القتالفي المدن دروس مستفادة من الحرب الروسية الشيشانية عام 2000م
في أواخر عام 1999م وأوائل عام 2000م شنَّت القوات الروسية هجوماً على العاصمة الشيشانية غروزني بنيران المدفعية والقوات الجوية بدلاً من الهجوم بالدبابات والمشاة كما كانت تفعل في معاركها السابقة، فتحولت المدينة إلى أنقاض ودمار؛ فقد كان هجوم روسيا هذه المرة يختلف اختلافاً كبيراً عن هجومها الفاشل على غروزني عام 1995م، سواء من حيث الاستراتيجية أو من حيث التكتيكات التي طبقتها. فما هي الدروس التي استفادها الجيش الروسي من حربه السابقة في الشيشان عام 1995م وطبقها في معاركه عام 2000م؟ وما هي الدروس التي لم يستوعبها، أو آثر عدم تطبيقها؟ هذا ما سوف نسعى إلى الإجابة عليه بين ثنايا سطور هذه المقالة.
أسباب الحرب
بررت روسيا استخدامها للقوة العسكرية في شمال القوفاز بدخول القوات الشيشانية إلى جمهورية داغستان في أغسطس 1999م، وسعت إلى كسب شرعية دولية من خلال الإعلان عن أن أعمالها العسكرية تستهدف مكافحة الإرهاب. وعندما تصاعدت أعمال القتال بعد سلسلة التفجيرات في روسيا، تقدمت القوات الروسية وفق تخطيط محكم ودقيق عبر السهول الروسية الشمالية نحو نهر التيريك بهدف القضاء على القوات الشيشانية؛ وكانت التفجيرات في روسيا قد أحدثت أثراً كبيراً في أوساط الرأي العام الروسي مؤكِّدة على المزاعم الروسية التي تصور جمهورية الشيشان على أنها وكر لقطَّاع الطرق والخارجين على القانون والنظام، وتتفشى فيها أعمال الإرهاب والخطف، مما يشكِّل تهديداً مباشراً على روسيا يستلزم القضاء عليه حتى يعيش المجتمع الروسي آمناً.
لم تشن القوات الروسية هذه المرة هجوماً مباغتاً على العاصمة غروزني، وإنما قامت بمناورة في اتجاه نهر التيريك، وقد بلغ عدد قوات التدخٌُّل الروسية عند بداية الهجوم 80 ألفاً من القوات البرية و 30 ألفاً من قوات الشرطة؛ فمن الدروس التي استفادها القادة الروس من حربهم الأولى في الشيشان أنهم عملوا على حشد عدد كبير من القوات منذ اشتعال شرارة الحرب لشن الهجوم الذي أعدوا خطة محكمة لتنفيذه، فكان عدد القوات الفيدرالية الروسية يفوق متوسط عدد قواتهم في الحرب الروسية الشيشانية الأولى بضعفين أو ثلاثة أضعاف؛ كما أن الرئيس الروسي السابق بوريس يلتسين وعد القادة العسكريين بعدم وقف إطلاق النار كما حدث في الحرب الأولى، الأمر الذي أثار سخط القادة العسكريين واتخذت القيادة العسكرية الفيدرالية قرارات تتعلق بزخم الهجوم وتوقيت المهام، وتكتّمت السلطات الروسية على المعلومات المتعلقة بتطور مراحل الحرب.
وفي إطار الاستعدادات لشنِّ الهجوم على العاصمة غروزني انتشرت وحدات الاستطلاع في ضواحي المدينة في منتصف شهر نوفمبر، وبحلول شهر ديسمبر كانت القوات الروسية قد أحكمت تطويقها للمدينة. وحتى لا تتعرض القوات لهجمات مفاجئة أثناء دخولها للمدينة، فقد نشرت القيادة الروسية وحدات خاصة للاستطلاع، واتخذ القنّاصة مواقعهم لضرب الأهداف ورصد تحركات القوات الشيشانية داخل المدينة، وطلب نيران الإسناد بالمدفعية ضد المواقع المشتبه فيها.
استخدمت القوات الروسية تكتيك المناورة بالنيران لتدمير مواقع القوات الشيشانية بالقصف الجوي ونيران المدفعية، وقد استفاد الروس في ذلك من تجربة القوات الأمريكية في يوغوسلافيا، حيث طبّقت استراتيجية الحرب عن بعد أو عدم الالتحام القريب، إلا أنهم لم يكترثوا لما يصاحب ذلك القصف من دمار، على عكس ما كان يزعمه القادة الروس من أن تلك الهجمات كانت أكثر دقة من ذي قبل. وكان الروس قد أطلقوا تحذيرات إلى السكان في أوائل شهر ديسمبر بإخلاء المدينة لتقليل الخسائر في صفوف المدنيين حسب مزاعمهم إلا أنه اتضح أن حوالي 20 30 ألفاً من السكان كانوا متمركزين في مخابئ المدينة عندما بدأت المعركة بما في ذلك كبار السن والأطفال والنساء علاوة على أن 4000 من المقاتلين الشيشانيين لم يكونوا قد غادروا المدينة حتى ذلك الحين، وكان حي (منيوتكا) الذي يمثّل ملتقى طرق وخطوط اتصال مستهدفاً في المقام الأول مثلما كان القصر الرئاسي مقر الرئيس الشيشاني السابق جوهر دوداييف هو الهدف الرئيس في حرب عام 1995م.
لم تدخل القوات الروسية في بداية الهجوم إلى وسط المدينة كما فعلت عام 1995م باستثناء حالة تسلل واحدة نفذتها القوات البرية، وكانت بمثابة نكبة لهم ولم تستخدم قوات الاقتحام إلا في أواخر شهر يناير، حيث كانت الخطة ترمي إلى عدم دخول المدينة إلا بعد تدمير المباني بنيران المدفعية والقصف الجوي، وإنما استخدمت مفارز من القوات الخاصة وقوات الشرطة وقوات التدخّل السريع لهذا الغرض، ودخلت القوات البرية لاحقاً. وعندما طوَّقت القوات الروسية المدينة وتقدمت نحوها بحركة بطيئة، كانت القوات الجوية تقصف مواقع تمركز المقاتلين وأبراج المراقبة ومرافق الاتصالات قصفاً كثيفاً في أماكن متفرقة من الشيشان، بهدف عزل المقاتلين الشيشانيين وقطع الإمدادات عنهم.
وفي يوم 13 ديسمبر 1999م، كانت القوات الروسية قد احتلت الضاحية الشرقية من العاصمة غروزني (ضاحية كانكالا)، بل وحاولت دخول المدينة من تلك الناحية في يوم 16 ديسمبر، إلا أن تلك المحاولة منيت بالفشل الذريع، وتراجعت القوات البرية التي كانت تتقدم ذلك الهجوم مفسحة المجال لقوات الشرطة لكي تتقدم وتقوم بأعمال القتال حتى منتصف شهر يناير. وفي غضون ذلك، كانت القوات الروسية قد أعادت تجميع القوات استعداداً لمحاولة أخرى لاحتلال المدينة، وبالفعل شنَّت هجوماً مدبراً وحذراً في يوم 17 يناير على مدى ثلاثة أسابيع. وكانت الحرب سجالاً بين القوات الروسية والمقاتلين الشيشانيين على المواقع والمباني الرئيسية في وسط المدينة. وفي اليوم الأول من شهر يناير أصدر القادة الشيشانيون أمراً بالانسحاب من غروزني بعد أن تكبدت قواتهم خسائر جسيمة وانقطعت عنهم الإمدادات؛ وسعت القيادة الشيشانية إلى تنظيم الانسحاب في اتجاه الجنوب الغربي والالتجاء إلى مدينة (كانكالا)، ولكنهم وقعوا في حقل ألغام أثناء انسحابهم من المدينة فتكبدوا خسائر كبيرة وفقدوا العديد من قادتهم الرئيسيين الذين كان من بينهم القائد الشيشاني المشهور شاميل بساييف الذي أصيب بجرح غائر. وقد اتضح أن هذا الطريق الذي فتح قبل يوم واحد من الانسحاب كان بمثابة فخ نصبه الروس للشيشانيين.
