مع سحب الجيش الأمريكي للكثير من قواته من العراق وأفغانستان، فإن معظم الأمريكيين غير مدركين بأن مئات القواعد الأمريكية ومئات الآلاف من القوات الأمريكية لا تزال تطوق العالم، من هندوراس إلى عمان ومن اليابان إلى ألمانيا ومن سنغافورة إلى جيبوتي، كما كتب "ديفيد فاين" في مقال نشره موقع "هافنغتون بوست".
وقد أوضح ذلك الباحث والمستشار السابق في وكالةCIA، تشالمرز جونسون عندما كتب في عام 2004: "..معظم الأميركيين لا يعترفون -أو لا يريدون الاعتراف- بأن الولايات المتحدة تهيمن على العالم من خلال قوتها العسكرية. وبسبب التكتم الحكومي، فإن مواطنينا يجهلون في كثير من الأحيان حقيقة أن حامياتنا تطوق كوكب الأرض".
ويتصور الأمريكيون عموما أن هذا التطويق أساسيا للأمن القومي والسلام العالمي. وقد ادعى قادتهم هذا منذ إنشاء معظم هذه القواعد خلال الحرب العالمية الثانية وخلال الأيام الأولى للحرب الباردة.
ونتيجة لذلك، فإننا نرى أن الوضع طبيعي، وقد قبلنا بمنشآت عسكرية أمريكية بأعداد مهولة في بلدان أخرى، على أراضي الغير. وفي الوقت نفسه، فإن فكرة أن تكون هناك قواعد أجنبية على الأراضي الأميركية غير واردة أصلا.
وهناك الآن حوالي 800 قاعدة عسكرية أمريكية في دول أجنبية. فبعد الحرب العالمية الثانية بسبعين عاما لا تزال هناك 174 "مواقع قاعدة" أمريكية في ألمانيا و113 في اليابان و83 في كوريا الجنوبية، وفقا للبنتاغون.
مئات من القواعد الأخرى على كوكب الأرض في حوالي 80 بلدا، بما في ذلك أوروبا، أستراليا، البحرين بلغاريا، كولومبيوا، كينيا وقطر، من بين العديد من الأماكن الأخرى. ورغم أن هناك قلة من الأميركيين يدركون ذلك، فإن الولايات المتحدة لديها من القواعد في أراض أجنبية أكثر من أي شعب أو أمة أو إمبراطورية أخرى في التاريخ.
ومع ذلك، فإنه من الغريب أن وسائل الإعلام نادرا ما تتحدث أو تعلق على القضية. لسنوات، خلال المناقشات حول إغلاق السجن في القاعدة البحرية في خليج غوانتانامو في كوبا، قلة من السياسيين والنقاد من تساءل: لماذا تملك الولايات المتحدة قاعدة على الأراضي الكوبية في المقام الأول أو هل يجب أن تكون هناك قاعدة أمريكية أصلا.
ومن النادر أن يسأل أحدنا، كما كتب المستشار السابق في وكالة المخابرات المركزية، إذا كنا بحاجة إلى مئات القواعد في الخارج أو هل تستطيع الولايات المتحدة تحمل تكلفتها السنوية والتي تقدر بحوالي 156 مليار دولار وربما أكثر. ونادرا ما يتساءل أحدنا كيف سيكون شعورنا لو أن الصين، روسيا أو إيران بنت ولو قاعدة واحدة في أي مكان بالقرب من حدودنا.
وأضاف: "ومن دون إدراك أبعاد تطويق العالم، فإن أحدا لا يستطيع أن يفهم حجم وطبيعة الطموحات الإمبريالية لدينا أو حجم النزعة العسكرية الجديدة التي تقوض نظامنا الدستوري". وقد قضى هذا المستشار سنوات، وفقا لكاتب المقال، في محاولة لتتبع وفهم ما وصفه بـ"إمبراطورية القواعد".
وربما قد يوحي المنطق بأن هذه القواعد تجعلنا أكثر أمنا، غير أني توصلت إلى استنتاج معاكس: قواعدنا جعلتنا أقل أمنا.
نحن الآن، كما كنا خال العقود السبعة الماضية، أمة القاعدة التي تمتد في جميع أنحاء العالم، وحان الوقت لمواجهة هذه الحقيقة.
لدينا 800 قاعدة عسكرية خارج الولايات المتحدة بجميع الأحجام والأشكال. وبعضها بحجم مدينة أمريكية ويطلق عليها "أمريكا الصغرى"، مثل قاعدة رامشتاين الجوية في ألمانيا، قاعدة كادينا الجوية في أوكيناوا وقاعدة دييجو جارسيا في المحيط الهندي، وهي مدعومة ببنية تحتية قوية، بما في ذلك المدارس والمستشفيات ومحطات الكهرباء والمجمعات السكنية، ومجموعة من وسائل الراحة والترفيه.
من بين أصغر المنشآت الأمريكية على الصعيد العالمي قواعد تحتضن طائرات من دون طيار، طائرات الاستطلاع، أو ما قبل الأسلحة والإمدادات. وهذه موجودة بكثرة في أجزاء من أفريقيا وأوروبا الشرقية التي كانت تفتقر في السابق للوجود العسكري الأمريكي.
