غيّب الموت أمس المغفور له بإذن الله تعالى نائب رئيس الاركان الأسبق الشيخ صالح المحمد الخالد عن عمر ناهز الـ 84 عاما بعد مسيرة وطنية وعسكرية حافلة، حيث تبوأ منصب نائب رئيس الأركان العامة للجيش في يوليو 1965. وتقاعد عام 1980، غير أنه استمر في متابعة أبنائه العسكريين مزودا إياهم بخبرته الطويلة. وبهذه المناسبة الأليمة، تتقدم «الأنباء»، التي آلمها المصاب، إلى أهل الفقيد بأحر التعازي، سائلين المولى عز وجل أن يتغمده بواسع رحمته ويلهم ذويه الصبر والسلوان. (إنا لله وإنا إليه راجعون).
ونعى الديوان الأميري الفقيد الكبير الذي ترجل عن صهوة الحياة بعد 84 عاما كان خلالها مثالا للكويتي المدافع عن وطنه، والذي يقدم الغالي والنفيس في سبيل رفعة الوطن، وإعلاء كلمته وشأنه بين الأمم. فارس من رجالات الجيش الكويتي النبلاء، الذين ساهموا في بنائه وتطويره، ولد في عام 1931 وانضم الى الجيش الكويتي في عام 1954 بعد عودته من بريطانيا، حيث اكمل هناك دراسته العسكرية وتدريبه الميداني، وعين ضابطا لمعسكر الجيوان الجديد خارج أسوار المدينة، حيث كان موقع تجمع وحدات الجيش كلها.
وكان الشيخ صالح، رحمه الله، خير عون لرئيسه الشيخ مبارك العبدالله الذي كان حينها يشغل منصب نائب القائد العام للجيش والقوات المسلحة، وكان الشيخ صالح مؤمنا بأن الجيش هو مفتاح الأمن في الكويت، وشارك في صناعة القرار العسكري وعاصر احداثا حافلة خلال عمله، عمل بجهد صادق، لا يكل ولا يمل، على ان تكون راية الجيش الكويتي خفاقة عالية، واكتسب احترام كل من عرفه لاخلاقه العالية ومقدرته العسكرية، وكان أول قائد عسكري يحمل علم الكويت عندما شارك الجيش الكويتي بلواء اليرموك في القتال على الجبهة المصرية في حرب 1967، فقد اصر على ان يكون جيش الكويت مع طلائع القوات المصرية التي عبرت سيناء وتعدت العريش حتى وصلت حدود فلسطين قبل النكسة.
حب الوطن
وكان نموذجا يحتذى في الجيش الكويتي لما عرف عنه من عشقه للعسكرية وحبه لوطنه، لقد تم تعيينه رئيسا للشعبة الثالثة في رئاسة الأركان في عام 1961 فكان الرجل المناسب في المكان المناسب لكون الشعبة الثالثة هي العقل المحرك للجيش والمسؤولة عن التدريب والعمليات والتنظيم، وساهم الشيخ صالح في تطوير العديد من المشاريع والقرارات والتمارين.
بداياته مع تأسيس الجيش
وعت الكويت باكرا أهمية وجود جيش يحقق الأمن والاستقرار في البلاد، وخاصة بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية، حيث بدأ الاهتمام بالقوة العسكرية التي ورث قيادتها المرحوم الشيخ عبدالله المبارك، رحمه الله، وهو القائد الأعلى للجيش والقوات المسلحة آنذاك والتي كانت مهمتها: حفظ الأمن ومنع عمليات التسلل والتهريب الحدودي، وتوفير الحماية للمباني الحكومية والمنشآت النفطية، وتوفير الحرس الخاص لصاحب السمو الأمير.
كانت بداية الجيش متواضعة حيث تشكلت قوة الحدود والأمن عندما طلب من بعض البحارة في التطوع في قوة الحدود وكان منهم العم عبدالله فراج الغانم وتم ايضا الطلب من بعض «الفداوية» الانخراط في السلك العسكري والانتساب للقوة الموجودة آنذاك.
