب في ظلام ليلة‏7‏ أكتوبر إلي الضفة الغربية للقناة وفي الوقت المحدد يوم‏7‏ أكتوبر بدأت هذه القوات في اقتحام القناة مرة أخري من جهة الغرب إلي الشرق وكأنها موجات عبور لقوات جديدة وما إن وصلت إلي الشرق حتي بدأت في الاشتباك مع النقاط القوية التي باتت تواجه بهجوم من الغرب بالإضافة إلي الهجوم من الشمال‏!‏

الفكر الرائع والخداع العسكري الأروع جعلا العدو يعتقد أنه في مواجهة قوات إضافية جاءت من الغرب والحقيقة أنها جزء من القوات التي هاجمته يوم‏6‏ من الشمال‏!.‏ وكما توقع القائد المصري العدو لن يقاوم وسيصبح كل تفكيره الهروب وهذا ما حدث وسقطت النقاط الثلاث‏..‏ بذكاء وشجاعة المقاتل المصري‏!‏

‏5‏ ـ القوات البحرية يوم‏7‏ أكتوبر أغلقت باب المندب‏..‏ وحاولت سفينة بترول إيرانية الاقتراب وأطلقت البحرية المصرية طلقة إنذار وفي الثانية استدارت ناقلة البترول وعادت من حيث جاءت ووقتها إسرائيل تستورد‏18‏ مليون طن بترول من إيران تستهلك جزءا وتبيع الباقي وبقفل باب المندب اتمنع البترول الإيراني وبضرب الكوماندوز المصريين يوم‏6‏ أكتوبر وليلة‏7‏ أكتوبر لآبار البترول الموجودة في سيناء انقطع أقرب إمداد بترولي‏!‏

‏6‏ ـ الجيش المصري عندما اقتحم القناة يوم‏6‏ أكتوبر ووصول‏80‏ ألف مقاتل مصري إلي الشرق في سيناء بعد عدة ساعات فقط‏..‏ اجتمع جنرالات إسرائيل الموجودون في الخدمة والبعيدون عنها اجتمعوا وفكروا وقرروا والقرار ضربة جوية علي غرار ضربة‏5‏ يونيو‏1967‏ بنفس التكتيك ونفس الأسلوب ونفس القوة بهدف تدمير مطارات مصر بما عليها من طائرات إلي جانب أهداف أخري بالغة الحيوية وفي نفس الوقت علي الأرض‏..‏ هجوم إسرائيلي مدرع كاسح يخترق القوات المصرية الموجودة في الشرق ويعبر القناة من علي الكباري المصرية ويتوغل في الغرب ليتمركز هناك ليصبح وجوده في غرب القناة أمرا واقعا‏!‏

وبالفعل أطلقت إسرائيل جميع طائراتها تجاه جميع مطاراتنا وانتظرت أن تسمع ما سمعته يوم‏5‏ يونيو‏1967‏ وطال الانتظار ولم يسمعوا لأنه ولا هجمة واحدة تمت ولا طائرة واحدة طالت مطارا مصريا لأننا تعلمنا من‏1967‏ الدرس وكنا ننتظر ضربتهم الجوية التي وجدت في انتظارها طائرات مصر ودفاع مصر الجوي والاثنان تركا لسجلات التاريخ عبقرية تعاون الصواريخ مع الطائرات‏..‏ حيث كانت سماء مصر مقسمة والذي يدافع عنه نسور مصر يمسك عنه الدفاع الجوي والذي تغطيه الصواريخ لا يطير فيه النسور‏...‏

وجاءت طائرات إسرائيل وهي لا تعلم أن سماء مصر لم تعد مباحة ولن تكون بعد اليوم مستباحة‏...‏

من له عمر من طياري العدو نفد بجلده والباقي رأي النجوم في عز الـظهر من نسور مصر وصواريخ مصر وكانت مذبحة لطيران العدو‏!.‏

الذي حدث يومي‏6‏ و‏7‏ أكتوبر لا يقارن بما فعلناه في أسود يوم علي الصهاينة‏!‏

للحديث بقية مادام في العمر بقية
 
رد: مقالات الكاتب الكبير ابراهيم حجازي

خارج دائرة الضوء
حــرب أكتوبـــــــر الحلقة الأخيرة
عندما أجبر جيش مصر العظيم جولدا مائير علي البكاء
وهي تستنجد بأمريكا‏..‏ أنقذوا إسرائيل‏!‏
بقلم : إبـراهيـم حجـازي‏


**‏ قالوا والعالم كله وراءهم‏:‏ مستحيل أن تفكر مصر‏..‏ مجرد التفكير في اتخاذ قرار حرب ضد إسرائيل بعد هزيمة يونيو‏1967‏ الكاسحة وبعدما عدلت الحدود وخلقت أوضاعا جديدة هي المستحيل علي المصريين لأنه لم يحدث في حرب منذ أن عرفت البشرية الحروب أن جيشا وجد نفسه أمام ثلاثة موانع علي التوالي كل واحد منها في حد ذاته مستحيل‏!.‏ الممر المائي وأقصد قناة السويس هي في الحروب مانع طبيعي رهيب وبعدها الساتر الترابي مانع سئيل ومن خلفه‏31‏ نقطة قوية تكلفت‏800‏ مليون دولار تشكل أصعب خط دفاعي في تاريخ العسكرية بالعالم‏!‏

العدو المسيطر علي إعلام العالم‏..‏ أعلم الدنيا كلها أنه متمسك بكل متر أرض استولي عليه بعد يونيو‏1967‏ وعلي العرب قبول هذا الوضع الجديد لأنه ليس أمامهم خيار آخر حيث لا مجال لمفاوضات أو أمل في حرب‏!.‏ ما الذي يجبر المنتصر أن يجلس مع المهزوم‏..‏ لماذا تجلس إسرائيل مع العرب المهزومين؟‏.‏ ولا أمل أمام العرب في استرداد أراضيهم بالحرب لأنهم لو فكروا في الحرب فستكون نهايتهم ولن تقوم لهم قائمة‏!.‏

الصهاينة قالوا هذا والعالم كله مقتنع بذلك‏..‏ وقد يكونون علي حق في أن الحرب قرار مستحيل علي العرب لأنه يحمل في طياته الموت والدمار والخراب‏..‏ هم علي حق في أن المانع المائي والساتر الترابي والخط الدفاعي مستحيل اجتياحها وإن حدث فالخسائر رهيبة والخبراء توقعوها‏65‏ في المائة أول يوم قتال‏..‏ يعني كل‏100‏ مقاتل مصري يقتحم القناة نخسر منهم‏65‏ مقاتلا‏!.‏ هم علي حق في أن الحرب من رابع المستحيلات‏..‏ لكنهم معذورون والحق الذين هم عليه منقوص‏..‏ لأنهم اعتمدوا علي هزيمة يونيو‏1967‏ في كل تحليل لهم وكل قياس للمقاتل المصري‏..‏ وأغفلوا‏!.‏

معذورون لأنهم يجهلون وربما يكون الله أعماهم عن معرفة جوهر الإنسان المصري الذي يبدو وديعا هادئا صامتا والحقيقة أن المصري ليس له حل والمصريون شعب بسيط وسهل لكنه عبقري لا يعرف المستحيل‏!.‏

الصهاينة لم يقدروا حقيقة المصريين وأخذوا هزيمة يونيو والانسحاب المهين والقرارات الهزيلة المتضاربة‏..‏ أخذوا سلبياتنا مقياسا ونسوا أنها أخطاء أفراد في قيادة وليست خطايا شعب‏!.‏

الصهاينة لم يتعاملوا مع المصريين علي أنهم شعب شهم قوي صلد‏..‏ وهذا ما اكتشفوه وعرفوه لكن بعد فوات الأوان‏!‏

المانع المائي والساتر الترابي والخط الدفاعي اجتاحها جيش مصر وبعد‏540‏ دقيقة فقط من الحرب مصر لها‏80‏ ألف مقاتل اجتاحوا المانع والساتر والخط ودخلوا سيناء وراحوا يقاتلون العدو‏!.‏ يوم‏6‏ أكتوبر استولي المقاتلون المصريون علي‏6‏ نقاط قوية من خط بارليف ويوم‏7‏ أكتوبر سقطت‏17‏ نقطة قوية‏!.‏ يعني في‏6‏ و‏7‏ أكتوبر‏23‏ نقطة قوية في أقوي خط دفاعي استولي عليها المقاتلون المصريون‏!.‏

معني الكلام أن أقوي خط دفاعي عرفته العسكرية في العالم ثلثاه استسلم للمصريين في يوم ونصف اليوم قتال‏!.‏ يوم‏6‏ أكتوبر أسقطنا‏37‏ طائرة إسرائيلية ويوم‏7‏ أكتوبر أسقطنا‏6‏ طائرات‏..‏ يعني‏43‏ طائرة في يومين‏!.‏ يوم‏6‏ أكتوبر دمرنا‏170‏ دبابة ويوم‏7‏ أكتوبر دمرنا‏30‏ دبابة بمجموع‏200‏ دبابة من أصل‏220‏ دبابة تتمركز في محيط خط بارليف ومهمتها حماية خط بارليف وتأمين الشاطئ الشرقي للقناة ومنع أي قوات مصرية من اقتحام القناة‏!.‏ يوم‏7‏ أكتوبر نفذ الصهاينة ضربة جوية علي غرار ضربة‏5‏ يونيو الجوية‏..‏ نفذها علي جميع مطارات مصر إلي جانب أهداف عسكرية ومدنية وفشلت الضربة ولم تنل طائرة واحدة من هدف مصري بفضل نسور مصر ودفاع مصر الجوي‏..

‏ والطائرات التي أغارت عادت بخيبة أمل لكن ليست كلها عادت لأن المكتوب عليها الدمار تدمرت‏!.‏ يوم‏7‏ أكتوبر البحرية المصرية أغلقت باب المندب وقطعت إمدادات البترول القادمة من إيران عن إسرائيل وفي نفس الوقت الكوماندوز المصريون في سيناء دمروا كل آبار البترول المصرية التي استولي العدو علي إنتاجها من بعد‏5‏ يونيو‏1967.‏

كل هذه العمليات العسكرية الناجحة نفذها جيش مصر يومي‏6‏ و‏7‏ أكتوبر إلي جانب مهام قتالية أخري فذة لم يعلن عنها‏!.‏ جيش مصر قهر المستحيل واقتحم القناة واجتاز الساتر واجتاح أقوي خط دفاعي مستوليا علي ثلثي نقاطه القوية ودمر دبابات وأسقط طائرات‏..‏ جيش مصر فعل هذا ليؤكد بذلك للدنيا كلها أنه من صلب شعب لا مثيل له‏!.‏

ملاحم الشجاعة والبطولة التي تجلت يومي‏6‏ و‏7‏ أكتوبر اكتشف العدو أنها بدايات ليس إلا وأنهم علي موعد مع جهنم الحمراء يومي‏8‏ و‏9‏ أكتوبر وفيهما دارت معارك وتجلت بطولات وظهرت ملاحم‏..‏ وجيش مصر العظيم سجل في تاريخ العسكرية عبقرية قادة وشجاعة مقاتلين وألحق بالصهاينة الهزائم والخسائر والدمار علي طول الجبهة وفي مختلف الوحدات‏.‏

الهجوم الجوي الرهيب المضاد للعدو يوم‏7‏ أكتوبر حجم فشله بنفس قدر نجاح الهجوم الجوي الإسرائيلي يوم‏5‏ يونيو‏1967‏ والذي أنهي الحرب قبل أن تبدأ‏!.‏ الفشل الهائل للعدو جوا في سماء مصر توقعت القيادات المصرية العسكرية أن يعوضه العدو بريا بل إن المخابرات العسكرية من خلال رجال استطلاعها المنتشرين في سيناء أكدت أن الهجوم الرئيسي سيكون شمال الإسماعيلية ولا أعرف هنا هل تحديد وجهة الهجوم الإسرائيلي ليكون في مواجهة الفرقة الثانية المصرية‏..‏ هو من حسن حظ العميد حسن أبو سعدة قائد الفرقة الثانية أم من سوء بخت الجنرال برن قائد الفرقة الإسرائيلية المدرعة؟

اليوم‏8‏ أكتوبر الساعة‏8‏ صباحا‏.‏ الهجوم الإسرائيلي بدأ بثلاثة ألوية مدرعة تجاه دفاعات الفرقة الثانية مشاة‏.‏ قوات الجنرال برن المدرعة تتحرك بسرعة كبيرة وساعدها في ذلك طبيعة الأرض وطبيعة الخطة التي أعدها الجنرال المصري حسن أبو سعدة الذي ينتظر هذه الفرصة من زمن وجاءته كما كان يتوقعها بالضبط‏!‏

قائد القوات الإسرائيلية في سيناء الجنرال جونين تقول أوراقه التي سجل فيها تعليماته لصقري الهجوم المضاد‏..‏ شارون وبرن‏!.‏ تعليمات جونين لشارون تقول‏:‏

شارون يبدأ هجومه في الجنوب عند الظهيرة ولا يهاجم قبل هذا التوقيت وعليه تدمير كل قوات العدو هناك والاستيلاء علي رأس أحد الكباري ليعبر عليها غربا إلي مدينة السويس للاستيلاء عليها ولكن عليه ألا يدخل المدينة بأكثر من لواء وكتيبة واحدة‏.‏

شارون منتظر وبرن بدأ ويتقدم بسرعة وقام بتدمير سبع دبابات مصرية في طريق تقدمه وقائد الجبهة جونين غير مصدق لأن ما حدث يومي‏6‏ و‏7‏ أكتوبر جعل الدنيا سوداء أمام عينيه ومن فرحة جونين لم ينتظر وضوح الصورة وبادر بالاتصال بقائد الهجوم برن وقال له‏:‏

برن أريدك ألا تنسي قبل العبور غربا القيام بتدمير كل القوات المعادية‏.‏ أريدك أن تدمر كل قوات العدو علي الضفة الشرقية في المنطقة ما بين نقطة ميلانو‏(‏ شمال القنطرة‏)‏ وحتي الدفرسوار‏.‏ لا تبدأ العبور قبل القضاء تماما علي كل القوات المصرية في المنطقة‏.‏

