دبابات المستقبل
يجب أن تلبي دبابة المستقبل إمكانية نقلها بسهولةلالاف الكيلومترات حيث تجري المعارك في مناطق بعيدة جدا ، فهناك اتجاه عسكري قوي يرى انه يجب تنسيق الدبابات لصالح الحوامات لتعمل كدبابات جوية ، وهناك مساعي لكي يتم تطوير الدبابات الحالية بمقاربتها من بعض ميزات دبابات المستقبل ذات الوزن الأخف والقدرات المتكاملة .
في المؤتمر العلمي نصف السنوي - الذي عُقد في مدينة فلوريدا عام 2006م - أثار الجنرال (جون كين) - نائب رئيس أركان الجيش الأمريكي - ضجة كبيرة عندما أعلن بأن أية أبحاث علمية تتعلق بتسليح الجيش الأمريكي يجب أن تراعي حقيقة أن القيادة العسكرية الأمريكية بدأت في تغيير استراتيجياتها وطرق انتقالها وانتشارها في العالم ، وبالتالي يجب الانطلاق من حقيقة أن معظم الأسلحة الأساسية المستعملة الآن في القوات البرية والبحرية الأمريكية لن تعود صالحة بعد سنوات قليلة.
أما سبب الضجة التي أثارتها كلمات الجنرال (كين) فمردها إلى إقراره - كممثل رسمي للقيادة العسكرية الأمريكية في المؤتمر - بأن الجيش الأمريكي قد دخل فعلاً في مرحلة أن يكون جيش المستقبل، بما يعنيه ذلك من تسليح جديد مختلف عن التسليح الحالي ، ومما يعني أن كل الأبحاث التطويرية التي تقوم بها شركات الأسلحة على الأسلحة الحالية لم تعد ذات قيمة ، وهو ما أوضحه الجنرال (كين) نفسه في المؤتمر الصحفي الذي تلى تصريحه ، فقد قال :
"إن القوات الأمريكية بعد حروبها في أفغانستان والعراق، لم تعد قوات تعمل في نطاق إقليمي وضمن أعمال عسكرية تقليدية ، وهذا يعني أن الحاجة قد صارت ماسة لاستيعاب تكنولوجيا جديدة تشمل مركبات ذات محركات كهربائية، وإنسان آلي، وشبكات اتصال ليزرية متحركة، ومجموعات من الأسلحة الذكية، ومجسات تعتمد على التكنولوجيا، مثل: الأنظمة الميكانيكية الدقيقة، والتكنولوجيا الحيوية، وصولاً إلى التكنولوجيا المتناهية الدقة (النانو)..."
ومن الواضح أن كلمات الجنرال (كين) شكلت قلقاً كبيراً لدى قوات الدبابات ، بل اعتبرت موجهة بشكل أساسي للدبابات، لأن القيادة الأمريكية لم تخفِ منذ فترة اتجاهاً قوياً لديها للتنسيق التدريجي للدبابات الحالية واستبدالها بدبابات المستقبل ، إذ مع تطور التقنيات العسكرية والأسلحة الصغيرة القادرة على تدمير الدبابات مهما بلغ تدريعها، ظهر اتجاه قوي بين خبراء التسليح الأمريكيين يتساءل عن الفائدة من التمسك بالدبابات الحالية ، وهل عمليات التطوير القائمة عليها مجدية فعلاً إزاء مفاهيم وأشكال الحروب التي صارت تخوضها الجيوش الامريكية ؟
مع الدبابة وضدها
هذا الاتجاه مطروح بقوة الآن في الجيش الامريكي، ويرى أصحابه - استنادًا لحرب أفغانستان والعراق والحرب الإسرائيلية على لبنان عام 2006م - أن الدبابة لم تعد مجدية أبداً أمام التقنيات المضادة، وخصوصاً بعد تدمير دبابات الميركافا بأسلحة فردية مضادة للدروع من قبل المقاومة اللبنانية، ويجب العمل على تطوير الحوامات كناقلات للجنود ولتعمل كدبابات جوية بدًلا من صرف الميزانيات على الدبابات الحالية الثقيلة التي صارت تشكل عبئاً على سرعة تحرك القوات إلى مناطق القتال البعيدة .
هذا الاتجاه يناهضه بالقوة نفسها اتجاه يرى أهمية الدبابات من حيث كونها جزءاً أساسياً من القوات البرية وقوة ضاربة رئيسة فيها، ويتحمس لتطويرها وتحسينها، ولكنه يؤمن أيضاً بأن الدبابات ليست كل القوات المدرعة، فالقوات المدرعة في نظر هؤلاء قوات منظمة تنظيماً خاصاً ومجهزة بمركبات قتال مدرعة مع وسائط صراع أخرى، وتكمن قوتها في مستوى إعدادها وتدريبها وسبكها، وهي قادرة على خوض الأعمال القتالية السريعة بالحركة والمناورة، مجموعة مع البداهة والإرادة الحربية لأطقمها واستعدادهم للعمل في مؤخرات العدو بعيداً عن بقية القوات وعن قواعد الإمداد والتموين، وهذه الخصلة بالذات هي التي تميز القوات المدرعة عن بقية صنوف القوات البرية .
تطوير الموجود .. ولكن
هناك اتجاهان يتصارعان مع وضد الدبابات ، أحدهما يصر على استمرار أهميتها ، والآخر يطالب بتنسيقها، فإن لم يكن فالعمل على تطويرها لتكون دبابة المستقبل التي تخالف أشكال الدبابات الحالية ، ومن الواضح أن أصحاب الاتجاه الثاني قد رجحت كفتهم جزئيا ، إذ لم يتم تنسيق الدبابات كما يطالبون ، بل يجري تطوير مستمر على الدبابات الحالية لأنه الخيار الوحيد المتاح بانتظار التوصل إلى تصنيع دبابات المستقبل .
