ماذا يعني اكتشاف مصر لاضخم حقل غاز في البحر المتوسط؟
محمد سكر
1. أزمة طاحنة للطاقة في مصر:
طالما كان احتياطي وإنتاج مصر لمصادر الطاقة “النفط ـ الغاز” متواضع للغاية، ولا يلبي حاجة السوق والاستهلاك المتزايد، حيث يصل الاحتياطي المصري من النفط والغاز إلي 18.3 مليار برميل مكافئ، ويمثل احتياطى الغاز الطبيعي حوالي 75% من هذه الاحتياطيات – بحسب آخر إحصائيات الشركة القابضة للغازات وهو احتياطي ضئيل مقارنةَ بالاحتياطي السعودي من النفط والغاز، الذي يصل لـ267 مليار برميل.
بالرغم من ضعف الاحتياطي المصري، فإن استهلاك مصر لمصادر الطاقة يزداد سنوياً بنسبة 3%، مما يجبر مصر علي استيراد 50% من احتياجاتها من البترول الخام، بالإضافة إلي المشتقات، وكذلك تستورد نصف احتياجاتها من الغاز الطبيعي عن طريق شراء حصة الشريك الأجنبي، ومع تراجع الدعم الخليجي، واضطرار الحكومة المصرية دفع مستحقات شركات الطاقة الأجنبية، ظهرت الأزمات الطاحنة التي عاني منها المواطنين في قطاعي الوقود و الكهرباء بالتحديد.
2.أمل جديد و طوق نجاة للحكومة.. لم يكن متوقعاً ويظهر في توقيت حاسم.
مع تفاقم الأزمة واستمرار استيراد مصر لنصف احتياجاتها من الطاقة واقترابها من إبرام، عقد طويل الأمد لاستيراد الغاز من حقل تمار الإسرائيلي، أعلنت شركة “إيني Eni” الإيطالية يوم الأحد الماضي 31 أغسطس ـ الشركة المالكة لحقوق التنقيب عن مصادر الطاقة داخل مياهنا الإقليمية بالمتوسط وسيناء وخليج السويس – عن اكتشافها أكبر حقل غاز في البحر المتوسط، ومرجع أن يكون من أكبر حقول الغاز في العالم، يقع في المياه الإقليمية المصرية، تحديداًعلي بُعد 190 كلم شمال شرق سواحل بورسعيد، في منطقة امتياز الشروق ـ المنطقة الاقتصادية الخاصة المصرية ـ بالبحر المتوسط، ويقع علي مساحة 100 كيلومتر مربع، وعلي عمق 1450 متراً، وقد يصل عمقه الأقصي لـ4131 متراً، كما يصل سُمك طبقات الحاملة للغاز في هذا الحقل لـ600 متر.
الجدير بالذكر، أن أغلب الحقول المصرية للغاز كانت تحوي طبقات حاملة للغاز بسُمك 30 متراً فقط، مما يوضح ضخامه احتياطي هذا الاكتشاف، حيث أعلنت الشركة أن الحقل المكتشف “ظهر” يحتوي علي احتياطات تقدر بـ30 تريليون قدم مكعب من الغاز، أيّ 30TFC ، وهي كمية تعادل نصف احتياطي مصر من الغاز، ونصف ماحققته كل الشركات الأجنبية في تاريخ مصر منذ اكتشاف الغاز بمصر لأول مرة عام 1967، فطبقا لمعدلات استهلاك مصر للغاز التي تبلغ 1.5Tfc سنوياً، فإن الحقل المكتشف سيكفي احتياجات مصر من الطاقة لمدة عشر سنوات علي أقل تقدير.
3. بنود الاتفاقية مع ” إيني” ..إنصاف للحكومة ام العكس؟
تعتمد الدول في تنقيبها عن مصادر الغاز علي الشركات الدولية للتنقيب عن الغاز النفط، لأن عمليات التنقيب والكشف تجري علي أعماق سحيقة تحت سطح البحر، فمثلا الاكتشاف الأخير يقع علي عمق 1500 متر، يتطلب الوصول لطبقات الغاز الحفر من قاع البحر 2500 متر، وذلك يتطلب تكنولوجيا متطورة ومعقدة للغاية، تحتكرها الشركات الأجنبية، ومن ضمنها “إيني” الإيطالية.
