دور الناتو في أمن الخليج
منذ نهاية حرب الخليج الثالثة ومنطقة الخليج تعيش حالة من عدم الاستقرار الأمني، وحالة من السيولة، مبعثهما كثرة الخيارات والتصورات المطروحة لترتيبات الأمن في المنطقة التي خلقت معها حالة من الضبابية وعدم اليقين بخصوص مستقبل هذه الترتيبات.
وتنطلق الرؤى الجديدة لإعادة ترتيب المنظومة الأمنية في الخليج من المعطيات الأمنية الجديدة التي أوجدتها حرب الخليج الثالثة، سواء لجهة تحول الولايات المتحدة إلى جار إقليمي، واتجاه الولايات المتحدة إلى إعادة صياغة علاقاتها مع القوى الإقليمية في المنطقة بناء على نتائج الحرب، وميل ميزان القوى في النظام الإقليمي الخليجي لصالح إيران مقارنة بدول مجلس التعاون الخليجي والعراق، إضافة إلى حالة الغياب العربي الواضحة عن ترتيبات الأمن في الخليج.
من الخيارات التي طرحت لترتيبات الأمن الإقليمي في الخليج خيار الشراكة الأمريكية - الأوروبية عبر حلف الناتو، فما هو مغزى دخول الناتو ضمن التفاعلات الإقليمية والدولية في المنطقة؟ وما أثر ذلك على الترتيبات الأمنية المقترحة لمنطقة الخليج عموماً، خصوصاً في ظل استمرار احتدام الأزمة النووية بين الولايات المتحدة وإيران، فضلاً عن تزايد حالة التردي الأمني في العراق؟ وما هي القيود الماثلة أمام الدور المحتمل للناتو في المنطقة؟
يأتي اهتمام الناتو بأمن الخليج في إطار الإستراتيجية الجديدة التي يتبناها منذ أحداث الحادي عشر من سبتمبر، والتي تقوم على ضرورة توسيع الحلف لنطاق عملياته إلى خارج أوروبا، وبناء علاقات تعاون مع كافة جيرانه بمن فيهم أعداؤه السابقون وعلى رأسهم روسيا.
وتنطلق رؤية الناتو لأمن الخليج في بناء حلف متعدد الأقطاب يتقاسم أعضاؤه الأعباء والمهام، وتشجيع عملية التحول إلى تحالف ذي فاعلية أكبر، ومن أجل الاستفادة من هذه التجارب لابد من أن يتم الاهتمام بتوسيع برنامج الشراكة الذي يتبناه الحلف ليشمل دول الخليج(1).
وهناك من (2)يرى أن التمدد الاستراتيجي الأمريكي والأوروبي الذي يمثله الحلف الأطلسي بهذا التوجه نحو المنطقة العربية عموماً والخليجية خصوصاً، إنما ينطلق من أجندة استراتيجية عالمية تتعدى حدود هذه المنطقة، ولكن انطلاقاً من هذه المنطقة التي تمتد لتشمل العالم الإسلامي كله من إندونيسا إلى المغرب، والتي تطلق عليها الإدارة الأمريكية وصف (الشرق الأوسط الكبير). وهذا التمدد يجيء في أعقاب عدة متغيرات ومستجدات عالمية، منها تنامي ظاهرة الإرهاب بعد الحادي عشر من سبتمبر، وزيادة المخاوف الأطلسية من انتشار أسلحة الدمار الشامل في أيدى غير صديقة للغرب، وغياب حلف وارسو من الساحة العالمية مما فتح شهية الناتو للتوسع شرقاً، وتغيير استراتيجيته ليقوم بدور سياسي بعد أن كان عسكرياً فقط، وفي خارج أراضيه بعد أن كان قاصراً على أراضي دولة فقط، وبشن عمليات استباقية بعد أن كان دفاعياً فقط.
إن دور حلف الناتو في الشرق الأوسط لم يتوقف مع الحوار الأطلسي - المتوسطي فقط، لكنه تجاوز ذلك بالوصول إلى منطقة الخليج، لتنفيذ المشاركة في مجال الأمن مع هذه الدول كل على حدة، مع الأخذ في الاعتبار أن هذه الدول هي الأخرى تسعى لإيجاد علاقة أمنية مع الناتو، فمازال الأمن في منطقة الخليج يواجه العديد من المشكلات التي تتمثل في صعوبة إيجاد نقطة توازن في علاقات القوى الإقليمية يمكن أن تُشعر مختلف الأطراف الخليجية بالأمن، وكيفية تحقيق الموازنة بين العناصر الوطنية والإقليمية، والدولية في المعادلة الأمنية.
أولاً: الناتو ودول مجلس التعاون الخليجي .. تعاون وفق ضوابط محددة
على الرغم من أن الحوار بين دول مجلس التعاون الخليجي وحلف الناتو قد بدأ منذ مطلع التسعينيات، إلا أن التطور الحقيقي بهذا الشأن تمت مناقشته في مؤتمرين عقدا بالدوحة بالتعاون مع مؤسسة "راند" الأمريكية:
الأول: "تحولات الناتو والأمن في الخليج"، وقد عُقد في إبرايل 2004م، وبحث في طبيعة الدور الذي يمكن أن يلعبه الحلف في أمن الخليج، والمكاسب التي يمكن أن تجنيها دول المجلس من هذا التعاون أو الشراكة المرتقبة والتحديات التي تقف أمام مثل هذا التعاون.
والثاني: "دور الناتو في أمن الخليج"، وعُقد في ديسمبر 2005م، وظهر فيه اتفاق الأطراف المشاركة على ضرورة تفعيل الشراكة الاستراتيجية في مجال الأمن في ظل وجود تحديات مشتركة(3).
وأكد الأمين العام للحلف، الذي شارك في المؤتمر الثاني أن التهديدات التي تواجهها دول الحلف ودول الخليج تهديدات مشتركة، ودعا إلى التصدي للإرهاب، وانتشار أسلحة الدمار الشامل، والاتجار بالبشر، والأسلحة، والمخدرات، موضحاً أن قطر والكويت والبحرين والإمارات التي انضمت إلى مبادرة اسطنبول للتعاون حققت تقدماً طيباً في تطوير برامج عمل فردية مع كل دولة من هذه الدول(4).
وكشفت تصريحات المشاركين في المؤتمر عن توجه ما لتعزيز التعاون الأمني بين الناتو وبعض دول الخليج، حيث أشار وزير الخارجية القطري الشيخ "حمد بن جاسم" إلى أن دول الخليج دول صغيرة محاطة بدول كبيرة، ويجب أن تتخذ الإجراءات التي تضمن سلامتها وأمنها الداخلي دون إدخال العواطف في الأمور، معتبراً أن عقد اتفاقات أمنية مع "الناتو" ممكنة على الأقل بالنسبة لقطر؛ إلا أنه أوضح في المؤتمر الثاني أنه يمكن للجانبين الخليجي والأطلسي تحقيق المصلحة المشتركة للجميع على أساس مفهوم الشراكة الاستراتيجية للأطراف كافة، مؤكداً على أن الأمن السياسي لا يمكن أن يتحقق من دوت توافر الأمن الاقتصادي، ورأى أهمية السير بجد في عملية الديمقراطية والإصلاح السياسي بالتوازي مع عملية التنمية الشاملة.
وتدرك دول مجلس التعاون الخليجي بدورها أن صيغة المشاركة الأمنية الإقليمية، والمقننة والمعززة بصداقات وترتيبات أمنية إقليمية قائمة على الاحترام والمصالح المتبادلة، توليفة فرضتها ضرورة التعامل مع معطيات خلل علاقات القوى في المنطقة، وطموحات بعض القوى الإقليمية وتطلعاتها المتعارضة، لذا اتجهت بعض دول المجلس لفتح حوار مع الحلف في هذا الشأن.
وقد رحب الحلف بهذا التوجه، حيث أكد أمين عام الحلف في تصريح له لصحيفة الحياة اللبنانية 18-3-2005م تجديد التزام الحلف بتقديم المساعدة لدول مجلس التعاون الخليجي في إطار دعم قدراته الدفاعية، حيث قال: "يمكننا البحث في تبادل المعلومات، ووسائل الدفاع، وملائمة عتاد الدفاع، وإعادة هيكلة القوات المسلحة، ومهمات حفظ السلام، وتدريب ضباط البلدان المعنية في أكاديميات الدفاع التابعة للحلف"، وهو المعني ذاته الذي أعاد الأمين العام التأكيد عليه في صحيفة (الحياة بتاريخ 1-10-2005م) بالقول: "السلام والاستقرار في الشرق الأوسط والخليج ضروريان بالنسبة لدول الحلف"، مشيراً إلى أن دول الحلف تواجه الأخطار ذاتها التي تواجهها دول الشرق الأوسط خصوصاً الإرهاب وانتشار أسلحة الدمار الشامل.
ورغم ترحيب دول المجلس بالتعاون الأمني مع الناتو في بعض المجالات، إلا أنها أصرت على أن يكون هذا التعاون في إطار قاعدة الاحترام المتبادل البعيد عن منطق فرض الهيمنة لتحقيق المصالح المتبادلة بين الجانبين، والعمل على تطوير صيغ جديدة للتعاون والتكامل بين القوات العسكرية الخليجية لدعم قدرتها على الدفاع عن أمن المنطقة، والربط بين أمن اللخليج والأمن الإقليمي، وهو ما يتطلب التوصل إلى حل عادل ودائم وشامل للقضية الفلسطينية وللصراع العربي - الإسرائيلي عموماً وتطبيع الوضع في العراق.