والحقيقة هي أنه يجري البحث عن دبابة المستقبل في كل جيوش الدول الكبرى، ولكن حتى يتم الوصول إلى تصنيع تلك الدبابة يبقى المتاح هو تطوير الدبابات الموجودة بطرزها المختلفة لتقارب بشكل أو بآخر بعض تطلعات العسكريين لمواصفات دبابة المستقبل، وبالتالي فإن مفهوم الدبابة في الشرق والغرب يسير نحو نقطة تلاقٍ واحدة ويقترب من حل واحد، إذ يركز كل جانب منهما على أبحاث التقنية المتقدمة للتوصل إلى أفضل الحلول، وقد وُظفت معاهد الأبحاث وبنوك المعلومات ونظرية الاحتمالات في مثل هذه الأعمال، وهو ما يعني أن الحماس للدبابات كقوات أساسية في بنيات التسليح ما يزال قائماً وبقوة.
وسنستعرض فيما يلي جوانب من أعمال التطوير لبعض ديابات القتال الرئيسة في بعض الدول الكبرى :
الولايات المتحدة الأمريكية
بدأت القوات الأمريكية منذ مطلع الثمانينات بإنتاج الدبابة الأمريكية طراز (م-1 أبرامز)، والتي جاءت تتويجاً لمحاولة التوصل الى أداء فائق ومتميز من جميع الأوجه في مركبة واحدة، وإيجاد حلول جديدة لمقاييس الفاعلية القتالية للدبابات - أي القوة النارية والحركية والوقائية - وننوه هنا أن الجيش الأمريكي استخدم في عملية "عاصفة الصحراء" الهجومية عام 1991م زهاء (1178) دبابة من النموذج M-1A-1) ) وحوالي، (594) دبابة من النموذج (HAM.1- A1) ثقيل التدريع، كما أن قوات مشاة البحرية الأمريكية كانت تمتلك أيضاً (16) دبابة من نوع (MI-AI) في المعركة ذاتها أيضاً.
رغم أن دبابات القتال الرئيسة الأمريكية هي من الجيل الثالث، وقد دخلت الخدمة منذ مطلع الثمانينيات، فإن السلطات المسؤولة في الولايات المتحدة بادرت إلى التفكير في إيجاد جيل جديد من الدبابات تماشياً مع تطور الوسائط الحديثة المضادة للدرع، وبخاصة الذخائر الجديدة الانقضاضية والموجَّهة ذاتياً من الطراز الذي أطلقت عليه مصطلح "الهجوم الفوقي" (TOPATTACK)، والتحسينات التي طرأت وسوف تطرأ على الألغام (م - د)، والذخائر الخارقة للدرع ذات الطاقة الحركية والكيميائية مع الحاجة الملحة إلى مقاومة أسلحة "الليزر"، والأسلحة الالكترونية، وأسلحة الدمار الشامل. وقد وضعت قيادة المدرعات الأمريكية نصب أعينها تطبيق برنامجين مختلفين في هذا المجال ، البرنامج الأول يهتم باختبار دبابة المستقبل، وقد أطلق عليه الرمز إكس (M1- A2) ، ومهمته وضع الدراسات الأولية للخيارات متوسطة الأجل لأيجاد دبابة أخف وزناً من الدبابة M1) ابرامز( ذات الوزن طناً، وأكثر قدرة على البقاء، وتعتمد على منجزات التقنية الحديثة، مع الإفادة ما أمكن من قطع الدبابة الحالية وبخاصة هيكلها.
أما البرنامج الثاني فيهدف إلى إنتاج مركبة القتال المدرعة المستقبلية، ولا يختص هذا البرنامج بدبابات القتال الرئيسة أو إيجاد البديل لها فقط، وإنما يشمل جميع مركبات القتال المدرعة، وهذا يعني إيجاد مركبة قتال رئيسة ومركبة قتال مشاة، أو مركبة قتال متعددة الأغراض، أو مركبة قتال واحدة تجمع بين هذه الصفات جميعها. وقد تم فعلاً تكليف عدد من المجموعات الصناعية المعنية في الولايات المتحدة بتقديم دراسات من هذا القبيل.
فرنسا
أعلنت الحكومة الفرنسية عن خطة للشروع في إعداد دراسة أولية منذ العام 1983م لتصميم دبابة قتال رئيسة جديدة تحل محل الدبابة الفرنسية طراز ( AMX-30) في بداية التسعينيات، وترغب الحكومة الفرنسية بالانفراد وحدها في هذه الدراسة، ولكنها لا تستبعد إمكانية التعاون المشترك مع دول حلف الناتو الأخرى، وبخاصة ألمانيا الموحدة (الحالية) رغم إعلان الدولتين عن إلغاء اتفاقهما السابق لتطوير دبابة المستقبل ، وهي التجربة الثانية بينهما. وكانت أن ظهرت الدبابة الجديدة طراز AMX-40) ) في شهر حزيران- يونيو عام 1983م. ولا تتوفر في الوقت الحاضر أية معطيات عن نية الحكومة الفرنسية تطوير وإيجاد دبابة جديدة، بعد ظهور الدبابة (AMX-40) الحالية.