حرب المعلومات^^
في عام 1995م لم تكترث الحكومة الروسية كثيراً لدعاية الحرب، ولكنها بذلت قصارى جهدها هذه المرة للسيطرة على وسائل الإعلام والتركيز على عرض وجهة نظرها في أوساط الرأي العام الروسي، وعملت جاهدة لكسب حرب المعلومات منذ اليوم الأول لاندلاع الحرب، وبالفعل أثّرت التقارير الواردة عن نجاح العمل العسكري الذي حققته القيادة الروسية على الرأي العام الروسي، إلا أن بعض المتحدثين العسكريين كانوا يخفون الحقائق ويصدرون التقارير في مجال ضيق لدرجة يصعب معها التمييز بين الحقيقة والكذب.
والغريب أن الصحفيين الروس لم يتبرموا من التعتيم الإعلامي، بل واستخدموا الألفاظ والتعابير نفسها التي كان يطلقها العسكريون، مثل مصطلح الأعمال القتالية في المدينة بدلاً من القصف أو الاقتحام. وفي ديسمبر 1999م صدر القرار الحكومي الرسمي رقم 1538 الذي يقضي بالسيطرة على وسائل الإعلام، وأنشأ الرئيس الروسي مركز المعلومات الروسية الذي أنيط به مهمة غربلة المعلومات قبل بثها إلى وسائل الإعلام والرقابة المحكمة على المعلومات التي تنشر عبر وسائل الإعلام الأجنبية. وكان هذا التعتيم الإعلامي مفقوداً تماماً أثناء الحرب الروسية الشيشانية الأولى مما كلّف الروس كثيراً؛ الأمر الذي علق عليه أحد المحللين العسكريين بقوله: "بعد الحرب الشيشانية الأولى توصَّلت القيادة العسكرية الروسية إلى حقيقة مفادها أنه ينبغي أولاً كسب حرب المعلومات ضد المقاومة الروسية، لأن الشيشانيين في نظرهم قد نجحوا في تجريد الرأي العام الروسي من هذا السلاح المعنوي لهم"، لذلك فإن الروس أعطوا أولوية قصوى لحرب المعلومات في حربهم ضد الشيشانيين.
^^الاتصالات^^
استفاد الروس من دروس حرب عام 1995م في معالجة أوجه القصور في مجال الاتصالات، فقد بذل القادة الروس جهوداً كبيرة من أجل تأمين الاتصالات بين القوات، حيث أشار قائد سلاح الإشارة الروسي في كلمة وجهها إلى الصحافيين إلى افتقار القوات الروسية في الحرب الأولى إلى أجهزة الشيفرة المناسبة لتأمين الاتصالات، وكان ذلك أحد أوجه القصور في صفوف القوات الفيدرالية، وأكّد على وجود معدات الاتصال (أكفيدوك) في الحرب الأخيرة عند كل جندي تقريباً، وبذلك تسنّى لكل فرد من الأفراد إرسال واستقبال الاتصالات، مما جعل من الصعوبة بمكان أن يتنصت عليه فرد غير مصرح له أو أن يعترض رسائله. وكان الشيشانيون في السابق يقيمون عدة مراكز للتنصت على المكالمات، بل ويمتلكون أجهزة لتغيير اتصالات فعالة مثل جهاز الاتصال (Iridium) من صنع شركة موترولا (Motorola)، وهي الشركة نفسها التي اشترى منها الشيشانيون أجهزة الاتصال التي استخدموها في الحرب الأولى، كما نصب الشيشانيون محطات تقوية اتصالات في داغستان وانغوشتيا بعد تدمير أجهزة اتصالاتهم في الشيشان.
^^الحركة والمناورة
لعبت المناورة بالنيران دوراً بارزاً في تقدُّم القوات الروسية نحو نهر التيريك ومحاصرة العاصمة الشيشانية غروزني، ولم يكن هذا الأسلوب قد استخدم بصورة كافية في معارك عام 1995م. ويرجع البعض النجاح الذي حققته القوات الروسية في نوفمبر 1999م إلى التعديلات التي أجريت فيما يتعلق باستخدام المدفعية، حيث تصمّنت تلك التعديلات ما يلي:
(1) كانت كل سرية بنادق منقولة بالآليات أو منقولة جواً تتلقى الإسناد من بطارية مدفعية أو هاون تحت قيادتها المباشرة.
(2) استخدم الروس لأول مرة عملياً طريقة الرماية اللامركزية على أهداف ضمن قطاعات، بدلاً من طريقتهم المألوفة بالرماية المركزية للمدفعية، فقد كانت الرماية تتم ضد طرق اقتراب بعيدة من مسافة آمنة. وقد تكفلت الوحدات على مستوى الكتيبة فأعلى بقطاعات مسئولياتها جيداً فيما يتعلق بعمليات الاستطلاع والرماية، وكان القادة يتولون مسئولية الرماية في تلك القطاعات. ومكنت هذه السيطرة اللامركزية على الرماية الأنساق الأدنى من الأخذ بزمام المبادأة واستخدام المدفعية بطريقة فعالة. وكانت الطريقة المستخدمة سابقاً في الرماية هي تمرير المعلومات من جميع وحدات الاستطلاع إلى القيادة الأعلى، التي تعيِّن بدورها الأهداف إلى أسلحة الرماية بما في ذلك مدافع الهاون وبذلك تتدفق المعلومات إلى المستويات الأدنى من التسلسل القيادي. وكان هذا الاستخدام العقيم لمعلومات الاستطلاع يتيح وقتاً كافياً للقوات المعادية كي تغيّر مواقعها قبل تنفيذ مهمة الرماية.
وقد أطلق الصحفيون على العمليات الروسية في غروزني "تكتيكات القطاعات" في إشارة إلى تقسيم المدينة إلى قطاعات، ومن ثم تقسيم القطاعات إلى قطاعات فرعية، وتقسيم هذه الأجزاء الفرعية إلى أجزاء صغيرة. وقد تضمنت الخطة الروسية في الحرب الأولى أيضاً تقسيم المدينة إلى قطاعات (مستخدمين خطوط السكك الحديدية ونهر الصانزا في ذلك التقسيم).