برن‏:‏ علم وسينفذ
جونين‏:‏ تذكر يا برن أن يظل تقدم قواتك جنوبا سريعا ومتدفقا كالسيل بدون توقف حتي تصل إلي الدفرسوار ومن هناك تبدأ العبور إلي غرب القناة‏.‏

برن‏:‏ تمام‏.‏ ستسير الأمور كما تشاء‏.‏
انتهت المكالمة ونص الحوار وحوارات أخري كان جونين قائد الجبهة الإسرائيلية في سيناء قد سجلها في أوراقه وبعد‏30‏ سنة علي الأحداث سمحت المخابرات الإسرائيلية بنشر بعض منها ومنعت أغلبها لما فيه من وقائع مستحيل أن تري النور لما فيها من أعمال وبطولات خارقة للمقاتلين المصريين وانكسارات وهزائم وفضائح لمقاتلي الجيش الذي كانوا يقولون عنه إنه لا يقهر‏..‏ وهذه الوثائق منشورة في كتاب حرب الأيام الأربعة للصحفي إسلام الشافعي الذي استند في كتابه إلي الوثائق الإسرائيلية والشهادات الإسرائيلية‏!‏

وأنا هنا أستشهد بما قالوه وبما فعلوه وفق رواياتهم التي سمحت المخابرات الإسرائيلية بنشرها‏!.‏ أنا راض بها‏..‏ شهادة عدو في حقنا‏!‏

الجنرال جونين طاير من الفرحة رغم أن الهجوم المضاد الإسرائيلي لم يصطدم بعد بدفاعات الفرقة الثانية‏..‏ لكنه فرحان ومتفائل لدرجة أنه اتصل برئيس الأركان الإسرائيلي يطالبه بالإذن بتحريك شارون ليبدأ الهجوم مبكرا دون انتظار لوقت الظهيرة المتفق عليه‏!.‏ بن إليعازر رئيس الأركان طالبه بالالتزام بالخطة نصا كما وضعت من قبل الأمريكيين‏!.‏ وتمر فترة وبرن متقدم علي محوره وجونين فرحته تزداد ليعاود الاتصال والإلحاح في تحريك شارون علي اعتبار أن المسألة ستكون فسحة لأن برن يتقدم بسرعة ولا أحد يقابله وبالفعل تحرك شارون للاستيلاء علي رأس أحد الكباري تجاه السويس وبعدها يعبر إلي الغرب‏!‏

هذه خطة العدو التي وضعوها علي اعتبار أن مدرعاتهم التي يقودها صقورهم ستسحق القوات المصرية التي تجرأت واقتحمت القناة ومصيرهم السحق ومصير مصر انتقال القوات الإسرائيلية إلي غرب القناة الذي سيكون خط المواجهة الجديد الذي تعلن بعده الأمم المتحدة وقف إطلاق النيران وعلي المصريين أن يقبلوا الوضع الجديد الذي يرفع فكرة أي حرب جديدة من عقول المصريين نصف قرن مقبل علي الأقل‏!‏

شارون تحرك عشرات الكيلو مترات جنوبا بعيدا عن خط النار‏..‏ والصقر برن الذي كان يتحرك سريعا تجاه مصيره وقدره ونصيبه الأسد حسن أبو سعدة قائد الفرقة الثانية‏!‏

الجنرال برن قواته المدرعة بدأت تتعثر إلي أن توقفت ثم تراجعت بعد أن انفتحت عليها بوابات جهنم من كل جهة‏!.‏ الفرقة الثانية مشاة استدرجت الفرقة الإسرائيلية المدرعة لكي تتقدم وتتوغل وتتورط‏!‏

الجنرال حسن أبو سعدة متوقع تماما سيناريو الهجوم المضاد واستعدت قواته له بتوظيف جيد لما تملكه من إمكانات ومعدات‏.‏ حسن أبو سعدة ورجاله يعلمون أن العدو معه مدرعات أكثر وأكفأ وخطوط ذخيرة لا تنضب وتعويض في التو للخسائر من الترسانة الأمريكية‏..‏ ولكن‏!‏

المقاتلون المصريون قناعتهم تامة بأن العبرة ليست في السلاح إنما فيمن يحملون السلاح وبأن قلوبهم الآمنة المؤمنة الشجاعة تعطيهم الغلبة وتضمن لهم الانتصار‏!‏

الأمور صباح يوم‏8‏ أكتوبر مختلفة جذريا عنها بعد الظهر‏!.‏ صباحا كل الظواهر متمشية مع العدو الذي انطلق من السابعة والنصف بثلاثة ألوية مدرعة بقيادة ناتك وأرييه وجابي‏.‏ في بداية التحرك اصطدم ناتك مع اللواء‏15‏ المدرع المصري قرب القنطرة شرق بينما انطلق جابي وأرييه جنوبا نحو نقاط البحيرات الحصينة والتعليمات هي التحرك جنوبا دون الاقتراب من القناة تفاديا لنيران المدفعية المصرية‏..‏ وفي العاشرة صباحا أبلغ قائد الفرقة الإسرائيلية المدرعة الجنرال جونين‏..‏ أن قواته في معارك شرسة مع القوات المصرية وأنها في أشد الحاجة للدعم الجوي‏!.‏ بعد ساعة من القتال أعلن جابي وهو قائد أحد الألوية المدرعة الثلاثة‏..‏ أعلن أنه تكبد خسائر كثيرة وأن العديد من دباباته احترق بفعل صواريخ الدبابات المصرية التي يحملها أفراد وأنه يطلب الإذن بالانسحاب‏!‏

الساعة عشرة صباحا والصقر الصهيوني الصغير من أول اشتباك يريد الانسحاب‏!.‏ قائد الجبهة حاول إنقاذ جابي باستدعاء شارون‏..‏ لكن شارون تحرك وابتعد‏!‏

قائد الجبهة يحث باللاسلكي قائد الفرقة المدرعة الإسرائيلية علي سرعة التحرك لكن الأمر علي الأرض مختلف تماما والألوية الثلاثة توقفت بل أخذت في التراجع لأن مرحلة الجد بدأت‏!‏

لأن وحوش الفرقة الثانية مشاة انتظروا برن ومدرعاته في المكان الذي حددوه‏..‏ بخطة دفاع الصندوق التي تقبل اختراق العدو إلي حدود معينة فيها يتقدم بدون مقاومة حتي خط معين عندما يصل إليه‏...‏ يفاجأ بأنه استدرج للدخول في باطن بركان هادئ أصبح جهنم الحمراء في لحظة وهذا ما حدث للفرقة الإسرائيلية المدرعة‏!‏

المعركة التي استدرج لها استمرت ساعة ونصف الساعة فيها دمر رجال حسن أبو سعدة‏127‏ دبابة للصهاينة من أصل‏300‏ دبابة هي قوة الفرقة‏!.‏ يعني في‏90‏ دقيقة نصف الدبابات انحرقت وتدمرت‏!.‏ في‏90‏ دقيقة تم أسر كتيبة مدرعات بأكملها وقائدها العقيد عساف ياجوري‏!.‏ في‏90‏ دقيقة خسائر العدو في الأرواح لم تحدث من قبل‏!.‏ نصف فرقة مدرعة للعدو راحت في خبر كان خلال‏90‏ دقيقة‏..‏ مات من مات وأصيب من أصيب والأسري مئات‏!‏

برن قائد الفرقة المدرعة أصدر تعليماته إلي ناتك بسحب ما تبقي من قوات اللواء الذي يقوده‏!.‏ وجاء رد ناتك بأنه فقد الاتصال بقائد واحدة من كتائب اللواء والمفقود العقيد عساف ياجوري ولأول مرة يتم أسر كتيبة كاملة مدرعة بقائدها والذين أفلتوا من الأسر‏..‏ هم من قتلوا‏!.‏ ناتك أبلغ أن المتبقي من دباباته أربع وباقي دبابات اللواء انحرقت أو أسرت‏!.‏ اللواء المدرع الآخر الذي يقوده أرييه أبلغ أن قواته وقعت في فخ للقوات المصرية عند كوبري الفردان وأن المصريين يهاجمونه من الشمال والجنوب وأن الدبابات المصرية تفتح نيرانها عليه من شرق القناة ومن غربها وعدد كبير من دباباته وقع في كمين للكوماندوز المصريين الذين دمروا أغلب الدبابات والأطقم تقوم بالقفز من الدبابات المحترقة‏!‏

أما أرييه فقد طلب انسحاب اللواء الذي يقوده بما تبقي من مدرعاته قبل أن تقطع القوات المصرية عليه طريق العودة إلي الطاسة‏!.‏ وبالفعل انسحبت بقايا الفرقة المدرعة الإسرائيلية إلي أماكن آمنة داخل سيناء هروبا من بوابة جهنم التي فتحتها الفرقة الثانية مشاة والتي جعلت‏8‏ أكتوبر نقطة فارقة في الصراع مع العدو‏!.‏ قبلها مدرعات لا تقهر وبعدها أي شيء يقهر‏!.‏

يوم‏8‏ أكتوبر في المساء أيقن العالم كله بعد سنوات تأييد مطلق للصهاينة أن العرب خرجوا من غفوتهم وأن حدوتة الجيش الذي لا يقهر باتت وهما من الماضي‏.‏

يوم‏8‏ أكتوبر في المساء‏..‏ ذهب الرئيس الإسرائيلي إلي مقر القيادة الإسرائيلية يسأل القادة الصقور‏..‏ كيف ستواجهون أسر ضحايا الحرب التي خسرتموها بغروركم؟‏.‏

ويوم‏9‏ أكتوبر قاد شارون الهجوم المضاد الثاني وحدد مهام قادة الألوية الثلاثة وهم أمنون راشين وتوفيارفين وحاييم أرز‏.‏ مهمة حاييم استرداد تبة حاموتل‏(‏ تبة الطاليا‏)‏ وحدوتة الطاليا تستحق أن تكون وحدها فيلما سينمائيا ولنا معها عودة منفصلة فيما بعد لأن لا حاييم ولا غير حاييم عرفوا يقربوا من الطاليا التي بقيت في أيدي القوات المصرية‏!.‏ واللواء المدرع الثاني مهمته احتلال تبة ماكشير بين الطريق الأوسط والدفرسوار‏..‏ واللواء الثالث الوصول إلي نقطة حصينة شمال الإسماعيلية‏.‏

لواء توفيا اصطدم باللواء‏14‏ المدرع المصري ولقي هزيمة وصف مذلة قليل عليها‏!.‏ أغلب القادة قتلوا‏..‏ حتي إن نائب قائد اللواء الذي راح يقود كتيبة قتل قائدها‏..‏ النائب انقتل هو الآخر‏!‏ هذا اللواء انسحب ولم يكمل مهمته‏..‏ مثلما فشل اللواء المكلف باحتلال الطاليا‏!.‏

اللواء‏14‏ مدرع المصري تقدم لمهاجمة القوات الإسرائيلية عند وصلة الدفرسوار ودخل نطاق نيران المدفعية الإسرائيلية واضطر للتراجع ويبدو أن تراجعه أغري شارون بمهاجمته علي ثلاثة محاور سعيا لتحقيق أي انتصار ولم يكن يدري أن المصريين يستدرجونه إلي دائرة موت صنعها مقاتلو الدبابات بصواريخهم التي حرقت‏25‏ دبابة وقتلت قائد كتيبة وأسرت‏12‏ إسرائيليا‏..‏ وعند هذا الحد انسحب شارون‏!.‏

يوم‏9‏ أكتوبر تأكدت أمريكا أن الجيش الإسرائيلي انكسر واندهس وفي كل المواجهات التي خاضها انهزم‏!.‏ أمريكا أيقنت أن إسرائيل فقدت ثلثي قواتها المدرعة وفقدت معها كرامتها وسمعتها ووضعها‏!.‏ أمريكا قررت فتح ترسانتها العسكرية بلا قيود أو حدود لإسرائيل ووفقا لتقرير مراقب عام الدولة الأمريكي اتضح أن أمريكا استخدمت‏228‏ طائرة نقل نفذت‏569‏ طلعة حملت‏22.5‏ ألف طن أسلحة وذخائر علي مدي‏33‏ يوما‏..‏ هذا إلي جانب‏8‏ طائرات مدنية إسرائيلية نقلت‏5500‏ طن معدات وذخائر‏.‏أما الجسر البحري فأول قوافله وصلت إلي إسرائيل يوم‏2‏ نوفمبر‏1973.‏ أمريكا دخلت الحرب بطيارين وطائرات ودبابات بأطقمها وتعويض فوري للذخائر والعتاد‏!‏

مساء يوم‏9‏ أكتوبر طلبت جولدا مائير وزير الخارجية الأمريكي هنري كيسنجر علي التليفون وعندما جاء صوته علي الخط‏..‏ بكت جولدا مائير بحرقة وهي تقول له‏:‏ أنقذوا إسرائيل‏!‏

تحية إلي جيش مصر في الأمس واليوم وكل يوم‏.‏

للحديث بقية مادام في العمر بقية
 
رد: مقالات الكاتب الكبير ابراهيم حجازي

في الكتيبة‏43‏ صاعقة يوم‏30‏ يونيو لم يكونوا يعرفون أن التاريخ ينتظرهم‏!‏

**‏ يونيو‏1967..‏ شهر انطبع في ذاكرة ووجدان وطن مصلحته ألا تنسي مصر هذا الشهر تحديدا لأن فيه ذقنا أقسي هزيمة يمكن أن تلحق بجيش في العالم‏!.‏ انهزمنا لكننا لم نمت ولم نيأس ولم نستسلم ومن رحم الهزيمة في نفس شهر مولدها بدأ الإعداد والاستعداد لأجل خوض حرب أخري‏!.‏ في نفس شهر الهزيمة أثبتنا لأنفسنا وللعالم كله أننا مازلنا أحياء وأننا نقدر علي مواجهة عدو مفتون بنفسه وأطلق علي نفسه مقولة الجيش الذي لا يقهر‏!‏

علينا ألا ننسي أن هزيمة يونيو‏1967‏ هي التي فجرت داخلنا تلك الطاقات الهائلة الجبارة‏!.‏ هي التي حررت الانتماء الهائل للوطن الكامن داخلنا‏!.‏ هي التي حررت ملاحم الشجاعة الفائقة النائمة في أعماقنا‏!.‏ هي التي وضعتنا أمام خيارين‏..‏ الحرب لأجل طرد هؤلاء الأوغاد من علي كل أرض مصرية أو الاستشهاد‏!.‏ الانتصار أو الشهادة ولا ثالث لهما‏!.‏

