الأهمية السياسية للخلرائط

رد: الأهمية السياسية للخلرائط

بسم الله الرحمن الرحيم

الأهمية السياسية للخرائط

مقدم باحث جغرافي (م) هاني عبد الرحيم العزيزي

تتفاوت الخرائط في أنواعها ومقاييسها ، و تتنوع في استخداماتها ، ويعود استعمال الخرائط إلى عهود بعيدة ، و تشهد صناعة الخرائط الآن تطورا عظيما في سرعة ودقة إنتاجها ، إذ دخلت واستخدمت فيها تقنيات العصر شأنها في ذلك شأن معظم الأمور العلمية والتطبيقات الحديثة. ورغم التنوع الكبير في مضامين الخرائط بدء من مخططات القرى والمدن ، ومرورا بالخرائط الطوبوغرافية ، وانتهاء بالخرائط العالمية ( المليونية ) تبقى هناك أمورا تشترك فيها جميعها ، إذ أن كل خارطة هي تمثيل مصغر لمساحة من سطح الأرض لإظهار معالم ومعلومات معينة بألوان ورموز ، ووفق مقياس رسم محدد ، ومسقط مناسب . وتبين الخارطة معلوماتها وفق زمن معين ، فهي توثيق لمعلومات ما لفترة ما .

وتتنوع الخرائط في مواضيعها فهناك الطوبوغرافية و الجيولوجية والمناخية والسياحية وغيرها ، وأيا كان موضوع الخارطة فإنها تبين مساحة من سطح الأرض ، وعلى ذلك تبين مناطق سيادة الدولة ومناطق سيادة غيرها من الدول وعليه يتوقع أن تعكس صورة وشكل الوضع السياسي القائم ، أو كما تراه الدولة ، أو تدعيه وتنشده ، وهذا أمر قد تقبل أو لا تقبل به الدول الأخرى المجاورة . وقد يكون ما أمر به البابا تورديسلس Toresills عام 1494 أول تحديد رسمي لمناطق السيادة والنفوذ في العالم ، إذ أصدر أمرا حدد فيه خط الطول 50ْ غربا حدا فاصلا بين ممتلكات إسبانيا شرقا وممتلكات البرتغال غربا .

قد تكون الخرائط حكومية رسمية official maps حين تصدرها الحكومات من خلال وزاراتها ومؤسساتها الرسمية المدنية والعسكرية مثل إدارات الأراضي والمساحة ، ومديريات المساحة العسكرية ، وتكون هذه الخرائط بمختلف المقاييس وإن كانت الخرائط كبيرة المقياس أكثرها أهمية ، و تصدر الخرائط عن مؤسسات حكومية متخصصة كالمركز الجغرافي الملكي الأردني ، والهيئة الوطنية للمساحة في سلطنة عمان ، وقد تكون الخرائط خاصة private maps حين تصدرها هيئة غير حكومية كدار نشر أو مؤسسة علمية ما ، وغالبا ما تكون هذه الخرائط ذات مقياس رسم صغير أو صغير جدا ومنها الأطالس.

ويفترض أن تمثل الخرائط الرسمية وجهة نظر حكومة الدولة التي أصدرتها بما يتعلق بمناطق السيادة الوطنية والأجنبية على الأراضي والمناطق التي تغطيها الخرائط التي قامت بإنتاجها ، حتى وإن كانت الخرائط المنتجة لمناطق بعيدة وليست من دول الجوار، ومن ذلك متابعة مؤسسات إنتاج الخرائط لقرارات ووجهات نظر حكوماتها ، والإبقاء على قناة اتصال معها بهدف إبقاء المعلومات السياسية في الخرائط منسجمة مع الرأي الرسمي للحكومة . وقد افتقرت الخرائط في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر وبداية القرن العشرين إلى الدقة ومن ثم شكك في صحة معلوماتها ، و لم يعوّل عليها في منازعات الحدود آنذاك ، لكن الأمر تغير فيما بعد ، إذ أصبحت الخرائط شائعة الاستعمال والتداول بسبب دقتها وسهولة تبادلها ، وأصبح لها دور واضح في النزاعات الإقليمية والحدودية ، وأصبحت الدول تستعين بالخرائط لتأييد ادعاءاتها بمسارات خطوط حدودها أو في ما يتعلق بتفسير معاهدات الحدود .