ففي عام 1951 أوكلت مهمة التدريب للمجموعة للمرحوم جبرا شحيبر والمرحوم فوزي الخضرا ثم تم تسليح المجموعة بمركبات «برن» محملة برشاشات حتى وصول المدرب الانجليزي Boileau بولو التي تولى تدريب المجموعة معهم.
وفي عام 1953 تم تغيير المسمى إلى الجيش الكويتي وتم تقسيمه إلى قوات الأمن وقوات حرس الحدود بالإضافة إلى أقسام أخرى تخدم القسمين الرئيسيين.
عام 1954 بدأت مسيرة الشيخ صالح محمد الصباح بانضمامه للجيش الكويتي بعد تخرجه في بريطانيا ولم يكن حينها هناك تشكيل للجيش وتراوح عدد منتسبي القوات المسلحة في ذات الوقت بين 1600 و3000 وفي نفس العام تمت ترقية الشيخ مبارك العبدالله الصباح الى رتبة عقيد بعد تخرجه في كلية «ساند هيرست» الشهيرة ليصبح نائبا للشيخ عبدالله المبارك ـ رحمه الله.
وفي عام 1958 بعد ثورة عبدالكريم قاسم في العراق كان هناك ضرورة اتخاذ اجراءات احتياطية لحفظ الأمن في ذاك الوقت حيث اعلنت حالة الطوارئ لأول مرة في تاريخ الجيش الكويتي واستمرت لمدة ثلاثة اسابيع. بعدما أعلن عبدالكريم قاسم حاكم العراق في الساعة 19:17 من يوم 25 يونيو 1961 عن ضم الكويت للعراق وما تابعه من أحداث.
وفي تلك اللحظات العصيبة برزت مقدرة الشيخ صالح، رحمه الله، وكان الجيش الكويتي حينها يتكون من لواءين واستنفر الجيش الكويتي وأول عسكري خرج الى الحدود كان الشيخ صالح المحمد وكان العقيد الركن فهد الحقان مرافقا له ومعهما سيارة القيادة ذات الاجهزة اللاسلكية وكان يوم غبار شديد ووصلا إلى الحدود واتخذا مواقعهما حتى حضرت القوة الكويتية.
اشتدت الازمة وسمو الأمير الراحل الشيخ عبدالله السالم طلب من الحكومة البريطانية تطبيق الاتفاقية الامنية بين البلدين لمساعدة الكويت، حضر الجيش البريطاني، كذلك حضرت كتيبة انجليزية من «عدن» ومعهم دبابات سانشورن التي تدرب عليها أفراد الجيش الكويتي.
بعد فترة انسحب الجيش الانجليزي وحضرت الجيوش العربية من مصر والسعودية وغيرهما من الدول وتمركزوا على الحدود الشمالية.
وكان الدور الرئيسي للجيش الكويتي الذي وقف بقوة على الحدود رغم ضعف امكانياته ففي إحدى المرات وقف الشيخ صالح المحمد، رحمه الله، مع 5 من العسكريين طوال الليل لا يوجد معهم اكل سوى الماء.
عام 1965 كانت بداية مسيرة الإنجازات الفعلية للشيخ صالح محمد الصباح مع تعيينه نائبا لرئيس الأركان، وكان أول نائب لرئيس الأركان في تاريخ الجيش الكويتي.
وأثناء مسيرته العسكرية صدر عام 1967 قانون التجنيد الإلزامي في 16 مارس 1967 وتم العمل به في 18 مارس عام 1978 وتم تقسيم التجنيد إلى 3 شعب وهي شعبة العاصمة وشعبة حولي وشعبة الاحمدي حسب التقسيم الاداري القديم في ذلك الوقت.
كما أسلفنا كان الشيخ صالح رحمه الله أول قائد عسكري يحمل علم الكويت عندما شارك الجيش الكويتي بلواء اليرموك في القتال على الجبهة المصرية في حرب 1967.
جرى احتفال عسكري كبير في مدرسة تدريب المشاة بعد ظهر يوم 28 يونيو 1967 في اللواء السادس بالجهراء لتوديع لواء اليرموك، وخاطب أمير الكويت الشيخ صباح السالم حينها منتسبي لواء اليرموك قائلا رحمه الله : «لقد قررت أمتنا حسم هذا الأمر وقبول التحديات الاسرائيلية، وخوض المعركة متى نشبت، الى نهايتها» الى ان قال: «كم كان محببا لدي أن أكون معكم، كواحد منكم أشارككم المخاطر والمصير في السراء والضراء».
