الكواكب الأرضية في نظامنا الشمسي بأحجامها النسبية تقريبًا. من اليسار: عطارد، الزهرة، الأرض، المريخ.
المصدر: Lunar and Planetary Institute
طوال دراسة نظامنا الشمسي على مدى قرون عديدة، عرف علماء الفلك الكثيرَ عن أنواع الكواكب المتواجدة في كوننا. وقد توسّعت معارفنا منذ ذلك الحين بفضل اكتشاف الكواكب خارج النظام الشمسي (extrasolar planets)، والعديد من هذه الكواكب قريبة الشبه لما رصدناه هنا في الجوار. فبينما اكتُشفت مئاتٌ من العمالقة الغازية المتفاوتة من حيث الحجم (والتي تُعتبر سهلة الاكتشاف بسبب أحجامها الكبيرة)، فقد رُصدت العديد من الكواكب المشابهة للأرض. تُعرف هذه الكواكب باسم "الكواكب الأرضية" (terrestrial planets)، وهي تسمية تخبرنا الكثير عن كيفية تكوّن هذا الكوكب.
التعريف
يُعرّف الكوكب الأرضي، والذي يُسمى أيضاً بالكوكب التيلّوري (telluric) أو الصخري (rocky)، بأنه جرمٌ سماوي يتكون بالأساس من الصخور السيليكاتية أو المعادن ويمتلك سطحًا صلبًا، ويميّزه ذلك عن العمالقة الغازية (gas giants) التي تتكون بالأساس من الغازات كالهيدروجين والهيليوم والماء وبعض العناصر الأثقل الموجودة بمختلِف الحالات.
وقد تم اشتقاق مصطلح الكوكب الأرضي (terrestrial planet) من كلمة Terra اللاتينية، والتي تعني "الأرض". فالكواكب الأرضية تسمى أيضًا بالكواكب الشبيهة بالأرض (Earth-like)، وهذا يعني أنها تشبه الأرض في تركيبها ومكوناتها.
التركيب الداخلي والخصائص
تمتلكُ جميع الكواكب الأرضية نفس التركيب تقريبًا: نواةٌ معدنيةٌ في المركز تتكون بمعظمها من الحديد ويحيط بها معطف (mantle) من السيليكات. تمتلك هذه الكواكب مميزات سطحية مشتركة، والتي تتضمن الأودية الضيقة (canyons)، والفوهات (craters)، والجبال والبراكين والتراكيب الأخرى المتماثلة، ويعتمد ذلك على وجود الماء والنشاط التكتوني (tectonic activity).
تمتلك الكواكب الأرضية أيضًا أغلفة جوية ثانوية نشأت بفعل النشاط البركاني أو اصطدامات المذنبات. وهذا ما يميزها أيضًا عن العمالقة الغازية، والتي تكون أغلفتها الجوية أولية، بعد أن أسرَتْها مباشرةً من السديم الشمسي الأصلي.
تتميز الكواكب الأرضية أيضًا بأن توابعها قليلة أو معدومة، فلا يمتلك عطارد والزهرة أي توابع، بينما تمتلك الأرض تابعاً واحدًا فقط وهو القمر (the Moon). يمتلك المريخ تابعَيْن هما فوبوس (Phobos) وديموس (Deimos)، ولكن هذين التابعين هما أقرب شبهًا بالكويكبات الكبيرة منهما بالتوابع الفعلية. وعلى عكس العمالقة الغازية، فإن الكواكب الأرضية لا تمتلك منظومة من الحلقات المحيطة بالكوكب.
الكواكب الأرضية في النظام الشمسي
رسم فني لمجموعة من الكواكب الخارجية الشبيهة بالأرض التي تم اكتشافها خلال السنوات الأخيرة. المصدر: NASA/JPL
إن جميع الكواكب الموجودة ضمن الجزء الداخلي من النظام الشمسي، وهي عطارد والزهرة والأرض والمريخ، هي أمثلةٌ على الكواكب الأرضية. وتتكون جميع هذه الكواكب من الصخور السيليكاتية والمعادن، وتختلف فيما بينها من حيث الكثافة. تتركب هذه الكواكب من نواة معدنية ومعطف سيليكاتي. يمتلك القمر أيضًا تركيبًا مشابهًا، ولكن نواته الحديدية أصغر بكثير.