وعلينا أيضا ألا ننسي أن الله أعطانا فرصة عمر في الوقت بعد الضائع عندما قرر الصهاينة توجيه ضربتهم القاضية لنا بالاستيلاء علي مدينة بورفؤاد وهي ليست بأي مدينة‏..‏ إنها الابنة الوحيدة لواحدة من أشهر مدن العالم في الصمود‏..‏ مدينة بورسعيد‏..‏ وسقوط بورفؤاد‏..‏ سقوط لهيبة بورسعيد التي يستحيل أن يفكر الصهاينة في دخولها ولو كانت خاوية علي عروشها‏..‏ مستحيل أن يفعلوا هذا بعد الذي حدث للإنجليز في بورسعيد أيام حرب‏1956.‏

المهم أن الله أعمي بصرهم وبصيرتهم بقرار الاستيلاء علي بورفؤاد الذي هو نفسه فرصة عمر أتاحها الله لنا وأمامنا وسط ظلام هزيمة كئيب‏..‏ فيه كل ما نسمعه ونراه‏..‏ يأس معجون في مرارة ملفوف في انكسار‏!‏

الصهاينة قرروا الاستيلاء علي بورفؤاد وهم لا يدركون أنهم يتيحون بقرارهم عودة الروح للمصريين‏!.‏ نعم عودة الروح لأن جيش مصر في هذه الحرب لم يطلق طلقة واحدة وكل الذي حدث أن الصهاينة بدأوا الحرب صباح‏5‏ يونيو بضربة جوية لكل مطارات مصر وبعدها صدر قرار الانسحاب والذي كان تأثيره السلبي ربما نفس تأثير ضربة الصهاينة الجوية‏!.‏ جيش مصر ينفذ قرار انسحاب عشوائي علي أرض مفتوحة بدون غطاء جوي وهذه كارثة أخري‏!.‏ القوات التي تصل غرب القناة يعاد تشكيلها وتسليحها علي ضوء الخسائر التي تعرضت لها‏..‏ والحمد لله أنه كانت هناك قيادات قادرة علي التصرف وسط هذه المحنة القاسية التي لا يعرف أحد ماذا سيحدث فيها بعد لحظة‏..‏ ولذلك هذه القيادات في هذه اللحظات الدقيقة تفكيرها كله‏..‏ تأمين مدن القناة التي باتت خط الدفاع الأول وحجم التأمين من حجم القوات العائدة المعاد تشكيلها والمهام ما كان مخصصا لكتيبة تقوم به فصيلة لأن العين بصيرة واليد قصيرة والموقف علي خط الدفاع الجديد بالغ الخطورة والصعوبة‏!‏

في بورسعيد‏..‏ الحدوتة مختلفة لأن جزءا من جسد بورسعيد يقع في شرق القناة والشرق كله تم احتلاله فيما عدا بورفؤاد وهذا وجه الاختلاف عن بقية خط القناة وهو أيضا وجه الخطورة‏!‏

أراد الله أن تكون الكتيبة‏43‏ صاعقة جزءا من التاريخ العسكري ليس في مصر فقط إنما في العالم كله‏!‏

الكتيبة‏43‏ صاعقة انسحبت مثلما انسحب جيش مصر من سيناء وبعد وصولها إلي غرب القناة لم يكن متاحا لها وقت للراحة لأن الوقت‏..‏ وقت القوات الخاصة‏!‏

استعادت الكتيبة‏43‏ صاعقة تشكيلها وسلاحها وتلقت مهمة ومهمتها نجدة الأهداف الحيوية في مدينة بورسعيد فيما لو تعرضت لأي اعتداء صهيوني‏!‏

وحدات الاستطلاع المصرية رصدت تحركات غير عادية علي المدق الترابي الموازي للقناة في الشرق ما بين سهل الطينة والكرنتينة‏..‏ ورصدت أيضا أن قوات العدو التي تتحرك في الشرق داخل سيارات مجنزرة هي عناصر استطلاع‏..‏ وهذه المعلومة معناها عملية قادمة للعدو في هذه المنطقة في وقت قريب جدا‏!‏

لم يكن صعبا تحديد طبيعة العملية الصهيونية ووجهتها لذا جاء أول رد فعل لنا‏..‏ مهمة عاجلة لتلغيم المدق الموجود في الشرق باعتبار أي تحركات بمعدات لابد أن تكون عليه لأن الأرض علي جانبيه رخوة ومستحيل سير أي سيارات أو دبابات أو مصفحات عليها وبالتالي فإن تلغيم الطريق الترابي من شأنه أن يعطل أي تقدم صهيوني لبعض الوقت بما يتيح لقواتنا التي تتوقع هجوما صهيونيا فرصة احتلال الأرض وتجهيز موقع الدفاع والمواقع البديلة مع الأخذ في الاعتبار أن التكافؤ معدوم عددا وتسليحا بيننا وبين العدو‏!.‏ وبالفعل التعليمات صدرت إلي المهندسين العسكريين بمهمة تلغيم المدق الترابي في شرق القناة في مناطق الكاب والتينة ورأس العش‏..‏ وتعليمات أخري للكتيبة‏43‏ صاعقة لأجل تأمين المهندسين العسكريين في مهمتهم‏.‏

الرائد سيد الشرقاوي قائد الكتيبة‏43‏ صاعقة اختار لهذه المهمة الفصيلة الثانية من السرية الثانية وأعطي تعليماته إلي قائدها الملازم فتحي عبدالله‏...‏

لحظتها لم يكن الرائد سيد ولا الملازم فتحي يدركان أنهما علي بعد خطوات من إحدي أهم اللحظات المضيئة في تلك الأيام السوداء‏!‏

وللحديث بقية مادام في العمر بقية​
 
رد: مقالات الكاتب الكبير ابراهيم حجازي

أراد الله رأس العش لنعرف ويعرفوا‏!‏ ‏‏


الكلام الآن عن الرجال بحق‏.‏ الرجال الذين يضعون أرواحهم علي أيديهم في كل لحظة فداء لوطن ودفاعا عن حدود وطن وحماية لشرف ومقدسات الوطن‏!.‏

الكلام عن ساعات ذلك اليوم‏..‏ يوم‏30‏ يونيو‏1967..‏ وهي كما قلت الأسبوع الماضي‏,‏ لحظات فارقة في تاريخ أمة لأن الصهاينة بعد انتصارهم الكاسح في حرب ربع اليوم وليس الأيام الستة كما يقولون‏..‏ بعد هذا الانتصار الذي جاء من طرف واحد حيث الطرف الثاني في الحرب الذي هو نحن لم نحارب يوم‏5‏ يونيو‏1967‏ لأن جيشنا لم يطلق طلقة‏,‏ وهو لم يضرب طلقة لأنه بعد ضربة الطيران الصهيونية لمطاراتنا فوجئ الجيش بقرار انسحاب ولعله أسوأ قرار لأسوأ انسحاب في تاريخ الحروب‏!.‏

والجيش المصري يحاول إعادة تشكيل ما يصل من وحدات إلي غرب القناة لأجل مواجهة أي مغامرة يمكن أن يقوم بها العدو ولماذا لا يغامر وهو المنتصر وهو الجيش الذي لا يهزم؟‏.‏ لماذا لا يغامر وكل خبراء العسكرية في العالم أجمعوا علي أن مصر أمامها‏30‏ سنة علي الأقل لكي تقف علي حيلها من تلك الهزيمة الرهيبة‏!.‏

الرأي العام والشارع المصري غير مصدق ما حدث لأن الوطن العربي كله من المحيط إلي الخليج علي ثقة من أن أي حرب مع الصهاينة هي نهاية لهم‏!.‏ الكل مصدوم والصدمة هائلة عند المصريين تحديدا لأن جيش مصر أقوي وأكبر جيوش العرب وهو الأمل وهو الأمان‏!.‏ الرأي العام المصري غير مصدق ما حدث وغير مستوعب ما تم‏!.‏ الرأي العام حزين ومكتئب ومذهول وذهوله أوصله لدرجة الاستسلام لحرب النكات علي مصر وجيش مصر‏,‏ ولعلها في قسوتها فاقت الهزيمة‏!.‏

وسط هذا المناخ‏..‏ الأيام ثقيلة كئيبة في مكانها واقفة لا تتحرك‏..‏ والقلق كله من أن يستغل الصهاينة الموقف الأسوأ ربما في تاريخ مصر ويحاولوا أن يقضوا علي ما تبقي من معنويات‏!.‏ وفعلا ما توقعه القادة المصريون وقتها وجدوه‏,‏ وبسهولة رصدوه‏,‏ وبقدر الموجود من قوات واجهوه‏!.‏

القادة المصريون لاحظوا تحركات في الشرق ورصدوا قوات استطلاع العدو وهي تعمل‏,‏ وبسهولة أدركوا أن الصهاينة يريدون الاستيلاء علي بورفؤاد‏!.‏ المهمة صدرت إلي المهندسين العسكريين لأجل تلغيم المدق الموازي للقناة كإجراء تعطيلي إلي أن تتحرك القوة المعنية باحتلال رأس العش وهي نقطة الدفاع عن بورفؤاد‏!.‏

قلت الأسبوع الماضي إن الكتيبة‏43‏ صاعقة لم تكن تعرف أنها علي موعد مع القدر‏!.‏ الكتيبة عادت من سيناء وأعادوا تشكيلها لأجل أن تتولي مهمة نجدة الأهداف الحيوية في بورسعيد وعندما رصدوا تحركات الصهاينة تم تكليف الفصيلة الثانية من السرية الثانية لاحتلال شريط الأرض الصغير المعروف باسم رأس العش‏..‏ والمهمة التي تلقاها قائد الفصيلة الملازم فتحي عبد الله من الرائد سيد الشرقاوي قائد الكتيبة‏43‏ صاعقة‏..‏ المهمة جملة واحدة‏:‏ العدو لن يمر تجاه بورفؤاد إلا علي جثثكم‏!‏

في هذا اليوم‏..‏ يوم‏30‏ يونيو لم يكن الرائد سيد ولا الملازم فتحي يدركان أنهما علي بعد خطوات من إحدي أهم اللحظات المضيئة في تلك الأيام السوداء الحزينة‏!‏ فصيلة الصاعقة المكلفة بالدفاع عن نقطة رأس العش تلقت تعليمات احتلال نقطة رأس العش الساعة الثانية من ظهر يوم‏30‏ يونيو وخلال ساعة أعطي قائد الفصيلة تمام الاستعداد لقائد الكتيبة وقبل مرور ساعة أخري كانت الفصيلة قد احتلت موقعها في شرق القناة وبدأت تجهز مواقعها الدفاعية ولعلها أول قوات تقتحم القناة من الغرب إلي الشرق منذ وقف إطلاق النار يوم‏9‏ يونيو‏1967.‏ المهم أن الفصيلة بدأت تضبط وضعها الدفاعي وأهم شروطه ألا يبقي مقاتل أو سلاح أو معدات أو ذخيرة فوق الأرض وهذا معناه حفر خنادق ونقط قتال وحفر برميلية تستوعب مقاتلي الفصيلة وعتادهم من فوق الأرض إلي باطنها‏!.‏

المشكلة التي ظهرت من أول لحظة طبيعة الأرض وهي تربة ترابية هشة غير متماسكة لأن تربتها لا هي رمل ولا هي طمي‏..‏ تهيل باستمرار وصعب جدا حفر خنادق وحفر فيه ومستحيل سير أي مركبات عليه وعموما هذه المسألة معروفة مسبقا عن تلك المنطقة الواقعة بين القنطرة شرق والكرنتينة واسمها سهل الطينة‏..‏ حيث لا تفكير في المرور خلالها بأي مركبات والذي جعل الصهاينة يفكرون في المنطقة ذلك المدق الترابي الموازي للقناة والذي تتحمل تربته أي مركبات رغم أنه في سهل الطينة لكنه مختلف والذي صنع هذا الاختلاف هيئة قناة السويس خلال عمليات التطهير المستمرة للمجري المائي وهذا المدق نتاج ما أخرجته الكراكات من جوف القناة حيث ترمي ماتخرجه من رمال وخلافه علي شريط الأرض الموازي للقناة وهذه الرمال هي التي صنعت هذا المدق الصالح للسير وسط أرض غير صالحة ليصبح الممر الأوحد لمن يريد الوصول إلي بورفؤاد من هذه المنطقة وتصبح نقطة رأس العش هي الموقع الدفاعي الوحيد وإذا كان العدو يريد احتلال بورفؤاد فعليه أن يمحو أولا رأس العش‏!‏

أعود إلي مرحلة تجهيز الموقع دفاعيا والتي بدأت من الساعة الرابعة بعد ظهر‏30‏ يونيو تقريبا وبعد جهد هائل نجح مقاتلو الصاعقة في حفر خنادق للتعامل مع العدو من الوضع مرتكزا لأن الأرض الهشة التي تهيل مستحيل حفر خنادق للوضع واقفا‏!.‏ بنهاية الحفر احتلت الفصيلة مواقعها وفقا لتسليحها والتسليح في الصاعقة خفيف ليلائم طبيعة المهام الخاصة والسلاح الموجود مع الفصيلة التسليح الشخصي وهو البندقية الآلية والرشاش الخفيف وقاذف‏rbg7‏ وهذا القاذف وصل في منتصف يونيو‏1967‏ لدرجة أنه لم يتم التدريب عليه ولعل أول استخدام فعلي له في قتال جاء في معركة رأس العش‏.‏

القيادة رأت دعم فصيلة الصاعقة الموجودة في الشرق بفصيلة من كتيبة المدفعية المعاونة للصاعقة تحسبا لدخول المدرعات الصهيونية طرفا‏.‏ فصيلة المعاونة يقودها الملازم أول جابر الجزار ومعه‏2‏ مدفع مضاد للدبابات و‏2‏ رشاش متوسط ومعه أيضا الأهم‏..‏ قلب لا يعرف الخوف‏!‏

علي جانب آخر انتهت مجموعة المهندسين العسكريين من تلغيم المنطقة الأمامية للموقع الدفاعي وبانتهاء مهمتها عادت إلي غرب القناة والشمس بدورها بدأت هي الأخري تفكر في الاتجاه للغروب‏!‏