الحرب عن بعد
حذا الروس حذو حلف الناتو في كوسوفو، فلم تكن خطتهم ترمي إلى دخول المدينة وإنما إلى محاصرتها، وكان هدفهم هو تدمير القوات الشيشانية عن بعد بالطائرات والمدفعية، فلم تتقدم الدبابات مثلما تقدّمت في المرة السابقة وإنما استخدمت لإسناد قوة الهجوم المتقدمة بالنيران المباشرة. وأحكمت القوات الفيدرالية تطويقها للمدينة من الخارج ومنعت قوات الشيشانيين من الانسحاب حتى استعدت استعداداً جيداً لدخولها. وبذل المخططون جهداً فائقاً في تمييز طرق الاقتراب إلى بعض أجزاء المدينة ومرافقها العامة واستعانوا بالخرائط لمعرفة مخططات تصريف المياه، فوجدوا أن هناك متاهات بطول قامة الرجل وعرض يبلغ ما بين 2 3 أمتار، ولذلك فإن مهندسي القتال ووحدات الاستطلاع مسحت هذه المرافق العامة مسحاً دقيقاً قبل شن الهجوم. وتجدر الإشارة إلى أن الجنود الروس قد نالوا بهذه الطريقة قسطاً من الراحة والاستجمام. ومن المعروف أن الاشتباك داخل المدن من أكثر أنواع القتال تعقيداً، لذلك ينبغي أن يحرص فيه الجيش على سلامة أرواح المدنيين، إلا أن التقارير الواردة عن حرب الشيشان أشارت إلى مقتل العديد من المدنيين أثناء الهجوم.
التكتيكات الشيشانية
قاوم الشيشانيون بشراسة محاولات الروس احتلال العاصمة غرزوني، فرغم أن القوات الروسية كانت أكثر استعداداً هذه المرة إلا أنها مازالت ضعيفة في تكتيكات المناطق المأهولة بالسكان، مما جعل أحد الضباط الروس يعلق على هذا الوضع قائلاً: "إن سَرية شيشانية واحدة تكافئ لواءً روسيّاً بأكمله داخل غروزني، فقد أغلق الشيشانيون جميع نوافذ وأبواب الطوابق السفلية من المباني، مما تعذر معه الدخول إلى تلك المباني، بينما كان القناصة المتمركزون في الطوابق العلوية من المباني بالمرصاد للجنود الروس الذين يحاولون تسلق الجدران أو اقتحام المباني بالقوة. وكان المقاتلون الشيشانيون مقسَّمين إلى مجموعات قوام الواحدة منها 25 فرداً، وتنقسم كل واحدة من هذه المجموعات بدورها إلى ثلاث مجموعات فرعية تضم الواحدة منها ثمانية أفراد، وبذلك التقسيم تقل الخسائر في صفوف القوات الشيشانية أثناء رماية المدفعية عليها.
أمضت القوات الشيشانية مدة شهرين في تجهيز المدينة وإنشاء عدد لا بأس به من المواقع لشن الكمائن. وكان لهم خطا دفاع يحتل الأفراد الأقل مهارة الأول منهما. وتمركز القناصة في سطوح المباني والطوابق العلوية لمراقبة طرق الاقتراب البعيدة المؤدية إلى تقاطعات محددة، وحاولوا إجبار الروس على الخروج إلى الشوارع. كما كان القناصة يتمركزون في خنادق ومخابئ خرسانية تحت الأرض يمكن رفعها برافعات السيارات عندمات تقترب القوات الروسية، فكانت هذه المخابئ تستخدم كمواقع لشن الكمائن ثم يختبؤوا فيها مرة ثانية، الأمر الذي جعل القوات الروسية تجد صعوبة بالغة في تمييز مناطق التقتيل.
كما أمضى الشيشانيون وقتاً طويلاً في حفر الخنادق من أجل الدفاع عن المدينة، حيث اشترك في حفرها العديد من الرجال والنساء المختبئين في الطوابق السفلية من المباني، واستخدم الشيشانيون هذه الخنادق في التنقل بين المنازل، كما استخدموها كمواقع لرماية القناصة؛ فبينما كان الجنود الروس يركزون على سطوح المباني والنوافذ، فإن المقاتلين الشيشانيين كانوا يمطرونهم بوابل من النيران من داخل الخنادق. وقد صرح المقاتلون الشيشانيون أنهم لم يستخدموا الدروع الواقية داخل المدينة لأنها تعيق حركتهم، كما أنهم لم يستخدموا الطلقات الاستكشافية (الضوئية) حتى لا تكشف عن مواقعهم. وفي بعض الأحيان كان المقاتلون الشيشانيون يخرجون من المدينة ويهاجمون الروس من الخلف خصوصاً في المدن التي يحتلها الروس ويعتبر ذلك عملاً جسوراً، حيث كانت المدينة مطوقة بحوالي 50 ألفاً من الجنود الروس.
وكان المقاتلون الشيشانيون يستخدمون شبكات مياه الصرف الصحي للتنقل داخل المدينة والتحرك لاسترداد المواقع التي ينسحب منها الروس. وقد أفادت بعض التقارير أن المقاتلين الشيشانيين استخدموا قنابل الكلورين والأمونيا وأشعلوا النيران في آبار البترول لحجب الرؤية، وجهزوا جميع المباني بالمتفجرات.
المشاكل التي واجهت قوات الشرطة
لم تكن القوات الفيدرالية تمتلك نظاماً فعّالاً للتمييز بين القوات الصديقة والمعادية، وقد تسبب هذا القصور في مشاكل بين القوات المسلحة وقوات الشرطة، وتفاقم الوضع باستخدام الجيش وقوات الشرطة لإحداثيات مختلفة من الخرائط نفسها، وبذلك لم تتمكن القوات من تمييز بعضها من بعض. كما أن الأنظمة الحاكمة لاستخدام صواريخ الإشارة كانت تختلف بين الفروع فتسبب هذا التضارب بين الاتصالات في العديد من المشاكل بين الجيش وقوات الشرطة. وبينما كانت بعض المصادر الروسية لا تفهم الأخرى، فإن الشيشانيين كانوا يتنصتون عليهم بأجهزة الاتصال التي تستخدمها قوات الشرطة وقوات التدخل السريع نفسها، مستخدمين موجات الاتصال اليومية التي يسهل التعرّف عليها.
وكانت هناك مشاكل أخرى بين قوات الشرطة والقوات المسلحة، ففي داغستان كانت عمليات الجيش في البداية تتم تحت قيادة الشرطة، ولكن فجأة تم استبعاد قائد الشرطة من وظيفته كقائد عام واحتفظ بوظيفته كقائد للشرطة، وحل محله مسؤول من وزارة الدفاع عندما تطلب الأمر استخدام الطيران والدروع التي لا تملكها الشرطة لإكمال المهمة. ويعزو آخرون ذلك إلى عدم مقدرة الشرطة على إجراء التنسيقات المطلوبة مع القوات المسلحة.
وفي أواخر يناير، تم استبعاد قائد الشرطة للمرة الثانية أثناء احتدام العمليات لاحتلال غروزني، وحلَّ محله قائد آخر من الجيش كان قد عمل سابقاً كقائد لمنطقة الزورال، وقد عزا البعض فشل الهجوم الذي شنته القوات الروسية في يومي 25 و 26 ديسمبر إلى استبعاد ذلك القائد.
