الصراع النووي الهندي الباكستاني
يعتبر الصراع الهندي الباكستاني أحد البراكين العنيفة القابلة للانفجار بين الحين والآخر على الساحة الدولية، لاسيما وأن البلدين دخلا في صراعات وحروب مسلحة يغذيها عديد من القضايا التي تتسع دوائرها مع الزمن، خصوصاً خلال السنوات التي تلت وصول القوميين الهندوس المتطرفين إلى الحكم في الهند، واللهجة العدائية التي سادت علاقات الهند بجارتها باكستان. لقد كان من مظاهر وأشكال هذا الصراع سباق التسلح العسكري والإنفاق في هذا المجال، على الرغم من الظروف المعيشية والاقتصادية الصعبة التي يعيشها كلا البلدين.
يمثّل التسابق للحصول على السلاح النووي وامتلاك الترسانة النووية هدفاً استراتيجياً لكلا الطرفين، وبالرغم من البدايات المتقدمة للبرنامج الهندي والطموحات التي حققها، فإن البرنامج الباكستاني نما بخطى حثيثة لإيجاد شيء من التوازن مع الجانب الهندي، ولم يقف الحد لكل طرف في تجربة سلاحه النووي بنجاح، بل سعى كل منهما في التوسّع بعدد وحجم الرؤوس النووية وامتلاك القدرات الصاروخية لحمل هذه الرؤوس لمسافات بعيدة تغطي أهدافاً واسعة، مما يوحي بأن أي انفلات لزمام الأمور يعني اتساع دوائر التدمير الشامل في كلا البلدين.
الخلفية التاريخية ونشأة الصراع
خاضت الهند والباكستان ثلاث حروب منذ استقلالهما، انتهت بانفصال باكستان الشرقية وقيام دولة بنجلاديش، كما إن قضية كشمير لازالت تمد العلاقة بين الطرفين بعوامل الاصطدام والتنافر وتغذي الصراع، الذي اتخذ صوراً عديدة سياسية وعسكرية، واستخدم فيه عديد من الأدوات، كان من أخطرها التهديد بالسلاح النووي، يضاف إلى ذلك دخول أطراف أخرى في الصراع، مثل الصين التي دخلت مع الهند في حرب على الحدود عام 1962م، ولازالت العلاقات الهندية الصينية يشوبها التوتّر، كما إن إسرائيل تتربص بباكستان وبرنامجها النووي بالذات، ووجدت في التعاون والتحالف مع الهند أقصر وسيلة للوصول إلى تحقيق ذلك في اتجاهين هما: إعاقة البرنامج النووي الباكستاني عن طريق توجيه ضربة، والثاني إشغال باكستان بالتهديد النووي الهندي لمنعها من التفرّغ لنقل التقنية النووية للعالم الإسلامي أو العربي.
خريطة العلاقات الدولية وأثرها على البرامج النووية لكل طرف
حازت الهند موقعاً متميزاً على خريطة العلاقات الدولية لإمكاناتها الهائلة، ولعدد سكانها الكبير، ولقدرتها على تحقيق توازن في ميزان القوى مع جارتها الصين، مما جعلها في منأى عن ضغوط الدول الكبرى العالمية التي لها هيمنة واسعة على المنظمات الدولية مثل الوكالة الدولية للطاقة الذرية لإعاقة برنامجها النووي، فالهند بحد ذاتها قارة متسعة يقطنها أكثر من (1000) مليون نسمة، ولها علاقات تجارية واقتصادية مع عديد من الشركات العالمية التي لها نفوذ واسع على قرارات الدول الغربية، يضاف إلى ذلك أن الهند ترى في الصين خصماً لدوداً لها ولابد من سد هوة التفوّق التقني والعسكري معه، ولذلك سعت لامتلاك أقوى برامج التسليح بما في ذلك القوة النووية التي ترى أنها متأخرة في حيازتها لها عن عدوها اللدود الصين.
لكل ذلك نرى أن المواقف العالمية وخصوصاً من الدول الكبرى بالنسبة للبرنامج النووي الهندي يتراوح ما بين غض الطرف أو التشجيع أو الضغط المحدود الذي يبقي على مصالح هذه الدول مع الهند، وذلك يتضح من مواقف تلك الدول بعد إجراء الهند تجاربها النووية، على الرغم من عدم وجود أي تغييرات على الساحة الدولية آنذاك تعطي الهند التبريرات لإجرائها.
البرنامج النووي الهندي
تطلعت الهند منذ بدايات الاستقلال عن بريطانيا إلى امتلاك القوة النووية، ومن أقوال رئيس الوزراء الهندي جواهر لال نهرو (يونيو 1964م): "آمل أن العلماء الهنود سيستخدمون القوة الذرية لأغراض إنشائية بنّاءة، ولكن إذا هُددت الهند فإنه لا مناص من أن تحاول الدفاع عن نفسها بكافة الوسائل الموجودة تحت تصرفها".
وقد كان للهند معهد خاص بالأبحاث الأساسية أنشأ عام 1945م، وتولى القيادة العلمية لهذا المعهد (د. هومي ذاذا) عالم الفيزياء الذي تخرّج في جامعة كامبردج، وجعل ذاذا من المعهد الانطلاقة لبدء وتشكيل برنامج نووي للهند، وترأس ذاذا البرنامج النووي بدعم من نهرو لوضع الهند على أرضية صلبة بخطة طموحة ومدهشة، والذين عرفوا هذا الرجل من أصدقائه الغربيين يعلمون أنه كان يريد الإبقاء على الخيارات النووية مفتوحة.
في عام 1951م وقعّت الهند مع فرنسا اتفاقية تعاون نووي نصّت على القيام بتدريب العلماء الهنود وتبادل الزيارات، وحصل ذاذا من كندا على مفاعل أبحاث من النوع الذي يستخدم فيه الماء الثقيل الذي يحرق اليورانيوم الطبيعي وينتج عنه البلوتونيوم الذي استخدمه الهنود في بناء تفجيرهم النووي السلمي، وكان ذلك عام 1960م، كما حصل الهنود على مصنع للمياه الثقيلة ومجمع لإنتاج الوقود في راجستان.
قام الأمريكيون بتزويد الهند بمفاعلين للمياه الخفيفة لمحطة الطاقة الذرية في تارابور وقدرة هذين المفاعلين تصل إلى (200) ميجاواط من الكهرباء، مع توفير إمدادات مستمرة لوقود اليورانيوم منخفض الإشعاع، كما وفّرت منح تدريبية لأكثر من (1300) عالم وفني هندي.