ومع التسليم بأن أهداف الحلف المعلنة تجاه منطقة الشرق الأوسط عموماً ودول الخليج بخاصة تأتي ضمن برامج الحلف للتعاون مع الدول غير الأعضاء، ومنها برنامج الحوار المشترك مع مناطق يعتبرها الحلف إستراتيجية منها: جنوب المتوسط، والشرق الأوسط، ووسط آسيا، والقوقاز حيث تتضمن هذه البرامج حواراً يستهدف تعزيز الثقة والتعاون ويتضمن علاقات لا تنتهي بالعضوية، إلا أن الواقع يشير إلى أن هناك أهدافاً أخرى غير معلنة لهذا التوجه، وهنا يمكن الإشارة إلى ثلاثة أمور:
الأول: تمثل الدول الخليجية الست وبلدان البحر المتوسط الجانب الأكبر لمبادرة الشرق الأوسط الكبير التي دعت إليها الولايات المتحدة وتبنتها قمة الدول الصناعية الثماني في ولاية جورجيا الأمريكية في 8 يونيو 2004م، فضلاً عن قمة التحالف الأوروبي - الأمريكي في أيرلندا التي جمعت الرئيس الأمريكي مع رؤساء دول وحكومات الاتحاد الأوروبي في 26 يونيو 2004م، حيث كان محور قمة الناتو عام 2004م هو ذاته الذي اهتمت به القمتان المشار إليهما، وهي قضية الإصلاح في الشرق الأوسط الكبير والعراق، بما يعنى أن هناك تطابقاً بين توجهات الحلف والتوجهات الأمريكية والأوروبية بشأن الترتيبات المستقبلية في منطقة الشرق الأوسط.
الثاني: : انتقال الحلف من الدفاع عن أراضي الدول الأعضاء إلى الدفاع عن مصالحها المشتركة خارج نطاق أراضيها من خلال المشاركة في تنفيذ مفهوم الضربات الاستباقية أو الإجهاضية find and strike، أي الذهاب إلى مصادر التهديد والتعامل معها دون انتظار وقوعها، وفي هذا الشأن قال (جاب دى هوب شيفر) الأمين العام للحلف : "قوة الرد العسكري للحلف جاهزة وتعمل، ولدينا وسائل دفاع لمقاومة الإرهاب وبخاصة الهجمات الكيميائية والبيولوجية والإشعاعية والنووية"، وهنا تجدر الإشارة إلى أن حلف الأطلسي لايزال يخشى سعى القاعدة لامتلاك أسلحة دمار شامل، ومن ثم فقد أجرى خلال شهر يونيو 2005م تدريبات عملية باسم: "الفجر الأسود" وهى نموذج لعملية إرهابية وهمية تستهدف سبل التصدي للإرهاب النووي، ولاشك أن هذه التوجهات الجديدة للحلف، تتسق مع التوجه الأمريكي في هذا الشأن.
الثالث: يأتي الاهتمام الجديد من جانب الحلف بدول الخليج في إطار ما يطلق عليه: "عولمة الأمن في الخليج وتدويل قضاياه"، حيث يلاحظ أن التوجه الأمريكي بشأن منطقة الشرق الأوسط هو الذي أقنع الحلف بانتهاج هذا التوجه الجديد، والمساهمة في أمن الشرق الأوسط.
وهناك عوامل عديدة تدفع حلف الناتو إلى العمل على تطوير آلية للتعاون والشراكة مع دول مجلس التعاون الخليجي ومد مظلته الأمنية إلى المنطقة، يأتي في مقدمتها: ما تتمتع به المنطقة من إمكانات اقتصادية ونفطية هائلة تؤثر بشكل أو بأخر على مصالح دوله إذا ما تعرضت للتهديد، كما أن لدول الحلف مصلحة في الوجود العسكري في منطقة الخليج التي تتمتع بأهمية جوهرية من الناحية الجيواستراتيجية، وذلك للإبقاء على الأحداث الجارية في الشرق الأوسط وشمال وشرق أفريقيا ووسط وجنوب آسيا تحت السيطرة(5).
ورغم أن الولايات المتحدة الأمريكية تقوم بدور الضامن الرئيس للمصالح الأمنية للدول الغربية خارج حدود القارة الأوروبية، إلا أن ضرورات سياسية واقتصادية وعسكرية في بعض الحالات تفرض عليها أن تتقاسم مع حلفائها هذا العبء، لذا فإنها تحض حلفاءها الأوروبيين على أداء دور أكثر بروزاً في الدفاع عن تلك المصالح، وخصوصاً في منطقة الخليج العربي، التي تعتمد فيها أوروبا كلياً على القوة العسكرية الأمريكية لحماية إمدادات النفط التي قد تتعرض لمجموعة من الأخطار والتهديدات الداخلية والخارجية، الأمر الذي قد تواجه معه المؤسسة العسكرية الأمريكية ضغوطاً متزايدة للوفاء بالتزاماتها الأمنية العالمية، في وقت تتحمل فيه القدر الأعظم من عبء الدفاع عن المصالح الغربية المشتركة في المنطقة؛ لذا فإن الشراكة الأمريكية - الأوروبية في أمن الخليج وعبر حلف الناتو هو توجه تسعى الولايات المتحدة إلى تدشين أسسه باعتباره أحد أهم الضمانات لأمن الخليج. وفي هذا الإطار طُرحت عدة تصورات حول ماهية الدور الذي يمكن أن يلعبه الحلف في الحفاظ على أمن الخليج، أبرزها(6):
1- توسيع برنامج الحوار الأطلسي - المتوسطي، والذي يستهدف التوصل إلى مرحلة الشراكة مع 7 دول في المنطقة هي: (موريتانيا، والمغرب، وتونس، والجزائر، ومصر، والأردن، وإسرائيل) لتشمل دولاً أخرى في المنطقة من بينها دول الخليج.
2- أن يقوم الحلف بمهمة تحويل دول المنطقة بالقوة إلى ديمقراطيات عن طريق فتح مكاتب للناتو في بعض عواصم المنطقة لتقوم بهذه المهمة. وقد كشفت بعض الصحف الغربية في يناير 2004م نقلاً عن مسؤولين في الحلف عن وجود مساع من جانب الولايات المتحدة وتركيا لتوسيع منطقة عمليات الحلف بدعوة الدول السبع المذكورة، وربما قطر، للانضمام إلى مبادرة جديدة في إطار ما يسّمى: "برنامج الشراكة من أجل السلام"، الذي يقتصر حالياً على دول أوروبا الشرقية.
3- دعم التعاون في مجالات معينة دون أن يكون هناك إطار لتحالف رسمي بين الناتو ودول المجلس، وهذا التعاون قد يشمل التدريب المتخصص في مجال التخطيط المدني للتعامل مع حالات الطوارئ والكوارث، والتدريب في مجال إعداد الكوادر اللازمة للاضطلاع بمهام الإنقاذ وحفظ السلام وأمن الحدود ومحاربة عمليات التهريب، وتنسيق الأنشطة الاستخباراتية والعمليات الأمنية المشتركة، وتدريب القوات العسكرية التابعة لدول مجلس التعاون الخليجي على العمليات غير الهجومية، وعلي وجه الخصوص تدريبها على التعامل مع المجالات المذكورة آنفاً، إضافة إلى تبادل المعلومات في مجالات التحليل الأمني للتطورات الإقليمية، وإقامة علاقات مؤسساتية أفضل بين مختلف الأجهزة الأمنية في الجانبين. ويوجد الآن تعاون بين دول مجلس التعاون في بعض القضايا الأمنية، مثل: مكافحة غسيل الأموال، ومكافحة تهريب المخدرات.
4- الحلف ومبادرة اسطنبول: أطلقت قمة اسطنبول للحلف في يونيو 2004م، مبادرة: "الشرق الأوسط الموسع"، التي يتولى فيها الحلف الدور الأمني، وذلك من خلال دعم التعاون مع دول المنطقة في المجالين الأمني والعسكري لضمان عدم انتشار أسلحة الدمار الشامل، ومكافحة الإرهاب بجميع صوره وأشكاله، وعمليات التهريب بمختلف أنواعها. وسيقوم الحلف بمساعدة دول المنطقة في المجالات الأمنية، وإعطائها الخبرات اللازمة في هذا المجال، بجانب المعلومات، حتى تتم السيطرة على أي خطر أو تهديد قبل وقوعه.
وتشير الوثيقة، التي صدرت عن قمة الحلف، إلى أن (الناتو) يمكن أن يصبح قيمة مضافة في ميدان أمن الحدود، خصوصاً فيما يتصل بمواجهة الإرهاب والأسلحة الخفيفة بأنواعها، ومحاربة التهريب غير الشرعي، وزيادة التعاون في ميادين التخطيط الطارئ في الأصعدة المدنية. وتتضمن الجوانب العملية للوثيقة: المشاركة أو المراقبة لتدريبات الحلف، أو برامج المشاركة من أجل السلام، بالإضافة إلى المشاركة في قوات حفظ السلام التي يقودها الناتو.
ثانياً: الناتو والعراق .. تعاون في إطار المظلة الأمريكية
أثبتت التطورات الأخيرة على الساحة العالمية أن الولايات المتحدة الأمريكية لا تستطيع أن تحافظ على الأمن الدولي بمفردها، ويجب أن تتقاسم قوة أخرى معها هذا الدور، وهي متمثلة في حلف الناتو، الذي يجب أن يحافظ هو الآخر على أمنه وكيانه؛ ولذا حاولت واشنطن إشراك الحلف في الحرب في العراق، لكنها فشلت في ذلك نتيجة لمعارضة فرنسا وألمانيا، بدعوى أن طبيعة عمل وقتال قوات حلف شمال الأطلسي، والتي تحاول القوات الأمريكية الزج به في العراق، تختلف كثيراً عن قتال القوات المنظمة جيشاً مقابل جيش، فأعمال رجال المقاومة لا تتناسب مع قوات الحلف المنظمة، حيث تقوم هذه القوات بعمليات مثل زرع الألغام والمتفجرات على الطرقات والأحزمة المفخخة، والتي يصعب الكشف عن العديد منها، وهو ما تعاني منه الولايات المتحدة الأمريكية والقوات الأخرى المشاركة معها في العراق، بل وعجزت عن مواجهته في ظل الخسائر الدامية اليومية لها في العراق.