يمتلك تابعا المشتري آيو (Io) ويوروبا (Europa) أيضًا تركيبًا داخليًا مماثلًا للكواكب الأرضية. وتقترح نماذج التركيب الداخلي بالنسبة للتابع آيو أن المعطف يتكون بشكل أساسي من الصخور السيليكاتية والحديد، والتي تحيط بنواة مكونة من الحديد وكبريتيد الحديد. من ناحية أخرى، يُعتقد أن يوروبا يمتلك نواةً حديدةً محاطة بطبقة خارجية من الماء.
تتشابه الكواكب القزمة (dwarf planets)، مثل بلوتو وسيرس وكذلك الكويكبات الكبيرة الأخرى، مع الكواكب الأرضية في أنها تمتلك سطحًا صلبًا. ولكنها مع ذلك تختلف عنها في أن كمية المواد الجليدية فيها تتفوق نسبياً على كمية الصخور.
الكواكب الأرضية خارج النظام الشمسي
معظم الكواكب المكتشفة خارج النظام الشمسي هي عمالقة غازية، والسبب في ذلك هو أن هذه الزمرة من الكواكب أسهل رصدًا. ولكن مع ذلك فقد اكتُشفت منذ عام 2005 المئات من الكواكب الأرضية المحتملة، وقد اكتُشف أغلبها بواسطة مهمة تلسكوب كبلر الفضائي (Kepler space mission)، ومعظم هذه الكواكب هي من النوع المعروف باسم "الأراضي الفائقة" (super-Earths)، ويعني هذا المصطلح أن كتلة الكوكب تتراوح بين كتلتي الأرض ونبتون.
ومن الأمثلة على الكواكب الأرضية الخارجية نذكر الكوكب غليز Gliese 876d) 876d)، وكتلة هذا كوكب أكبر من كتلة الأرض بسبع إلى تسع مرات، وهو يدور حول القزم الأحمر غليز 876 (Gliese 876)، والذي يقع على بعد حوالي 15 سنة ضوئية من الأرض. كما تم تأكيد وجود ثلاثة (أو ربما أربعة) من الكواكب الخارجية بين عامي 2007 و2010 في منظومة النجم غليز 581 (Gliese 581)، وهو قزم أحمر آخر يقع على بعد 20 سنة ضوئية من الأرض.
تبلغ كتلة أصغر هذه الكواكب، وهو الكوكب غليز Gliese 581e) 581e)، حوالي 1.9 ضعف كتلة الأرض، ولكنه يدور قريبًا جدًا من نجمه. ويُعتبر الكوكبان الآخران، وهما غليز Gliese 581c) 581c) وغليز Gliese 581d) 581d) بالإضافة إلى الكوكب الرابع المقترح غليز Gliese 581g، من الكواكب الأرضية الفائقة ذات الكتلة الأكبر، والتي تدور حول النجم في المنطقة الصالحة لوجود الحياة (habitable zone) أو قريباً منها. وإذا كان هذا صحيحًا، فقد يعني ذلك بأن من المحتمل أن تكون هذه العوالم كواكب شبيهة بالأرض وصالحة للحياة.
وفي عام 2011 عثرت مهمة تلسكوب كبلر الفضائي على أول الكواكب الأرضية الخارجية، وهو الكوكب كبلر Kepler 10b) 10b) الذي تفوق كتلتُه كتلةَ الأرض بحوالي ثلاث إلى أربع مرات ويقع على بعد 460 سنة ضوئية من الأرض. وفي نفس السنة نشر فريق مرصد كبلر الفضائي قائمةً بــ 1235 جُرم مرشح لأن يكون من الكواكب الخارجية، حيث كانت ستةٌ من الأجرام الموجودة على هذه القائمة من الكواكب فائقة الحجم (أي أن قطرها يبلغ أقل من ضعف قطر الأرض) أو ذات الحجم المشابه للأرض، والتي تدور حول نجومها في المنطقة المدارية الصالحة لوجود الحياة.
