من احلي المقالات العسكرية التي قراتها للدفاع ضد الصواريخ البالستية
للاستاذ يوسف صادق وهو محلل عسكري في مجلة الدفاع العربي
نص مقاله
تمثل الصواريخ البالستية اليوم تهديداً متزايداً ومتنامياً للدول بالنسبة لسكانها وقواها المنتشرة، وقد تخطى اليوم عدد الدول التي تملك او تعمل على امتلاك تكنولوجيات تلك الصواريخ الثلاثين والتي قد تصبح مستقبلاً حاملة ليس فقط للمشفرات التقليدية بل أيضاً اسلحة الدمار الشامل
يعرف الصاروخ البالستي كصاروخ ذي جزء بالستي من مسراه، يخضع هذا الجزء فقط لتأثير الجاذبية والاحتكاك الأيرودينامي. تسبق المرحلة البالستية مرحلة التسريع يغذيها محرك صاروخي يعطي الدفع اللازم لبلوغ السلاح الهدف
هناك الصواريخ البالستية التكتية والاستراتيجية يعد الصاروخ البالستي التكتي الذي يسمى ايضاً صاروخاً عملانياً او للمسرح لتوسيع القدرة الهجومية للقوات المسلحة لما هو ابعد من المدفعية التقليدية يبلغ مدى الصواريخ البالستية التكتية بعض المئات من الكيلومترات وحشوتها تقليدية.
اما الصواريخ البالستية الاستراتيجية، فهي تهدف من جهتها الى لعب دور رادع او مهدد، فهي مجهزة عامة بحشوات غير تقليدية، نووية خاصة. فمن خلال قدرة الصاروخ الاستراتيجي على ضرب مصالح العدو، ومن خلال انتفاء القدرة على اعتراضه، يتيح للدولة التي تستخدمه الهجوم حتى لو انه ليس باستطاعة قواتها المسلحة تنفيذ هذا الهجوم عسكرياً على الارض. توضع اذا هاتان الفئتان عبر دور الصاروخ في خانة السياسة الدفاعية للدولة التي تملكه.
يعتبر الصاروخ "V2" الألماني، اول صاروخ بالستي، يقع مسراه على شكل جرس، بحيث ينطلق الصاروخ اولاً نحو أعلى الجو، وبعدها ينفذ طيراناً طويل المدى بعض الشيء، طبقاً لنوع الصاروخ وقدرته وأخيراً يخترق الغلاف الجوي، مكملاً مسراه نحو الهدف. يسقط الصاروخ بشكل حر وتتعدى سرعته عدة كيلومترات في الثانية. مما يجعل، حتى اليوم اعتراضه مستحيلاً لأن الصاروخ ينطلق بسرعة كبيرة جداً.
يجمع الخبراء على أنه يمكن تحديد المسرى او التنبؤ به عند معرفة مرحلته البالستية، وكلما تم كشف الصاروخ باكراً كلما كبرت فرص اعتراضه. وهناك ثلاثة انواع مسرى للصواريخ البالستية هي:
- مسرى ذو طاقة دنيا المدى الأقصى للصاروخ.
- مسرى مستقيم، ويتميز بارتفاع منخفض، مما يخفض احتمالات الكشف المعادي له في الفضاء.
- مسرى غاطس "diving" بحيث يكون الارتفاع في حده الأقصى، لكن مع فقدان بعض المدى مقارنة مع المسرى ذي الطاقة الدنيا، ويذكر ان السرعة ترتفع عند العودة الى الفضاء، مما يربك الدفاعات المعادية ويرهقها.
هذا، ولكل مسرى خصائصه، فلا تخرج كل الصواريخ البالستية، من الجو الى الفضاء، بحيث تبقى بعض منها القصيرة المدى وبمسرى مستقيم في الجو. فمن هنا يمكن تفسير لماذا يضع الروس في المقدمة صاروخ SS-26 Iskander عندما يواجهون الأميركيين. فهذا الصاروخ يمكن ان لا يخرج من الجو وحالياً ليس في الترسانة الأميركية ما يمكن وقفه لانه مناور لدرجة كبيرة.
يعترض نظام Patriot الصواريخ المحلقة على ارتفاع منخفض حوالي 20 كلم اما نظام THAAD فيعترض تلك المحلقة على ارتفاع ما بين 20 و70 كلم، ال SM-3 يعترض الصواريخ الطائرة على ارتفاع يصل الى 250 كلم، لذا فمن الذكاء بمكان ان يهدد الروس علناً بنشر بطاريات Iskander في Valiningrad بحيث تلعب دور البطاريات المضادة لمخاطر النظام المضاد للصواريخ الاميركية في اوروبا.
تقسم الصواريخ البالستية من حيث مداها الى الصواريخ البالستية القصيرة المدى (SRBM) التي يبلغ مداها ما بين 150 و1000 كلم، والصواريخ البالستية المتوسطة المدى (MRBM) والتي يبلغ مداها، ما بين 1000 و3000 كلم، الصواريخ البالستية (IRBM) ذات المدى الواقع بين 3000 و5500 كلم، وأخيراً الصواريخ البالستية العابرة للقارات (ICBM) ذات المدى البالغ ما بين 5500 و12000 كلم.
