حروب الأقمار الاصطناعية والأسلحة المضادة لها
(في الساعة 300 صدرت الأوامر من القيادة العسكرية الأمريكية العليا إلى طاقم المكوك الأمريكي "س" لتنفيذ المهمة المحددة، وهي تدمير الأقمار الاصطناعية الروسية المتوضعة في النقطة "ن" بعد أسر قمرين منها وإحضارهما للقاعدة الأرضية ..).
بالطبع سيعتقد القارئ أن الفقرة السابقة قد وردت خطأ إذا ما سمعنا حتى الآن بمكوك يدمّر أقماراً اصطناعية أو يأسر بعضاً منها، اللهم إلاّ في قصص الخيال العلمي، ومع ذلك نقول إن الفقرة السابقة لم ترد بالخطأ، لكن من يدري فالعالم قاب قوسين أو أدنى من حروب فضائية تبدأ بهذا النوع من العمليات الحربية يعني تدمير الأقمار الاصطناعية للغير أو أسرها. وحتى لا يبدو كلامنا غريباً أكثر نتذكّر أن حروب العالم التي مازلنا نعرفها تجري على الأرض بين المشاة والمدرعات، أو في السماء القريبة من الأرض بين الطائرات؛ وفي هذه الحروب الكل مشغول بامتلاك الأسلحة وتطويرها وحيازة وسائل الرصد والمراقبة، وهدف كل واحد هو تحقيق التفوّق على الآخرين. وقد تفننوا في تطوير وسائل الرصد والمراقبة إلى حدود خيالية، لكنهم سرعان ما نقلوا هذا كله إلى الفضاء الخارجي. وبسرعة ترسّخ عصر جديد من الحروب عبر مفهوم أطلقو عليه "عسكرة الفضاء" ويعنون العسكرة بالأقمار الاصطناعية، فكيف بدأت هذه العسكرة وإلى أين تمضي؟
هذه العسكرة بدأت يوم الرابع من شهر تشرين الأول (أكتوبر) عام 1957م، عندما أعلن الاتحاد السوفيتي عن نجاحه في إطلاق أول قمر اصطناعي ووضعه في مدار حول الأرض، ومع أنه كان قمراً بسيطاً جداً لا يؤدي أية مهمات تُذكر، إلاّ أنه هز الولايات المتحدة التي أدركت أنها إن لم تلحق بما فعله السوفييت، فسوف تكون مكشوفة عسكرياً أمام عيون أخرى سيرسلها السوفييت للفضاء أكثر تطوراً، لذلك وبعد أشهر قليلة؛ أي في يوم 30 يناير من عام 1958م نجح الأمريكان بإطلاق قمرهم الاصطناعي الأول تحت اسم "اكسبلورر 1"، ومنذ ذلك الوقت انفتح عهد التنافس الدولي في إطلاق الأقمار الاصطناعية، عهد دخلت فيه عدة دول، منها: فرنسا، واليابان، والصين، وبريطانيا، وألمانيا، والهند، وفرنسا، ويكفي أن نذكر أنه في عام 1986م كان قد تم إطلاق (3200) قمر اصطناعي إلى مدارات حول الأرض من أجل غايات مختلفة، من بينها (2000) قمر أطلقها الاتحاد السوفيتي و (2001) أطلقتها الولايات المتحدة الأمريكية، واليوم صار الفضاء مليئاً بعدد غير معروف من الأقمار الاصطناعية، 65% منها أقمار تجسس.
حقيقة علمية
ومنذ البدء نرانا مضطرين لتوضيح حقيقة علمية تغيب عن أذهان الكثيرين، إذ يعتقد بأن الأقمار الاصطناعية يتم إطلاقها إلى خارج الجاذبية الأرضية، فتبقى دائرة سابحة حول الأرض لعدم وجود جاذبية، وإنما مجال جاذبية الأرض هي التي تعمل على إبقاء الأقمار الاصطناعية في مسارها، تماماً كما تعمل على بقاء قمرنا الطبيعي في فلكه، فقوى جذب الأرض تشدّ القمر إلى الأرض، إلاّ أنها تعمل على إبقائه في الوقت ذاته في مداره.
بعبارة أخرى، إن الذي يُبقي الأقمار الاصطناعية سابحة في مدارها هو الجمع بين قوتي الجذب الأرضي والطرد؛ ففي الوقت الذي ينطلق فيه القمر الاصطناعي نحو الفضاء مسرعا،ً نجد أن الأرض تعمل على إسقاطه مسرعاً هابطاً إليها، وبذلك تتعادل القوة الناجمة عن حركة القمر مع قوى جذب الأرض، فيظل القمر سابحاً في الفضاء تحت توازن القوتين.
وبعيداً عن الشرح العلمي نستطيع القول إن عمر القمر الاصطناعي في الفضاء يتحدد بشكل رئيس بارتفاع طيرانه، وهذا العمر يتراوح بين أقل من ساعة عند ارتفاعات تقارب (150 150) كم إلى ملايين السنين عندما يكون القمر في مدارات ذات ارتفاعات عاليه، وعلى سبيل المثال نذكر أن القمر الاصطناعي الأمريكي كان يطير على ارتفاعات عالية، لذلك عاش حوالي خمس سنوات، بينما لم يزد عمر السفينة الأمريكية (فريندشيب 7) عن أربع سنوات.
وهكذا بحسب الارتفاعات التي يطلقون إليها الأقمار الاصطناعية يستطيعون التحكّم بعمر القمر الاصطناعي، فعلى سبيل المثال أطلق السوفييت سلسلة من أقمار (كوزموس) لأغراض عسكرية، لم يزد عمر الواحد منها عن أربع ساعات ثم انتهى عمرها بالاحتراق، وخلال عام واحد أطلق السوفييت أيضاً (57) قمراً لمراقبة قمر اصطناعي أمريكي لم يكن هدفه معروفاً لديهم.
أكبر قرصنة
وهكذا، صار العالم مكشوفاً لمن يطلقون أقمارهم، حيث تصور الأقمار ما تحتها من معالم وترسلها لمطلقيها، وتفعل ذلك برغبة من الآخرين أو رغماً عنهم، أي أن هناك الآن أكبر قرصنة فضائية، وهذه القرصنة لا حدود لها، ففي النهار تصوّر الأقمار ما تحت مداراتها بالكاميرات العادية، وفي الليل تصوّر بكاميرات تعمل بالأشعة تحت الحمراء، ولا نعني تصوير ما هو بارز على وجه الأرض من منشآت وجيوش ومستودعات، بل تقدموا في تقنيات الأقمار، بحيث صارت هذه الأقمار قادرة على تصوير ما هو موجود داخل البيوت والمنشآت والمستودعات والمغاور، وبتقنيات دقيقة تزداد تطوراً؛ وتستقبل الحواسيب على الأرض ما تصوره هذه الأقمار، ثم تعيد تركيب جزئياتها لتظهر بأوضح شكل يمكن تخيله، وبالتالي يمكن القول إن التقدم في صناعة أقمار التجسس جعلت كل الترسانات العسكرية مفضوحة الأسرار.
وباتفاق الجميع، فإنه ما من قمر اصطناعي يُطلق للفضاء إلاّ ويكون التجسس على الآخرين أحد أهدافه، ولهذا، ولكي يبعدوا شبهة التجسس عن هذه الأقمار صاروا يصبغون عليها أسماء توحي بأهداف أخرى غير التجسس، مثل: أقمار لاكتشاف الموارد الأرضية، أو أقمار لرصد الزوابع والزلازل، وأخرى لمراقبة هجرة الطيور والحيوانات، وهكذا تتعدد الأهداف والأسماء والهدف الأخير واحد، وهو التجسس ثم التجسس، وما من رادع يردعهم، فالمشكلة أنه لا توجد حتى الآن تشاريع دولية حول الأقمار الاصطناعية، بمعنى آخر لا يوجد اتفاق دولي على عدد الأقمار المسموح لكل دولة إطلاقها، وتحديد مهمات كل قمر، لذلك نراهم على الأرض يختلفون حول الأسلحة النووية والباليستية والصواريخ العابرة للقارات، ولكننا لم نسمع أنهم حتى اليوم قد اختلفوا حول الأقمار الاصطناعية، اللهم إلا اتفاقات غير مباشرة جرت بين الاتحاد السوفييتي والولايات المتحدة الأمريكية تنص على ألاّ يتجاوز عمق ما تصوره كاميرات الأقمار الاصطناعية (30) متراً تحت الأرض، وفي شهر يناير عام 1967م تم توقيع معاهدة استخدام الفضاء التي تعهدت الأطراف الموقعة عليها بالامتناع عن وضع أي أسلحة نووية أو كيميائية أو بيولوجية على الأقمار الاصطناعية التي تطلقها، وعدم استخدام الأقمار الاصطناعية كوسائل إطلاق أسلحة بيولوجية، أو كيميائية، أو نووية باتجاه الأرض.
