يحمل مصطلح الانفجار العظيم أكثر من مفهوم؛ فما يعنيه أكثر علماء الفلك حين يشيرون إلى نظرية الانفجار العظيم هو الفكرة التي تقول بأن العالم يتمدد، وذلك وفقا لما اكتشفه إدوين هابل Edwin Hubble للمرة الأولى في العام 1920 – أنّ العناقيد المجريّة البعيدة تتباعد عن بعضها البعض بسرعة تتزايد باستمرار. وهذا يوحي بأن الأشياء في الكون كانت في الماضي أقرب إلى بعضها البعض، وأن الكون كان أكثر انضغاطا وكان أكثر سخونة وكثافة، وأنه يتّجه لأن يكون مستقبَلا أقل سخونة وكثافة.
صورة التقطها تلسكوب هابل الفضائي تبين نجوما في العنقود النجمي الكروي NGC 6397، وهي من أقربها إلينا، حيث تبعد نحو 8500 سنة ضوئية عن الأرض. Image courtesy NASA
إلا أن هنالك كثير من الخيارات ضمن هذه الصورة. أوّلها هو أن تعود إلى الماضي متتبعا الكون إلى زمن أبكر فأبكر، حينما كان أسخن وأكثف، إلى أن تصل إلى زمن كانت الكثافة ودرجة الحرارة فيه لا نهائيتين، هذا إن كنت مقتنعاً بصحة حساباتك. إنّ معادلة آينشتاين عن الجاذبية تمنحك وسيلة لحساب متى حدثت هذه الحالة اللانهائية: منذ 13.7 مليار سنة مضت فقط. هذا مدهش جدا، لأنك تستطيع التجول في أرجاء إسكندنافيا وسكوتلاند والتقاط حجارة يبلغ عمرها 3 بلايين سنة. نحن نعتقد أن عمر مجموعتنا الشمسية برمتها هو 4.6 بليون سنة تقريبا. لذا، فمن الواضح أننا قريبون جدا لما يبدو أنه بداية كل شيء.
الكون الذي يتمدد
كثيرون يتصورون تمدد الكون كالانفجار، ولذلك يعتقدون أنه يجب أن يكون له مركز وحافة. فإذا كنا نرى كل شيء حولنا في الكون يتمدد، أفلا يعني ذلك أننا في مركزه؟ ولكن، ليس هناك مركز للكون وليست هناك حافة للتمدد. إن أسهل حالة يمكن تخيلها هي حالة الكون اللامتناه. دعنا نفكر بكون ثنائي الأبعاد، صحيفة مطاطية تمتد إلى ما لا نهاية في كل الاتجاهات. فإذا ما مدّت هذه الصحيفة، فإنك، بصرف النظر عن موقعك عليها، سترى كل شيء يتمدد بعيدا عنك. بوسعك أن ترسم دائرة حولك تصف حافة كونك المدرك –نصف قطر هذه الدائرة سيكون المسافة التي تمكن الضوء من قطعها منذ بدأ تمدد الصحيفة. هذا ما نسميه بالأفق. وهذا لا يعني عدم وجود صحيفة وراء حدود هذه الدائرة! بل فقط أننا لا نستطيع رؤيتها بعد.
ولكن، ماذا لو كان الكون متناهيا؟! إذا التقطتَّ قطعة من الورق، فسيبدو واضحا أن هناك مركزا وحافة. إلا أن الكون هو كل ما هنالك. فهو ليس بانفجار، وهو لا يتمدد إلى أي شيء. لذا لا يمكن أن يكون الكون ثنائي الأبعاد مسطحا مثل قطعة ورق، لكنه ربما كان مثل سطح جسم كروي. إنه متناه –إذا أردت طلاء السطح، فستحتاج إلى كمية متناهية من الطلاء فقط- ولكن لو كانت هنالك نملة تمشي في أرجائه، فلن تصل إلى حافة على الإطلاق. وهكذا، فقد يكون السطح المنحني متناه، ولكنه بلا حواف.
هذا هو النحو الذي يجب أن نتصور عليه الكون المتناهي المتمدد: إذا نفخنا بالونا معلما بإشارات تقاطع، فإن كل هذه الإشارات ستتباعد عن بعضها البعض مع تمدد البالون. وإذا كنت جالسا على البالون، فسترى أن كل الإشارات تبتعد عنك. ومركز التمدد لا يقع على البالون.