في عام 1962م تلقت الهند هزيمة في حربها مع الصين، و بعدها بعامين أكتوبر 1964م قامت الصين بأول تجربة نووية. وصرّح د. ذاذا في لندن عندما سمع بتجربة الصين أن باستطاعة العلماء الهنود إنتاج قنبلة نووية في غضون 18 شهراً، وأُعطي ذاذا الضوء الأخضر من قِبل رئيس الوزراء الهندي آنذاك (لالا باهادرور شاشري) لتطوير متفجر نووي سلمي، ولكن تقدير ذاذا كان غير واقعي فقد مات دون تحقيق حلمه، إلى أن جاءت أنديرا غاندي وتم القيام بالتفجير الأول في مايو عام 1974م في صحراء راجستان على شكل اختبار سلمي لقنبلة مصنوعة من البلوتونيوم قدرت قوتها ب (15) كيلو طن من المادة الشديدة الانفجار، وقد أرسل الفرنسيون برقية تهنئة تبعها اقتراح بأن تقوم فرنسا بمساعدة الهنود في بناء أول مفاعل توليد سريع، الذي سيزيد بصورة كبيرة إمدادات الهند من البلوتونيوم.
وقد سار الهنود باندفاع قدماً في عملية البناء النووي على مدى السنوات التي عقبت التفجير الأول، كما أن الدبلوماسية الهندية البراغماتية ووضع الهند كدولة كبيرة بالنسبة للعالم الغربي يمكن أن تعمل توازن مع الصين، جعل الغرب يغض الطرف عن البرنامج النووي الهندي، بل ساهم في دعمه وتطويره، وتشير التقارير إلى أن الولايات المتحدة الأمريكية منذ عام 1995م قد أمدت الهند بالكمبيوترات المتفوقة وأنظمة الأمان النووي وتقنيات الربوت للمعاهد النووية الهندية، حيث يتم إنتاج المواد النووية الانشطارية. وفي الفترة ما بين 1994 1996م، تم تدريب أكثر من (814) عالماً هندياً في ثلاث من المختبرات الوطنية الأمريكية (لوس الاموس، ولاورونس ليفرمور، وسانديا).
بعد استلام حزب بهاراتيا جاناتا الهندوسي المتطرف الحكم في 16 مارس 1998م، دخلت الهند مرحلة جديدة، حيث أعلن زعماء هذا الحزب برنامجهم في إدخال الأسلحة النووية في الترسانة العسكرية الهندية، وفي 11 مايو قامت الهند ب (3) تفجيرات نووية في ميدان التجارب (بوكران) بولاية راجستان تبعتها بتفجيرين بعد يومين.
تختلف التقديرات حول الترسانة النووية الهندية والتي تقدر ب (70) رأساً نووياً أو أكثر من ذلك بكثير، كما يوجد عديد من المراكز المعنية التي تساهم في البرنامج النووي الهندي، ومن أهمها مركز بهابها Bahabah للأبحاث الذرية بالقرب من بومباي حيث يعتقد وجود مصنع لإنتاج البلوتونيوم هناك. وتمتلك الهند قاعدة صناعية قادرة على بناء أنواع مختلفة من المفاعلات النووية سواء لأغراض إنتاج الكهرباء أو لأغراض أخرى.
برنامج الصواريخ
من أجل نقل السلاح النووي أو الرأس النووي كان لابد أن يوازي جهد إنتاج القنبلة النووية جهد آخر في إنتاج الصواريخ القادرة على نقل هذا السلاح، وكانت الهند قد بدأت برنامجها الصاروخي منذ عام 1967م بإنشاء برنامج لأبحاث الفضاء والأقمار الصناعية، حيث أثمر هذا البرنامج عن تجربة الصاروخ روهني 560، وهو صاروخ ذو مرحلتين ويعمل بالوقود الصلب ويصل إلى ارتفاع (334) كيلو متراً، وقادر على حمولة تصل إلى (100) كيلوجرام. تكللت الجهود بإطلاق صاروخ ثانٍ لحمل الأقمار الصناعية عام 1979م، وذلك لتطوير وإنتاج منظومات مختلفة من الصواريخ المتعددة الأغراض والمدى، وتمتلك الهند ترسانة محلية الصنع لأنواع متعددة تتراوح من قصيرة إلى بعيدة المدى، وبعضها قادر على حمل الرؤوس النووية، ويغطي مداها الصين وباكستان كما أنها طوّرت أنواعاً منها يمكن إطلاقها من البحر.
يمثّل صاروخ (آجني) المتوسط المدى الذي يغطي مداه جميع الأراضي الباكستانية (1500) كيلو متر، ويستطيع حمل شحنة وزنها طن واحد أهم الصواريخ في الترسانة الهندية، حيث يتوقع إنتاج أعداد كبيرة منه لصالح القوات الهندية، مع الإشارة إلى أن الهند منشغلة بتطوير صاروخ (بريثفي) بعيد المدى (8000) كيلو متر الذي يستطيع بلوغ أي مكان في آسيا بمافي ذلك الصين وأجزاء من الشرق الأوسط، كما أجرت الهند في عام 1998م تجربة لإطلاق الصاروخ (ساكاريكا) من الغواصات ويستطيع حمل رأس نووي ويصل مداه إلى (300) كيلومتر.
البرنامج النووي الباكستاني
على الرغم من البدايات المتقدمة للبرنامج النووي الباكستاني، وعلى الرغم من الخوف الباكستاني من طموحات الهند في هذا المجال الذي يترجمه تصريح الرئيس ذو الفقار علي بوتو عام 1965م، الذي تولى دعم البرنامج النووي الباكستاني للحصول على القنبلة الذرية بقوله: "إذا بنت الهند القنبلة فإننا سنقتات الأعشاب والأوراق، بل حتى نعاني آلام الجوع، ولكننا سنحصل على قنبلة من صنع أيدينا، إنه ليس لدينا بديل".
على الرغم من كل ذلك تعتبر باكستان متأخرة بسنوات عن البرنامج النووي الهندي، حيث مثلت تجربة القنبلة النووية الهندية عام 1974م صدمة عنيفة للقادة الباكستانيين الذين فتحوا المجال للعلماء بسرعة التحرك لسد الثغرة التي أحدثتها التجربة الهندية، ففي عام 1962م وافقت الولايات المتحدة الأمريكية على تزويد باكستان بمفاعل أبحاث صغير من نوع الماء الخفيف قدرته 5 ميجاواط والذي بدأ تشغيله عام 1965م.
وقامت كندا في عام 1972م بتزويد باكستان بمفاعل من نوع الماء الثقيل مع منشأة لإنتاج الماء الثقيل، وقد قام العلماء الباكستانيون بعد ذلك بزيادة قدرة هذا المفاعل إلى (50) ميجاواط.
حاولت باكستان الحصول على الأسلحة النووية عن طريقين: الأول: الحصول على البلوتونيوم من مفاعل الأبحاث بعد فصله، والثاني: إشباع اليورانيوم. والطريق الأول كان هو المرشح، حيث يتوفّرلديهم المفاعل، وكان عليهم استخراج اليورانيوم وفصله بطريقة خاصة بمساعدة الفرنسيين الذين وقَّعوا اتفاقاً مع باكستان لإنشاء مصنع لتوضيب وقود البلوتونيوم عام 1974م، إلا أن المشروع لم يسر بالطريقة المطلوبة وانسحب الفرنسيون بسبب الضغوط الأمريكية؛ وفي العام نفسه بدأ الحظر الغربي للتكنولوجيا النووية على باكستان وممارسة الضغوط من أجل إيقاف برنامجها النووي.