الساعة تقترب من السادسة مساء وإذا بطابور مدرع للعدو عينك تري بدايته ولا تجيب نهايته‏..‏ طابور مدرع ليس له آخر‏..‏ فيه دبابات وناقلات جنود وعربات نصف جنزير محملة بمدافع هاون‏120‏ مم وقوات مشاة صهيونية في عربات نقل الجنود‏..‏ بدأ تحرك الطابور الصهيوني المدرع‏!‏

الساعة تقترب من السابعة والنصف في التوقيت الصيفي وآخر ضوء لم يأت لأن الشمس مازالت في السماء ولو الأمر بيدها ما غربت قبل أن تري ما ينتهي إليه الأمر بين مقاتلين أقل عددا وسلاحا وعتادا وكل ما يملكونه عقيدة راسخة وقلوب شجاعة وبين طابور مدرع له أول وليس له آخر وفيه من كل سلاح نوع واثنان‏!‏

وتحرك الطابور المدرع وكل من فيه قناعته أنهم في مهمة أقرب إلي الفسحة والنزهة لأن المصريين أمامهم سنين كي ينهضوا من رقدتهم‏!‏

تحركت قوات العدو وفي ذهنها المؤتمر الصحفي العالمي الذي سيعقد في بورفؤاد بعد الاستيلاء عليها في مهمة دعائية أكثر منها عسكرية لن يجدوا خلالها من يطلق عليهم طلقة واحدة‏..‏ تحركوا وبعد السير توقفوا بعد أن فوجئوا‏!‏

فوجئوا علي مرمي البصر بموقع دفاعي مصري بمواجهة‏200‏ متر تقريبا تحده من الجانبين القناة ومنطقة ملاحات وأي تقدم لابد أن يكون اختراقا لهذا الموقع الواضح من الوهلة الأولي أنه لن يقدر علي الصمود دقائق أمام الطابور المدرع ومع هذا توقف الصهاينة علي مسافة أقل من‏100‏ متر من الحد الأمامي لموقع فصيلة الصاعقة‏..‏ توقف العدو وطلب المدد‏!‏

وصلت في دقائق طائرة مروحية استطلاع وحلقت فوق موقع فصيلة الصاعقة علي ارتفاع منخفض جدا لرصد عمق هذا الموقع الدفاعي وتسليحه وانتهت المروحية من مهمتها ورحلت وقبل أن يختفي أزيزها ظهرت في الأفق طائرتان فانتوم علي ارتفاع أقل من المنخفض وخط سيرهما مواز للقناة وفوق موقع الفصيلة وهذا العمل رسالة بأن السماء ليس فيها إلا الفانتوم وأن التصدي لهذا الطابور المدرع معناه الموت وأن الفرصة مازالت قائمة لأجل أن تفلت هذه القوات المصرية بجلدها وتهرب‏!‏

طابور فيه مدرعات وهاونات ورشاشات وبإمكانه في لحظة استدعاء طائرات الهليوكوبتر والفانتوم‏!.‏ الطابور واقف علي أقل من‏100‏ متر وصوت الفانتوم مازال في الآذان‏..‏ فماذا كان رد فعل مقاتلي الصاعقة‏!‏

ولا كأنهم هنا‏..‏ وكل مقاتل يعرف جيدا أن الموت حق وقد يكون قريبا جدا وقد يأتي بعد سنوات‏!.‏ وهذا الإحساس فجر طاقات هائلة داخل الصدور وإذا كان الموت حل والأجل قد حان ولا توجد قوة في الدنيا بإمكانها تأجيل القدر‏..‏ فهذا دافع لكل مقاتل صاعقة لأن يأخذ معه ما يقدر علي أخذه من أرواح العدو طالما أن أجله حان وميت ميت‏!.‏ وإذا كان في العمر بقية والموت بعيد‏..‏ فهذا دافع هائل للدخول في أي معركة دون تردد أو خوف وممن يخاف مقاتل تحرر من خوف الموت‏!‏

قتال عن عقيدة دفاعا عن أرض وشرف وعرض ومن يدافع عن عرضه لا يخشي الموت وعندما لا يخاف الإنسان من الموت يتحرر من كل النقائص ويتخلي عن كل نقاط الضعف البشري ويصبح أمام خيارين لا ثالث لهما‏..‏ النصر أو الشهادة‏!‏

الموقع الدفاعي الموجود فيه فصيلة صاعقة وفصيلة مدفعية معاونة والفصيلتان عددهما لا يزيد علي الـ‏40‏ مقاتلا‏..‏ وكل واحد منهم بعد مرور الفانتوم ومن قبله الهليوكوبتر وبعد رؤيته للطابور المدرع‏...‏

كل مقاتل مصري في الموقع الدفاعي وضع نصب عينيه‏..‏ النصر أو الشهادة ولا شيء وسط بينهما‏!‏

علي الجانب الآخر وبعد أن تأكد الصهاينة من أن الموقع الدفاعي كل من فيه أقل من حمولة عربة واحدة من طابورهم‏!.‏ وبعد أن رصدوا التسليح وبعد أن أدت الفانتوم دورها‏..‏ بعدما تأكدوا أن المسألة مازالت نزهة قرروا أن يبدأوا التنزه‏!‏

الهاونات‏120‏ مم بدأت الضرب ودون انتظار تبعتها المدرعات وبعد عشر دقائق تحركت دبابات العدو تجاه الموقع وإن تحركت الدبابات ولم تجد من يوقفها‏..‏ خلفت وراءها الموت‏!‏

وتحرك المصريون لأن الدبابات لابد أن تتوقف‏!.‏ تحرك المصريون بقدر ما يملكون من سلاح والموجود‏rbg7‏ وهذا السلاح فعال إذا ما كان من يحمله قلبه ميت لأن قذيفة الـ‏rbg‏ المؤثرة لابد أن تكون أقرب ما يكون من الدبابة‏..‏ فماذا حدث؟

رقيب فصيلة الصاعقة حسني سلامة والضرب من كل جهة ينهمر علي الموقع‏,‏ ترك الخندق ولم يبال إذا ما جاءه الموت من هاون أو دبابة أو رشاش نصف بوصة‏..‏ لم يفكر إلا في شيء واحد‏..‏ إيقاف أول دبابة في الطابور المتحرك‏!.‏ المقاتل المصري حسني سلامة بأقصي سرعة وصل إلي جانب الموقع حيث فرد الـ‏rbg‏ وبسرعة أكبر خطف القاذف ومعه قذيفتان وتوجه تجاه الطابور المتقدم لأجل أن يوقف تقدمه وهذا لن يحدث إلا بإصابة مباشرة لأول دبابة والإصابة المباشرة المدمرة لن تحدث إلا من مسافة أمتار عن الدبابة والذي يقرب لأمتار من دبابة مثل الذي يضع ذراعه في فم أسد‏..‏ نفس الخطر لأن الدبابة عليها جوز نصف بوصة بخلاف مدفعها الذي إذا لبست دانة منه في إنسان فلن يجدوا من أشلائه شعرة‏!‏

الرقيب حسني سلامة وصل بسلاحه إلي المدي الذي يمكنه من اصطياد أول دبابة وأطلق قذيفة‏r.b.g‏ ولم يكن في حاجة لإطلاق الثانية لأن الدبابة إصابتها مباشرة والنار فيها اشتعلت والذخيرة بدأت تتفجر ولحظات والدبابة كلها انفجرت بمن فيها ومن عليها‏!.‏

الطابور المدرع المتحرك‏..‏ توقف لأن المسألة اتضح أنها ليست نزهة كما كانوا يعتقدون وأول القصيدة كفر‏..‏ دبابة تفجرت والقتلي ثلاثة وهذه كارثة والكارثة الأكبر أن تدميرها جاء بقذيفة‏r.b.g‏ وهذه رسالة موت من المصريين‏!.‏

الطابور المدرع الصهيوني توقف لأن الملازم أول جابر الجزار قائد الفصيلة المعاونة لديه مدفعان‏b10‏ أحدهما يمين الموقع بجوار القناة والثاني بجوار الملاحات في اليسار والجزار يقطع المسافة بين المدفعين جريا لأجل التوجيه الدائم لهما بما يحقق إصابات مباشرة في إحداها دمر ناقلة جنود أخذت معها من كان عليها منهم‏..‏ والملازم أول الجزار لا يتوقف عن الحركة رغم كم النيران الهائل علي الموقع المصري من هاونات ودبابات ورشاشات وشاء الله أن يستشهد الملازم أول الجزار بطلقة من رشاش نصف بوصة علي سيارة صهيونية مجنزرة‏!.‏ سقط الجزار شهيدا ولعل روحه الطاهرة لم تصعد إلي بارئها قبل أن تطمئن علي ما ستنتهي إليه هذه المعركة الشرسة التي يستخدم فيها العدو كل أنواع الأسلحة ومعه كل أنواع الدعم‏!.‏

الوقت تخطي منتصف الليل بساعة والعدو لم يتقدم خطوة وفي كل مرة يحاول يفاجأ بجهنم مفتوحة عليه وكأنه في مواجهة لواء بأكمله وعندما اكتشف أن التقدم من العمق مستحيل لاستحكام دفاعات المصريين وقوة نيرانهم لجأ إلي الخداع بالالتفاف من الخلف بقوة كوماندوز تقدمت من الملاحات والتفت حول الموقع وفاجأت المصريين بنيران هائلة من خلفهم وميكروفون يطالب المصريين بالاستسلام وجاء الرد أسرع مما يتوقع اليهود وشجاعة منقطعة النظير من الرقيب أول البحيري الذي حمل الرشاش المتوسط وتحرك تجاه قوة الكوماندوز الصهيونية دون التفات للقذائف والقنابل والطلقات المنهمرة من كل اتجاه‏..‏ تحرك برشاشه المتوسط وقلبه الحديدي ويكاد يكون قد دخل وسط قوة الكوماندوز وهذا ما جعل نيرانه تحصد أرواحهم وتفرق شملهم والكوماندوز الذين التفوا لإجبار المصريين علي الاستسلام من نجا منهم لم يتوقف عن الجري إلا في القنطرة شرق‏!.‏

الساعة تقترب من الثالثة فجر أول يوليو والدعم الذي طلبه الصهاينة لتعويض خسائر الليل وصل علي هيئة قول ــ أي طابورــ من العربات نصف جنزير المحملة بالأفراد وعربات ذخائر وأسلحة والقول يتقدم من القنطرة شرق علي المدق الترابي الموازي للقناة متجها إلي الكاب والتينة في طريقه إلي رأس العش‏!.‏ هذا القول لم يكن يعرف أنه لن يصل رأس العش وأن نهايته ستكون في التينة‏!.‏

التعليمات صدرت للكتيبة‏103‏ صاعقة الموجودة غرب القناة بدفع فصيلة للتعامل مع أي قوات للعدو ومنعها من الوصول إلي رأس العش‏.‏ نفس الشجاعة ونفس الرجولة ونفس الولاء ونفس الانتماء أكدته فصيلة من ك‏103‏ صاعقة قادها الملازم عبد الوهاب الزهيري ليدمر برجاله عددا كبيرا من مجنزرات العدو واستولوا علي أسلحتها وذخائرها وعادوا بها إلي غرب القناة وهذا العمل البطولي قطع كل خطوط الإمداد علي الطابور المدرع الموجود في رأس العش والذي حاول علي مدي ساعات الليل أن يتخطي فصيلة الصاعقة ويحتل بورفؤاد لكنه فشل في أن يتقدم خطوة واحدة وفشل في أن يكسر إرادة أقل من‏40‏ مقاتلا وفشل بمجنزراته ومدرعاته في أن يهزم إرادة وعقيدة مقاتلين بأسلحة خفيفة‏!.‏

اليهود قبل أن تشرق الشمس انسحبوا بعد أن فشلوا في أول مواجهة قتال حقيقي في حرب بين الصهاينة والمصريين‏.‏

هذه المواجهة القتالية وجها لوجه بين المصريين والصهاينة لم تحدث لا في‏1956‏ ولا في‏1967‏ ولا حتي في‏1948‏ وأراد الله أن تحدث هذه المواجهة القتالية الأولي يوم‏30‏ يونيو‏1967‏ في رأس العش‏...‏

أرادها الله لنا لنعرف في هذا اليوم أننا أحياء وأننا لم نمت وأننا نقدر عليهم وعلي من هم أتخن منهم‏.‏

وللحديث بقية مادام في العمر بقية
 
رد: مقالات الكاتب الكبير ابراهيم حجازي

خارج دائرة الضوء
بقلم : إبـراهيـم حجـازي
تمنيت أن يري الشباب ما رأيته في الصاعقة والمظلات‏..