لكن الولايات المتحدة سعت إلى إشراك الناتو في القيام بدور أمني في العراق بعد انتهاء العمليات العسكرية بعدما أقنعت حلفاءها الأوروبيين بأن ذلك يحقق مصلحة مشتركة للطرفين، تتمثل في الأساس في الحيلولة دون سعى العراق الجديد لتهديد جيرانه بما يعني تهديد المصالح الغربية في المنطقة عموماً، بل والحيلولة دون عودة العراق إلى سابق عهده وإخراجه من منظومة التفاعلات الإقليمية والإبقاء عليه بصفة فيدرالية قد تضعف من دوره الإقليمي، وبالتالي فإن التهديد العراقي للمنطقة مستقبلاً لن ينبع من نظامه الحاكم، بل من انهيار الدولة ذاتها، ومن هنا فقد كان اهتمام قمة اسطنبول بالعراق، حيث أصدرت بياناً بشأنه، وافق فيه القادة على تقديم المساعدة في تدريب قوات الأمن العراقية، وقد جاء في البيان: "يستنكر الحلف كافة الهجمات الإرهابية ويدعو إلى إنهائها فوراً .. إذ إن الأنشطة الإرهابية التي تجرى في العراق وانطلاقاً منه تهدد الدول المجاورة في المنطقة برمتها"، وتوجد حالياً بعثة لحلف الناتو في بغداد تضم 165 شخصاً بينهم 24 مدرباً للمساعدة في تدريب 910 من الضباط العراقيين سنوياً.
وقد استند الحلف في دوره الجديد بالعراق إلى أمرين(7):
الأول: طلب الحكومة العراقية رسمياً مساعدة الحلف في تدريب القوات العراقية، حيث يشرف حلف الناتو حالياً على كليتي الأركان والدفاع الوطني العراقيتين تدريباً وتنظيماً وتنظيراً. ومن المتوقع أن يكتسب هذا التعاون زخماً خلال الفترة المقبلة، لاسيما أن رؤية الحكومة العراقية للجيش العراقي تتطابق ورؤية الناتو في هذا الشأن، فعند افتتاحه المدرسة العليا للجيوش لتأهيل ضباط الجيش العراقي الجديد بما يتفق والعقيدة العسكرية لحلف الناتو، قال (إبراهيم الجعفري) رئيس الوزراء العراقي "السابق" إنه يريد جيشاً قادراً على مواجهة الواقع اليومي على الرغم من أن الدستور العراقي قد نص على أن الدور الرئيس للجيش هو الدفاع عن البلاد ضد الاعتداءات الخارجية.
الثاني: قرارمجلس الأمن الدولي رقم (1546) الذي تضمن الطلب من المؤسسات الدولية والإقليمية تقديم العون للقوة متعددة الجنسية في العراق، ويلاحظ أن الحلف لم يقصر دوره على المساعدات الحالية، حيث أكد أمينه العام : "بالنسبة للمستقبل سنستمع إلى ما تطلبه الحكومة العراقية".
وقد حددت الولايات المتحدة رؤيتها للدور الجديد للناتو في العراق في المهام التالية:
*تتولى الوحدات التي يرسلها الحلف المراقبة الجوية والرصد والاستطلاع لتحديد مواقع المقاومة العراقية، على أن يتم ربطها بغرفة استقبال رئيسة تخضع للقيادة الأمريكية.
*عدم إرسال قوات عسكرية من قبل الحلف دفعة واحدة إلى العراق.
*ألا تشارك فرنسا في المهام العسكرية التي سيقوم بها الحلف في مواجهة المقاومة العراقية، وأن يقتصر دورها على تأمين ودعم البعثات الدولية الإنسانية وموظفي الأمم المتحدة.
ويتضح من تلك الرؤية أن هناك دوراً محدداً تراه الولايات المتحدة للحلف في منطقة الخليج والعراق بما لا يمثل تهديداً مستقبلياً لمصالحها.
ثالثا: الناتو وإيران .. حذر وتوجس متبادل
إذا كانت إيران تعد أكثر الأطراف الإقليمية الخليجية استفادة من الغزو الأمريكي للعراق عام 3003م، حيث أنهى التهديد العراقي لإيران وذلك بإخراج العراق من معادلة التوازن الإقليمي، إلا أنه أوجد واقعاً جديداً اعتبر تحدياً أمام السياسة الإيرانية، حيث أضحت إيران محاطة بالقوات الأمريكية في كل من العراق ودول الخليج وأفغانستان، وإذا كانت إيران قد استطاعت من خلال سياسة براجماتية أن تكيّف أوضاعها مع هذا الواقع الجديد، يدعمها في ذلك عدم الاستقرار الأمني في العراق حتى الآن، إلا أن التوجه الجديد للناتو سيكون تحدياً جديداً أمام إيران، خصوصاً في ظل احتدام العلاقات الإيرانية - الأمريكية من ناحية، والتخلي الأوروبي الواضح عن دعم طهران بشأن إحالة ملف إيران النووي إلى مجلس الأمن من ناحية أخرى، خصوصاً وأن قضية انتشار أسلحة الدمار الشامل تمثل أولوية متقدمة لدى الناتو، حيث أكد الحلف في إطار عقيدته العسكرية أن أحد التهديدات التي يواجهها هي تلك التي ترتبط أساساً بانتشار أسلحة الدمار الشامل، وقد أعلن غير ذي مرة أهمية ممارسة دور في تفعّيل الرقابة الدولية على تلك الأسلحة ونزعها.
وفي سبيل سعيها لتطوير برنامج نووي، حتى ولو لأغراض سلمية، فإن طهران سوف تصطدم بتوجهات الناتو، وفي هذا الصدد قال الأمين العام للحلف: "إن هذه المشكلة تستقطب اهتمام الحلف الموجود في كل من العراق وأفغانستان حتى وإن كان لا يتطلع إلى دور مباشر في إدارتها".
وتدرك إيران أن التواجد بل والتمدد الأطلسي في الخليج - سيكون له تداعياته السلبية عليها في المستقبل، وهو ما أكدته الدراسة التي أعدها مركز البحوث السياسية بمجلس الشورى الإيراني حول التداعيات التي يمكن أن تترتب على وجود قوات حلف الناتو بجوار إيران، وتتمثل في (8):
*وجود حلف الناتو بالقرب من إيران قد دخل مرحلة جديدة، حيث أدى وجود قوات الناتو في أفغانستان والعراق ودول آسيا الوسطى إلى التأثير على قرارات إيران الدفاعية.
*الدول الأعضاء في حلف الناتو أصبحت تنتهج سياسة هجومية بدلاً من السياسة الدفاعية التي كانت تنتهجها في السابق، ومن ثم فقد أصبح أي شعور بالتهديد مهما يكن صغيراً يواجهه أحد أعضاء الحلف، أو أدنى شعور بتعرض الأمن الجماعي لدول الحلف بالخطر من شأنه أن يوفر ذريعة لوجود عسكري وسياسي لقوات الناتو في منطقة التهديد.
*منذ الثمانينيات بدأ حلف الناتو يولى الاتجاه شرقاً اهتماماً كبيراً، ونظراً لأن إيران تمثل حلقة وصل بين منطقتين استراتيجيتين هما: أوراسيا والشرق الأوسط، وهما هدف سياسة حلف الناتو الجديدة نحو الشرق، لذلك يتعين على إيران أن تشعر بالمزيد من القلق لوجود قوات الناتو بالقرب منها.
وأوصت الدراسة صناع القرار في إيران بضرورة إيلاء أهمية كبرى لقدرات وحجم الجيش الجديد في العراق ونوع الأسلحة التي يزود بها حلف الناتو هذا الجيش.
وتعكس نتائج هذه الدراسة المخاوف الإيرانية من تدويل قضية الأمن في الخليج، وهو ما يتعارض مع الرؤية الإيرانية في هذا الشأن، والتي ترى أن أمن الخليج هو مسؤولية الدول المطلة عليه، وترفض أي دور أو وجود أجنبي في المنطقة.
من ناحية أخرى، فإنه في سعي الحلف للوصول إلى مناطق التهديدات وتنفيذ آلية الضربات الاستباقية من شأنه أن يمثل تهديداً لإيران، حيث إن تلك الضربات تتم بعيداً عن مجلس الأمن ووفقاً لرؤية الحلف في هذا الشأن. ومن ناحية ثالثة، وعلى الرغم من العلاقات الإستراتيجية بين إيران وروسيا، فإن احتمال انضمام روسيا لحلف الناتو سوف يرتب تداعيات خطيرة على الأمن القومي الإيراني، لأنه سيؤدي إلى إضعاف الدور الإيراني في صياغة الترتيبات الإقليمية، خصوصاً في منطقة آسيا الوسطى والقوقاز، وثمة مؤشرات على ذلك منها المناورات الروسية الأمريكية في بحر قزوين، وتعاون روسيا مع الولايات المتحدة في إطار ما يسمّى الحرب على الإرهاب، ويؤكد هذا الجولة التي قامت بها وزيرة الخارجية الأمريكية (كونداليزا رايس) إلى موسكو خلال شهر أكتوبر 2005م، وتضمنت كذلك بعض دول آسيا الوسطى، في محاولة لربط هذه الدول بأفغانستان الموالية للولايات المتحدة؛ وإذا ما تحقق ذلك فإن إيران ستصبح في مأزق حقيقي.