هذه المعاهدة التي كانت صريحة في جانب منها، فتحت الباب لكمّ هائل من الغموض في جوانبها الأخري، فقد تركت الباب مفتوحاً لإجراء تجارب علمية في الفضاء الخارجي، وبالتالي فإن أي أبحاث عسكرية يمكن أن تُصنّف على أنها أبحاث علمية سلمية كالتفجيرات النووية والبيولوجية، فهذه التفجيرات يمكن إجراؤها في الفضاء الخارجي من قِبَل المؤسسات العسكرية تحت غطاء الأبحاث العلمية السلمية، وهذا شقّ من بنية حروب الفضاء القادمة، أما الشق الأقرب من تلك الحروب فهو حروب الأقمار الاصطناعية التي افتتحنا بها هذه الوقفة، ولنقرأ.
خلافات الأرض للفضاء
نقرأ بأن الدول الكبرى مهما بلغت درجة اتفاقاتها مازالت تعيش خلافات عقائدية ومنازعات إقليمية، فروسيا مثلاً تسعى لاستعادة أمجادها كوريثة للاتحاد السوفيتي لتكون الند للولايات المتحدة الأمريكية، والصين في خلاف أيديولوجي حاد مع الولايات المتحدة الأمريكية، وفرنسا ليست على اتفاق تام مع بقية دول الاتحاد الأوروبي ولا مع الولايات المتحدة الأمريكية؛ وهذه الدول وغيرها ممن لها باع طويل في صنع وإطلاق الأقمار الاصطناعية، وضمن معادلة بدهية فإن كل دولة تحاول تحقيق التفوق على الدول الأخرى في مجال هذه الأقمار، وكل الأقمار المطلقة تحمل خلافات هذه الدول مع بعضها إلى الفضاء، وبالتالي ثمة احتمالات كبيرة لوقوع مواجهات فضائية، وهو ما تحسبت له الدول منذ زمن، ولنا أن نضرب أمثلة على ذلك:
في عام 1967م أطلق الاتحاد السوفيتي القمرين الاصطناعيين "كوزموس 186، و كوزموس 188"، ووضعهما على مدار واحد، وعبر أوامر أرضية جعلهما يقتربان من بعضهما البعض ويلتحمان ويدوران وهما ملتحمان لمدة ثلاث ساعات ونصف قبل أن ينفصلا.
هذه التجربة التي رافقتها دعاية سوفيتية واسعة كانت في الحقيقة رسالة موجهة للولايات المتحدة الأمريكية وغيرها من الدول، مفادها أن الاتحاد السوفيتي قادر على قتل أي قمر اصطناعي، أو اصطياد أي قمر وجعله ينحرف عن مساره، مما يعني قتله، وليؤكد السوفييت قدرتهم هذه كرروا التجربة في العام نفسه، بأن أطلقوا القمر "كوزموس 248"، والقمر "كوزموس 249"، وجعلوا كل قمر في مدار مختلف عن الآخر، ثم أعطوا الأوامر لأحد القمرين ليخرج عن مداره ويتجه لمدار القمر الآخر، ثم يلتحم به وينزله إلى مداره، وأعلن السوفيت آنذاك بأنه يمكن تدمير القمرين معاً، وقد تكررت هذه التجربة مراراً وكان آخرها عام 1981م بين القمرين "كوزموس 1241، وكوزموس 1243"، وكلها كانت تجارب ناجحة بيّنت إمكانية اصطياد الأقمار الاصطناعية أو تدميرها أو حرفها عن مسارها.
ولم تكن الولايات المتحدة الأمريكية بعيدة عن تجارب مماثلة جرت سراً في البداية ثم ظهرت إلى حيّز العلانية، ومن ذلك أنه في عام 1984م تم إطلاق القمر الأندونيسي للاتصالات "بالايا 2"، والقمر الأمريكي "وي ستار" وقد انحرف القمران عن مسارهما مما كان يعني حتمية هبوطهما باتجاه الأرض بعد فترة واحتراقهما، عندها تدخل علماء "ناسا" وكلفوا رواد مكوك فضاء أمريكي بأن يستعيدوا القمرين، وفعلاً في شهر نوفمبر من العام نفسه، أي عام 1984م انطلق مكوك الفضاء، وباستخدام ذراع آلية طولها ستة عشر متراً، وبالسباحة بواسطة كراسي نفّاثة، استطاع رواد المكوك القبض على القمرين واستعادتهما والعودة بهما إلى الأرض بسهولة كبيرة.
لقد قيل إن المكوك الأمريكي "وي ستار" الذي أطلق القمرين تعمّد أن يطلقهما إلى مجال خاطئ ضمن تجربة خططت لها ناسا حول إمكانية استعادة الأقمار الاصطناعية. وفي جميع الأحوال كان للنجاح الأمريكي في استعادة القمرين بسهولة وبتكاليف لا تذكر قياساً لقيمة القمرين صدى واسع على المستوى العسكري، فقد برهنت الولايات المتحدة عبر هذه العملية أنها قادرة على أسر أي قمر اصطناعي في الفضاء، ومن أي جنسية وإحضاره إلى الأرض، فالقمرالإندونيسي يمكن أن يكون في أية لحظة قمراً سوفيتياً أو صينياً.
ومثل آخر هو أنه في اليوم الثاني من أكتوبر عام 1979م، أطلقت وزارة الدفاع الأمريكية من قاعدة عسكرية أرضية حزمة من الليزر على قمر اصطناعي تابع للقوات الأمريكية انتهى عمره الافتراضي، وكان يسبح في الفضاء على ارتفاع (500) كلم وأصابته، وقد تحقق وصول الأشعة إلى الهدف في أقل من ثانيتين، وبهذه التجربة أثبتت الولايات المتحدة الأمريكية أنها قادرة على تدمير أي قمر اصطناعي من الأرض بواسطة أشعة الليزر خلال ثانيتين لا أكثر.
عسكرة الفضاء
من هذه الأمثلة وغيرها يتبين أن عصراً جديداً في الحروب قد بدأ أو أوشك على البدء، هو عصر حرب الفضاء، مع ما يعنيه من عسكرة الفضاء، واستعداد لاستخدام أسلحة مضادة للأقمار الاصطناعية لتدميرها، أو أسرها، أو حرفها عن مدارها، أو سرقة تقنياتها ... إلخ.
واستناداً للأمثلة السابقة التي ذكرناها وغيرها كثير نستطيع القول إن آفاق الأسلحة المضادة للأقمار الاصطناعية قد بدأت تتضح ملامحها منذ حقبة الحرب الباردة بين الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد السوفييتي السابق، وهذه الأسلحة عملياً هي موضع اختبارات مكثفة من جانب الدول الكبرى، والأمر لا يتعلق هنا بتدمير أقمارالتجسس فقط، بل بتحقيق التفوّق في كافة صنوف الأسلحة الأخرى، لأن معظم الأسلحة المتطورة الحالية المستعملة في الجيوش تعتمد في توجيهها على الأقمار الاصطناعية، أضف إلى ذلك أن تدمير الأقمار الاصطناعية أو شلها سيؤدي إلى اضطراب في نظم القيادة والسيطرة، وعجز الخصم عن توجيه الأسلحة الباليستية والقنابل الذكية، وشل الإنذار المبكر.. أي أن من يستطيع تحقيق التفوق في الفضاء عبر تدمير أقمار الخصم يستطيع حتماً تحقيق التفوّق في الأرض.
ونعود إلى السؤال عن الأسلحة المضادة للأقمار الاصطناعية الموضوعة في الخدمة حالياً، وسنجد أن أهمها ما يلي:
الأقمار الانتحارية: وهو نهج تركز عليه روسيا وتسعى إلى تطويره بعد نجاح تجاربها على أقمار كوزموس التي ذكرناها، وبنية القمر من هذا النوع لا تختلف عن بنية وتقنية الأقمار الأخرى، لكنه مزوّد بعبوة متفجرة شديدة الانفجار وكاميرات حساسة تتيح له تصوير الأقمار الأخرى عن بعد وإرسالها بسرعة فائقة إلى الأرض، وفي الأرض يكون لدى مرسلي القمر إمكانية اختيار القمر الذي يريدون تفجيره، فيوجهون القمر إليه ليلتحم به ويفجّر نفسه، ما يؤدي إلى تدمير القمرين معاً.
