كلُّ شئ يموت في النهاية، بما في ذلك المجرات. نعم المجرات تموت ايضاً، لكنْ ليس كموت الأجساد بسبب السقم، أو كفناء كتلة من الصخر بفعل الزمن، و لا حتى كموت كرة البلازما المتواضعة نسبياً التي ندور حولها . فكيف يحدث ذلك ؟
اليوم، سوف نتحدث عن حياة مجرتنا، مجرة درب التبانة. فإذا نظرنا الى المجرة كمجموعة من النجوم، فسنجدُ أنّ بعض هذه النجوم يشبه الشمس و بعضها الآخر لا يشبهها.
تستهلك الشمس الوقود؛ فتحوّلُ الهيدروجين إلى هيليوم عن طريق عملية الاندماج النووي. ويصل عمر الشمس الى حوالي خمسة مليارات عام، و يُتوقّع أن تدوم لخمسة مليارات سنة أخرى قبل أن تنتفخ لتصبحَ عملاقًا أحمرَ. حيث ستخسر تدريجياً طبقتها الخارجية و تنضغط لتصبح قزما أبيضَ يبدأ بالبرودة حتى تُعادلَ درجة حرارته درجة حرارة الكون من حوله .
و بما أن أي مجرة مثل درب التبانة هي بشكل أساسي مجموعة كبيرة من النجوم، فهل يكون موتها بموت آخر نجومها ؟
لكنّ المجرات لا تتكون فقط من النجوم، و إنما من سحب مهولة من الغبار و الغاز، كميات من غاز الهيدروجين من بعد بداية الكون قبل حوالي 13.8 مليار سنة.
كل النجوم في مجرتنا "درب التبانة" تكونت من هذا الهيدروجين البدائي، حيث تُولد النجوم في مجرتنا و في المجرات المشابهه لها في الحجم بمعدل 7 نجوم جديدة سنوياً , لكنّ مجرتنا "درب التبانه" للأسف استهلكت حوالي 90% من مخزونها الهيدروجيني؛ لذا فإنّ معدّل تكوّنِ النجوم فيها بدأ بالإنخفاض، وسيتوقف تماماً بمجرد استهلاك ما تبقى من غاز الهيدروجين.
عندما تستهلك مجرة درب التبانة كلَّ مخزونها الهيدروجيني ستبدأ رحلتها المحتومة ناحية مثواها الآخير بموت كلّ نجومها واحدة بعد الأخرى. آخذين في الإعتبار أن العمر الكلّي لنجم مثل شمسنا هو 10 مليارات سنة تقريباً، بينما تعيش النجوم الأصغر مثل الأقزام الحمراء الباردة حوالي عدة تريليونات من السنين.
تلك ستكون النهاية، حين يُستهلكُ كلُّ الغاز في المجرة و تفنى كلُّ نجومها. هذا هو سيناريو موت مجرتنا بافتراض أنها المجرة الوحيدة الموجودة في الكون. لحسنِ الحظ فإنّ مجرّتنا ليست الوحيدة في الكون، فهي محاطة بالعشرات من المجرات القزمة التي من المحتمل أن تندمج مع مجرتنا. و كلّ عملية اندماج تعني ضخّ مزيدٍ من الدم الكوني في عروق درب التبانة "أي المزيد من النجوم و المزيد من غاز الهيدروجين"، ومن ثَمّ زيادة عمرها المتوقع.
إحدى المجرات التي يتوقّعُ لها أن تندمج مع مجرتنا هي جارتنا الكبيرة مجرة المرأة المسلسلة "الأندروميدا" المتجهة نحونا، والتي يُتوقع لها ان تندمج مع مجرتنا خلال بضعة مليارات سنة قادمة. عندما يحصل هذا الاندماج سيبدأ عصرٌ جديدٌ تولدُ فيه نجومٌ جديدة بسبب توفّر كميّات إضافية من غاز الهيدروجين نتيجةً لعملية الاندماج. ستستمر عملية الاندماج هذه حتى تندمج كلُّ المجرات الموجوده في الكون و المرتبطة معاً بالجاذبية؛ لتؤول الى مجرة إهليلجية عملاقة. هذا الإندماج الكوني للمجرات لن يوقفَ النهاية المحتومة "موت المجرة" و إنما سيؤجله فقط.
مجرة المرأة المسلسلة "الأندروميدا"Credit: Adam Evans
نرى اليومَ العديد من هذه المجرات الأحفورية "الإهليلجية" عندما ننظر إلى لفضاء الخارجي، منها مجره M49 "مجرة إهليلجية ضخمة جدا"، و لا أحد يدري كم مجرة حلزونية كبرى اندمجت معا لتكوّن هذه المجرة.
المجرات الإهليلجية هي مجرات ميتة تسعى في الفضاء، فقد استهلكت كلَّ مخزونها من غاز الهيدروجين الضروري لتكوين نجوم جديده، و ما تبقى منها هي نجوم في طريقها للموت. و كما أسلفنا فهي مسألة وقتٍ حتى تموت هذه النجوم واحدةً تلو الأخرى؛ لتُعدّ ميتة بمجرد ان تصبح درجة حرارتها "أي درجة حرارة النجوم" مساوية لدرجة حرارة الكون من حولها؛ عندها سيُعلن في الفضاء عن موت مجرة.
إيتا كارينا تلمع ببهاء في أشعة-إكس، في هذه الصورة من مرصد شاندرا
طالما أنّ للمجرّة مخزونها الخاص من غاز الهيدروجين، أو مخزونها الجديد المضاف من هذا الغاز نتيجةً لاندماجها بمجرة أو مجرات أخرى، فإنّ مثل هذه المجرة تُعدُّ مجرة مزدهرةً قادرةً على ولادة نجوم جديدة، و هذا يعني استهلاك المزيد من الهيدروجين حتى يتم استهلاك آخر مقدار من الهيدروجين المتاح لها، وعندها تبدأ النهاية.
https://nasainarabic.net/education/articles/view/galaxies-die