في عام 1976م أُسند إلى العالم عبدالقدير خان إنشاء هيئة الأبحاث النووية المعروفة باسم "معهد الأبحاث الهندسية" في كاهوتا في باكستان، وكان الهدف من إنشاء هذا المعهد هو تخصيب مادة اليورانيوم، وخلال مدة ست سنوات استطاع الوصول إلى أهدافه.
وفي عام 1979م قامت أمريكا بسلسلة من الإجراءات الاقتصادية ضد باكستان، وصدر تقرير بطرح خيار الهجوم على المنشآت النووية الباكستانية وتدميرها.
عام 1982م أتم الباكستانيون بناء مصنع تجريبي لتوضيب وقود البلوتونيوم.
في يونيو 1986م أعلن عبد القدير كرئيس للبرنامج النووي أن باكستان لديها القدرة الذاتية على بناء مفاعلات نووية متقدمة.
في 15 سبتمبر عام 1986م وقّعت باكستان والصين اتفاقية تعاون للاستخدامات السلمية للطاقة النووية تتضمن تصميم وبناء وتشغيل المفاعلات النووية.
وفي عام 1989م قامت باكستان ذاتياً ببناء مفاعل أبحاث صغير قدرته (27) كيلوواط.
عام 1993م بدأت المؤسسة النووية الوطنية الصينية ببناء مفاعل لإنتاج الكهرباء من نوع الماء المضغوط قدرته (300) ميجاواط.
وفي عام 1994م أعلن رئيس الوزراء الباكستاني امتلاك بلاده القنبلة النووية.
وفي عام 1996م توقع إكمال بناء مفاعل من نوع الماء الثقيل ذي قدرة تصل إلى (40) ميجاواط.
في 14 مايو 1998م وبعد التفجيرات الهندية بيومين بدأ التحضير لإجراء التجارب النووية الباكستانية في مرتفعات جاكيا.
في 28 مايو 1998 أجرت باكستان خمسة تفجيرات نووية، وأعلن رئيس الوزراء (نواز شريف) عن إمكانية حمل الصاروخ (جوهري) المتوسط المدى رؤوساً نووية.
في 29 مايو 1998م تم إجراء التجربة السادسة وإعلان باكستان دولة نووية.
برنامج الصواريخ الباكستاني
أُنشئت هيئة أبحاث الفضاء الباكستانية (سباركو) عام 1961م بغرض امتلاك القدرات اللازمة في مجال الصواريخ، وفي السبعينيات استطاعت الهيئة امتلاك التقنيات اللازمة لتصنيع أجزاء من الصواريخ محلياً، ومن ضمنها إنتاج الوقود الصلب، وتكللت جهود الهيئة بإنتاج الصاروخ (عاطف 1) ومداه (80) كيلومتراً، ويحمل شحنة قدرها (500) كيلو جرام، ومن ثم إنتاج الصاروخ (عاطف 2) والذي يصل مداه إلى (300) كيلو متر.
أثمر التعاون الصيني الباكستاني عن حصول باكستان عام 1992م على (30) صاروخاً بالستياً من طراز M-11 الذي يحمل شحنة قدرها (800) كيلوجرام، وفي عام 1997م أعلن عن تجربة الصاروخ (عاطف 3) الذي يبلغ مداه (800) كيلومتر. ولكن الإنجاز الأكبر كان في تجربة الصاروخ (جوهري) الذي يبلغ مداه (1500) كيلو متر ويستطيع حمل رأس نووي.
مستقبل الصراع ونظرية الردع المشترك
يمثلّ مفهوم الردع النووي حالة توازن القوى بين أطراف الصراع، بحيث يتعذر فيه استخدام القوة لفض المنازعات من كل طرف لعلم كل طرف بالخسائر التي ستلحق به جراء استخدامها، وإذا اضطرت الأطراف لإحداث نزاع يكون في أضيق الحدود فهو فن عدم استخدام القوة بالرغم من وجودها، أو هو فن تجنب القتال، وهو بذلك يحقق الاستقرار العالمي بالعمل على التقليل من فرص اشتعال الحروب والحد من مداها إذا استعرت.
مثال ذلك الحرب الباردة على مستوى القوتين الاتحاد السوفيتي السابق وأمريكا، مما أدى إلى الاستقرار العالمي النسبي والذي فرضه توازن قوى الرعب النووي.
ولو كان لدى أمريكا أدنى شك في امتلاك اليابان القنبلة الذرية لما أقدمت على ضرب هيروشيما وناجازاكي بالقنابل الذرية ولتحقق التوازن النووي وساد مفهوم الردع النووي بينهما.
وفي وضع باكستان، لم يكن لديها بعد التجارب الهندية خيار سوى إجراء التجارب النووية على ما يكلفها ذلك من مقاطعة وحظر اقتصادي، وذلك لتعلن للعالم وللهند أولاً وأخيراً أن باكستان إذا ما دخلت الحرب مع الهند فستكون حرباً لن يكون فيها منتصر، بل سوف تكون الهزيمة للهند كما هي لباكستان وبذا يتحقق مفهوم الردع.
الأبعاد والمخاطر
للصراع النووي الباكستاني الهندي أبعاد محلية وإقليمية ودولية خطيرة، وإن كان من المستبعد أن يستخدم كلا البلدين السلاح النووي في أي اشتباك قادم ما لم يؤدِ الاشتباك إلى هزيمة منكرة بأي طرف تجعله يلجأ للخيار النووي، وإن التعقيد الحاصل في العلاقات الدولية ما بين الصين والهند من طرف، والهند وباكستان من طرف آخر يستبعد أي تخفيف في وتيرة التنافس الذي ستكون له النتائج الوخيمة على البلدين.
تعاني كل من الهند وباكستان أوضاعاً اقتصادية صعبة، حيث ينتشر الفقر والأمية، كما أن البنية الأساسية من خدمات صحية وتعليمية وشبكات للمياه والكهرباء والطرق لازالت بحاجة إلى ضخ الأموال الضخمة فيها، وإن الاستمرار في البرامج النووية الباهظة التكاليف بالإضافة إلى برامج التسليح تضعف خطط التنمية وتستنزف أموال طائلة لازمة لنجاح هذه الخطط، كما إن إيقاف الدعم الاقتصادي الدولي الكبير للدولتين كوسيلة ضغط على البلدين يساهم في تفاقم الأزمة الاقتصادية ويزيد من مضاعفاتها، إضافة إلى أن أي حرب بين الطرفين تستخدم فيها الأسلحة النووية ستكون مدمرة للطرفين ولها أبعاد خطيرة على الحياة البشرية والبيئية.