لم ينقطع الخلاف بين قوات الشرطة والجيش، فقد كانت قوات الشرطة تعتقد أن الجيش كان يدفعهم بلا رحمة نحو الهلاك بدون إسناد مدفعية أحياناً، ولذلك فإن العلاقة لم تكن هادئة بين الجانبين في كثير من الأحيان، وربما يكون ذلك هو السبب في تعيين ضباط من الجيش في مناصب مهمة في الشرطة (مثل منسق نشاطات الشرطة في شمال القوقاز) للمساعدة في بعض المواقف أو استبدال من يبدون عدم كفاءة في العمل. ومن وجهة نظر قوات الشرطة فإن قادة الجيش لم يحاولوا حماية قوات الشرطة من التعرُّض للمخاطر.
العمليات النفسية
تعتبر العمليات النفسية ذات أهمية بالغة في القتال داخل المدن، فقد استخدمت القوات الروسية المنشورات لإقناع السكان المدنيين بمغادرة العاصمة غروزني، كما استخدمت مكبرات الصوت لمناشدة المقاتلين بالاستسلام، وحاولت إنشاء منطقة تجمُّع للمقاتلين الشيشانيين الذين يرغبون في الاستسلام. واستخدم الروس والشيشانيون عديداً من عمليات السيطرة العكسية (نوع من العمليات النفسية) ضد بعضهما البعض، ومن الأمثلة على ذلك محاولة الشيشانيين الخروج من المدينة، حيث كان الرئيس الشيشاني أصلان مسخادوف قد أعلن أن المقاتلين سيبقون داخل المدينة حتى 23 فبراير بينما كان قد صرّح لهم بمغادرة مواقعهم الدفاعية منذ أول فبراير وكان هدفه من ذلك هو السيطرة على القوات الروسية بمحاولة إظهار أن قواته ستبقى في مواقعها لثلاثة أسابيع على الأقل. ومن العمليات النفسية التي مارسها الروس أيضاً، محاولة القوات الروسية إقناع المدافعين الشيشانيين
بإمكانية انسحابهم بأمان في اتجاه الجنوب الغربي تحت جنح الظلام، وقد حقق الروس مآربهم باستخدام شبكات اتصال لاسلكي مزيفة تترك مفتوحة عمداً للشيشانيين ويمررون من خلالها هذه المعلومات، وفي الواقع كان الروس ينتظرون مثل هذا الانسحاب ويفشلونه بحقول الألغام واعتراضه بالقوات.
لقد استفادت القوات المسلحة الروسية من دروس حربها الأولى في الشيشان عام 1995م، فقد أعطوا حرب المعلومات أهمية قصوى وسيطروا على وسائل الإعلام. كانت المدفعية والدبابات وحتى القوات البرية تقوم بدور الإسناد في البداية ولم تعيَّن كقوة تدخل إلا بعد قصف المقاتلين الشيشانيين قصفاً كثيفاً. وقد أنقذ هذا الحذر بلا شك حياة عديد من الجنود الروس بصورة أفضل كثيراً من حربهم عام 1995م. ولم تستخدم الدروع في الهجوم على المدينة كما كان الحال في يناير 1995م، فبدلاً من القيام باقتحام أمامي ضد المواقع الدفاعية الحصينة للمقاتلين الشيشانيين، فإن القوات الفيدرالية الروسية آثرت إرسال وحدات استطلاع لتصبّ نيران المدفعية على مواقع المقاتلين الشيشانيين المشتبه فيها، وكان هذا النوع من الاقتراب غير المباشر يعتمد على القتال من مواقع بعيدة، ومن الممكن أن تقوم الطائرات بدون طيار بمثل هذه المهام الاستطلاعية إذا نشب مثل هذا القتال في المستقبل.
كما تم التغلُّب على مشاكل الاتصالات إلى حدّ ما بما في ذلك المقدرة على إرسال الرسائل المشفرة وزيادة فاعلية الأنواع المختلفة من الأجهزة اللاسلكية وأعطت القوات الروسية أولوية مبكرة لتعطيل محطات تقوية الهواتف الخلوية، حيث إن هذه الهواتف تعمل في المدن بصورة أفضل من الاتصالات ذات الذبذبات المعدلة.
اعتمدت القوات الروسية اعتماداً كبيراً على الصواريخ التكتيكية (سكود) التي كان لها أثر كبير على الشيشانيين من الناحيتين البدنية والنفسية، كما استخدمت في شنّ الهجمات على المقاتلين الشيشانيين المختبئين في الأدوار السفلية من المباني. ولاشك أن الغرض من هذه الضربات هو إحداث ضغط نفسي كبير على المقاتلين وإثبات عدم جدوى المقاومة ضد خصم يمكنه الضرب ولا يتعرض للتدابير المضادة، كما لعب نظام Tos-1 (قاذفة صواريخ مركبة على دبابة ت 72) دوراً بارزاً كسلاح رعب.
علاوة على ذلك فقد كانت أجهزة الرادار ذات تأثير فعّال للجيش الروسي حيث كانت المدينة شبه خالية من السكان. وعلى العكس من الحرب الأولى فإن الشيشانيين كانوا يقاتلون بعضهم البعض مما ساعد الروس على التغلُّب على العديد من المشاكل ذات العلاقة بالتكتيكات واللغة داخل المدينة، حيث كانت القوات الشيشانية الموالية للروس تستطيع التحدّث مع السكان المحليين وتجمع الاستخبارات عن مواقع المقاتلين الشيشانيين وتحركاتهم. وقد ثبت أن الاستخبارات البشرية كانت أفضل من الاستخبارات الروسية التي يتم جمعها بالأجهزة الاستخبارية.
ومن المشاكل التي لم يتم حلها التنسيق بين القوات المسلحة الروسية وقوات الشرطة، مما أثار النزاع بينهما وعدم مقدرة القوات الروسية على التغلّب على تكتيكات الشيشانيين، وكانت هاتان المشكلتان موجودتين في الحرب الأولى. ولم ينتبه الروس إلى ضرورة استخدام أجهزة رؤية ليلية أكثر كفاءة في بنادق القناصة وطائرات الهجوم الأرضي إلا في أواخر شهر نوفمبر.
لقد كان الهجوم الروسي على غروزني عام 2000م أفضل بكثير من هجومهم عليها عام 1995م، ولكن تحويل تلك المدينة الرئيسة إلى أنقاض ودمار يثير عديداً من الأسئلة عن طبيعة الدروس العسكرية والسياسية التي تم استيعابها من الحرب الأولى، ففي عامي 1994م و 1995م احتل الروس مدينة غروزني ولكن الشيشانيين استعادوها خلال 18 شهراً فقط، ومازالت بعض المسائل عالقة لروسيا؛ يذكر منها:
الأولى: أن النجاح العسكري يعتبر شرطاً أساسياً لفرض الاستقرار السياسي، ولكن الحكومة الروسية لم تحاول تحويل انتصارها الأخير إلى استقرار سياسي.
الثانية: أن زخم العمليات طويلة الأمد يكون على حساب الانتصار السريع في المدن.