وقد تم تطوير هذا القمر بحيث يستطيع الانتقال من مدار إلى أي مدار آخر يتم اختياره، ويُقال إن روسيا (في عام 1999م) أرسلت سبعة أقمار انتحارية من هذا النوع إلى الفضاء كقوى مضادة للأقمار الاصطناعية يمكن استعمالها في أي وقت، وهو ما شكّل قلقاً كبيراً للولايات المتحدة والدول الأخرى، إذ عملياً لا يمكن تمييز هذه الأقمار الانتحارية عن الأقمار الروسية الأخرى، وهو ما يعني بداية عصر زرع الفضاء الخارجي بالألغام، مع ما يشكّله ذلك من خطر يشابه الخطر الكبير الجاثم على الأرض، نتيجة زرع الألغام الأرضية، فقد يصادف أن يمر قمر ما قرب قمر انتحاري أو يلامسه نتيجة خلل أرضي، مما يعني حدوث انفجار مكلف لأصحاب القمرين، وقد نفى الجنرال (يوري ف. غروشكي) مدير الأبحاث الفضائية في القيادة العسكرية الروسية هذه النظرية موضحاً أن انفجار قمر انتحاري لا يمكن أن يتم إلاّ عبر أوامر من الأرض، مما ينفي صفة اللغم الفضائي عنه، وكأنه بهذا النفي يثبت حقيقة أن روسيا قد أرسلت فعلاً أقماراً انتحارية للفضاء الخارجي.
وهناك برنامج الأقمار القاتلة للأقمار الاصطناعية الذي تطوره روسيا أيضاً، وقد تم إدخالها في الخدمة عام 1997م، ويضم هذا البرنامج الذي يقع مركز قيادته في ضواحي موسكو الأقمار الاصطناعية التي تعترض الأقمار الاصطناعية المعادية، وهو مزوّد بصواريخ (b-36) المخصصة لوضع قتلة الأقمار الاصطناعية في مداراتها، وقد تم تجريب هذه الأقمار أكثر من مرة بنجاح، حيث أكد (أناتولي سافين) مدير البرنامج بأن الأقمار قاتلة الأقمار الاصطناعية تستطيع اللحاق بالأهداف المطلوبة وتدميرها منطلقة من مدارات منخفضة نسبياً أو مهاجمتها على المدار نفسه وجهاً لوجه.
صواريخ م- أرض: في عام 2001م، وربما كرد على الأقمار الانتحارية الروسية، أعلنت وكالة الفضاء الأمريكية أنها قد نجحت بتصنيع صواريخ خاصة مضادة للأقمار الاصطناعية تُطلق من طائرات F-15 وهي تحلق على ارتفاعات عالية وتوجه بالأشعة تحت الحمراء وتستطيع إصابة أي قمر مستهدف.
أشعة الليزر: يعلق العسكريون آمالاً واسعة على استخدام أشعة الليزر كأهم سلاح للأقمار الاصطناعية، وقد رصدت وزارة الدفاع الأمريكية ميزانية ضخمة لمؤسسة S.I.O المتخصصة بتطوير استخدامات أشعة الليزر لتطوير إمكانية استخدام منصات تحمل مصادر توليد الليزر space-born-laser لتدمير الأقمار S.I.O، والدراسات الحالية تهدف بشكل رئيس إلى تصنيع أجهزة تتيح وضع مكونات الليزر في المدار بواسطة مكوك، ثم تجميع هذه الأجهزة لتصبح سلاحاً فعّالاً في قتل الأقمار المعادية.
سلاح المرايا: تجري الولايات المتحدة الأمريكية بشكل حثيث أعمال تنفيذ مشروع (سلاح المرايا)، وهو يعتمد على تعليق مرايا كبيرة في الفضاء يبلغ قطر كل منها نحو 30 كلم، حيث يمكن تجميع هذه المرايا بواسطة المكوك في منصات فضائية تُعلّق على مدارات محددة، ثم تُوجّه إليها حزم من أشعة الليزر من مواقع متعددة على الأرض لتنعكس على بعض من هذه المرايا متوجهة بتحكم أرضي نحو الأقمار الاصطناعية المعادية .
المضخات النووية: وبشكل حثيث أيضاً، تجري روسيا والولايات المتحدة الأمريكية تجارب على سلاح (المضخات النووية)، وهو سلاح يتركز أداؤه على توجيه حزم من الأشعة السينية فوق شعاع الليزر لإحداث انفجار نووي محدود في الفضاء، ليطيح بالصواريخ المعادية على الارتفاعات العالية.
سلاح الصواعق: تقوم فكرة هذا السلاح على توليد شعاع من الجسيمات أو الجزئيات المشحونة بشحنات عالية الطاقة من مصادر معلقة في الفضاء، وإذا وجهت نحو الأهداف المعادية، فإنها تحدث فيها عند ملامستها مثل ما تحدثه الصواعق الجوية من انفجارات عند وصولها للأرض.
ويتم توليد أشعة الجسيمات من تسارع البروتونات والأيونات في ذرات بعض المواد فتنطلق منها الأشعة عالية الطاقة، ومثل هذه الصواعق العالية يلزمها طاقة كهربائية قوتها لا تقل عن (50) مليون فولت، لكي يكون تدفقها مؤثراً، ويتم أداؤها من خلال جزء من الثانية، وهي ذات فاعلية تدميرية أكبر عشرات المرات من أشعة الليزر ضد الأقمار الاصطناعية.
أجهزة التشويش على الأقمار الاصطناعية المعادية: وذلك من خلال وضع هذه الأجهزة في طائرات، والطيران بها فوق المنطقة المُراد حمايتها من رصد الأقمار المعادية، وهو برناج تتبناه بحماس الآن القوات الجوية الأمريكية من خلال مختبر الليزر المحمول all والموجود في طائرة اختبار من نوع "بيونغ إن كي سي 135".
الأسلحة المضادة للمحطات الأرضية: المتابعة للأقمار، مما يؤدي إلى انعدام الاتصال بالقمر وفقدان السيطرة عليه، علماً أنه من الصعب توفير الحماية الكاملة لهذه المحطات، نظراً لضخامتها وكثرة المنشآت فيها، وحالياً تُبذل جهود بحثية أمريكية لتصغير حجم منشآتها المستقبلة للأقمار الاصطناعية أو تحويلها إلى محطات متنقلة.
سيناريو قريب حقيقي
اهتمام الدول الكبرى بحروب الأقمار الاصطناعية لم يعد يأتي من باب الاحتياط أو الترف، بل صار ينبع من حقيقة أن حروب الفضاء قادمة قريباً، بل قريباً جداً، وثمة سيناريو واقعي قريب التحقق تم الكشف عنه مؤخرا،ً مفاده أن وزارة الدفاع الأمريكية قد وضعت مؤخراً خطة تشبه خطة الحرب الخاطفة التي اعتمدتها آلة حرب ألمانيا النازية في الثلاثينيات، وترتكز على الأقمار الاصطناعية والسلاح غير النووي دقيق التصويب.
وتنص الخطة التي قدمها وزير الدفاع (وليام كوهين) إلى الرئيس الأمريكي والكونجرس الأمريكي مؤخراً على تكوين القوات المسلحة القادرة على تدمير أي بلد من بلدان العالم عبر القيام بضربات سريعة تستهدف تدمير المنشآت الهامة بحلول عام 2010م، وستشكل عشر مجموعات أو تشكيلات القوة الرئيسة لجيش الولايات المتحدة الأمريكية في المستقبل، وتضم الواحدة منها الطائرات المزودة بالصواريخ والطائرات والأقمار الاصطناعية التي تبحث عن الأهداف المطلوب تدميرها وتدل على من يطلقون الصواريخ إليها.
وتضم شبكة الأقمار الاصطناعية التي تدخل في آلة الحرب أيضاً أقمار الاتصالات التي تقرأ البيانات الواردة من مصادر المعلومات الفضائية، والجوية، والأرضية، والأقمار الاصطناعية التي تتنصت على اتصالات العدو، والأقمار الاصطناعية التخصصة في شن حرب المعلومات عن طريق بث برامج المحطات الإذاعية والتلفزيونية التي تستهدف هدم معنويات الشعوب والسيطرة على سلوكها، ويمكن إطلاق الصواريخ ذات الرؤوس المدمرة أيضاً من الطائرات التي تنطلق من حاملات الطائرات ومن السفن أو الغواصات بشكل مباشر.
وإذا تمكنت الولايات المتحدة الأمريكية من تحقيق كل ما تخطط له، فإنها ستستطيع تدمير الصواريخ النووية في مواقعها على الأرض بواسطة صواريخ كروز والطائرات الخفية، ومن هنا رأي الجنرال (فالنتين روغ) وهو الخبير العسكري الروسي الذي يهتم بسلاح الأقمار الاصطناعية أنه سيكون بإمكان الولايات المتحدة الأمريكية في عام2009م إطلاق نحو (5،4) ألف صاروخ من صواريخ الكروز من (98) سفينة، و (183) طائرة في وقت واحد، ولا مجال لإيقاف هذا الزخم إلاّ بتعطيل الأقمار الاصطناعية التي توجهه، وهو ما يجب أن يحفز روسيا أكثر لإيجاد أسلحة مضادة للأقمار الاصطناعية، أي الأسلحة التي يمكن بواسطتها تدمير الدروع الأسلحة بضرب عيونها وهي الأقمار الاصطناعية، وعندها لا يمكن للمعتدي أن يقوم بضربات سريعة ذات أهداف محددة، وستتجنب روسيا سباقاً جديداً للتسلح يرهق الخزينة العامة.
