قام العلماء العاملون على الحملة الثالثة من مشروع سلون للمسح الرقمي للسماء (Sloan Digital Sky Survey-III أو اختصاراً SDSS) بوضع خريطة جديدة لدرب بالتبانة تقدم أول الأدلة الواضحة على تحرك النجوم فيها عبر أرجاء المجرة. وهذه الدراسة التي تقول إن 30% من النجوم قد تحركت عبر أنحاء المجرة تُقدم معلوماتٍ جديدة لفهم كيفية تشكل النجوم وتنقلها عبر أنحاء مجرة درب التبانة.
يقول دونالد شنايدر Donald Schneider، وهو بروفيسور بارز في علم الفلك والفيزياء الفلكية من جامعة بِن ستيت (Penn State) ومؤلفٌ مشاركٌ في الدراسة: "تمكنا في هذه الدراسة الاستثنائية من حساب خصائص مايقارب سبعين ألف نجم في مجرتنا عن طريق استخدام مطياف الأشعة تحت الحمراء المبتكر التابع لمشروع سلون للمسح الرقمي للسماء". وأضاف شنايدر: "يمكن وصف الدراسة بأنها علم آثار المجرات (galactic archeology). تكشف هذه البيانات عن مواقع النجوم وتحركاتها وتركيبها، والتي توفر نظرة عن كثب لتشكل النجوم وتاريخها التطوري". وشنايدر هو منسق الحملة الثالثة من مشروع سلون للمسح الرقمي للسماء ومنسق المنشورات العلمية للمشروع.
ولوضع خريطة لدرب التبانة، فقد استخدم العلماء مطياف الأشعة تحت الحمراء التابع لتجربة مستكشف تطور المجرة في مرصد نقطة أباتشي (Apache Point ObservatoryGalactic Evolution Explorer أو اختصاراً APOGEE) والتابعة لمشروع سلون للمسح الرقمي، وذلك بهدف رصد حوالي 100 ألف نجم طوال حملة استغرقت 4 سنوات.
يقول مايكل هايدن Michael Hayden المؤلف الرئيسي للدراسة من جامعة نيومكسيكو ستيت (NMSU): "يهاجر العديد من الناس في عالمنا بعيداً عن مسقط رأسهم، ليقطعوا في بعض الأحيان مسافةً تعادل نصف العالم!". وأضاف هايدن: "لقد وجدنا اليوم بأن الأمر نفسه ينطبق على النجوم، فحوالي 30% من النجوم في مجرتنا تحركت بعيداً عن المواضع التي تكونت فيها سالكة طرقاً طويلة".
يمثلُ قياس العناصر في الغلاف الجوي للنجوم المفتاح الرئيسي نحو وضع هذه الخريطة الجديدة وتفسيرها. يقول هايدن: "نستطيع معرفة الكثير عن أصول النجوم وتاريخها التطوري عن طريق تحديد تركيبها الكيميائي". يتم الحصول على المعلومات الكيميائية للنجم من خلال تحليل طيفه والقياسات المُفصلة لكمية الضوء المنبعث منه عند مختلف الأطوال الموجية. تظهر في طيف النجم خطوطٌ ناتئة يُطابق كل خط منها عنصراً أو مركباً كيميائياً. وإن قراءة هذه الخطوط الطيفية للنجم يمكن أن تخبر علماء الفلك عن العناصر الكيميائية التي يتألف منها النجم.
يقول جون هولتزمان Jon Holtzman، وهو فلكي مشارك في الدراسة من جامعة ولاية نيومكسيكو: "تُظهر لنا أطياف النجوم أن البنية الكيميائية لمجرتنا تتغير باستمرار. تنتج النجوم عناصر ثقيلة داخل أنويتها، وعندما يموت النجم تعود هذه العناصر إلى الغازات بين النجمية حيث تساهم في تشكيل نجوم جديدة".
وكنتيجة لهذه العملية من "التخصيب بالعناصر الكيميائية"، فإن كل جيل من النجوم يمتلك نسبة من العناصر الثقيلة أعلى من تلك التي يمتلكها الجيل الذي سبقه. تحدث عملية تشكل النجوم في بعض مناطق المجرة بمعدل أنشط من المناطق الأخرى، وتتشكل أجيالٌ أكثر من النجوم في هذه المناطق التي تولد فيها النجوم بمعدل مرتفع. وبالتالي، فإن متوسط كمية العناصر الثقيلة في النجوم يتفاوت بين المناطق المختلفة من المجرة. يستخدم العلماء بعد ذلك كمية العناصر الثقيلة الموجودة في النجم لتحديد المكان الذي تكون فيه من المجرة.
استخدم هايدن وزملاؤه البيانات التي تم الحصول عليها من تجربة APOGEE لوضع خريطة تمثل الكميات النسبية لخمسة عشر عنصراً مختلفاً (بما فيها الكربون والسيليكون والحديد) في النجوم المتواجدة في مختلف أنحاء المجرة. لكن ما وجدوه كان مفاجأةً لهم، فالتركيب الكيميائي لأكثر من 30% من النجوم يشير إلى أنها قد تكونت في مناطق بعيدة عن مواضعها الحالية من المجرة.
يقول جو بوفي Jo Bovy، أحد أعضاء الفريق البحثي من معهد الدراسات المتقدمة (Institute for Advanced Study) وجامعة تورنتو: "في حين أن النجوم الموجودة في الأجزاء الخارجية من قرص مجرة درب التبانة تمتلك وسطياً نسبةً أقل من العناصر الثقيلة، إلا أن بعض النجوم الموجودة في هذه الأجزاء الخارجية تمتلك نسبةً عالية من العناصر الثقيلة، وهذه الخاصة تميز النجوم الموجودة في الأجزاء الداخلية من القرص المجري".
عندما راقب العلماء نمط وفرة العناصر بالتفصيل، فقد وجدوا أن من الممكن تفسير الكثير من البيانات بوساطة النموذج الذي يصف كيفية هجرة النجوم من مواقعها بشكل سريع، حيث تتحرك إما مقتربةً من مركز المجرة أو مبتعدةً عنه بمرور الوقت. وتدعى هذه التحركات العشوائية للداخل والخارج بالهجرة النجمية، ومن المرجح أنها تنتج عن وجود عدم انتظام في القرص المجري، مثل الأذرع الحلزونية الشهيرة لمجرة درب التبانة. وقد تم مسبقاً العثور على دلائل تشير إلى حدوث الهجرة النجمية في النجوم القريبة من الشمس. ولكن هذه الدراسة قدمت أول الأدلة الواضحة على حدوث عملية الهجرة النجمية في جميع أرجاء المجرة.
وتَعِد الدراسات المستقبلية التي سيقوم بها الفلكيون باستخدام مشروع سلون للمسح الرقمي للسماء بتحقيق المزيد من الاكتشافات. يقول ستيفن ماجيوسكي Steven Majewski الباحث الرئيسي في تجربة APOGEE: "تمثل هذه النتائج الأخيرة مجرد قسم ضئيل فقط من البيانات المُقدمة من مسح سلون الرقمي. وبمجرد أن نكشف عن كامل المحتوى المعلوماتي للبيانات في تجربة APOGEE، فسنتمكن من فهم شكل مجرتنا درب التبانة وتركيبها الكيميائي بوضوحٍ أكبر".
https://nasainarabic.net/main/articles/view/milky-reveals-stars-galaxy-home