روسيا الاتحادية
كان الاتحاد السوفيتي السابق يملك دبابات ممتازة تقليدية الشكل تتناسب مع المذهب التكتيكي المتبنى في ذاك الحين، ويراعي الروس في تطوير دباباتهم تطبيقات التقنية المتقدمة على شكل ثغرات كبيرة تتناسب مع تطوير أجيالها، وكانوا أسبق الدول إلى استخدام البرج المفلطح الممتاز، وإلى استخدام المدفع أملس السبطانة من عيار(115) ملم في الدبابة الروسية طراز "ت - 62"، وهو أول مدفع صُمِّم خصيصاً لتسليح الدبابات لديهم، وكان خطوة تمهيدية لظهور المدفع عيار (115) ملم وتركيبه على الدبابة (ت - 62)، والدبابة (ت -80).
وقد برهنت هاتان الدبابتان الأخيرتان عن صحة التطورات الروسية لاتجاهات التطوير الحديثة، وهم ماضون دون شك في هذا المنهج طالما لا يوجد لديهم أي سبب يدعوهم للتخلّي عن شكل الدبابة التقليدي ذات البرج، مع احتمال التحول إلى توسيع الفراغ الداخلي في الدبابة بتصغير حجم الأجهزة الداخلية.
ورغم الصعوبات المالية التي يعانيها الروس في الوقت الحاضر، فإنه لا يستبعد أن يتجه التفكير بهم إلى المدافع القانصة للدبابات الشهيرة التي كانوا من روادها، والتي يميل الألمان الغربيون في الوقت الحاضر إلى تجربتها بالاستناد الى خبرة السويد في دبابتهم (س)، وهي خبرة رائدة ومبتكرة، إلا أنها جاءت سابقة لأدائها في ذلك الحين.
ألمانيا الاتحادية
كانت ألمانيا الاتحادية تخطط لاستبدال دباباتها طراز (ليوبارد -2) بدبابة جديدة في أواسط عام 1996م، بحيث يكون لدبابة المستقبل برج مسطح ذو تدريع أشد مقاومة وأكثر سماكة، وبخاصة من جهة السقف، لحماية الطاقم من ذخائر الهجوم الفوقي، أما النواحي الأخرى التي ستتميز بها الدبابة الجديدة، فهي طاقمها المؤلف من ثلاثة أشخاص فقط، وتزويدها بمنظومة ألغام (تلقيم) أوتوماتيكية مطوَّرة، ومدفع جديد الطراز عالي الضغط محسَّن عن المدفع الحالي المركب على الدبابة (ليوبارد - 2) مع ذخيرة محسَّنة ذات نواة من اليورانيوم الخامد، شريطة ألا يتجاوز وزن الدبابة الجديدة وزن سابقتها مهما كان الأمر .
ولا يعرف حتى الآن إذا كانت هذه الدبابة ستحافظ على الوزن الحالي ( 56) طناً أم أنها ستكون أخف وزناً، ولكن يكاد يكون من المؤكد أن المحرك سيكون أصغر حجماً وستكون حجرته أقل حجماً بالتالي، وقد أجريت تجارب مكثفة على تحسين المحرك طراز (M-T-U 880) وتركيبه بالعرض، بحيث يختصر متراً كاملاً من طول غرفة المحرك، وهذا ما يوفر فراغاً ووزناً يمكن استغلالهما لزيادة تدريع البرج وحجم غرفة القتال، أو لتصميم دبابة أقصر بست (طلم)، بدلاً من سبع (طلم).
بريطانيا
كانت الدوائر العسكرية في بريطانيا منذ أوائل الثمانينيات تفكر بإعداد دراسة حديثة للجيل التالي من دباباتها، رغم أن الدبابة طراز "تشالنجر" دخلت الإنتاج في ذاك الحين. وترى وزارة الدفاع البريطانية أن الغاية من ذلك هي إيجاد البديل للدبابة طراز "تشفتين" التي دخلت الخدمة منذ أواخر الستينيات، وتوقف إنتاجها مع نهاية السبعينيات. أما زيادة أعداد الدبابات "تشالنجر" - كحل وسط يغطي هذه الحاجة - فينطوي على خطر بقاء بريطانيا خارج حلقة التطوير التي تضم دول حلف شمال الأطلسي الأخرى.
ويعطي الجيش البريطاني الأولوية في مواصفات الدبابة الجديدة إلى القدرة النارية والوقاية (أو القدرة على البقاء كما تسمّى حالياً)، ويتم تحسين القدرة النارية باستخدام مدفع ذي سبطانة ملساء، وطلقات محسَّنة، مع إمكانية إضافة قذائف صاروخية، تستطيع جميعها تدمير أية مركبة مدرعة معادية على مسافة 2000متر في الثبات (من موضع دفاعي)، مع تأمين وقاية الدبابة من جميع الوسائط المضادة للدبابات دون أن يكون ذلك على حساب الحركة .
وثمة دراسة يقوم بها المصممون البريطانيون مع عدد آخر من المصممين الأجانب لتركيب المدفع فوق البرج من الأعلى مع تصغير حجم البرج، وسوف يكون طاقم الدبابة مؤلفاً من ثلاثة أشخاص مع منظومة ألغام (تلقيم) أوتوماتيكية للمدفع، وهذا ما يتيح اختصار الفراغ داخل الجسم ويسمح بتصميم دبابة أصغر حجماً والاستفادة من الوفر في الوزن لزيادة الوقاية. ويقدر أن يكون وزن الدبابة (40 -50) طناً، ومجهزة بمحرك استطاعة (2220) كيلوواط، بحيث تكون الاستطاعة النوعية (القدرة إلى الوزن) كافية لتأمين الحركية اللازمة.