وقالت صحيفة (نيزافيسيا) الروسية التي أوردت هذا التقرير أن روسيا بناء على هذا السيناريو الأمريكي صارت تعطي أهمية قصوى لنظام الأسلحة المضادة للأقمار الاصطناعية، وهو النظام الذي أطلق عليه صُنّاعه اسم: (قاتل الأقمار الاصطناعية) ودخل الخدمة في عام 1979م، وكان قاتل الأقمار الاصطناعية في البداية عبارة عن قنبلة طائرة تدمّر الهدف بشظاياها وقت الانفجار، ومن ثم تم تصنيع قمر اصطناعي يحمل أربعة صواريخ من فئة فضاء-فضاء يستطيع إصابة أربعة أهداف، وكان النظام الروسي العسكري في البداية يعترض الأهداف على ارتفاع يصل إلى ألفي كيلومتر ثم أصبح قادراً إسقاط الأقمار الاصطناعية على ارتفاع يصل إلى أربعة آلاف كيلومتر.
ويمكن لهذا النظام أن يوفّر الحماية للسماء فوق روسيا اعتباراً من العام 2006م، كما يمكن تطويره حتى يستطيع محاربة الأقمار الاصطناعية على ارتفاع يصل إلى (36) ألف كيلومتر، ولأن الإلكترونيات الحديثة أقل وزناً من الإلكترونيات العائدة إلى السبعينيات، فإنه يمكن للقمر الاصطناعي الروسي المضاد للأقمار الاصطناعية أن يحمل مزيداً من الوقود والأسلحة ويمكن نقله من (بايكونور) بكازاخستان إلى القواعد الفضائية داخل روسيا ويمكن أن ينطلق الصاروخ الذي يحمل قاتل الأقمار الاصطناعية من المنصات المخبأة تحت الأرض التي تنطلق منها الصواريخ الاستراتيجية.
ويمكن لروسيا أيضاً أن تستفيد من نظام e-13، وهو نظام الصواريخ المضادة للصواريخ، الذي يقي موسكو في محاربة الأقمار الاصطناعية التي توجه الصواريخ إلى الأهداف المطلوب تدميرها على الأرض، وتقع لوحة التحكّم في إطلاق الصواريخ الروسية المضادة للصواريخ في محطة (دون 2م) التي يتوجب عليها أن تكشف عن الصواريخ المهاجمة.
حماية الأقمار الاصطناعية
إذن، وبحسب ما ذكرناه، فإن الولايات المتحدة الأمريكية ستقاتل في المستقبل القريب جداً من الفضاء وعبر الأقمار الاصطناعية كخطوة أولى، وروسيا، وربما الصين أيضاً، تتحدثان بقوة عن مشروعية تطوير نظم الأسلحة المضادة للأقمار الاصطناعية مع اعترافهما أنه حالياً لا يمكن نشر الأسلحة المضادة للأقمار الاصطناعية بتسارع نشر الأقمار الاصطناعية نفسه، ومع ذلك فإن الولايات المتحدة الأمريكية تأخذ بشكل جدي الاستراتيجيات الأخرى في الدول الكبرى الهادفة إلى تطوير الأسلحة المضادة للأقمار الاصطناعية، وضمن هذا الاهتمام تأتي الإعلانات الأمريكية المتكررة بأن الولايات المتحدة وصلت إلى مراحل متقدمة جداً في الرد بالأسلوب نفسه على أية دولة تفكر بالتعدّي على أقمارها الاصطناعية، ومن هذه التصريحات تصريح (مالكولم كوري) مسؤول استراتيجيات الفضاء في البنتاجون بتاريخ 10-4-2005م، بأن الولايات المتحدة الأمريكية لن تتوانى عن الرد بعنف على أية دولة تحاول المساس بالأقمار الاصطناعية الأمريكية، وعندما سُئل إن كان يعني الرد عبر الأسلحة الأرضية، فأجاب: "بل بالأسلحة المضادة للأقمار الاصطناعية التي ستفاجئ الدول الكبرى إذا استعملتها الولايات المتحدة ذات يوم".
وبعيداً عن التصريحات، اتخذت الولايات المتحدة الأمريكية ميدانياً إجراءات وقائية مضادة للأسلحة المضادة للأقمار الاصطناعية، منها: إقامة مركز عمليات الدفاع الفضائي Space Defence Operations Center في مجمع (جبل شيلان بمدينة كولارادو) عام 1979م، مع الإعلان بأن الدفاع الفضائي جزء لا يتجزأ من الدفاع القومي الأمريكي، وأحد أهم مهام المركز حماية الأقمار الاصطناعية الأمريكية من أية أسلحة مضادة للأقمار الاصطناعية، والتحكّم في نظام التسليح الأمريكي المضاد للأقمار الاصطناعية، وبشكل عام، تتحدد أهداف المركز بتنسيق العمليات المتعلقة بالدفاع عن الأقمار الاصطناعية.
وضمن الإجراءت الأمريكية أيضاً تم إنشاء سد راداري في المحيط الهادي على جزر (كواجلين، والفيليبين، وغوام)، للتعرف على الأجسام الفضائية. وفي عام 1999م أنشأت وزارة الدفاع الأمريكية مركز التفتيش والتتبع للأنشطة الفضائية ويتبع قيادة الدفاع الجوي والفضائي في (كوالارادو)، ومهمة المركز هي توفير العلومات الموثوقة عن كافة الأجسام الفضائية من أقمار اصطناعية، وتسكوبات، ومحطات فضائية، ومختبرات فضائية، ومركبات وسفن فضائية.
وفي الأجيال الحديثة من الأقمار الاصطناعية روعي تزويدها بأجهزة إنذار خاصة تقوم بإبلاغ محطات المتابعة الأرضية عن أي هجوم تتعرّض له حتى بعد تدميرها، كما يتم الآن من قِبَل الدول الكبرى إطلاق أعداد من الأقمار الاصطناعية الزائفة إلى جانب الأقمار الحقيقية، بحيث يصعب على الخصم رصد الأقمار الحقيقية واستهدافها.
ونتيجة التطور المتسارع في تقنية الأقمار الاصطناعية تم التوصّل مؤخراً إلى أجيال متطورة من هذه الأقمار يمكن وضعها في حالة سكون على ارتفاعات عالية جداً بعيداً عن متناول نظم الرصد والكشف المعادية ولا يمكن الاهتداء إلى أمكنتها إلاّ بأجهزة مقامة في منصات فضائية تعتمد على موجات طويلة للأشعة تحت الحمراء، كما تم التوصّل إلى أقمار تمتلك ميزة الدفاع الإيجابي عن نفسها في حال تعرضها للاعتداء، كتزويدها بوقود إضافي كافٍ لتجنّب الأسلحة المضادة للأقمار الاصطناعية ورفع نفسها بسرعة إلى مدارات عالية تجنبها الأقمارالمضادة لها أو الصواريخ أو أشعة الليزر، وهناك خطط لإخفاء الأقمار الاصطناعية وراء المخلفات الفضائية من أقمار اصطناعية تالفة قديمة.
وبحسب بعض الصحف العسكرية الفرنسية المتخصصة، فقد تم التوصّل إلى تصنيع أقمار اصطناعية من مواد خاصة لا تعكس الإشعاعات الرادارية، مما يجعل أمر كشفها صعباً من قِبَل المحطات الأرضية المعادية.
وبعد.. إنها حروب الأرض من الفضاء، بدأت تجرّ الدول الكبرى إلى حروب الفضاء من الفضاء عبر الأقمار الاصطناعية، والأسلحة المضادة لها؛ والمشكلة أنه لا توجد حتى الآن معاهدة دولية حول تنظيم استغلال الأسلحة المضادة للأقمار الاصطناعية، مما بدأ يعيد العالم فعلياً إلى حرب باردة جديدة قد تتحول فجأة إلى حرب ساخنة، وعندها من يدري!!
المصادر:
The Sanday Telegraph, No 2001-1999.
Defense National-October, 2004.
محمد حيان الحافظ، الأخطار التي تهدد الأقمار الاصطناعية، مجلة الحرس الوطني، ديسمبر 1999م.
خالد الحسن، عسكرة الفضاء، مجلة الحرس الوطني، يناير 2003م.
قاسم علوان، انتهاك الفضاء، دار الباحث، بيروت، 1999م.
موقع الجزيرة نت بتواريخ مختلفة.
