أوراسيا ... نظام عالمي جديد

سااهر

عضو
إنضم
5 أغسطس 2017
المشاركات
1,181
التفاعل
3,423 0 0
صعود كتلة أوراسيا؟.. إيذان بميلاد نظام عالمي جديد






جديون راشمان من لندن

مع سقوط الجدار وانفتاح الصين، بدت الحواجز المفروضة سياسيا تنهار وتبرز كتلة اليابسة الأوروبية الآسيوية مرة أخرى، ككيان متميز، ذات أهمية اقتصادية واستراتيجية عظيمة. وعلى وجه الخصوص، مبادرة "الحزام والطريق" التي أطلقتها الصين، وما تخلقه من روابط جديدة للبنية التحتية، تسلط الضوء على الإمكانات التجارية لربط أوروبا وآسيا برا.
خلال الحرب الباردة، بدت حقيقة إمكانية السفر برا من شنجهاي إلى لشبونة أمرا خارج الصدد. جدار برلين كان يشطر أوروبا بسكين حاد، إلى قسمين. وكانت الصين تحت حكم ماو، معزولة وذات سياسات تتطلع إلى الداخل، فحسب.
يعتقد برونو ماسايس أن عودة ظهور أوراسيا ككتلة يابسة مترابطة ومتماسكة هي العامل الأكثر أهمية في نظام عالمي جديد ناشئ. وهو يجادل بأن القرن الـ21 لن يكون أمريكيا أو آسيوياً، بل هو "أوراسي"، (أي أوروبي آسيوي) - يسيطر عليه تفاعل القوى في قارة أوراسية عملاقة، وبالدرجة الأولى الصين وروسيا والاتحاد الأوروبي. ويشير إلى أن هذا هو مجرد عودة إلى نمط تاريخي "أوراسيا هي أكبر كتلة يابسة على الأرض، والمكان الذي نشأت وتطورت فيه معظم الحضارات العظيمة في التاريخ البشري".
باعتباره وزيرا سابقا للشؤون الأوروبية في البرتغال، وحاصل على شهادة الدكتوراه من جامعة هارفارد، كان بإمكان ماسايس بسهولة تقديم حجته من السعة والرفاهية المتوفرة في غرفة مجلس الإدارة أو قاعة الأساتذة في إحدى الجامعات.
إحدى نقاط القوة في كتاب "فجر أوراسيا" هو أن الكاتب اختار مغادرة منطقة الراحة في دافوس، والسفر على نطاق واسع في المناطق النائية. ونتيجة لذلك، فهو يخلط تحليله الأكاديمي بتقارير صحفية مستمدة من رحلاته. وهذا يجعل الكتاب أكثر تسلية وأكثر إقناعا على حد سواء.
فضلا عن كونه محللا حاذقا في الجغرافيا السياسية، ماسايس كاتب موهوب متنقل بين البلدان، مع عين حادة على التفاصيل وقدرة على التندر. خلال عدد قليل من الصفحات، يمكنه أن ينقل لنا عبثية منتجع أفازا السياحي الضخم والمهجور في تركمنستان؛ أو التهديد الشرير للعاصمة الشيشانية غروزني.
إحدى مزايا الإبلاغ بالأسلوب الصحافي من على أرض الواقع هي الكشف غالباً عن أن الحياة أكثر تعقيدا من النظرية. عندما يأتي ماسايس عبر شيء لا يتناسب تماما مع أطروحته، فهو صادق بما فيه الكفاية للتفكر في ذلك.
لذلك، لدى مواجهته الأمن الصيني الخانق في مقاطعة شينجيانغ، وهي جزء مهم من طريق الحرير الجديد، يفكر في أنه "من الصعب أن نرى كيف يمكن للصين أن تكون قادرة على حل التناقض بين الرغبة في تسهيل التجارة والحركة، في حين أنها تغلق الحدود وتخضع الجميع للمراقبة الدائمة".
هناك ضعف عام يمكن أن نراه في الكتب التي تقدم فكرة كبيرة - مثل "فجر أوراسيا" – وهو الميل إلى الإفراط في التأكيد على الأصالة وأهمية الأطروحة المركزية.
في بعض الأحيان، يقع ماسايس في هذا الفخ. ويجادل في مقدمته قائلا: "فكرة أن أوروبا وآسيا ينبغي اعتبارها كتلة واحدة كاملة هي من اختصاص الجيولوجيين وعلماء الأحياء". ويتساءل "ولكن لماذا ينحصر ذلك في العلوم الطبيعية؟ لماذا ليس في التاريخ والسياسة والفنون؟".
في الواقع، التأملات حول الأهمية الجيوسياسية لأوراسيا موجودة منذ ولادة الدراسات الاستراتيجية. في عام 1904 عرّف هالفورد ماكيندر، الذي استشهد به ماسايس في سياق آخر كتلة اليابسة الأوراسية بأنها "الجزيرة العالمية" - وجادل بأن "من يحكم الجزيرة العالمية يحكم العالم".