البدء في إنتاج دبابات خفيفة الوزن
نستطيع القول بشكل عام إنه ضمن التحول الشامل في استراتيجيات القتال في الجيش الأمريكي، واستناداً إلى تجارب الحروب التي خاضتها الولايات المتحدة في أفغانستان والعراق بات من المؤكد أن حروب المستقبل لم تعد محصورة بالحروب الإقليمية، بل هي حروب غالبًا ما تضطر فيها جيوش الدول الكبرى إلى الانتقال إلى أماكن بعيدة جدا ، وهو ما جعل الدول الكبرى تخطط لأن تكون جيوشها قادرة على الحركة والوصول إلى مناطق التوتر بسرعة دون أن تشكل المسافات والتضاريس الطبيعية من بحار ومحيطات عائقًا أمام هذا الانتقال للجيوش والقوات. وعلى سبيل المثال ، ومن أجل تحقيق هذه الغاية، أنفقت الولايات المتحدة الأمريكية خلال السنوات السبع الماضية اكثر من مائة بليون دولار، بهدف امتلاك قدرات على إرسال قوة مؤلفة من لواء إلى أي مكان في العالم خلال مائة ساعة على الأكثر ، وإرسال فرقة خلال مائة وعشرين ساعة ، وخمس فرق خلال ثلاثين يوماً .
الإشكالية أمام تحقيق هذا الهدف تتمثل في عوائق نقل الدبابات الثقيلة التي تشكّل عماد القوات البرية حاليًا، وبالتالي بدأ البحث عن طرازات من الدبابات الخفيفة التي تستطيع الانطلاق بسرعة (60) ميلاً في الساعة في أرض المعركة، ولها قدرات الدبابات الثقيلة المعروفة الآن ، وقد بدأ بالفعل العمل على تصميم وتصنيع هذه المدرعات البديلة كمدرعات للمستقبل، وهذه المدرعات يتم تصميمها بحيث لا يزيد وزنها عن (20) طناً، سواء كانت ناقلة جنود مدرعة، أو مركبة استطلاع، بحيث يمكن نقلها بسهولة إلى أرض المعركة الخارجية بواسطة طائرة نقل عسكرية مثل (سي 130) وستعتمد حروب المستقبل على مركبات ذات محركات كهربائية للنقل ، وتستخدم هذه المركبات وقوداً أقل ، بالإضافة إلى تمتعها بميزة أخرى، وهي قدرتها على إعادة شحن البطاريات المستخدمة في المعدات الإلكترونية العاملة في مختلف فروع الجيش المقاتل، وللأسباب نفسها، تقوم الحكومة الأمريكية الآن بتمويل الأبحاث لتطوير خلايا الوقود لاستخدامها في إنتاج الكهرباء، وسيتم توظيف هذا النوع الجديد من الطاقة في مركبات تأخذ أشكال الإنسان الآلي، حيث تتولى مهمة الاستكشاف أمام القوة الرئيسة لتحديد التهديدات الكيماوية والبيولوجية والنووية، وسيتم توظيفها أيضًا في استطلاع الكهوف الجبلية أو الأنفاق المحفورة تحت الأرض، وأيضًا كأدوات لإخلاء الجرحى ونقل الإمدادات.
خطط معارك جديدة
ستتغير خطط معارك المستقبل كنتيجة حتمية للتغيير في التسليح، فقد اعتمدت العمليات العسكرية في الماضي على توفير قوة نيران هائلة عبر الحدود للاستيلاء على أراضي العدو قدر الإمكان، بينما تسمح مستشعرات التكنولوجيا الموجودة في كل شيء، بدءًا من الأقمار الاصطناعية حول الأرض، إلى المركبات اللاسلكية، وصولاً إلى الطائرات الموجهة بدون طيار، مما يسمح للقوات بأن ترى ما يدور خلف التلال، على نحو لم يحدث أبداً من قبل، وبالتالي فإنه في حروب المستقبل سيتمركز الجيش في نقاط استراتيجية، بينما تسمح المستشعرات بمراقبة كاملة لكل شيء.
وتماشيًا مع هذه الرؤية اختبر الجيش الأمريكي بصفة مبدئية (547) فكرة تكنولوجية جديدة يمكن استخدامها لتحقيق أهداف نظم معارك المستقبل ، وقد تم فرز تلك الأفكار لتصل في النهاية إلى (100) فكرة فقط، وتمثل المائة فكرة التي وقع عليها الاختيار قائمة أولويات تطوير الجيش الأمريكي في المستقبل، مثل: تطوير شاسيه واحد لكل مركبات أنظمة معركة المستقبل، وتطوير مدفع ذي حجم مناسب، واستخدام اتصالات متطورة، وأيضا تقنيات تخفض المطالب الخاصة بكل من الأوزان، والأحجام، وتكلفة الإمدادات للقوى المحركة، والوقود، والطعام، والمياه اللازمة لإعاشة القوات المقاتلة.
في هذه الأفكار المائة لانجد أهمية كبيرة للدبابات المعروفة حالياً، بل تُعطى الأهمية للحوامات بالدرجة الأولى، أما الدبابات فهي من طرز مختلفة كليةً تتمتع بخفة الوزن وصغر الحجم مع قدرات توازي قدرات الدبابات الحالية، فهل نقول إن العقود القليلة القادمة ستدخل فيها كل طرز الدبابات الحالية المعروفة الآن إلى متاحف التسليح، وتظهر دبابات بمواصفات وأشكال جديدة وقدرات خارقة؟
-
دبابة
يجب أن تلبي دبابة المستقبل إمكانية نقلها بسهولةلالاف الكيلومترات حيث تجري المعارك في مناطق بعيدة جدا ، فهناك اتجاه عسكري قوي يرى انه يجب تنسيق الدبابات لصالح الحوامات لتعمل كدبابات جوية ، وهناك مساعي لكي يتم تطوير الدبابات الحالية بمقاربتها من بعض ميزات دبابات المستقبل ذات الوزن الأخف والقدرات المتكاملة .