**‏ يونيو شهر من شهور السنة‏,‏ لكنه في سنة حمل معه أسوأ انكسار يمكن أن يحدث لأمة بأكملها‏!‏

يونيو فيه تعرض جيش مصر لأقسي هزيمة يمكن أن تلحق بجيش في حرب‏..‏ ووجه القسوة والمرارة أنها اتحسبت هزيمة مطلقة علي جيش هو أصلا لم يحارب‏!‏

يونيو الذي جعل العالم كله يقتنع بأن مصر انكسرت ورقدت ولن تقوم لها قائمة‏..‏ هو نفس الشهر الذي رأي عبقرية شعب ليس له حل‏!.‏ في يونيو الهزيمة والانكسار والعار فجرت طاقات انتماء وعزيمة وولاء وتضحية داخل صدور الرجال‏..‏ ليبدأ الاستعداد للنصر في نفس شهر الهزيمة يونيو‏!‏

ويونيو أيضا فيه مناسبتان أنتظرهما سنويا لأنهما الأقرب إلي عقلي وقلبي‏.‏

يونيو فيه سنويا تحتفل القوات الخاصة المصرية‏..‏ الصاعقة والمظلات‏..‏ بيوم التفوق‏.‏ يوم تفوق الصاعقة في‏12‏ يونيو وهو نفس يوم معركة رأس العش عام‏1967..‏ ويوم تفوق المظلات‏15‏ يونيو وهو نفس يوم تنفيذ أول قفزة في سماء مصر عام‏1952.‏

يوم التفوق يبدو للوهلة الأولي لمن يتابعون عن بعد‏,‏ أنه مجرد احتفال سنوي بذكري مناسبة‏..‏ وأراه أنا قياسا دقيقا للقدرات القتالية للقوات المسلحة‏!‏

الذي شاهدته من أيام في أنشاص من رجال الصاعقة والمظلات جعلني أزداد فخرا واعتزازا لأنني مصري‏!‏

الذي رأيته من رجال قلوبهم لا يعرف الخوف طريقا إليها‏..‏ حرك داخلي مشاعر هائلة من الانتماء والحب والإعزاز‏!‏

الذي عشت به ومعه بعقلي وقلبي ومشاعري‏..‏ أحسست فيه وخلاله باطمئنان وثقة وتفاؤل‏!‏

ذهبت إلي أنشاص في حال وعدت منها علي أفضل حال‏!‏

ذهبت وأنا خائف من أن تكون حالة التيئيس التي تقودها بعض الفضائيات العربية قد طالت الرجال أو اقتربت منهم‏..‏ وعدت ويقيني راسخ بأن اليأس نفسه سوف ييأس فيما لو سمع زئير الرجال‏!‏

وأنا أشاهد أعلي مستويات القتال تمنيت أن يكون معي كل شباب مصر‏!‏

تمنيت أن يري كل شباب مصر‏..‏ رجال الصاعقة والمظلات وهم ينفذون بكفاءة واقتدار في عرضهم العسكري‏..‏ مختلف أنواع المهام القتالية التي يمكن أن تسند إليهم باعتبارهم رجال القوات الخاصة‏..‏ تمنيت أن يري الشباب ما رأيته ليتأكدوا أن مصر فيها من يعملون في صمت وفيها شرفاء وفيها ناجحون وفيها مقاتلون أقوياء أشداء‏!.‏ تمنيت أن يري الشباب وحوشا مقاتلة‏..‏ الفخر يفخر بهم‏!.‏ تمنيت أن يري الشباب ما رأيته ليعرفوا أن مصر ليست ولن تكون عمارة يعقوبيان‏!.‏ ليعرفوا أنه إذا كان في مصر سلبيات ومرتشون وشواذ فإن في مصر إيجابيات وشرفاء ووحوش قتال علي هيئة رجال‏!‏

تمنيت أن يري الشباب حدوتة نجاح مصرية قوامها رجال لياقتهم البدنية هائلة وقدراتهم القتالية مذهلة وانتماؤهم للوطن بلا حدود‏!‏

تمنيت أن يعرف الشباب سبب تفرد وتميز وتقدم القوات المسلحة‏..‏ ولو رأوا ما رأيته لعرفوا أن النجاح والإبهار والتفوق‏..‏ نتاج منظومة انضباط ونظام والتزام وولاء‏..‏ لا مهادنة فيها ولا خروج عليها‏!‏

الشباب الذي تمنيت أن يري رجال قواته الخاصة الصاعقة والمظلات في يوم التفوق‏..‏ هو نفسه الشباب الذي لا يعرف شيئا عن حرب أكتوبر أعظم انتصارات أمة العرب‏,‏ ولا يعرف أن جيش مصر في أكتوبر‏1973‏ صنع إعجازا عسكريا غير مسبوق في أي حرب‏..‏ عندما اقتحم أصعب مانع مائي عرفته الحروب العسكرية وعندما أهال ساترا ترابيا كله ألغام وعندما استولي علي خط بارليف الذي هو أقوي خط دفاعي في تاريخ الحروب‏..‏ ويكفي أنه مجهز لتلقي ضربة ذرية دون خسائر‏..‏ لكن أقوي خط دفاعي لم يضع في حسبانه خير جند الأرض‏..‏ المقاتلين المصريين الذي أسقطوا خط بارليف‏..‏ بملاحم شجاعة مذهلة وقعت وحدثت وأقمار أمريكا الصناعية التي أطلقوها للتجسس علي خط النار التقطتها وصورتها وسجلتها‏..‏ وبعد ذلك أخفتها لأن ما فيها من بطولات وشجاعة وإقدام في معارك حقيقية يفوق مئات المرات ما هو موجود في الأفلام العسكرية الأمريكية التي هي في النهاية تمثيل نتاج خيال‏!‏

بعد مرور‏35‏ سنة علي حرب العزة والكرامة والشرف في أكتوبر‏1973..‏ وبعد الذي رأيته من أيام في معقل قوات الصاعقة وقوات المظلات‏..‏ أقول عن يقين إن جيش مصر الذي اقتحم القناة وحطم خط بارليف وأذاق المر لجيش كانوا يقولون عنه إنه لا يقهر‏..‏ أقول عن يقين إن جيش مصر العظيم في أكتوبر‏1973‏ لم يكن حالة وانتهت‏!.‏ ليه؟

لأن الكفاءة المذهلة لمقاتلي الصاعقة ومقاتلي المظلات التي رأيتها من أيام تؤكد أن جيش مصر بعد‏35‏ سنة قادر علي حماية السلام وقادر علي حماية حدود الوطن وقادر علي تحقيق نفس الانتصار‏.‏

تحية إلي رجال مصر الأوفياء في قواتنا المسلحة‏.‏

تحية إلي جيش مصر العظيم في الأمس وفي اليوم وفي الغد وكل غد‏.‏
 
رد: مقالات الكاتب الكبير ابراهيم حجازي



موضوع رائع وفكرتة رائعة , شكرا ليكى.

بحثت عن أى شئ أضيفة لذلك الموضوع الرائع , لم أجد الا صورة , بها ما يلخص كل الكلام,

6fsf42az.jpg


تحياتى.


 
رد: مقالات الكاتب الكبير ابراهيم حجازي

اسألوا عساف ياجوري عن حكاية الحفرة‏!‏
‏بقلم : إبـراهيـم حجـازي


قدم إلي شبابنا هذه القصة التي وقعت يوم‏8‏ أكتوبر‏1973..‏ يوم أن وقع قائد إسرائيلي كبير ومعه ثلاثة من ضباطه وجنوده أسري في أيدي قواتنا التي كانت تخوض معركة رهيبة والخسائر من الجانبين كبيرة ومع هذا حافظت قواتنا علي حياة الأسري الصهاينة وكان سهلا أن تسلب حياتهم في لحظة غضب في مثل هذا الموقف لكن الشرف العسكري والخلق المصري والوازع الديني لها مكانة عند المصريين يستحيل إغفالها والعدو الذي استسلم حقه أن يجد الأمان علي حياته بعدما أصبح بلا حيلة وأن يعامل كإنسان‏..‏ لا أن يقتل أو يدفن حيا وهو أعزل كما فعل الصهاينة مع المصريين في يونيو‏1967..‏ ما علينا من النذالة التي هي حالهم وطبعهم وتعالوا نر النخوة والشهامة التي هي أصل مصريتنا‏!‏

الكلام عن يوم‏8‏ أكتوبر ثالث أيام الحرب وفهم الموقف القتالي فيه يطلب منا العودة إلي يوم‏6‏ أكتوبر أول أيام الحرب والمهام المكلفة بها وحدات القوات المسلحة المختلفة وبنظرة شاملة نجد خمس فرق مستعدة لاقتحام القناة في ساعة الصفر التي هي الثانية ظهرا وبدايتها الضربة الجوية التي ربما كانت ردا علي ضربتهم الجوية في‏5‏ يونيو والتي كانت وقتها إعلانا لحرب‏1967!.‏ الضربة الجوية المصرية في‏6‏ أكتوبر حققت أضعاف ما كان مرجوا منها لأن نسور مصر لم تتح لهم من قبل فرصة قتال وفي‏1967‏ مطاراتهم تحطمت قبل أن تبدأ الحرب وعاشوا سنوات أمنية حياتهم دخول مواجهة مع العدو لأجل أن يعرف الصهاينة أن في مصر نسورا قادرين علي حماية سمائها مثلما هناك علي الأرض مقاتلون قادرون علي تحرير ترابها‏!.‏ نسور مصر جعلوا الصهاينة يرون الجحيم في ظهر هذا اليوم ومن كان مطلوبا منه القيام بطلعة جوية واحدة صمم علي تنفيذ ثلاث وأربع وخمس طلعات متتالية‏!.‏ نسور مصر رفضوا الحصول علي الراحات الإجبارية بعد ساعات طيران محددة لأجل عمل أكبر عدد من طلعات الطيران‏!.‏ نسور مصر انطلقوا من كل صوب من مطارات مصر المختلفة متوجهين إلي سيناء لدخولها في توقيت محدد ولحظة دخولهم فوق
سيناء‏..‏ كادت طائراتهم تحجب عين الشمس عن منطقة القناة بأسرها من كثرتها وتنوعها ومجيئها من كل الاتجاهات علي طول جبهة القتال‏!.‏ نسور مصر دمروا وعطلوا معظم بطاريات المدفعية وأغلب احتياطيات العدو وكان ذلك مطلوبا لأجل تأمين اقتحام القناة بالفرق الخمس المطلوب منها بعد الاقتحام وبعد الاستيلاء علي خط بارليف إقامة رءوس كباري أي نقاط تمركز علي مسافة ما بين عشرة واثني عشر كيلو مترا داخل سيناء علي طول خط المواجهة‏!‏

وما فعله نسور الجو من السماء قامت به المدفعية من الأرض التي فتحت من الثانية ظهرا بوابة جهنم علي طول خط النار ورأت العيون فوق رءوسها خط نار ملتهبا متصلا من دانات مدفعية سريعة متلاحقة كموج بحر قادم من الغرب علي طول امتداد القناة متجها إلي الشرق في أعماق سيناء حاملا معه العذاب من معدلات ضرب مدفعية أظنها الأسرع حتي الآن في العالم وما فعله النسور في السماء ورجال المدفعية علي الأرض هناك تعليق عليه لا ينسي لوحدة عسكرية رمزية عربية كانت علي الجبهة قبل‏6‏ أكتوبر وعندما شاهد رجالها الضربة الجوية والتحضيرات الهائلة للمدفعية قالوا في عفوية‏:‏ هادي ما حرب‏..‏ هادي جهنم‏!‏

علي جبهة القتال كل وحدات القوات المسلحة تنفذ مهامها وفق تخصصها ولا أحد ينسي ولا يمكن أن ينسي الدور الرائع الهائل لسلاح المهندسين وهو يقيم الكباري علي سطح القناة ودانات مدفعية الصهاينة تتساقط من حوله ولا أحد ينسي دور المهندسين في شق الساتر الترابي بمدافع المياه التي اخترعها المصريون‏!‏

والمدرعات قوة الاقتحام الرئيسية تنتظر تشييد الكباري لأجل الاقتحام ولأجل التقدم داخل سيناء لعمل رءوس كباري ولأجل صد أي هجوم مضاد للعدو والهجوم المضاد قادم من الاحتياطيات التكتيكية والتعبوية التي تم تعويضها بعد الضربة الجوية والتعويض جاء بأسرع ما يمكن بعدما فتحت أمريكا جسرا جويا لنقل السلاح والمدرعات إلي وسط سيناء لتعويض الخسائر أولا بأول ولضمان التفوق التسليحي للعدو‏!‏

وسط هذه المشاهد ومشاهد أخري كثيرة جدا لا المساحة المتاحة للنشر ولا أي مساحة تكفي تغطيته‏!‏

وسط هذا المشهد الرهيب واصلت القوات المصرية مهامها ووصلت إلي يوم الاثنين‏8‏ أكتوبر الذي أطلقت إسرائيل عليه الاثنين الحزين وهو فعلا جاء حزينا عليهم‏!.‏ في هذا اليوم وصلت قيادة الفرقة الثانية معلومات من المخابرات الحربية عن وجود قوة مدرعة صهيونية اكتمل تجمعها وجاهزة لهجوم مضاد علي القوات المصرية لإجبارها علي التراجع حتي شاطئ القناة واستعادة النقاط القوية التي سقطت تمهيدا لهجوم بري كاسح للصهاينة‏!.‏ علي ضوء هذه المعلومات عقد اجتماع حضره العقيد أ‏.‏ح محمود المصري قائد اللواء الرابع مشاة والعقيد أ‏.‏ح صابر زهدي قائد اللواء‏120‏ مشاة والعقيد أ‏.‏ح حمدي الحديدي قائد اللواء‏117‏ مشاة ميكانيكي‏..‏ لمناقشة خطة مواجهة الهجوم المدرع الصهيوني المضاد‏..‏ وتمثلت في جيب نيراني علي شكل حرف‏u‏ في الجانبين لواءا المشاة وفي العمق اللواء المشاة الميكانيكي لتلقي صدمة الهجوم المدرع للعدو باعتباره اللواء المدرع للفرقة‏..‏ وحدث‏!‏

الصهاينة بلعوا الطعم ودخلوا الجيب ووقعوا في الفخ وسط صمت نيران مصري إلي أن صدرت الأوامر بفتح النيران بعدما أصبحت القوة المدرعة للصهاينة في قبضتنا داخل الجيب النيراني المصري‏!.‏ الجحيم ظهر في الرابعة عصرا بكثافة نيران من مختلف أنواع الأسلحة الخفيفة والثقيلة ووقتها عرف اليهود بسالة وشجاعة المصريين وعرفوا أيضا طعم الهزيمة ومرارة الانكسار وكيف لا يعرفون والقوة الصهيونية المدرعة تحطمت لها‏73‏ دبابة ومجنزرة فقدها اللواء‏190‏ مدرع الإسرائيلي في تلك المعركة‏!‏

وصدرت التعليمات من العقيد محمود جلال مروان قائد واحدة من كتائب الألوية الثلاث‏..‏ وتعليماته التقدم بأقصي سرعة تجاه الشرق وتطهير أكبر مساحة أرض قبل حلول الظلام‏..‏ وبطلنا هنا النقيب يسري أحمد عمارة الذي استقل عربة جيب مجهزة بمدفع مضاد للدبابات للتعامل مع ما تبقي من دبابات للصهاينة إلا أن العربة تلقت إصابة مباشرة بقذيفة عطلتها لينتقل النقيب يسري عمارة إلي مركبة مدرعة توباز قامت بسحب المدفع المضاد للدبابات وجلس إلي جواره النقيب فاروق سليم الذي استشهد في اليوم التالي‏..‏ المهم أنهما انطلقا لتطهير الأرض من أي جيوب للعدو الذي تدمرت دباباته واحترقت مجنزراته والمشهد الذي يعكس خسائر العدو انعكس فرحا علي الضابطين وفرحة النقيب عمارة أنسته أنه مصاب ليفاجأ بالدماء الغزيرة فوق ملابسه ولحظتها اكتشف أن كف اليد اليسري أصابتها طلقة والدماء تنزف بغزارة وتوقفت العربة المدرعة ولحظة توقفها فوجئ النقيب يسري بنيران تطلق عليه من حفرة وما إن تبين الموقف حتي وجد جنديا إسرائيليا يصوب تجاهه فبادره بطلقة قتلته وأخذ يفتش المكان‏..‏ وفجأة‏!‏