أما على الجانب الإقليمي والدولي، فإن هذا الصراع استقطب عناصر جديدة في المعادلة، مثل الصين والكيان الصهيوني والولايات المتحدة الأمريكية، فالصين حليف قوي لباكستان أمام التهديد الهندي للطرفين، والتعاون الصيني الباكستاني في هذا المجال والتنسيق فيه قائم من خلال الاتفاقيات التي تجمع بين الطرفين، خصوصاً مع غياب ضغط دولي فاعل على الهند، يضاف إلى ذلك أن إسرائيل ترى في القنبلة الباكستانية قنبلة إسلامية لابد من إبطال مفعولها، وهذا لن يتم إلا بالتنسيق مع الهند، ولذا كان التنسيق والتعاون العسكري المشترك بين الطرفين يشهد تصاعداً خلال السنوات الماضية.
أما الولايات المتحدة الأمريكية فهي تحاول أن تكسب الطرفين لتحقيق مصالحها في المنطقة، فهي تريد الهند كعامل توازن مع الصين وكسوق كبيرة للتقنية الأمريكية، أما باكستان فهي مفتاح أفغانستان، وبدون دعم إسلام آباد للجهود الأمريكية في هذا البلد فمصيرها إلى الفشل، لهذا قد تقبل الولايات المتحدة الأمريكية كلا البلدين كأعضاء في النادي النووي، وتتعامل معهما على هذا الأساس وتصبح جهودهما في هذا المجال مقننة ومعترف بها دون الحاجة إلى ممارسة أية ضغوط عليهما أو على الهند على الأقل.
ومن العوامل التي تبقي حدة الصراع النووي قائمة بين الدولتين غياب موازين العدالة في عالم تحكمه مصالح الدول الكبرى، فجميع الاتفاقيات الدولية إنما صيغت بالدرجة الأولى لخدمة مصالح الدول الكبرى في قصر التقنية النووية في المجالات العسكرية عليها، واعتبار الدول الأخرى دول غير مؤهلة لامتلاكها، وهذا يولّد نوع من الشعور بعدم العدالة والسعي على عدم التوقيع والالتزام بهذه المعاهدات مادامت قادرة على ذلك.
إن استمرار كلا البلدين قدماً في البرنامج النووي وعدم توقيعهما على معاهدات حظر انتشار الأسلحة النووية وحظر التجارب النووية سيشجع دولاً أخرى على السير في الاتجاه ذاته.
القوى النووية العالمية
من الصعب الإحاطة بمعلومات عن الترسانات النووية للدول، ولكن المعلومات التالية تمثل تقديرات من بعض المراجع:
الولايات المتحدة الأمريكية أول الدول التي حازت القنبلة النووية وهي الدولة الوحيدة التي استخدمتها فعلياً في صراعها ضد اليابان عام 1945م في ناجازاكي وهيروشيما. مجموع التجارب النووية (1032) تجربة، وتمتلك (12070) رأساً نووياً، بالإضافة إلى عدد غير معروف من القنابل النووية التكتيكية الصغيرة التي ربما استخدمت أنواع منها في أفغانستان والعراق.
1952م أول تجربة بريطانية (مجموع التجارب 45)، وتمتلك (380) رأساً نووياً.
تمتلك روسيا (22500) رأس نووي، وأجرت (250 تجربة).
فرنسا تمتلك (500) رأس نووي، وأجرت (250 تجربة).
الصين 1964م تمتلك (450) رأساً نووياً، وأجرت (45 تجربة).
الهند يمتلك (65) رأساً نووياً،وأجرت (6 تجارب).
باكستان تمتلك (20) رأساً نووياً، وأجرت (7 تجارب ).
إسرائيل تمتلك ما بين 100 200 رأس نووي، ويعتقد أنها أجرت بعض التجارب بالتعاون مع جنوب إفريقيا، التي تم تفكيك برنامجها النووي بعد استعادة الوطنيين السود مقاليد الأمور في بلادهم.
هناك عديد من الدول التي تمتلك تقنيات وبرامج نووية متكاملة تمكنها من الحصول على الكميات المطلوبة لصناعة السلاح النووي.
سيرة مختصرة للعالم الباكستاني عبدالقدير خان
ولد في عام 1936م.
قضى 15 سنة في أوروبا، درس خلالها في أرقى الجامعات الأوروبية في ألمانيا وهولندا وبلجيكا، ويحمل الدكتوراه في علم المعادن.
عمل من 1972 1975م في مشروع أوروبي لتطوير تخصيب اليورانيوم في هولندا، ومكّنه ذلك العمل من التعرّف على كثير من الثقافات المهمة، بدأ العمل في وقت متأخر عام 1974م لصالح الحكومة الباكستانية.
في عام 1976م أُسند إليه إنشاء هيئة الأبحاث النووية المعروفة باسم "معهد الأبحاث الهندسية" في كاهوتا في باكستان، وكان الهدف من إنشاء هذا المعهد هو تخصيب مادة اليورانيوم، وخلال مدة ست سنوات استطاع الوصول إلى أهدافه.
أدار عمليات شراء واسعة للتجهيزات المطلوبة، وحتى يستكمل البرنامج الباكستاني عملية إنتاج اليورانيوم المخصب، كان لابد من الحصول على وسيلة لتحويل اليورانيوم إلى غاز على شكل يورانيوم سداسي الفلورايد، فاستطاع عبدالقدير أن يحصل على مساعدة شركة ألمانية لبناء بعض الأجهزة اللازمة لمصنع يورانيوم سداسي الفلورايد الذي أصبح جاهزاً للتشغيل بحلول شهر أبريل عام 1980م.
يتميز عبدالقدير بقدرته الفائقة في كسب الأصدقاء وإقناع الآخرين بالعمل معه.
العالم الهندي أبوالفضل زين العابدين أبو الكلام في سطور
ولد عام 1931م في الهند وينحدر من أصول تاميلية.
أكمل دراسة الدكتوراة في الهندسة في الهند .
عمل في برنامج الصواريخ الهندية، وتولى قيادة هذا البرنامج بعد ذلك، ويلقب بأبي الصواريخ.
تقلد عدداً من المناصب الهامة، من ضمنها: رئيس منظمة البحث وتطوير الدفاع، والمستشار العلمي الأول للحكومة في حكومة فاجبابي.
حضر عدة اجتماعات هامة لتدارس الأمن القومي الهندي، وفي 23 أبريل 1998م قدم أبو الكلام في اجتماع عقد في وزارة الدفاع الهندية رؤيته في وجود قوة نووية صاروخية متمكنة، وهذه الاجتماعات انتهت باتخاذ قرار إجراء التجارب النووية الهندية.
بعد تقاعده عيّن رئيساً للهند.