في المؤتمر العلمي نصف السنوي - الذي عُقد في مدينة فلوريدا عام 2006م - أثار الجنرال (جون كين) - نائب رئيس أركان الجيش الأمريكي - ضجة كبيرة عندما أعلن بأن أية أبحاث علمية تتعلق بتسليح الجيش الأمريكي يجب أن تراعي حقيقة أن القيادة العسكرية الأمريكية بدأت في تغيير استراتيجياتها وطرق انتقالها وانتشارها في العالم ، وبالتالي يجب الانطلاق من حقيقة أن معظم الأسلحة الأساسية المستعملة الآن في القوات البرية والبحرية الأمريكية لن تعود صالحة بعد سنوات قليلة.
أما سبب الضجة التي أثارتها كلمات الجنرال (كين) فمردها إلى إقراره - كممثل رسمي للقيادة العسكرية الأمريكية في المؤتمر - بأن الجيش الأمريكي قد دخل فعلاً في مرحلة أن يكون جيش المستقبل، بما يعنيه ذلك من تسليح جديد مختلف عن التسليح الحالي ، ومما يعني أن كل الأبحاث التطويرية التي تقوم بها شركات الأسلحة على الأسلحة الحالية لم تعد ذات قيمة ، وهو ما أوضحه الجنرال (كين) نفسه في المؤتمر الصحفي الذي تلى تصريحه ، فقد قال :
"إن القوات الأمريكية بعد حروبها في أفغانستان والعراق، لم تعد قوات تعمل في نطاق إقليمي وضمن أعمال عسكرية تقليدية ، وهذا يعني أن الحاجة قد صارت ماسة لاستيعاب تكنولوجيا جديدة تشمل مركبات ذات محركات كهربائية، وإنسان آلي، وشبكات اتصال ليزرية متحركة، ومجموعات من الأسلحة الذكية، ومجسات تعتمد على التكنولوجيا، مثل: الأنظمة الميكانيكية الدقيقة، والتكنولوجيا الحيوية، وصولاً إلى التكنولوجيا المتناهية الدقة (النانو)..."
ومن الواضح أن كلمات الجنرال (كين) شكلت قلقاً كبيراً لدى قوات الدبابات ، بل اعتبرت موجهة بشكل أساسي للدبابات، لأن القيادة الأمريكية لم تخفِ منذ فترة اتجاهاً قوياً لديها للتنسيق التدريجي للدبابات الحالية واستبدالها بدبابات المستقبل ، إذ مع تطور التقنيات العسكرية والأسلحة الصغيرة القادرة على تدمير الدبابات مهما بلغ تدريعها، ظهر اتجاه قوي بين خبراء التسليح الأمريكيين يتساءل عن الفائدة من التمسك بالدبابات الحالية ، وهل عمليات التطوير القائمة عليها مجدية فعلاً إزاء مفاهيم وأشكال الحروب التي صارت تخوضها الجيوش الامريكية ؟
مع الدبابة وضدها
هذا الاتجاه مطروح بقوة الآن في الجيش الامريكي، ويرى أصحابه - استنادًا لحرب أفغانستان والعراق والحرب الإسرائيلية على لبنان عام 2006م - أن الدبابة لم تعد مجدية أبداً أمام التقنيات المضادة، وخصوصاً بعد تدمير دبابات الميركافا بأسلحة فردية مضادة للدروع من قبل المقاومة اللبنانية، ويجب العمل على تطوير الحوامات كناقلات للجنود ولتعمل كدبابات جوية بدًلا من صرف الميزانيات على الدبابات الحالية الثقيلة التي صارت تشكل عبئاً على سرعة تحرك القوات إلى مناطق القتال البعيدة .
هذا الاتجاه يناهضه بالقوة نفسها اتجاه يرى أهمية الدبابات من حيث كونها جزءاً أساسياً من القوات البرية وقوة ضاربة رئيسة فيها، ويتحمس لتطويرها وتحسينها، ولكنه يؤمن أيضاً بأن الدبابات ليست كل القوات المدرعة، فالقوات المدرعة في نظر هؤلاء قوات منظمة تنظيماً خاصاً ومجهزة بمركبات قتال مدرعة مع وسائط صراع أخرى، وتكمن قوتها في مستوى إعدادها وتدريبها وسبكها، وهي قادرة على خوض الأعمال القتالية السريعة بالحركة والمناورة، مجموعة مع البداهة والإرادة الحربية لأطقمها واستعدادهم للعمل في مؤخرات العدو بعيداً عن بقية القوات وعن قواعد الإمداد والتموين، وهذه الخصلة بالذات هي التي تميز القوات المدرعة عن بقية صنوف القوات البرية .
تطوير الموجود .. ولكن
هناك اتجاهان يتصارعان مع وضد الدبابات ، أحدهما يصر على استمرار أهميتها ، والآخر يطالب بتنسيقها، فإن لم يكن فالعمل على تطويرها لتكون دبابة المستقبل التي تخالف أشكال الدبابات الحالية ، ومن الواضح أن أصحاب الاتجاه الثاني قد رجحت كفتهم جزئيا ، إذ لم يتم تنسيق الدبابات كما يطالبون ، بل يجري تطوير مستمر على الدبابات الحالية لأنه الخيار الوحيد المتاح بانتظار التوصل إلى تصنيع دبابات المستقبل .