أربعة صهاينة خرجوا من حفرة أخري مذعورين رافعين أيديهم فوق رءوسهم صائحين بصوت عال‏:‏ أسري‏..‏ أسري لا تقتلونا‏!‏

المشهد هنا يستحق التوقف أمامه لحظة‏..‏ مجرد لحظة ومنها وفيها نكتشف كم أن الفارق هائل بين نذالة وخسة وجبن الصهاينة ونبل وأخلاق وشهامة المصريين‏!‏

في‏1967‏ الأسري المصريون وقعوا في الأسر نتاج قرار انسحاب‏..‏ أي لم يحاربوا‏..‏ أي لم يقاتلوا‏..‏ أي لم يقتلوا إسرائيليا‏..‏ أي لم يخلقوا أي دافع لدي العدو لأجل أن ينتقم منهم باختصار‏..‏ أسري بلا سلاح وبدون سابق معارك دخلوها أو خسائر للعدو صنعوها‏..‏ يعني مقاتلين لم يقاتلوا حتي تكون هناك رغبة ثأر منهم ومع ذلك عندما تم أسرهم‏..‏ الصهاينة قتلوهم ودفنوا أغلبهم أحياء في مقابر جماعية‏!‏

في‏8‏ أكتوبر معارك طاحنة بالغة الشراسة وقعت وخسائر حدثت وأعصاب متوترة موجودة ورغبة انتقام قائمة ومعارك متوقعة وثأر في الصدور وفي الأذهان حدوتة أسري‏1967‏ مطبوعة‏..‏ وسط كل هذه الحقائق يقع أربعة أسري صهاينة في أيدي قواتنا ويرفعون أيديهم استسلاما ويستجيرون من مقاتلينا ألا يقتلوهم لأنهم أسري‏..‏ فماذا فعل المصريون؟

النقيب فاروق سليم تقدم بالعربة تجاه الحفرة والنقيب يسري عمارة والجندي محمد حسان ابن الأقصر والذي استشهد يوم‏14‏ أكتوبر‏..‏ تقدموا تجاه الحفرة وأخرجوا الصهاينة الأربعة من داخلها وهم لا يعلمون أن في أيديهم وقع صيد ثمين وواحد من الأربعة هو قائد اللواء‏190‏ مدرع الصهيوني العقيد عساف ياجوري الذي أراد الله له أن يعيش ليري بعينيه قوة المصريين وشجاعة المصريين وبسالة المصريين‏!.‏ ليري اللواء المدرع الذي كانت مهمته الوصول إلي القناة واسترداد النقاط الحصينة التي وقعت من خط بارليف يري لواءه المدرع حطاما متناثرا تفوح من بقاياه رائحة الموت والهزيمة والذل والهوان‏!.‏ أراد الله للقائد الصهيوني أن يري الجيش الذي لا يهزم وقد انقهر وانهزم وتحطم وقتل من قتل منه وأكبر رأس في اللواء المدرع استسلم واستجار بالمصريين لأجل ألا يقتلوه‏!‏

النقيب يسري عمارة أكمل مأموريته ويده تنزف من طلقة نفذت من كف يده اليسري وقام بتسليم الأسري الأربعة وكان بإمكانه أن يقضي عليهم لكن لا شرفنا العسكري ولا أخلاقنا ولا ديننا ولا عروبتنا فيها أن نقتل من استجار بنا واستسلم لنا وهذا هو الفارق بيننا وبينهم‏..‏ بين الخسة والنذالة وبين الرجولة والشهامة‏!‏
نحن دمرنا قواتهم لأننا أقوياء ولم نقتل أسراهم لأننا أقوياء‏.‏
واليوم وغدا وكل غد‏..‏لابد أن نبقي أقوياء‏..‏ لندمرهم إن اعتدوا ونجيرهم إن استجاروا‏!.‏
وللحديث بقية مادام في العمر بقية
 
رد: مقالات الكاتب الكبير ابراهيم حجازي

خارج دائرة الضوء​


**‏ مازالت الدنيا واقفة علي حيلها في المحروسة رفضا وشجبا لفيلم قتل الأسري المصريين في عام‏1967‏ وقناعتي أن الحيل لن يتحمل هذه الوقفة كثيرا بما يعني أن الأصوات الغاضبة الثائرة العالية ستبدأ في الانخفاض إلي أن تخفت وننسي دون أن نتفق علي رأي أو نصل إلي قرار‏!‏

حالة الغضب والانفعال جعلتنا ننسي أن نسأل أنفسنا سؤالا له مليون إجابة‏:‏ لماذا أذاعوا هذا الفيلم في هذا الوقت؟

هل أذاعوه لأجل شغلنا بقضية هم يعلمون جيدا أننا لن نصل إلي اتفاق علي قرار فيها باعتبار الانفعال لا يوصل صاحبه إلي نتيجة؟‏.‏ هل أذاعوا الفيلم لأجل رصد ردود فعل وأسلوب تفكير وطريقة معالجة؟ هل أذاعوا الفيلم بقصد فتح جروح التأمت وللتأكيد علي حالة انكسار حدثت ولإيصال رسالة ترهيب ولاسترجاع مرارة هزيمة في الحلوق؟‏.‏

هل أذاع الصهاينة الفيلم ردا علي قضية الجاسوسية التي كشفت عنها المخابرات العامة المصرية من شهر وهي بكل المقاييس ضربة معلم لجهاز المخابرات المصري وصفعة للموساد الإسرائيلي ورسالة واضحة من الأمن القومي المصري بأن الاعتبارات الأمنية المصرية فوق كل الاعتبارات‏!‏

هل كشف قضية الجاسوسية الأخيرة أثار غيظهم وفضح ممارستهم بالتجسس علي دولة مرتبطة معهم بمعاهدة سلام‏..‏ بما يعني أنهم في شك من هذا السلام ويستعدون إلي ما بعد السلام؟

هل أرادوا بإذاعة الفيلم طمأنة أنفسهم وتجسيد الخوف في أعماق الآخر‏..‏ سواء كان الآخر المصريين أو الفلسطينيين؟‏.‏ هل المسألة صراعات داخلية والقصد ضرب بن إليعازر المرشح القوي لقيادة حزب العمل؟‏.‏ هل الحدوتة لها علاقة بالمرحلة القادمة من المفاوضات مع الفلسطينيين؟

الأسئلة لا تنتهي والإجابات عنها والاستنتاجات والتخمينات لا حصر لها لأن الثقة مفقودة وأيا كانت هي فالذي يعنينا هنا هو ألا نكون رد فعل وأن نكون مرة الفاعل والفعل‏,‏ مثلما فعلنا في‏1973‏ عندما صنعنا نحن الحدث لأول مرة في تاريخ صراعنا معهم وأجبرناهم علي أن يكونوا هم رد فعل لنا‏!.‏ الذي يعنينا هو ألا نعود إلي حالة رد الفعل ونستسلم لها حتي لا نجد أنفسنا غارقين في متاهات كلما خرجنا من واحدة اصطادونا بالأخري‏!‏

الذي يعنينا هو ألا نبتلع الطعم وأظننا ابتلعناه في حدوتة الفيلم لأن أفضل رد لن يأتي بالغضب والانفعال والصراخ إنما بفعل علي وزن قضية الجاسوسية التي كشفت المخابرات العامة النقاب عنها وبها ومعها أكدت أن أمن مصر القومي بخير وعيونه لا تغفو وربما لا ترمش وأن المعاهدات لم تعط الأمن إجازة كما يروجون‏!‏

أفضل رد علي الفيلم ألا نجعل غضبنا يسبقنا أو يتحكم في قراراتنا لأن القرارات المصيرية تحتاج إلي فكر وترو وهدوء وأن تكون هذه القرارات أفعالا لا ردود فعل للغير لأن ردود الفعل تكون متوقعة ومدروسة وقيامنا بها نجاح لخططهم التي صنعت الفعل وتوقعت رد الفعل وساقتنا له إلي أن قمنا به‏!‏

ولماذا نذهب بعيدا‏..‏ فالواقعة التي أثارت غضبنا وانفعالنا وهي قتل الأسري المصريين‏..‏ هذه الواقعة التي حدثت عام‏1967‏ ما كانت أصلا تحدث لو أننا في الأيام القليلة التي سبقت‏5‏ يونيو‏1967‏ لم نبتلع الطعم ولم نكن رد فعل لأفعالهم والذي حدث أنهم جعلونا في كل قراراتنا في هذه الأيام الحاسمة‏..‏ رد فعل لقرارات لهم‏!.‏ دفعونا إلي سيناء دفعا بجيش مصر والذهاب إلي سيناء جاء رد فعل لا فعل وبدون أي استعداد لحرب‏!.‏ دفعونا إلي أن نعلن أننا لن نبدأ الحرب والقرار رد فعل‏..‏ والذي حدث أنهم هم الذين بدأوا الحرب بضرب كل مطارات مصر في آن واحد لتنتهي الحدوتة قبل أن تبدأ بفعل لهم‏!.‏ دفعونا إلي قرار انسحاب غير مدروس وارتجالي وفوضوي وهو رد فعل ولم يكن فعلا وبسببه أعطينا الفرصة لهؤلاء الأوغاد أن يفعلوا ما فعلوه بأسري هم في الواقع بقايا عناصر عسكرية شاردة أي تاهت وتخلفت عن وحداتها بسبب الانسحاب العشوائي ولم تتح لها فرصة الدفاع عن أرضها أو حتي عن نفسها‏!‏

أفضل رد علي الفيلم وعلي الصهاينة أن نكون أقوياء لأن القوة هي اللغة الوحيدة التي يعرفونها وهي الحقيقة التي أيقنوها في حرب‏1973‏ عندما وجدوا المصريين يمتلكون المبادرة ويتخذون القرار ويجبرون الصهاينة علي أن يكونوا رد فعل لقرار المصريين بالحرب‏!.‏

وقتها عرف الصهاينة الحقيقة‏..‏ حقيقة أن الجيش الذي لا يقهر‏..‏ انقهر واتمرمط وانهزم ورأي النجوم في عز الظهر‏..‏ رآها في قوة المصريين وشجاعة المصريين الذين قدموا أعظم المقاتلين‏!‏

وللحديث بقية مادام في العمر بقية
 
رد: مقالات الكاتب الكبير ابراهيم حجازي

حدوتة فيلم الصهاينة لا هي الأولي ولن تكون الأخيرة‏!‏
بقلم : إبـراهيـم حجـازي


**‏ لا هي المرة الأولي ولن تكون الأخيرة التي يفعل فيها الصهاينة ما فعلوه من أيام‏..‏ والذي فعلوه إذاعة فيلم وثائقي بالصوت والصورة عن جريمة قتل متعمد ومدبر تم التجهيز المسبق له بدليل تصويره والتصوير يحتاج إلي متخصصين وكاميرات ومصورين وفنيين لكي يقدموا فيلما وثقائيا وهذا معناه أن عملية القتل لم تكن نزوة ولا مصادفة أو حتي رد فعل مفاجئ إنما هي جزء من سيناريو معد مسبقا والأدوار فيه معروفة وفريق العمل سواء القتلة أو الفنيون الذين يعدون الفيلم‏..‏ الفريق مستعد وجاهز وكل واحد يعرف جيدا دوره في العمل الذي فيه القتلة يقتلون‏250‏ أسيرا مصريا والفنيون يصورون التفاصيل لأجل تقديم فيلم وثائقي ذات يوم يعرضونه لأهداف وهذا اليوم جاء من أيام‏!.‏ الأوغاد قتلوا الأسري وصوروا فيلما لعملية القتل وبعد‏40‏ سنة أذاعوا الفيلم عن عمد وبقصد لأجل هدف أو أهداف أنا شخصيا لا أعرفها لكني أعرف جيدا أن إقدامهم علي إذاعة الفيلم ليس سقطة إعلامية ولا هو خلافات داخلية إنما هو أمر متفق عليه وهو ملمح من ملامح سياسة قذرة ينفردون بها عن سائر خلق الله تعتمد علي مثل هذه الأفعال المفاجئة المعبرة عن لسان حالهم والقائمة علي توجيه الصدمة والإحباط والتيئس للغير‏..‏ حاملة رسائل للتذكرة متضمنة دليلا علي البلطجة‏!‏

ليس مهما عندهم أن يحمل الفيلم دليل إدانة لهم لأن الأهم ما في الفيلم من استهزاء وتقزيم وتضئيل وتحقير للآخر‏!‏

ليس مهما عندهم أن الفيلم فيه إدانة واضحة فاضحة لهم لعلمهم أن أحدا لن يتمكن من ملاحقتهم قانونيا وكيف يحدث وأمريكا بالفيتو وغير الفيتو تمنع الاقتراب من هؤلاء الأوغاد‏!‏

ليس مهما عندهم أن تقوم مصر علي حيلها غضبا لعلمهم أنه غضب آخره الشجب وربما السب وهتافات وشعارات‏!‏

الصهاينة أذاعوا الفيلم مثلما أذاعوا وسربوا قبله أفلاما لغرض أو أغراض وهم يدركون أن آخر ما عندنا الصراخ والشجب‏..‏ ودمتم‏!‏

في تصوري أنه يمكن أن يكون للشباب دور إيجابي في هذه القضية من خلال الرسائل الإلكترونية وأطالب شبابنا بأن يرسل مئات الآلاف منها يوميا للسفير الأمريكي في مصر وأظنه يتكلم العربية‏..‏ رسائل تفضح عنصرية الصهاينة وتفضح سلبية أمريكا‏!.‏ رسائل تطالبه بأن تقف أمريكا مرة لوجه الله مع الحق وتقدم الصهاينة القتلة المسئولين عن هذه المذبحة كمجرمي حرب إلي محكمة العدل الدولية أو أي محكمة‏..‏ أطالب الشباب بهذا رغم تحفظي علي كل ذلك‏!‏