رابعاً: حدود الدور الأمني للناتو في منطقة الخليج
خيار الناتو بتصوراته المختلفة كإطار محتمل للأمن الإقليمي في الخليج من الصعب تطبيقه، لأنه يثير العديد من المشاكل بل والتهديدات للنظام الإقليمي الخليجي، وذلك بالنظر إلى الاعتبارات التالية(9):
1- إن دول الخليج وما يواجهها من تحديات داخلية على المستويين السياسي والاقتصادي ليست بحاجة إلى إثقال كاهلها، والمجازفة بإثقال كاهل التوازن الأمني الإقليمي الحساس للغاية عن طريق إقحام عنصر خارجي ضمن معادلة الإقليم الأمنية، في ظل التواجد العسكري الأمريكي المكثف في المنطقة.
2- إن بعض دول الخليج بدأت تدرك في الأونة الأخيرة، وتحديداً منذ أحداث الحادي عشر من سبتمبر، أن العلاقة العسكرية مع الولايات المتحدة لا توفر الأمن المطلق، كما أن حلف الناتو لا يستطيع أن يقدم الحل السريع والمثالي للمشكلات الأمنية التي تعاني منها المنطقة، لأن إقامة نظام أمني فاعل وقابل للاستمرار في منطقة الخليج لا يمكن أن يتوافر في نهاية المطاف إلاّ إذا أشرفت على وضعه وشاركت في تفعيله دول المنطقة. وقد تكون مساعدة القوات الخارجية في بداية الأمر ضرورية لتسهيل انطلاق العملية لتقوم الأطراف الخارجية بعد ذلك بلعب دور ثانوي، فبناء نظام أمني فاعل لابد أن يقوم على ثلاثة مفاهيم أساسية، هي: الإجماع من أجل تطوير رؤى مشتركة حول مشكلات المنطقة والحلول الممكنة لها؛ والشمولية في الرؤية، وهي ضرورية لضمان الأخذ بعين الاعتبار مصالح جميع دول المنطقة؛ وإمكانية التنفيذ التي لايمكن الاستغناء عنها إذا كانت هناك نوايا جادة في التوصل إلى اتفاقية يمكن تطبيقها على أرض الواقع وقادرة على تحقيق النتائج المرجوة منها.
3- رغم أن قيام حلف الناتو بفرض مظلته الأمنية على منطقة الخليج يمكن أن يحقق لها بعض المكاسب والمزايا الإيجابية مثل الدفاع عنها ضد أية اعتداءات خارجية محتملة، ومنحها حرية عقد صفقات التسليح، إلا أنه على الجانب المقابل قد يؤدي إلى العديد من التداعيات السلبية، التي منها ترسيخ الوجود العسكري للحلف في المنطقة، إذ سيكون من حق الحلف في هذه الحالة بناء قواعد عسكرية جديدة في المنطقة، التي تعد هي نفسها أحد مصادر التهديد للحلف طبقاً لاستراتيجيته الجديدة، الأمر الذي قد يثير معارضة بعض القطاعات الشعبية التي سترى في هذا الوجود العسكري احتلالاً لأراضيها، ومن شأن ذلك خلق حالة من التوتر وعدم الاستقرار في المنطقة، ويضعف من الثقة بين الأنظمة والشعوب، خصوصاً في ظل الهجمة التي تتعرض لها المنطقة من جانب بعض دول الحلف وعلى رأسها الولايات المتحدة(10).
فالواقع الراهن يشير إلى أن شعوب دول الخليج تعتبر أن الوجود العسكري الأمريكي يمثل حلاً على المدى القصير فقط، وليس هناك من حاجة إلى تمديده زمنياً على نحو غير محدد، وفي المقابل تتطلع إلى سياسات حكومية تسير في اتجاه صياغة وتنفيذ حلول أمنية فاعلة على الصعيد الإقليمي. وضمن سياق هذه التطلعات، يرى الكثير من أبناء منطقة الخليج أن الاعتماد المفرط على القدرات الأمريكية والغربية بشكل عام من شأنه أن يؤدي إلى حالة من الشعور بالرضا الذاتي والاسترخاء، وبالتالي تأجيل النظر في الاستحقاقات المرتبطة بضرورة صياغة سياسات أمنية بديلة. ومن المرجح أن يبرز عدد من المشكلات الفنية اللوجستية التي يحتاج حلها إلى وقت قبل أن يتحول التعاون بين الناتو ودول المجلس إلى إطار فاعل، ومع مرور الزمن قد يكون من الممكن حدوث تغييرات في أولويات الناتو، كما يمكن أن تتغير عوامل التهديد في المنطقة.
4- إن انضواء دول المنطقة في أية صيغة للتعاون والشراكة تضم كذلك إسرائيل - كما هو مخطط له وكما يعكسه " برنامج الشراكة من أجل السلام"(11) - سيدفع في اتجاه التطبيع الكامل للعلاقات بين إسرائيل والدول العربية الأخرى بصرف النظر عن مدى وفاء الأولى بالتزاماتها تجاه عملية التسوية السلمية، بما يهدد بضياع الحقوق العربية، فبموجب البرنامج المشار إليه، والذي يضم 7 دول عربية إضافة إلى إسرائيل - وهو البرنامج الذي يتوقع البعض توسيعه ليشمل دول المجلس - سيتم النظر في رفع مستوى العلاقات مع إسرائيل والدول العربية الأخرى إلى منزلة "شراكة السلام"، كما سيتم رفع مستوى العلاقات في إطار خطة للحوار تشمل: لقاءات سياسية، وتبادل بعثات عسكرية، وعقد مؤتمرات وتدريبات عسكرية، وتبادل المعلومات حول الإرهاب وعقد اجتماعات لوزراء دفاع دول الحلف والدول المعنية.
5- إن أي أطر أو صيغ يضعها الحلف للتعاون أو الشراكة مع دول المنطقة ستركز بصفة أساسية على تحقيق الأهداف الأمريكية(12) والتي ستركز بدورها على قضايا مكافحة الإرهاب وفرض الديمقراطية وتأكيد الهيمنة الأمريكية على المنطقة وإعادة رسم خريطتها السياسية بما يحقق مصالحها بشكل لا يمكن أن يساعد في تحقيق الأمن والاستقرار في الخليج، ومثلما فشلت الولايات المتحدة طيلة أكثر من ثلاثة عقود في تحقيق الأمن في هذه المنطقة، وتسببت سياساتهابشكل مباشر أو غير مباشر في اندلاع ثلاث حروب كبرى فيها، فإن إصرارها على المضي قدماً في سياساتها سيجعلها هي نفسها أحد أكبر مصادر التهديد للأمن والاستقرار في المنطقة.
6- يرتبط أي دور أمني محتمل للناتو في الخليج بتوافر توافق بين الحلف ودول الإقليم في الرؤى حول طبيعة التهديدات ومصادرها، إلا أن هذا لم يتحقق حتى الآن، فالولايات المتحدة بعد غزو العراق استبدلت استراتيجيتها القديمة (الحلفاء الاستراتيجيون) بعلاقات ثنائية فاعلة مع الدول الخليجية الأصغر ومنحتها صفة حليف من خارج الناتو، على حساب حلفائها التقليديين في إطار سياسة عُرفت بتخفيف الوجود وضمان الوصول ،بهدف إضفاء المرونة على الاستقرار الإقليمي. ومن ناحية أخرى، لا يزال التوتر هو السمة المميزة للعلاقات الإيرانية - الأمريكية الذي لا يقتصر على المفلف النووي فحسب، بل ويتعداه إلى قضايا أخرى في مقدمتها: العراق، والقضية الفلسطينية، والإرهاب. ومن ناحية ثالثة هناك اختلاف في الرؤية بين حلف الناتو وبين دول الإقليم الخليجي حول بعض المفاهيم، وفي مقدمتها تعريف الإرهاب والمقاومة المسلحة وحق الدفاع الشرعي عن النفس، وهى مفاهيم تثير انقساماً واضحاً بين أعضاء الناتو ودول الإقليم الخليجي، فضلاً عن الدول التي أجرى معها الناتو حوارات، فإسرائيل والولايات المتحدة وعدد من دول الحلف يرون أن الإرهاب يشمل المقاومة المشروعة وليس الأعمال الإرهابية الفعلية وحسب، بالإضافة إلى تأكيد الأمين العام للحلف أن الحلف لن يتدخل في قضية السلام إلا في مراحلها الأخيرة من خلال المساهمة في عمليات حفظ السلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين،
ومحصلة ذلك كله، أن دور الناتو في أمن الخليج، وإن كان يمكن الاستفادة منه في بعض المجالات كما سبق الإشارة، إلا أنه على الجانب الآخر يواجه بمعارضة واسعة من جانب العديد من القطاعات الشعبية، والمثقفين ومراكز التفكير، وأحد الأسباب لذلك أن الحلف سمح لنفسه، بأن يكون شرطي العالم، وأن يحدد بنفسه التهديدات للأمن والسلم الدوليين، وأن يتصرف وفقاً لذلك، بل إنه بدأ يسحب من مجلس الأمن الدولي اختصاصه الأصيل فيما يتصل بتهديدات الأمن والسلم الدوليين، وهو ما كشفت عنه بوضوح مواقفه من أزمة الملف النووي الإيراني
منذ نهاية حرب الخليج الثالثة ومنطقة الخليج تعيش حالة من عدم الاستقرار الأمني، وحالة من السيولة، مبعثهما كثرة الخيارات والتصورات المطروحة لترتيبات الأمن في المنطقة التي خلقت معها حالة من الضبابية وعدم اليقين بخصوص مستقبل هذه الترتيبات.