وأخيراً فإن المعركة الأخيرة على غروزني لقنت العسكريين درساً مفاده أنه لا الأسلحة المتقدمة ولا الفن العسكري كافيان لتحقيق النجاح في قتال المدن دون رغبة الجندي في القتال ومقدرته على التغلّب على الضغط النفسي المصاحب للمواقف المهلكة في قتال المدن
عن مجلة Military Review يوليو أغسطس 2000م
في أواخر عام 1999م وأوائل عام 2000م شنَّت القوات الروسية هجوماً على العاصمة الشيشانية غروزني بنيران المدفعية والقوات الجوية بدلاً من الهجوم بالدبابات والمشاة كما كانت تفعل في معاركها السابقة، فتحولت المدينة إلى أنقاض ودمار؛ فقد كان هجوم روسيا هذه المرة يختلف اختلافاً كبيراً عن هجومها الفاشل على غروزني عام 1995م، سواء من حيث الاستراتيجية أو من حيث التكتيكات التي طبقتها. فما هي الدروس التي استفادها الجيش الروسي من حربه السابقة في الشيشان عام 1995م وطبقها في معاركه عام 2000م؟ وما هي الدروس التي لم يستوعبها، أو آثر عدم تطبيقها؟ هذا ما سوف نسعى إلى الإجابة عليه بين ثنايا سطور هذه المقالة.
أسباب الحرب
بررت روسيا استخدامها للقوة العسكرية في شمال القوفاز بدخول القوات الشيشانية إلى جمهورية داغستان في أغسطس 1999م، وسعت إلى كسب شرعية دولية من خلال الإعلان عن أن أعمالها العسكرية تستهدف مكافحة الإرهاب. وعندما تصاعدت أعمال القتال بعد سلسلة التفجيرات في روسيا، تقدمت القوات الروسية وفق تخطيط محكم ودقيق عبر السهول الروسية الشمالية نحو نهر التيريك بهدف القضاء على القوات الشيشانية؛ وكانت التفجيرات في روسيا قد أحدثت أثراً كبيراً في أوساط الرأي العام الروسي مؤكِّدة على المزاعم الروسية التي تصور جمهورية الشيشان على أنها وكر لقطَّاع الطرق والخارجين على القانون والنظام، وتتفشى فيها أعمال الإرهاب والخطف، مما يشكِّل تهديداً مباشراً على روسيا يستلزم القضاء عليه حتى يعيش المجتمع الروسي آمناً.
لم تشن القوات الروسية هذه المرة هجوماً مباغتاً على العاصمة غروزني، وإنما قامت بمناورة في اتجاه نهر التيريك، وقد بلغ عدد قوات التدخٌُّل الروسية عند بداية الهجوم 80 ألفاً من القوات البرية و 30 ألفاً من قوات الشرطة؛ فمن الدروس التي استفادها القادة الروس من حربهم الأولى في الشيشان أنهم عملوا على حشد عدد كبير من القوات منذ اشتعال شرارة الحرب لشن الهجوم الذي أعدوا خطة محكمة لتنفيذه، فكان عدد القوات الفيدرالية الروسية يفوق متوسط عدد قواتهم في الحرب الروسية الشيشانية الأولى بضعفين أو ثلاثة أضعاف؛ كما أن الرئيس الروسي السابق بوريس يلتسين وعد القادة العسكريين بعدم وقف إطلاق النار كما حدث في الحرب الأولى، الأمر الذي أثار سخط القادة العسكريين واتخذت القيادة العسكرية الفيدرالية قرارات تتعلق بزخم الهجوم وتوقيت المهام، وتكتّمت السلطات الروسية على المعلومات المتعلقة بتطور مراحل الحرب.
وفي إطار الاستعدادات لشنِّ الهجوم على العاصمة غروزني انتشرت وحدات الاستطلاع في ضواحي المدينة في منتصف شهر نوفمبر، وبحلول شهر ديسمبر كانت القوات الروسية قد أحكمت تطويقها للمدينة. وحتى لا تتعرض القوات لهجمات مفاجئة أثناء دخولها للمدينة، فقد نشرت القيادة الروسية وحدات خاصة للاستطلاع، واتخذ القنّاصة مواقعهم لضرب الأهداف ورصد تحركات القوات الشيشانية داخل المدينة، وطلب نيران الإسناد بالمدفعية ضد المواقع المشتبه فيها.
استخدمت القوات الروسية تكتيك المناورة بالنيران لتدمير مواقع القوات الشيشانية بالقصف الجوي ونيران المدفعية، وقد استفاد الروس في ذلك من تجربة القوات الأمريكية في يوغوسلافيا، حيث طبّقت استراتيجية الحرب عن بعد أو عدم الالتحام القريب، إلا أنهم لم يكترثوا لما يصاحب ذلك القصف من دمار، على عكس ما كان يزعمه القادة الروس من أن تلك الهجمات كانت أكثر دقة من ذي قبل. وكان الروس قد أطلقوا تحذيرات إلى السكان في أوائل شهر ديسمبر بإخلاء المدينة لتقليل الخسائر في صفوف المدنيين حسب مزاعمهم إلا أنه اتضح أن حوالي 20 30 ألفاً من السكان كانوا متمركزين في مخابئ المدينة عندما بدأت المعركة بما في ذلك كبار السن والأطفال والنساء علاوة على أن 4000 من المقاتلين الشيشانيين لم يكونوا قد غادروا المدينة حتى ذلك الحين، وكان حي (منيوتكا) الذي يمثّل ملتقى طرق وخطوط اتصال مستهدفاً في المقام الأول مثلما كان القصر الرئاسي مقر الرئيس الشيشاني السابق جوهر دوداييف هو الهدف الرئيس في حرب عام 1995م.
لم تدخل القوات الروسية في بداية الهجوم إلى وسط المدينة كما فعلت عام 1995م باستثناء حالة تسلل واحدة نفذتها القوات البرية، وكانت بمثابة نكبة لهم ولم تستخدم قوات الاقتحام إلا في أواخر شهر يناير، حيث كانت الخطة ترمي إلى عدم دخول المدينة إلا بعد تدمير المباني بنيران المدفعية والقصف الجوي، وإنما استخدمت مفارز من القوات الخاصة وقوات الشرطة وقوات التدخّل السريع لهذا الغرض، ودخلت القوات البرية لاحقاً. وعندما طوَّقت القوات الروسية المدينة وتقدمت نحوها بحركة بطيئة، كانت القوات الجوية تقصف مواقع تمركز المقاتلين وأبراج المراقبة ومرافق الاتصالات قصفاً كثيفاً في أماكن متفرقة من الشيشان، بهدف عزل المقاتلين الشيشانيين وقطع الإمدادات عنهم.
وفي يوم 13 ديسمبر 1999م، كانت القوات الروسية قد احتلت الضاحية الشرقية من العاصمة غروزني (ضاحية كانكالا)، بل وحاولت دخول المدينة من تلك الناحية في يوم 16 ديسمبر، إلا أن تلك المحاولة منيت بالفشل الذريع، وتراجعت القوات البرية التي كانت تتقدم ذلك الهجوم مفسحة المجال لقوات الشرطة لكي تتقدم وتقوم بأعمال القتال حتى منتصف شهر يناير. وفي غضون ذلك، كانت القوات الروسية قد أعادت تجميع القوات استعداداً لمحاولة أخرى لاحتلال المدينة، وبالفعل شنَّت هجوماً مدبراً وحذراً في يوم 17 يناير على مدى ثلاثة أسابيع. وكانت الحرب سجالاً بين القوات الروسية والمقاتلين الشيشانيين على المواقع والمباني الرئيسية في وسط المدينة. وفي اليوم الأول من شهر يناير أصدر القادة الشيشانيون أمراً بالانسحاب من غروزني بعد أن تكبدت قواتهم خسائر جسيمة وانقطعت عنهم الإمدادات؛ وسعت القيادة الشيشانية إلى تنظيم الانسحاب في اتجاه الجنوب الغربي والالتجاء إلى مدينة (كانكالا)، ولكنهم وقعوا في حقل ألغام أثناء انسحابهم من المدينة فتكبدوا خسائر كبيرة وفقدوا العديد من قادتهم الرئيسيين الذين كان من بينهم القائد الشيشاني المشهور شاميل بساييف الذي أصيب بجرح غائر. وقد اتضح أن هذا الطريق الذي فتح قبل يوم واحد من الانسحاب كان بمثابة فخ نصبه الروس للشيشانيين.