مع احترامي لكل الآراء التي تناولت قضية فيلم قتل‏250‏ أسيرا مصريا ومع اقتناعي بضرورة السير في إجراءات ملاحقة هؤلاء القتلة قانونيا حتي تتم محاكمتهم‏..‏ وقناعتي بأهمية تشكيل جماعات ضغط مصرية من شباب مصر تقوم بإرسال ملايين الرسائل الإلكترونية إلي كل الدنيا يفضحون فيها بالصوت والصورة القتلة ويطالبون فيها بالعدل‏..‏

مع قناعتي بكل هذه الأمور واحترامي لكل الاتصالات الدبلوماسية‏..‏ فأنا يقيني أنها إجراءات شكل لا مضمون وينطبق عليها أضعف الإيمان لأن القوة هي لغة الحوار في مثل هذه المواقف‏!‏

يقيني أن القوة هي التي تفرض السلام وهي التي تجبر الآخر علي احترام الآخرين والمشاعر جزء من هذا الاحترام‏!‏

يقيني أن الرفض والشجب والشعارات والسير في طلب محاكمات وظهور قوي ضغط مصرية‏..‏ يقيني أن كل هذه الأمور لابد أن تسبقها وتواكبها وتليها القوة‏..‏ قوة الاقتصاد وقوة الثقافة وقوة الصحة ونتاجها قوة الدولة‏!.‏ يقيني أن تحديات هذا الوقت تفرض علينا أن نسعي بكل السبل لأجل قوة شباب مصر بدنيا وصحيا ونفسيا لأن الأقوياء مستحيل أن يتعرضوا لبلطجة الصهاينة أو غير الصهاينة‏!‏

القوة هي اللغة الوحيدة التي يفهمها الصهاينة‏..‏ والأقوياء هم من اقتحموا مثلا القناة في حرب الاستنزاف وحرب أكتوبر‏1973!.‏ اقتحموا أصعب مانع مائي عرفته الحروب عبر التاريخ‏!.‏ الأقوياء الذين أعنيهم هم من أسقطوا أقوي خط دفاعي في العالم تحت أقدامهم وبأسلحتهم الخفيفة‏..‏ أسقطوا حصن الحصون خط بارليف وسقط الأسري الصهاينة في أيديهم كالفئران المذعورة وكان بإمكانهم أن يبيدوهم من علي ظهر الدنيا لكن الأسير الذي استسلم وأصبح لا حول له ولا قوة‏..‏ له حقوق فرضها الدين وفرضتها الأخلاق وأقرتها المعاهدات‏..‏ حقه أن يجد الحماية وأن يجد المأوي وأن يجد الإعاشة لا أن يقتل وهو أعزل أو يدفن حيا‏!‏
الأقوياء من حرروا الأرض وهزموا الجيش الذي لا يهزم وصانوا وحفظوا كبرياء أمة‏!‏

عندي نموذج لواحد من هؤلاء الأقوياء أقدمه اليوم إلي شبابنا وأنا علي يقين أنه داخل كل شاب مصري نفس القوة ونفس الإرادة ونفس الشجاعة ونفس الشموخ والمشكلة أنها كلها كامنة قابعة مستترة داخلهم‏..‏ لأن كل ما حولهم هلس في هلس وليس فيه ما يستدعي أو يستنفر طاقات رائعة هائلة كامنة في صدور شباب مصر‏!‏

أقدم لشباب مصر بطلا مصريا اسمه سمير عبد الرحمن زيتون‏.‏ مصري ابن مصري من جد مصري‏..‏ جذوره ريفية وأبوه الحاج عبد الرحمن زيتون عمدة كفر الحمام مركز الزقازيق شرقية‏.‏ دخل سمير زيتون الكلية الحربية وتخرج فيها واختارته قوات الصاعقة لمجمل كفاءات لا كفاءة واحدة لدي الضابط الشاب صاحب الصوت الهادئ والعقل المفكر والقلب الشجاع والدائم التدريب لرجاله ودائم الابتكار في تدريباته والذي ظهرت شجاعته خلال حرب‏1967‏ التي لم تعط فيه فرصة لجيش مصر أن يحارب وانسحب وانهزم دون أن يدخل معركة أو مواجهة وخلال هذا الانسحاب الفوضوي ظهرت كفاءة الضابط الشاب سمير زيتون وهو يقود فلولا عائدة لا وحدات لها تقود حركة سيرها وقادها سمير زيتون بعيدا عن الطرق الممهدة إلي الوديان والمدقات مؤمنا لها سبل الوصول إلي شاطئ القناة في أمان‏!‏

وظهرت بسالة سمير زيتون ثانية مع زملائه أبطال الصاعقة في معركة رأس العش وظهرت ثالثا باختياره لأول دورية خلف خطوط العدو في سيناء بعد حرب‏1967‏ واستمر فيها لمدة شهر وتمركز خلالها في جبل الحلال وهو لا يعرف أنه علي موعد بعد ست سنوات مع نفس المكان خلف خطوط العدو‏..‏ لكن في مهمة أصعب وظروف أقسي ومناسبة أعظم‏!‏

الكتيبة التي فيها سمير زيتون عادت من الجبهة إلي أنشاص للتدريب وأشياء أخري خاصة بحرب الاستنزاف وأهمها دوريات الصاعقة التي لم تتوقف إغاراتها علي الصهاينة في كل مكان بسيناء خلال هذه الفترة‏.‏ المهم أن الكتيبة عادت إلي قاعدة التدريب في أنشاص وفيها التدريبات لا تتوقف وقسوتها لا سقف لها عن قناعة بحتمية أن يخضع المقاتل في التدريبات لأقسي وأسوأ الظروف التي يستحيل أن يجدها ولا حتي في الحرب انطلاقا من حتمية أن يكون التدريب أصعب من المحتمل حدوثه في الحرب‏!‏

المهم أن بطلنا سمير زيتون صاحب الصوت الهادئ والعقل المفكر والحريص علي النظام والالتزام وبالغ الحذر في التدريبات‏..‏ بطلنا اصطدم ذات يوم بحقيقة أن الحذر لا يمنع القدر‏!.‏ في واحد من تدريبات النسف والتدمير لحقته إصابة بسببها تم بتر في ذراعه اليمني‏!‏

البعض تصور أنها النهاية لكنه وحده كان مؤمنا بأنها بداية‏..‏ بداية قصة بطولة رائعة أكد فيها بطلنا أن المستحيل وهم يصنعه الجبناء والضعفاء وأن الإنسان طالما في صدره نفس يخرج ويدخل فهو قادر علي العطاء حتي ولو فقد نصف جسده‏!‏

البطل بإرادته الفولاذية وشجاعته الهائلة وقوة إيمانه البالغة فرض نفسه وحصل علي ثقة القيادة التي أسندت له قيادة الكتيبة‏183‏ صاعقة وهو رائد وهو يفتقد ذراعا‏!.‏ أسندوا له القيادة لأنه قائد ولأنه بارع ولأنه مخزون لا ينضب من الروح المعنوية العالية والشجاعة ولأنه لا يعرف المستحيل ولأنه في وقت لا يذكر أصبح يؤدي كل المهام وكأنه لم يفقد ذراعا‏..‏ وعليه‏!‏

الوقت أواخر سبتمبر عام‏1973‏ والأوامر صدرت برفع درجة الاستعداد للدرجة القصوي داخل الكتيبة‏183‏ صاعقة التي يقودها الرائد سمير زيتون وسط تكهنات عديدة اختلفت في التفاصيل لكنها اتفقت علي أن الكتيبة تنتظرها مهمة فيها مواجهة مع العدو وهذه الافتراضات لم تخرج من فراغ إنما من إحساس داخلي لدي المقاتلين بأنهم وصلوا إلي أعلي درجات الاستعداد والكفاءة والحماسة وفي انتظار أمر قتال مع الأوغاد‏!‏

وجاء الأمر في الوقت المحدد للتحرك في السادسة مساء يوم السادس من أكتوبر‏1973‏ في مهمة إبرار بالطائرات الهيليوكوبتر علي محاور مختلفة في أعماق سيناء مهمتها إيقاف تقدم الاحتياطيات التعبوية للعدو لمدة‏12‏ ساعة علي الأقل وهي المدة المطلوب توافرها لإنشاء رءوس كباري للقوات التي اقتحمت القناة من بعد الثانية ظهر السادس من أكتوبر‏.‏ المهم أن الكتيبة‏183‏ صاعقة تم إبرارها علي محورين‏.‏

سرية تم إبرارها علي المحور الشمالي بقيادة النقيب حمدي شلبي وباقي الكتيبة تم إبرارها في المحور الأوسط بمنطقة الطاسة تحت قيادة الرائد سمير زيتون وشاءت الظروف أن تنضرب الطائرة التي بها الرائد سمير زيتون وهبطت اضطراريا بصورة مفزعة نتج عنها إصابات وضحايا وخرج منها القائد زيتون مصابا إلا أنه أصر علي تنفيذ المهمة بما تبقي معه من جنود‏..‏ والمهمة‏!‏

احتلال المحور لمنع تقدم أي قوات للعدو تجاه القناة أيا كانت قوتها أو عددها‏..‏ وقبل أن تمر نصف ساعة من احتلال الموقع حدث ما جاء الرجال له‏!.‏ لواء مدرع صهيوني من الاحتياطيات التعبوية للعدو يتقدم وعلي الفور دخل مقاتلو الصاعقة في معركة شرسة بكل ما تحمله الكلمة من معني وشراستها أنها بين أسلحة خفيفة وذخيرة هي في النهاية محدودة وبين لواء مدرع فيه كل أنواع السلاح والعتاد‏..‏ ونجح رجال الصاعقة الأقوياء بعقيدتهم وبإيمانهم بقضيتهم وبقلوبهم التي لا تعرف الخوف وباستعدادهم للموت دفاعا عن أرض وعن عرض وعن عقيدة‏!.‏ نجحت الأسلحة الخفيفة في وقف الدبابات والمجنزرات طوال ليلة السابع من أكتوبر وهي ليلة لن تنساها الصاعقة ولن ينساها الأوغاد في اللواء المدرع والذين تصوروا أنهم يقاتلون مجموعة صاعقة بأكملها وليس جزءا من كتيبة من قوة وكثافة وشراسة النيران الصادرة من كل مكان والتي توحي بأنه في المكان قوة نيران كبيرة والواقع أن أبطال الصاعقة الأقل من‏50‏ مقاتلا يقاتلون من الحركة لا الثبات لأجل أن تكون قوة نيرانهم من علي أكبر مساحة أرض‏!.‏

سمير زيتون بقي هو ورجاله متشبثين بالأرض طوال الليل ولم يتزحزحوا مترا واحدا للوراء وأجبروا العدو علي ألا يتقدم شبرا واحدا للأمام لمدة تخطت الـ‏15‏ ساعة قتالا متواصلا شرسا بين مقاتلي الصاعقة ولواء مدرع صهيوني‏!‏

بقي الرجال يقاتلون وينفذون المهمة إلي أن جاءت التعليمات بأن رءوس الكباري تمت والقوات التي اقتحمت القناة تمركزت علي بعد كيلو مترات داخل سيناء في مواقعها المحددة من قبل وأنها جاهزة لملاقاة ومواجهة أي احتياطيات للعدو‏!‏

وقتها أبلغ الرائد سمير زيتون مقاتليه بأن المهمة التي تم إبرارهم لأعماق سيناء من أجلها نجحت وأن التدريبات الصعبة جدا التي خاضوها علي مدي ست سنوات استعداد ثبتت صحتها‏..‏ والدليل‏!.‏
‏50‏ مقاتلا من الصاعقة المصرية أمكنهم الدخول في معركة رهيبة والصمود فيها لمدة‏15‏ ساعة متتالية أمام لواء مدرع فيه قرابة الـ‏2000‏ جندي وضابط وعشرات الدبابات والسيارات المجنزرة والمدفعية المعاونة‏!‏

والله‏..‏ هذه الشجاعة لم تمت ولم ترحل إنما هي موجودة وكامنة داخل صدور ملايين الشباب المصري‏.‏
وللحديث بقية مادام في العمر بقية​
 
رد: مقالات الكاتب الكبير ابراهيم حجازي

‏ حتي نتأكد أن الوطن أرضه لا تنبت إلا الرجال‏!‏
بقلم: إبـراهيـم حجـازي​



**‏ هل يجب أن يشعر الإنسان بالخوف؟
سؤال قد يبدو بلا معني أو بلا أهمية لكنه في الواقع بالغ الأهمية‏!.‏ عندما كان عمري‏20‏ سنة شرفت بالخدمة العسكرية وتشرفت باختياري في القوات الخاصة‏..‏ وقتها كنت علي يقين من أن فكرة الخوف فكرة معيبة مجرد التفكير فيها عيب لأن الخوف أصلا عيب ولأن الرجل لا يجب أن يخاف‏..‏ إلا أنني فيما بعد اكتشفت وأنا أصعد إلي برج الثقة في فرقة المظلات الأساسية رقم‏116‏ أن شعورا بالخوف أحسست به للحظات لكنني لم أتوقف أمامه وقفزت من البرج وبعدها من الطائرة وحصلت علي الفرقة ومعها اكتسبت معرفة جديدة هي أن الخوف حقيقة وأنه شعور إيجابي بالغ الأهمية للإنسان لأنه منشط للحذر واليقظة والحرص والدقة وكلها عوامل إجادة ترتكز عليها الشجاعة التي لابد أن يلازمها هذا الخوف الإيجابي‏.‏

عرفت أن الخوف الإيجابي مطلوب مع الشجاعة لأنه عين الحذر بالنسبة لها واختفاؤه كارثة علي الشجاعة لأن المسائل بالنسبة لها تتحول إلي تهور غير محسوب نهايته هلاك لا محالة‏!.‏ وعرفت أيضا أن الخوف إن زادت معدلاته داخل الإنسان تحول إلي جبن والجبان منزوعة من داخله الشجاعة‏!‏

