الرعب النووي المصري

إنضم
21 سبتمبر 2008
المشاركات
532
التفاعل
3 0 0
المخاطر العديدة للمشروع النووي المصري ..
أحلام نووية أم مشاريع كارثية، شرق أوسطية....
د. محمد أشرف البيومي
أستاذ الكيمياء الطبيعية بجامعتي الإسكندرية وولاية ميتشجان بالولايات المتحدة الأمريكية (سابقا)


مقدمة
تعددت المقالات وانبرت الأقلام لتتحدث عن المشروع النووي المصري، وكما حدث في عام 1981 وفي 2006 اختلطت الأمور بشكل كبير، فتارة تبشر بدخول عصر التكنولوجيا النووية تحت شعارات براقة مع التنويه بالسلاح الذري مما يدغدغ مشاعر المواطنين الذين يتوقون إلي عزة مصر وتقدمها. وتارة يصور المشروع النووي كأداة سحرية ستحقق حلم كل المصريين! كما تحدث البعض عن مطلقات تتناقض بشكل صارخ، ليس فقط مع الحقائق المثبتة ولكن أيضا مع أبسط القواعد العلمية حيث يذكر صحفي مخضرم في مقال منشور أن 'الأمان النووي يفوق المائة في المائة' وأن 'اللجوء للطاقة النووية حتمي'. ومن المؤسف اتهام من يعارض المشروع ' بالبحث عن القطط الفاطسة' أو 'بالنضال بالمخالفة' أو 'بالانحراف والتشكيك في مصر والتخريب' أو تصيد أخطاء وهمية لعدم التمييز بين نسبة مساهمة الطاقة الكهربائية المنتجة نووياً ونسبتها في الطاقة بأنواعها. كما كثر الحديث عن حاجتنا الملحة للطاقة الكهربائية دون التنويه عن برنامج التنمية و التصنيع الذي يحتاج هذه الطاقة ودون التساؤل عن نوعية استخدامنا للطاقة المتاحة حاليا.

ولست أدري إن كانت المأساة الحقيقية هي اتخاذ قرارات إستراتيجية تؤثر علي مستقبل مصر وشعبها لأجيال متعددة في لجان مغلقة وبتوجيهات رئاسية دون نقاشها بشكل واسع وقبل تقييم جاد ومعلن أم أن المأساة هي هذا الخضم من المقالات والآراء من قبل كتاب السلطة والمعارضة أشك كثيرا أنها اعتمدت علي بحث جاد الموضوع من جوانبه المتعددة أو بعضها علي الأقل، وجاء الكثير منها ممن يكتبون في كل المواضيع دون عناء البحث البسيط أو التفكير المنطقي. ومن المؤسف أن بعض المقولات الجازمة جاءت علي لسان قيادات في هيئة الطاقة الذرية الذين يقيمون هذا الأمر الهام والخطير من ثقب الانحياز المهني الضيق والذي لا يكترث بدراسات أكاديمية تتناقض تماماً مع هذه المقولات .

لعل ما يخفف حجم المأساة أن بعض الأقلام مؤخراً اجتهدت ونشرت مقالات تحذيرية (مثل مقال أ. خالد الفيشاوي بالبديل 12-11-2007)، كما أن بعض المسئولين السابقين في المجال النووي أدلوا مؤخراً بتصريحات خطيرة حول البروتوكولات الإضافية التي يتعين علي مصر أن توقعها قبل موافقة الدول المصدرة علي بيع المفاعلات والتي تسمح لهذه الدول بالتفتيش علي منشئات مدنية وعسكرية!

ومن المثير للإعجاب وليس للدهشة أن بعض المصريين من عامة الشعب والغير حاصلين علي شهادات عليا أبدوا تخوفهم من خطورة تحكم دول عدوانية في مصيرنا ولمصلحة إسرائيل علي حسب تعبيرهم، وذكر البعض تحديدا تخوفهم الشديد من الاعتماد علي الغير في مجال الكهرباء والغذاء وعبّر البعض عن تخوفهم الهائل من التفتيش علي منشئاتنا كما حدث في العراق. إن الدول المصدرة تنظر إلي الدول المستوردة كسوق للصناعة النووية التي تعاني من أزمة حقيقية، وسيتيح لها الفرصة للتفتيش علي منشئات عسكرية وصناعية مما يمنحها مزيدً من الهيمنة والسيطرة.

