البرنامج النووي الخليجي
في الوقت الذي تشير فيه كافة التقارير والمؤشرات الدولية إلى أن المستقبل سينتقل شيئاً فشيئاً من النفط إلى الطاقة النووية أعلنت دول (مجلس التعاون الخليجي) من خلال القمة التي عقدت في ديسمبر من العام الماضى بمدينة الرياض عن عزمها دخول النادي النووي الدولي بامتلاك التكنولوجيا النووية من أجل استخدامها في الأغراض السلمية، وبخاصة في مجالي إنتاج الطاقة الكهربائية، وتحلية المياه، بالإضافة إلى الاستخدامات الأخرى . وكانت دول عربية أخرى قد سبقتها إلى هذا الخيار فى ظل تصالح دول العالم مع الطاقة النووية والاتجاه بقوة إلى علومها باعتبارها هي البديل الوحيد للنفط كمصدر اقتصادي مهم للتنمية بميادينها المختلفة ، فهل يكتب للبرنامج النووي الخليجي النجاح ؛ ويتحول من نطاق التمنيات إلى أرض الواقع ؟ هذا ما نحاول الإجابة عليه في هذه المقالة من خلال استعراض الأجندة العربية، ومسألة الطاقة النووية، ورصد الموقف الإسرائيلي من المشروعات النووية العربية ، وبيان الأبعاد الاقتصادية، والسياسية، والعسكرية لهذه البرامج.
الأجندة العربية والطاقة النووية
تغيرت الأجندة العربية كثيراً في الآونة الأخيرة، فقد أعلنت عدة دول عن عزمها امتلاك الطاقة النووية للاستخدامات السلمية خصوصاً وأن هذه التقنية أصبحت تمثل طموحاً دوليا، فقد أعلنت مصر عام 2002م عن مشروع إنشاء محطة للطاقة النووية السلمية في غضون ثمانية أعوام، مما يعنى توفير محطة حقيقية وليست تجريبية مثل المفاعلين الموجودين لديها، وهو ما تم وصفه بأنه نقلة نوعية هامة في طريق البرنامج النووي المصري، وعقب انتهاء أعمال المؤتمر السنوي الرابع للحزب الوطني الديمقراطي تم الإعلان عن استئناف مصر جهودها لاستثمار الطاقة النووية في الأغراض السلمية(1).
كما أن الأردن يرنو إلى إمتلاك الطاقة النووية للأغراض السلمية، حيث لمّح العاهل الأردني الملك( عبدالله الثاني) إلى هذا الاتجاه، على رغم تحذيره من مغبة حدوث سباق تسلح في المنطقة . إضافة إلى رغبة الرئيس اليمني( علي عبدالله صالح) في ذلك عبر إشارات تأييد لقرار القمة الخليجية التي عقدت في ديسمبر 2006م والداعي إلى إقامة برنامج خليجي مشترك بين دول المجلس في مجال الطاقة النووية(2).
وفي مطلع العام الماضي تحدث وزير الطاقة الجزائري لأول مرة عن الإعداد لمشروع قانون نووي بشأن استخدام الطاقة النووية لأغراض مدنية،
وعلى الصعيد العملي وقعت الجزائر اتفاقاً مع روسيا في يناير 2007م، بشأن التعاون النووي المحتمل. وفي ظل التحسن في العلاقات الليبية الأمريكية أعلنت مصادر رسمية في طرابلس أن ليبيا ستوقع مع الولايات المتحدة إتفاقية تعاون في مجال الاستخدامات السلمية للطاقة النووية تهدف إلى إنشاء محطة نووية في ليبيا لإنتاج الكهرباء ، ويعتبر المغرب ضمن (24) دولة أبرمت تعاون نووي مدني مع واشنطن، حيث من المنتظر تشغيل مفاعل المعمورة (إحدى ضواحي مدينة الرباط)، والذي صنعته شركة أمريكية في إطار إتفاق أُبرم سنة 1980م بين المغرب والولايات المتحدة .
بالإضافة إلى الحالات سالفة الذكر، فقد أعربت العديد من الدول العربية الأخرى عن اهتمامها بالتكنولوجيا النووية، مثل تونس والسودان، فقد أعلنت تونس في العام الماضي عن خططٍ لبناء أول محطة للطاقة النووية بحلول عام 2020م، وفيما يتعلق بسوريا فقد حاولت الحصول على مزيد من المفاعلات البحثية من روسيا إلا أن هذه المحاولات فشلت بسبب الملاحقة الأمريكية لكل الاتفاقات التي أبرمتها مع دول أخرى في هذا الشأن(3).
ومما يدعم هذا الاتجاه ما أكدته القمة العربية في ختام أعمالها بمدينة الرياض في 2007/3/29 المجتمع ، عن أن الاستخدامات السلمية للطاقة النووية هو حق أصيل للدول الأعضاء في معاهدة منع الانتشار النووي، وغيرها من المعاهدات والأنظمة ذات الصلة ، وبصفة خاصة النظام الأساسي للوكالة الدولية للطاقة الذرية ، ودعت القمة الدول العربية إلى الشروع في التوسع باستخدام التقنيات النووية السلمية في كافة المجالات التي تخدم التنمية المستدامة، ,والأخذ في الاعتبار الحاجات المتنوعة لمختلف الدول العربية ، مع الالتزام بكافة المعاهدات والاتفاقيات والأنظمة الدولية التي وقعتها هذه الدول ، ومن أجل ذلك دعت إلى إتخاذ كافة الإجراءات التنفيذية، ومن بينها إنشاء هيئات ومؤسسات تعنى بالاستخدام السلمي للطاقة النووية في كل دولة عربية، وإنشاء هيئات رقابية وطنية مستقلة تعنى بمراقبة استخدام الطاقة النووية في الدولة، كما تعنى بواردات وصادرات الدولة من المواد والأجهزة المشعة؛ وذلك بهدف تأمين السلامة النووية في الدولة، ولمزيدٍ من الشفافية أمام المؤسسات الدولية والمجتمع الدولي، وتدريس العلوم والتقنيات النووية في الجامعات العربية بغية تأمين الخبرات المتخصصة في هذا الميدان الحيوي، وإنشاء المفاعلات النووية لأغراض البحث العلمي والتوسع في استخدامها في عملية التدريس، والبحث العلمي، والأنشطة الاقتصادية، والصحية، وإنشاء شبكات للرصد المبكر للتلوث الإشعاعي، ووضع خطط الطوارئ الوطنية لمواجهة الحوادث الإشعاعية والنووية، ودعم المنظمة العربية للطاقة الذرية كأداة للعمل العربي المشترك في هذا الميدان، ودعوة الدول العربية التي لم تنه إجراءات الانضمام إلى عضويتها إلى إنهاء هذه الإجراءات بالسرعة المطلوبة، لما في ذلك من دعم لهذه الدول، وللعمل العربي المشترك في هذا الميدان، وكذلك الطلب من الهيئة الدولية للطاقة الذرية وضع إستراتيجية خاصة لامتلاك العلوم والتقنيات النووية للأغراض السلمية حتى عام 2020م (4).
وفي سباق التوجه العربي لاستغلال الطاقة النووية في الأغراض
وفي سباق التوجه العربي لاستغلال الطاقة النووية في الأغراض السلمية، دعا الخبراء العرب الذين يمثلون الوزارات المعنية بشؤون الكهرباء ، وهيئات الطاقة النووية في ختام اجتماعاتهم في تونس 2007/7/5 المجتمع بمقر الهيئة العربية للطاقة النووية، دعوا الدول العربية التي لم تنشئ المؤسسات الوطنية المعنية بالطاقة الذرية إلى الشروع في اتخاذ الخطوات الضرورية لإنشائها، لما في ذلك من تأثير في تنمية الموارد البشرية القادرة على القيام بالتطبيقات النووية السلمية في شتى الميادين الاقتصادية ، وإلى استصدار القوانين الوطنية للأمان النووى والوقاية الإشعاعية، وتضمنت توصياتهم ضرورة توظيف التقنية النووية في مشاريع وطنية إنطلاقاً من المنافع الاقتصادية لكل دولة وحاجة التنمية فيها. ودرس الخبراء إنشاء محطات توليد الكهرباء بالطاقة النووية، ودعم الجهود العربية المتعلقة بهذا الخيار(5).
وهكذا تغيرت الأجندة العربية بعد أن توقف مسار البرامج النووية في المنطقة عن حدود إمتلاك البرامج البحثية المحدودة التي تستند على مفاعلات صغيرة، وأغراض طبية وصناعية وزراعية معتادة بعيداً عن توليد الكهرباء وتحلية المياه، حيث لم يوجد في المنطقة سوى مفاعلات نووية تتراوح طاقاتها بين (2) ميجاوات، و (22) ميجاوات، وهي: مفاعلات إنشاص الأول في مصر، وناحاك سوريك في إسرائيل، وأصفهان في إيران، وتاجور في ليبيا، وعين وزار في الجزائر، وأنشاص الثاني في مصر، ومرافق محدودة في دول أخرى ، فإن هذه التطورات المعلنة تشكل انطلاقة واسعة في اتجاه إمتلاك عدة دول في المنطقة برامج نووية مدنية قوية قد يحدث تحولاً حقيقاً في شكل الإقليم، سواء فيما يتعلق بإعادة تعريف القوى المحورية فيه ، أو هياكلها الاقتصادية، أو تطورها التكنولوجي، وربما علاقاتها البيْنيّة . والأهم هو تلك التطورات التي ستكون لها آثار إستراتيجية هامة قد تفتح الباب للتفكير بصورة مختلفة في كيفية التعامل مع القضايا النووية المعلقة، ليس عبر ما تتضمنه تلك التطورات من احتمالات عسكرية، وإنما ما تضغط في إتجاهه بشأن إعادة ترتيب الأوضاع النووية بين الدول على نحو يضمن استقراراً إقليمياً من نوع ما(6).
الموقف الإسرائيلي من الخيار النووي العربي
قامت إسرائيل بعدة إجراءات استهدفت إجهاض وتدمير أي محاولة عربية لتحقيق أي تقدم في المجال النووي أو في مجال الصواريخ ، وتضمنت هذه الإجراءات أساليب سياسية، ودبلوماسية ، ومخابراتية، وعسكرية، منها7).
أ بدأت مصر في أوائل الستينيات بمشروع لتطوير صواريخ أرض أرض ( القاهر الظافر ) عمل فيه عدد من العلماء الألمان ، فشنت إسرائيل حملة سياسية على المستشار الألماني ( أديناور) واتهمته بمعاداة السامية ، ونفذت المخابرات الإسرائيلية خطة لإرهاب العلماء الألمان في مصر ، وكذلك أسرهم بإرسال خطابات ناسفة أصابت عدداً منهم ، كما اختفى في ظروف غامضة عالم ألماني هو الدكتور (كروج) أحد كبار العاملين في المشروع .
ب عندما وافق الرئيس الأمريكي( ريتشارد نيكسون) عام 1974م على بيع مفاعل نووي أمريكي لمصر لتوليد الطاقة الكهربائية طلبت إسرائيل مفاعلاً مماثلاً . وتم التوقيع على الصفقْتين في أغسطس عام 1976م إلا أن إسرائيل بدأت في إثارة المشاكل إلى أن تم تجميد الصفقتين .
ج في نهاية العام 1976م وقع العراق اتفاقاً مع فرنسا لتزويده بمفاعلين نوويين، فبدأت إسرائيل مساعيها لنسف الاتفاق، واستمرت فرنسا في تصنيع المفاعلين ، وعندما لم تحقق الإجراءات السياسية الهدف الإسرائيلي قام الموساد بعملية نسف لقلبي المفاعلين في مخازن ميناء طولون الفرنسي، ثم التدخل بعمل عنيف مباشر بتدمير المفاعل النووي العراقي في 7 يونيو 1981م .