حرب المعلومات^^
في عام 1995م لم تكترث الحكومة الروسية كثيراً لدعاية الحرب، ولكنها بذلت قصارى جهدها هذه المرة للسيطرة على وسائل الإعلام والتركيز على عرض وجهة نظرها في أوساط الرأي العام الروسي، وعملت جاهدة لكسب حرب المعلومات منذ اليوم الأول لاندلاع الحرب، وبالفعل أثّرت التقارير الواردة عن نجاح العمل العسكري الذي حققته القيادة الروسية على الرأي العام الروسي، إلا أن بعض المتحدثين العسكريين كانوا يخفون الحقائق ويصدرون التقارير في مجال ضيق لدرجة يصعب معها التمييز بين الحقيقة والكذب.
والغريب أن الصحفيين الروس لم يتبرموا من التعتيم الإعلامي، بل واستخدموا الألفاظ والتعابير نفسها التي كان يطلقها العسكريون، مثل مصطلح الأعمال القتالية في المدينة بدلاً من القصف أو الاقتحام. وفي ديسمبر 1999م صدر القرار الحكومي الرسمي رقم 1538 الذي يقضي بالسيطرة على وسائل الإعلام، وأنشأ الرئيس الروسي مركز المعلومات الروسية الذي أنيط به مهمة غربلة المعلومات قبل بثها إلى وسائل الإعلام والرقابة المحكمة على المعلومات التي تنشر عبر وسائل الإعلام الأجنبية. وكان هذا التعتيم الإعلامي مفقوداً تماماً أثناء الحرب الروسية الشيشانية الأولى مما كلّف الروس كثيراً؛ الأمر الذي علق عليه أحد المحللين العسكريين بقوله: "بعد الحرب الشيشانية الأولى توصَّلت القيادة العسكرية الروسية إلى حقيقة مفادها أنه ينبغي أولاً كسب حرب المعلومات ضد المقاومة الروسية، لأن الشيشانيين في نظرهم قد نجحوا في تجريد الرأي العام الروسي من هذا السلاح المعنوي لهم"، لذلك فإن الروس أعطوا أولوية قصوى لحرب المعلومات في حربهم ضد الشيشانيين.
^^الاتصالات^^
استفاد الروس من دروس حرب عام 1995م في معالجة أوجه القصور في مجال الاتصالات، فقد بذل القادة الروس جهوداً كبيرة من أجل تأمين الاتصالات بين القوات، حيث أشار قائد سلاح الإشارة الروسي في كلمة وجهها إلى الصحافيين إلى افتقار القوات الروسية في الحرب الأولى إلى أجهزة الشيفرة المناسبة لتأمين الاتصالات، وكان ذلك أحد أوجه القصور في صفوف القوات الفيدرالية، وأكّد على وجود معدات الاتصال (أكفيدوك) في الحرب الأخيرة عند كل جندي تقريباً، وبذلك تسنّى لكل فرد من الأفراد إرسال واستقبال الاتصالات، مما جعل من الصعوبة بمكان أن يتنصت عليه فرد غير مصرح له أو أن يعترض رسائله. وكان الشيشانيون في السابق يقيمون عدة مراكز للتنصت على المكالمات، بل ويمتلكون أجهزة لتغيير اتصالات فعالة مثل جهاز الاتصال (Iridium) من صنع شركة موترولا (Motorola)، وهي الشركة نفسها التي اشترى منها الشيشانيون أجهزة الاتصال التي استخدموها في الحرب الأولى، كما نصب الشيشانيون محطات تقوية اتصالات في داغستان وانغوشتيا بعد تدمير أجهزة اتصالاتهم في الشيشان.
^^الحركة والمناورة
لعبت المناورة بالنيران دوراً بارزاً في تقدُّم القوات الروسية نحو نهر التيريك ومحاصرة العاصمة الشيشانية غروزني، ولم يكن هذا الأسلوب قد استخدم بصورة كافية في معارك عام 1995م. ويرجع البعض النجاح الذي حققته القوات الروسية في نوفمبر 1999م إلى التعديلات التي أجريت فيما يتعلق باستخدام المدفعية، حيث تصمّنت تلك التعديلات ما يلي:
(1) كانت كل سرية بنادق منقولة بالآليات أو منقولة جواً تتلقى الإسناد من بطارية مدفعية أو هاون تحت قيادتها المباشرة.
(2) استخدم الروس لأول مرة عملياً طريقة الرماية اللامركزية على أهداف ضمن قطاعات، بدلاً من طريقتهم المألوفة بالرماية المركزية للمدفعية، فقد كانت الرماية تتم ضد طرق اقتراب بعيدة من مسافة آمنة. وقد تكفلت الوحدات على مستوى الكتيبة فأعلى بقطاعات مسئولياتها جيداً فيما يتعلق بعمليات الاستطلاع والرماية، وكان القادة يتولون مسئولية الرماية في تلك القطاعات. ومكنت هذه السيطرة اللامركزية على الرماية الأنساق الأدنى من الأخذ بزمام المبادأة واستخدام المدفعية بطريقة فعالة. وكانت الطريقة المستخدمة سابقاً في الرماية هي تمرير المعلومات من جميع وحدات الاستطلاع إلى القيادة الأعلى، التي تعيِّن بدورها الأهداف إلى أسلحة الرماية بما في ذلك مدافع الهاون وبذلك تتدفق المعلومات إلى المستويات الأدنى من التسلسل القيادي. وكان هذا الاستخدام العقيم لمعلومات الاستطلاع يتيح وقتاً كافياً للقوات المعادية كي تغيّر مواقعها قبل تنفيذ مهمة الرماية.
وقد أطلق الصحفيون على العمليات الروسية في غروزني "تكتيكات القطاعات" في إشارة إلى تقسيم المدينة إلى قطاعات، ومن ثم تقسيم القطاعات إلى قطاعات فرعية، وتقسيم هذه الأجزاء الفرعية إلى أجزاء صغيرة. وقد تضمنت الخطة الروسية في الحرب الأولى أيضاً تقسيم المدينة إلى قطاعات (مستخدمين خطوط السكك الحديدية ونهر الصانزا في ذلك التقسيم).
