دروس أمنية وعسكرية من السيرة المطهرة : سرية نخلة والحنكة الأمنية للرسول

لادئاني

مراسلين المنتدى
إنضم
28 مارس 2013
المشاركات
25,052
التفاعل
30,391 0 0

سريّة نخلــــــــــة :
====


السنة 2 من الهجرة


كانت هذه السرية من أعظم السرايا .. وفيها من العِبر والدروس والفوائد الكثير !

وكانت السبب "المباشر" لغزوة بدر الكبرى (يوم الفرقان) .
...

وحقيقةً سيتجلى الآن فيها واضحاً لماذا كان اختيار النبي ..لعبد الله بن جحش الأسدي في السرية السابقة .وسترون فيها سرعة بديهته وفطنته ..
وسرعته بالتفاعل والتأقلم مع الأمور ..
....

وستذهلون فيها من حِرص النبي الأمني المخابراتي !

ولعل بعضكم يعرف القصة من قبل ..لكنه سيجد الآن أنه لا يعرفها حقيقةً ..عندما يعيش بالقصة وكأنه جنديّ بالسرية ..وكأنه كان معهم حتى وصلوا "نخلة" ورجعوا منها .
.....

_ كانت هذه السرية في رجب عندما عاد النبي من بدر الأولى .

الهدف من السرية : التجسس والاختراق الأمني لقريش !!
....


ويتضح هذا من عدد أفراد السرية : 8 أشخاص فقط .

ومن نوع الأفراد :

1- كانوا مدربين بشكل جيّد ..

2- وكان منهم أشخاص حديثي عهد بالالتحاق بدولة الإسلام ..ولم يعرف أكثر الناس بمكة بالتحاقهم بعد "كعتبة بن غزوان" ..
لأنهم هربوا من قريش أثناء سرية عبيدة بن الحارث إلى ثنيّة المِرة ..والتحقوا بالسرية بشكل سريّ .

وانظر وتأمل كثيـــــــــــراً هذه النقطة .وقارنها بزماننا هذا !!
.........

3- وكانوا كلهم قرشيين عاشوا بمكة "وكانوا يعرفون عادات قريش جيداً !

4- وكانوا من بيوتات قريش ..

5- وكانوا سريعي البديهة .. (سترى هذا لاحقاً)
(يعني ما أرسل ناس من الرقة ليضربوا بالعمق الأمني النصيري مثلاً ..
ينبغي يكونوا من الساحل ويعرفون عادات النصيرية ولغتهم وتقاليدهم )
....
....

والآن سترون سابقة في العمل الأمني العالمي ..وسبقاً وابتكاراً أمنياً لم تعهده البشرية قبل هذا ..ومازال إلى الآن يدرس كمبدأ في أعتى الكليات الأمنية المخابراتية .
....

هذا السبق والاختراع الأمني أيها الإخوة ..كان من إنتاج المدرسة الأمنية النبوية لمحمد بن عبد الله :
راعي الغنم كما يصورونه ..أو ذو القلب الطيب والعيون المكحلة الذي يتمسحون به بالموالد !!
أو من ظُلل الغمام "وهي رواية موضوعة!"أو من قصر الثوب وأطال اللحية !!
أو من له أحاديث بفضل الشهادة والانغماس بالعدو وهذا هو الدين !!!!
...........

هذا الفعل الأمني كان سابقةً ودهاءً مبهراً في ذلك العصر ..
(عصر الخِيم والغَنم ..عصرٌ كان يئدُ فيه الرجلَ ولدَه وهو يضحك !)

وكان هذا العمل الأمني المخابراتي أيضاً ..في مجتمع هو أطهر المجتمعات ومع ناس هم أشرف الخلق !
ومع ذلك سترى شدة خشية وحرص النبي ..من الاختراق الأمني المحتمل فيه !!!!
.......

وشبابنا اليوم يقدسون أناساً من عصرنا وإيماننا نحن !!وينفون عنهم الاختراق !!
ثم يدّعون أنهم على منهج محمد ..ومنهج محمد الحقيقي بالعمل منهم براء والله ..
........

نعم ..
فلما أرسل النبي هذه السرية ..أمرهم بالتوجه بطريق منطقة مكانها بخلاف مكان المنطقة التي سيتوجهون إليها ..وذلك من أجل أن يوصل عملاء وجواسيس قريش داخل يثرب((المدينة المنورة )) ..معلومات مغلوطة عن توجههم !
.....

ويا ليت هذا فحسب فهذا شيء بسيط مما سيأتي الآن ..فالسبق الأمني كان أنه لم يخبر حتى أفراد السرية أنفسهم بوجهتهم !
والعجيب أن كلهم كان أقرباء له أو من المقربين جداً له !!
....

