تُظهر الصورة ما يقارب الـ 50 ألف مجرة تم اكتشافها باستخدام الأشعة تحت الحمراء خلال مهمة (2MASS).
Credit: 2MASS/T. H. Jarrett/J. Carpenter/R. Hurt
أدرك العلماء منذ مدةٍ طويلة أن مجرة درب التبانة (Milky Way Galaxy) ليست وحدها في هذا الكون؛ فهي تُعد جزءاً من مجموعةٍ محليةٍ تضم 54 من المجرات الكبيرة والمجرات القزمة. كما أنها جزءٌ من مجموعة أكبر تدعى مجموعة العذراء العظمى (Virgo Supercluster) لذا باستطاعتنا القول أن مجرتنا درب التبانة لديها الكثير من المجرات المجاورة لها.
لقد اعتقد الناس أن مجرة أندروميدا (Andromeda Galaxy)، من بين جميع المجرات الأخرى المجاورة لنا، هي الشريك المجري الأقرب إلينا. ولكن في حقيقة الأمر، تعد مجرة أندروميدا أقرب مجرةٍ لولبيةٍ إلينا، لكنها ليست الأقرب من ناحية المسافة. ففي الواقع، يعود سبب هذا التمييز إلى وجود منظومة أخرى داخل مجرة درب التبانة نفسها؛ وهي عبارة عن مجرة قزمة (dwarf galaxy) تحمل اسم مجرة الكلب الأكبر (Canis Major Dwarf Galax).
تبعد هذه المجموعة النجمية عن مركز المجرة 42 ألف سنةٍ ضوئية، كما تبعد عن نظامنا الشمسي 25 ألف سنة ضوئية تقريباً، مما يجعلها أكثر قُرباً إلينا من مركز مجرتنا الذي يبعد 30 ألف سنةٍ ضوئيةٍ عن النظام الشمس.
وفي المرحلة التي سبقت اكتشافها، اعتقد علماء الفلك أن مجرة القوس القزمة Sagittarius Dwarf Galaxy هي أقرب منظومةٍ مجريةٍ إلينا، حيث تبعد عن الأرض 70 ألف سنةٍ ضوئية. وفي عام 1994، تم اعتبارها أقرب إلينا من سحابة ماجلان الكبرى Large Magellanic Cloud أو اختصاراً LMC، وهي عبارةٌ عن مجرةٍ قزمة غير منتظمةٍ تبعد عنا 180 ألف سنةٍ ضوئية. وقد حملت فيما مضى لقب: الجار الأقرب إلى الأرض.
تُوضح الصورة مجرة الكلب الأكبر القزمة والمد والجزر المجري التابع لها (يظهر باللون الأحمر) بما يتعلق بمجرتنا درب التبانة. Credit: R. Ibata (Strasbourg Observatory, ULP) et al./2MASS/NASA
في عام 2003، تغيّرت كل هذه المعطيات عندما تم اكتشاف مجرة الكلب الأكبر من ِقبل المسح الميكروي الثنائي لكامل السماء (Two Micron All-Sky Survey)، أو اختصاراً 2MASS، وهي عبارة عن مهمة فلكية ناجمة عن جهد مشترك حدث بين عامي 1997 و2001.
لقد استطاع علماء الفلك إجراء مسحٍ شاملٍ للسماء باستخدام الأشعة تحت الحمراء، واستخدموا لمسح نصف الكرة الأرضية الشمالي مرصد جبل هوبكنز في أريزونا Mt. Hopkins Observatory in Arizona، ولمسح نصف الكرة الأرضية الجنوبي اعتمدوا على مرصد كرو تولولو في التشيلي Cerro Tololo Inter-American Observatory in Chile، ويعود سبب استخدام العلماء للأشعة تحت الحمراء في عملية المسح إلى كونها تستطيع اختراق الغازات والغبار الكوني، وذلك على عكس الضوء المرئي.
وبفضل استخدام هذه التقنية، استطاع علماء الفلك اكتشاف مجموعةٍ مهمة من النجوم الضخمة شديدة الكثافة من نوع M، تقع في جزء من السماء تحتله كوكبة الكلب الأكبر، كما اكتشفوا إلى جانبها هياكل أخرى تتألف من نجومٍ مشابهة لها يُشكل كل اثنتين منها قوساً عريضاً وباهتاً بعض الشيء (كما توضح الصورة في الأعلى).
ومما جعل اكتشاف هذه المنظومة أمراً سهلاً هو طريقة انتشار وتوزع النجوم من نوع M فيها، إذ لا تعد هذه النجوم الباردة، والتي تدعى الأقزام الحمراء (red dwarfs)، مضيئةً جداً مقارنة مع الفئات الأخرى من النجوم، كما لا يمكن رؤيتها بالعين المجردة، لكنها على أية حال تظهر بأعدادٍ كبيرةٍ جداً، و تتألق بألوان زاهية عند رؤيتها بواسطة الأشعة تحت الحمراء.