قمر صناعي
(في الساعة 300 صدرت الأوامر من القيادة العسكرية الأمريكية العليا إلى طاقم المكوك الأمريكي "س" لتنفيذ المهمة المحددة، وهي تدمير الأقمار الاصطناعية الروسية المتوضعة في النقطة "ن" بعد أسر قمرين منها وإحضارهما للقاعدة الأرضية ..).
بالطبع سيعتقد القارئ أن الفقرة السابقة قد وردت خطأ إذا ما سمعنا حتى الآن بمكوك يدمّر أقماراً اصطناعية أو يأسر بعضاً منها، اللهم إلاّ في قصص الخيال العلمي، ومع ذلك نقول إن الفقرة السابقة لم ترد بالخطأ، لكن من يدري فالعالم قاب قوسين أو أدنى من حروب فضائية تبدأ بهذا النوع من العمليات الحربية يعني تدمير الأقمار الاصطناعية للغير أو أسرها. وحتى لا يبدو كلامنا غريباً أكثر نتذكّر أن حروب العالم التي مازلنا نعرفها تجري على الأرض بين المشاة والمدرعات، أو في السماء القريبة من الأرض بين الطائرات؛ وفي هذه الحروب الكل مشغول بامتلاك الأسلحة وتطويرها وحيازة وسائل الرصد والمراقبة، وهدف كل واحد هو تحقيق التفوّق على الآخرين. وقد تفننوا في تطوير وسائل الرصد والمراقبة إلى حدود خيالية، لكنهم سرعان ما نقلوا هذا كله إلى الفضاء الخارجي. وبسرعة ترسّخ عصر جديد من الحروب عبر مفهوم أطلقو عليه "عسكرة الفضاء" ويعنون العسكرة بالأقمار الاصطناعية، فكيف بدأت هذه العسكرة وإلى أين تمضي؟
هذه العسكرة بدأت يوم الرابع من شهر تشرين الأول (أكتوبر) عام 1957م، عندما أعلن الاتحاد السوفيتي عن نجاحه في إطلاق أول قمر اصطناعي ووضعه في مدار حول الأرض، ومع أنه كان قمراً بسيطاً جداً لا يؤدي أية مهمات تُذكر، إلاّ أنه هز الولايات المتحدة التي أدركت أنها إن لم تلحق بما فعله السوفييت، فسوف تكون مكشوفة عسكرياً أمام عيون أخرى سيرسلها السوفييت للفضاء أكثر تطوراً، لذلك وبعد أشهر قليلة؛ أي في يوم 30 يناير من عام 1958م نجح الأمريكان بإطلاق قمرهم الاصطناعي الأول تحت اسم "اكسبلورر 1"، ومنذ ذلك الوقت انفتح عهد التنافس الدولي في إطلاق الأقمار الاصطناعية، عهد دخلت فيه عدة دول، منها: فرنسا، واليابان، والصين، وبريطانيا، وألمانيا، والهند، وفرنسا، ويكفي أن نذكر أنه في عام 1986م كان قد تم إطلاق (3200) قمر اصطناعي إلى مدارات حول الأرض من أجل غايات مختلفة، من بينها (2000) قمر أطلقها الاتحاد السوفيتي و (2001) أطلقتها الولايات المتحدة الأمريكية، واليوم صار الفضاء مليئاً بعدد غير معروف من الأقمار الاصطناعية، 65% منها أقمار تجسس.
حقيقة علمية
ومنذ البدء نرانا مضطرين لتوضيح حقيقة علمية تغيب عن أذهان الكثيرين، إذ يعتقد بأن الأقمار الاصطناعية يتم إطلاقها إلى خارج الجاذبية الأرضية، فتبقى دائرة سابحة حول الأرض لعدم وجود جاذبية، وإنما مجال جاذبية الأرض هي التي تعمل على إبقاء الأقمار الاصطناعية في مسارها، تماماً كما تعمل على بقاء قمرنا الطبيعي في فلكه، فقوى جذب الأرض تشدّ القمر إلى الأرض، إلاّ أنها تعمل على إبقائه في الوقت ذاته في مداره.
بعبارة أخرى، إن الذي يُبقي الأقمار الاصطناعية سابحة في مدارها هو الجمع بين قوتي الجذب الأرضي والطرد؛ ففي الوقت الذي ينطلق فيه القمر الاصطناعي نحو الفضاء مسرعا،ً نجد أن الأرض تعمل على إسقاطه مسرعاً هابطاً إليها، وبذلك تتعادل القوة الناجمة عن حركة القمر مع قوى جذب الأرض، فيظل القمر سابحاً في الفضاء تحت توازن القوتين.
وبعيداً عن الشرح العلمي نستطيع القول إن عمر القمر الاصطناعي في الفضاء يتحدد بشكل رئيس بارتفاع طيرانه، وهذا العمر يتراوح بين أقل من ساعة عند ارتفاعات تقارب (150 150) كم إلى ملايين السنين عندما يكون القمر في مدارات ذات ارتفاعات عاليه، وعلى سبيل المثال نذكر أن القمر الاصطناعي الأمريكي كان يطير على ارتفاعات عالية، لذلك عاش حوالي خمس سنوات، بينما لم يزد عمر السفينة الأمريكية (فريندشيب 7) عن أربع سنوات.
وهكذا بحسب الارتفاعات التي يطلقون إليها الأقمار الاصطناعية يستطيعون التحكّم بعمر القمر الاصطناعي، فعلى سبيل المثال أطلق السوفييت سلسلة من أقمار (كوزموس) لأغراض عسكرية، لم يزد عمر الواحد منها عن أربع ساعات ثم انتهى عمرها بالاحتراق، وخلال عام واحد أطلق السوفييت أيضاً (57) قمراً لمراقبة قمر اصطناعي أمريكي لم يكن هدفه معروفاً لديهم.
أكبر قرصنة
وهكذا، صار العالم مكشوفاً لمن يطلقون أقمارهم، حيث تصور الأقمار ما تحتها من معالم وترسلها لمطلقيها، وتفعل ذلك برغبة من الآخرين أو رغماً عنهم، أي أن هناك الآن أكبر قرصنة فضائية، وهذه القرصنة لا حدود لها، ففي النهار تصوّر الأقمار ما تحت مداراتها بالكاميرات العادية، وفي الليل تصوّر بكاميرات تعمل بالأشعة تحت الحمراء، ولا نعني تصوير ما هو بارز على وجه الأرض من منشآت وجيوش ومستودعات، بل تقدموا في تقنيات الأقمار، بحيث صارت هذه الأقمار قادرة على تصوير ما هو موجود داخل البيوت والمنشآت والمستودعات والمغاور، وبتقنيات دقيقة تزداد تطوراً؛ وتستقبل الحواسيب على الأرض ما تصوره هذه الأقمار، ثم تعيد تركيب جزئياتها لتظهر بأوضح شكل يمكن تخيله، وبالتالي يمكن القول إن التقدم في صناعة أقمار التجسس جعلت كل الترسانات العسكرية مفضوحة الأسرار.
وباتفاق الجميع، فإنه ما من قمر اصطناعي يُطلق للفضاء إلاّ ويكون التجسس على الآخرين أحد أهدافه، ولهذا، ولكي يبعدوا شبهة التجسس عن هذه الأقمار صاروا يصبغون عليها أسماء توحي بأهداف أخرى غير التجسس، مثل: أقمار لاكتشاف الموارد الأرضية، أو أقمار لرصد الزوابع والزلازل، وأخرى لمراقبة هجرة الطيور والحيوانات، وهكذا تتعدد الأهداف والأسماء والهدف الأخير واحد، وهو التجسس ثم التجسس، وما من رادع يردعهم، فالمشكلة أنه لا توجد حتى الآن تشاريع دولية حول الأقمار الاصطناعية، بمعنى آخر لا يوجد اتفاق دولي على عدد الأقمار المسموح لكل دولة إطلاقها، وتحديد مهمات كل قمر، لذلك نراهم على الأرض يختلفون حول الأسلحة النووية والباليستية والصواريخ العابرة للقارات، ولكننا لم نسمع أنهم حتى اليوم قد اختلفوا حول الأقمار الاصطناعية، اللهم إلا اتفاقات غير مباشرة جرت بين الاتحاد السوفييتي والولايات المتحدة الأمريكية تنص على ألاّ يتجاوز عمق ما تصوره كاميرات الأقمار الاصطناعية (30) متراً تحت الأرض، وفي شهر يناير عام 1967م تم توقيع معاهدة استخدام الفضاء التي تعهدت الأطراف الموقعة عليها بالامتناع عن وضع أي أسلحة نووية أو كيميائية أو بيولوجية على الأقمار الاصطناعية التي تطلقها، وعدم استخدام الأقمار الاصطناعية كوسائل إطلاق أسلحة بيولوجية، أو كيميائية، أو نووية باتجاه الأرض.
