في هذا التصوّر الفني يظهر جسمٌ صخريٌ صغير وهو يتفتت أثناء دورانه حول النجم القزم الأبيض. وقد تمكّن العلماء من الكشف عن أول جرم كوكبي يعبر من أمام نجمٍ قزمٍ أبيض وذلك باستخدام البيانات التي حصلت عليها مهمة كي2. شيئاً فشيئاً، سيختفي هذا الجسم الصغير تاركاً وراءه طبقة من المعادن الغبارية الطافية فوق سطح النجم.
حقوق الصورة: مركز الفيزياء الفلكية /مارك أ. غارليك
كشف علماء وكالة ناسا، باستخدام تلسكوب كبلر الفضائي Kepler Space Telescope المعروف باسم بعثة كي2 K2 Mission، عن دليلٍ قويٍ يُفيد بأن جسماً صخرياً صغيراً يتعرض حالياً للتمزيق والتفتيت بسبب جاذبية النجم القزم الأبيض (white dwarf star) التي تجعله يدور حوله. هذا الاكتشاف يُثبت صحة النظرية المعروفة القائلة بأن النجوم القزمة البيضاء قادرة على تفتيت والتهام الكواكب التي تتواجد حولها والتي نجَت سابقاً من انفجارِ تلك النجوم قبل تحوّلها إلى نجومٍ قزمة بيضاء.
وتعليقاً على هذا الاكتشاف، قال أندرو فاندربيرغ Andrew Vanderburg، طالب دراسات عليا من مركز هارفارد- سميثسونيان للفيزياء الفلكية Harvard-Smithsonian Center for Astrophysics في كامبريدج، ماساتشوستس، والمؤلف الرئيسي للورقة العلمية التي نُشِرت في مجلة نيتشر Nature: "هذه هي المرة الأولى التي نشهد فيها حادثة تمزّق ''كوكبٍ'' صغير بسبب الجاذبية الرهيبة للنجم القزم الأبيض، حيث يُذيب هذا الأخير ''الكوكبَ'' بضوئه الساطع ما ينتج عنه تفتته وسقوط مادته باتجاه النجم."
مع تقدّمها في العمر، تتضخم النجوم مثل شمسنا إلى أحجام هائلة ضمن مرحلة من حياتها تُعرف باسم العملاق الأحمر (red giant)، ثم تبدأ بخسارة حوالي نصف كتلتها تدريجياً، فيتقلّص حجمها إلى حوالي جزء واحد من المائة من حجمها الأصلي، أي أنها تُصبح بحجم الأرض تقريباً. يُطلق على هذه المرحلة التي يتحول فيها النجم إلى نجمٍ ميتٍ ذي كتلةٍ هائلة اسم مرحلة القزم الأبيض (white dwarf).
يُقدّر حجم هذا الكوكب المصغّر أو الجسم الكوني المُدمّر بحجم كُويكبٍ كبير، وهذه هي المرة الأولى التي يُؤكّد فيها العلماء وجود كوكبٍ في حالة عبورٍ أمام نجمٍ قزمٍ أبيض (المقصود بعملية العبور هي اللحظة التي يمر فيها كوكبٌ ما من أمام النجم الذي يدور حوله بحيث يكون مرئياً بالنسبة لعين الناظر). يدور هذا الكوكب الصغير حول القزم الأبيض المعروف باسم WD 1145+017 مرة واحدة كل 4 ساعات ونصف، ما يعني أنه يدور حول نجمه في مدار ضيقٍ يجعله عُرضة لحرارة النجم الشديدة وجاذبيته الهائلة.
خلال حملة الرصد الأولى التي قامت بها مُهمة كي2، والتي امتدت من 30 مايو/أيار إلى 21 أغسطس/آب 2014، وجّهت نظرها نحو بُقعةٍ من السماء باتجاهِ كوكبة العذراء (constellation Virgo)، وبدأت بقياس التغيّرات الضئيلة في مستوى سُطوع النجم القزم الأبيض البعيد. من المعروف أنه عند عبور كوكبٍ ما من أمام نجمٍ، وفي موقع مثالي للرصد، يتسبب هذا الكوكب بحجبِ جزءٍ من ضوء النجم الواصل إلى أجهزة الرصد الموجودة على متن التلسكوب الفضائي، والتي تقوم بدورها بتسجيل هذا التغيّر في سطوع النجم على شكل بيانات علمية. يُعد هذا الخُفوت الدوري والمُنتظم لضوءِ النجم دليلاً على وجود جرمٍ سماويٍ يدور حوله.