د ابتزاز الشركات الأجنبية وتهديدها، والضغط عليها لوقف تعاملها مع الدول العربية في المجالات الإستراتيجية، مثلما حدث مع شركة ( جلف أند جنرال أوتو ميكز ) الأمريكية التي تراجعت عن مساعدة ليبيا في بناء مفاعل نووي في ( سبها ) تحت تأثير الضغوط الأمريكية الحكومية والأوساط الصهيونية .
ه إرهاب واغتيال الكوادر العلمية والتقنية من العلماء العرب المرموقين في المجالات النووية . مثل اغتيال عالمة الذرة المصرية ( سميرة موسى ) في الولايات المتحدة عام 1952م ، وعالم الذرة المصري ( يحيى المشد ) في باريس في يونيو 1980م، والدكتور ( سعيد بدير ) عالم الميكروويف المصرى بمنزله بالإسكندرية في 14 يوليو عام 1989م ، وعالم الذرة المصري ( سمير نجيب) في ديترويت عام 1969م .
و الضغط على الدول الغربية المتقدمة لتحديد فرص طلاب العالم الثالث في الدراسات ذات الصفة الإستراتيجية، ورفض انضمام طلاب العالم الثالث لأقسام علمية بأكملها ، وهذا ما تتبعه بريطانيا، حيث ترفض التحاق أبناء دول العالم الثالث بالمستويات الدراسية الخاصة بتفريغ علماء الذرة والصواريخ .
ز التخريب من الداخل عن طريق تجنيد وزرع العلماء والجواسيس داخل المشروع . كما حدث في مشروع الصواريخ المصري في الستينيات بواسطة النازي السابق ( سكور تنسي ) مقابل إغلاق ملفّه النازي القديم، وكذلك تدمير مصنع الرابطة الليبي.
ح شنّ الحملات التشهيرية واسعة النطاق للتهويل من أي خطوة عربية مهما كانت متواضعة باتجاه الجهد النووي من القنبلة العربية، والقنبلة الإسلامية ، والقنبلة الإرهابية . والفوضى النووية .. إلخ ؛ من أجل تهيئة الرأي العام العالمي بقبول أي خطوة عنيفة موجهة لتحطيم الجهد العربي في هذا المجال .
وكانت قد أثيرت في نهاية عام 2004م حمْلة ضخمة حول برنامج نووي مصري سري لإنتاج الأسلحة النووية بزعم صحيفة (واشنطن بوست الأمريكية)، وهي الضجة التي اعتبرت ستاراً من الدخان على قضيتى البرنامج النووي الإسرائيلي، حيث ترفض إسرائيل التوقيع على معاهدة حظر الإنتشار، وبالتالي عدم إخضاع منشآتها النووية للرقابة، والقضية الأخرى محاولة إحراج مدير عام الوكالة الدولية للطاقة الذرية حتى لا يتم التجديد له بفترة ثالثة(8) .
الخليج والطاقة النووّية
بدأت دول الخليج العربي الحديث عن إمكانية الدخول إلى مجال الاستخدامات السلمية للطاقة النووية، وتضمن البيان الختامي للدورة السابعة والعشرين للمجلس الأعلى لمجلس التعاون لدول الخليج العربى الذى عقد في الرياض بالمملكة العربية السعودية في الفترة من 9 10 ديسمبر 2006م عدداً من البنود ذات الصلة بالمسألة النووية السلمية والعسكرية ، فقد حث إيران على الالتزام بالمعايير الدولية للأمن والسلامة وأن تراعي الجوانب البيئية في هذا الشأن وبالتعاون مع الوكالة الدولية للطاقة النووية، وطالب إسرائيل بالانضمام إلى معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية، وإخضاع كافة منشآتها النووية لنظام التفتيش الدولي التابع للوكالة، كما حث المجتمع الدولي بالضغط على إسرائيل لحملها على الاستجابة لمطالب المجتمع الدولي في هذا الشأن ، وأكد مجدداً على مطالبته بجعل منطقة الشرق الأوسط خالية من كافة أسلحة الدمار الشامل بما فيها منطقة الخليج، مع الإقرار بحق دول المنطقة في امتلاك الخبرة في مجال الطاقة النووية للأغراض السلمية، على أن يكون ذلك متاحاً للجميع في إطار الاتفاقيات الدولية ذات الصلة، ووجه المجلس الأعلى بإجراء دراسة مشتركة لدول المجلس لإيجاد برنامج مشترك في مجال التقنية النووية السلمية طبقاً للمعايير الدولية(9).
وتنفيذاً لهذا التوجه قام الأمين العام لمجلس التعاون في فبراير الماضي بزيارة إلى العاصمة النمساوية (فينّا) للتباحث مع المسؤولين في الوكالة الدولية للطاقة الذرية حول مشروع البرنامج النووي الخليجي، حيث التقى المدير العام للوكالة، ورئيس لجنة الحد من انتشار الأسلحة النووية، وعدد من المسؤولين، وأكد مدير عام الوكالة إستعداد الوكالة لتقديم المساعدات النقدية لإجراء دراسة الجدوى الأولية حول برنامج نووي سلمي مشترك، والمساهمة بالخبرات العلمية في إطار هذا المشروع تأكيداً على مبدأ الشفافية والاستخدامات السلمية وفقا لمعاهدة عدم إنتشار الأسلحة النووية والمعايير الدولية للأمن والسلامة والاتفاقيات الخاصة بالوكالة في هذا الشأن، كما استضافت الرياض في شهر أبريل الماضي مدير عام الوكالة الدولية، وتم التباحث حول الموضوعات المتعلقة بجدوى بناء المنشآت النووية وطبيعة استخداماتها السلمية(10).
وفي 2007/5/22م أنهى الفريق المكلف بمتابعة إعداد دراسة الجدوى الأولية للطاقة النووية للأغراض السلمية لدول المجلس إجتماعهم في الرياض مع وفد خبراء الوكالة الدولية للطاقة الذرية، وأعتبر نجاح هذا الإجتماع خطوة على طريق إنجاز الدراسة بالشكل الوافي، وفي إطار المدة الزمنية المطلوبة، الأمر الذي أُعتبر في نظر الأمين العام لمجلس التعاون خطوة هامة وحيوية في طريق تطوير وإمتلاك دول المجلس للتقنية النووية للاستخدام السلمي(11).
الطاقة النووية ومفاعلاتها
الطاقة هي قدرة المادة على إعطاء قويً قادرة على إنجاز عمل معين، وتنقسم الطاقة بحسب مصادرها إلى مصادر متجددة، وأخرى غير متجددة، فالمصادر المتجددة عبارة عن المصادر الناضبة ، أي التي ستنتهي مع الزمن لكثرة الاستخدام، وهي موجودة في الطبيعة بكميات محددة وغير متجددة ، وهي بالإضافة إلى ذلك ملوثة للبيئة، وتشكل (86%) من حاجة العالم بشكل عام من الطاقة . بينما تأتي النسبة الباقية من خلال المفاعلات النووية، وتقدر بنسبة (7.6%)، والمشاريع الكهرومائية بنسبة (6.7%)، ولا تساهم مصادر الطاقة المتجددة إلا ب (8، % ) من طاقة العالم . وتتكون المصادر غير المتجددة للطاقة من الوقود الأحفُوري، ويشمل النفط والغاز الطبيعي والفحم، ويعتبر النفط أهم مصادر الطاقة وأكثرها انتشاراً، ويساهم بنحو (38%) من إنتاج الطاقة العالمية ، نظرًا لسهولة نقله وتحويله الى مشتقات نفطية تتفاوت في الخصائص والاستخدام ، أما مصادر الطاقة المتجددة : فهي عبارة عن مصادر طبيعية دائمة وغير ناضبة ومتوفرة في الطبيعه ومتجددة باستمرار ما دامت الحياة قائمة، وتتميز بعّدهَ ميزات من بينها أنها تعتبر طاقة محلية وطبيعية متيسرة لكافة الأفراد والشعوب والدول بشكل وفير، وبخاصة في المناطق الأقل حظاً من التطور الحضاري، كما تعد سليمة من الناحية البيئية ولا تتسبب في إصدار غازات ضارة بطبقة الأوزون، أو تؤدي إلى ارتفاع درجة الحرارة كغاز ثاني أكسيد الكربون، وتناسب الإمكانيات البشرية والتقنية والاقتصادية للدول النامية، ومن أهم مصادر الطاقة المتجددة(12).
والطاقة النووية هي الطاقة التي تربط بين مكونات النواة (البروتونات والنيوترونات)، وهي تنتج عن تكسر تلك الرابطة وتؤدي إلى إنتاج طاقة حرارية كبيرة جداًَ، فقد بات واضحاً بعد الهجوم بالمتفجرات النووية على مدينتي (هيروشيما) و (نجازاكي) 1945م القدرة الهائلة للطاقة النووية ، ومن ثم اتجه التفكير بعد ذلك إلى إنشاء المفاعلات العملاقة وتطويعها لتطوير هذه الطاقة بما يسمح باستخدامها في المجالات الصناعية المدنية؛ لتحسين نمط حياة الإنسان، وتدعيم السلام الدولي، ويعود الاهتمام بالطاقة التى يولدها تفاعل الإنشطار النووي إلى بداية عقد الأربعينيات ، حيث بدأت الهند محاولاتها الأولى لتوليد الطاقة النووية منذ عام 1948م، وسبقت بذلك الكثير من الدول المتقدمة ، وبدأت الأرجنتين عصر إنتاج الطاقة عام 1949م . ومنذ عام 1945م وحتى عام 1953م كان الأمريكيون يعدون التقنية النووية سرًا يجب اخفاؤه حتى عن حلفائهم حتى تخلى الجنرال (ايزنهاور) عن ذلك عام 1953م، عندما طرح مشروعه (الذرة من أجل السلام). وخلال تلك المدة كانت المشروعات النووية الروسية والفرنسية تحت التنفيذ وفي طريقها إلى الانتهاء ، ومنذ ذلك الوقت أصبح من الصعب السيطرة على سرعة انتشار التقنية النووية ، حيث سمحت مبادرة ( الذرة من أجل السلام) بتقديم المساعدات النووية الأمريكية إلى جميع الدول التي كانت تقدم الوعد بجعل برامجها تحت السيطرة المستمرة ، وفي عام 1957م تأسست الوكالة الدولية للطاقة الذرية التى أُسند إليها مهمة المساعدة على تخطيط البرامج النووية والإشراف على تنفيذها(13).
وفي بداية السبعينيات دخلت الطاقة النووية حقْبة الاستغلال التجاري في شمال القارة الأمريكية ودول أوروبا الغربية، ولكنها بقيت بعيدة المنال لغالبية الدول النامية ، وحتى عام 1974م كان النجاح في إنشاء المفاعلات النووية في الدول النامية مقتصراً على الهند، والأرجنتين، وباكستان (14).
وحتى عام 1985م بلغ عدد المفاعلات النووية قيد الاستخدام في العالم (365) مفاعلاً، ارتفع عام 1990م إلى (419) مفاعلاً . ثم إلى (435) مفاعلا عام 1995م ، ثم إلى (436) مفاعلا عام 2000م ، ثم إلى (440) مفاعلاً . ومنذ عام 1950م حتى عام 2004م توقف عن العمل (118) مفاعلاً، وهناك (26) مفاعلا قيد البناء في الهند منذ عام 2004م (15)، وعلى الرغم من أن امتلاك القدرات النووية قد يؤدي إلى امتلاك السلاح النووي حال توفّر متطلبات تقنية وفنية عالية مع إرادة سياسية تطمح لامتلاكه فإن امتلاك هذه القدرات لم يؤدِ في كثير من الحالات إلى امتلاك السلاح النووي، فعلى سبيل المثال كانت نسبة الدول التي تمتلك أسلحة نووية إلى الدول التي امتلكت قدرات نووية في أوائل السبعينيات (1 : 8)، وفي الثمانينيات كان عدد الدول التي تمتلك قدرات نووية يصل إلى (65) دولة منها (30) دولة تمتلك مفاعلات قوى، بينما لم يزد عدد الدول التي تمتلك ترسانة نووية مُعلن عنها أو غير معلن على (12) دولة، واستمرت النسب التي تثبت ذلك على ما هي عليه حتى عندما دخلت دول جديدة إلى النادي النووي العسكري، الأمر الذي يثبت أن امتلاك القدرة النووية لا يعني صناعة أسلحة نووية، فالأمران مختلفان تماماً(16).