والحقيقة هي أنه يجري البحث عن دبابة المستقبل في كل جيوش الدول الكبرى، ولكن حتى يتم الوصول إلى تصنيع تلك الدبابة يبقى المتاح هو تطوير الدبابات الموجودة بطرزها المختلفة لتقارب بشكل أو بآخر بعض تطلعات العسكريين لمواصفات دبابة المستقبل، وبالتالي فإن مفهوم الدبابة في الشرق والغرب يسير نحو نقطة تلاقٍ واحدة ويقترب من حل واحد، إذ يركز كل جانب منهما على أبحاث التقنية المتقدمة للتوصل إلى أفضل الحلول، وقد وُظفت معاهد الأبحاث وبنوك المعلومات ونظرية الاحتمالات في مثل هذه الأعمال، وهو ما يعني أن الحماس للدبابات كقوات أساسية في بنيات التسليح ما يزال قائماً وبقوة.
وسنستعرض فيما يلي جوانب من أعمال التطوير لبعض ديابات القتال الرئيسة في بعض الدول الكبرى :
الولايات المتحدة الأمريكية
بدأت القوات الأمريكية منذ مطلع الثمانينات بإنتاج الدبابة الأمريكية طراز (م-1 أبرامز)، والتي جاءت تتويجاً لمحاولة التوصل الى أداء فائق ومتميز من جميع الأوجه في مركبة واحدة، وإيجاد حلول جديدة لمقاييس الفاعلية القتالية للدبابات - أي القوة النارية والحركية والوقائية - وننوه هنا أن الجيش الأمريكي استخدم في عملية "عاصفة الصحراء" الهجومية عام 1991م زهاء (1178) دبابة من النموذج M-1A-1) ) وحوالي، (594) دبابة من النموذج (HAM.1- A1) ثقيل التدريع، كما أن قوات مشاة البحرية الأمريكية كانت تمتلك أيضاً (16) دبابة من نوع (MI-AI) في المعركة ذاتها أيضاً.
رغم أن دبابات القتال الرئيسة الأمريكية هي من الجيل الثالث، وقد دخلت الخدمة منذ مطلع الثمانينيات، فإن السلطات المسؤولة في الولايات المتحدة بادرت إلى التفكير في إيجاد جيل جديد من الدبابات تماشياً مع تطور الوسائط الحديثة المضادة للدرع، وبخاصة الذخائر الجديدة الانقضاضية والموجَّهة ذاتياً من الطراز الذي أطلقت عليه مصطلح "الهجوم الفوقي" (TOPATTACK)، والتحسينات التي طرأت وسوف تطرأ على الألغام (م - د)، والذخائر الخارقة للدرع ذات الطاقة الحركية والكيميائية مع الحاجة الملحة إلى مقاومة أسلحة "الليزر"، والأسلحة الالكترونية، وأسلحة الدمار الشامل. وقد وضعت قيادة المدرعات الأمريكية نصب أعينها تطبيق برنامجين مختلفين في هذا المجال ، البرنامج الأول يهتم باختبار دبابة المستقبل، وقد أطلق عليه الرمز إكس (M1- A2) ، ومهمته وضع الدراسات الأولية للخيارات متوسطة الأجل لأيجاد دبابة أخف وزناً من الدبابة M1) ابرامز( ذات الوزن طناً، وأكثر قدرة على البقاء، وتعتمد على منجزات التقنية الحديثة، مع الإفادة ما أمكن من قطع الدبابة الحالية وبخاصة هيكلها.
أما البرنامج الثاني فيهدف إلى إنتاج مركبة القتال المدرعة المستقبلية، ولا يختص هذا البرنامج بدبابات القتال الرئيسة أو إيجاد البديل لها فقط، وإنما يشمل جميع مركبات القتال المدرعة، وهذا يعني إيجاد مركبة قتال رئيسة ومركبة قتال مشاة، أو مركبة قتال متعددة الأغراض، أو مركبة قتال واحدة تجمع بين هذه الصفات جميعها. وقد تم فعلاً تكليف عدد من المجموعات الصناعية المعنية في الولايات المتحدة بتقديم دراسات من هذا القبيل.
فرنسا
أعلنت الحكومة الفرنسية عن خطة للشروع في إعداد دراسة أولية منذ العام 1983م لتصميم دبابة قتال رئيسة جديدة تحل محل الدبابة الفرنسية طراز ( AMX-30) في بداية التسعينيات، وترغب الحكومة الفرنسية بالانفراد وحدها في هذه الدراسة، ولكنها لا تستبعد إمكانية التعاون المشترك مع دول حلف الناتو الأخرى، وبخاصة ألمانيا الموحدة (الحالية) رغم إعلان الدولتين عن إلغاء اتفاقهما السابق لتطوير دبابة المستقبل ، وهي التجربة الثانية بينهما. وكانت أن ظهرت الدبابة الجديدة طراز AMX-40) ) في شهر حزيران- يونيو عام 1983م. ولا تتوفر في الوقت الحاضر أية معطيات عن نية الحكومة الفرنسية تطوير وإيجاد دبابة جديدة، بعد ظهور الدبابة (AMX-40) الحالية.