(وهو تنبؤ تبينت صحته جزئيا من خلال الصراع العنيف بين هتلر وستالين). وفي الآونة الأخيرة، جادل المؤرخ جون داروين في كتاب أشيد به كثيرا بعنوان "بعد تيمورلنك" صدر في 2007، بأن "مركز الثقل في تاريخ العالم الحديث، يكمن في أوراسيا".
ما هو صحيح بالتأكيد هو أن مفهوم أوراسيا يعاود الظهور من كتب التاريخ، ليصبح شاغلا رئيسيا للسياسة المعاصرة. ماسايس واحد من أوائل الكتاب الذين استكشفوا أهمية هذا التطور، وهو دليل مثير للاهتمام باستمرار. هو يبين، على سبيل المثال، أن كلا من الصين وروسيا تفكران في الأصل بمفاهيم أوراسية - الصين من خلال مبادرة "الحزام والطريق" وروسيا من خلال "الاتحاد الاقتصادي الأوراسي" الذي أنشأته أخيراً.
ومع ذلك، فإن الاتحاد الأوروبي لم يَجهَد فعلا حتى الآن في التعامل مع معضلة أوراسيا. ويجادل ماسايس بشكل مقنع بأن هذا سيتعين تغييره، لأن كثيرا من التهديدات الخارجية للاتحاد الأوروبي تنبع بشكل غير مباشر من انهيار الحدود القوية بين أوروبا وآسيا.
بطرق مختلفة، فإن أزمة اللاجئين وانهيار العلاقات بين الاتحاد الأوروبي وروسيا حول أوكرانيا، هي مشاكل "أوراسية".
حين تجادل بأن أوراسيا هي المفتاح إلى "نظام عالمي جديد"، فإن هذا نوع من المبالغة. السبب في ذلك هو أن هذه الحجة تترك مسألة دور القوة العظمى الحالية - الولايات المتحدة - مفتوحاً.
ينظر ماسايس في هذه المسألة، وإن كان بشكل موجز، ويقدم الاقتراح المثير للاهتمام "إذا تعثر الغرب بأي شكل من الأشكال، فإن أمريكا تريد أن تصبح أقل اتساما بالطابع الغربي. وبما أن نقطة ارتكاز القوة العالمية تتحرك بعيدا عن الغرب، كذلك ستفعل أمريكا".
هناك بعض الدلائل من إدارتي أوباما وترمب على أن هذه العملية جارية الآن. الرئيس أوباما جعل "التمحور نحو آسيا" عنصرا أساسيا في سياسته الخارجية. والرئيس ترمب أثار جزع الليبراليين الغربيين من خلال إظهار إعجاب واضح بالحكام المستبدين في روسيا والصين – إلى جانب برود معين نحو المؤسسات الأساسية في الغرب، وهي الاتحاد الأوروبي وحلف الناتو.
ما يبدو أن إدارتي ترمب وأوباما تتشاركان فيه هو تصميم غريزي على الحفاظ على الهيمنة الأمريكية في المحيط الباسفيكي. وهذا تحد واضح لطموحات الصين بأن تكون القوة المهيمنة في جوارها المباشر.
كما يشير ذلك إلى أن أكبر سؤال استراتيجي يواجه الصين الصاعدة، ليس تطوير كتلة اليابسة الأوراسية بل النضال من أجل السيطرة على البحار والاقتصادات في منطقة آسيا – الباسيفيكي.
في أوراسيا، يتعين على الصين أن تدير العلاقات مع روسيا المتراجعة والاتحاد الأوربي المنقسم. في المقابل، تواجه منطقة آسيا - الباسيفيكي خصوما محتملين هائلين هما الولايات المتحدة واليابان. في واقع الأمر، لن تختار الصين أوراسيا أو منطقة آسيا – الباسيفيكي لتكون محور التركيز الرئيسي لطموحاتها الاستراتيجية. ستكون المنطقتان حاسمتين بالنسبة لميزان القوى الناشئ في القرن الـ21.
في المقابل، فإن المثلث الأمريكي الصيني الياباني يلقى كثيرا من الانتباه، لأن النضال من أجل أوراسيا تم تجاهله نسبيا. وكتاب "فجر أوراسيا" يملأ هذه الفجوة بشكل جيد.
"فجر أوراسيا: على خطى النظام العالمي الجديد"، تأليف برونو ماسايس، ألان لين، 20 جنيها، 304 صفحات
 
كفكرة على الورق جميلة جدا
لكن أرض الواقع هناك تحديات كبيرة
 
عودة
أعلى