الحرب عن بعد
حذا الروس حذو حلف الناتو في كوسوفو، فلم تكن خطتهم ترمي إلى دخول المدينة وإنما إلى محاصرتها، وكان هدفهم هو تدمير القوات الشيشانية عن بعد بالطائرات والمدفعية، فلم تتقدم الدبابات مثلما تقدّمت في المرة السابقة وإنما استخدمت لإسناد قوة الهجوم المتقدمة بالنيران المباشرة. وأحكمت القوات الفيدرالية تطويقها للمدينة من الخارج ومنعت قوات الشيشانيين من الانسحاب حتى استعدت استعداداً جيداً لدخولها. وبذل المخططون جهداً فائقاً في تمييز طرق الاقتراب إلى بعض أجزاء المدينة ومرافقها العامة واستعانوا بالخرائط لمعرفة مخططات تصريف المياه، فوجدوا أن هناك متاهات بطول قامة الرجل وعرض يبلغ ما بين 2 3 أمتار، ولذلك فإن مهندسي القتال ووحدات الاستطلاع مسحت هذه المرافق العامة مسحاً دقيقاً قبل شن الهجوم. وتجدر الإشارة إلى أن الجنود الروس قد نالوا بهذه الطريقة قسطاً من الراحة والاستجمام. ومن المعروف أن الاشتباك داخل المدن من أكثر أنواع القتال تعقيداً، لذلك ينبغي أن يحرص فيه الجيش على سلامة أرواح المدنيين، إلا أن التقارير الواردة عن حرب الشيشان أشارت إلى مقتل العديد من المدنيين أثناء الهجوم.
التكتيكات الشيشانية
قاوم الشيشانيون بشراسة محاولات الروس احتلال العاصمة غرزوني، فرغم أن القوات الروسية كانت أكثر استعداداً هذه المرة إلا أنها مازالت ضعيفة في تكتيكات المناطق المأهولة بالسكان، مما جعل أحد الضباط الروس يعلق على هذا الوضع قائلاً: "إن سَرية شيشانية واحدة تكافئ لواءً روسيّاً بأكمله داخل غروزني، فقد أغلق الشيشانيون جميع نوافذ وأبواب الطوابق السفلية من المباني، مما تعذر معه الدخول إلى تلك المباني، بينما كان القناصة المتمركزون في الطوابق العلوية من المباني بالمرصاد للجنود الروس الذين يحاولون تسلق الجدران أو اقتحام المباني بالقوة. وكان المقاتلون الشيشانيون مقسَّمين إلى مجموعات قوام الواحدة منها 25 فرداً، وتنقسم كل واحدة من هذه المجموعات بدورها إلى ثلاث مجموعات فرعية تضم الواحدة منها ثمانية أفراد، وبذلك التقسيم تقل الخسائر في صفوف القوات الشيشانية أثناء رماية المدفعية عليها.
أمضت القوات الشيشانية مدة شهرين في تجهيز المدينة وإنشاء عدد لا بأس به من المواقع لشن الكمائن. وكان لهم خطا دفاع يحتل الأفراد الأقل مهارة الأول منهما. وتمركز القناصة في سطوح المباني والطوابق العلوية لمراقبة طرق الاقتراب البعيدة المؤدية إلى تقاطعات محددة، وحاولوا إجبار الروس على الخروج إلى الشوارع. كما كان القناصة يتمركزون في خنادق ومخابئ خرسانية تحت الأرض يمكن رفعها برافعات السيارات عندمات تقترب القوات الروسية، فكانت هذه المخابئ تستخدم كمواقع لشن الكمائن ثم يختبؤوا فيها مرة ثانية، الأمر الذي جعل القوات الروسية تجد صعوبة بالغة في تمييز مناطق التقتيل.
كما أمضى الشيشانيون وقتاً طويلاً في حفر الخنادق من أجل الدفاع عن المدينة، حيث اشترك في حفرها العديد من الرجال والنساء المختبئين في الطوابق السفلية من المباني، واستخدم الشيشانيون هذه الخنادق في التنقل بين المنازل، كما استخدموها كمواقع لرماية القناصة؛ فبينما كان الجنود الروس يركزون على سطوح المباني والنوافذ، فإن المقاتلين الشيشانيين كانوا يمطرونهم بوابل من النيران من داخل الخنادق. وقد صرح المقاتلون الشيشانيون أنهم لم يستخدموا الدروع الواقية داخل المدينة لأنها تعيق حركتهم، كما أنهم لم يستخدموا الطلقات الاستكشافية (الضوئية) حتى لا تكشف عن مواقعهم. وفي بعض الأحيان كان المقاتلون الشيشانيون يخرجون من المدينة ويهاجمون الروس من الخلف خصوصاً في المدن التي يحتلها الروس ويعتبر ذلك عملاً جسوراً، حيث كانت المدينة مطوقة بحوالي 50 ألفاً من الجنود الروس.
وكان المقاتلون الشيشانيون يستخدمون شبكات مياه الصرف الصحي للتنقل داخل المدينة والتحرك لاسترداد المواقع التي ينسحب منها الروس. وقد أفادت بعض التقارير أن المقاتلين الشيشانيين استخدموا قنابل الكلورين والأمونيا وأشعلوا النيران في آبار البترول لحجب الرؤية، وجهزوا جميع المباني بالمتفجرات.
المشاكل التي واجهت قوات الشرطة
لم تكن القوات الفيدرالية تمتلك نظاماً فعّالاً للتمييز بين القوات الصديقة والمعادية، وقد تسبب هذا القصور في مشاكل بين القوات المسلحة وقوات الشرطة، وتفاقم الوضع باستخدام الجيش وقوات الشرطة لإحداثيات مختلفة من الخرائط نفسها، وبذلك لم تتمكن القوات من تمييز بعضها من بعض. كما أن الأنظمة الحاكمة لاستخدام صواريخ الإشارة كانت تختلف بين الفروع فتسبب هذا التضارب بين الاتصالات في العديد من المشاكل بين الجيش وقوات الشرطة. وبينما كانت بعض المصادر الروسية لا تفهم الأخرى، فإن الشيشانيين كانوا يتنصتون عليهم بأجهزة الاتصال التي تستخدمها قوات الشرطة وقوات التدخل السريع نفسها، مستخدمين موجات الاتصال اليومية التي يسهل التعرّف عليها.
وكانت هناك مشاكل أخرى بين قوات الشرطة والقوات المسلحة، ففي داغستان كانت عمليات الجيش في البداية تتم تحت قيادة الشرطة، ولكن فجأة تم استبعاد قائد الشرطة من وظيفته كقائد عام واحتفظ بوظيفته كقائد للشرطة، وحل محله مسؤول من وزارة الدفاع عندما تطلب الأمر استخدام الطيران والدروع التي لا تملكها الشرطة لإكمال المهمة. ويعزو آخرون ذلك إلى عدم مقدرة الشرطة على إجراء التنسيقات المطلوبة مع القوات المسلحة.
وفي أواخر يناير، تم استبعاد قائد الشرطة للمرة الثانية أثناء احتدام العمليات لاحتلال غروزني، وحلَّ محله قائد آخر من الجيش كان قد عمل سابقاً كقائد لمنطقة الزورال، وقد عزا البعض فشل الهجوم الذي شنته القوات الروسية في يومي 25 و 26 ديسمبر إلى استبعاد ذلك القائد.