يعمل اذاً مفهوم الدفاع الصاروخي البالستي على اعتراض هذه الانواع من الصواريخ، اما اعتراض الصواريخ البالستية القصيرة المدى والمتوسطة المدى فيقع ضمن اطار الدفاع الصاروخي البالستي لمسرح العمليات (TBAMD) اما اعتراض الصواريخ ذات المدى الأبعد فهو يدخل في صلب النظم المضادة للصواريخ البالستية.
يطرح السؤال هنا عن كيفية اعتراض تلك الصواريخ، يقوم الجزء الأكبر من النظم المعدة لاعتراض الصواريخ البالستية القصيرة المدى بعملها في الفضاء الداخلي اي في المرحلة الأقصر في طيران الصاروخ التي تمتد لفترة حوالي 20 ثانية. لكن لوحظ ان هناك صواريخ بالستية قصيرة المدى مثل ال Iskander يمكنها الهروب من الدفاعات المضادة لصواريخ المسرح والموجودة في الخدمة حاليا. في ما يخص الصواريخ البالستية العابرة للقارات ونماذجها من نوع MIRV فهي تقود الى مناطق اخرى من الاعتراض. يكمن مبدأ تشغيل الصاروخ البالستي من نوع MIRV في اطلاقه عدة حشوات، وحتى اجراءات مضادة عند انطلاق المرحلة النهائية من الطيران وحتى اثناء المرحلة البالستية. بالتأكيد هذه التقنية ليست في متناول الجميع، لكن الصاروخ من نوع MIRV الحامل لحشوات نووية او وسخة قد يحث على البحث عن قدرات اعتراض في الفضاء الخارجي قبل ان يحرر الصاروخ مكوناته المختلفة القاتلة او المدمرة.
ما هي الآن مكونات الدفاع الصاروخي البالستي؟
تشمل، بالنسبة لحلف شمال الاطلسي، الاعمال الدفاعية ضد الصواريخ البالستية ثلاثة مستويات: يتمثل المستوى الاول في قدرة الدفاع المتعددة الطبقات النشطة ضد الصواريخ البالستية للمسرح (Active Layered Ballistic Missile Defence - ALTBMD) اما المستوى الثاني فهو الدفاع ضد الصواريخ البالستية لحماية الارض والسكان وقوى الدول الاوروبية الاعضاء في حلف شمال الاطلسي واخيرا المستوى الثالث وهو التنسيق مع روسيا في مجال الدفاع الصاروخي. يواجه هذا المستوى تعثرا اليوم بسبب المشاكل مع روسيا.
يهدف المستوى الاول الى تأمين الحماية لقوات حلف شمال الاطلسي ضد التهديد الذي تمثله الصواريخ البالستية القصيرة والمتوسطة المدى اي حتى مدى يبلغ 3000 كلم.
تقوم هذه القدرة على نظم تستطيع الدفاع عن عدة طبقات، مؤلفة من دفاعات ضد التهديدات المحلقة على ارتفاع منخفض وعال اي دفاعات للطبقات السفلى والعليا ونظام قيادة وسيطرة واتصالات واستعلام للادارة التكتية (BMC3I) ومستشعرات انذار مبكر ونظم اعتراض تعمل الدول الاعضاء في حلف شمال الاطلسي على تأمين المستشعرات اللازمة لها الى جانب نظم الاسلحة، ويعمل حلف شمال الاطلسي من جهته على تأمين قطاع BMC3I وتسهيل دمج هذه العناصر كافة في هندسة مترابطة وفعالة.
بعد هذه اللمحة عن الصواريخ البالستية وسبل مواجهتها يجدر بنا القاء الضوء على بعض الدفاعات ضد الصواريخ البالستية.
اجرى الجيش الاسرائيلي في كانون الثاني من العام الحالي تجربة طيران على صاروخ الاعتراض Arrow 3 وقد نفذ مسرى في الفضاء الخارجي حسب الخطة الموضوعة. هذا وقد اجرى الجيش الاسرائيلي في شباط من العام 2013 اختبارا اول لنظام الدفاع الصاروخي Arrow 3 الذي طور بالتعاون مع Boeing وقد هدف هذا الاختبار الى المصادقة على صحة المسرى المعترض للصاروخ.
يتألف النظام Arrow 3 من رادار من نوع Super Gun Pine، ومركز تحكم ومعترض مجهز بنظام تدمير الصاروخ البالستي. اعد Arrow 3 ليعترض تهديدات محلقة على ارتفاع يتعدى ال 100 كلم، مع امكانية تغيير مساره عند الضرورة. يمكنه نظريا ان يستعمل كسلاح ضد الاقمار الاصطناعية. يدخل هذا النظام في اطار الدفاع الصاروخي المتعدد الطبقات وقد اطلق البرنامج في العام 2008.