ويقترح د. فيصل عبد الرحمن علي التفريق بين ثلاثة أنواع من الخرائط الرسمية بما يتعلق بالحدود وهي :
1. الخارطة التي تلحق بمعاهدة الحدود وينص في المعاهدة على أنها جزء لا يتجزأ من المعاهدة. ولهذه الخارطة نفس القوة القانونية للمعاهدة ، فهي ملزمة لأطرافها .
2. الخارطة التي تلحق بمعاهدة الحدود دون أن يشار إليها في المعاهدة ، أو تلك التي يشار إليها دون أن ينص على أنها جزء لا يتجزأ من المعاهدة ، ولا يبدو من تفسير أحكام المعاهدة ككل أنه قصد بها أن تكون جزء من المعاهدة . وتستخدم مثل هذه الخرائط لتوضيح المعاهدة أو لتأييدها ، ولكنها تبقى في درجة أقل من المعاهدة .
3. الخرائط التي تصدرها الدول من حين لآخر . وهذه كثيرة الأنواع والأغراض وعادة ما تحمل تنويها على عدم اعتمادها بما يتعلق بالحدود الدولية.

من الملاحظات التي تطبع على مختلف أنواع الخرائط الرسمية الحكومية عبارات منها على سبيل المثال : ((هذه الخارطة ليست مرجعا بالنسبة للدود الدولية)) و (( لا يعتمد على هذه الخارطة من ناحية الحدود السياسية )) ومنها أيضا (( إن الخرائط المنتجة بإشراف مدير المساحة العسكرية لا تؤخذ بالضرورة كتعبير عن وجهة نظر حكومة المملكة المتحدة على الحدود أو الوضع السياسي )) . ويشيرما مسبق و نحوه إلى رغبة الهيئة الحكومية التي أصدرت الخارطة في عدم استخدامها ذريعة بيد دول أخرى لتوكيد أو نفي حق أو إدعاء ما ، أي الاستفادة من الخارطة بما لا يتوافق مع مصالح الدولة الأولى ، وفي هذا تبرير كاف للتدخل القانوني لبعض الهيئات الحكومية وفرضها نوعا من الرقابة على الخرائط التي تدخل بلادها .
تورد واقعة الصمت الرسمي لحكومة الأرجنتين على خارطة أصدرتها حكومة دولة شيلي عام1881 كمثال على أهمية الخرائط ، إذ أصدرت إدارة الخرائط الرسمية في شيلي خارطة و وزعتها على نطاق واسع شمل البعثات السياسية فيها ، ولتعلم من خلالها الدول الأخرى بما فيها الأرجنتين أن شيلي تمتلك جزرا معينة في أقصى جنوبها ، علما أن الأرجنتين تدعي ملكيتها لهذه الجزر ، وعندما نشب النزاع بين الدولتين عام 1909حول الجزر بسبب الثروات ، طعنت الأرجنتين بصحة الخارطة ، واستمر الأمر إلى أن رفضت محكمة التحكيم التي شكلت للفصل في النزاع عام 1977 حيث رفضت ادعاءات الأرجنتين وتأكدت المحكمة أن الأرجنتين لم تقم بالاحتجاج على الخارطة المذكورة عند صدورها ، وهذا يعني بقبولها ضمنا .

وتحرص الحكومات عند ترسيم حدودها أن تستخدم الخرائط في مختلف مراحل العمل سواء في مرحلة المفاوضات وعرض المطالبات ، وعند تعيين نقاط خط الحدود ، وإقامة المعابر والمراكز الحدودية ، وغيرها من مراحل العمل ، بل وقد تصدر سلسلة من الخرائط الخاصة بالحدود أو أطلسا خاصا بذلك ومثال ذلك " أطلس خط الحدود بين المملكة العربية السعودية وسلطنة عمان " ، وقامت بإنتاجه شركة ألمانية طبقا للمادة الثالثة من اتفاقية الحدود الموقعة بين البلدين في 21/ 3 / 1991 تحت إشراف اللجنة الفنية السعودية – العمانية المشتركة ، وصدر باللغتين العربية والإنجليزية . ويورد الأطلس وصفا وتحديدا لخط الحدود بين نقاط الحدود الرئيسية والفرعية والأعمدة الإرشادية وأعدد كل نقطة وموقعها من خطوط العرض والطول ، كما ضم الأطلس صورا ومخططات إيضاحية لبنية وتركيب كل نوع من النقاط الحدودية السابقة كما يحوي الأطلس على مخطط الموقع بمقياس 1/10 مليون وخرائط بعدة مقاييس كبيرة يحقق كل منها غاية بعينها ، وصغر كل مقياس منا لغايات طبعه بالأبعاد المناسبة لحجم الأطلس . وبذلك ظهر الأطلس بما يجب أن تكون عليه أطالس الحدود .