الأهمية الاقتصادية للطاقة النووية
تجدر الإشارة إلى أن الحديث عن الطاقة النووية يرتبط دائماً بالمفاعلات النووية باعتبارها الأجهزة المستخدمة في عملية الانشطار أو الاندماج النووي، والتحكم في إطلاق الطاقة الناتجة بحيث يمكن تجنب أية مخاطر ناجمة عن عملية الانشطار ، وتتعدّد أنواع هذه المفاعلات ومجالات استخداماتها، وفي الغالب تبدأ البرامج المتعلقة بهذه المفاعلات تحت الاستخدام السلمي للطاقة النووية بغرض تحقيق أهداف اقتصادية تتعلق بعملية التنمية في الدول التي تستخدمها ، ومن هذه الأهداف17)
1. توليد الطاقة الكهربائية اللازمة لمتطلبات النمو الصناعي والزراعي، وتلبية الحاجات المتزايدة للسكان في مجال الطاقة الكهربائية الرخيصة والنظيفة ، ومن المعروف أن الدول المتقدمة تكثف من استخداماتها للطاقة النووية في هذا الشأن، حيث تشير الإحصاءات إلى زيادة نسبة الطاقة الكهربائية باستخدام التقنية النووية من (9%) في الثمانينيات إلى حوالي (35%) في عام 2006م ، وذلك كنسبة من إجمالي الكهرباء المولدة من كافة المصادر .
2. تحلية مياه البحر بكميات كبيرة وبتكلفة منخفضة في الدول التي تعاني من نقص المياة العذبة اللازمة للتوسع الصناعي، والزراعي، والنمو السكاني .
3. تحضير النظائر المشعة لتلبية احتياجات أنشطة البحث العلمي في الجامعات، ومراكز البحث العلمي في كافة المجالات الطبية من تشخيص وعلاج للأمراض المختلفة، والمجالات الزراعية، وأبحاث الفضاء والأبحاث الجيولوجية بالإضافة إلى استخدامها في مجالات حفظ الطعام ، وسلامة البيئة .
4. تحقيق الأمان ومعايير الحفاظ على البيئة في مجال توليد الطاقة .
الأهمية العسكرية للطاقة النووية
غالباً ما تتطور البرامج النووية للدول من مجرد الاستخدام السلمى للطاقة في الأغراض الاقتصادية لتتحوّل إلى الاستخدامات العسكرية ، خاصة في ظل تزايد الأهمية العسكرية للطاقة النووية، وبالتحديد فيما يتعلق بقدرتها على رسم وتشكيل السياسات الاستراتيجية والدفاعية للدول في الوقت الراهن، وذلك بما يحقق من قوة الدفاع والردع ، فضْلاً عن أنها تحدد شكل السياسة الخارجية للدول ، وخاصة تجاه الدول النووية الأخرى وتجاه الدول التي بينها صراع عسكري ، ويمكن قراءة ذلك بوضوح في حالة إسرائيل فامتلاكها للقدرات النووية والأسلحة النووية ذات القدرات الهائلة جعلها القوة النووية الوحيدة في منطقة الشرق الأوسط ، الأمر الذي يحقق لها مجموعة من المزايا الاستراتيجية، من أهمها(18):
% الاخلال بالتوازن الاستراتيجي مع دول المنطقة على المدى البعيد لصالحها .
% دعم مواقفها السياسية والتفاوضية باستغلال ما يمثلة رصيد قوتها العسكرية من تقدم تكنولوجي .
% استخدام الخيار التقني كأحد الأدوات الفعالة في مجال استراتيجية الردع على المستوى العسكري .
% دفع الجانب العربي لإعادة حساباته إزاء حجم الضرر الذي قد يلحق به من جراء التقدم العسكري الإسرائيلي في حالة وجود نوايا هجومية عربية.
في الوقت الذي تشير فيه كافة التقارير والمؤشرات الدولية إلى أن المستقبل سينتقل شيئاً فشيئاً من النفط إلى الطاقة النووية أعلنت دول (مجلس التعاون الخليجي) من خلال القمة التي عقدت في ديسمبر من العام الماضى بمدينة الرياض عن عزمها دخول النادي النووي الدولي بامتلاك التكنولوجيا النووية من أجل استخدامها في الأغراض السلمية، وبخاصة في مجالي إنتاج الطاقة الكهربائية، وتحلية المياه، بالإضافة إلى الاستخدامات الأخرى . وكانت دول عربية أخرى قد سبقتها إلى هذا الخيار فى ظل تصالح دول العالم مع الطاقة النووية والاتجاه بقوة إلى علومها باعتبارها هي البديل الوحيد للنفط كمصدر اقتصادي مهم للتنمية بميادينها المختلفة ، فهل يكتب للبرنامج النووي الخليجي النجاح ؛ ويتحول من نطاق التمنيات إلى أرض الواقع ؟ هذا ما نحاول الإجابة عليه في هذه المقالة من خلال استعراض الأجندة العربية، ومسألة الطاقة النووية، ورصد الموقف الإسرائيلي من المشروعات النووية العربية ، وبيان الأبعاد الاقتصادية، والسياسية، والعسكرية لهذه البرامج.
الأجندة العربية والطاقة النووية
تغيرت الأجندة العربية كثيراً في الآونة الأخيرة، فقد أعلنت عدة دول عن عزمها امتلاك الطاقة النووية للاستخدامات السلمية خصوصاً وأن هذه التقنية أصبحت تمثل طموحاً دوليا، فقد أعلنت مصر عام 2002م عن مشروع إنشاء محطة للطاقة النووية السلمية في غضون ثمانية أعوام، مما يعنى توفير محطة حقيقية وليست تجريبية مثل المفاعلين الموجودين لديها، وهو ما تم وصفه بأنه نقلة نوعية هامة في طريق البرنامج النووي المصري، وعقب انتهاء أعمال المؤتمر السنوي الرابع للحزب الوطني الديمقراطي تم الإعلان عن استئناف مصر جهودها لاستثمار الطاقة النووية في الأغراض السلمية(1).
كما أن الأردن يرنو إلى إمتلاك الطاقة النووية للأغراض السلمية، حيث لمّح العاهل الأردني الملك( عبدالله الثاني) إلى هذا الاتجاه، على رغم تحذيره من مغبة حدوث سباق تسلح في المنطقة . إضافة إلى رغبة الرئيس اليمني( علي عبدالله صالح) في ذلك عبر إشارات تأييد لقرار القمة الخليجية التي عقدت في ديسمبر 2006م والداعي إلى إقامة برنامج خليجي مشترك بين دول المجلس في مجال الطاقة النووية(2).
وفي مطلع العام الماضي تحدث وزير الطاقة الجزائري لأول مرة عن الإعداد لمشروع قانون نووي بشأن استخدام الطاقة النووية لأغراض مدنية،
وعلى الصعيد العملي وقعت الجزائر اتفاقاً مع روسيا في يناير 2007م، بشأن التعاون النووي المحتمل. وفي ظل التحسن في العلاقات الليبية الأمريكية أعلنت مصادر رسمية في طرابلس أن ليبيا ستوقع مع الولايات المتحدة إتفاقية تعاون في مجال الاستخدامات السلمية للطاقة النووية تهدف إلى إنشاء محطة نووية في ليبيا لإنتاج الكهرباء ، ويعتبر المغرب ضمن (24) دولة أبرمت تعاون نووي مدني مع واشنطن، حيث من المنتظر تشغيل مفاعل المعمورة (إحدى ضواحي مدينة الرباط)، والذي صنعته شركة أمريكية في إطار إتفاق أُبرم سنة 1980م بين المغرب والولايات المتحدة .
بالإضافة إلى الحالات سالفة الذكر، فقد أعربت العديد من الدول العربية الأخرى عن اهتمامها بالتكنولوجيا النووية، مثل تونس والسودان، فقد أعلنت تونس في العام الماضي عن خططٍ لبناء أول محطة للطاقة النووية بحلول عام 2020م، وفيما يتعلق بسوريا فقد حاولت الحصول على مزيد من المفاعلات البحثية من روسيا إلا أن هذه المحاولات فشلت بسبب الملاحقة الأمريكية لكل الاتفاقات التي أبرمتها مع دول أخرى في هذا الشأن(3).
ومما يدعم هذا الاتجاه ما أكدته القمة العربية في ختام أعمالها بمدينة الرياض في 2007/3/29 المجتمع ، عن أن الاستخدامات السلمية للطاقة النووية هو حق أصيل للدول الأعضاء في معاهدة منع الانتشار النووي، وغيرها من المعاهدات والأنظمة ذات الصلة ، وبصفة خاصة النظام الأساسي للوكالة الدولية للطاقة الذرية ، ودعت القمة الدول العربية إلى الشروع في التوسع باستخدام التقنيات النووية السلمية في كافة المجالات التي تخدم التنمية المستدامة، ,والأخذ في الاعتبار الحاجات المتنوعة لمختلف الدول العربية ، مع الالتزام بكافة المعاهدات والاتفاقيات والأنظمة الدولية التي وقعتها هذه الدول ، ومن أجل ذلك دعت إلى إتخاذ كافة الإجراءات التنفيذية، ومن بينها إنشاء هيئات ومؤسسات تعنى بالاستخدام السلمي للطاقة النووية في كل دولة عربية، وإنشاء هيئات رقابية وطنية مستقلة تعنى بمراقبة استخدام الطاقة النووية في الدولة، كما تعنى بواردات وصادرات الدولة من المواد والأجهزة المشعة؛ وذلك بهدف تأمين السلامة النووية في الدولة، ولمزيدٍ من الشفافية أمام المؤسسات الدولية والمجتمع الدولي، وتدريس العلوم والتقنيات النووية في الجامعات العربية بغية تأمين الخبرات المتخصصة في هذا الميدان الحيوي، وإنشاء المفاعلات النووية لأغراض البحث العلمي والتوسع في استخدامها في عملية التدريس، والبحث العلمي، والأنشطة الاقتصادية، والصحية، وإنشاء شبكات للرصد المبكر للتلوث الإشعاعي، ووضع خطط الطوارئ الوطنية لمواجهة الحوادث الإشعاعية والنووية، ودعم المنظمة العربية للطاقة الذرية كأداة للعمل العربي المشترك في هذا الميدان، ودعوة الدول العربية التي لم تنه إجراءات الانضمام إلى عضويتها إلى إنهاء هذه الإجراءات بالسرعة المطلوبة، لما في ذلك من دعم لهذه الدول، وللعمل العربي المشترك في هذا الميدان، وكذلك الطلب من الهيئة الدولية للطاقة الذرية وضع إستراتيجية خاصة لامتلاك العلوم والتقنيات النووية للأغراض السلمية حتى عام 2020م (4).
وفي سباق التوجه العربي لاستغلال الطاقة النووية في الأغراض
وفي سباق التوجه العربي لاستغلال الطاقة النووية في الأغراض السلمية، دعا الخبراء العرب الذين يمثلون الوزارات المعنية بشؤون الكهرباء ، وهيئات الطاقة النووية في ختام اجتماعاتهم في تونس 2007/7/5 المجتمع بمقر الهيئة العربية للطاقة النووية، دعوا الدول العربية التي لم تنشئ المؤسسات الوطنية المعنية بالطاقة الذرية إلى الشروع في اتخاذ الخطوات الضرورية لإنشائها، لما في ذلك من تأثير في تنمية الموارد البشرية القادرة على القيام بالتطبيقات النووية السلمية في شتى الميادين الاقتصادية ، وإلى استصدار القوانين الوطنية للأمان النووى والوقاية الإشعاعية، وتضمنت توصياتهم ضرورة توظيف التقنية النووية في مشاريع وطنية إنطلاقاً من المنافع الاقتصادية لكل دولة وحاجة التنمية فيها. ودرس الخبراء إنشاء محطات توليد الكهرباء بالطاقة النووية، ودعم الجهود العربية المتعلقة بهذا الخيار(5).