هذه المعاهدة التي كانت صريحة في جانب منها، فتحت الباب لكمّ هائل من الغموض في جوانبها الأخري، فقد تركت الباب مفتوحاً لإجراء تجارب علمية في الفضاء الخارجي، وبالتالي فإن أي أبحاث عسكرية يمكن أن تُصنّف على أنها أبحاث علمية سلمية كالتفجيرات النووية والبيولوجية، فهذه التفجيرات يمكن إجراؤها في الفضاء الخارجي من قِبَل المؤسسات العسكرية تحت غطاء الأبحاث العلمية السلمية، وهذا شقّ من بنية حروب الفضاء القادمة، أما الشق الأقرب من تلك الحروب فهو حروب الأقمار الاصطناعية التي افتتحنا بها هذه الوقفة، ولنقرأ.
خلافات الأرض للفضاء
نقرأ بأن الدول الكبرى مهما بلغت درجة اتفاقاتها مازالت تعيش خلافات عقائدية ومنازعات إقليمية، فروسيا مثلاً تسعى لاستعادة أمجادها كوريثة للاتحاد السوفيتي لتكون الند للولايات المتحدة الأمريكية، والصين في خلاف أيديولوجي حاد مع الولايات المتحدة الأمريكية، وفرنسا ليست على اتفاق تام مع بقية دول الاتحاد الأوروبي ولا مع الولايات المتحدة الأمريكية؛ وهذه الدول وغيرها ممن لها باع طويل في صنع وإطلاق الأقمار الاصطناعية، وضمن معادلة بدهية فإن كل دولة تحاول تحقيق التفوق على الدول الأخرى في مجال هذه الأقمار، وكل الأقمار المطلقة تحمل خلافات هذه الدول مع بعضها إلى الفضاء، وبالتالي ثمة احتمالات كبيرة لوقوع مواجهات فضائية، وهو ما تحسبت له الدول منذ زمن، ولنا أن نضرب أمثلة على ذلك:
في عام 1967م أطلق الاتحاد السوفيتي القمرين الاصطناعيين "كوزموس 186، و كوزموس 188"، ووضعهما على مدار واحد، وعبر أوامر أرضية جعلهما يقتربان من بعضهما البعض ويلتحمان ويدوران وهما ملتحمان لمدة ثلاث ساعات ونصف قبل أن ينفصلا.
هذه التجربة التي رافقتها دعاية سوفيتية واسعة كانت في الحقيقة رسالة موجهة للولايات المتحدة الأمريكية وغيرها من الدول، مفادها أن الاتحاد السوفيتي قادر على قتل أي قمر اصطناعي، أو اصطياد أي قمر وجعله ينحرف عن مساره، مما يعني قتله، وليؤكد السوفييت قدرتهم هذه كرروا التجربة في العام نفسه، بأن أطلقوا القمر "كوزموس 248"، والقمر "كوزموس 249"، وجعلوا كل قمر في مدار مختلف عن الآخر، ثم أعطوا الأوامر لأحد القمرين ليخرج عن مداره ويتجه لمدار القمر الآخر، ثم يلتحم به وينزله إلى مداره، وأعلن السوفيت آنذاك بأنه يمكن تدمير القمرين معاً، وقد تكررت هذه التجربة مراراً وكان آخرها عام 1981م بين القمرين "كوزموس 1241، وكوزموس 1243"، وكلها كانت تجارب ناجحة بيّنت إمكانية اصطياد الأقمار الاصطناعية أو تدميرها أو حرفها عن مسارها.
ولم تكن الولايات المتحدة الأمريكية بعيدة عن تجارب مماثلة جرت سراً في البداية ثم ظهرت إلى حيّز العلانية، ومن ذلك أنه في عام 1984م تم إطلاق القمر الأندونيسي للاتصالات "بالايا 2"، والقمر الأمريكي "وي ستار" وقد انحرف القمران عن مسارهما مما كان يعني حتمية هبوطهما باتجاه الأرض بعد فترة واحتراقهما، عندها تدخل علماء "ناسا" وكلفوا رواد مكوك فضاء أمريكي بأن يستعيدوا القمرين، وفعلاً في شهر نوفمبر من العام نفسه، أي عام 1984م انطلق مكوك الفضاء، وباستخدام ذراع آلية طولها ستة عشر متراً، وبالسباحة بواسطة كراسي نفّاثة، استطاع رواد المكوك القبض على القمرين واستعادتهما والعودة بهما إلى الأرض بسهولة كبيرة.
لقد قيل إن المكوك الأمريكي "وي ستار" الذي أطلق القمرين تعمّد أن يطلقهما إلى مجال خاطئ ضمن تجربة خططت لها ناسا حول إمكانية استعادة الأقمار الاصطناعية. وفي جميع الأحوال كان للنجاح الأمريكي في استعادة القمرين بسهولة وبتكاليف لا تذكر قياساً لقيمة القمرين صدى واسع على المستوى العسكري، فقد برهنت الولايات المتحدة عبر هذه العملية أنها قادرة على أسر أي قمر اصطناعي في الفضاء، ومن أي جنسية وإحضاره إلى الأرض، فالقمرالإندونيسي يمكن أن يكون في أية لحظة قمراً سوفيتياً أو صينياً.
ومثل آخر هو أنه في اليوم الثاني من أكتوبر عام 1979م، أطلقت وزارة الدفاع الأمريكية من قاعدة عسكرية أرضية حزمة من الليزر على قمر اصطناعي تابع للقوات الأمريكية انتهى عمره الافتراضي، وكان يسبح في الفضاء على ارتفاع (500) كلم وأصابته، وقد تحقق وصول الأشعة إلى الهدف في أقل من ثانيتين، وبهذه التجربة أثبتت الولايات المتحدة الأمريكية أنها قادرة على تدمير أي قمر اصطناعي من الأرض بواسطة أشعة الليزر خلال ثانيتين لا أكثر.
عسكرة الفضاء
من هذه الأمثلة وغيرها يتبين أن عصراً جديداً في الحروب قد بدأ أو أوشك على البدء، هو عصر حرب الفضاء، مع ما يعنيه من عسكرة الفضاء، واستعداد لاستخدام أسلحة مضادة للأقمار الاصطناعية لتدميرها، أو أسرها، أو حرفها عن مدارها، أو سرقة تقنياتها ... إلخ.
واستناداً للأمثلة السابقة التي ذكرناها وغيرها كثير نستطيع القول إن آفاق الأسلحة المضادة للأقمار الاصطناعية قد بدأت تتضح ملامحها منذ حقبة الحرب الباردة بين الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد السوفييتي السابق، وهذه الأسلحة عملياً هي موضع اختبارات مكثفة من جانب الدول الكبرى، والأمر لا يتعلق هنا بتدمير أقمارالتجسس فقط، بل بتحقيق التفوّق في كافة صنوف الأسلحة الأخرى، لأن معظم الأسلحة المتطورة الحالية المستعملة في الجيوش تعتمد في توجيهها على الأقمار الاصطناعية، أضف إلى ذلك أن تدمير الأقمار الاصطناعية أو شلها سيؤدي إلى اضطراب في نظم القيادة والسيطرة، وعجز الخصم عن توجيه الأسلحة الباليستية والقنابل الذكية، وشل الإنذار المبكر.. أي أن من يستطيع تحقيق التفوق في الفضاء عبر تدمير أقمار الخصم يستطيع حتماً تحقيق التفوّق في الأرض.
ونعود إلى السؤال عن الأسلحة المضادة للأقمار الاصطناعية الموضوعة في الخدمة حالياً، وسنجد أن أهمها ما يلي:
الأقمار الانتحارية: وهو نهج تركز عليه روسيا وتسعى إلى تطويره بعد نجاح تجاربها على أقمار كوزموس التي ذكرناها، وبنية القمر من هذا النوع لا تختلف عن بنية وتقنية الأقمار الأخرى، لكنه مزوّد بعبوة متفجرة شديدة الانفجار وكاميرات حساسة تتيح له تصوير الأقمار الأخرى عن بعد وإرسالها بسرعة فائقة إلى الأرض، وفي الأرض يكون لدى مرسلي القمر إمكانية اختيار القمر الذي يريدون تفجيره، فيوجهون القمر إليه ليلتحم به ويفجّر نفسه، ما يؤدي إلى تدمير القمرين معاً.