في هذا المقال سننظر للموضوع نظرة بديلة شاملة وسنؤكد علي حقائق موثقة عديدة المصادر أغلبها أمريكي وأوروبي، والكثير منها أكاديمي وليست من مصادر اللوبي النووي المدعم ماليا وإعلاميا كما أن المقال يطرح تساؤلات منطقية، كل هذا بإيجاز شديد يركز علي الاستنتاجات دون تفاصيل علي أهميتها. علي أية حال فإن الموضوع مطروح للمناقشة الجادة والعلمية بمعناها الحقيقي التي تسعي إلي البحث عن الحقيقة أو الاقتراب منها. وإذ أشكر صحيفة العربي لنشرها المقال بنصه، أشير إلي عدم إمكانية النشر في صحفنا القومية مما يؤكد أن حرية التعبير المتكافئ غير متوفرة وأن المواطن لا يتاح له أن يطلع علي الآراء المختلفة من خلال إعلام من المفترض أنه ملكنا جميعاً.

شراء مفاعلات نووية 'تسليم مفتاح' لا يعني بأية حال دخول عصر التكنولوجيا النووية

عن ماذا نتحدث؟ هل نتحدث عن مفاعلات تؤدي بشكل غير مباشر إلي إنتاج قنابل ذرية أم عن مفاعلات لا تمكنا إلا من إنتاج طاقة كهربائية؟ أم نتحدث عن استيراد تكنولوجيا نووية جاهزة بمعني شراء مفاعلات بتصميم وبناء أجنبي( تسليم مفتاح) أم عن مساهمة حقيقية ولو تدريجيا في الجوانب الأساسية لهذه التكنولوجيا وتحديداً إنتاج الوقود النووي بما في ذلك عملية إثراء (تخصيب) اليورانيوم ؟

من الواضح وبناء علي تصريحات الرئيس مبارك والعديد من المسئولين فإن المشروع النووي المصري والعربي هو شراء مفاعلات تسليم مفتاح ولا علاقة له بإنتاج الوقود الذي سنحصل عليه جاهزاً للاستخدام و تحت رقابة كاملة وصارمة من قبل الدول المصدرة ودورنا هو المساهمة في إدارة المفاعل والقيام ببعض الأعمال الإنشائية المتعلقة بالمباني والطرق ..الخ ؛ فكيف نفسر إذاً التبشير بدخول عصر التكنولوجيا النووية و الحديث عن الأمان المطلق للمفاعلات وحتمية إنشائها وعن رخص الطاقة الكهربائية المولدة منها؟ بالمناسبة فقد هللت مصادر مماثلة لدخولنا هذا العصر في الثمانينات قبل حادث شرنوبل عام 1986 ( فمثلاً بالأهرام 'مصر دخلت عصر الطاقة النووية في الساعة 11,18 دقيقة صباح الأثنين 29 يونيو1981 ' و 'نظم الأمان النووي تصل باحتمالات الخطر إلي درجة الاستحالة المطلقة' و' لا يمكن تسرب الإشعاع حتي في حالة وقوع حادث' و في آخر ساعة '40 في المائة من طاقة عام 2000 في المحطات النووية' وغيرها الكثير!). فهل دخلنا عصر التكنولوجيا النووية لمجرد التفكير في اقتناء مفاعلات نووية؟ وهل دخلنا عصر تكنولوجيا الأقمار الصناعية وعصر الفضاء لمجرد حصولنا علي أقمار اتصالات ( نايل سات) صنعتها وأطلقتها في الفضاء دول أجنبية؟

تساؤلات استراتيجية هامة

هل المشاريع النووية جزء من المشروع الشرق أوسطي الكبير؟

نطرح عدة تساؤلات ذات أهمية إستراتيجية لأنها مرتبطة بالأمن القومي ومستقبل مصر وشعبها بل بالمستقبل العربي. لماذا تشجع الولايات المتحدة ودول الإتحاد الأوروبي بناء مفاعلات نووية في دول شمال أفريقيا والشرق أوسط ؟ هذه الدول التي يطلق عليها مجتمعة لفظ مينا
MENA))، هي نفس الدول التي أعلنت مؤخراً عن عزمها بناء مفاعلات نووية لتوليد الطاقة الكهربائية. إذاً المسالة ليست فقط مشروع نووي مصري بل أنه مشروع يشمل ستة دول عربية هي: مصر، الجزائر، المغرب، تونس، السعودية،مجلس التعاون الخليجي (البحرين، الكويت، عمان، قطر، والإمارات) بالإضافة إلي تركيا مما يطرح تساؤلاً هاماً عن ما إذا كان المشروع خطوة متقدمة في المشروع الشرق أوسطي الكبير، هذا المشروع الذي يسعي إلي الدمج بين التنمية في البلاد العربية والكيان الصهيوني لصالح الأخير وبهيمنته. وهذا التطبيع الإقتصادي يشمل إنشاء شبكة كهربائية مشتركة تخدم أيضاً مصالح أوروبا الاقتصادية. نستمر في التساؤل، هل تعمق هذه المشاريع تبعيتنا للولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي خصوصا وأننا لن ننتج الوقود النووي مما يعمق تبعيتنا في مجال إضافي وبذلك يمكننا أن نضيف لمقولة الرئيس مبارك 'من لا يملك قوته لا يملك إرادته' فما بالكم بمن لا يملك قوته ووقوده أيضاً ؟