هنا يبدأ العلماء بالقلق. إذ أن التنبؤ بأنّ شيء ما لا متناه، هو غالبا إشارة إلى أنّ النظرية التي تستند إليها للوصول إلى هذا التنبؤ قد بلغت أقصى حدود قدرتها على التطبيق. على سبيل المثال، تخيل أنك مختص بالديناميكا الهوائية وترغب في التنبؤ بسرعة تدفق هوائي. إذا كان نموذجك بسيطا، أي أنه يتجاهل احتكاك الهواء، على سبيل المثال، فربما تنبأ بأن شيء ما يتغير بسرعة لا نهائية في زمن متناه. ولكن المختصين بالديناميكا الهوائية لن يصدقوا أن هذا ما يحدث في الواقع حقا. بل أنهم سيعتبرون هذا التنبؤ مؤشرا على حاجتك للعودة إلى المربع الأول لتحسين نموذجك شيئا ما، على سبيل المثال، من خلال تضمينه احتكاك الهواء. وعندما تحل المعادلة بعدها، ستجد أن الأشياء تتغير بسرعة كبيرة جدا، ولكن ليس بسرعة لا نهائية.
وهكذا، فإن ما يَجّدُ علماء الكونيات في العمل عليه اليوم، هو أمكانية توسعة نظرية آينشتاين في الجاذبية، لتشمل نظرية الكم، التي بوسعها أن تقدم وصفا أكثر دقة للبداية الظاهرة للكون. وليس هناك اتفاق على كيفية القيام بذلك: هذا الأمر هو على حافة الأبحاث الحالية تماما. لقد تنبأ بعض المنظرين بأن الكون ليس له بداية على الإطلاق، ولكنك إذا ما تتبعته في الماضي، فإنه سيرتد في نهاية الأمر، مثل الكرة تقريبا، إلى حالة سابقة كان منقبضاً فيها. وربما كان الكون يعمل بشكل دوري –ينقبض ثم يتمدد ثم ينقبض مرة أخرى- أو ربما كان يرتد نحو التمدد مرة واحدة فقط ثم يستمر في التمدد إلى الأبد. الاحتمال الآخر، هو أن يكون الكون قد بدأ في حالة ما من الثبات غير مثيرة للاهتمام، ثم بدأ في التمدد نتيجة لتأثير التقلبات الكمومية. إذن، هناك بداية للتمدد، في هذه السيناريو، ولكنه ليس من الضروري أن تكون للكون نفسه بداية.
الكون المتضخم
هناك أيضا احتمالات أخرى أكثر غرابة بكثير ظهرت للعيان خلال العقد الماضي، وهي عادة ما ترتبط بفكرة الكون المتعدد (multiverse). ربما كان عالمنا واحد من عدة عوالم ممكنة. أو، بتحديد أكبر: ربما كان الجزء الخاص بنا من الكون يعمل بشكل مختلف عن الأجزاء الأخرى من الكون. تخيل كونا يتمدد بطرق متعددة وفي أماكن متعددة. وأنه بارد نوعا ما في بعض الأماكن، مثل الأماكن التي نحيا فيها، ولكنه ربما كان أكثر حرارة في مناطق أخرى. وربما كان في حالة انقباض عوضا عن التمدد. إذا كان الكون لا نهائي، فلن يكون هناك حد لكم تنوع الاحتمالات.
يوحي التضخم بأن كل الجزء الظاهر لنا من الكون اليوم (يبلغ نصف قطره حوالي 3 × 1027 ) قد تمدد من منطقة كانت يوما ما صغيرة بما يكفي لكي تنتقل الإشارات الضوئية عبرها (3 × 10-25 في زمن يبلغ 1035 ثانية). لو لم يحدث التضخم، لكان معدل التمدد صغيرا جدا بحيث لا يسمح بحدوث ذلك. وهذا يعني أنه كان على الجزء الظاهر من الكون أن يتمدد من منطقة أكبر من أن تتمكن معها الإشارات الضوئية من خلق خواص مشابهة في أجزاء مختلفة من الكون الظاهر اليوم كما ندركه.