وقد تم تطوير هذا القمر بحيث يستطيع الانتقال من مدار إلى أي مدار آخر يتم اختياره، ويُقال إن روسيا (في عام 1999م) أرسلت سبعة أقمار انتحارية من هذا النوع إلى الفضاء كقوى مضادة للأقمار الاصطناعية يمكن استعمالها في أي وقت، وهو ما شكّل قلقاً كبيراً للولايات المتحدة والدول الأخرى، إذ عملياً لا يمكن تمييز هذه الأقمار الانتحارية عن الأقمار الروسية الأخرى، وهو ما يعني بداية عصر زرع الفضاء الخارجي بالألغام، مع ما يشكّله ذلك من خطر يشابه الخطر الكبير الجاثم على الأرض، نتيجة زرع الألغام الأرضية، فقد يصادف أن يمر قمر ما قرب قمر انتحاري أو يلامسه نتيجة خلل أرضي، مما يعني حدوث انفجار مكلف لأصحاب القمرين، وقد نفى الجنرال (يوري ف. غروشكي) مدير الأبحاث الفضائية في القيادة العسكرية الروسية هذه النظرية موضحاً أن انفجار قمر انتحاري لا يمكن أن يتم إلاّ عبر أوامر من الأرض، مما ينفي صفة اللغم الفضائي عنه، وكأنه بهذا النفي يثبت حقيقة أن روسيا قد أرسلت فعلاً أقماراً انتحارية للفضاء الخارجي.
وهناك برنامج الأقمار القاتلة للأقمار الاصطناعية الذي تطوره روسيا أيضاً، وقد تم إدخالها في الخدمة عام 1997م، ويضم هذا البرنامج الذي يقع مركز قيادته في ضواحي موسكو الأقمار الاصطناعية التي تعترض الأقمار الاصطناعية المعادية، وهو مزوّد بصواريخ (b-36) المخصصة لوضع قتلة الأقمار الاصطناعية في مداراتها، وقد تم تجريب هذه الأقمار أكثر من مرة بنجاح، حيث أكد (أناتولي سافين) مدير البرنامج بأن الأقمار قاتلة الأقمار الاصطناعية تستطيع اللحاق بالأهداف المطلوبة وتدميرها منطلقة من مدارات منخفضة نسبياً أو مهاجمتها على المدار نفسه وجهاً لوجه.
صواريخ م- أرض: في عام 2001م، وربما كرد على الأقمار الانتحارية الروسية، أعلنت وكالة الفضاء الأمريكية أنها قد نجحت بتصنيع صواريخ خاصة مضادة للأقمار الاصطناعية تُطلق من طائرات F-15 وهي تحلق على ارتفاعات عالية وتوجه بالأشعة تحت الحمراء وتستطيع إصابة أي قمر مستهدف.
أشعة الليزر: يعلق العسكريون آمالاً واسعة على استخدام أشعة الليزر كأهم سلاح للأقمار الاصطناعية، وقد رصدت وزارة الدفاع الأمريكية ميزانية ضخمة لمؤسسة S.I.O المتخصصة بتطوير استخدامات أشعة الليزر لتطوير إمكانية استخدام منصات تحمل مصادر توليد الليزر space-born-laser لتدمير الأقمار S.I.O، والدراسات الحالية تهدف بشكل رئيس إلى تصنيع أجهزة تتيح وضع مكونات الليزر في المدار بواسطة مكوك، ثم تجميع هذه الأجهزة لتصبح سلاحاً فعّالاً في قتل الأقمار المعادية.
سلاح المرايا: تجري الولايات المتحدة الأمريكية بشكل حثيث أعمال تنفيذ مشروع (سلاح المرايا)، وهو يعتمد على تعليق مرايا كبيرة في الفضاء يبلغ قطر كل منها نحو 30 كلم، حيث يمكن تجميع هذه المرايا بواسطة المكوك في منصات فضائية تُعلّق على مدارات محددة، ثم تُوجّه إليها حزم من أشعة الليزر من مواقع متعددة على الأرض لتنعكس على بعض من هذه المرايا متوجهة بتحكم أرضي نحو الأقمار الاصطناعية المعادية .
المضخات النووية: وبشكل حثيث أيضاً، تجري روسيا والولايات المتحدة الأمريكية تجارب على سلاح (المضخات النووية)، وهو سلاح يتركز أداؤه على توجيه حزم من الأشعة السينية فوق شعاع الليزر لإحداث انفجار نووي محدود في الفضاء، ليطيح بالصواريخ المعادية على الارتفاعات العالية.
سلاح الصواعق: تقوم فكرة هذا السلاح على توليد شعاع من الجسيمات أو الجزئيات المشحونة بشحنات عالية الطاقة من مصادر معلقة في الفضاء، وإذا وجهت نحو الأهداف المعادية، فإنها تحدث فيها عند ملامستها مثل ما تحدثه الصواعق الجوية من انفجارات عند وصولها للأرض.
ويتم توليد أشعة الجسيمات من تسارع البروتونات والأيونات في ذرات بعض المواد فتنطلق منها الأشعة عالية الطاقة، ومثل هذه الصواعق العالية يلزمها طاقة كهربائية قوتها لا تقل عن (50) مليون فولت، لكي يكون تدفقها مؤثراً، ويتم أداؤها من خلال جزء من الثانية، وهي ذات فاعلية تدميرية أكبر عشرات المرات من أشعة الليزر ضد الأقمار الاصطناعية.
أجهزة التشويش على الأقمار الاصطناعية المعادية: وذلك من خلال وضع هذه الأجهزة في طائرات، والطيران بها فوق المنطقة المُراد حمايتها من رصد الأقمار المعادية، وهو برناج تتبناه بحماس الآن القوات الجوية الأمريكية من خلال مختبر الليزر المحمول all والموجود في طائرة اختبار من نوع "بيونغ إن كي سي 135".
الأسلحة المضادة للمحطات الأرضية: المتابعة للأقمار، مما يؤدي إلى انعدام الاتصال بالقمر وفقدان السيطرة عليه، علماً أنه من الصعب توفير الحماية الكاملة لهذه المحطات، نظراً لضخامتها وكثرة المنشآت فيها، وحالياً تُبذل جهود بحثية أمريكية لتصغير حجم منشآتها المستقبلة للأقمار الاصطناعية أو تحويلها إلى محطات متنقلة.
سيناريو قريب حقيقي
اهتمام الدول الكبرى بحروب الأقمار الاصطناعية لم يعد يأتي من باب الاحتياط أو الترف، بل صار ينبع من حقيقة أن حروب الفضاء قادمة قريباً، بل قريباً جداً، وثمة سيناريو واقعي قريب التحقق تم الكشف عنه مؤخرا،ً مفاده أن وزارة الدفاع الأمريكية قد وضعت مؤخراً خطة تشبه خطة الحرب الخاطفة التي اعتمدتها آلة حرب ألمانيا النازية في الثلاثينيات، وترتكز على الأقمار الاصطناعية والسلاح غير النووي دقيق التصويب.
وتنص الخطة التي قدمها وزير الدفاع (وليام كوهين) إلى الرئيس الأمريكي والكونجرس الأمريكي مؤخراً على تكوين القوات المسلحة القادرة على تدمير أي بلد من بلدان العالم عبر القيام بضربات سريعة تستهدف تدمير المنشآت الهامة بحلول عام 2010م، وستشكل عشر مجموعات أو تشكيلات القوة الرئيسة لجيش الولايات المتحدة الأمريكية في المستقبل، وتضم الواحدة منها الطائرات المزودة بالصواريخ والطائرات والأقمار الاصطناعية التي تبحث عن الأهداف المطلوب تدميرها وتدل على من يطلقون الصواريخ إليها.
وتضم شبكة الأقمار الاصطناعية التي تدخل في آلة الحرب أيضاً أقمار الاتصالات التي تقرأ البيانات الواردة من مصادر المعلومات الفضائية، والجوية، والأرضية، والأقمار الاصطناعية التي تتنصت على اتصالات العدو، والأقمار الاصطناعية التخصصة في شن حرب المعلومات عن طريق بث برامج المحطات الإذاعية والتلفزيونية التي تستهدف هدم معنويات الشعوب والسيطرة على سلوكها، ويمكن إطلاق الصواريخ ذات الرؤوس المدمرة أيضاً من الطائرات التي تنطلق من حاملات الطائرات ومن السفن أو الغواصات بشكل مباشر.
وإذا تمكنت الولايات المتحدة الأمريكية من تحقيق كل ما تخطط له، فإنها ستستطيع تدمير الصواريخ النووية في مواقعها على الأرض بواسطة صواريخ كروز والطائرات الخفية، ومن هنا رأي الجنرال (فالنتين روغ) وهو الخبير العسكري الروسي الذي يهتم بسلاح الأقمار الاصطناعية أنه سيكون بإمكان الولايات المتحدة الأمريكية في عام2009م إطلاق نحو (5،4) ألف صاروخ من صواريخ الكروز من (98) سفينة، و (183) طائرة في وقت واحد، ولا مجال لإيقاف هذا الزخم إلاّ بتعطيل الأقمار الاصطناعية التي توجهه، وهو ما يجب أن يحفز روسيا أكثر لإيجاد أسلحة مضادة للأقمار الاصطناعية، أي الأسلحة التي يمكن بواسطتها تدمير الدروع الأسلحة بضرب عيونها وهي الأقمار الاصطناعية، وعندها لا يمكن للمعتدي أن يقوم بضربات سريعة ذات أهداف محددة، وستتجنب روسيا سباقاً جديداً للتسلح يرهق الخزينة العامة.