وهكذا تغيرت الأجندة العربية بعد أن توقف مسار البرامج النووية في المنطقة عن حدود إمتلاك البرامج البحثية المحدودة التي تستند على مفاعلات صغيرة، وأغراض طبية وصناعية وزراعية معتادة بعيداً عن توليد الكهرباء وتحلية المياه، حيث لم يوجد في المنطقة سوى مفاعلات نووية تتراوح طاقاتها بين (2) ميجاوات، و (22) ميجاوات، وهي: مفاعلات إنشاص الأول في مصر، وناحاك سوريك في إسرائيل، وأصفهان في إيران، وتاجور في ليبيا، وعين وزار في الجزائر، وأنشاص الثاني في مصر، ومرافق محدودة في دول أخرى ، فإن هذه التطورات المعلنة تشكل انطلاقة واسعة في اتجاه إمتلاك عدة دول في المنطقة برامج نووية مدنية قوية قد يحدث تحولاً حقيقاً في شكل الإقليم، سواء فيما يتعلق بإعادة تعريف القوى المحورية فيه ، أو هياكلها الاقتصادية، أو تطورها التكنولوجي، وربما علاقاتها البيْنيّة . والأهم هو تلك التطورات التي ستكون لها آثار إستراتيجية هامة قد تفتح الباب للتفكير بصورة مختلفة في كيفية التعامل مع القضايا النووية المعلقة، ليس عبر ما تتضمنه تلك التطورات من احتمالات عسكرية، وإنما ما تضغط في إتجاهه بشأن إعادة ترتيب الأوضاع النووية بين الدول على نحو يضمن استقراراً إقليمياً من نوع ما(6).
الموقف الإسرائيلي من الخيار النووي العربي
قامت إسرائيل بعدة إجراءات استهدفت إجهاض وتدمير أي محاولة عربية لتحقيق أي تقدم في المجال النووي أو في مجال الصواريخ ، وتضمنت هذه الإجراءات أساليب سياسية، ودبلوماسية ، ومخابراتية، وعسكرية، منها7).
أ بدأت مصر في أوائل الستينيات بمشروع لتطوير صواريخ أرض أرض ( القاهر الظافر ) عمل فيه عدد من العلماء الألمان ، فشنت إسرائيل حملة سياسية على المستشار الألماني ( أديناور) واتهمته بمعاداة السامية ، ونفذت المخابرات الإسرائيلية خطة لإرهاب العلماء الألمان في مصر ، وكذلك أسرهم بإرسال خطابات ناسفة أصابت عدداً منهم ، كما اختفى في ظروف غامضة عالم ألماني هو الدكتور (كروج) أحد كبار العاملين في المشروع .
ب عندما وافق الرئيس الأمريكي( ريتشارد نيكسون) عام 1974م على بيع مفاعل نووي أمريكي لمصر لتوليد الطاقة الكهربائية طلبت إسرائيل مفاعلاً مماثلاً . وتم التوقيع على الصفقْتين في أغسطس عام 1976م إلا أن إسرائيل بدأت في إثارة المشاكل إلى أن تم تجميد الصفقتين .
ج في نهاية العام 1976م وقع العراق اتفاقاً مع فرنسا لتزويده بمفاعلين نوويين، فبدأت إسرائيل مساعيها لنسف الاتفاق، واستمرت فرنسا في تصنيع المفاعلين ، وعندما لم تحقق الإجراءات السياسية الهدف الإسرائيلي قام الموساد بعملية نسف لقلبي المفاعلين في مخازن ميناء طولون الفرنسي، ثم التدخل بعمل عنيف مباشر بتدمير المفاعل النووي العراقي في 7 يونيو 1981م .
د ابتزاز الشركات الأجنبية وتهديدها، والضغط عليها لوقف تعاملها مع الدول العربية في المجالات الإستراتيجية، مثلما حدث مع شركة ( جلف أند جنرال أوتو ميكز ) الأمريكية التي تراجعت عن مساعدة ليبيا في بناء مفاعل نووي في ( سبها ) تحت تأثير الضغوط الأمريكية الحكومية والأوساط الصهيونية .
ه إرهاب واغتيال الكوادر العلمية والتقنية من العلماء العرب المرموقين في المجالات النووية . مثل اغتيال عالمة الذرة المصرية ( سميرة موسى ) في الولايات المتحدة عام 1952م ، وعالم الذرة المصري ( يحيى المشد ) في باريس في يونيو 1980م، والدكتور ( سعيد بدير ) عالم الميكروويف المصرى بمنزله بالإسكندرية في 14 يوليو عام 1989م ، وعالم الذرة المصري ( سمير نجيب) في ديترويت عام 1969م .
و الضغط على الدول الغربية المتقدمة لتحديد فرص طلاب العالم الثالث في الدراسات ذات الصفة الإستراتيجية، ورفض انضمام طلاب العالم الثالث لأقسام علمية بأكملها ، وهذا ما تتبعه بريطانيا، حيث ترفض التحاق أبناء دول العالم الثالث بالمستويات الدراسية الخاصة بتفريغ علماء الذرة والصواريخ .
ز التخريب من الداخل عن طريق تجنيد وزرع العلماء والجواسيس داخل المشروع . كما حدث في مشروع الصواريخ المصري في الستينيات بواسطة النازي السابق ( سكور تنسي ) مقابل إغلاق ملفّه النازي القديم، وكذلك تدمير مصنع الرابطة الليبي.
ح شنّ الحملات التشهيرية واسعة النطاق للتهويل من أي خطوة عربية مهما كانت متواضعة باتجاه الجهد النووي من القنبلة العربية، والقنبلة الإسلامية ، والقنبلة الإرهابية . والفوضى النووية .. إلخ ؛ من أجل تهيئة الرأي العام العالمي بقبول أي خطوة عنيفة موجهة لتحطيم الجهد العربي في هذا المجال .
وكانت قد أثيرت في نهاية عام 2004م حمْلة ضخمة حول برنامج نووي مصري سري لإنتاج الأسلحة النووية بزعم صحيفة (واشنطن بوست الأمريكية)، وهي الضجة التي اعتبرت ستاراً من الدخان على قضيتى البرنامج النووي الإسرائيلي، حيث ترفض إسرائيل التوقيع على معاهدة حظر الإنتشار، وبالتالي عدم إخضاع منشآتها النووية للرقابة، والقضية الأخرى محاولة إحراج مدير عام الوكالة الدولية للطاقة الذرية حتى لا يتم التجديد له بفترة ثالثة(8) .
الخليج والطاقة النووّية
بدأت دول الخليج العربي الحديث عن إمكانية الدخول إلى مجال الاستخدامات السلمية للطاقة النووية، وتضمن البيان الختامي للدورة السابعة والعشرين للمجلس الأعلى لمجلس التعاون لدول الخليج العربى الذى عقد في الرياض بالمملكة العربية السعودية في الفترة من 9 10 ديسمبر 2006م عدداً من البنود ذات الصلة بالمسألة النووية السلمية والعسكرية ، فقد حث إيران على الالتزام بالمعايير الدولية للأمن والسلامة وأن تراعي الجوانب البيئية في هذا الشأن وبالتعاون مع الوكالة الدولية للطاقة النووية، وطالب إسرائيل بالانضمام إلى معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية، وإخضاع كافة منشآتها النووية لنظام التفتيش الدولي التابع للوكالة، كما حث المجتمع الدولي بالضغط على إسرائيل لحملها على الاستجابة لمطالب المجتمع الدولي في هذا الشأن ، وأكد مجدداً على مطالبته بجعل منطقة الشرق الأوسط خالية من كافة أسلحة الدمار الشامل بما فيها منطقة الخليج، مع الإقرار بحق دول المنطقة في امتلاك الخبرة في مجال الطاقة النووية للأغراض السلمية، على أن يكون ذلك متاحاً للجميع في إطار الاتفاقيات الدولية ذات الصلة، ووجه المجلس الأعلى بإجراء دراسة مشتركة لدول المجلس لإيجاد برنامج مشترك في مجال التقنية النووية السلمية طبقاً للمعايير الدولية(9).
وتنفيذاً لهذا التوجه قام الأمين العام لمجلس التعاون في فبراير الماضي بزيارة إلى العاصمة النمساوية (فينّا) للتباحث مع المسؤولين في الوكالة الدولية للطاقة الذرية حول مشروع البرنامج النووي الخليجي، حيث التقى المدير العام للوكالة، ورئيس لجنة الحد من انتشار الأسلحة النووية، وعدد من المسؤولين، وأكد مدير عام الوكالة إستعداد الوكالة لتقديم المساعدات النقدية لإجراء دراسة الجدوى الأولية حول برنامج نووي سلمي مشترك، والمساهمة بالخبرات العلمية في إطار هذا المشروع تأكيداً على مبدأ الشفافية والاستخدامات السلمية وفقا لمعاهدة عدم إنتشار الأسلحة النووية والمعايير الدولية للأمن والسلامة والاتفاقيات الخاصة بالوكالة في هذا الشأن، كما استضافت الرياض في شهر أبريل الماضي مدير عام الوكالة الدولية، وتم التباحث حول الموضوعات المتعلقة بجدوى بناء المنشآت النووية وطبيعة استخداماتها السلمية(10).
وفي 2007/5/22م أنهى الفريق المكلف بمتابعة إعداد دراسة الجدوى الأولية للطاقة النووية للأغراض السلمية لدول المجلس إجتماعهم في الرياض مع وفد خبراء الوكالة الدولية للطاقة الذرية، وأعتبر نجاح هذا الإجتماع خطوة على طريق إنجاز الدراسة بالشكل الوافي، وفي إطار المدة الزمنية المطلوبة، الأمر الذي أُعتبر في نظر الأمين العام لمجلس التعاون خطوة هامة وحيوية في طريق تطوير وإمتلاك دول المجلس للتقنية النووية للاستخدام السلمي(11).
الطاقة النووية ومفاعلاتها
الطاقة هي قدرة المادة على إعطاء قويً قادرة على إنجاز عمل معين، وتنقسم الطاقة بحسب مصادرها إلى مصادر متجددة، وأخرى غير متجددة، فالمصادر المتجددة عبارة عن المصادر الناضبة ، أي التي ستنتهي مع الزمن لكثرة الاستخدام، وهي موجودة في الطبيعة بكميات محددة وغير متجددة ، وهي بالإضافة إلى ذلك ملوثة للبيئة، وتشكل (86%) من حاجة العالم بشكل عام من الطاقة . بينما تأتي النسبة الباقية من خلال المفاعلات النووية، وتقدر بنسبة (7.6%)، والمشاريع الكهرومائية بنسبة (6.7%)، ولا تساهم مصادر الطاقة المتجددة إلا ب (8، % ) من طاقة العالم . وتتكون المصادر غير المتجددة للطاقة من الوقود الأحفُوري، ويشمل النفط والغاز الطبيعي والفحم، ويعتبر النفط أهم مصادر الطاقة وأكثرها انتشاراً، ويساهم بنحو (38%) من إنتاج الطاقة العالمية ، نظرًا لسهولة نقله وتحويله الى مشتقات نفطية تتفاوت في الخصائص والاستخدام ، أما مصادر الطاقة المتجددة : فهي عبارة عن مصادر طبيعية دائمة وغير ناضبة ومتوفرة في الطبيعه ومتجددة باستمرار ما دامت الحياة قائمة، وتتميز بعّدهَ ميزات من بينها أنها تعتبر طاقة محلية وطبيعية متيسرة لكافة الأفراد والشعوب والدول بشكل وفير، وبخاصة في المناطق الأقل حظاً من التطور الحضاري، كما تعد سليمة من الناحية البيئية ولا تتسبب في إصدار غازات ضارة بطبقة الأوزون، أو تؤدي إلى ارتفاع درجة الحرارة كغاز ثاني أكسيد الكربون، وتناسب الإمكانيات البشرية والتقنية والاقتصادية للدول النامية، ومن أهم مصادر الطاقة المتجددة(12).