ونتساءل أيضاً عن التبعات الخطيرة من التوقيع علي بروتوكالات إضافية تعتبرها الدول المصدرة للمفاعلات ضرورية لمنع أي استخدامات عسكرية ولمنع 'الإرهاب النووي'، وهذا سيخضع منشئاتنا العسكرية والمدنية أو بعضها علي الأقل للتفتيش المفاجئ مثل ما حدث في العراق بحجة البحث عن أسلحة دمار شامل، وهذا بالتأكيد يهدد أمننا القومي مباشرة أيا كانت الدولة المصدرة: روسيا، الصين، الاتحاد الأوروبي، الولايات المتحدة الأمريكية أو غيرها؟ جاء في البديل علي لسان د. عزت عبد العزيز رئيس هيئة الطاقة الذرية الأسبق 'إن المادة 4 من البروتوكول تعطي للوكالة الدولية وللمفتشين الدوليين حق دخول أي مكان وفي أي زمان، لمجرد الاشتباه فقط وبصورة مفاجئة..'

بالرغم من أن التساؤلات مشروعة بل واجبة سيقفز البعض ويرفع فزاعة نظرية المؤامرة التي أصبحت أداة معروفة يستعملها المتآمرون أنفسهم لقمع التحليل الموضوعي لفهم استراتيجياتهم . جوهر الأمر هو أن الدول الأوروبية تسعي إلي توفير مصادر طاقة في المستقبل الغير بعيد وأحد البدائل هو استيراد طاقة كهربائية منتجة نوويا خارج بلادها (مينا) علماً بأن شعوبها ترفض المفاعلات النووية علي أرضها مما دعاها إلي الإغلاق التدريجي للمفاعلات ( بلجيكا،ألمانيا،أسبانيا،أيرلانده،السويد وهولنده) أو عدم الدخول في هذا المجال أصلا (النمسا، الدنمارك، اليونان، لوكسمبورج، إيطاليا والبرتغال) مع العلم بأن هناك معارضة واسعة في بريطانيا أيضاً.

جوانب إقتصادية

هناك أزمة حقيقية تهدد مستقبل صناعة المفاعلات النووية ولكن اللوبي النووي المدعم سياسياً ومالياً من قبل الإدارة الأمريكية والقوي بتمويل كبير ووسائله الدعائية هائلة يسعي حثيثا بل يضغط من أجل بناء العديد من المفاعلات النووية في الولايات المتحدة وبلاد العالم الثالث.

ومن واجبنا أن نتساءل عن أولوياتنا التنموية والحاجة الفعلية للطاقة وهل هناك بدائل طاقة متاحة لنا الآن؟ وفي المستقبل؟ وإذا كان البترول والغاز الطبيعي ثروة قومية فلماذا نهدرها ونبيعها لإسرائيل ولدول أخري مثل أسبانيا وبأسعار رخيصة. هناك دراسات مستقبلية مثل التقرير الذي صدر عام 2003 والذي يخطط لاستخدام أنواع متعددة من الطاقة المستدامة بما في ذلك الطاقة الشمسية في غرب إنجلترا والتي تأخذ في الحسبان مشاكل التغيرات البيئية والمشاركة الاجتماعية. أليس الجدير بنا أن نسترشد بهذه التقارير ونصدر تقريراً مصريا يعبر عن واقعنا ويعتمد علي مناقشات متأنية واسعة؟

هل توليد الطاقة الكهربائية نوويا أرخص فعلاً عن توليدها باستخدام الفحم أو المازوت أو الغاز الطبيعي؟ مغالطات تصل إلي مستوي الخداع المتعمد من قبل الصناعة النووية وحلفائها لإخفاء التكاليف الحقيقية لإنتاج الكهرباء نوويا هناك تقارير أكاديمية ذات مصداقية أعلي تؤكد أ ن إنتاج الكهرباء نوويا لا يتنافس حتي الآن مع مصادر أخري ؟ والسبب في ذلك التكاليف الباهظة لإنشاء المفاعل والتأخير المعتاد في الإنشاء و تكاليف خدمة الدين ووسائل الأمان وإحتواء المفاعل بعد انتهاء خدمته.