لقد ظهر هذا النوع من السيناريوهات عن نظرية تسمى نظرية الكون المتضخم (inflationary universe)، التي تفسر على نحو ملائم كثيرا من الخواص التي ندرك اتسام الجزء الظاهر من كوننا بها. تقضي هذه النظرية بأنه في الزمن الماضي السحيق جدا كانت هناك فترة زمنية قصيرة تسارع فيها تمدد الكون. وهذا يؤدي إلى معدل تمدد مقارب جدا للمعدل الذي نشهده اليوم، كما أنها تميل إلى الجزم في تنبؤاتها بشأن التقلبات الصغيرة والتغيرات في الكثافة ودرجة الحرارة التي يجب أن ندركها اليوم، والتي تحول بعضها إلى مجرات ونجوم. يمكننا فحص هذه النظرية بواسطة ما ترصده الأقمار الصناعية، وقد اجتازت كل الاختبارات التي أجريناها عليها حتى الآن؛ هناك توافق جيد جدا بين المشاهدات والنظرية.
بين هذا الرسم البياني التوافق الجيد بين تنبؤات نظرية التضخم والمشاهدات. إن مقدار التغيرات في درجة الحرارة في إشعاع الخلفية (background radiation) من الكون القديم مرسوم عاموديا في مقابل العزم متعدد الأقطاب (multipole moment)، الذي يتعلق بالفاصلة الزاوية (angular separation) في السماء –إننا ننتقل من فواصل زاوية كبيرة إلى أخرى صغيرة أثناء انتقالنا من اليسار إلى اليمين على امتداد المحور، وتقع الذروة بالقرب من درجة واحدة). ويمثل الخط الصلب تنبؤا أبسط نموذج للتضخم، أما نقاط البيانات فهي من الأقمار الصناعية والتجارب على الأرض.
إلا أن هناك توسعة لنظرية التضخم أكثر إثارة للجدل. إذ انها ترى وجوب تأثير الدفقة الأولى من التمدد المتسارع على الأجزاء المختلفة من الكون بطرق مختلفة. فإذا استطعنا رؤية الكون على بعد كاف، فسوف ننتهي إلى رؤية مناطق ذات كثافة مختلفة، مع بنية مختلفة عما نشاهده في جوارنا (يبلغ حجم جوارنا نحو 14 بليون سنة ضوئية) نتجت عن التمدد المتسارع للجزء الخاص بنا من الكون.
العوالم الفقاعية المتعددة
الحيثية التالية لنظرية التضخم، والتي اكتشفها علماء الكونيات، هي أن الاندفاع المبكر للتمدد يستطيع أن يصير دائما ذاتيا في كل قطعة من الكون. وهكذا، فإن كل قطعة ستندفع، وستحتوي في داخلها على قطعة أخرى ستندفع هي الأخرى مجددا. الأمر أشبه برغوة من الفقاقيع تصنع كل فقاعة فيها مزيدا من الفقاقيع التي تتمدد بدورها. يجب عليك أن تتصور كل فقاعة في الرغوة وكأنها الجزء الظاهر اليوم من كوننا كله. ولو استطعنا النظر إلى خارج الفقاعة، فسوف نتمكن من النظر إلى داخل فقاعة أخرى من الرغوة حيث الظروف مختلفة.
عوالم متعددة فقاعية متمددة.
ومن الأمور المذهلة عن عملية توليد الفقاعات هذه، هو أنها عملية ليست بحاجة إلى بداية أو نهاية، ومن المؤكد تقريبا أنها بلا بداية. في الواقع، إن المعادلات التي تصف ذلك تتوقع أنه لايوجد نهاية، ويكاد يكون من المؤكد أنه لايوجد بداية. إلا أن كل فقاعة بمفردها، مثل تلك التي نوجد بها لها بداية، وربما كانت لها نهاية أيضا. وفجأة، صار للسؤال عما إذا كانت للكون بداية إجابة أكثر تعقيدا نوعا ما. إن الأمر أشبه بطول عمر الجنس البشري؛ لكل فرد طول عمر منتهٍ محدد، لكن عمر الجنس ككل هو أكبر بكثير. إذن، فالإمكانية الجديدة التي نشأت، هي أن ربما صار الكون مختلفا جدا إذا نظرنا إليه من مقياس على فدر كاف من الكبر، وأن تاريخه معقد جدا. قبل البداية الظاهرة للجزء الخاص بنا من الكون، كان لا بد من وجود "رغوة" كمومية لا تحتوي فقاعتنا، لكنها احتوت كثير من الفقاعات الأخرى، التي ربما كانت مختلفة جدا في بنيتها.