يكتب الشعر التاميلي
يعتبر الصراع الهندي الباكستاني أحد البراكين العنيفة القابلة للانفجار بين الحين والآخر على الساحة الدولية، لاسيما وأن البلدين دخلا في صراعات وحروب مسلحة يغذيها عديد من القضايا التي تتسع دوائرها مع الزمن، خصوصاً خلال السنوات التي تلت وصول القوميين الهندوس المتطرفين إلى الحكم في الهند، واللهجة العدائية التي سادت علاقات الهند بجارتها باكستان. لقد كان من مظاهر وأشكال هذا الصراع سباق التسلح العسكري والإنفاق في هذا المجال، على الرغم من الظروف المعيشية والاقتصادية الصعبة التي يعيشها كلا البلدين.
يمثّل التسابق للحصول على السلاح النووي وامتلاك الترسانة النووية هدفاً استراتيجياً لكلا الطرفين، وبالرغم من البدايات المتقدمة للبرنامج الهندي والطموحات التي حققها، فإن البرنامج الباكستاني نما بخطى حثيثة لإيجاد شيء من التوازن مع الجانب الهندي، ولم يقف الحد لكل طرف في تجربة سلاحه النووي بنجاح، بل سعى كل منهما في التوسّع بعدد وحجم الرؤوس النووية وامتلاك القدرات الصاروخية لحمل هذه الرؤوس لمسافات بعيدة تغطي أهدافاً واسعة، مما يوحي بأن أي انفلات لزمام الأمور يعني اتساع دوائر التدمير الشامل في كلا البلدين.
الخلفية التاريخية ونشأة الصراع
خاضت الهند والباكستان ثلاث حروب منذ استقلالهما، انتهت بانفصال باكستان الشرقية وقيام دولة بنجلاديش، كما إن قضية كشمير لازالت تمد العلاقة بين الطرفين بعوامل الاصطدام والتنافر وتغذي الصراع، الذي اتخذ صوراً عديدة سياسية وعسكرية، واستخدم فيه عديد من الأدوات، كان من أخطرها التهديد بالسلاح النووي، يضاف إلى ذلك دخول أطراف أخرى في الصراع، مثل الصين التي دخلت مع الهند في حرب على الحدود عام 1962م، ولازالت العلاقات الهندية الصينية يشوبها التوتّر، كما إن إسرائيل تتربص بباكستان وبرنامجها النووي بالذات، ووجدت في التعاون والتحالف مع الهند أقصر وسيلة للوصول إلى تحقيق ذلك في اتجاهين هما: إعاقة البرنامج النووي الباكستاني عن طريق توجيه ضربة، والثاني إشغال باكستان بالتهديد النووي الهندي لمنعها من التفرّغ لنقل التقنية النووية للعالم الإسلامي أو العربي.
خريطة العلاقات الدولية وأثرها على البرامج النووية لكل طرف
حازت الهند موقعاً متميزاً على خريطة العلاقات الدولية لإمكاناتها الهائلة، ولعدد سكانها الكبير، ولقدرتها على تحقيق توازن في ميزان القوى مع جارتها الصين، مما جعلها في منأى عن ضغوط الدول الكبرى العالمية التي لها هيمنة واسعة على المنظمات الدولية مثل الوكالة الدولية للطاقة الذرية لإعاقة برنامجها النووي، فالهند بحد ذاتها قارة متسعة يقطنها أكثر من (1000) مليون نسمة، ولها علاقات تجارية واقتصادية مع عديد من الشركات العالمية التي لها نفوذ واسع على قرارات الدول الغربية، يضاف إلى ذلك أن الهند ترى في الصين خصماً لدوداً لها ولابد من سد هوة التفوّق التقني والعسكري معه، ولذلك سعت لامتلاك أقوى برامج التسليح بما في ذلك القوة النووية التي ترى أنها متأخرة في حيازتها لها عن عدوها اللدود الصين.
لكل ذلك نرى أن المواقف العالمية وخصوصاً من الدول الكبرى بالنسبة للبرنامج النووي الهندي يتراوح ما بين غض الطرف أو التشجيع أو الضغط المحدود الذي يبقي على مصالح هذه الدول مع الهند، وذلك يتضح من مواقف تلك الدول بعد إجراء الهند تجاربها النووية، على الرغم من عدم وجود أي تغييرات على الساحة الدولية آنذاك تعطي الهند التبريرات لإجرائها.
البرنامج النووي الهندي
تطلعت الهند منذ بدايات الاستقلال عن بريطانيا إلى امتلاك القوة النووية، ومن أقوال رئيس الوزراء الهندي جواهر لال نهرو (يونيو 1964م): "آمل أن العلماء الهنود سيستخدمون القوة الذرية لأغراض إنشائية بنّاءة، ولكن إذا هُددت الهند فإنه لا مناص من أن تحاول الدفاع عن نفسها بكافة الوسائل الموجودة تحت تصرفها".
وقد كان للهند معهد خاص بالأبحاث الأساسية أنشأ عام 1945م، وتولى القيادة العلمية لهذا المعهد (د. هومي ذاذا) عالم الفيزياء الذي تخرّج في جامعة كامبردج، وجعل ذاذا من المعهد الانطلاقة لبدء وتشكيل برنامج نووي للهند، وترأس ذاذا البرنامج النووي بدعم من نهرو لوضع الهند على أرضية صلبة بخطة طموحة ومدهشة، والذين عرفوا هذا الرجل من أصدقائه الغربيين يعلمون أنه كان يريد الإبقاء على الخيارات النووية مفتوحة.
في عام 1951م وقعّت الهند مع فرنسا اتفاقية تعاون نووي نصّت على القيام بتدريب العلماء الهنود وتبادل الزيارات، وحصل ذاذا من كندا على مفاعل أبحاث من النوع الذي يستخدم فيه الماء الثقيل الذي يحرق اليورانيوم الطبيعي وينتج عنه البلوتونيوم الذي استخدمه الهنود في بناء تفجيرهم النووي السلمي، وكان ذلك عام 1960م، كما حصل الهنود على مصنع للمياه الثقيلة ومجمع لإنتاج الوقود في راجستان.
قام الأمريكيون بتزويد الهند بمفاعلين للمياه الخفيفة لمحطة الطاقة الذرية في تارابور وقدرة هذين المفاعلين تصل إلى (200) ميجاواط من الكهرباء، مع توفير إمدادات مستمرة لوقود اليورانيوم منخفض الإشعاع، كما وفّرت منح تدريبية لأكثر من (1300) عالم وفني هندي.