وقام آمر لواء اليرموك العميد صالح محمد الصباح بتسلم علم الكويت من صاحب السمو الأمير والاستئذان بمغادرة أرض الوطن لتحقيق هدف الأمة». وفي 2 يونيو تم نقل كتيبة المشاة 5 وكتيبة المغاوير، حيث وصلت الى مطارات القاهرة، ومطار فايد ومطار الكبريت. وقد التحقت القوة الكويتية بالفرقة السابعة المصرية بقيادة الفريق عبدالعزيز سليمان في رفح ضمن قاطع منطقة عمليات العريش، وتم إعداد مقر لقيادة اللواء في نادي ضباط قاعدة فايد واستخدمت احدى المدارس كقاعدة للمشاة الكويتيين لحين إرسالهم للجبهة.
كان الجيش الكويتي بعد أزمة قاسم مكونا من 3 ألوية، وبإرسال الكويت للواء اليرموك يكون قد تم إرسال ثلث الجيش الكويتي للجبهة بتسليحهم الجديد الذي تم شراؤه بعد أزمة قاسم. حيث تقرر ان يتم تشكيل لواء (مجحفل) مكون من 4 كتائب هي كتيبة الدبابات وكتيبة الصواريخ وكتيبة المغاوير وكتيبة المشاة. كان لواء اليرموك في حجمه العددي يقترب مما يعرف في العسكرية (لواء-) ويعني ذلك حوالي الألف رجل، دون حساب عدد الجنود المهنيين من طباخين وميكانيكيين وكهربائيين، وإن كان هناك من قال ان اللواء كان حوالي 1500 رجل.
عرف الشيخ صالح رحمه الله بشيخ المجابهة والبطولات، خاصة بعد هذه الحادثة التي جرت مع لواء اليرموك، فقد طلبت القيادة المصرية تحريك القوات الكويتية بأسرع وقت ممكن الى منطقة رفع في قطاع غزة، وكان ذلك يتطلب خطوة تنسيق التحرك وهي مهمة استطلاع القائد للمواقع الجديدة وطريق مسير قواته الى هناك، حيث تم تشكيل فريق استطلاع بالهليكوبتر تحرك في يوم 4 يونيو 1967 للجبهة وكان مشكلا من العميد صالح الصباح والمقدم سعدي مطلق والمقدم محمد البدر.
قسم القادة المصريون جبهة سيناء عشية حرب يونيو 1967 الى المحاور الثلاثة الشمالي والأوسط والجنوبي، ويظهر وضع القوات الكويتية في رفح وهو قاطع عمليات العريش او المحور الشمالي حجم الاعتماد عليها ربما ليس لحجمها ولكن بما تملك من سلاح حديث وتدريب جيد، لأن المحور الشمالي كما قدرت القيادة المصرية يأتي في المرتبة الثانية في ترتيب أهمية المحاور حسب صلاحيتها للهجوم الإسرائيلي.
رفض العميد صالح الصباح الموقع المخصص للقوة الكويتية الذي اقترحه قائد القطاع اللواء عبدالعزيز سليمان في رفح لأنه لا يجابه العدو، وتم اختيار موقع على ميسرة لواء مصري مدرع يقوده اللواء مصطفى شاهين الذي أصبح رئيس أركان الجيش الميداني الثالث في حرب اكتوبر 1973، وقد طلب العميد صالح إسناد مدفعي للقوات الكويتية التي لا مدافع معها في ذلك الحين، حيث وفر المصريون 3 مدافع.