وتنطلق الرؤى الجديدة لإعادة ترتيب المنظومة الأمنية في الخليج من المعطيات الأمنية الجديدة التي أوجدتها حرب الخليج الثالثة، سواء لجهة تحول الولايات المتحدة إلى جار إقليمي، واتجاه الولايات المتحدة إلى إعادة صياغة علاقاتها مع القوى الإقليمية في المنطقة بناء على نتائج الحرب، وميل ميزان القوى في النظام الإقليمي الخليجي لصالح إيران مقارنة بدول مجلس التعاون الخليجي والعراق، إضافة إلى حالة الغياب العربي الواضحة عن ترتيبات الأمن في الخليج.
من الخيارات التي طرحت لترتيبات الأمن الإقليمي في الخليج خيار الشراكة الأمريكية - الأوروبية عبر حلف الناتو، فما هو مغزى دخول الناتو ضمن التفاعلات الإقليمية والدولية في المنطقة؟ وما أثر ذلك على الترتيبات الأمنية المقترحة لمنطقة الخليج عموماً، خصوصاً في ظل استمرار احتدام الأزمة النووية بين الولايات المتحدة وإيران، فضلاً عن تزايد حالة التردي الأمني في العراق؟ وما هي القيود الماثلة أمام الدور المحتمل للناتو في المنطقة؟
يأتي اهتمام الناتو بأمن الخليج في إطار الإستراتيجية الجديدة التي يتبناها منذ أحداث الحادي عشر من سبتمبر، والتي تقوم على ضرورة توسيع الحلف لنطاق عملياته إلى خارج أوروبا، وبناء علاقات تعاون مع كافة جيرانه بمن فيهم أعداؤه السابقون وعلى رأسهم روسيا.
وتنطلق رؤية الناتو لأمن الخليج في بناء حلف متعدد الأقطاب يتقاسم أعضاؤه الأعباء والمهام، وتشجيع عملية التحول إلى تحالف ذي فاعلية أكبر، ومن أجل الاستفادة من هذه التجارب لابد من أن يتم الاهتمام بتوسيع برنامج الشراكة الذي يتبناه الحلف ليشمل دول الخليج(1).
وهناك من (2)يرى أن التمدد الاستراتيجي الأمريكي والأوروبي الذي يمثله الحلف الأطلسي بهذا التوجه نحو المنطقة العربية عموماً والخليجية خصوصاً، إنما ينطلق من أجندة استراتيجية عالمية تتعدى حدود هذه المنطقة، ولكن انطلاقاً من هذه المنطقة التي تمتد لتشمل العالم الإسلامي كله من إندونيسا إلى المغرب، والتي تطلق عليها الإدارة الأمريكية وصف (الشرق الأوسط الكبير). وهذا التمدد يجيء في أعقاب عدة متغيرات ومستجدات عالمية، منها تنامي ظاهرة الإرهاب بعد الحادي عشر من سبتمبر، وزيادة المخاوف الأطلسية من انتشار أسلحة الدمار الشامل في أيدى غير صديقة للغرب، وغياب حلف وارسو من الساحة العالمية مما فتح شهية الناتو للتوسع شرقاً، وتغيير استراتيجيته ليقوم بدور سياسي بعد أن كان عسكرياً فقط، وفي خارج أراضيه بعد أن كان قاصراً على أراضي دولة فقط، وبشن عمليات استباقية بعد أن كان دفاعياً فقط.
إن دور حلف الناتو في الشرق الأوسط لم يتوقف مع الحوار الأطلسي - المتوسطي فقط، لكنه تجاوز ذلك بالوصول إلى منطقة الخليج، لتنفيذ المشاركة في مجال الأمن مع هذه الدول كل على حدة، مع الأخذ في الاعتبار أن هذه الدول هي الأخرى تسعى لإيجاد علاقة أمنية مع الناتو، فمازال الأمن في منطقة الخليج يواجه العديد من المشكلات التي تتمثل في صعوبة إيجاد نقطة توازن في علاقات القوى الإقليمية يمكن أن تُشعر مختلف الأطراف الخليجية بالأمن، وكيفية تحقيق الموازنة بين العناصر الوطنية والإقليمية، والدولية في المعادلة الأمنية.
أولاً: الناتو ودول مجلس التعاون الخليجي .. تعاون وفق ضوابط محددة
على الرغم من أن الحوار بين دول مجلس التعاون الخليجي وحلف الناتو قد بدأ منذ مطلع التسعينيات، إلا أن التطور الحقيقي بهذا الشأن تمت مناقشته في مؤتمرين عقدا بالدوحة بالتعاون مع مؤسسة "راند" الأمريكية:
الأول: "تحولات الناتو والأمن في الخليج"، وقد عُقد في إبرايل 2004م، وبحث في طبيعة الدور الذي يمكن أن يلعبه الحلف في أمن الخليج، والمكاسب التي يمكن أن تجنيها دول المجلس من هذا التعاون أو الشراكة المرتقبة والتحديات التي تقف أمام مثل هذا التعاون.
والثاني: "دور الناتو في أمن الخليج"، وعُقد في ديسمبر 2005م، وظهر فيه اتفاق الأطراف المشاركة على ضرورة تفعيل الشراكة الاستراتيجية في مجال الأمن في ظل وجود تحديات مشتركة(3).
وأكد الأمين العام للحلف، الذي شارك في المؤتمر الثاني أن التهديدات التي تواجهها دول الحلف ودول الخليج تهديدات مشتركة، ودعا إلى التصدي للإرهاب، وانتشار أسلحة الدمار الشامل، والاتجار بالبشر، والأسلحة، والمخدرات، موضحاً أن قطر والكويت والبحرين والإمارات التي انضمت إلى مبادرة اسطنبول للتعاون حققت تقدماً طيباً في تطوير برامج عمل فردية مع كل دولة من هذه الدول(4).
وكشفت تصريحات المشاركين في المؤتمر عن توجه ما لتعزيز التعاون الأمني بين الناتو وبعض دول الخليج، حيث أشار وزير الخارجية القطري الشيخ "حمد بن جاسم" إلى أن دول الخليج دول صغيرة محاطة بدول كبيرة، ويجب أن تتخذ الإجراءات التي تضمن سلامتها وأمنها الداخلي دون إدخال العواطف في الأمور، معتبراً أن عقد اتفاقات أمنية مع "الناتو" ممكنة على الأقل بالنسبة لقطر؛ إلا أنه أوضح في المؤتمر الثاني أنه يمكن للجانبين الخليجي والأطلسي تحقيق المصلحة المشتركة للجميع على أساس مفهوم الشراكة الاستراتيجية للأطراف كافة، مؤكداً على أن الأمن السياسي لا يمكن أن يتحقق من دوت توافر الأمن الاقتصادي، ورأى أهمية السير بجد في عملية الديمقراطية والإصلاح السياسي بالتوازي مع عملية التنمية الشاملة.
وتدرك دول مجلس التعاون الخليجي بدورها أن صيغة المشاركة الأمنية الإقليمية، والمقننة والمعززة بصداقات وترتيبات أمنية إقليمية قائمة على الاحترام والمصالح المتبادلة، توليفة فرضتها ضرورة التعامل مع معطيات خلل علاقات القوى في المنطقة، وطموحات بعض القوى الإقليمية وتطلعاتها المتعارضة، لذا اتجهت بعض دول المجلس لفتح حوار مع الحلف في هذا الشأن.
وقد رحب الحلف بهذا التوجه، حيث أكد أمين عام الحلف في تصريح له لصحيفة الحياة اللبنانية 18-3-2005م تجديد التزام الحلف بتقديم المساعدة لدول مجلس التعاون الخليجي في إطار دعم قدراته الدفاعية، حيث قال: "يمكننا البحث في تبادل المعلومات، ووسائل الدفاع، وملائمة عتاد الدفاع، وإعادة هيكلة القوات المسلحة، ومهمات حفظ السلام، وتدريب ضباط البلدان المعنية في أكاديميات الدفاع التابعة للحلف"، وهو المعني ذاته الذي أعاد الأمين العام التأكيد عليه في صحيفة (الحياة بتاريخ 1-10-2005م) بالقول: "السلام والاستقرار في الشرق الأوسط والخليج ضروريان بالنسبة لدول الحلف"، مشيراً إلى أن دول الحلف تواجه الأخطار ذاتها التي تواجهها دول الشرق الأوسط خصوصاً الإرهاب وانتشار أسلحة الدمار الشامل.
ورغم ترحيب دول المجلس بالتعاون الأمني مع الناتو في بعض المجالات، إلا أنها أصرت على أن يكون هذا التعاون في إطار قاعدة الاحترام المتبادل البعيد عن منطق فرض الهيمنة لتحقيق المصالح المتبادلة بين الجانبين، والعمل على تطوير صيغ جديدة للتعاون والتكامل بين القوات العسكرية الخليجية لدعم قدرتها على الدفاع عن أمن المنطقة، والربط بين أمن اللخليج والأمن الإقليمي، وهو ما يتطلب التوصل إلى حل عادل ودائم وشامل للقضية الفلسطينية وللصراع العربي - الإسرائيلي عموماً وتطبيع الوضع في العراق.