بل أرسل مع الأمير كتاباً ..وأمره أن لا يفتحه إلا بعد مسير يومين ..وأن لا يستكره أحداً من أصحابه على مافيه ..
فلما فتحه وجد أنه يأمره بالتوجه إلى نخلة ..ليستطلع أخبار قريش وحركتهم وقوافلهم :
(متابعة أخبار العدو كما فعلت أخت نبي الله موسى كما بينت لكم سابقاً ..والتي لا نفقه منها شيئاً نحن !!)
.........

فالنبيّ أخفى الخبر حتى عن أفراد السرية نفسها رغم ثقته بهم !!
_ وهذا ماسنراه لاحقاً في فتح مكة ..حيث لم يعرف حتى أبو بكر الصديق رضي الله عنه بوجهته ..وأخذ يستفسر من ابنته وهي لم تجبه !!!!!

فتخيــــــــــــــل وتأمـــــــــــــــــل ..وغير عقلك وحياتك وتفكيرك ياعبد الله ..
.............

_ وهذا إلى الآن يستعمله كل أجهزة الاستخبارات بالعالم ..منعاً لأي اختراق .وتستعمله كل الجيوش أيضاً حيث لا تخبر أفرادها بوجهتها ..
إلا قبل الوجهة بفترة وجيزة !

وهذا الفعل من اختراع : المدرسة الأمنية النبوية بكل بساطة وفخر أيها الإخوة !
......
ونحن ندّعي اتباعنا لسيرته ..وربي نحن لا نفقه شيئاً منها إلا من ندر ..
.....

نعود للقصة :فلما فتح الكتاب وأخبر أصحابه بالوجهة ..مابقي أحدٌ منهم وكلهم توجهوا معه رغم أنه لم يستكرههم ..
.........

 

:فلما فتح أمير السرية الكتاب وأخبر أصحابه بالوجهة ..مابقي أحدٌ منهم وكلهم توجهوا معه رغم أنه لم يستكرههم ..

قال يقول النبيّ صلى الله عليه وسلّم :فإذا فتحت كتابي هذا فامضِ حيث تكون نخلة ..فترصّد لنا قريشاً وتعلّم لنا من أخبارهم !

(ونخلة بين مكة والطائف فلاحظ بُعدها إذاً عن المدينة ..ولاحظ أن النبي لم يكن قد لبث في المدينة سوى أشهر .. لاحظ كيف كان تفكيره ولأين كان هدفه وكيف كانت سعة تفكيره !) .
......

فوصلوا نخلة ..وبينما كانوا هناك مرّت بهم عيرٌ لقريش تحمل تجارةً لهم ..
وفيها من أشرافهم .وكان هذا طبعاً بعد أن جمعوا ما أرادوا من معلومات عن قريش ..
فهذا كان هدفهم الأكبر وإلا لما التفتوا لغيره ..
....

ويتضح لنا هذا الأمر (رغم أنه لم يُذكر بالقصة هذه)لمّا كان بمقدور حذيفة بن اليمان مثلاً ..
قتل أبي سفيان زعيم قريش نفسه ..لما أرسله النبي في اختراق مخابراتي أمني لصفوف قريش في معركة الخندق .لكنه لم يقتله لأن أوامر النبي كانت جمع المعلومات ..وأن لايُحدث فيهم أمراً !
.......

نعود للقصة :
فلمّا رأتهم القافلة خافوا منهم .. فكان القرار الحكيم والحازم للسريّة بأن قاموا وحلقوا شعور رؤوسهم ..
ولكم أن تتخيلوا سرعة البديهة وخفّة الحركة الأمنية بهذا الفعل !​
....
فلما رأتهم القافلة حالقي الرأس أمّنوهم ..وقالوا هم معتمرين لا بأس عليكم منهم .. فأمِنوا منهم !

وهذا من أعظم مبادئ الحرب التي تدرَّس إلى الآن بأعظم الكليات العسكرية .. وهو إشعار عدّوك بالأمان منك !
فعله جند محمّد قبل 1435 عام !!
..........
وتشاور الصحابة مع أميرهم ماذا يفعلون ..هذا صيدٌ ثمين بالإضافة إلى صيدهم الذي كسبوه من ترصّد قريش .
لكن هم بالشهر الحرام .. !!وكانت العرب تُعظّم القتال بالشهر الحرام ..
وكان الإسلام حديث عهد بالعرب !إذاً مالعمل ؟!!

هل يضيّعون هذا المغنم لجهادهم ولنصرة دينهم وتقوية حالهم ..من أجل أن هذا شهر حرام !!
...........
هنا حقيقةً ستتغير طريقة تفكيرك كلها ..وستضمحل عندك الكثير من المبادئ والقيم ..مادمت قد فهمت هذا الدين بحقيقته ..ومادمت أيقنت أن هناك جنة ونار وفيهما خلـــــــــــــود !!

تقول لي : وما دخل الجنة والنار بكلامك هذا ؟!!