والطاقة النووية هي الطاقة التي تربط بين مكونات النواة (البروتونات والنيوترونات)، وهي تنتج عن تكسر تلك الرابطة وتؤدي إلى إنتاج طاقة حرارية كبيرة جداًَ، فقد بات واضحاً بعد الهجوم بالمتفجرات النووية على مدينتي (هيروشيما) و (نجازاكي) 1945م القدرة الهائلة للطاقة النووية ، ومن ثم اتجه التفكير بعد ذلك إلى إنشاء المفاعلات العملاقة وتطويعها لتطوير هذه الطاقة بما يسمح باستخدامها في المجالات الصناعية المدنية؛ لتحسين نمط حياة الإنسان، وتدعيم السلام الدولي، ويعود الاهتمام بالطاقة التى يولدها تفاعل الإنشطار النووي إلى بداية عقد الأربعينيات ، حيث بدأت الهند محاولاتها الأولى لتوليد الطاقة النووية منذ عام 1948م، وسبقت بذلك الكثير من الدول المتقدمة ، وبدأت الأرجنتين عصر إنتاج الطاقة عام 1949م . ومنذ عام 1945م وحتى عام 1953م كان الأمريكيون يعدون التقنية النووية سرًا يجب اخفاؤه حتى عن حلفائهم حتى تخلى الجنرال (ايزنهاور) عن ذلك عام 1953م، عندما طرح مشروعه (الذرة من أجل السلام). وخلال تلك المدة كانت المشروعات النووية الروسية والفرنسية تحت التنفيذ وفي طريقها إلى الانتهاء ، ومنذ ذلك الوقت أصبح من الصعب السيطرة على سرعة انتشار التقنية النووية ، حيث سمحت مبادرة ( الذرة من أجل السلام) بتقديم المساعدات النووية الأمريكية إلى جميع الدول التي كانت تقدم الوعد بجعل برامجها تحت السيطرة المستمرة ، وفي عام 1957م تأسست الوكالة الدولية للطاقة الذرية التى أُسند إليها مهمة المساعدة على تخطيط البرامج النووية والإشراف على تنفيذها(13).
وفي بداية السبعينيات دخلت الطاقة النووية حقْبة الاستغلال التجاري في شمال القارة الأمريكية ودول أوروبا الغربية، ولكنها بقيت بعيدة المنال لغالبية الدول النامية ، وحتى عام 1974م كان النجاح في إنشاء المفاعلات النووية في الدول النامية مقتصراً على الهند، والأرجنتين، وباكستان (14).
وحتى عام 1985م بلغ عدد المفاعلات النووية قيد الاستخدام في العالم (365) مفاعلاً، ارتفع عام 1990م إلى (419) مفاعلاً . ثم إلى (435) مفاعلا عام 1995م ، ثم إلى (436) مفاعلا عام 2000م ، ثم إلى (440) مفاعلاً . ومنذ عام 1950م حتى عام 2004م توقف عن العمل (118) مفاعلاً، وهناك (26) مفاعلا قيد البناء في الهند منذ عام 2004م (15)، وعلى الرغم من أن امتلاك القدرات النووية قد يؤدي إلى امتلاك السلاح النووي حال توفّر متطلبات تقنية وفنية عالية مع إرادة سياسية تطمح لامتلاكه فإن امتلاك هذه القدرات لم يؤدِ في كثير من الحالات إلى امتلاك السلاح النووي، فعلى سبيل المثال كانت نسبة الدول التي تمتلك أسلحة نووية إلى الدول التي امتلكت قدرات نووية في أوائل السبعينيات (1 : 8)، وفي الثمانينيات كان عدد الدول التي تمتلك قدرات نووية يصل إلى (65) دولة منها (30) دولة تمتلك مفاعلات قوى، بينما لم يزد عدد الدول التي تمتلك ترسانة نووية مُعلن عنها أو غير معلن على (12) دولة، واستمرت النسب التي تثبت ذلك على ما هي عليه حتى عندما دخلت دول جديدة إلى النادي النووي العسكري، الأمر الذي يثبت أن امتلاك القدرة النووية لا يعني صناعة أسلحة نووية، فالأمران مختلفان تماماً(16).
الأهمية الاقتصادية للطاقة النووية
تجدر الإشارة إلى أن الحديث عن الطاقة النووية يرتبط دائماً بالمفاعلات النووية باعتبارها الأجهزة المستخدمة في عملية الانشطار أو الاندماج النووي، والتحكم في إطلاق الطاقة الناتجة بحيث يمكن تجنب أية مخاطر ناجمة عن عملية الانشطار ، وتتعدّد أنواع هذه المفاعلات ومجالات استخداماتها، وفي الغالب تبدأ البرامج المتعلقة بهذه المفاعلات تحت الاستخدام السلمي للطاقة النووية بغرض تحقيق أهداف اقتصادية تتعلق بعملية التنمية في الدول التي تستخدمها ، ومن هذه الأهداف17)
1. توليد الطاقة الكهربائية اللازمة لمتطلبات النمو الصناعي والزراعي، وتلبية الحاجات المتزايدة للسكان في مجال الطاقة الكهربائية الرخيصة والنظيفة ، ومن المعروف أن الدول المتقدمة تكثف من استخداماتها للطاقة النووية في هذا الشأن، حيث تشير الإحصاءات إلى زيادة نسبة الطاقة الكهربائية باستخدام التقنية النووية من (9%) في الثمانينيات إلى حوالي (35%) في عام 2006م ، وذلك كنسبة من إجمالي الكهرباء المولدة من كافة المصادر .
2. تحلية مياه البحر بكميات كبيرة وبتكلفة منخفضة في الدول التي تعاني من نقص المياة العذبة اللازمة للتوسع الصناعي، والزراعي، والنمو السكاني .
3. تحضير النظائر المشعة لتلبية احتياجات أنشطة البحث العلمي في الجامعات، ومراكز البحث العلمي في كافة المجالات الطبية من تشخيص وعلاج للأمراض المختلفة، والمجالات الزراعية، وأبحاث الفضاء والأبحاث الجيولوجية بالإضافة إلى استخدامها في مجالات حفظ الطعام ، وسلامة البيئة .
4. تحقيق الأمان ومعايير الحفاظ على البيئة في مجال توليد الطاقة .
الأهمية العسكرية للطاقة النووية
غالباً ما تتطور البرامج النووية للدول من مجرد الاستخدام السلمى للطاقة في الأغراض الاقتصادية لتتحوّل إلى الاستخدامات العسكرية ، خاصة في ظل تزايد الأهمية العسكرية للطاقة النووية، وبالتحديد فيما يتعلق بقدرتها على رسم وتشكيل السياسات الاستراتيجية والدفاعية للدول في الوقت الراهن، وذلك بما يحقق من قوة الدفاع والردع ، فضْلاً عن أنها تحدد شكل السياسة الخارجية للدول ، وخاصة تجاه الدول النووية الأخرى وتجاه الدول التي بينها صراع عسكري ، ويمكن قراءة ذلك بوضوح في حالة إسرائيل فامتلاكها للقدرات النووية والأسلحة النووية ذات القدرات الهائلة جعلها القوة النووية الوحيدة في منطقة الشرق الأوسط ، الأمر الذي يحقق لها مجموعة من المزايا الاستراتيجية، من أهمها(18):
% الاخلال بالتوازن الاستراتيجي مع دول المنطقة على المدى البعيد لصالحها .
% دعم مواقفها السياسية والتفاوضية باستغلال ما يمثلة رصيد قوتها العسكرية من تقدم تكنولوجي .
% استخدام الخيار التقني كأحد الأدوات الفعالة في مجال استراتيجية الردع على المستوى العسكري .
% دفع الجانب العربي لإعادة حساباته إزاء حجم الضرر الذي قد يلحق به من جراء التقدم العسكري الإسرائيلي في حالة وجود نوايا هجومية عربية.
نجاح البرامج النووية السلمية
الأمر الذي لاشك فيه أن دخول الدول العربية مجال الاستخدام السلمي للطاقة النووية أصبح بحسب الكثيرين أمًرا حتمياً وضرورياً ، ليس فقط لتنويع مصادر الطاقة، ولكن أيضاً لدفع مسيرة التنمية الشاملة في هذه الدول ، وهو الأمر الذي لا تحْظره القوانين الدولية . بل هو حق أصيل تكْفله معاهدة منع الانتشار النووي ، وخاصة مادتها الرابعة التي تشير بوضوح إلى حق الدول في الانتفاع من الاستخدامات السلمية للطاقة النووية، فالاحصاءات الصادرة عن الجمعية النووية العالمية ومقرها ( لندن ) تشير إلى وجود (28) مفاعلاً نوويا جديدا تحت الإنشاء في العالم اليوم، بالإضافة إلى (62) مفاعلاً تحت التخطيط و (160) مفاعلاً مقترحا معظمها في القارة الأسيوية ، فيما يقدر البعض عدد الدول التي تمتلك القدرة النووية، وفي بعض الأحيان المواد المطلوبة لصناعة الأسلحة النووية بنحو (49) دولة، منها (9) دول نووية بالفعل(19).
غير أن الدخول في هذا المجال يتطلب درجة عالية من الحيطة والحذر، والتأكد من إجراءات الأمان والسلامة الفنية، لأن حدوث أي خطأ في هذا المجال قد يترتب عليه حدوث تسرب إشعاعي، ومن ثم كوارث بيئية وصحية خطيرة ليس فقط في الدولة التي تنتج التقنية النووية ، ولكن أيضا في كافة دول المنطقة المحيطة بها ، وما أسفرت عنه كارثة (تشيرنوبل) ليس ببعيد .
فنجاح البرنامج النووي يرتبط بشكل وثيق بعدة متطلبات أساسية، وأكثر هذه المتطلبات أهمية هي إيجاد منظمة للتنمية النووية الوطنية، فلقد أبدت هذه المنظمة فائدتها في الأقطار النامية التي أدخلت النشاطات النووية، وذلك بدءا من استخدام الطاقة النووية سلميًا إلى مباشرة مشاريع نووية كبيرة ، حيث أوكلت إليها مسؤولية تطوير البرامج النووية الوطنية وفي هذا الصدد يصبح من الضروري تنفيذا لقرار القمة الخليجية الخاص بإدخال التقنية النووية كما يرى البعض الاتفاق على تأسيس مؤسسة خليجية متخصصة في الطاقة النووية تحت مسمى الوكالة الخليجية للطاقة النووية، وتكون هذه الوكالة إحدى مؤسسات العمل الخليجي المشترك، وهدفها الرئيس إبرام الاتفاقيات مع الدول المتقدمة لوضع الخطط اللازمة للمضي قدمًا في وضع بناء شامل للطاقة النووية على المستوى الخليجي، ويرى أصحاب هذا الاقتراح أن مدينة الملك عبد العزيز للعلوم والتقنية بخبراتها الواسعة - تستطيع أداء دور إيجابي في دعم الوكالة الخليجية للطاقة النووية(20).