أعتقدُ أن نظرية الكون المتضخم تنطوي على جزء كبير من الحقيقة، لأن تنبؤاتها كانت على قدر فائق من التوافق مع مشاهداتنا. ولذلك فإنه لدينا ثقة في أن الجزء الخاص بنا من الكون قد مر باندفاع التمدد هذا.
فقاعتنا
توضح هذه المحاكاة الحاسوبية الطبيعة المستدامة للتضخم. ويوضح تشكيل التل في مستهل المحاكاة بدايةَ التضخم. بعد فترة من الوقت، تتشكل قمم فردية على قمة التل الأول، وبعد ذلك، تنمو على هذه القمم نفسها مزيد من القمم، وهلم جرا، توضيحا لكيفية تشكل فقاعات التضخيم من داخل فقاعات التضخيم. Simulation courtesy Andrei Linde.
تتنبأ نظرية فقاعة الكون بأن الفقاعات المتضخمة ربما كانت مختلفة جدا عن بعضها البعض، وهناك فقط بعض الفقاعات التي من المحتمل أن نتمكن من التواجد فيها. على سبيل المثال، تلك التي تستمر لثانية واحدة فقط، لا تصلح؛ لا يمكننا أن نتواجد إلا في فقاعة معمّرة تدوم لعشرة مليارات سنة على الأقل لتصير كبيرة حقا. وذلك لأن هناك حاجة للوقت من أجل تشكيل النجوم، وللنجوم من أجل توفير عناصر مثل الكربون والنيتروجين والأكسجين لكي تُمكّن الأشياء المعقدة كالحياة من التطور. يجب أن نكون في فقاعة كبيرة باردة وقديمة نوعا ما.
هنالك مشكلة مثيرة بلا حل، وهي العمل على استخراج احتمالات الحصول على فقاعات ذات خصائص معينة. فما هو احتمال أن تحصل على فقاعة قديمة وكبيرة من النوع الذي تحتاجه للحياة؟ هل هو أمر غير وارد بشكل غريب، أم أنه محتمل إلى حد ما فعلا، أو أنه أمر بين هذا وذاك؟ هذه واحدة من تلك المشاكل التي نأمل في أن تُحَل قريبا. في الحقيقة، إن صياغة الاحتمالية في هذا الوضع الكوني، هي مشكلة رياضية.
بصفته مختص في علم الكونيات، ما الذي يود بارو معرفته عن الكون؟
لقد اكتشفنا، منذ بضع سنين، أن تمدد الكون اليوم يتسارع. وهذه هي الطريقة التي كان سيتصرف بها خلال الاندفاعة المبكرة للتضخم. يبدو الأمر وكأن الكون يتضخم مرة أخرى تقريبا. فالاندفاعة الحالية للتسريع قد بدأت قبل نحو 4.5 بليون سنة، بالتزامن مع نفس وقت تشكل نظامنا الشمسي. ومن حسن الحظ أن التسارع لم يبدأ أبكر من ذلك، وإلا لما كانت هناك أي نجوم أو مجرات، لأنها لا تستطيع أن تتكاثف من الكون المتمدد ما أن يبدأ التسريع؛ المادة تنفصل بسرعة تفوق قدرة الجاذبية على إعادة سحبها في كتل.