ماذا عن ترشيد الاستهلاك واستخدام الطاقة الشمسية عن طريق التسخين المباشر؟ أليس في مقدورنا توفير نسبة كبيرة من استهلاكنا للكهرباء والغاز الطبيعي ؟

مجالات أكثر أهمية للتقدم العلمي والتكنولوجي والاقتصادي

هل هناك مجالات أخري جديرة باهتمامنا ومتاحة وعائدها الاقتصادي كبير؟ أليس من المنطقي الاهتمام بصناعات أخري مثل الإلكترونيات والدواء والبتروكيمائيات التي تمكنا من بيع البترول والغاز الطبيعي بالجرامات بدلا من البرميل والمتر المكعب؟ ومثل الاستثمار في البيوتكنولوجي كما فعلت دول فقيرة مثل كوبا. هذا التساؤل مرتبط مباشرة بالبحث العلمي الجاد الذي يستمد أولوياته وضرورته من خطة تنمية طموحة والذي يعتمد علي إرادة سياسية صلبة.

للحديث بقايا كثيرة: الأمان النووي خصوصاً في البيئة الحالية بمصر، الحوادث الخطيرة والتغطية علي بعضها والتسربات الإشعاعية في دول متقدمة صناعياً ، التلويث النووي للبيئة والذي يبدأ باستخلاص اليورانيوم والتخلص من النفايات واحتواء المفاعلات بعد إغلاقها مروراً بتخصيب اليورانيوم، النموذج الهندي والكوري وحيثياته..الخ. لكننا نختم المقال بطرح سؤال هام:

ما هي الظروف التي تجعلنا نؤيد مشروعاً نووياً جاداً ؟

نعم هناك شروط واضحة لا بد وأن تتوفر قبل أن نشرع في مشروع نووي وهي باختصار شديد: ترشيد استهلاك الطاقة التي يمكن أن توفر نسبة كبيرة من استهلاكنا للكهرباء في غضون فترة وجيزة وذلك باستخدام لمبات كهربائية اقتصادية واستخدام الطاقة الشمسية في أبسط صورها وهي التسخين المباشر كما تفعل قبرص مثلاً. استنفاد كل مصادر الطاقة المستدامة مثل النجاح في مشاريع إنتاجية عملاقة تصنع أنواع متعددة من المحركات وتنتج العديد من المواد اللازمة لصناعة متقدمة في مجال الدواء والالكترونيات وإنتاج أمصال عن طريق وسائل بيوتكنولوجية تقدم ملموس في تنفيذ مشاريع تنموية إنتاجية تولد فرص عمل لمئات الألوف من شبابنا بعد ذلك إذا كانت هناك حاجة ماسة لإقامة مفاعلات نووية تسمح لنا بتصنيعها وإنتاج الوقود النووي محلياً مثل ما حدث في الهند وكوريا الجنوبية ولا تمس أمننا القومي بل تدعمه وعلي درجة عالية من الأمان وتوفر بيئة محلية منضبطة وملتزمة بإتقان العمل ومستوي عال من الأمانة وغياب الفساد والحوادث المريعة الناجمة عنه ودرجة عالية من استقلال قرارنا السياسي ومستوي مقبول من النقاش العلمي وديمقراطية صنع القرار والشفافية عندئذ فقط يمكننا الشروع في المشروع النووي المصري.

 
الله يوفق الاخوة المصريين لما فيه خير لبلادهم وبلاد المسلمين
 
اللهم اعنهم ووفقهم لما فيه خير وصلاح للامة العربية و الاسلامية.
 
تقرير رائع اخي محمد وهو دليل كبير وواقعي على ان التقنية النووية سلاح ذو حدين وهوليس حاجة ملحة وخصوصا لنا نحن الدول العربية لما نمتلكه من طاقات وثروات باطنية
ولكن هنا بموضوعنا هذا مثالنا هي مصر وبإعتقادي ان مصر بتعدادها السكاني الكبير ومساحتها الكبيرة ولنشاطها الصناعي المتقدم ارى انها بأمس الحاجة لبرنامج نووي سلمي يؤمن لها الطاقة لتلبية احتياجاتها

شكرا لك على هذا الموضوع
 
عودة
أعلى