تصوُّر أحد الفنانين للموجات الثقالية.
المصدر: ناسا.
من يريد الرّهان ضد آينشتاين؟ أنت؟ أو أنت؟ أو ربما أنت؟
بالطبع كان هناك القليل من العقبات، لكن سجل الرجل في النسبية ناصعٌ. فقد فسر الطريقة الغريبة التي يدور بها عطارد حول الشمس، وخمن أن علماء الفلك سيشهدون انحراف ضوء النجوم بفعل جاذبية الشمس خلال الكسوف الشمسي. كما توقع أن الجاذبية سوف تسبب انزياح الضوء نحو القطاع الأحمر من الطيف المعروف بالانزياح نحو الأحمر (redshift)، الأمر الذي استغرق علماء الفيزياء 50 عاماً للتوصل -أخيراً- إلى تجربة للتحقق منه.
بناءاً على توقعاته، أكد العلماء أن المجرات تحني الضوء بواسطة جاذبيتها، وأن الفوتونات تختبر التمدُّد الزمني عندما تمر بالقرب من الشمس، بالإضافة إلى أن الساعات التي تتحرك بسرعات عالية تختبر وقتاً أقل من الساعات على الأرض.
بل حتى أنهم فحصوا الانزياح الثقالي نحو الأحمر، وتباطؤ الإطار المرجعي، ومبدأ التكافؤ. وهو خليط من الكلمات التي سوف نوضحها مستقبلاً، أو -لأولئك الذين لا يستطيعون الانتظار- ابحثوا عنها بواسطة جوجل.
في كل مرة طرح فيها بيرتي توقّعاً عن النسبية، تمكَّن علماء الفيزياء من التحقق منه عن طريق التجارب. هكذا، ووفقاً لهذا الرجل الأشعث ذو الدماغ العملاق، فإنه عندما تصطدم الأجسام الضخمة ببعضها البعض، أو عند تشكُّل الثقوب السوداء، يُفترض أن تطلق موجاتٍ ثقالية. فما هي هذه الأشياء وكيف يمكننا الاستدلال عليها؟
أولاً، مراجعة سريعة. تسبب الكتلةُ انحناءً في المكان والزمن، وجاذبيةُ الشمس ليست قوة سحبٍ، إنما هي انحناء تُحْدثه الشمس في الفضاء المحيط بها.
عندما تصطدم أجسام فائقة الكتلة، يُفترض أن تطلق أمواج ثقالية. فما هي هذه الأشياء وكيف يمكننا الاستدلال عليها؟
تظن الكواكب أنها تتحرك بخطٍ مستقيم، لكنها في الواقع تُسحَب في دائرةٍ وهي تنتقل عبر هذا الزمكان الملتوي. عودي إلى منزلك أيتها الكواكب، إنك ثَمِلة!
الفكرة هي أنه عندما تتحرك الكتلة أو تتغير، يجب أن ينتج ذلك اهتزازات ثقالية في نسيج الزمكان، تبعاً لقول آينشتاين. مشكلتنا هي أن حجم وتأثير الموجات الثقالية صغير بشكلٍ لا يصدق. ولذلك، فنحن بحاجة إلى العثور على أكثر الأحداث كارثيةً في الكون، إذا كنّا نأمل في رصدها.
إن ما نبحث عنه هو أحداث بعظم انفجار سوبرنوفا غير متماثلة، أو دوران ثقبين أسودين فائقي الكتلة حول بعضهما، أو لقاء يشمل عائلة "الغالاكتوس"[1](Galactus).
أكثر المحاولات جديةً للكشف عن الموجات الثقالية، هي مرصد الموجات الثقالية بواسطة التداخل الليزري (Laser Interferometer Gravitational-Wave Observatory)، أو اختصاراً كاشف ليجو (LIGO)، في الولايات المتحدة الأمريكية. لهذا المرصد مرفقين تفصل بينهما مسافة 3000 كم. كلاهما يترقب بعناية مرور أي موجات ثقالية بواسطة حساب الوقت الذي تستغرقه النبضات الليزرية لترتدّ داخل فراغ محكم طوله 4 كيلومترات.
إذا ما رُصِدت موجة ثقالية، يستخدم المرصدين عملية التثليث (triangulation) لتحديد حجمها واتّجاهها. على الأقل، كانت هذه هي الخطة في الفترة بين 2002 و2010. لكن المشكلة هي أن المرصد لم يكشف عن أي موجات ثقالية طوال مدة عمله.
مرفق هانفورد الخاص بمرصد الموجات الثقالية بواسطة ليزر قياس التداخل -تمتد كل ذراع على أربعة كيلومترات. المصدر: معهد كاليفورنيا للتكنولوجيا.
لكن مهلاً، هذه وظيفةٌ للعلم. ولم يقهر هذا العلماء، بل أعادوا -بعيونٍ فولاذية- بناء الجهاز وتحسين حساسيته عشر مرات، بحيث ستبدأ جولة الرصد التالية في عام 2015.
لقد اقترح العلماء وضع معدات في الفضاء تستطيع توفير حساسية أكثر وزيادة فرص الكشف عن الموجات الثقالية. يفترض علماء الفيزياء أن المسألة هي مسألة وقتٍ فقط حتى يُكشف عن موجاتٍ ثقالية، فلا يراهن ضد آينشتاين إلا أحمق. حسناً، هذا بالإضافة إلى أنه قد تم الكشف عن الموجات الثقالية بالفعل... بشكلٍ غير مباشر.
فمن خلال ملاحظة انفجارات الطاقة العادية للغاية والتي تصدر عن النجوم النابضة، تتبع علماء الفلك بالضبط مدى سرعتها لإطلاق إشعاعات طاقتها بفعل الموجات الثقالية. حتى الآن، تطابقت كل الملاحظات تماماً مع توقعات النسبية، فقط لم نكشف هذه الموجات الثقالية بشكلٍ مباشر بعد.
إذن، فالأخبار جيدة! ولو افترضنا أن علماء الفيزياء وآينشتاين على حقّ، قد نَشهَد الكشف عن الموجة الثقالية في العقود القليلة المقبلة، لنختتم بذلك سلسلةً من التوقعات حول مدى الغرابة التي يتصرف بها كوننا.
https://nasainarabic.net/education/articles/view/what-gravitational-wave