عند عودة فريق الاستطلاع من العريش توقفوا في مطار تمارا وهناك تخلف عنهم العقيد عبدالستار مدير مكتب المشير عامر لأنه مكلف بالتحضير لزيارة المشير غدا للفرق الموجودة في سيناء وهو يوم 5 يونيو 1967، وهي الزيارة التي صارت جزءا من أدبيات هزيمة يونيو 1967 وتم جعلها ذريعة لعدم التصدي للطيران الاسرائيلي، حيث كانت صواريخ الدفاع الجوي وطائرات الاعتراض مقيدة لوجود طائرة المشير في مكان غير محدد من أجواء سيناء في ذلك النهار، اما الأمر الآخر الأكثر ضررا من نتائج تلك الزيارة فكان استدعاء كل قادة الوحدات في سيناء لهذا الاجتماع الذي عقد في فايد على البحيرات المرة، حيث كان قادة القوات مجتمعين هناك بعيدا عن قواتهم في الساعة الثامنة من صباح 5 يونيو عندما تمت مهاجمة مطار فايد وهم فيه، فصارت القوات في سيناء من دون قادتهم كجسم من دون رأس، حيث لم يستطع القادة الوصول لقواتهم إلا قبيل الغروب لوعورة الطريق ولحاجتهم لـ 5 ساعات على الأقل للوصول الى هناك.
بعدها اجتمع العميد صالح الصباح مع قادة اللواء للإعداد للانتقال للموقع الجديد في سيناء، وتم تحديد مساء يوم 4 يونيو 1967م لحركة القوات الكويتية الى الخط الأول قرب العريش، وكان على القوة الكويتية ان تقطع سيناء للوصول الى مواقعها الجديدة.
كانت قرارات الشيخ صالح المحمد الصباح حازمة وفاعلة في تلك الأيام، فحين تنظر الكويت الى داخل صدرها ستجد الكثير من أبنائها الذين يستحقون ان تفخر بهم من رجال حرب الـ 1967 وعلى رأسهم الشيخ الراحل صالح المحمد، رحمه الله، ونخبة كبيرة من الأبطال منهم النقيب عبدالوهاب المزين، والجندي محمد حسين الذين قاما بعبور القناة سباحة من الشرق للغرب، وقد كلفهم آمر لواء اليرموك العميد صالح المحمد الصباح بالسباحة مرة أخرى الى الشرق والعودة الى سيناء لإبلاغ من يجدونه من بقية أفراد القوة بالتوجه شمالا حيث تنتظرهم المراكب في بحيرة البردويل، وتم منحهم مكافأة على هذا العمل الجريء، حيث عبرت المجموعات الكويتية من بحيرة البردويل الى بورسعيد بواسطة أربع سفن تم إركاب الجنود فيها أولا ثم الضباط.
على الخطوط الخلفية في مطار فايد كان قائد لواء اليرموك العميد صالح المحمد الصباح في صبيحة يوم 5 يونيو لايزال يجهز بقية اللواء للالتحاق برفاقهم الذين سبقوهم، وبعد أقل من ساعة أغارت عليهم وهم يسيرون طائرة أميركية من نوع سكاي هوك تحمل العلم الإسرائيلي وأطلقت عليهم وابلا من نيران رشاشها، مما جعلهم يصدرون الأوامر بحفر الخنادق وأخذ المواقع الدفاعية فقد بدأت جولة اخرى من الصراع العربي ـ الإسرائيلي، وبالفعل تعرضوا الى 12 غارة جوية اسرائيلية في ذلك النهار.
من جانب آخر انطلق المقدم محمد عبدالعزيز البدر لتفقد قطار الشحن الثاني الذي غادر وهو يحمل المدافع والآليات، وكان قد عبر جسر الفردان الذي تم قصفه أثناء عبور القطار لكن الأسلحة سلمت من الدمار وتم إنزالها ونشرها بين الأشجار، ارادت القيادة السياسية والعسكرية على أعلى المستويات معرفة مصير لواء اليرموك، ولتبديد الحيرة تم في اليوم الثاني من الحرب تجهيز عربات نقل محملة بالذخيرة والمواد الغذائية لإسناد القوة المعزولة في مكان ما قرب العريش، وسارت قافلة الإنقاذ الكويتية في فايد الى القنطرة شرق، وفي الساعة الحادية عشرة مساء تم إيقاف الرتل من قبل ضباط مصريين نجحوا في اقناع القوة بالتوقف والعودة من حيث أتت، إلا انهم كانوا بصدد تنفيذ عملية انتحارية طرفاها شاحنات كويتية ضد فرقة مدرعة إسرائيلية، ولم يتعد أسلوب إقناع المصريين اكثر من الطلب من قائد القوة ان يضع أذنه على الاسفلت ليسمع صوت جنازير الدبابات الإسرائيلية وهي مقبلة، ولم يبدد حالة القلق إلا وصول الملازم فيصل الخترش مرسلا من العقيد عبدالله فراج حيث أبلغهم بسلامة القوة وبخطة العقيد بالانسحاب.