ومع التسليم بأن أهداف الحلف المعلنة تجاه منطقة الشرق الأوسط عموماً ودول الخليج بخاصة تأتي ضمن برامج الحلف للتعاون مع الدول غير الأعضاء، ومنها برنامج الحوار المشترك مع مناطق يعتبرها الحلف إستراتيجية منها: جنوب المتوسط، والشرق الأوسط، ووسط آسيا، والقوقاز حيث تتضمن هذه البرامج حواراً يستهدف تعزيز الثقة والتعاون ويتضمن علاقات لا تنتهي بالعضوية، إلا أن الواقع يشير إلى أن هناك أهدافاً أخرى غير معلنة لهذا التوجه، وهنا يمكن الإشارة إلى ثلاثة أمور:
الأول: تمثل الدول الخليجية الست وبلدان البحر المتوسط الجانب الأكبر لمبادرة الشرق الأوسط الكبير التي دعت إليها الولايات المتحدة وتبنتها قمة الدول الصناعية الثماني في ولاية جورجيا الأمريكية في 8 يونيو 2004م، فضلاً عن قمة التحالف الأوروبي - الأمريكي في أيرلندا التي جمعت الرئيس الأمريكي مع رؤساء دول وحكومات الاتحاد الأوروبي في 26 يونيو 2004م، حيث كان محور قمة الناتو عام 2004م هو ذاته الذي اهتمت به القمتان المشار إليهما، وهي قضية الإصلاح في الشرق الأوسط الكبير والعراق، بما يعنى أن هناك تطابقاً بين توجهات الحلف والتوجهات الأمريكية والأوروبية بشأن الترتيبات المستقبلية في منطقة الشرق الأوسط.
الثاني: : انتقال الحلف من الدفاع عن أراضي الدول الأعضاء إلى الدفاع عن مصالحها المشتركة خارج نطاق أراضيها من خلال المشاركة في تنفيذ مفهوم الضربات الاستباقية أو الإجهاضية find and strike، أي الذهاب إلى مصادر التهديد والتعامل معها دون انتظار وقوعها، وفي هذا الشأن قال (جاب دى هوب شيفر) الأمين العام للحلف : "قوة الرد العسكري للحلف جاهزة وتعمل، ولدينا وسائل دفاع لمقاومة الإرهاب وبخاصة الهجمات الكيميائية والبيولوجية والإشعاعية والنووية"، وهنا تجدر الإشارة إلى أن حلف الأطلسي لايزال يخشى سعى القاعدة لامتلاك أسلحة دمار شامل، ومن ثم فقد أجرى خلال شهر يونيو 2005م تدريبات عملية باسم: "الفجر الأسود" وهى نموذج لعملية إرهابية وهمية تستهدف سبل التصدي للإرهاب النووي، ولاشك أن هذه التوجهات الجديدة للحلف، تتسق مع التوجه الأمريكي في هذا الشأن.
الثالث: يأتي الاهتمام الجديد من جانب الحلف بدول الخليج في إطار ما يطلق عليه: "عولمة الأمن في الخليج وتدويل قضاياه"، حيث يلاحظ أن التوجه الأمريكي بشأن منطقة الشرق الأوسط هو الذي أقنع الحلف بانتهاج هذا التوجه الجديد، والمساهمة في أمن الشرق الأوسط.
وهناك عوامل عديدة تدفع حلف الناتو إلى العمل على تطوير آلية للتعاون والشراكة مع دول مجلس التعاون الخليجي ومد مظلته الأمنية إلى المنطقة، يأتي في مقدمتها: ما تتمتع به المنطقة من إمكانات اقتصادية ونفطية هائلة تؤثر بشكل أو بأخر على مصالح دوله إذا ما تعرضت للتهديد، كما أن لدول الحلف مصلحة في الوجود العسكري في منطقة الخليج التي تتمتع بأهمية جوهرية من الناحية الجيواستراتيجية، وذلك للإبقاء على الأحداث الجارية في الشرق الأوسط وشمال وشرق أفريقيا ووسط وجنوب آسيا تحت السيطرة(5).
ورغم أن الولايات المتحدة الأمريكية تقوم بدور الضامن الرئيس للمصالح الأمنية للدول الغربية خارج حدود القارة الأوروبية، إلا أن ضرورات سياسية واقتصادية وعسكرية في بعض الحالات تفرض عليها أن تتقاسم مع حلفائها هذا العبء، لذا فإنها تحض حلفاءها الأوروبيين على أداء دور أكثر بروزاً في الدفاع عن تلك المصالح، وخصوصاً في منطقة الخليج العربي، التي تعتمد فيها أوروبا كلياً على القوة العسكرية الأمريكية لحماية إمدادات النفط التي قد تتعرض لمجموعة من الأخطار والتهديدات الداخلية والخارجية، الأمر الذي قد تواجه معه المؤسسة العسكرية الأمريكية ضغوطاً متزايدة للوفاء بالتزاماتها الأمنية العالمية، في وقت تتحمل فيه القدر الأعظم من عبء الدفاع عن المصالح الغربية المشتركة في المنطقة؛ لذا فإن الشراكة الأمريكية - الأوروبية في أمن الخليج وعبر حلف الناتو هو توجه تسعى الولايات المتحدة إلى تدشين أسسه باعتباره أحد أهم الضمانات لأمن الخليج. وفي هذا الإطار طُرحت عدة تصورات حول ماهية الدور الذي يمكن أن يلعبه الحلف في الحفاظ على أمن الخليج، أبرزها(6):
1- توسيع برنامج الحوار الأطلسي - المتوسطي، والذي يستهدف التوصل إلى مرحلة الشراكة مع 7 دول في المنطقة هي: (موريتانيا، والمغرب، وتونس، والجزائر، ومصر، والأردن، وإسرائيل) لتشمل دولاً أخرى في المنطقة من بينها دول الخليج.
2- أن يقوم الحلف بمهمة تحويل دول المنطقة بالقوة إلى ديمقراطيات عن طريق فتح مكاتب للناتو في بعض عواصم المنطقة لتقوم بهذه المهمة. وقد كشفت بعض الصحف الغربية في يناير 2004م نقلاً عن مسؤولين في الحلف عن وجود مساع من جانب الولايات المتحدة وتركيا لتوسيع منطقة عمليات الحلف بدعوة الدول السبع المذكورة، وربما قطر، للانضمام إلى مبادرة جديدة في إطار ما يسّمى: "برنامج الشراكة من أجل السلام"، الذي يقتصر حالياً على دول أوروبا الشرقية.
3- دعم التعاون في مجالات معينة دون أن يكون هناك إطار لتحالف رسمي بين الناتو ودول المجلس، وهذا التعاون قد يشمل التدريب المتخصص في مجال التخطيط المدني للتعامل مع حالات الطوارئ والكوارث، والتدريب في مجال إعداد الكوادر اللازمة للاضطلاع بمهام الإنقاذ وحفظ السلام وأمن الحدود ومحاربة عمليات التهريب، وتنسيق الأنشطة الاستخباراتية والعمليات الأمنية المشتركة، وتدريب القوات العسكرية التابعة لدول مجلس التعاون الخليجي على العمليات غير الهجومية، وعلي وجه الخصوص تدريبها على التعامل مع المجالات المذكورة آنفاً، إضافة إلى تبادل المعلومات في مجالات التحليل الأمني للتطورات الإقليمية، وإقامة علاقات مؤسساتية أفضل بين مختلف الأجهزة الأمنية في الجانبين. ويوجد الآن تعاون بين دول مجلس التعاون في بعض القضايا الأمنية، مثل: مكافحة غسيل الأموال، ومكافحة تهريب المخدرات.
4- الحلف ومبادرة اسطنبول: أطلقت قمة اسطنبول للحلف في يونيو 2004م، مبادرة: "الشرق الأوسط الموسع"، التي يتولى فيها الحلف الدور الأمني، وذلك من خلال دعم التعاون مع دول المنطقة في المجالين الأمني والعسكري لضمان عدم انتشار أسلحة الدمار الشامل، ومكافحة الإرهاب بجميع صوره وأشكاله، وعمليات التهريب بمختلف أنواعها. وسيقوم الحلف بمساعدة دول المنطقة في المجالات الأمنية، وإعطائها الخبرات اللازمة في هذا المجال، بجانب المعلومات، حتى تتم السيطرة على أي خطر أو تهديد قبل وقوعه.
وتشير الوثيقة، التي صدرت عن قمة الحلف، إلى أن (الناتو) يمكن أن يصبح قيمة مضافة في ميدان أمن الحدود، خصوصاً فيما يتصل بمواجهة الإرهاب والأسلحة الخفيفة بأنواعها، ومحاربة التهريب غير الشرعي، وزيادة التعاون في ميادين التخطيط الطارئ في الأصعدة المدنية. وتتضمن الجوانب العملية للوثيقة: المشاركة أو المراقبة لتدريبات الحلف، أو برامج المشاركة من أجل السلام، بالإضافة إلى المشاركة في قوات حفظ السلام التي يقودها الناتو.
ثانياً: الناتو والعراق .. تعاون في إطار المظلة الأمريكية
أثبتت التطورات الأخيرة على الساحة العالمية أن الولايات المتحدة الأمريكية لا تستطيع أن تحافظ على الأمن الدولي بمفردها، ويجب أن تتقاسم قوة أخرى معها هذا الدور، وهي متمثلة في حلف الناتو، الذي يجب أن يحافظ هو الآخر على أمنه وكيانه؛ ولذا حاولت واشنطن إشراك الحلف في الحرب في العراق، لكنها فشلت في ذلك نتيجة لمعارضة فرنسا وألمانيا، بدعوى أن طبيعة عمل وقتال قوات حلف شمال الأطلسي، والتي تحاول القوات الأمريكية الزج به في العراق، تختلف كثيراً عن قتال القوات المنظمة جيشاً مقابل جيش، فأعمال رجال المقاومة لا تتناسب مع قوات الحلف المنظمة، حيث تقوم هذه القوات بعمليات مثل زرع الألغام والمتفجرات على الطرقات والأحزمة المفخخة، والتي يصعب الكشف عن العديد منها، وهو ما تعاني منه الولايات المتحدة الأمريكية والقوات الأخرى المشاركة معها في العراق، بل وعجزت عن مواجهته في ظل الخسائر الدامية اليومية لها في العراق.
