هل للضوء وزن؟ يعتقد نيوتن ذلك، فقد دعم النظرية الجسيمية للضوء (corpuscular theory of light)، حيث اعتبره مكوناً من جسيمات صغيرة جداً، لكن لها وزنٌ محدود. استنتج نيوتن أن مثل هذه الجسيمات ستتأثر بحقل الجاذبية. إذاً، وباستخدام قوانين الحركة، نستطيع حساب مقدار حرف الجاذبية لشعاع ضوئي.
المسارات المنحنية
إنها حقيقة مفاجئة تلك التي تقول أنّ حركة جسم ما حول جسم آخر فائق الكتلة كالشمس ستكون مستقلة عن كتلة الجسم. وبالنظر إلى قوانين نيوتن، ستكون تلك الحركة خاضعة للمعادلة التالية:
ma=GMmr2
رسم توضيحي للمسارات الخاصة بالكويكب.
حيث m هي كتلة الجسم، وa قيمة التسارع، وM كتلة الشمس، وr المسافة (تُقاس هذه المسافة بين مركزي الشمس والجسم)، وG ثابت الجاذبية العام لنيوتن. يُمكننا اختصار الكتلة m من جانبي المعادلة، ومن ثمَّ لا تعتمد حركة الجسم على كتلته.
دعنا نبدأ بافتراض وجود كويكب يقترب من الشمس انطلاقاً من مسافة بعيدة جداً. وبالاعتماد على قوانين نيوتن، نستنتج أنه باستطاعتنا القول أنّه إذا كانت الطاقة الحركية للكويكب صغيرة، فإنه سيُؤسر من قبل جاذبية الشمس وسيتحرك على مدارٍ إهليجي حولها، ليعود دوماً إلى نقطة انطلق منها.
سنفترض أن هذا الكويكب يقترب من الشمس بطاقة عالية، ولذلك سيخضع لمدارٍ على شكل قطع مكافئ، ليعبر بالقرب من الشمس، ولا يعود أبداً. يتمتع هذا المدار بالمعادلة التالية:
x2a2−y2b2=1
حيث x وy الإحداثيات التي تُشير إلى موقع الكويكب في المستوي الذي يحتوي مساره (المدار الذي يأخذ شكل قطع مكافئ) والشمس. الأعداد الحقيقية a وb تُعرف بالمحورين الرئيسي والثانوي، وتُعرف هذه القيم شكل القطع المكافئ.
عندما يكون الكويكب بعيداً عن الشمس، سيتحرك بسرعة V على طول المسار القريب جداً من المستقيم (الخط المقارب للقطع المكافئ) كما هو موضح على شكل خط أفقي في الصورة إلى اليسار.
مسار الكويكب أثناء عبوره بالشمس.
سنرمز إلى المسافات الأقصر بـ R أي البعد عن الخط الأفقي المار بالشمس. وستكون الطاقة الحركية للكويكب (لواحدة الكتلة) معطاة بالصيغة المألوفة التالية:E=12V2
كمية الحركة الزاوية هي كمية الحركة الخطية mV مضروبة بالمسافة العمودية عن الشمس R. وعندما يكون الكويكب موجود عند مسافة بعيدة عن الشمس، ستكون القيمة L=RmV، أو لواحدة الكتلة كالتالي: L=RV.
مع اقتراب الكويكب من الشمس، ينحني مساره جراء الحقل الثقالي للشمس، ويتغير كلٌ من سرعته وكمية حركته، لكن كمية حركته الزاوية تبقى محفوظة. يُمكن التعبير عن الكميات E وL بدلالة بارامترات هندسية، والمحاور الرئيسية والثانوية a وb للمدار ذو الشكل القطع المكافئ:
L2=GMb2a
و
E=GM2a
يُمكننا استخدام تلك التعابير لاستنتاج مقدار الانحراف في مسار الكويكب والناجم عن الشمس، أي الزاوية (β) في الشكل في الأعلى. وبالاعتماد على هندسة القطع المكافئ، ستكون زاوية النصف (α) لمدار ذو الشكل القطع المكافئ معطاة بالعلاقة:
tanα=ba
يُمكننا الآن أن نُعيد ترتيب المعادلات ونجمعها معاً لنجد العلاقة التالية:
tanα=ba=RV2GM
ونجد أن زاوية الانحراف β=π−2α، ووصلنا إلى تلك القيمة بفضل المتطابقة المثلثية التالية tan(π/2−θ)=cot(θ)=1/tan(θ)
tan(β2)=1tanα
ويُمكننا كتابة العلاقة السابقة بالشكل التالي:
tan(β2)=ab=GMRV2
نعرف أن (ظل) الزوايا الصغيرة مساوٍ تقريباً للزاوية نفسها. ولأن (β2) صغيرة جداً، يُمكننا استبدالها بالظل، ليكون لدينا
β=2GMRV2
الآن أصبح لدينا صيغة لانحراف الكويكب جراء قوة جاذبية الشمس.