في عام 1962م تلقت الهند هزيمة في حربها مع الصين، و بعدها بعامين أكتوبر 1964م قامت الصين بأول تجربة نووية. وصرّح د. ذاذا في لندن عندما سمع بتجربة الصين أن باستطاعة العلماء الهنود إنتاج قنبلة نووية في غضون 18 شهراً، وأُعطي ذاذا الضوء الأخضر من قِبل رئيس الوزراء الهندي آنذاك (لالا باهادرور شاشري) لتطوير متفجر نووي سلمي، ولكن تقدير ذاذا كان غير واقعي فقد مات دون تحقيق حلمه، إلى أن جاءت أنديرا غاندي وتم القيام بالتفجير الأول في مايو عام 1974م في صحراء راجستان على شكل اختبار سلمي لقنبلة مصنوعة من البلوتونيوم قدرت قوتها ب (15) كيلو طن من المادة الشديدة الانفجار، وقد أرسل الفرنسيون برقية تهنئة تبعها اقتراح بأن تقوم فرنسا بمساعدة الهنود في بناء أول مفاعل توليد سريع، الذي سيزيد بصورة كبيرة إمدادات الهند من البلوتونيوم.
وقد سار الهنود باندفاع قدماً في عملية البناء النووي على مدى السنوات التي عقبت التفجير الأول، كما أن الدبلوماسية الهندية البراغماتية ووضع الهند كدولة كبيرة بالنسبة للعالم الغربي يمكن أن تعمل توازن مع الصين، جعل الغرب يغض الطرف عن البرنامج النووي الهندي، بل ساهم في دعمه وتطويره، وتشير التقارير إلى أن الولايات المتحدة الأمريكية منذ عام 1995م قد أمدت الهند بالكمبيوترات المتفوقة وأنظمة الأمان النووي وتقنيات الربوت للمعاهد النووية الهندية، حيث يتم إنتاج المواد النووية الانشطارية. وفي الفترة ما بين 1994 1996م، تم تدريب أكثر من (814) عالماً هندياً في ثلاث من المختبرات الوطنية الأمريكية (لوس الاموس، ولاورونس ليفرمور، وسانديا).
بعد استلام حزب بهاراتيا جاناتا الهندوسي المتطرف الحكم في 16 مارس 1998م، دخلت الهند مرحلة جديدة، حيث أعلن زعماء هذا الحزب برنامجهم في إدخال الأسلحة النووية في الترسانة العسكرية الهندية، وفي 11 مايو قامت الهند ب (3) تفجيرات نووية في ميدان التجارب (بوكران) بولاية راجستان تبعتها بتفجيرين بعد يومين.
تختلف التقديرات حول الترسانة النووية الهندية والتي تقدر ب (70) رأساً نووياً أو أكثر من ذلك بكثير، كما يوجد عديد من المراكز المعنية التي تساهم في البرنامج النووي الهندي، ومن أهمها مركز بهابها Bahabah للأبحاث الذرية بالقرب من بومباي حيث يعتقد وجود مصنع لإنتاج البلوتونيوم هناك. وتمتلك الهند قاعدة صناعية قادرة على بناء أنواع مختلفة من المفاعلات النووية سواء لأغراض إنتاج الكهرباء أو لأغراض أخرى.
برنامج الصواريخ
من أجل نقل السلاح النووي أو الرأس النووي كان لابد أن يوازي جهد إنتاج القنبلة النووية جهد آخر في إنتاج الصواريخ القادرة على نقل هذا السلاح، وكانت الهند قد بدأت برنامجها الصاروخي منذ عام 1967م بإنشاء برنامج لأبحاث الفضاء والأقمار الصناعية، حيث أثمر هذا البرنامج عن تجربة الصاروخ روهني 560، وهو صاروخ ذو مرحلتين ويعمل بالوقود الصلب ويصل إلى ارتفاع (334) كيلو متراً، وقادر على حمولة تصل إلى (100) كيلوجرام. تكللت الجهود بإطلاق صاروخ ثانٍ لحمل الأقمار الصناعية عام 1979م، وذلك لتطوير وإنتاج منظومات مختلفة من الصواريخ المتعددة الأغراض والمدى، وتمتلك الهند ترسانة محلية الصنع لأنواع متعددة تتراوح من قصيرة إلى بعيدة المدى، وبعضها قادر على حمل الرؤوس النووية، ويغطي مداها الصين وباكستان كما أنها طوّرت أنواعاً منها يمكن إطلاقها من البحر.
يمثّل صاروخ (آجني) المتوسط المدى الذي يغطي مداه جميع الأراضي الباكستانية (1500) كيلو متر، ويستطيع حمل شحنة وزنها طن واحد أهم الصواريخ في الترسانة الهندية، حيث يتوقع إنتاج أعداد كبيرة منه لصالح القوات الهندية، مع الإشارة إلى أن الهند منشغلة بتطوير صاروخ (بريثفي) بعيد المدى (8000) كيلو متر الذي يستطيع بلوغ أي مكان في آسيا بمافي ذلك الصين وأجزاء من الشرق الأوسط، كما أجرت الهند في عام 1998م تجربة لإطلاق الصاروخ (ساكاريكا) من الغواصات ويستطيع حمل رأس نووي ويصل مداه إلى (300) كيلومتر.
البرنامج النووي الباكستاني
على الرغم من البدايات المتقدمة للبرنامج النووي الباكستاني، وعلى الرغم من الخوف الباكستاني من طموحات الهند في هذا المجال الذي يترجمه تصريح الرئيس ذو الفقار علي بوتو عام 1965م، الذي تولى دعم البرنامج النووي الباكستاني للحصول على القنبلة الذرية بقوله: "إذا بنت الهند القنبلة فإننا سنقتات الأعشاب والأوراق، بل حتى نعاني آلام الجوع، ولكننا سنحصل على قنبلة من صنع أيدينا، إنه ليس لدينا بديل".
على الرغم من كل ذلك تعتبر باكستان متأخرة بسنوات عن البرنامج النووي الهندي، حيث مثلت تجربة القنبلة النووية الهندية عام 1974م صدمة عنيفة للقادة الباكستانيين الذين فتحوا المجال للعلماء بسرعة التحرك لسد الثغرة التي أحدثتها التجربة الهندية، ففي عام 1962م وافقت الولايات المتحدة الأمريكية على تزويد باكستان بمفاعل أبحاث صغير من نوع الماء الخفيف قدرته 5 ميجاواط والذي بدأ تشغيله عام 1965م.
وقامت كندا في عام 1972م بتزويد باكستان بمفاعل من نوع الماء الثقيل مع منشأة لإنتاج الماء الثقيل، وقد قام العلماء الباكستانيون بعد ذلك بزيادة قدرة هذا المفاعل إلى (50) ميجاواط.
حاولت باكستان الحصول على الأسلحة النووية عن طريقين: الأول: الحصول على البلوتونيوم من مفاعل الأبحاث بعد فصله، والثاني: إشباع اليورانيوم. والطريق الأول كان هو المرشح، حيث يتوفّرلديهم المفاعل، وكان عليهم استخراج اليورانيوم وفصله بطريقة خاصة بمساعدة الفرنسيين الذين وقَّعوا اتفاقاً مع باكستان لإنشاء مصنع لتوضيب وقود البلوتونيوم عام 1974م، إلا أن المشروع لم يسر بالطريقة المطلوبة وانسحب الفرنسيون بسبب الضغوط الأمريكية؛ وفي العام نفسه بدأ الحظر الغربي للتكنولوجيا النووية على باكستان وممارسة الضغوط من أجل إيقاف برنامجها النووي.