نتيجة تغير الوضع على الجبهة بشكل كبير، طلبت القيادة المصرية في اليوم الثالث من الحرب من القوة الكويتية التي بدأت الحرب قبل تمكنها من دخول سيناء ان تغير مكانها من فايد الى موقع متقدم على البحيرات المرة، وقد ذهب قائد القوة العميد صالح الصباح، رحمه الله، لاستطلاع الموقع الجديد فوجده مستودع ذخيرة ضخما مبنيا فوق الأرض، ولم يكن أمامه إلا ان رفض تسلم الموقع لخطورته، ولم يذهب تقديره سدى حيث أغارت الطائرات الإسرائيلية على المستودع عصر اليوم الرابع من الحرب فحولت تلك الليلة الى نهار استمر الى صباح اليوم التالي من جراء تواصل الانفجارات، وقد بكى بحرقة العميد المصري خضير الذي كان صاحب اقتراح نقل القوة الكويتية الى هذا الموقع.
كعادته دائما كان العميد الراحل الشيخ صالح الصباح رجل المسؤوليات فقد نزلت القوة الكويتية التي حملتها المراكب من بحيرة البروديل في بورسعيد وهناك استقبلهم الضباط المصريون بحرارة وحيوهم على تحمل عناء القتال والضياع معهم، حيث تم نقلهم الى احد المباني الحكومية وهم في حالة يرثى لها من جراء المسير الطويل، وقد احتاجوا الى ثلاثة أيام من الراحة وزعت عليهم خلالها الملابس والأطعمة والادوية، ثم تم نقلهم الى نقطة تجمع القوات الكويتية الجديد، وقد تم تخصيص موقع للقوة الكويتية في دهشور بالقرب من القاهرة، وهناك استقبل العائدون الشيخ العميد صالح الصباح الذي بادرهم بالقول: «أنا اتحمل المسؤولية عما حدث لنا جميعا» وقد حيا سرية المغاوير التي يقودها النقيب علي دهيمان الشمري فقد تماسكت السرية ولم تتعرض الى التشرذم خلال عبور سيناء وعاد افرادها سالمين بسلاحهم، كما تمت مكافأة النقيب عبدالوهاب المزين والجندي محمد حسين على شجاعتهم وبعد اعادة تنظيمها رجعت القوة بعد شهر واحد الى الجبهة واخذت مواقع لها في جزيرة الفرسان وبحيرة التمساح حيث خاضت معارك حرب الاستنزاف وحرب اكتوبر 1973.
وعلى الرغم من الحزم والصلابة التي تميز مواقفه وقراراته الا ان العميد الراحل كان عادلا من دون تفرقة حكيما من دون تعسف، امينا بلا حدود، قائما بواجباته ومسؤولياته بأقصى درجات الالتزام والاخلاص، وكان وضوح قرارته وعشقه للعسكرية وحبه لوطنه ومواظبته على العمل في كل الظروف ما جعل منه مشعلا يرى الجميع فيه النموذج العسكري الامثل الذي تبنى عليه الجيوش، وتقاعد بعد حياة عسكرية حافلة في عام 1980.
وأثناء الاحتلال الصدامي للكويت الذي بدأ في الثاني من اغسطس 1990 ورغم اصابة ابنه في معركة الدفاع عن رئاسة الاركان ظل الشيخ صالح، رحمه الله، يتابع ابناءه العسكريين الموجودين في الكويت ويزودهم بالنصائح والمال رغم حساسية موقفه وخطورته لكونه مطلوبا من النظام العراقي.
يرحل اليوم الشيخ صالح المحمد الصباح، تاركا خلفه ارثا من المبادئ والمثل التي بمثلها تبنى القوات المسلحة التي تمزج بين حب الوطن والدفاع عنه والالتزام بقيمة الانسان ومبادئه.