حكاية الخوف هذه تذكرتها فجأة لأن هذه الأيام من كل سنة تعيد إلي ذاكرتي حدوتة شباب مصري من ضباط القوات الخاصة وقع الاختيار عليهم لأجل القيام بدوريات خلف خطوط العدو في سيناء لمدة شهر في مهمة استخباراتية والمهمة تفرض علي شباب يعلم مسبقا أن الداخل إلي سيناء مفقود والعائد منها مولود‏..‏ تفرض عليه أن يضع الخوف في حجمه الطبيعي لأجل أن يترك للشجاعة حريتها في الحركة والانطلاق‏!‏

القوات الخاصة اختارت في يوليو‏1967‏ لهذه المهمة‏11‏ ضابطا شابا سبعة منهم صاعقة هم‏:‏ النقيب سمير زيتون وهو حدوتة شجاعة وبسالة لنا معها عودة بإذن الله والملازم أول محمد رشاد عمران والنقيب رجائي عطية والنقيب محمود محرم والنقيب مختار حسين الفار والملازم أول شكري البلتاجي والملازم أول أحمد حمدي‏..‏ وأربعة ضباط مظليين هم‏:‏ الملازم أول محمد جابر والملازم أول عبد المعين حسن أحمد والملازم أول محمد الجافي والملازم أول جميل حماد‏.‏ الضباط الشبان خضعوا لتدريبات خاصة وتلقنوا معلومات خاصة وخاضوا برنامجا بدنيا ونفسيا خاصا وأصبحوا جاهزين وبتمام استعدادهم أصبح في إمكان المخابرات الحربية الدفع بـ‏11‏ دورية خلف خطوط العدو لأجل البقاء في سيناء لمدة شهر‏!‏

في شهر أكتوبر الضباط جاهزون لتنفيذ أي مهام خلف خطوط العدو سواء مهام إيجابية مثل تلغيم ونسف وتدمير أو مهام استطلاعية لأجل معرفة حجم القوات والأسلحة والتجمعات والتحركات وإبلاغ المعلومات لاسلكيا للمخابرات العسكرية‏.‏

الوقت يمر ببطء والضباط متشوقون للخروج في تلك المهمة في ذلك الوقت حيث الكل يريد أي محك لأجل استعادة الثقة وإظهار الشجاعة وجاء الفرج في أول نوفمبر‏1967‏ بأول دورية وخرج فيها الملازم أول محمد رشاد عمران ومر أسبوع واثنان والكل يترقب تعليمات أخري إلي أن جاءت الموافقة علي الدورية الثانية وخرج فيها النقيب سمير عبد الرحمن زيتون في أول ديسمبر وفي‏8‏ ديسمبر خرجت الدورية الثالثة وفيها الملازم أول جميل حسن حماد وبعده لم تخرج دوريات وبطل الدورية الثالثة هو الوحيد من الثلاثة الذي تعرفت عليه بعدها بسنتين أي في‏1969‏ وشرفت بالخدمة معه والتعرف أكثر عليه وانتهت الحرب وفرقتنا الأيام والشهور والسنون إلي أن التقيت به بعد‏37‏ سنة

من أول لقاء وعدت به إلي تلك الأيام الجميلة العظيمة التي هي شاهد علي عظمة وشجاعة وشموخ وبسالة المصريين وعلي التنافس الرهيب بين شباب المقاتلين لأجل الخروج للموت وهي مشاعر متباينة هائلة‏!.‏ شباب علي عتبة الدنيا التي لم يدخلها بعد وفرحته غامرة لاختياره وتكليفه باقتحام طريق الموت ومع الفرحة إحساس بالخوف من أي مجهول يفسد هذه المهمة التي اختاره الوطن لها ومابين فرحة الاختيار والقلق من المجهول‏.‏حالة تعجل للوقت لأجل تنفيذ المهمة ولأجل أن يتأكد الوطن أن أرضه لم تنبت إلا الرجال‏.‏

عدت مع جميل حماد إلي سنة‏1967‏ إلي شهر ديسمبر الذي معه شهر رمضان وإلي الساعات التي سبقت يوم‏8‏ ديسمبر‏1967‏ ووقتها المخابرات العسكرية حددت المهمة المكلف بها الملازم أول جميل حماد واطمأنت تماما إلي معرفته لبنودها وقدرته علي تنفيذها والتنفيذ في منتصف ليلة‏8‏ ديسمبر والطقس بارد والأمطار تهطل والظلام سيد الموقف والوقت شهر رمضان والدورية تضم ثلاثة أفراد‏.‏ الدليل وهو من عرب سيناء واسمه سالم أبو سلامة وجندي مجند محمد أمين من الـكتيبة‏81‏ مظلات واستشهد فيما بعد في حرب‏1973‏ والثالث حمدان حماد سلامة أبو قريع من قبيلة تيهي ومن مواليد الكونتيلا ومقيم في جبل الحلال‏.‏ هكذا تقول معلومات بطاقته الشخصية وحمدان هو نفسه الملازم أول جميل حماد المرتدي الملابس البدوية والمتكلم باللهجة البدوية لتلك القبيلة والمتعرف علي كل صغيرة وكبيرة عن القبيلة وعن موطن إقامته والمستحيل التشكك في أمره أو في لهجته أو في ملبسه أو في السلوكيات البدوية في الأكل والشرب ومظاهر الحياة الأخري‏..‏ وكلها أمور حرصت المخابرات العسكرية علي التأكد من اكتساب الضابط لها لأن الغلطة بنهاية‏!‏

سألت جميل حماد نفس السؤال الذي سألته له عام‏1969‏ عندما رأيته لأول مرة‏..‏ سألته‏:‏ ألم تشعر بالخوف وأنت تتأهب لدخول سيناء والبقاء فيها لمدة شهر وسط قوات العدو؟‏.‏ قال لي نفس الإجابة بنفس الحماسة وبنفس مفردات الكلام الذي سمعته قبل‏37‏ سنة قال‏:‏ كل إنسان متوازن لابد أن يخاف وهو خوف مشروع ومطلوب‏..‏ والشجاع في أي موقف يشعر بالخوف والجبان في نفس الموقف يشعر بالخوف والفارق أن الشجاع خوفه هو من ركائز شجاعته لكن الجبان يستسلم لرغبته النفسية وهي الامتناع التام عن الإقدام علي المهمة المكلف بها‏!‏

نعود إلي سنة‏1967‏ والوقت يقترب من منتصف ليل‏8‏ ديسمبر والقمر في طريقه للاختفاء والرجال يقفون علي شاطئ القناة الغربي وسط الظلام وتحت المطر وفي قلب الصقيع واللحظات الأخيرة ومراجعة التعليمات والتأكد من المهمات‏..‏ جهاز اللاسلكي والشفرة المكتوبة ونظارة الميدان والسلاح الشخصي والذخيرة والقنابل والخرائط وبطاقات الهوية المستخرجة من مكتب مخابرات الإسماعيلية المسئول عن هذه الدورية والموجود قائده المقدم يوسف العشيري ليأخذ بنفسه تمام الاستعداد من رجاله‏..‏

وجاءت لحظة الانطلاق ونزل الرجال الثلاثة إلي قارب زودياك صغير مربوط بحبل طرفه الآخر علي شاطئ القناة الشرقي الذي وصلته مجموعة من الضفادع المصرية البشرية التي استطلعت مكان الوصول وقامت بتأمينه بعد تأكدها من عدم وجود أي كمائن للعدو في المنطقة وبعدها سحبت القارب إلي الضفة الشرقية ونزلت منه الدورية التي ستبقي في سيناء لمدة شهر والتي تتحرك فقط ليلا وتكمن نهارا والمكان الذي تنام فيه مرة لا تعود إليه إن ساورها شك في أن المكان لفت النظر إليه‏!.‏ المأكل والمشرب ينطبق عليهما ما هو قائم ومطبق بين البدو والغذاء الرئيسي دقيق يخبز بطريقة بدوية ليصبح رغيف العيش هو الأساس مثلما الشاي والسكر هو الأساس الآخر وتفاصيل أخري تبدو بسيطة لكنها في الواقع شديدة الأهمية‏!‏

القارب وصل إلي الجهة الأخري من القناة ونزل الرجال وهدفهم جبل أم خشيب والمهمة جمع معلومات عن مطار المليز ومطار تمادة وقواعد الصواريخ المضادة للطائرات في أم مرجم ورصد الاحتياطيات وجميع التحركات علي المحورين الأساسيين في سيناء سواء الطريق الأوسط‏'‏ الإسماعيلية ـ بئر سبع‏'‏ أو مضيق الجدي‏'‏ تمادة ـ بئر سبع‏'.‏

القيادة المصرية تريد أن تعرف علي وجه الدقة ما يحدث في سيناء وما هو موجود في العمق حيث تتمركز احتياطيات العدو ووقتها بلغ الغرور مداه بالصهاينة حتي إن موشي ديان وزير الدفاع صرح في أكثر من مرة بأن إسرائيل تفكر جديا في فتح القناة أمام الملاحة الدولية وهذه إشارة واضحة إلي أنهم يريدون اقتحام القناة واحتلال الضفة الغربية وتأمين القناة من الجهتين وفتح القناة وهذا أمر ـ لا قدر الله ـ لو حدث معناه الوحيد أن مصر ماتت‏!‏

بدأت الدورية السير وجميل حماد غير مصدق أنه في سيناء وأن حلمه بات حقيقة وأنه نال شرف القيام بهذه المهمة‏!.‏ فرحان لأنه يقوم بمهمته في شهر رمضان‏..‏ فرحان لأنه يؤدي عملا وطنيا‏..‏ فرحان لأنه وسط اليهود وخلف اليهود ويضحك علي اليهود‏.‏ كل هذه المشاعر والأحاسيس دارت في فكر الضابط الشاب طوال سيره في ساعات الليل إلي أن أقبل الفجر وبقدومه لابد من بحث عن مكان يكمنون فيه طوال ساعات النهار وحدث واختار مكانا تم خندقته وتمويهه‏..‏ وقبل أن يركنوا إلي النوم فيه قام بدفن جهاز اللاسلكي والسلاح والذخيرة والشفرة في مكان آخر آمن بعيد تحسبا لأي طارئ يحدث وهم في طريقهم إلي قاعدة الدورية في جبل أم خشيب‏!.‏ ناموا قليلا واستيقظوا رغم الإجهاد وهروب النوم من الجفون متعلقا بما يشغل العقول والعقل مشغول بترتيبات ساعات الليل القادمة التي مفترض أن يصلوا في نهايتها إلي جبل أم خشيب ويحتلوا مكانهم قبل بزوغ نهار يوم‏11‏ ديسمبر‏!‏

وغربت شمس أول نهار علي الدورية في سيناء وتناول الرجال طعام الإفطار بعد الصيام ثم تحركت وأخذت في السير والدليل يقودها في طرق وعرة لا يعرفها إلا البدو ولا تسلكها سيارات أو مجنزرات ووصلت الدورية إلي هدفها قبل الفجر وما كان هذا يحدث إلا بالتدريب والكفاءة والثقة في النفس وقلوب مؤمنة عامرة بالشجاعة والانتماء‏...‏

وصلت الدورية إلي جبل أم خشيب والجبل ممتد علي الأرض لمسافة تزيد علي الثلاثين كيلو مترا ويرتفع لمسافة تقترب من الـ‏700‏ متر‏.‏ الجبل هو قاعدة انطلاق للدوريات طول فترة المهمة التي كان مقررا لها شهر وامتدت إلي ثلاثة أشهر‏!‏

قائد الدورية الملازم أول جميل حماد أو الأعرابي حمدان حماد سلامة أبو قريع بدأت بالفعل مهمته بنسبة مائة في المائة من لحظة الوصول إلي جبل أم خشيب وبعد أن استطلع بنفسه المكان اتخذ قراره‏!‏

قرر جميل حماد أن تكون نقطة تمركزه أو قاعدة الدوريات بالجبل في منتصفه لا فوق في القمة ولا تحت في السفح اختارها في الوسط لأنه عندما تكون نقطة التمركز وسط الجبل فإنها تعطي له فرصة الهروب لأعلي فيما لو تم الهجوم عليه من أسفل أو تجعله يهرب لأسفل فيما لو جاء الهجوم من أعلي ويهرب للجهة اليمني فيما لو هوجم من اليسري والعكس‏!.‏ اختار قاعدة الدوريات في منتصف جبل أم خشيب الموجود في مكان منه نقطة استطلاع يهودية منها يمكن بالعين المجردة كشف السويس والإسماعيلية والبحيرات المرة بل يمكن حصر عدد السفن المحجوزة في البحيرات‏!‏

انتهي حمدان حماد أبو قريع البدوي من تجهيز نقطة تمركزه أو مكان إقامته في جبل أم خشيب والتي منها ينطلق ويعود لأي جهة ويغيب لأي مدة بحثا وتنقيبا عن أي معلومة وكل حركة وأي موقع وأي عتاد وأي سلاح‏..‏ يرصد بنفسه ويري بنفسه كل معلومة تصله لأجل ألا يخرج منه وعنه للقيادة حرف واحد عن معلومة منقولا عن شخص آخر وكل معلومة يتم الإبلاغ عنها لابد أن يتأكد بنفسه منها‏!‏

حمدان حماد أبو قريع أو الملازم أول جميل حماد‏..‏ يجمع المعلومات ويرصد التحركات من أي مكان وفي كل مكان بحذر بالغ وفي الليل فقط حتي لا يترك خلفه شعرة يمكن أن تقود العدو إلي معلومة عن مكان وجوده في الجبل‏!.‏

وإذا كان جمع المعلومات له محاذيره ومتطلباته وقواعده فإن استخدام جهاز اللاسلكي له اشتراطات بالغة الأهمية لأن أي غلطة تجعل من اللاسلكي الخطر الداهم علي من يستخدمه في مهام خلف الخطوط‏..‏ ولذلك‏!‏

كل إرسال باللاسلكي ينزل جميل حماد من جبل أم خشيب ويبتعد عنه تجنبا للموقع اليهودي الموجود في قمة الجبل والموجود به ضمن ما فيه أجهزة تنصت علي ترددات اللاسلكي ويمكن لها التقاط أي إشارة فيما لو تطابقت الموجات‏...‏

موجات العدو مع موجات جهاز اللاسلكي المصري وهذا ماحدث رغم كل الترتيبات القاسية حدث‏..‏ لأن الحذر لا يمنع القدر‏!‏

وللحديث بقية مادام في العمر بقية
 
عودة
أعلى