كما توّظف الخرائط لغايات إثبات وتوكيد وجود الكيان السياسي وحقه الشرعي في البقاء كدولة ذات مقومات وتاريخ يدلل على أهليتها لذلك . وقد أصدرت دولة الكويت أكثر من عمل خرائطي وثائقي ، ومن ذلك كتاب " الكويت في خرائط العالم حقائق ووثائق " ، والذي أصدرت مؤسسة الكويت للتقدم العلمي طبعته الأولى عام 1992 ، ويحمل شروحا بالعربية والإنجليزية والفرنسية والألمانية ، و يعرض الكتاب خرائط متنوعة بمقاييس رسم مختلفة بدء من خرائط الكويت كما بدت في خرائط الرحالة قديما ، وتقسم خرائط الكتاب بشكل عام إلى قسمين : أولهما قسم يهتم بإظهار موقع ومكان واسم الكويت بعرضه لخرائط تعود إلى نحو 150 سنة ، وثانيهما يبين الخرائط الرسمية وغير الرسمية التي صدرت في العراق وتظهر الكويت ككيان منفصل ومستقل عنه ، ومن هذه الخرائط خارطة عراقية أصدرتها مديرية المساحة العامة ببغداد عام 1964 بمقياس رسم 1/ مليون ، وقد لوّنت الكويت وجزر وربة وبوبيان بلون يختلف عن العراق ، وهناك الخارطة الرسمية للعراق كما وردت تحت عنوان خارطة العراق الإدارية التي تطلب مع كتاب العراق 1988 وهو الكتاب السنوي للجمهورية العراقية ، وأظهرت الخارطة ما سبق ذكره .
كما اصدرمركز البحوث والدراسات الكويتية كتاب " الكويت .. قراءة في الخرائط التاريخية " وذلك باللغة العربية ، حيث صدرت طبعته الأولى عام 1992 والثانية عام 1994 والثالثة عام 2000ومما ورد في تصديرها : "... وفي هذا العمل الذي بين أيدينا محاولة للنظر في وضع الكويت في الخرائط التاريخية من خلال المصادر التاريخية المعتمدة ، وكتب الأدب و التاريخ والتراث بعامة التي وجدنا بها نصوصا واشارات تتصل بالموضوع لتكون النظرة الشاملة - ما استطعنا - المدخل الذي نتبناه في قراءة وتفسير ما عرضناه من خرائط أو ما توصلنا اليه من معلومات وتوجهات والسبيل المتوازن في التدقيق والترجيح بين وجهات النظر المختلفة حول هذه الفترة المبكرة من حياة الكويت .. " . ويبدو مما سبق الغاية والأسلوب من وضع الكتاب .

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
نشرت المقالة في مجلة المركز الجغرافي الملكي الأردني

المراجع

01 فيصل عبد الرحمن علي طه . القانون الدولي ومنازعات الحدود ، شركة أبو ظبي للطباعة والنشر، الأمارات العربية المتحدة 1982.

02 حسين عيسى مال الله . القيمة القانونية للخرائط الجغرافية في تخطيط الحدود ، مجلة حماة الوطن ،الكويت العدد 239 مايو 2001 .

03 أطلس خط الحدود بين المملكة العربية السعودية و سلطنة عمان . انتاج شركة هانزا لوفتبيلد . 1415 هـ .

04 مؤسسة الكويت للتقدم العلمي . الكويت في خرائط العالم حقائق وأرقام ، مشروع الوثائق الكويتية ، الكويت 1992.

05 عبد الله يوسف الغنيم . الكويت قراءة في الخرائط التاريخية ، الطبعة الثالثة ، مركز البحوث والدراسات الكويتية ، الكويت 2000 .
 
عودة
أعلى