وبالإضافة إلى ذلك، فهناك ثلاث متطلبات أخرى يتعين تحقيقها لتطويع التفنية النووية لخدمة الأهداف الوطنية، فللحصول على الفائدة القصوى من هذه العملية لابد أن تكون الطاقة البشرية العلمية والتقنية في الدول التي تستقبل هذه التقنية قادرة على امتصاص المظاهر الرئيسة للطاقة النووية ، كما أن عيار تلك الطاقة البشرية يجب أن يكون مناسباً لكي يمكنها من حل الإشكاليات التي تصحب استخدام تلك التقنية ، وحول هذا المطلب تفيد المعطيات المتوفرة بأن الوطن العربى يملك طاقات محدودة في هذا المجال ، وفي الدول العربية المهتمة بالطاقة النووية يسود اعتقاد بضرورة إسراعها في حث العلميين والفنيين لدعم هذا العمل الوطني، وخلق البنية المساعدة للتدريب ومراجعة وتنمية جميع الأعمال الدائرة في فلك التعليم العالي بشكل خاص، وفي إطار البحث والتطوير بشكل عام(21)، وإضافة إلى هذه القدرات البشرية فإن مساهمة الصناعة الوطنية في توطيد الصناعة النووية الثقيلة لابد وأن يكون كبيراً قدر المستطاع ، بحيث لا يتم الاعتماد على قيام شركات أجنبية ببناء المفاعلات النووية، وتوفير كل ما يلزم من تقنية لهذا المشروع وهو ما يطلق عليه تسليم المفتاح(22).
يضاف إلى ما تقدم من متطلبات فإنه يمكن اعتبار قبول الرأي العام للتقنية النووية أحد القضايا الرئيسة التي تحكم تلك التقنية فالأداء النووي، وتوفير الوقود النووي ، والسلامة النووية ، ومعايير الوقاية النووية، ومعالجة المخلفات النووية، قضايا كبيرة يثيرها الرأي العام في وجه أي برنامج نووي(23).
أبعاد البرنامج النووي الخليجي
تساءل بعض المحللين عن سبب احتياج بعض دول مجلس التعاون الخليجى التي تمتلك نصف احتياطي النفط العالمي، للطاقة النووية على الرغم من تكلفتها العالية، وكان الجواب الذي قدمته هذه البلدان أنها تريد أن تستثمر من أجل المستقبل، وتحسبًا لليوم الذي تجف فيه مصادر النفط، فهذه الدول تعتمد بشكل أساس على البترول كمصدر للطاقة والدخل القومي مستشهدين بمملكة البحرين والتي نضب منها النفط قبل سنوات، والتي تأتي كأول دولة خليجية يتم الإعلان فيها عن اكتشافه ، فكان من الطبيعي أن تبحث عن البديل استنادًا إلى مجموعة من العوامل الاقتصادية والاعتبارات السياسية والعسكرية :
1. الأبعاد الاقتصادية
أ رغم أن دول مجلس التعاون الخليجي دول رئيسة في مجال إنتاج الطاقة والغاز وتصديرهما ، فإن هذا لا ينفي حقها وحاجاتها الكبيرة والماسة إلى إنتاج الطاقة النووية في إطار استعدادها الاستراتيجي لمرحلة ما بعد النفط ، حيث تعتمد هذه الدول بشكل رئيس على النفط كمصدر وحيد للطاقة في إنتاج الكهرباء وتحليه المياه، وهما قضيّتا وجود وأمنٍ قومى اساسيتان لهذه الدول ، وبالتالي لابد من التخطيط طويل الأجل لضمان توفيرهما وعدم الارتهان في ذلك إلى مورد ناضب مثل النفط ، ولا شك أن امتلاك الطاقة النووية يعد عنصراً أساسياً لأي تخطيط مستقبلي من هذا النوع(24).
ب وفقا للتوقعات فإن استمرار التزايد السكاني والنمو الاقتصادي بمعدلات مرتفعة من شأنه أن يؤدي إلى مواصلة نمو استهلاك الكهرباء، والغاز، والمشتقات النفطية، والمياه العذبة بمعدلات مرتفعة كذلك، مما يعني المزيد من محطات القوى الكهربائية ووحدات التحلية المكلفة مع نمو متسارع لاستهلاك النفط والغاز كوقود لهذه المحطات ، في حين أن المستقبل الواعد للطاقة النووية في مجال توليد الكهرباء وتحلية المياه يمكن أن يجعلها أحد المصادر التي يمكن
ب وفقا للتوقعات فإن استمرار التزايد السكاني والنمو الاقتصادي بمعدلات مرتفعة من شأنه أن يؤدي إلى مواصلة نمو استهلاك الكهرباء، والغاز، والمشتقات النفطية، والمياه العذبة بمعدلات مرتفعة كذلك، مما يعني المزيد من محطات القوى الكهربائية ووحدات التحلية المكلفة مع نمو متسارع لاستهلاك النفط والغاز كوقود لهذه المحطات ، في حين أن المستقبل الواعد للطاقة النووية في مجال توليد الكهرباء وتحلية المياه يمكن أن يجعلها أحد المصادر التي يمكن أن يُعتمد عليها لتلبية الاحتياجات المتزايدة من الطاقة الكهربائية والمياه العذبة في دول المجلس(25).
ج جملة المميزات التي تحظى بها الطاقة النووية فمن مميزات الطاقة النووية أنها تقدم طاقة رخيصة على المدى الطويل، كما أن الطاقة النووية من مصادر الطاقة النظيفة، وإذا كانت مشكلة التخلص من النفايات النووية تمثل المشكلة الحقيقية للمفاعلات في تأثيرها على البيئة ، فالحقيقة أن حجم هذه النفايات النووية أقل بمراحل من النفايات الناتجة من محطات البترول أو الفحم(26).
د- بالنظر إلى ارتفاع أسعار البترول مع النقص في احتياطياته ، وبالنظر إلى التأخر في التوصل لبديل للطاقة الاندماجية، فإن العودة إلى الحل النووي لأزمة الطاقة العالمية تبدو حتمية ، ففي تقرير متشائم حول مستقبل الطاقة في العالم حذرت الوكالة الدولية للطاقة من نقص إمدادات البترول في الأسواق العالمية، مما سيؤدي إلى إرتفاع سعر البرميل بدرجة حادة ، وانخفاض كبير في معدل نمو الاقتصاد العالمي، ورسم التقرير صورة قائمة للاقتصاد العالمي في ظل الارتفاع الحاد في سعر البترول نتيجة انخفاض الإنتاج العالمي خلال الأعوام الخمسة القادمة واستمرار الزيادة في الطلب على البترول والغاز الطبيعي ، ومع التوقعات بارتفاع معدل الاقتصاد العالمي بنسبة (4.5%) نبّه التقرير إلى أن الطلب على البترول سيرتفع إلى (95.8) مليون برميل يوميا عام 2010م مقارنة ب (6،81) مليون برميل في العام الحالي، وفي الوقت نفسه يتوقع التقرير انخفاض إنتاج منظمة أوبك بمعدل مليوني برميل يومياً في عام 2009م، وانخفاض إنتاج الدول المنتجة من خارج المنظمة بمعدل (800) ألف برميل يومياً(27).
ه- ومن الأمور المرتبطة بهذا التحذير ما يراه بعض الخبراء من أن استهلاك النفط يزداد بمقدار 2% كل عام ، في الوقت الذي ينضب بمقدار 3%، وهو ما يعني أن الحاجة للنفط عام 2020م ستنقص بمقدار(50) مليون برميل يوميًا، وهو أكبر من إنتاج المملكة العربية السعودية بست مرات . وأنه في عام 2004م بلغ استهلاك البترول السنوي (29) مليار برميل ، وسيصبح (42) مليار عام 2020م ، وبحسب خبراء بترول دوليون فإن احتياطي النفط هو (1200) مليار برميل ، ولو بقي الاستهلاك دون زيادة فسوف ينفذ في أربعين سنة كامل الاحتياطي ، فكيف إذا تضاعف الاستهلاك ، بتعبير آخر بيننا وبين نهاية عصر البترول ربما ربع قرن أو أكثر بقليل(28).
و - تتوقع الدراسات الاستراتيجية أن المملكة ستستهلك عام (2010)م ما يقارب من (175) مليون برميل نفط ، و(77) مليون برميل ديزل ، و (96) مليون برميل زيت وقود لمحطات الكهرباء ومحطات التحلية ، ولو افترضنا أن سعر البرميل من البترول في تلك الفترة (70) دولار ، والديزل (13) دولار وزيت الوقود (50) دولار، سيصبح قيمة ما ستنفقه المملكة العربية السعودية لتوليد الطاقة (27) مليار دولار في سنة واحدة ، هذا بخلاف الغاز الطبيعي الذي يستخدم أيضاً في توليد الطاقة ، والذي من المتوقع أن يُحرق منه ما يعادل (88) مليون برميل عام 2010م ، أي أن تكلفة الغاز قد تصل بين (3) و (5) مليار دولار ، وعلى ذلك فإن قيمة ما سيُحرق من المواد الأحفورية لتوليد الطاقة في المملكة سوف يصل على أقل تقدير إلى (30) مليار دولار لعام 2010م فقط كوقود ، وفي المقابل فإن محطات الوقود النووية قادرة على إنتاج الكهرباء بقيمة (4.9 6) سنت لكل كيلووات ، وهذه القيمة للطاقة تبدو ذات جدوى أكثر من الطاقة المولدة بواسطة الوقود الأحفوري ، أي أنها تستطيع أن تنافس الغاز حتى لو نزل سعره إلى (4.7) دولار لكل ميلون وحدة حرارية ، وأن تنافس النفط ولو هبط سعره إلى (40) دولاراً، وذلك بحسب التقرير العالمي للطاقة لعام 2006م(29)..
ز- على الرغم من ارتفاع تكلفة بناء المحطات النووية قياساً ببناء المحطات التقليدية إلا أن تكلفة الإنشاء في المحطات النووية قد يصل إلى 3/4 التكلفة الإجمالية، بينما لا تشكل تكلفة الإنشاء في المحطات التقليدية سوى 20% من التكلفة الكلية للمشروع ، وبالمقابل فإن المحطات النووية تنتج الكثير من الطاقة فهي قادرة على إنتاج ألف ميجاوات، وبعضها يصل إنتاجه من (1600 1800) ميجاوات، بينما تبقى طاقة إنتاج المحطات التقليدية بحدود (300) إلى(800) وات .
الأبعاد السياسية والعسكرية
مع أن التوجه الخليجي لامتلاك الطاقة النووية يستند إلى مبررات استراتيجية واقتصادية قوية تتعلق بالأمن القومي في مفهومه الشامل ، إلا أن هناك العديد من الأسباب التى أعطت أبعاده السياسية والعسكرية أهمية خاصة أدت إلى تسليط الضوء عليها بشكل كبير من قبل الخبراء والمعنيين خلال الفترة الماضية وتقديمها على ما عداها إلى الحد الذي أدى إلى اعتبار الحديث عن أي نوع من التكنولوجيا النووية في الخليج يثير نوعًا من سباق التسليح النووي .
ولعل أهم الأسباب التي أعطت التوجه الخليجى أبعاداً سياسية وعسكرية تتمثل في أن الإعلان عن هذا التوجه جاء في الوقت الذي يحتدم فيه التوتر حول البرنامج النووي الإيراني ، ويشتد القلق الخليجي تجاهه، فضلاً عن تصاعد الاحتقان الطائفي في المنطقة وما يكشفه من توتر ظاهر في العلاقات الخليجية الإيرانية على هذه الخلفية ، والسبب الثانى هو التصريحات التي صدرت قبل القمة الخليجية عن أن انتشار أسلحة الدمار الشامل في المنطقة سوف يدفع بالدول المتقدمة فيها الى المبادرة إلى برامج نووية سرية كانت أم علنية بهدف خلق الاتزان العسكري في المنطقة دفاعاً عن مصالحها(30).
من هذا المنطلق يمكن القول إن التوجه الخليجي ينطوي على رسالتين أساسيتين، أولاهما: موجهة لطهران مفادها أن دول مجلس التعاون لن تقف مكتوفة الأيدي في مواجهة امتلاك إيران القدرة النووية ، والرسالة الأخرى موجهه للولايات المتحدة الأمريكية، ودفعها إلى مزيد من الحسم في التعامل مع إيران وسياسة التغلغل في المنطقة(31).