ومنذ ذلك الحين اكتشف كبلر مئاتٍ من الكواكب التي يتراوح حجمها بين حجم القمر والأراضي الفائقة، مع عدد أكبر من الكواكب المرشحة لأن تكون ضمن نطاق الحجم هذا. وفي كانون الثاني/يناير من عام 2013 بلغ عدد الأجرام المرشحة لأن تكون من الكواكب الخارجية حوالي 2740 كوكبًا.
الفئات
الطبقات المتعددة التي تؤلف التركيب الداخلي للأرض. المصدر: discovermagazine.com
اقترح العلماءُ عددًا من الفئات لتصنيف الكواكب الأرضية. فالكواكب السيليكاتية (silicate planets) هي النوع القياسي من الكواكب الأرضية التي توجد في النظام الشمسي، والتي تتكون بالأساس من معطف صخري سيليكاتي ونواة معدنية من الحديد.
والكواكب الحديدية (iron planets) هي نوع نظريّ من الكواكب الأرضية، وتتكون بشكل كامل تقريبًا من الحديد، وبالتالي فهي تمتلك كثافة أكبر ونصف قطر أصغر مقارنة بالكواكب الأرضية الأخرى ذات الكتلة المماثلة. ومن المعتقد أن هذا النوع من الكواكب يتشكل ضمن منطقة الحرارة العالية القريبة من النجم، حيث يكون القرص الكوكبي الأولي (protoplanetary disk) غنيًا بالحديد. ويُشكل عطارد مثالاً محتملاً لهذا النوع من الكواكب، حيث تَشكل ضمن منطقة قريبة من شمسنا، وتُشكّل كتلة نواته المعدنية حوالي 60-70% من الكتلة الإجمالية للكوكب.
تُشكل الكواكب عديمة النواة (coreless planets) نوعًا نظريًا آخر من الكواكب الأرضية، فهي تحتوي على صخور السيليكات دون أن تمتلك نواةً معدنية. وبعبارة أخرى فإن الكواكب عديمة النواة تشكل نقيضاً للكواكب الحديدية. ومن المعتقد أن الكواكب عديمة النواة قد تشكلت في المناطق الأبعد عن النجم حيث تكون المواد المؤكسدة الطيارة أكثر شيوعًا. وعلى الرغم من أن النظام الشمسي لا يمتلك كواكب عديمة النواة، إلا أن الكويكبات الكوندريتية (chondrite asteroids) والأحجار النيزكية هي من الأجرام الشائعة في النظام الشمسي.
بالإضافة إلى ذلك فإن هناك أيضاً الكواكب الكربونية (carbon planets)، والتي تعرف أيضًا باسم الكواكب الماسية (diamond planets)، وهو صنفٌ نظريّ من الكواكب التي تتكون من نواة معدنية وتحيط بها مركبات كربونية بالدرجة الأولى. ومجددًا فإن النظام الشمسي لا يحتوي على كواكب تتناسب مع هذا الوصف، ولكنه يمتلك كمية وافرة من الكويكبات الكربونية (carbonaceous asteroids).
لقد حصل العلماء حتى اليوم على جميع معلوماتهم عن الكواكب (بما في ذلك كيفية تشكلها والأنواع المختلفة الموجودة منها) من خلال دراسة نظامنا الشمسي. ولكن معارفنا عن الكواكب قد تنامت باضطراد مع التوسع الكبير الذي طرأ على اكتشاف الكواكب الخارجية خلال العقد الماضي.
إن أحد الأسباب التي ساهمت في ذلك هو أننا قد أدركنا بأن حجم ونطاق الكواكب هو أكبر مما كنا نعتقد سابقًا. وقد شاهدنا لأول مرة كذلك العديدَ من الكواكب المشابهة للأرض في الأنظمة الشمسية الأخرى، والتي قد تكون أيضًا صالحةً للسكن.
ومن يدري ما الذي يُمكن أن نعثر عليه حين نصبح قادرين على إرسال المسابر والمهام التي يقودها البشر إلى الكواكب الأرضية الأخرى!
https://nasainarabic.net/education/articles/view/terrestrial-planet