روسيا الاتحادية
كان الاتحاد السوفيتي السابق يملك دبابات ممتازة تقليدية الشكل تتناسب مع المذهب التكتيكي المتبنى في ذاك الحين، ويراعي الروس في تطوير دباباتهم تطبيقات التقنية المتقدمة على شكل ثغرات كبيرة تتناسب مع تطوير أجيالها، وكانوا أسبق الدول إلى استخدام البرج المفلطح الممتاز، وإلى استخدام المدفع أملس السبطانة من عيار(115) ملم في الدبابة الروسية طراز "ت - 62"، وهو أول مدفع صُمِّم خصيصاً لتسليح الدبابات لديهم، وكان خطوة تمهيدية لظهور المدفع عيار (115) ملم وتركيبه على الدبابة (ت - 62)، والدبابة (ت -80).
وقد برهنت هاتان الدبابتان الأخيرتان عن صحة التطورات الروسية لاتجاهات التطوير الحديثة، وهم ماضون دون شك في هذا المنهج طالما لا يوجد لديهم أي سبب يدعوهم للتخلّي عن شكل الدبابة التقليدي ذات البرج، مع احتمال التحول إلى توسيع الفراغ الداخلي في الدبابة بتصغير حجم الأجهزة الداخلية.
ورغم الصعوبات المالية التي يعانيها الروس في الوقت الحاضر، فإنه لا يستبعد أن يتجه التفكير بهم إلى المدافع القانصة للدبابات الشهيرة التي كانوا من روادها، والتي يميل الألمان الغربيون في الوقت الحاضر إلى تجربتها بالاستناد الى خبرة السويد في دبابتهم (س)، وهي خبرة رائدة ومبتكرة، إلا أنها جاءت سابقة لأدائها في ذلك الحين.
ألمانيا الاتحادية
كانت ألمانيا الاتحادية تخطط لاستبدال دباباتها طراز (ليوبارد -2) بدبابة جديدة في أواسط عام 1996م، بحيث يكون لدبابة المستقبل برج مسطح ذو تدريع أشد مقاومة وأكثر سماكة، وبخاصة من جهة السقف، لحماية الطاقم من ذخائر الهجوم الفوقي، أما النواحي الأخرى التي ستتميز بها الدبابة الجديدة، فهي طاقمها المؤلف من ثلاثة أشخاص فقط، وتزويدها بمنظومة ألغام (تلقيم) أوتوماتيكية مطوَّرة، ومدفع جديد الطراز عالي الضغط محسَّن عن المدفع الحالي المركب على الدبابة (ليوبارد - 2) مع ذخيرة محسَّنة ذات نواة من اليورانيوم الخامد، شريطة ألا يتجاوز وزن الدبابة الجديدة وزن سابقتها مهما كان الأمر .
جندى في أحد المعارك
ولا يعرف حتى الآن إذا كانت هذه الدبابة ستحافظ على الوزن الحالي ( 56) طناً أم أنها ستكون أخف وزناً، ولكن يكاد يكون من المؤكد أن المحرك سيكون أصغر حجماً وستكون حجرته أقل حجماً بالتالي، وقد أجريت تجارب مكثفة على تحسين المحرك طراز (M-T-U 880) وتركيبه بالعرض، بحيث يختصر متراً كاملاً من طول غرفة المحرك، وهذا ما يوفر فراغاً ووزناً يمكن استغلالهما لزيادة تدريع البرج وحجم غرفة القتال، أو لتصميم دبابة أقصر بست (طلم)، بدلاً من سبع (طلم).
بريطانيا
كانت الدوائر العسكرية في بريطانيا منذ أوائل الثمانينيات تفكر بإعداد دراسة حديثة للجيل التالي من دباباتها، رغم أن الدبابة طراز "تشالنجر" دخلت الإنتاج في ذاك الحين. وترى وزارة الدفاع البريطانية أن الغاية من ذلك هي إيجاد البديل للدبابة طراز "تشفتين" التي دخلت الخدمة منذ أواخر الستينيات، وتوقف إنتاجها مع نهاية السبعينيات. أما زيادة أعداد الدبابات "تشالنجر" - كحل وسط يغطي هذه الحاجة - فينطوي على خطر بقاء بريطانيا خارج حلقة التطوير التي تضم دول حلف شمال الأطلسي الأخرى.
ويعطي الجيش البريطاني الأولوية في مواصفات الدبابة الجديدة إلى القدرة النارية والوقاية (أو القدرة على البقاء كما تسمّى حالياً)، ويتم تحسين القدرة النارية باستخدام مدفع ذي سبطانة ملساء، وطلقات محسَّنة، مع إمكانية إضافة قذائف صاروخية، تستطيع جميعها تدمير أية مركبة مدرعة معادية على مسافة 2000متر في الثبات (من موضع دفاعي)، مع تأمين وقاية الدبابة من جميع الوسائط المضادة للدبابات دون أن يكون ذلك على حساب الحركة .
وثمة دراسة يقوم بها المصممون البريطانيون مع عدد آخر من المصممين الأجانب لتركيب المدفع فوق البرج من الأعلى مع تصغير حجم البرج، وسوف يكون طاقم الدبابة مؤلفاً من ثلاثة أشخاص مع منظومة ألغام (تلقيم) أوتوماتيكية للمدفع، وهذا ما يتيح اختصار الفراغ داخل الجسم ويسمح بتصميم دبابة أصغر حجماً والاستفادة من الوفر في الوزن لزيادة الوقاية. ويقدر أن يكون وزن الدبابة (40 -50) طناً، ومجهزة بمحرك استطاعة (2220) كيلوواط، بحيث تكون الاستطاعة النوعية (القدرة إلى الوزن) كافية لتأمين الحركية اللازمة.