باختصار (من الآخر يعني) :لا يعرف أهمية الجهاد وأولويته وخصوصيته ..إلا من أيقن بأن الحياة الأبدية هي إما في جنة أو في نار !
...........

هذا مو خطبة جمعة .. وفكّر بها مظبوط بتفهم عليّ !وهذه لن تقرأها بكتاب أو مُجلّد ..
لكنها مذكورة بالقرءان.. ألم ترَ أن الله سبحانه دائماً يذكر :{يؤمن بالله واليوم الآخر} ..
ليش خصّ اليوم الآخر دون غيره من شروط الإيمان :
(الإيمان بالملائكة والكتب و ...)
...........

لأن الإيمان بالله أحياناً لن يكفيك .. فيكمّله بالإيمان باليوم الآخر !
انظر قول الله سبحانه : (وقالوا لاتنفروا في الحر) .. لم يقل بالتكملة هذا أمر الله .. بل قال : (قل نار جهنم أشد حرّاً !)
المهم .. هؤلاء الصحابة لما عرفوا أهمية هذا الدين بحقه ..وأن الحياة الحقيقة لهم وللناس هي ليست بهذه الدنيا أبداً ..وأن الجهاد سينقــــــــذ الناس من أعظم كارثة ستحل بهم .
...........

فقرر الصحابة الذين فهموا أهمية هذا الجهاد بحقه .. أن سلب هذه الأموال أعظم من كل الأعراف والتقاليد ..
ومن كل كلام العرب الذي سيتكلمونه عن الدين ..وحتى عن النبي نفسه (وقد تكلموا لاحقاً)
.....
وتكلمت العرب كلها على النبي .. وشتموه وأخذوا هذا الأمر حجة لتنفير الناس ..وتشويه صورة هذا الدين على أنه دين مجرم !!وأنه يفرق الولد عن أبيه والأب عن ابنه ..وأنه يدمّر العادات والتقاليد ويدوس عليها ..
وقالوا ألم نقل لكم أنه من ساحر أو كذاب أو مجنون ..أو عاق لقومه وبلده أو .. عميل !! :

{إن هذا إلا إفك افتراه وأعانه عليه قوم آخرون !!}
...........
لم يسأل الصحابة عن كل هذا .. وخرقوا حتى العادات والتربية التي تربّوا عليها حتى هم ..
كرمى لعيون هذا الدين وحرصاً على قيامه وحبّاً بتقوية هذا الجهاد ..
فأغاروا عليهم وقتلوا منهم من قتلوا وأسروا من أسروا وغنموا العير كلها !
.......
واشتد الأمر على النبي صلى لله عليه وسلم كثيراً وكَثُر كلام الناس عليه ..ذلك الصابر الصامت المصابر العظيم بأبي هو وأمي ..الذي شُقت قدماه وشُجَّ وجهه وفقد ولده ..وفقد زوجه وعمه المناصر له (أبو طالب) ..
واستُهزئ به وتُكلم عليه وأُلقيت الأوساخ عليه ..وفقد حبيبه ورفيقه وعمه (حمزة) و ... و ....
.......
وكانت هذه الحادثة حجةً لكل حاقد ..ليُثبت كلامه الحاقد عن النبي أمام الناس ..الذين عظّموا هذا الفعل من الصحابة لأنه مخالف لعاداتهم !
....
لم يأخذ النبي صلى الله عليه وسلم بدايةً الغنائم من السريّة ..وقال لهم ما أمرتكم بقتال في الشهر الحرام ..واشتدّ الأمر على أفراد السريّة أيضاً ..
.......

وهكـــــــــــــــــذا ...إلى أن أتى فرج الله ..
بكلام لـــــــــــــــه سبحانه من فوق سبع سماوات !!كلام العليم الخبير القوي المتين ..
مصدّقاً لفعلهم مقراً له .. بل ومـــــــــــــــــادحاً لهم ولفعلهم !
....

وقال الله سبحانه رادّاً على من تكلم عليهم : {وصدّ عن سبيل الله والمسجد الحرام ..
وكفرٌ به وإخراج أهله منه أكبر عند الله} !
أي ماتفعلونه يا أنجاس أكبر من هذا الفعل !
........

قلت لكم :

لن يفهم كلامي هذا ويعرف أهميته :إلا من عرف حقيقة هذا الدين ..
وإلا من أيقن يقيناً كاملاً بالجنة والنار وكأنه يراهما !!وإلا من يعلم أن الجهاد هو أكبر سبب للنجاة من هذه النار .. وهذا سبب فرض الجهاد أصلاً !وما أدراك ما النار !
..........

هنا تنتهي الدروس المختصرة المستفادة من هذه السريّة العظيمة العِبر !

وبالله المستعان ..
.........

نديم بالوش - 23-10-2014
 
عودة
أعلى