كما أن القمة العربية التي عُقدت في الرياض في مارس الماضي قد حذرت من سعي إيران لامتلاك تكنولوجيا الذرة ، إذ إن ذلك سيؤدي إلى سباق تسلح نووي تدميري وخطير في المنطقة ، على الرغم من أنَّ طهران كانت أول المرحبين بالإعلان الخليجي، حيث أبدت استعداداها بعد ساعات قليلة من هذا الإعلان على تقديم أي نوع من أنواع المساعدة التي يحتاجها الخليجيون في هذا الشأن، وإن رأى المحللون أن هذا العرض لا يوجد به شيء علمي، وأنه لا يعدو كونه رسالة سياسية أكثر منها رسالة جدية مفادها : أن طهران لا تعترض على أن تقوم الدول الخليجية باستخدام الطاقة النووية السلمية . فلماذا تكون هناك اعتراضات حينما يكون الحديث عن برنامج إيران النووي(32). وكان هذا الموقف الإيراني أحد أسباب الارتباك الذي اتسم به رد الفعل الأمريكي ، فقد دعمت الولايات المتحدة في البداية هذا التوجه النووى الخليجي، وقالت إنه يتفق مع توجيهاتها المشجعة للبحث عن مصادر بديلة للطاقة الهيدروكربونية، إلا أنها عادت وتراجعت في موقفها على لسان وزيرة خارجيتها التي قالت: " إنها تريد أن تعرف المزيد عن خطط دول الخليج لدراسة برنامج الطاقة النووية"، وهذا ما دفع الأمين العام لمجلس التعاون الخليجي إلى القول بأن الطموح النووي الخليجي مشروع، وأنه إذا أرادت أي جهة أن تطلع على الدراسة الخليجية في هذا الخصوص فإنه من الأفضل أن يكون ذلك بعد إتمام الدراسة(33).
تقوم الدول الخليجية باستخدام الطاقة النووية السلمية . فلماذا تكون هناك اعتراضات حينما يكون الحديث عن برنامج إيران النووي(32). وكان هذا الموقف الإيراني أحد أسباب الارتباك الذي اتسم به رد الفعل الأمريكي ، فقد دعمت الولايات المتحدة في البداية هذا التوجه النووى الخليجي، وقالت إنه يتفق مع توجيهاتها المشجعة للبحث عن مصادر بديلة للطاقة الهيدروكربونية، إلا أنها عادت وتراجعت في موقفها على لسان وزيرة خارجيتها التي قالت: " إنها تريد أن تعرف المزيد عن خطط دول الخليج لدراسة برنامج الطاقة النووية"، وهذا ما دفع الأمين العام لمجلس التعاون الخليجي إلى القول بأن الطموح النووي الخليجي مشروع، وأنه إذا أرادت أي جهة أن تطلع على الدراسة الخليجية في هذا الخصوص فإنه من الأفضل أن يكون ذلك بعد إتمام الدراسة(33).
الخلاصة
للمشروع النووي الخليجي انعكاساته على البنية الداخلية لدول مجلس التعاون الخليجي، لكونه يعكس إرادة حقيقية للنهضة في هذه المنطقة؛ لأن المنطقة تدخل عصراً جديداً من العلم والتقنية يمكن أن يكون الجسر الذي تعبر عليه إلى التقدم المنشود؛ ولأنه أيضا يؤكد أن هناك نية حقيقية لاستثمار كافة مصادر القوة التي تحتويها دول المجلس، فهذه الدول تمتلك قدرات مالية واقتصادية هائلة تسعى لتوظيفها في إحداث نقلة نوعية في مجال الكفاءة العلمية والتقنية للقوة البشرية الخليجية، كما يمكن أن يكون قاطرة لغيره من المشروعات، فضلاً عن كونه مشروعاً مشتركاً له مردودٌ اندماجي وتكاملي يفوق مردود أي مشروع آخر، علاوة على أن امتلاك الطاقة النووية حقٌ مشروع لكافة الدول بحسب المعاهدات والاتفاقات الدولية، خصوصاً وأن المشروع النووي الخليجي قد رافقه مستوى عالٍ من الشفافية بإشراك الوكالة الدولية للطاقة الذرية، والاستعانة بالخبرات الدولية المتميزة
الأمر الذي لاشك فيه أن دخول الدول العربية مجال الاستخدام السلمي للطاقة النووية أصبح بحسب الكثيرين أمًرا حتمياً وضرورياً ، ليس فقط لتنويع مصادر الطاقة، ولكن أيضاً لدفع مسيرة التنمية الشاملة في هذه الدول ، وهو الأمر الذي لا تحْظره القوانين الدولية . بل هو حق أصيل تكْفله معاهدة منع الانتشار النووي ، وخاصة مادتها الرابعة التي تشير بوضوح إلى حق الدول في الانتفاع من الاستخدامات السلمية للطاقة النووية، فالاحصاءات الصادرة عن الجمعية النووية العالمية ومقرها ( لندن ) تشير إلى وجود (28) مفاعلاً نوويا جديدا تحت الإنشاء في العالم اليوم، بالإضافة إلى (62) مفاعلاً تحت التخطيط و (160) مفاعلاً مقترحا معظمها في القارة الأسيوية ، فيما يقدر البعض عدد الدول التي تمتلك القدرة النووية، وفي بعض الأحيان المواد المطلوبة لصناعة الأسلحة النووية بنحو (49) دولة، منها (9) دول نووية بالفعل(19).
غير أن الدخول في هذا المجال يتطلب درجة عالية من الحيطة والحذر، والتأكد من إجراءات الأمان والسلامة الفنية، لأن حدوث أي خطأ في هذا المجال قد يترتب عليه حدوث تسرب إشعاعي، ومن ثم كوارث بيئية وصحية خطيرة ليس فقط في الدولة التي تنتج التقنية النووية ، ولكن أيضا في كافة دول المنطقة المحيطة بها ، وما أسفرت عنه كارثة (تشيرنوبل) ليس ببعيد .
فنجاح البرنامج النووي يرتبط بشكل وثيق بعدة متطلبات أساسية، وأكثر هذه المتطلبات أهمية هي إيجاد منظمة للتنمية النووية الوطنية، فلقد أبدت هذه المنظمة فائدتها في الأقطار النامية التي أدخلت النشاطات النووية، وذلك بدءا من استخدام الطاقة النووية سلميًا إلى مباشرة مشاريع نووية كبيرة ، حيث أوكلت إليها مسؤولية تطوير البرامج النووية الوطنية وفي هذا الصدد يصبح من الضروري تنفيذا لقرار القمة الخليجية الخاص بإدخال التقنية النووية كما يرى البعض الاتفاق على تأسيس مؤسسة خليجية متخصصة في الطاقة النووية تحت مسمى الوكالة الخليجية للطاقة النووية، وتكون هذه الوكالة إحدى مؤسسات العمل الخليجي المشترك، وهدفها الرئيس إبرام الاتفاقيات مع الدول المتقدمة لوضع الخطط اللازمة للمضي قدمًا في وضع بناء شامل للطاقة النووية على المستوى الخليجي، ويرى أصحاب هذا الاقتراح أن مدينة الملك عبد العزيز للعلوم والتقنية بخبراتها الواسعة - تستطيع أداء دور إيجابي في دعم الوكالة الخليجية للطاقة النووية(20).
وبالإضافة إلى ذلك، فهناك ثلاث متطلبات أخرى يتعين تحقيقها لتطويع التفنية النووية لخدمة الأهداف الوطنية، فللحصول على الفائدة القصوى من هذه العملية لابد أن تكون الطاقة البشرية العلمية والتقنية في الدول التي تستقبل هذه التقنية قادرة على امتصاص المظاهر الرئيسة للطاقة النووية ، كما أن عيار تلك الطاقة البشرية يجب أن يكون مناسباً لكي يمكنها من حل الإشكاليات التي تصحب استخدام تلك التقنية ، وحول هذا المطلب تفيد المعطيات المتوفرة بأن الوطن العربى يملك طاقات محدودة في هذا المجال ، وفي الدول العربية المهتمة بالطاقة النووية يسود اعتقاد بضرورة إسراعها في حث العلميين والفنيين لدعم هذا العمل الوطني، وخلق البنية المساعدة للتدريب ومراجعة وتنمية جميع الأعمال الدائرة في فلك التعليم العالي بشكل خاص، وفي إطار البحث والتطوير بشكل عام(21)، وإضافة إلى هذه القدرات البشرية فإن مساهمة الصناعة الوطنية في توطيد الصناعة النووية الثقيلة لابد وأن يكون كبيراً قدر المستطاع ، بحيث لا يتم الاعتماد على قيام شركات أجنبية ببناء المفاعلات النووية، وتوفير كل ما يلزم من تقنية لهذا المشروع وهو ما يطلق عليه تسليم المفتاح(22).
يضاف إلى ما تقدم من متطلبات فإنه يمكن اعتبار قبول الرأي العام للتقنية النووية أحد القضايا الرئيسة التي تحكم تلك التقنية فالأداء النووي، وتوفير الوقود النووي ، والسلامة النووية ، ومعايير الوقاية النووية، ومعالجة المخلفات النووية، قضايا كبيرة يثيرها الرأي العام في وجه أي برنامج نووي(23).
أبعاد البرنامج النووي الخليجي
تساءل بعض المحللين عن سبب احتياج بعض دول مجلس التعاون الخليجى التي تمتلك نصف احتياطي النفط العالمي، للطاقة النووية على الرغم من تكلفتها العالية، وكان الجواب الذي قدمته هذه البلدان أنها تريد أن تستثمر من أجل المستقبل، وتحسبًا لليوم الذي تجف فيه مصادر النفط، فهذه الدول تعتمد بشكل أساس على البترول كمصدر للطاقة والدخل القومي مستشهدين بمملكة البحرين والتي نضب منها النفط قبل سنوات، والتي تأتي كأول دولة خليجية يتم الإعلان فيها عن اكتشافه ، فكان من الطبيعي أن تبحث عن البديل استنادًا إلى مجموعة من العوامل الاقتصادية والاعتبارات السياسية والعسكرية :
1. الأبعاد الاقتصادية
أ رغم أن دول مجلس التعاون الخليجي دول رئيسة في مجال إنتاج الطاقة والغاز وتصديرهما ، فإن هذا لا ينفي حقها وحاجاتها الكبيرة والماسة إلى إنتاج الطاقة النووية في إطار استعدادها الاستراتيجي لمرحلة ما بعد النفط ، حيث تعتمد هذه الدول بشكل رئيس على النفط كمصدر وحيد للطاقة في إنتاج الكهرباء وتحليه المياه، وهما قضيّتا وجود وأمنٍ قومى اساسيتان لهذه الدول ، وبالتالي لابد من التخطيط طويل الأجل لضمان توفيرهما وعدم الارتهان في ذلك إلى مورد ناضب مثل النفط ، ولا شك أن امتلاك الطاقة النووية يعد عنصراً أساسياً لأي تخطيط مستقبلي من هذا النوع(24).
ب وفقا للتوقعات فإن استمرار التزايد السكاني والنمو الاقتصادي بمعدلات مرتفعة من شأنه أن يؤدي إلى مواصلة نمو استهلاك الكهرباء، والغاز، والمشتقات النفطية، والمياه العذبة بمعدلات مرتفعة كذلك، مما يعني المزيد من محطات القوى الكهربائية ووحدات التحلية المكلفة مع نمو متسارع لاستهلاك النفط والغاز كوقود لهذه المحطات ، في حين أن المستقبل الواعد للطاقة النووية في مجال توليد الكهرباء وتحلية المياه يمكن أن يجعلها أحد المصادر التي يمكن
ب وفقا للتوقعات فإن استمرار التزايد السكاني والنمو الاقتصادي بمعدلات مرتفعة من شأنه أن يؤدي إلى مواصلة نمو استهلاك الكهرباء، والغاز، والمشتقات النفطية، والمياه العذبة بمعدلات مرتفعة كذلك، مما يعني المزيد من محطات القوى الكهربائية ووحدات التحلية المكلفة مع نمو متسارع لاستهلاك النفط والغاز كوقود لهذه المحطات ، في حين أن المستقبل الواعد للطاقة النووية في مجال توليد الكهرباء وتحلية المياه يمكن أن يجعلها أحد المصادر التي يمكن أن يُعتمد عليها لتلبية الاحتياجات المتزايدة من الطاقة الكهربائية والمياه العذبة في دول المجلس(25).