البدء في إنتاج دبابات خفيفة الوزن
نستطيع القول بشكل عام إنه ضمن التحول الشامل في استراتيجيات القتال في الجيش الأمريكي، واستناداً إلى تجارب الحروب التي خاضتها الولايات المتحدة في أفغانستان والعراق بات من المؤكد أن حروب المستقبل لم تعد محصورة بالحروب الإقليمية، بل هي حروب غالبًا ما تضطر فيها جيوش الدول الكبرى إلى الانتقال إلى أماكن بعيدة جدا ، وهو ما جعل الدول الكبرى تخطط لأن تكون جيوشها قادرة على الحركة والوصول إلى مناطق التوتر بسرعة دون أن تشكل المسافات والتضاريس الطبيعية من بحار ومحيطات عائقًا أمام هذا الانتقال للجيوش والقوات. وعلى سبيل المثال ، ومن أجل تحقيق هذه الغاية، أنفقت الولايات المتحدة الأمريكية خلال السنوات السبع الماضية اكثر من مائة بليون دولار، بهدف امتلاك قدرات على إرسال قوة مؤلفة من لواء إلى أي مكان في العالم خلال مائة ساعة على الأكثر ، وإرسال فرقة خلال مائة وعشرين ساعة ، وخمس فرق خلال ثلاثين يوماً .
الإشكالية أمام تحقيق هذا الهدف تتمثل في عوائق نقل الدبابات الثقيلة التي تشكّل عماد القوات البرية حاليًا، وبالتالي بدأ البحث عن طرازات من الدبابات الخفيفة التي تستطيع الانطلاق بسرعة (60) ميلاً في الساعة في أرض المعركة، ولها قدرات الدبابات الثقيلة المعروفة الآن ، وقد بدأ بالفعل العمل على تصميم وتصنيع هذه المدرعات البديلة كمدرعات للمستقبل، وهذه المدرعات يتم تصميمها بحيث لا يزيد وزنها عن (20) طناً، سواء كانت ناقلة جنود مدرعة، أو مركبة استطلاع، بحيث يمكن نقلها بسهولة إلى أرض المعركة الخارجية بواسطة طائرة نقل عسكرية مثل (سي 130) وستعتمد حروب المستقبل على مركبات ذات محركات كهربائية للنقل ، وتستخدم هذه المركبات وقوداً أقل ، بالإضافة إلى تمتعها بميزة أخرى، وهي قدرتها على إعادة شحن البطاريات المستخدمة في المعدات الإلكترونية العاملة في مختلف فروع الجيش المقاتل، وللأسباب نفسها، تقوم الحكومة الأمريكية الآن بتمويل الأبحاث لتطوير خلايا الوقود لاستخدامها في إنتاج الكهرباء، وسيتم توظيف هذا النوع الجديد من الطاقة في مركبات تأخذ أشكال الإنسان الآلي، حيث تتولى مهمة الاستكشاف أمام القوة الرئيسة لتحديد التهديدات الكيماوية والبيولوجية والنووية، وسيتم توظيفها أيضًا في استطلاع الكهوف الجبلية أو الأنفاق المحفورة تحت الأرض، وأيضًا كأدوات لإخلاء الجرحى ونقل الإمدادات.
خطط معارك جديدة
ستتغير خطط معارك المستقبل كنتيجة حتمية للتغيير في التسليح، فقد اعتمدت العمليات العسكرية في الماضي على توفير قوة نيران هائلة عبر الحدود للاستيلاء على أراضي العدو قدر الإمكان، بينما تسمح مستشعرات التكنولوجيا الموجودة في كل شيء، بدءًا من الأقمار الاصطناعية حول الأرض، إلى المركبات اللاسلكية، وصولاً إلى الطائرات الموجهة بدون طيار، مما يسمح للقوات بأن ترى ما يدور خلف التلال، على نحو لم يحدث أبداً من قبل، وبالتالي فإنه في حروب المستقبل سيتمركز الجيش في نقاط استراتيجية، بينما تسمح المستشعرات بمراقبة كاملة لكل شيء.
وتماشيًا مع هذه الرؤية اختبر الجيش الأمريكي بصفة مبدئية (547) فكرة تكنولوجية جديدة يمكن استخدامها لتحقيق أهداف نظم معارك المستقبل ، وقد تم فرز تلك الأفكار لتصل في النهاية إلى (100) فكرة فقط، وتمثل المائة فكرة التي وقع عليها الاختيار قائمة أولويات تطوير الجيش الأمريكي في المستقبل، مثل: تطوير شاسيه واحد لكل مركبات أنظمة معركة المستقبل، وتطوير مدفع ذي حجم مناسب، واستخدام اتصالات متطورة، وأيضا تقنيات تخفض المطالب الخاصة بكل من الأوزان، والأحجام، وتكلفة الإمدادات للقوى المحركة، والوقود، والطعام، والمياه اللازمة لإعاشة القوات المقاتلة.
في هذه الأفكار المائة لانجد أهمية كبيرة للدبابات المعروفة حالياً، بل تُعطى الأهمية للحوامات بالدرجة الأولى، أما الدبابات فهي من طرز مختلفة كليةً تتمتع بخفة الوزن وصغر الحجم مع قدرات توازي قدرات الدبابات الحالية، فهل نقول إن العقود القليلة القادمة ستدخل فيها كل طرز الدبابات الحالية المعروفة الآن إلى متاحف التسليح، وتظهر دبابات بمواصفات وأشكال جديدة وقدرات خارقة؟
-