وقالت صحيفة (نيزافيسيا) الروسية التي أوردت هذا التقرير أن روسيا بناء على هذا السيناريو الأمريكي صارت تعطي أهمية قصوى لنظام الأسلحة المضادة للأقمار الاصطناعية، وهو النظام الذي أطلق عليه صُنّاعه اسم: (قاتل الأقمار الاصطناعية) ودخل الخدمة في عام 1979م، وكان قاتل الأقمار الاصطناعية في البداية عبارة عن قنبلة طائرة تدمّر الهدف بشظاياها وقت الانفجار، ومن ثم تم تصنيع قمر اصطناعي يحمل أربعة صواريخ من فئة فضاء-فضاء يستطيع إصابة أربعة أهداف، وكان النظام الروسي العسكري في البداية يعترض الأهداف على ارتفاع يصل إلى ألفي كيلومتر ثم أصبح قادراً إسقاط الأقمار الاصطناعية على ارتفاع يصل إلى أربعة آلاف كيلومتر.
ويمكن لهذا النظام أن يوفّر الحماية للسماء فوق روسيا اعتباراً من العام 2006م، كما يمكن تطويره حتى يستطيع محاربة الأقمار الاصطناعية على ارتفاع يصل إلى (36) ألف كيلومتر، ولأن الإلكترونيات الحديثة أقل وزناً من الإلكترونيات العائدة إلى السبعينيات، فإنه يمكن للقمر الاصطناعي الروسي المضاد للأقمار الاصطناعية أن يحمل مزيداً من الوقود والأسلحة ويمكن نقله من (بايكونور) بكازاخستان إلى القواعد الفضائية داخل روسيا ويمكن أن ينطلق الصاروخ الذي يحمل قاتل الأقمار الاصطناعية من المنصات المخبأة تحت الأرض التي تنطلق منها الصواريخ الاستراتيجية.
ويمكن لروسيا أيضاً أن تستفيد من نظام e-13، وهو نظام الصواريخ المضادة للصواريخ، الذي يقي موسكو في محاربة الأقمار الاصطناعية التي توجه الصواريخ إلى الأهداف المطلوب تدميرها على الأرض، وتقع لوحة التحكّم في إطلاق الصواريخ الروسية المضادة للصواريخ في محطة (دون 2م) التي يتوجب عليها أن تكشف عن الصواريخ المهاجمة.
حماية الأقمار الاصطناعية
إذن، وبحسب ما ذكرناه، فإن الولايات المتحدة الأمريكية ستقاتل في المستقبل القريب جداً من الفضاء وعبر الأقمار الاصطناعية كخطوة أولى، وروسيا، وربما الصين أيضاً، تتحدثان بقوة عن مشروعية تطوير نظم الأسلحة المضادة للأقمار الاصطناعية مع اعترافهما أنه حالياً لا يمكن نشر الأسلحة المضادة للأقمار الاصطناعية بتسارع نشر الأقمار الاصطناعية نفسه، ومع ذلك فإن الولايات المتحدة الأمريكية تأخذ بشكل جدي الاستراتيجيات الأخرى في الدول الكبرى الهادفة إلى تطوير الأسلحة المضادة للأقمار الاصطناعية، وضمن هذا الاهتمام تأتي الإعلانات الأمريكية المتكررة بأن الولايات المتحدة وصلت إلى مراحل متقدمة جداً في الرد بالأسلوب نفسه على أية دولة تفكر بالتعدّي على أقمارها الاصطناعية، ومن هذه التصريحات تصريح (مالكولم كوري) مسؤول استراتيجيات الفضاء في البنتاجون بتاريخ 10-4-2005م، بأن الولايات المتحدة الأمريكية لن تتوانى عن الرد بعنف على أية دولة تحاول المساس بالأقمار الاصطناعية الأمريكية، وعندما سُئل إن كان يعني الرد عبر الأسلحة الأرضية، فأجاب: "بل بالأسلحة المضادة للأقمار الاصطناعية التي ستفاجئ الدول الكبرى إذا استعملتها الولايات المتحدة ذات يوم".
وبعيداً عن التصريحات، اتخذت الولايات المتحدة الأمريكية ميدانياً إجراءات وقائية مضادة للأسلحة المضادة للأقمار الاصطناعية، منها: إقامة مركز عمليات الدفاع الفضائي Space Defence Operations Center في مجمع (جبل شيلان بمدينة كولارادو) عام 1979م، مع الإعلان بأن الدفاع الفضائي جزء لا يتجزأ من الدفاع القومي الأمريكي، وأحد أهم مهام المركز حماية الأقمار الاصطناعية الأمريكية من أية أسلحة مضادة للأقمار الاصطناعية، والتحكّم في نظام التسليح الأمريكي المضاد للأقمار الاصطناعية، وبشكل عام، تتحدد أهداف المركز بتنسيق العمليات المتعلقة بالدفاع عن الأقمار الاصطناعية.
وضمن الإجراءت الأمريكية أيضاً تم إنشاء سد راداري في المحيط الهادي على جزر (كواجلين، والفيليبين، وغوام)، للتعرف على الأجسام الفضائية. وفي عام 1999م أنشأت وزارة الدفاع الأمريكية مركز التفتيش والتتبع للأنشطة الفضائية ويتبع قيادة الدفاع الجوي والفضائي في (كوالارادو)، ومهمة المركز هي توفير العلومات الموثوقة عن كافة الأجسام الفضائية من أقمار اصطناعية، وتسكوبات، ومحطات فضائية، ومختبرات فضائية، ومركبات وسفن فضائية.
وفي الأجيال الحديثة من الأقمار الاصطناعية روعي تزويدها بأجهزة إنذار خاصة تقوم بإبلاغ محطات المتابعة الأرضية عن أي هجوم تتعرّض له حتى بعد تدميرها، كما يتم الآن من قِبَل الدول الكبرى إطلاق أعداد من الأقمار الاصطناعية الزائفة إلى جانب الأقمار الحقيقية، بحيث يصعب على الخصم رصد الأقمار الحقيقية واستهدافها.
ونتيجة التطور المتسارع في تقنية الأقمار الاصطناعية تم التوصّل مؤخراً إلى أجيال متطورة من هذه الأقمار يمكن وضعها في حالة سكون على ارتفاعات عالية جداً بعيداً عن متناول نظم الرصد والكشف المعادية ولا يمكن الاهتداء إلى أمكنتها إلاّ بأجهزة مقامة في منصات فضائية تعتمد على موجات طويلة للأشعة تحت الحمراء، كما تم التوصّل إلى أقمار تمتلك ميزة الدفاع الإيجابي عن نفسها في حال تعرضها للاعتداء، كتزويدها بوقود إضافي كافٍ لتجنّب الأسلحة المضادة للأقمار الاصطناعية ورفع نفسها بسرعة إلى مدارات عالية تجنبها الأقمارالمضادة لها أو الصواريخ أو أشعة الليزر، وهناك خطط لإخفاء الأقمار الاصطناعية وراء المخلفات الفضائية من أقمار اصطناعية تالفة قديمة.
وبحسب بعض الصحف العسكرية الفرنسية المتخصصة، فقد تم التوصّل إلى تصنيع أقمار اصطناعية من مواد خاصة لا تعكس الإشعاعات الرادارية، مما يجعل أمر كشفها صعباً من قِبَل المحطات الأرضية المعادية.
وبعد.. إنها حروب الأرض من الفضاء، بدأت تجرّ الدول الكبرى إلى حروب الفضاء من الفضاء عبر الأقمار الاصطناعية، والأسلحة المضادة لها؛ والمشكلة أنه لا توجد حتى الآن معاهدة دولية حول تنظيم استغلال الأسلحة المضادة للأقمار الاصطناعية، مما بدأ يعيد العالم فعلياً إلى حرب باردة جديدة قد تتحول فجأة إلى حرب ساخنة، وعندها من يدري!!
المصادر:
The Sanday Telegraph, No 2001-1999.
Defense National-October, 2004.
محمد حيان الحافظ، الأخطار التي تهدد الأقمار الاصطناعية، مجلة الحرس الوطني، ديسمبر 1999م.
خالد الحسن، عسكرة الفضاء، مجلة الحرس الوطني، يناير 2003م.
قاسم علوان، انتهاك الفضاء، دار الباحث، بيروت، 1999م.
موقع الجزيرة نت بتواريخ مختلفة.