يُوضح الرسم البياني أعلاه نموذجاً لأشكال مُنحنيات الضوء. يُشير الخط الأحمر إلى الشكل المُتماثل لعملية العبور الافتراضية لكوكبٍ بحجم الأرض. يُشير الخط الأزرق إلى الشكل غير المتماثل للكوكب المُتفتت الصغير وذيله المُكوّن من الغبار والذي يُشبه ذيل المُذنّب. أما النقاط السوداء فهي عبارة عن قياسات سجلتها بعثة كي2 للنجم WD 1145+017. حقوق الصورة: مركز الفيزياء الفلكية/إيه. فاندربيرغ
من جهته، اكتشف الفريق البحثي الذي يقوده فاندربيرغ وجودَ نمطٍ غير طبيعي لكنه مألوفٌ في البيانات المُسجّلة. وعلى الرغم من أن العلماء سجّلوا انخفاضاً بارزاً في شدة سطوع النجم القزم مرة كل 4 ساعات ونصف ينتج عنه حجب 40% من ضوء القزم الأبيض، إلا أن إشارة العبور الخاصة بالكوكب الصغير لم تُظهر نمط الحرف U المتماثل المألوف. على العكس من ذلك، أظهرت الإشارة نمطاً مُنحدراً مُتطاولاً غير متماثلٍ يُشير إلى وجود ذيلٍ شبيه بذيل المذنب. وعند جمعها مع بعضها البعض، تُشير هذه الأشكال والأنماط إلى وجود حلقةٍ من الحُطام الغباري تُحيط بالقزم الأبيض، ما يدلّ على وجود كوكبٍ صغيرٍ يتعرض للتفتيت والتبخير بفِعل جاذبية نجمه الهائلة.
وقال فاندربيرغ: "جاءت لحظة الاكتشاف في آخر ليلة من ليالي الرصد عندما أدركنا فجأة ما كان يدور حول القزم الأبيض. كان شكل العُبور وعُمقه المُتغيّر دليلين لا يمكن إنكارهما."
إضافة إلى الشكل الغريب الذي ظهرت به عمليات عبور الكوكب تلك، اكتشف فاندربيرغ وفريقه إشاراتٍ على وجود معادن أثقل تلوث الغلاف الجوي للنجم WD 1145+017 تماماً كما تنبأت به النظرية.
وبسبب جاذبيتها الهائلة، يتوقّع العلماء أن النجوم القزمة البيضاء تمتلك سطوحاً نقية من الناحية الكيميائية، وتُغطيها عناصر خفيفة فقط مكوّنة من الهيليوم والهيدروجين. على مدار سنوات عديدة، عثر العلماء على أدلّة تُفيد بأن الأغلفة الجوية لبعض النجوم القزمة البيضاء تحتوي على بقايا من عناصر أثقل مثل الكالسيوم، والسيليكون، والمغنيسيوم والحديد. ولطالما اعتقد العلماء بأن مصدر هذه المعادن الثقيلة هو إما إحدى الكويكبات أو كوكب صغير الحجم يتعرّض لعمليات تفتيت وتحطيم بسبب جاذبية القزم الأبيض الساحقة.
أُجريَت عملية تحليل تركيبة الغلاف الجوي للنجم WD 1145+017 بالاعتماد على عمليات الرصد التي قام بها تلسكوب متعدد المرايا في مرصد جبل هوبكنز Multiple Mirror Telescope Observatory، أو اختصاراً MMT، التابع لجامعة أريزونا.
وحول هذا الموضوع، قال فيرغال مولالي Fergal Mullally، أحد العلماء العاملين على بعثة كي2 في معهد البحث عن كائنات ذكية خارج الأرض Search for Extraterrestrial Institute Intelligence، أو اختصاراً (SETI)، ومركز أبحاث إيمز Ames Research Center التابع لوكالة ناسا في موفيت فيلد في ولاية كاليفورنيا: "على مدار العقد الماضي، كنا نشكّ بأن النجوم القزمة البيضاء تتغذى على بقايا الأجرام السماوية الصخرية، وقد تكون هذه النتيجة [التي توصلنا إليها مُؤخراً حول النجم WD 1145+017 وكوكبه الصغير] هي الدليل الأول لإثبات صحة ما كنا نشكّك به. ومع ذلك، ما يزال أمامنا الكثير من العمل لكي نفهم تاريخ هذا النظام الشمسي."
كما قال ستيف هاول، Steve Howell، عالم مشروع كي2 في مركز أبحاث إيمز: ''يُسلّط هذا الاكتشاف الضوءَ على قوة تلسكوب كي2 وقدرته على الاستكشاف، وما يزيد من روعته أن مجتمع العلماء يملك كامل الحرية في الحصول على البيانات الخاصة بعمليات الرصد التي يقوم بها هذا التلسكوب، واستخدامها لتحقيق العديد من الاكتشافات الفريدة في مختلف مجالات الفيزياء الفلكية."
يُدير مركز أبحاث إيمز بعثات كبلر وكي2 لصالح مُديرية المهام العلمية Science Mission Directorate التابعة لوكالة ناسا. وقد أدار مُختبر الدفع النفاث Jet Propulsion Laboratory التابع لناسا في باسادينا بولاية كاليفورنيا، عملية تطوير بعثة كبلر، بينما تولّت شركة بول للفضاء والتكنولوجيا Ball Aerospace & Technologies Corporation عملية تشغيل نظام التحليق بدعمٍ من مختبر فيزياء الغلاف الجوي والفضاء Laboratory for Atmospheric and Space Physics في جامعة كولورادو في بولدر.
https://nasainarabic.net/kepler/articles/view/nasa-finds-dead-star-vaporizing-mini-planet