لاحظ أن كتلة الكويكب لا تؤثر على مساره أبداً. وزاوية الانحراف (β) هي نفسها بالنسبة لكل الأجسام التي تملك نفس قيم R وV. حسناً، إذا ما كان للضوء كتلة كما اعتقد نيوتن، ولدينا V=c وهي سرعة الضوء، يُمكننا حينها أن نستخلص مقدار انحراف أشعة الضوء عن الشمس:
β=2GMRc2
وبافتراض أن شعاع الضوء يمر قريباً من الشمس، يُمكننا اعتبار أن R هي نصف قطر الشمس. وباستخدام جملة الواحدات الدولية حيث: G=6.67∗10−11، وكتلة الشمس M=2∗1030، ونصف قطرها R=7∗108 وسرعة الضوء هي c=3∗108، نجد أن:
β≈0.423×10−5radians=0.87arc seconds
ولذلك فإن نظرية نيوتن في الجاذبية تتنبأ أن مسار الضوء المار بالقرب من الشمس سينحني بزاوية تصل إلى 0.87 ثانية قوسية.
وضع الأمر تحت الاختبار
أكّدت سلسلة من الأرصاد التي تمّ إجراؤها في مايو/أيار عام 1919 أن الضوء المار بالقرب من الشمس ينحرف جراء جاذبية الأخيرة. ونتيجةً لذلك، يظهر نجمٌ، يكون قريباً من حافة الشمس، أبعد بقليل في السماء عن الشمس مقارنةً مع الموقع الذي سيحتله لو كانت الشمس غير موجودة.
هذا المفعول قابل لرصد أثناء الكسوف الكلي، إذ يُقارن مُصوري السماء الصور الخاصة بالمنطقة نفسها عندما كانت الشمس موجودة فيها، وبين تلك عند الكسوف الكلي، وبذلك يُمكننا معرفة الاختلاف في الموقع الظاهري للنجوم.
المسار الفعلي للضوء القادم من نجم بعيد أثناء انحنائه جراء المرور بالقرب من الشمس.
اكتشف ألبرت اينشتاين النسبية العامة، وتنبأت نظريتها أيضاً أن الشمس ستحرف مسار الضوء. ووفقاً لذلك وعندما كانت نظريته غير مقبولة من قبل قطاع واسع، فإن تشوه الزمكان جراء وجود الشمس فائقة الكتلة يُعطي زاوية انحراف هي:
β=4GMRc2≈0.847×10−5radians=1.75arc seconds
وهي ضعف قيمة الانحراف القادمة من قوانين نيوتن. وعلى الرغم من كونها زاوية صغيرة، إلا أنه كان بالإمكان قياسها بالتقنيات الموجودة في مجال علم الفلك في تلك الفترة، وجُهز المسرح لاختبار النظريتين.
مضت بعثتان من بريطانيا إحداهما إلى جريرة برانسيب في افريقيا، والأخرى إلى سوبرال في شمال البرازيل لرصد مسار الكسوف الكلي. وصف السير ارثر ادنيغتون، الذي كان موجوداً في البعثة السابقة، تلك المراقبات والاستنتاجات (يُمكنك القراءة عنها في هذا الرابط).
أعطت مراقبات جزيرة برانسيب قيمة للانحراف وصلت إلى 1.61 +/- 0.3 ثانية قوسية لتتوافق بشكلٍ ممتاز مع تنبؤ اينشتاين، وقدّمت نتائج سوبرال تأكيداً أقوى.
لا يُمكن التوفيق بين نتائج برانسيب وسوبرال وبين نظرية نيوتن، وتبع ذلك ثورة علمية. وقذفت تلك التجربة باينشتاين إلى عالم الشهرة، ولا يزال منذ ذلك الوقت أيقونة العلوم.
رسم توضيحي لحملة تغطية الكسوف الحاصل في لندن في 22 نوفمبر. London News
https://nasainarabic.net/education/articles/view/cam-light-weight
خاص ب المنتدي العربي للدفاع والتسليح