وتضم المرافق الأخرى المنتشرة في جميع أنحاء المعمورة: الموانئ والمطارات، مجمعات الإصلاح، مناطق التدريب، منشآت الأسلحة النووية، مواقع تجارب الصواريخ، الترسانات، المستودعات والثكنات والمدارس العسكرية، مواقع للتصنت والاتصالات وعدد متزايد من قواعد الطائرات من دون طيار.
ويجب أيضا أن نُدرج المستشفيات العسكرية والسجون ومرافق إعادة التأهيل، قواعد شبه العسكرية لوكالة المخابرات المركزية ومرافق المخابرات (بما في ذلك سجون وكالة CIA "المواقع السوداء" سابقا) ضمن أمة القاعدة بسبب الوظائف العسكرية. وحتى المنتجعات العسكرية والمناطق الترفيهية أمريكية في أماكن مثل جبال الألب وسيول في كوريا الجنوبية، تعتبر قواعد من نوع ما. وفي جميع أنحاء العالم، يدير الجيش أكثر من 170 ملعبا للغولف.
وفي الواقع، فإن الحضور العسكري لوزارة الدفاع الأمريكية في الخارج أكبر من ذلك. هناك قوات أمريكية أو غيرهم من الأفراد العسكريين في حوالي 160 بلدا ومناطق خارجية، بما في ذلك أرقام صغيرة من قوات المارينز لحراسة السفارات وأعداد أكبر من المدربين والمستشارين مثل ما يقرب من 3500 يعملوا الآن مع الجيش العراقي. ولا ننسى 11 حاملة طائرات تابعة للبحرية، وينبغي أن يُنظر إلى كل منها على أنها قاعدة عسكرية عائمة.
ومع ذلك، فالولايات المتحدة ليست الدولة الوحيدة التي تسيطر على قواعد عسكرية خارج أراضيها. فلا يزال لبريطانيا حوالي سبع قواعد وفرنسا خمس في المستعمرات السابقة، في حين تسيطر روسيا على حوالي ثمان قواعد في الجمهوريات السوفيتية السابقة.
وللمرة الأولى منذ الحرب العالمية الثانية، تسيطر "قوات الدفاع الذاتي" اليابانية على قاعدة أجنبية في جيبوتي في القرن الأفريقي، جنبا إلى جنب مع قواعد أمريكية وفرنسية هناك. كم أفادت تقارير بأن لدى كوريا الجنوبية والهند وتشيلي وتركيا وإسرائيل قاعدة أجنبية واحدة على الأقل. وهناك أيضا تقارير تشير إلى أن الصين ربما تسعى لبناء قاعدتها الأولى في الخارج.
في المجموع، ربما يكون لهذه الدول مجتمعة حوالي 30 منشأة عسكرية في الخارج، وهذا يعني أن الولايات المتحدة لديها ما يقرب من 95٪ من القواعد الأجنبية في العالم.
ورغم أن الجيش الأمريكي أخلى حوالي 60٪ من الحاميات الخارجية في التسعينيات من القرن الماضي، فإن البنية التحتية الأساسية الشاملة بقيت سليمة نسبيا. وعلى الرغم من إغلاق قواعد إضافية في أوروبا وإلى حد أقل في منطقة شرق آسيا على مدى العقد الماضي، ورغم عدم وجود عدو عظيم، لا يزال نحو 250ألف جندي ينتشرون حول المنشآت في جميع أنحاء العالم.
ومع أن عدد القواعد تراجع إلى النصف تقريبا مقارنة بما كان منتشرا في العام 1989، فإن عدد البلدان التي تحتضن القواعد الأمريكية تضاعف تقريبا من 40 إلى 80.
وفي السنوات الأخيرة، فإن حديث الرئيس أوباما عن "محور المحيط الهادئ" يعني إنفاق مليارات الدولارات على آسيا، حيث يسيطر الجيش الأمريكي على مئات القواعد ويتمركز عشرات الآلاف من الجنود هناك.
كما صرفت مليارات أخرى في إنشاء بنية تحتية لقواعد دائمة لا مثيل لها في كل بلاد الخليج العربي لحمايته من إيران. وفي أوروبا، تنفق وزارة الدفاع الأمريكية المليارات على إقامة قواعد جديدة مكلفة في الوقت نفسه الذي أغلقت فيه أخرى.
منذ بداية الحرب الباردة، فإن فكرة أن بلدنا يجب أن يكون لبلدنا مجموعة كبيرة من القواعد ومئات الآلاف من القوات المتمركزة بشكل دائم في الخارج قد ظلت مقولة مأثورة شبه دينية في السياسة الخارجية والأمن القومي. الفكرة القديمة التي يقارب عمرها 70 سنة الكامنة وراء هذا الاعتقاد الراسخة عُرفت باسم "إستراتيجية التقدم إلى الأمام".
https://www.google.com.sa/url?sa=t&...k6VTtwYUcFpNaZnjQ&sig2=uj06q2Om5zRztpGaG7Na7w