لكن الولايات المتحدة سعت إلى إشراك الناتو في القيام بدور أمني في العراق بعد انتهاء العمليات العسكرية بعدما أقنعت حلفاءها الأوروبيين بأن ذلك يحقق مصلحة مشتركة للطرفين، تتمثل في الأساس في الحيلولة دون سعى العراق الجديد لتهديد جيرانه بما يعني تهديد المصالح الغربية في المنطقة عموماً، بل والحيلولة دون عودة العراق إلى سابق عهده وإخراجه من منظومة التفاعلات الإقليمية والإبقاء عليه بصفة فيدرالية قد تضعف من دوره الإقليمي، وبالتالي فإن التهديد العراقي للمنطقة مستقبلاً لن ينبع من نظامه الحاكم، بل من انهيار الدولة ذاتها، ومن هنا فقد كان اهتمام قمة اسطنبول بالعراق، حيث أصدرت بياناً بشأنه، وافق فيه القادة على تقديم المساعدة في تدريب قوات الأمن العراقية، وقد جاء في البيان: "يستنكر الحلف كافة الهجمات الإرهابية ويدعو إلى إنهائها فوراً .. إذ إن الأنشطة الإرهابية التي تجرى في العراق وانطلاقاً منه تهدد الدول المجاورة في المنطقة برمتها"، وتوجد حالياً بعثة لحلف الناتو في بغداد تضم 165 شخصاً بينهم 24 مدرباً للمساعدة في تدريب 910 من الضباط العراقيين سنوياً.
وقد استند الحلف في دوره الجديد بالعراق إلى أمرين(7):
الأول: طلب الحكومة العراقية رسمياً مساعدة الحلف في تدريب القوات العراقية، حيث يشرف حلف الناتو حالياً على كليتي الأركان والدفاع الوطني العراقيتين تدريباً وتنظيماً وتنظيراً. ومن المتوقع أن يكتسب هذا التعاون زخماً خلال الفترة المقبلة، لاسيما أن رؤية الحكومة العراقية للجيش العراقي تتطابق ورؤية الناتو في هذا الشأن، فعند افتتاحه المدرسة العليا للجيوش لتأهيل ضباط الجيش العراقي الجديد بما يتفق والعقيدة العسكرية لحلف الناتو، قال (إبراهيم الجعفري) رئيس الوزراء العراقي "السابق" إنه يريد جيشاً قادراً على مواجهة الواقع اليومي على الرغم من أن الدستور العراقي قد نص على أن الدور الرئيس للجيش هو الدفاع عن البلاد ضد الاعتداءات الخارجية.
الثاني: قرارمجلس الأمن الدولي رقم (1546) الذي تضمن الطلب من المؤسسات الدولية والإقليمية تقديم العون للقوة متعددة الجنسية في العراق، ويلاحظ أن الحلف لم يقصر دوره على المساعدات الحالية، حيث أكد أمينه العام : "بالنسبة للمستقبل سنستمع إلى ما تطلبه الحكومة العراقية".
وقد حددت الولايات المتحدة رؤيتها للدور الجديد للناتو في العراق في المهام التالية:
*تتولى الوحدات التي يرسلها الحلف المراقبة الجوية والرصد والاستطلاع لتحديد مواقع المقاومة العراقية، على أن يتم ربطها بغرفة استقبال رئيسة تخضع للقيادة الأمريكية.
*عدم إرسال قوات عسكرية من قبل الحلف دفعة واحدة إلى العراق.
*ألا تشارك فرنسا في المهام العسكرية التي سيقوم بها الحلف في مواجهة المقاومة العراقية، وأن يقتصر دورها على تأمين ودعم البعثات الدولية الإنسانية وموظفي الأمم المتحدة.
ويتضح من تلك الرؤية أن هناك دوراً محدداً تراه الولايات المتحدة للحلف في منطقة الخليج والعراق بما لا يمثل تهديداً مستقبلياً لمصالحها.
ثالثا: الناتو وإيران .. حذر وتوجس متبادل
إذا كانت إيران تعد أكثر الأطراف الإقليمية الخليجية استفادة من الغزو الأمريكي للعراق عام 3003م، حيث أنهى التهديد العراقي لإيران وذلك بإخراج العراق من معادلة التوازن الإقليمي، إلا أنه أوجد واقعاً جديداً اعتبر تحدياً أمام السياسة الإيرانية، حيث أضحت إيران محاطة بالقوات الأمريكية في كل من العراق ودول الخليج وأفغانستان، وإذا كانت إيران قد استطاعت من خلال سياسة براجماتية أن تكيّف أوضاعها مع هذا الواقع الجديد، يدعمها في ذلك عدم الاستقرار الأمني في العراق حتى الآن، إلا أن التوجه الجديد للناتو سيكون تحدياً جديداً أمام إيران، خصوصاً في ظل احتدام العلاقات الإيرانية - الأمريكية من ناحية، والتخلي الأوروبي الواضح عن دعم طهران بشأن إحالة ملف إيران النووي إلى مجلس الأمن من ناحية أخرى، خصوصاً وأن قضية انتشار أسلحة الدمار الشامل تمثل أولوية متقدمة لدى الناتو، حيث أكد الحلف في إطار عقيدته العسكرية أن أحد التهديدات التي يواجهها هي تلك التي ترتبط أساساً بانتشار أسلحة الدمار الشامل، وقد أعلن غير ذي مرة أهمية ممارسة دور في تفعّيل الرقابة الدولية على تلك الأسلحة ونزعها.
وفي سبيل سعيها لتطوير برنامج نووي، حتى ولو لأغراض سلمية، فإن طهران سوف تصطدم بتوجهات الناتو، وفي هذا الصدد قال الأمين العام للحلف: "إن هذه المشكلة تستقطب اهتمام الحلف الموجود في كل من العراق وأفغانستان حتى وإن كان لا يتطلع إلى دور مباشر في إدارتها".
وتدرك إيران أن التواجد بل والتمدد الأطلسي في الخليج - سيكون له تداعياته السلبية عليها في المستقبل، وهو ما أكدته الدراسة التي أعدها مركز البحوث السياسية بمجلس الشورى الإيراني حول التداعيات التي يمكن أن تترتب على وجود قوات حلف الناتو بجوار إيران، وتتمثل في (8):
*وجود حلف الناتو بالقرب من إيران قد دخل مرحلة جديدة، حيث أدى وجود قوات الناتو في أفغانستان والعراق ودول آسيا الوسطى إلى التأثير على قرارات إيران الدفاعية.
*الدول الأعضاء في حلف الناتو أصبحت تنتهج سياسة هجومية بدلاً من السياسة الدفاعية التي كانت تنتهجها في السابق، ومن ثم فقد أصبح أي شعور بالتهديد مهما يكن صغيراً يواجهه أحد أعضاء الحلف، أو أدنى شعور بتعرض الأمن الجماعي لدول الحلف بالخطر من شأنه أن يوفر ذريعة لوجود عسكري وسياسي لقوات الناتو في منطقة التهديد.
*منذ الثمانينيات بدأ حلف الناتو يولى الاتجاه شرقاً اهتماماً كبيراً، ونظراً لأن إيران تمثل حلقة وصل بين منطقتين استراتيجيتين هما: أوراسيا والشرق الأوسط، وهما هدف سياسة حلف الناتو الجديدة نحو الشرق، لذلك يتعين على إيران أن تشعر بالمزيد من القلق لوجود قوات الناتو بالقرب منها.
وأوصت الدراسة صناع القرار في إيران بضرورة إيلاء أهمية كبرى لقدرات وحجم الجيش الجديد في العراق ونوع الأسلحة التي يزود بها حلف الناتو هذا الجيش.
وتعكس نتائج هذه الدراسة المخاوف الإيرانية من تدويل قضية الأمن في الخليج، وهو ما يتعارض مع الرؤية الإيرانية في هذا الشأن، والتي ترى أن أمن الخليج هو مسؤولية الدول المطلة عليه، وترفض أي دور أو وجود أجنبي في المنطقة.
من ناحية أخرى، فإنه في سعي الحلف للوصول إلى مناطق التهديدات وتنفيذ آلية الضربات الاستباقية من شأنه أن يمثل تهديداً لإيران، حيث إن تلك الضربات تتم بعيداً عن مجلس الأمن ووفقاً لرؤية الحلف في هذا الشأن. ومن ناحية ثالثة، وعلى الرغم من العلاقات الإستراتيجية بين إيران وروسيا، فإن احتمال انضمام روسيا لحلف الناتو سوف يرتب تداعيات خطيرة على الأمن القومي الإيراني، لأنه سيؤدي إلى إضعاف الدور الإيراني في صياغة الترتيبات الإقليمية، خصوصاً في منطقة آسيا الوسطى والقوقاز، وثمة مؤشرات على ذلك منها المناورات الروسية الأمريكية في بحر قزوين، وتعاون روسيا مع الولايات المتحدة في إطار ما يسمّى الحرب على الإرهاب، ويؤكد هذا الجولة التي قامت بها وزيرة الخارجية الأمريكية (كونداليزا رايس) إلى موسكو خلال شهر أكتوبر 2005م، وتضمنت كذلك بعض دول آسيا الوسطى، في محاولة لربط هذه الدول بأفغانستان الموالية للولايات المتحدة؛ وإذا ما تحقق ذلك فإن إيران ستصبح في مأزق حقيقي.