لم ينقطع الخلاف بين قوات الشرطة والجيش، فقد كانت قوات الشرطة تعتقد أن الجيش كان يدفعهم بلا رحمة نحو الهلاك بدون إسناد مدفعية أحياناً، ولذلك فإن العلاقة لم تكن هادئة بين الجانبين في كثير من الأحيان، وربما يكون ذلك هو السبب في تعيين ضباط من الجيش في مناصب مهمة في الشرطة (مثل منسق نشاطات الشرطة في شمال القوقاز) للمساعدة في بعض المواقف أو استبدال من يبدون عدم كفاءة في العمل. ومن وجهة نظر قوات الشرطة فإن قادة الجيش لم يحاولوا حماية قوات الشرطة من التعرُّض للمخاطر.
العمليات النفسية
تعتبر العمليات النفسية ذات أهمية بالغة في القتال داخل المدن، فقد استخدمت القوات الروسية المنشورات لإقناع السكان المدنيين بمغادرة العاصمة غروزني، كما استخدمت مكبرات الصوت لمناشدة المقاتلين بالاستسلام، وحاولت إنشاء منطقة تجمُّع للمقاتلين الشيشانيين الذين يرغبون في الاستسلام. واستخدم الروس والشيشانيون عديداً من عمليات السيطرة العكسية (نوع من العمليات النفسية) ضد بعضهما البعض، ومن الأمثلة على ذلك محاولة الشيشانيين الخروج من المدينة، حيث كان الرئيس الشيشاني أصلان مسخادوف قد أعلن أن المقاتلين سيبقون داخل المدينة حتى 23 فبراير بينما كان قد صرّح لهم بمغادرة مواقعهم الدفاعية منذ أول فبراير وكان هدفه من ذلك هو السيطرة على القوات الروسية بمحاولة إظهار أن قواته ستبقى في مواقعها لثلاثة أسابيع على الأقل. ومن العمليات النفسية التي مارسها الروس أيضاً، محاولة القوات الروسية إقناع المدافعين الشيشانيين
بإمكانية انسحابهم بأمان في اتجاه الجنوب الغربي تحت جنح الظلام، وقد حقق الروس مآربهم باستخدام شبكات اتصال لاسلكي مزيفة تترك مفتوحة عمداً للشيشانيين ويمررون من خلالها هذه المعلومات، وفي الواقع كان الروس ينتظرون مثل هذا الانسحاب ويفشلونه بحقول الألغام واعتراضه بالقوات.
لقد استفادت القوات المسلحة الروسية من دروس حربها الأولى في الشيشان عام 1995م، فقد أعطوا حرب المعلومات أهمية قصوى وسيطروا على وسائل الإعلام. كانت المدفعية والدبابات وحتى القوات البرية تقوم بدور الإسناد في البداية ولم تعيَّن كقوة تدخل إلا بعد قصف المقاتلين الشيشانيين قصفاً كثيفاً. وقد أنقذ هذا الحذر بلا شك حياة عديد من الجنود الروس بصورة أفضل كثيراً من حربهم عام 1995م. ولم تستخدم الدروع في الهجوم على المدينة كما كان الحال في يناير 1995م، فبدلاً من القيام باقتحام أمامي ضد المواقع الدفاعية الحصينة للمقاتلين الشيشانيين، فإن القوات الفيدرالية الروسية آثرت إرسال وحدات استطلاع لتصبّ نيران المدفعية على مواقع المقاتلين الشيشانيين المشتبه فيها، وكان هذا النوع من الاقتراب غير المباشر يعتمد على القتال من مواقع بعيدة، ومن الممكن أن تقوم الطائرات بدون طيار بمثل هذه المهام الاستطلاعية إذا نشب مثل هذا القتال في المستقبل.
كما تم التغلُّب على مشاكل الاتصالات إلى حدّ ما بما في ذلك المقدرة على إرسال الرسائل المشفرة وزيادة فاعلية الأنواع المختلفة من الأجهزة اللاسلكية وأعطت القوات الروسية أولوية مبكرة لتعطيل محطات تقوية الهواتف الخلوية، حيث إن هذه الهواتف تعمل في المدن بصورة أفضل من الاتصالات ذات الذبذبات المعدلة.
اعتمدت القوات الروسية اعتماداً كبيراً على الصواريخ التكتيكية (سكود) التي كان لها أثر كبير على الشيشانيين من الناحيتين البدنية والنفسية، كما استخدمت في شنّ الهجمات على المقاتلين الشيشانيين المختبئين في الأدوار السفلية من المباني. ولاشك أن الغرض من هذه الضربات هو إحداث ضغط نفسي كبير على المقاتلين وإثبات عدم جدوى المقاومة ضد خصم يمكنه الضرب ولا يتعرض للتدابير المضادة، كما لعب نظام Tos-1 (قاذفة صواريخ مركبة على دبابة ت 72) دوراً بارزاً كسلاح رعب.
علاوة على ذلك فقد كانت أجهزة الرادار ذات تأثير فعّال للجيش الروسي حيث كانت المدينة شبه خالية من السكان. وعلى العكس من الحرب الأولى فإن الشيشانيين كانوا يقاتلون بعضهم البعض مما ساعد الروس على التغلُّب على العديد من المشاكل ذات العلاقة بالتكتيكات واللغة داخل المدينة، حيث كانت القوات الشيشانية الموالية للروس تستطيع التحدّث مع السكان المحليين وتجمع الاستخبارات عن مواقع المقاتلين الشيشانيين وتحركاتهم. وقد ثبت أن الاستخبارات البشرية كانت أفضل من الاستخبارات الروسية التي يتم جمعها بالأجهزة الاستخبارية.
ومن المشاكل التي لم يتم حلها التنسيق بين القوات المسلحة الروسية وقوات الشرطة، مما أثار النزاع بينهما وعدم مقدرة القوات الروسية على التغلّب على تكتيكات الشيشانيين، وكانت هاتان المشكلتان موجودتين في الحرب الأولى. ولم ينتبه الروس إلى ضرورة استخدام أجهزة رؤية ليلية أكثر كفاءة في بنادق القناصة وطائرات الهجوم الأرضي إلا في أواخر شهر نوفمبر.
لقد كان الهجوم الروسي على غروزني عام 2000م أفضل بكثير من هجومهم عليها عام 1995م، ولكن تحويل تلك المدينة الرئيسة إلى أنقاض ودمار يثير عديداً من الأسئلة عن طبيعة الدروس العسكرية والسياسية التي تم استيعابها من الحرب الأولى، ففي عامي 1994م و 1995م احتل الروس مدينة غروزني ولكن الشيشانيين استعادوها خلال 18 شهراً فقط، ومازالت بعض المسائل عالقة لروسيا؛ يذكر منها:
الأولى: أن النجاح العسكري يعتبر شرطاً أساسياً لفرض الاستقرار السياسي، ولكن الحكومة الروسية لم تحاول تحويل انتصارها الأخير إلى استقرار سياسي.
الثانية: أن زخم العمليات طويلة الأمد يكون على حساب الانتصار السريع في المدن.
وأخيراً فإن المعركة الأخيرة على غروزني لقنت العسكريين درساً مفاده أنه لا الأسلحة المتقدمة ولا الفن العسكري كافيان لتحقيق النجاح في قتال المدن دون رغبة الجندي في القتال ومقدرته على التغلّب على الضغط النفسي المصاحب للمواقف المهلكة في قتال المدن
عن مجلة Military Review يوليو أغسطس 2000م