هل سيؤدي إطلاق ثقب أسود مؤلف من المادة المضادة (antimatter black hole) على ثقب أسود اعتيادي إلى تدميرهما على حد سواء؟
لقد تساءلتُ بصوتٍ عال عن كيفية تدمير ثقبٍ أسود، ذلك لأنني أتحدث أحياناً إلى نفسي وتكون هناك كاميرا تراقبني في بعض الأحيان!
وقد اقترحتُ مجموعةً من الأفكار المجنونة، مثل تفجيره بالصواريخ، أو إطلاق أشعة الليزر عليه، أو ضربه بالكواكب. ولكن أياً من هذه الطرق لن تجدي نفعاً، بل إن كلَّ هذا سيجعله أكبر وأكثر غضباً.
وكما يبدو فإن السبيل الوحيد لهزيمة ثقب أسود هو أن تجثو على يديك وتنتظره حتى يتبخّر! ولكن ذلك لن يكون مفيداً إذا جذبك هذا الثقب الأسود باتجاهه، خاصةً إذا كنت تشعر بذلك في هذه الأثناء!
لقد ذكرتُ فكرةً واحدة، ألا وهي المادة المضادة، وقد صرفت النظر عنها بحجّة أنها طريقة أخرى ميؤوس منها وعديمة الجدوى للقضاء على هذا المسخ المجري.
لكن مهلاً... ألا تقولون بأن المادة المضادة هي نقيض المادة الاعتيادية؟ ألا يؤدي جمع رقم موجب مع رقم سالب إلى فناء كل رقم مع الآخر؟
لم لا يُؤيّدني أستاذ العلوم الغول ذو الدم الأخضر والآذان المدببة في ذلك؟
لماذا لا يمكن لنا أن نضخ المادة المضادة لتُفني المادة الاعتيادية التي تؤلف الثقب الأسود وتحفر طريقاً للهروب؟
إن المادة المضادة هي المادةُ العادية نفسها، باستثناء أن كلّ شيء يكون معكوساً: الشحنات الكهربائية، واتجاه السبين (spin)، وترتيب كل الجسيمات الصّغرى التي تكوِّن المادة، كل شيء معكوس.
يكون كل شيء معكوساً إلا الكتلة، فالإلكترون المضاد يمتلك نفس كتلة الإلكترون بالضبط.
أما الجزء الذي يهمك فهو التالي: عندما تتصادم كميات من المادة والمادة المضادة، فإنها تُبيد بعضها البعض. لكنها لا تختفي أو تفنى، بل تتحول إلى طاقة نقية.
وكما أوضح آينشتاين لنا، فإن الطاقة والكتلة هما وجهان لعملةٍ واحدة. يمكن أن تتحول الكتلة إلى طاقة، وأن تتحول الطاقة إلى كتلة.أما الثقب الأسود فهو يحول كل شيء، سواءً كان مادة أو طاقة، إلى ثقبٍ أسودَ أيضاً.
تخيّل ثقباً أسود بالنكهة العادية وثقباً أسود بالنكهة المضادة وبنفس الكتلة وهما يصطدمان معاً. سوف يُبيد الاثنان بعضهما البعض ويتحولان إلى طاقة صرفة.
إن جاذبية الثقب الأسود هي بالطبع من الكبر بحيث أنها لا تسمح حتى بهروب الضوء. إذاً ستتحول كل الطاقة إلى ثقب أسود على الفور. تريد المزيد من الثقب الأسود؟ إذاً ضع أشياءَ بداخل الثقب الأسود.
إذا ارتطم هذان الثقبان الأسودان معاً، فسوف تحصل في نهاية المطاف على ثقب أسود تبلغ كتلته ضعف الكتلة التي كانت لديك من قبل.
بالإضافة إلى ذلك فإن صنع ثقبٍ أسود من المادة المضادة سيكون باهظ الثمن. يتم إنتاج المادة المضادة في مسرعات الجسيمات، حيث تُسرّع البروتونات في حلقة هائلة إلى أن تقترب من سرعة الضوء، ثم تصطدم ببعضها البعض.
يتم تحويل الزخم الكلي للجسيم إلى كتلة حسب معادلة أينشتاين الشهيرة e=mc2. ويولّد كل تصادم حفنةً صغيرة من الجسيمات التي يمكن جمعها واحتوائها في حقل مغناطيسي لإبقائها في مكانها ومنعها من التعرض للإبادة.
وفقاً لناسا فإن إنتاج غرام واحد من مضاد الهيدروجين يمكن أن يكلف حوالي 62.5 تريليون دولار. إنها أغلى مادة يمكن صنعها على الأرض.
ويمكن حتى أن يكون الأمر أكثر تكلفة من ذلك. قد يكون المصادم الهايدروني الكبير (Large Hadron Collider) قادراً على توليد ثقوبٍ سوداء مجهرية، لكن هذا لم يحدث بعد. إذا استطاع الفيزيائيون التوصّل إلى المعادلات الرياضية، فنستطيع صنع ثقوبٍ سوداء مجهرية مؤلفة من المادة المضادة من خلال ضرب جسيمات الهيدروجين المضاد معاً. ولكن التكاليف المترتبة عن ذلك يمكن أن تجعل إنتاج المادة المضادة أمراً تافهاً للغاية.
خلاصة القول: إذا تزاوج ثقب أسود من المادة الاعتيادية مع ثقب أسود من المادة المضادة في الفضاء، فإنهما لن يختفيا.
إن تغذية الثقب الأسود بالمادة المضادة لن تجدي نفعاً، فهي ستكون بالنسبة له كالمادة أو الطاقة الاعتيادية. إنها فقط تزيد من كتلة هذا الثقب الأسود. وسوف يوفر ذلك عليك بعضاً من المال عوضاً عن أن تصرفه في عملية إنتاج المادة المضادة المكلفة.
وسيقول لسان حال هذا الثقب الأسود: أهلاً وسهلاً بك أيها المسافر، ولكن وداعاً، فمخازنك من المادة المضادة لن تنفعك اليوم!
https://nasainarabic.net/education/articles/view/black-hole-met-an-antimatter-black-hole