إذن، فالألغاز الكبرى هي، لماذا بدأ تمدد الكون بالتسارع في ذلك الوقت، وما هو شكل الطاقة التي تعرف بالطاقة المظلمة، والمسؤولة عن التسارع؟ إنها شكل من أشكال الطاقة ذو تأثير ثقالة تنافرية. وهذا يحدث بوضوح في الكون اليوم، ولكننا لا نعرف أي شيء عن الهوية الحقيقية لهذه الطاقة المظلمة، ولماذا بدأ دورها في وقت متأخر من تاريخ الكون. إن كانت هذه الطاقة ستبقى موجودة دائما، فإن تمدد الكون سوف يستمر في التسارع إلى الأبد. ولن يرتد الكون أبدا مرة أخرى إلى حالة من الإنهيار الكبير، بل سيبقى مستمرا في التبريد، وسيصبح مملا أكثر وأكثر، وفي نهاية الأمر سيموت كل شيء. لذلك، يعتبر تعريف هذه الطاقة المظلمة نقطة حاسمة تماما في فهمنا لمستقبل الكون. إنها فجوة كبيرة في فهمنا، لأن 72٪ من الطاقة في الكون هي طاقة مظلمة. وتتألف البقية من 4٪ من المادة العادية، والمادة التي صنعنا منها، وتلك التي صنعت منها النجوم اللامعة. أما الـ 24٪ المتبقية فهي ما يسمى المادة المظلمة: وهي تتألف من النجوم التي لا تلمع في الظلام، وربما من جسيمات أولية من مثل الجزيئات المحايدة (neutrinos). إن المادة المظلمة لغز، ولكنها ليست غامضة مثل الطاقة المظلمة. وبينما نأمل في أن يساعدنا مصادم هادرون الكبير في سيرن على تحديد الجسيمات التي تتألف منها المادة المظلمة، إلا أننا نفتقر إلى أي تصورات جيدة عن الطاقة المظلمة.
الفقاعات الأخرى
هناك سؤال آخر مثير للاهتمام، وهو كيف يمكننا على اختبار ما إذا كانت كل الفقاعات الأخرى موجودة. فنحن لا نستطيع رؤيتها، لأنها تقع وراء الأفق المرئي من الكون على بعد 14 مليار سنة ضوئية. هذا سؤال فلسفي مماثل تقريبا لسيناريو من الخيال العلمي. بما أننا لا نستطيع رؤية فقاعات أخرى، فهل ينبغي أن نسمح لها بأن تكون جزءا من تصورنا للكون على الإطلاق؟ في ثلاثينيات القرن العشرين كان هنالك جدل كبير حول ما إذا كان من الواجب أن تستند فلسفة العلم إلى التحقق: أي أنك تتنبأ بشيء ما، ثم تجري تجربة لاختبار ما إذا كنت قادرا على التحقق من تنبؤك ومن النظرية. وسرعان ما فقدت هذه المقاربة حظوتها: إذا تنبأت نظريتك بأن كل التفاح أخضر، ولم تجد إلا تفاحا أخضرا، فإن هذا لا يثبت صحة نظريتك. فربما كان هناك تفسير آخر ما مختلف تماما عن نظريتك، إذ لماذا يبدو كل التفاح أخضر، أو ربما أنك لم تعثر على تفاح أحمر بعد. عوضا عن ذلك، يركز الفلاسفة أمثال كارل بوبر على النقض؛ إذا نقضت نظريتك، أي إذا وجدت تفاحة حمراء فسيمكنك حينها إلغائها حتما، وربما كان بوسعك إلغاء نظريات أخرى كثيرة كذلك.
ليس بوسعنا التحقق من وجود فقاعات أخرى، ولكن ربما ما زال بوسعنا أن ننقض النظرية. وإذا كانت هناك فقاعات أخرى، فربما كانت هناك ميزة معينة يمكن إدراكها، هي نفس الميزة في كل فقاعة. وبالتالي، إن لم ندرك هذه الميزة في فقاعتنا، فستُنقَض النظرية. وعليه، فحتى لو لم نستطع رؤية فقاعات أخرى، فما زال من الممكن تصور أننا نستطيع اختبار نظريتنا، لأنها قد تخبرنا شيئا ما عن كل الفقاعات. وربما كان هذا أفضل ما يمكننا أن نأمل به.
عن المؤلف
جون دي. بارو، هو مختص في علم الكونيات ويعمل على تاريخ الكون المبكر وبُنيته الضخمة، لدى جامعة كامبردج. وقد ألف مجموعة من كتب العلوم الشعبية، وهو مدير مشروع رياضيات الألفية، الذي تشارك فيه مجلة Plus.
https://nasainarabic.net/education/articles/view/what-happened-big-bang
خاص ب المنتدي العربي للدفاع والنسليح