رسم توضيحي يُظهر التوقد القوي جداً بشكل لا يُصدق لنجم القزم الأحمر المسمى EV Lacertae. Credit: Casey Reed/NASA
تتميز المجرة، بالإضافة إلى تكوينها، بأنها ذات شكلٍ إِهْلِيلجِيّ (بيضوي)، كما يُعتقد بأنها تحتوي على عدد كبير من النجوم مشابه للعدد الموجود في مجرة القوس القزمة، والتي اعتُقد فيما مضى أنها أقرب مجرةٍ إلى موقعنا في درب التبانة.
يوجد بالإضافة إلى المجرة القزمة نفسها، خيط طويل من النجوم التي يمكن رؤيتها وهي تتدلى خلفها. ويُشار إلى هذا الهيكل المعقد والدائري الشبيه بالحلقة باسم حلقة الحصان وحيد القرن Monoceros Ring، وهو ينعطف حول المجرة ثلاث مرات. وقد اكتشف علماء الفلك هذا الشعاع للمرة الأولى في أوائل القرن الحادي والعشرين باستخدام المسح السماوي الرقمي سلون (Sloan Digital Sky Survey).
وقد تم اكتشاف مجرة الكلب الأكبر القزمة أثناء البحث والتقصي في هذه الحلقة من النجوم، مع مجموعات متقاربة من العناقيد الكروية (globular clusters) المشابهة لتلك النماذج الموجودة في مجرة القوس القزمة.
تقول النظرية الحالية أن هذه المجرة قد التصقت أو تم ابتلاعها من قبل مجرة درب التبانة. وتدور العناقيد الكروية الأخرى حول مركز مجرتنا كما الأقمار الصناعية، ويُقصد بهذه العناقيد كل من 1851 NGC و NGC 1904 وNGC 2298 وNGC 2808،حيث يعتقد أنها كانت جزءاً من مجرة الكلب الأكبر القزمة قبل التحاقها بمجرتنا.
تُظهر الصور أمثلة على المجرات المندمجة. Credit: NASA, ESA, the Hubble Heritage Team (STScI/AURA)-ESA/Hubble Collaboration and A. Evans (University of Virginia, Charlottesville/NRAO/Stony Brook University), K. Noll (STScI),
وفّر اكتشاف هذه المجرة والتحليل اللاحق للنجوم المرتبطة بها، بعض الدعم للنظرية القائلة بأن المجرات تنمو في الحجم عن طريق ابتلاع جيرانها الأصغر حجماً؛ مما يعني أن مجرة درب التبانة أصبحت في الحجم الذي هي عليه الآن عبر ابتلاع المجرات الأصغر حجماً مثل الكلب الأكبر، ولا تزال مستمرة في فعل ذلك إلى الآن. وبِحكم التعريف يمكننا اعتبار مجرة الكلب الأكبر القزمة الجار الأقرب إلينا، وذلك على اعتبار أن النجوم في الكلب الأكبر تُشكل من الناحية التقنية جزءاً من درب التبانة.
يعتقد علماء الفلك أيضاً أن مجرة الكلب الأكبر القزمة يتم سحبها بعيداً بواسطة مجال الجاذبية الهائل لمجرة درب التبانة. وبالفعل يُعتبر الجسم الرئيسي لمجرة الكلب الأكبر مُتدهوراً للغاية، وهذا التدهور سيستمر مادامت تنتقل حول مجرتنا أو من خلالها. ومع مرور الوقت، سيؤدي استمرار عملية النمو والتراكم في نهاية المطاف، إلى ازدياد عدد النجوم في مجرة الكلب الأكبر من مليار إلى 200 أو 400 مليار، وهي بالفعل جزء من مجرة درب التبانة.
في المرحلة التي سبقت اكتشافها، حملت مجرة القوس القزمة لقب أقرب جار إلينا، حيث تبعد عنا 75 ألف سنةٍ ضوئية، وقد تم اكتشافها عام 1994، وهي عبارة عن مجرة قزمة تتألف من أربع مجموعاتٍ من العناقيد كروية الشكل تقاس بـ 10 ألاف سنة ضوئية. وقبل اكتشافها، اعتُقد أن سحابة ماجلان الكبرى هي الجار الأقرب إلينا.
تُعتبر مجرة أندروميدا M31 أقرب مجرة حلزونية إلينا، ويعتقد أنها ترتبط ثقالياً مع درب التبانة، لكنها لا تعتبر الأقرب على الإطلاق حيث تبعد مليوني سنة ضوئية عنا. من ناحية أخرى، تقترب هذه المجرة حالياً من مجرتنا بسرعة تبلغ حوالي 110 كم في الثانية، ومن المتوقع أنه خلال 4 مليارات سنة، ستندمج مجرة أندروميدا مع مجرتنا لتشكلا سويةً مجرةً واحدً فائقة الكبر.
https://nasainarabic.net/education/articles/view/the-closest-galaxy-to-the-milky-way