في عام 1976م أُسند إلى العالم عبدالقدير خان إنشاء هيئة الأبحاث النووية المعروفة باسم "معهد الأبحاث الهندسية" في كاهوتا في باكستان، وكان الهدف من إنشاء هذا المعهد هو تخصيب مادة اليورانيوم، وخلال مدة ست سنوات استطاع الوصول إلى أهدافه.
وفي عام 1979م قامت أمريكا بسلسلة من الإجراءات الاقتصادية ضد باكستان، وصدر تقرير بطرح خيار الهجوم على المنشآت النووية الباكستانية وتدميرها.
عام 1982م أتم الباكستانيون بناء مصنع تجريبي لتوضيب وقود البلوتونيوم.
في يونيو 1986م أعلن عبد القدير كرئيس للبرنامج النووي أن باكستان لديها القدرة الذاتية على بناء مفاعلات نووية متقدمة.
في 15 سبتمبر عام 1986م وقّعت باكستان والصين اتفاقية تعاون للاستخدامات السلمية للطاقة النووية تتضمن تصميم وبناء وتشغيل المفاعلات النووية.
وفي عام 1989م قامت باكستان ذاتياً ببناء مفاعل أبحاث صغير قدرته (27) كيلوواط.
عام 1993م بدأت المؤسسة النووية الوطنية الصينية ببناء مفاعل لإنتاج الكهرباء من نوع الماء المضغوط قدرته (300) ميجاواط.
وفي عام 1994م أعلن رئيس الوزراء الباكستاني امتلاك بلاده القنبلة النووية.
وفي عام 1996م توقع إكمال بناء مفاعل من نوع الماء الثقيل ذي قدرة تصل إلى (40) ميجاواط.
في 14 مايو 1998م وبعد التفجيرات الهندية بيومين بدأ التحضير لإجراء التجارب النووية الباكستانية في مرتفعات جاكيا.
في 28 مايو 1998 أجرت باكستان خمسة تفجيرات نووية، وأعلن رئيس الوزراء (نواز شريف) عن إمكانية حمل الصاروخ (جوهري) المتوسط المدى رؤوساً نووية.
في 29 مايو 1998م تم إجراء التجربة السادسة وإعلان باكستان دولة نووية.
برنامج الصواريخ الباكستاني
أُنشئت هيئة أبحاث الفضاء الباكستانية (سباركو) عام 1961م بغرض امتلاك القدرات اللازمة في مجال الصواريخ، وفي السبعينيات استطاعت الهيئة امتلاك التقنيات اللازمة لتصنيع أجزاء من الصواريخ محلياً، ومن ضمنها إنتاج الوقود الصلب، وتكللت جهود الهيئة بإنتاج الصاروخ (عاطف 1) ومداه (80) كيلومتراً، ويحمل شحنة قدرها (500) كيلو جرام، ومن ثم إنتاج الصاروخ (عاطف 2) والذي يصل مداه إلى (300) كيلو متر.
أثمر التعاون الصيني الباكستاني عن حصول باكستان عام 1992م على (30) صاروخاً بالستياً من طراز M-11 الذي يحمل شحنة قدرها (800) كيلوجرام، وفي عام 1997م أعلن عن تجربة الصاروخ (عاطف 3) الذي يبلغ مداه (800) كيلومتر. ولكن الإنجاز الأكبر كان في تجربة الصاروخ (جوهري) الذي يبلغ مداه (1500) كيلو متر ويستطيع حمل رأس نووي.
مستقبل الصراع ونظرية الردع المشترك
يمثلّ مفهوم الردع النووي حالة توازن القوى بين أطراف الصراع، بحيث يتعذر فيه استخدام القوة لفض المنازعات من كل طرف لعلم كل طرف بالخسائر التي ستلحق به جراء استخدامها، وإذا اضطرت الأطراف لإحداث نزاع يكون في أضيق الحدود فهو فن عدم استخدام القوة بالرغم من وجودها، أو هو فن تجنب القتال، وهو بذلك يحقق الاستقرار العالمي بالعمل على التقليل من فرص اشتعال الحروب والحد من مداها إذا استعرت.
مثال ذلك الحرب الباردة على مستوى القوتين الاتحاد السوفيتي السابق وأمريكا، مما أدى إلى الاستقرار العالمي النسبي والذي فرضه توازن قوى الرعب النووي.
ولو كان لدى أمريكا أدنى شك في امتلاك اليابان القنبلة الذرية لما أقدمت على ضرب هيروشيما وناجازاكي بالقنابل الذرية ولتحقق التوازن النووي وساد مفهوم الردع النووي بينهما.
وفي وضع باكستان، لم يكن لديها بعد التجارب الهندية خيار سوى إجراء التجارب النووية على ما يكلفها ذلك من مقاطعة وحظر اقتصادي، وذلك لتعلن للعالم وللهند أولاً وأخيراً أن باكستان إذا ما دخلت الحرب مع الهند فستكون حرباً لن يكون فيها منتصر، بل سوف تكون الهزيمة للهند كما هي لباكستان وبذا يتحقق مفهوم الردع.
الأبعاد والمخاطر
للصراع النووي الباكستاني الهندي أبعاد محلية وإقليمية ودولية خطيرة، وإن كان من المستبعد أن يستخدم كلا البلدين السلاح النووي في أي اشتباك قادم ما لم يؤدِ الاشتباك إلى هزيمة منكرة بأي طرف تجعله يلجأ للخيار النووي، وإن التعقيد الحاصل في العلاقات الدولية ما بين الصين والهند من طرف، والهند وباكستان من طرف آخر يستبعد أي تخفيف في وتيرة التنافس الذي ستكون له النتائج الوخيمة على البلدين.
تعاني كل من الهند وباكستان أوضاعاً اقتصادية صعبة، حيث ينتشر الفقر والأمية، كما أن البنية الأساسية من خدمات صحية وتعليمية وشبكات للمياه والكهرباء والطرق لازالت بحاجة إلى ضخ الأموال الضخمة فيها، وإن الاستمرار في البرامج النووية الباهظة التكاليف بالإضافة إلى برامج التسليح تضعف خطط التنمية وتستنزف أموال طائلة لازمة لنجاح هذه الخطط، كما إن إيقاف الدعم الاقتصادي الدولي الكبير للدولتين كوسيلة ضغط على البلدين يساهم في تفاقم الأزمة الاقتصادية ويزيد من مضاعفاتها، إضافة إلى أن أي حرب بين الطرفين تستخدم فيها الأسلحة النووية ستكون مدمرة للطرفين ولها أبعاد خطيرة على الحياة البشرية والبيئية.