ج جملة المميزات التي تحظى بها الطاقة النووية فمن مميزات الطاقة النووية أنها تقدم طاقة رخيصة على المدى الطويل، كما أن الطاقة النووية من مصادر الطاقة النظيفة، وإذا كانت مشكلة التخلص من النفايات النووية تمثل المشكلة الحقيقية للمفاعلات في تأثيرها على البيئة ، فالحقيقة أن حجم هذه النفايات النووية أقل بمراحل من النفايات الناتجة من محطات البترول أو الفحم(26).
د- بالنظر إلى ارتفاع أسعار البترول مع النقص في احتياطياته ، وبالنظر إلى التأخر في التوصل لبديل للطاقة الاندماجية، فإن العودة إلى الحل النووي لأزمة الطاقة العالمية تبدو حتمية ، ففي تقرير متشائم حول مستقبل الطاقة في العالم حذرت الوكالة الدولية للطاقة من نقص إمدادات البترول في الأسواق العالمية، مما سيؤدي إلى إرتفاع سعر البرميل بدرجة حادة ، وانخفاض كبير في معدل نمو الاقتصاد العالمي، ورسم التقرير صورة قائمة للاقتصاد العالمي في ظل الارتفاع الحاد في سعر البترول نتيجة انخفاض الإنتاج العالمي خلال الأعوام الخمسة القادمة واستمرار الزيادة في الطلب على البترول والغاز الطبيعي ، ومع التوقعات بارتفاع معدل الاقتصاد العالمي بنسبة (4.5%) نبّه التقرير إلى أن الطلب على البترول سيرتفع إلى (95.8) مليون برميل يوميا عام 2010م مقارنة ب (6،81) مليون برميل في العام الحالي، وفي الوقت نفسه يتوقع التقرير انخفاض إنتاج منظمة أوبك بمعدل مليوني برميل يومياً في عام 2009م، وانخفاض إنتاج الدول المنتجة من خارج المنظمة بمعدل (800) ألف برميل يومياً(27).
ه- ومن الأمور المرتبطة بهذا التحذير ما يراه بعض الخبراء من أن استهلاك النفط يزداد بمقدار 2% كل عام ، في الوقت الذي ينضب بمقدار 3%، وهو ما يعني أن الحاجة للنفط عام 2020م ستنقص بمقدار(50) مليون برميل يوميًا، وهو أكبر من إنتاج المملكة العربية السعودية بست مرات . وأنه في عام 2004م بلغ استهلاك البترول السنوي (29) مليار برميل ، وسيصبح (42) مليار عام 2020م ، وبحسب خبراء بترول دوليون فإن احتياطي النفط هو (1200) مليار برميل ، ولو بقي الاستهلاك دون زيادة فسوف ينفذ في أربعين سنة كامل الاحتياطي ، فكيف إذا تضاعف الاستهلاك ، بتعبير آخر بيننا وبين نهاية عصر البترول ربما ربع قرن أو أكثر بقليل(28).
و - تتوقع الدراسات الاستراتيجية أن المملكة ستستهلك عام (2010)م ما يقارب من (175) مليون برميل نفط ، و(77) مليون برميل ديزل ، و (96) مليون برميل زيت وقود لمحطات الكهرباء ومحطات التحلية ، ولو افترضنا أن سعر البرميل من البترول في تلك الفترة (70) دولار ، والديزل (13) دولار وزيت الوقود (50) دولار، سيصبح قيمة ما ستنفقه المملكة العربية السعودية لتوليد الطاقة (27) مليار دولار في سنة واحدة ، هذا بخلاف الغاز الطبيعي الذي يستخدم أيضاً في توليد الطاقة ، والذي من المتوقع أن يُحرق منه ما يعادل (88) مليون برميل عام 2010م ، أي أن تكلفة الغاز قد تصل بين (3) و (5) مليار دولار ، وعلى ذلك فإن قيمة ما سيُحرق من المواد الأحفورية لتوليد الطاقة في المملكة سوف يصل على أقل تقدير إلى (30) مليار دولار لعام 2010م فقط كوقود ، وفي المقابل فإن محطات الوقود النووية قادرة على إنتاج الكهرباء بقيمة (4.9 6) سنت لكل كيلووات ، وهذه القيمة للطاقة تبدو ذات جدوى أكثر من الطاقة المولدة بواسطة الوقود الأحفوري ، أي أنها تستطيع أن تنافس الغاز حتى لو نزل سعره إلى (4.7) دولار لكل ميلون وحدة حرارية ، وأن تنافس النفط ولو هبط سعره إلى (40) دولاراً، وذلك بحسب التقرير العالمي للطاقة لعام 2006م(29)..
ز- على الرغم من ارتفاع تكلفة بناء المحطات النووية قياساً ببناء المحطات التقليدية إلا أن تكلفة الإنشاء في المحطات النووية قد يصل إلى 3/4 التكلفة الإجمالية، بينما لا تشكل تكلفة الإنشاء في المحطات التقليدية سوى 20% من التكلفة الكلية للمشروع ، وبالمقابل فإن المحطات النووية تنتج الكثير من الطاقة فهي قادرة على إنتاج ألف ميجاوات، وبعضها يصل إنتاجه من (1600 1800) ميجاوات، بينما تبقى طاقة إنتاج المحطات التقليدية بحدود (300) إلى(800) وات .
الأبعاد السياسية والعسكرية
مع أن التوجه الخليجي لامتلاك الطاقة النووية يستند إلى مبررات استراتيجية واقتصادية قوية تتعلق بالأمن القومي في مفهومه الشامل ، إلا أن هناك العديد من الأسباب التى أعطت أبعاده السياسية والعسكرية أهمية خاصة أدت إلى تسليط الضوء عليها بشكل كبير من قبل الخبراء والمعنيين خلال الفترة الماضية وتقديمها على ما عداها إلى الحد الذي أدى إلى اعتبار الحديث عن أي نوع من التكنولوجيا النووية في الخليج يثير نوعًا من سباق التسليح النووي .
ولعل أهم الأسباب التي أعطت التوجه الخليجى أبعاداً سياسية وعسكرية تتمثل في أن الإعلان عن هذا التوجه جاء في الوقت الذي يحتدم فيه التوتر حول البرنامج النووي الإيراني ، ويشتد القلق الخليجي تجاهه، فضلاً عن تصاعد الاحتقان الطائفي في المنطقة وما يكشفه من توتر ظاهر في العلاقات الخليجية الإيرانية على هذه الخلفية ، والسبب الثانى هو التصريحات التي صدرت قبل القمة الخليجية عن أن انتشار أسلحة الدمار الشامل في المنطقة سوف يدفع بالدول المتقدمة فيها الى المبادرة إلى برامج نووية سرية كانت أم علنية بهدف خلق الاتزان العسكري في المنطقة دفاعاً عن مصالحها(30).
من هذا المنطلق يمكن القول إن التوجه الخليجي ينطوي على رسالتين أساسيتين، أولاهما: موجهة لطهران مفادها أن دول مجلس التعاون لن تقف مكتوفة الأيدي في مواجهة امتلاك إيران القدرة النووية ، والرسالة الأخرى موجهه للولايات المتحدة الأمريكية، ودفعها إلى مزيد من الحسم في التعامل مع إيران وسياسة التغلغل في المنطقة(31).
كما أن القمة العربية التي عُقدت في الرياض في مارس الماضي قد حذرت من سعي إيران لامتلاك تكنولوجيا الذرة ، إذ إن ذلك سيؤدي إلى سباق تسلح نووي تدميري وخطير في المنطقة ، على الرغم من أنَّ طهران كانت أول المرحبين بالإعلان الخليجي، حيث أبدت استعداداها بعد ساعات قليلة من هذا الإعلان على تقديم أي نوع من أنواع المساعدة التي يحتاجها الخليجيون في هذا الشأن، وإن رأى المحللون أن هذا العرض لا يوجد به شيء علمي، وأنه لا يعدو كونه رسالة سياسية أكثر منها رسالة جدية مفادها : أن طهران لا تعترض على أن تقوم الدول الخليجية باستخدام الطاقة النووية السلمية . فلماذا تكون هناك اعتراضات حينما يكون الحديث عن برنامج إيران النووي(32). وكان هذا الموقف الإيراني أحد أسباب الارتباك الذي اتسم به رد الفعل الأمريكي ، فقد دعمت الولايات المتحدة في البداية هذا التوجه النووى الخليجي، وقالت إنه يتفق مع توجيهاتها المشجعة للبحث عن مصادر بديلة للطاقة الهيدروكربونية، إلا أنها عادت وتراجعت في موقفها على لسان وزيرة خارجيتها التي قالت: " إنها تريد أن تعرف المزيد عن خطط دول الخليج لدراسة برنامج الطاقة النووية"، وهذا ما دفع الأمين العام لمجلس التعاون الخليجي إلى القول بأن الطموح النووي الخليجي مشروع، وأنه إذا أرادت أي جهة أن تطلع على الدراسة الخليجية في هذا الخصوص فإنه من الأفضل أن يكون ذلك بعد إتمام الدراسة(33).
تقوم الدول الخليجية باستخدام الطاقة النووية السلمية . فلماذا تكون هناك اعتراضات حينما يكون الحديث عن برنامج إيران النووي(32). وكان هذا الموقف الإيراني أحد أسباب الارتباك الذي اتسم به رد الفعل الأمريكي ، فقد دعمت الولايات المتحدة في البداية هذا التوجه النووى الخليجي، وقالت إنه يتفق مع توجيهاتها المشجعة للبحث عن مصادر بديلة للطاقة الهيدروكربونية، إلا أنها عادت وتراجعت في موقفها على لسان وزيرة خارجيتها التي قالت: " إنها تريد أن تعرف المزيد عن خطط دول الخليج لدراسة برنامج الطاقة النووية"، وهذا ما دفع الأمين العام لمجلس التعاون الخليجي إلى القول بأن الطموح النووي الخليجي مشروع، وأنه إذا أرادت أي جهة أن تطلع على الدراسة الخليجية في هذا الخصوص فإنه من الأفضل أن يكون ذلك بعد إتمام الدراسة(33).
الخلاصة
للمشروع النووي الخليجي انعكاساته على البنية الداخلية لدول مجلس التعاون الخليجي، لكونه يعكس إرادة حقيقية للنهضة في هذه المنطقة؛ لأن المنطقة تدخل عصراً جديداً من العلم والتقنية يمكن أن يكون الجسر الذي تعبر عليه إلى التقدم المنشود؛ ولأنه أيضا يؤكد أن هناك نية حقيقية لاستثمار كافة مصادر القوة التي تحتويها دول المجلس، فهذه الدول تمتلك قدرات مالية واقتصادية هائلة تسعى لتوظيفها في إحداث نقلة نوعية في مجال الكفاءة العلمية والتقنية للقوة البشرية الخليجية، كما يمكن أن يكون قاطرة لغيره من المشروعات، فضلاً عن كونه مشروعاً مشتركاً له مردودٌ اندماجي وتكاملي يفوق مردود أي مشروع آخر، علاوة على أن امتلاك الطاقة النووية حقٌ مشروع لكافة الدول بحسب المعاهدات والاتفاقات الدولية، خصوصاً وأن المشروع النووي الخليجي قد رافقه مستوى عالٍ من الشفافية بإشراك الوكالة الدولية للطاقة الذرية، والاستعانة بالخبرات الدولية المتميزة