تنتج MBDA صاروخ Aster 30 - SAMP/T لاعتراض اي نوع من التهديدات بما فيها الصواريخ البالستية. يعتبر هذا الصاروخ حاويا للتكنولوجيات الاكثر تقدما من حيث السرعة، والقدرة على المناورة والنتائج التدميرية. يتميز بقدرات الاشتباك باهداف متعددة من خلال التوجيه بحسب مبدأ اطلق وأنس. يقوم Aster 30 - SAMP/T بتغطية كاملة في كل الاتجاهات عند اطلاقه عاموديا. كما وان هندسته تضمينية، وموزعة وتطورية. اما Aster Block2/BMD والذي تنتجه ايضا MBDA فهو يؤمن من جهته حماية بالحد الاقصى للبقع الحساسة والقوى المنتشرة ضد المجموعة الكاملة من التهديدات البالستية وغيرها. يستخدم النظام معترضا ليكمل الدفاع على علو مرتفع في الطبقة العليا بغية التعامل مع التهديدات البالستية المتطورة والمتضمنة الصواريخ البالستية القصيرة والمتوسطة المدى.
تم تصميم Aster Block 2/BMD ليكون تطويرا ل "Aster Capability 1". اما روسيا فتنتج شركة Almaz - Antei الصاروخ S-400 Triumph المعروف لدى حلف شمال الاطلسي تحت اسم SA-21 Growler 201.
يعتبر S400 Triumphالنموذج المطور والمحدث لنظام S-300 P. يمكن لنظام الرادار ان يغطي 36 هدفا وان يسيطر على 72 صاروخا، يتضمن نظام S-400 مركز قيادة متحرك، وحتى ثماني مركبات اطلاق، بالاضافة الى خمسة انواع من الصواريخ ذات مديات وارتفاعات اشتباك مختلفة كما وانه يتضمن ايضا نظام صيانة لمنشأة الرماية ونظام صيانة للصواريخ. تبلغ سرعة الصواريخ 4800 م/ث اما الامدية بالنسبة للاشتباك بالطائرات فهي تتراوح بين 3 و 250 كلم اما في ما يتعلق بالصواريخ فتبلغ تلك المديات ما يتراوح بين 7 و60 كلم، اما ارتفاع الطواف فهو 27 كلم.
تنتج شركة Almaz صاروخ PMU 2 Favorit S-300 وهو نظام متحرك متعدد القنوات لصواريخ ارض جو. يعرف في حلف شمال الاطلسي تحت اسم SA-20B. وهو يقع ضمن مجموعة صواريخ S-300.
يهدف هذا الصاروخ الى حماية المواقع الاستراتيجية الاكثر اهمية بالنسبة للدولة، وحماية قواتها المسلحة ضد القصف العنيف بواسطة الطيران، والصواريخ الجوالة، والصواريخ البالستية التكتية ذات مدى اقل من 1100 كلم وضد اسلحة جوية اخرى حتى في بيئة حرب الكترونية كثيفة.
يعد Favorit تطويرا لنظام الدفاع الجوي S-300 PMU1 ونظام القيادة 83M6E. تبلغ سرعته 5.6 ماخ اما مداه فيبلغ 120 كلم، و40 كلم ضد الصواريخ البالستية. يبلغ ارتفاع الطواف 27 كلم اما حشوته فهي من النوع المتشظي وزنتها 145 كلغ. يوجه بواسطة الرادار وتبلغ دقته 70% من الطلقة الاولى ضد الصواريخ البالستية واكثر من 80% ضد الطائرات.
تنتج Lockheed Martin نظام Patriot Advanced Copability-3 (PAC-3) الصاروخي. يجري ادخال هذا الصاروخ في نظام الدفاع الجوي Patriot يعد الصاروخ PAC-3 نظام الدفاع الجوي الطرفي الاكثر تقدماً، قدرة وقوة في العالم بحسب مُصنّعيه. يمكنه تدمير المجموعة الكاملة من التهديدات التي تشمل الصواريخ البالستية التكتية، والصواريخ الجوالة بالاضافة الى الطائرات.
يتسم صاروخ PAC-3 المعترض بالسرعة العالية ويقوم بتدمير التهديدات من خلال صدمها. يتألف قطاع الصواريخ PAC-3 من الصواريخ PAC-3 وحاوياتها عبارة عن مجموعات من اربعة صواريخ، وكمبيوتر توجيه نيران بالاضافة الى نظام اطلاق الكتروني معزز Enhanced Launcher Electronics Systems - (ELES).
يستخدم صاروخ PAC-3 محركا صاروخيا عاملا بالوقود الصلب، والضبط الآيرودينامي ومحركات للسيطرة على سلوك الصاروخ (Attitude Control Motors - ACM) وتوجيها بالقصور الذاتي، بحيث تساعده تلك العناصر على الملاحة. ينطلق الصاروخ نحو نقطة الاعتراض يتم تحديده قبل الاطلاق من خلال كمبيوتر الرمي المدمج في محطة التحكم بالاشتباك، ويمكن تحديث البيانات المتعلقة بمسرى الهدف خلال طيران الصاروخ راديويا.