أما على الجانب الإقليمي والدولي، فإن هذا الصراع استقطب عناصر جديدة في المعادلة، مثل الصين والكيان الصهيوني والولايات المتحدة الأمريكية، فالصين حليف قوي لباكستان أمام التهديد الهندي للطرفين، والتعاون الصيني الباكستاني في هذا المجال والتنسيق فيه قائم من خلال الاتفاقيات التي تجمع بين الطرفين، خصوصاً مع غياب ضغط دولي فاعل على الهند، يضاف إلى ذلك أن إسرائيل ترى في القنبلة الباكستانية قنبلة إسلامية لابد من إبطال مفعولها، وهذا لن يتم إلا بالتنسيق مع الهند، ولذا كان التنسيق والتعاون العسكري المشترك بين الطرفين يشهد تصاعداً خلال السنوات الماضية.
أما الولايات المتحدة الأمريكية فهي تحاول أن تكسب الطرفين لتحقيق مصالحها في المنطقة، فهي تريد الهند كعامل توازن مع الصين وكسوق كبيرة للتقنية الأمريكية، أما باكستان فهي مفتاح أفغانستان، وبدون دعم إسلام آباد للجهود الأمريكية في هذا البلد فمصيرها إلى الفشل، لهذا قد تقبل الولايات المتحدة الأمريكية كلا البلدين كأعضاء في النادي النووي، وتتعامل معهما على هذا الأساس وتصبح جهودهما في هذا المجال مقننة ومعترف بها دون الحاجة إلى ممارسة أية ضغوط عليهما أو على الهند على الأقل.
ومن العوامل التي تبقي حدة الصراع النووي قائمة بين الدولتين غياب موازين العدالة في عالم تحكمه مصالح الدول الكبرى، فجميع الاتفاقيات الدولية إنما صيغت بالدرجة الأولى لخدمة مصالح الدول الكبرى في قصر التقنية النووية في المجالات العسكرية عليها، واعتبار الدول الأخرى دول غير مؤهلة لامتلاكها، وهذا يولّد نوع من الشعور بعدم العدالة والسعي على عدم التوقيع والالتزام بهذه المعاهدات مادامت قادرة على ذلك.
إن استمرار كلا البلدين قدماً في البرنامج النووي وعدم توقيعهما على معاهدات حظر انتشار الأسلحة النووية وحظر التجارب النووية سيشجع دولاً أخرى على السير في الاتجاه ذاته.
القوى النووية العالمية
من الصعب الإحاطة بمعلومات عن الترسانات النووية للدول، ولكن المعلومات التالية تمثل تقديرات من بعض المراجع:
الولايات المتحدة الأمريكية أول الدول التي حازت القنبلة النووية وهي الدولة الوحيدة التي استخدمتها فعلياً في صراعها ضد اليابان عام 1945م في ناجازاكي وهيروشيما. مجموع التجارب النووية (1032) تجربة، وتمتلك (12070) رأساً نووياً، بالإضافة إلى عدد غير معروف من القنابل النووية التكتيكية الصغيرة التي ربما استخدمت أنواع منها في أفغانستان والعراق.
1952م أول تجربة بريطانية (مجموع التجارب 45)، وتمتلك (380) رأساً نووياً.
تمتلك روسيا (22500) رأس نووي، وأجرت (250 تجربة).
فرنسا تمتلك (500) رأس نووي، وأجرت (250 تجربة).
الصين 1964م تمتلك (450) رأساً نووياً، وأجرت (45 تجربة).
الهند يمتلك (65) رأساً نووياً،وأجرت (6 تجارب).
باكستان تمتلك (20) رأساً نووياً، وأجرت (7 تجارب ).
إسرائيل تمتلك ما بين 100 200 رأس نووي، ويعتقد أنها أجرت بعض التجارب بالتعاون مع جنوب إفريقيا، التي تم تفكيك برنامجها النووي بعد استعادة الوطنيين السود مقاليد الأمور في بلادهم.
هناك عديد من الدول التي تمتلك تقنيات وبرامج نووية متكاملة تمكنها من الحصول على الكميات المطلوبة لصناعة السلاح النووي.
سيرة مختصرة للعالم الباكستاني عبدالقدير خان
ولد في عام 1936م.
قضى 15 سنة في أوروبا، درس خلالها في أرقى الجامعات الأوروبية في ألمانيا وهولندا وبلجيكا، ويحمل الدكتوراه في علم المعادن.
عمل من 1972 1975م في مشروع أوروبي لتطوير تخصيب اليورانيوم في هولندا، ومكّنه ذلك العمل من التعرّف على كثير من الثقافات المهمة، بدأ العمل في وقت متأخر عام 1974م لصالح الحكومة الباكستانية.
في عام 1976م أُسند إليه إنشاء هيئة الأبحاث النووية المعروفة باسم "معهد الأبحاث الهندسية" في كاهوتا في باكستان، وكان الهدف من إنشاء هذا المعهد هو تخصيب مادة اليورانيوم، وخلال مدة ست سنوات استطاع الوصول إلى أهدافه.
أدار عمليات شراء واسعة للتجهيزات المطلوبة، وحتى يستكمل البرنامج الباكستاني عملية إنتاج اليورانيوم المخصب، كان لابد من الحصول على وسيلة لتحويل اليورانيوم إلى غاز على شكل يورانيوم سداسي الفلورايد، فاستطاع عبدالقدير أن يحصل على مساعدة شركة ألمانية لبناء بعض الأجهزة اللازمة لمصنع يورانيوم سداسي الفلورايد الذي أصبح جاهزاً للتشغيل بحلول شهر أبريل عام 1980م.
يتميز عبدالقدير بقدرته الفائقة في كسب الأصدقاء وإقناع الآخرين بالعمل معه.
العالم الهندي أبوالفضل زين العابدين أبو الكلام في سطور
ولد عام 1931م في الهند وينحدر من أصول تاميلية.
أكمل دراسة الدكتوراة في الهندسة في الهند .
عمل في برنامج الصواريخ الهندية، وتولى قيادة هذا البرنامج بعد ذلك، ويلقب بأبي الصواريخ.
تقلد عدداً من المناصب الهامة، من ضمنها: رئيس منظمة البحث وتطوير الدفاع، والمستشار العلمي الأول للحكومة في حكومة فاجبابي.
حضر عدة اجتماعات هامة لتدارس الأمن القومي الهندي، وفي 23 أبريل 1998م قدم أبو الكلام في اجتماع عقد في وزارة الدفاع الهندية رؤيته في وجود قوة نووية صاروخية متمكنة، وهذه الاجتماعات انتهت باتخاذ قرار إجراء التجارب النووية الهندية.
بعد تقاعده عيّن رئيساً للهند.
يكتب الشعر التاميلي