(يأيتها النفس المطمئنة ارجعي إلى ربك راضية مرضية فادخلي في عبادي وادخلي جنتي) صدق الله العظيم
يعز على نفسي أن أرثي المغفور له بإذن الله تعالى المرحوم الشيخ صالح المحمد الخالد المحمد الصباح الذي انتقل الى جوار ربه بعد رحلة ممتدة زاخرة بالعطاء وبعد مشوار حافل بالأعمال الوطنية الجليلة والبصمات الخالدة التي تركها في الجيش الكويتي وخارجه.
لقد رحل فقيد الكويت الكبير بهدوء بعد ان ادى رسالته الوطنية بكل صدق وأمانة وإخلاص واقتدار، فقد ضحى بالجهد والوقت والصحة من اجل الكويت والحفاظ على أمنها واستقرارها.
لا يعرف الكثيرون من شباب الكويت هذا الرجل وقيمته وقامته الكبيرة فقد كان هادئ الطبع قليل الكلام لا يحب الضوضاء والضجيج فعمل بصمت وحقق انجازات كثيرة في القوات المسلحة وترك بصمات واضحة في نفوس ابنائه من رجال الجيش الكويتي فقد كان قدوة حسنة لكل من عمل معه او عايشه او سمع عنه وعن انجازاته بعد تقاعده.
كان المرحوم الشيخ صالح المحمد الصباح علامة بارزة من حيث الضبط والربط وحسن القيادة والحزم والشدة رغم بساطته وتواضعه وهدوئه.
عرفته الكويت بجهوده الكبيرة ومواقفه الوطنية المشرفة في معظم الأحداث والمشاهد التي مرت على الكويت منذ دخوله السلك العسكري في بداية الخمسينيات وحتى تقاعده أوائل الثمانينيات.
فقد كان الفقيد الراحل، طيب الله ثراه، أول نائب لرئيس أركان الجيش الكويتي واستمر في منصبه حتى تقاعده، وعندما تعرضت الكويت لتهديدات حاكم العراق عبدالكريم قاسم في مطلع الستينيات كان الشيخ صباح المحمد الصباح اول عسكري يتوجه الى الحدود واتخذ موقعه مع نفر قليل من جنوده حتى حضرت إليه القوة الكويتية.
كما كان الفقيد الراحل على رأس القوات الكويتية التي توجهت الى سيناء لمناصرة الشقيقة مصر عقب نكسة عام 1967 حتى تحقق النصر في اكتوبر 1973.
عايشته لأشهر قليلة عندما التحقت بالجيش في مطلع الثمانينيات لكنني كنت عاشقا لمجلسه الخاص بعد تقاعده شأن اعداد كبيرة من العسكريين على اختلاف رتبهم ومناصبهم للاستفادة من خبراته الواسعة وحديثه الشيق الذي يثري الآخرين.
فقد ظل الجيش الكويتي في قلبه ووجدانه حتى وافته المنية وكان يتابع تطوراته بدقة للاطمئنان على أبنائه البواسل الذين عهدت إليهم امانة الحفاظ على امن الوطن واستقراره.
لم تفارقه ابتسامته ولم يتخل عن بساطته وتواضعه في اي وقت من الاوقات.. كان يملك الشخصية التي تجذب الجميع حوله.. تميز بالحكمة والحنكة والرؤية الثاقبة وكان عنيدا في الحق لا يحيد عنه ولا يجامل فيه.
ان الكلمات مهما كانت بلاغتها لا تكفي لرثاء رجل من رجالات الكويت الكبار والمخلصين بقيمة وقامة المرحوم الشيخ صالح المحمد الخالد المحمد الصباح، اسكنه الله فسيح جناته، الذي كان دائما محل محبة وتقدير واحترام الجميع.
فقد كان قائدا ووالدا ومعلما لجميع ابنائه العسكريين سواء الذين عايشوه او الذين سمعوا عن سيرته ومسيرته وكان حكيما من حكماء الكويت ورمزا من رموزها.. محبا لأرضها وعاشقا لأبنائها.
رحم الله الفقيد الراحل ونسأل الله أن يتغمده بواسع رحمته ويلهم أهله وذويه وتلاميذه ومحبيه الصبر والسلوان.