رابعاً: حدود الدور الأمني للناتو في منطقة الخليج
خيار الناتو بتصوراته المختلفة كإطار محتمل للأمن الإقليمي في الخليج من الصعب تطبيقه، لأنه يثير العديد من المشاكل بل والتهديدات للنظام الإقليمي الخليجي، وذلك بالنظر إلى الاعتبارات التالية(9):
1- إن دول الخليج وما يواجهها من تحديات داخلية على المستويين السياسي والاقتصادي ليست بحاجة إلى إثقال كاهلها، والمجازفة بإثقال كاهل التوازن الأمني الإقليمي الحساس للغاية عن طريق إقحام عنصر خارجي ضمن معادلة الإقليم الأمنية، في ظل التواجد العسكري الأمريكي المكثف في المنطقة.
2- إن بعض دول الخليج بدأت تدرك في الأونة الأخيرة، وتحديداً منذ أحداث الحادي عشر من سبتمبر، أن العلاقة العسكرية مع الولايات المتحدة لا توفر الأمن المطلق، كما أن حلف الناتو لا يستطيع أن يقدم الحل السريع والمثالي للمشكلات الأمنية التي تعاني منها المنطقة، لأن إقامة نظام أمني فاعل وقابل للاستمرار في منطقة الخليج لا يمكن أن يتوافر في نهاية المطاف إلاّ إذا أشرفت على وضعه وشاركت في تفعيله دول المنطقة. وقد تكون مساعدة القوات الخارجية في بداية الأمر ضرورية لتسهيل انطلاق العملية لتقوم الأطراف الخارجية بعد ذلك بلعب دور ثانوي، فبناء نظام أمني فاعل لابد أن يقوم على ثلاثة مفاهيم أساسية، هي: الإجماع من أجل تطوير رؤى مشتركة حول مشكلات المنطقة والحلول الممكنة لها؛ والشمولية في الرؤية، وهي ضرورية لضمان الأخذ بعين الاعتبار مصالح جميع دول المنطقة؛ وإمكانية التنفيذ التي لايمكن الاستغناء عنها إذا كانت هناك نوايا جادة في التوصل إلى اتفاقية يمكن تطبيقها على أرض الواقع وقادرة على تحقيق النتائج المرجوة منها.
3- رغم أن قيام حلف الناتو بفرض مظلته الأمنية على منطقة الخليج يمكن أن يحقق لها بعض المكاسب والمزايا الإيجابية مثل الدفاع عنها ضد أية اعتداءات خارجية محتملة، ومنحها حرية عقد صفقات التسليح، إلا أنه على الجانب المقابل قد يؤدي إلى العديد من التداعيات السلبية، التي منها ترسيخ الوجود العسكري للحلف في المنطقة، إذ سيكون من حق الحلف في هذه الحالة بناء قواعد عسكرية جديدة في المنطقة، التي تعد هي نفسها أحد مصادر التهديد للحلف طبقاً لاستراتيجيته الجديدة، الأمر الذي قد يثير معارضة بعض القطاعات الشعبية التي سترى في هذا الوجود العسكري احتلالاً لأراضيها، ومن شأن ذلك خلق حالة من التوتر وعدم الاستقرار في المنطقة، ويضعف من الثقة بين الأنظمة والشعوب، خصوصاً في ظل الهجمة التي تتعرض لها المنطقة من جانب بعض دول الحلف وعلى رأسها الولايات المتحدة(10).
فالواقع الراهن يشير إلى أن شعوب دول الخليج تعتبر أن الوجود العسكري الأمريكي يمثل حلاً على المدى القصير فقط، وليس هناك من حاجة إلى تمديده زمنياً على نحو غير محدد، وفي المقابل تتطلع إلى سياسات حكومية تسير في اتجاه صياغة وتنفيذ حلول أمنية فاعلة على الصعيد الإقليمي. وضمن سياق هذه التطلعات، يرى الكثير من أبناء منطقة الخليج أن الاعتماد المفرط على القدرات الأمريكية والغربية بشكل عام من شأنه أن يؤدي إلى حالة من الشعور بالرضا الذاتي والاسترخاء، وبالتالي تأجيل النظر في الاستحقاقات المرتبطة بضرورة صياغة سياسات أمنية بديلة. ومن المرجح أن يبرز عدد من المشكلات الفنية اللوجستية التي يحتاج حلها إلى وقت قبل أن يتحول التعاون بين الناتو ودول المجلس إلى إطار فاعل، ومع مرور الزمن قد يكون من الممكن حدوث تغييرات في أولويات الناتو، كما يمكن أن تتغير عوامل التهديد في المنطقة.
4- إن انضواء دول المنطقة في أية صيغة للتعاون والشراكة تضم كذلك إسرائيل - كما هو مخطط له وكما يعكسه " برنامج الشراكة من أجل السلام"(11) - سيدفع في اتجاه التطبيع الكامل للعلاقات بين إسرائيل والدول العربية الأخرى بصرف النظر عن مدى وفاء الأولى بالتزاماتها تجاه عملية التسوية السلمية، بما يهدد بضياع الحقوق العربية، فبموجب البرنامج المشار إليه، والذي يضم 7 دول عربية إضافة إلى إسرائيل - وهو البرنامج الذي يتوقع البعض توسيعه ليشمل دول المجلس - سيتم النظر في رفع مستوى العلاقات مع إسرائيل والدول العربية الأخرى إلى منزلة "شراكة السلام"، كما سيتم رفع مستوى العلاقات في إطار خطة للحوار تشمل: لقاءات سياسية، وتبادل بعثات عسكرية، وعقد مؤتمرات وتدريبات عسكرية، وتبادل المعلومات حول الإرهاب وعقد اجتماعات لوزراء دفاع دول الحلف والدول المعنية.
5- إن أي أطر أو صيغ يضعها الحلف للتعاون أو الشراكة مع دول المنطقة ستركز بصفة أساسية على تحقيق الأهداف الأمريكية(12) والتي ستركز بدورها على قضايا مكافحة الإرهاب وفرض الديمقراطية وتأكيد الهيمنة الأمريكية على المنطقة وإعادة رسم خريطتها السياسية بما يحقق مصالحها بشكل لا يمكن أن يساعد في تحقيق الأمن والاستقرار في الخليج، ومثلما فشلت الولايات المتحدة طيلة أكثر من ثلاثة عقود في تحقيق الأمن في هذه المنطقة، وتسببت سياساتهابشكل مباشر أو غير مباشر في اندلاع ثلاث حروب كبرى فيها، فإن إصرارها على المضي قدماً في سياساتها سيجعلها هي نفسها أحد أكبر مصادر التهديد للأمن والاستقرار في المنطقة.
6- يرتبط أي دور أمني محتمل للناتو في الخليج بتوافر توافق بين الحلف ودول الإقليم في الرؤى حول طبيعة التهديدات ومصادرها، إلا أن هذا لم يتحقق حتى الآن، فالولايات المتحدة بعد غزو العراق استبدلت استراتيجيتها القديمة (الحلفاء الاستراتيجيون) بعلاقات ثنائية فاعلة مع الدول الخليجية الأصغر ومنحتها صفة حليف من خارج الناتو، على حساب حلفائها التقليديين في إطار سياسة عُرفت بتخفيف الوجود وضمان الوصول ،بهدف إضفاء المرونة على الاستقرار الإقليمي. ومن ناحية أخرى، لا يزال التوتر هو السمة المميزة للعلاقات الإيرانية - الأمريكية الذي لا يقتصر على المفلف النووي فحسب، بل ويتعداه إلى قضايا أخرى في مقدمتها: العراق، والقضية الفلسطينية، والإرهاب. ومن ناحية ثالثة هناك اختلاف في الرؤية بين حلف الناتو وبين دول الإقليم الخليجي حول بعض المفاهيم، وفي مقدمتها تعريف الإرهاب والمقاومة المسلحة وحق الدفاع الشرعي عن النفس، وهى مفاهيم تثير انقساماً واضحاً بين أعضاء الناتو ودول الإقليم الخليجي، فضلاً عن الدول التي أجرى معها الناتو حوارات، فإسرائيل والولايات المتحدة وعدد من دول الحلف يرون أن الإرهاب يشمل المقاومة المشروعة وليس الأعمال الإرهابية الفعلية وحسب، بالإضافة إلى تأكيد الأمين العام للحلف أن الحلف لن يتدخل في قضية السلام إلا في مراحلها الأخيرة من خلال المساهمة في عمليات حفظ السلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين،
ومحصلة ذلك كله، أن دور الناتو في أمن الخليج، وإن كان يمكن الاستفادة منه في بعض المجالات كما سبق الإشارة، إلا أنه على الجانب الآخر يواجه بمعارضة واسعة من جانب العديد من القطاعات الشعبية، والمثقفين ومراكز التفكير، وأحد الأسباب لذلك أن الحلف سمح لنفسه، بأن يكون شرطي العالم، وأن يحدد بنفسه التهديدات للأمن والسلم الدوليين، وأن يتصرف وفقاً لذلك، بل إنه بدأ يسحب من مجلس الأمن الدولي اختصاصه الأصيل فيما يتصل بتهديدات الأمن والسلم الدوليين، وهو ما كشفت عنه بوضوح مواقفه من أزمة الملف النووي الإيراني