تعد “إيني” الإيطالية سادس أكبر شركة نفط بالعالم، تعمل في مجال الهندسة، وخدمات حقول مصادر الطاقة من النفط والغاز، كما تستخدم أكثر وسائل التكنولوجيا تطوراً في مشروعات عملاقة تشمل التنقيب عن النفط، والغاز الطبيعي، وتطوير الحقول والإنتاج، وكذلك في مجال توريد وتجارة وشحن الغاز الطبيعي والغاز الطبيعي المسال، والكهرباء، والوقود، والمنتجات الكيماوية، وهذه ليست المرة الأولي تعمل فيها الشركة بمصر، حيث تعمل منذ خمسينيات القرن المنصرم، فقامت بتأسيس شركة لها في مصر تُدعي IECO.
ومن وقتها تتوالي الاكتشافات، فشهد عام 1967 الكشف عن أول حقل غاز مصري بدلتا النيل، والشركة حسب العقود المبرمة مع الحكومة تمتلك حقوق التنقيب عن مصادر الطاقة بالبحر المتوسط وخليج السويس وسيناء لمدة 35 عاماَ.
ألزمت الحكومة المصرية الشركة الأجنبية في عقدها بإنفاق لا يقل عن مبلغ ٣٠ مليون دولار أمريكى “٢٤٠ مليون جنيه مصرى” على أعمال البحث والأنشطة المتعلقة به خلال الفترة الأولى التى تمتد ٣ سنوات تبدأ فى موعد أقصاه شهر يوليو ٢٠١٤.
كما نصت الاتفاقية على تقديم الشركة الأجنبية خطاب ضمان آخر بمبلغ لا يقل عن 60 مليون دولار أمريكي، أيّ حوالي 480 مليون جنيه مصري، في المرحلة الثانية من البحث، تبدأ في موقع أقصاه شهر يوليو 2017، ومبلغ 60 مليون دولار أمريكي آخر، حال امتداد فترة البحث لعامين آخرين.
وذكرت الاتفاقية أن تتحمل شركة إيجاس “الممثلة في الحكومة المصرية” 80% من تكاليف الإنتاج، ويتحمل المقاول 20% من التكاليف.
يقول حمدي عبد العزيز، المتحدث باسم وزارة البترول، إن الغازالمستخرج من الحقل الجديد الذي أعلنت عنه الشركة الإيطالية في المياه المصرية بالبحر المتوسط، سيتم تقسيمه بنسبة 40% لـ”إيني” لاسترداد التكاليف، وتقسيم الـ60% الباقية بين الشركة بـ35%، و65% للشركة القابضة للغازات الطبيعية “إيجاس”.
ويوضح محمد علي الغزلاوي، مهندس مصري يعمل في شركة “إيني”، أن حصة الشريك الأجنبي تنقسم لمرحلتين، الأولي:
مرحلة الاستكشاف، وحصة الشركة الأجنبية منها 100%، أي أن الشركة تتكفل بكل تكاليف ومصاريف الحفر والتنقيب، علي أن تسترجع مصاريفها في مرحلة الإنتاج، وفي حال عدم تحقيق اكتشاف تجاري، تتحمل الشركة وحدها التكاليف.
ومرحلة الإنتاج، فالنسبة تقترب للمناصفة بين مصر والشريك الأجنبي، ولمصر أولوية في شراء حصة الشريك الأجنبي من الغاز بسعر تفضيلي، مما يجعل العقد المبرم مع الشركة منصف إلي حد كبير للحكومة، ويضمن تدفق الغاز للسوق والاستهلاك المحلي المصري في وقت أسرع، كما ذكرت الشركة في بيانها.
4.التبعات الاقتصادية لهذا الاكتشاف… من شأنه تغيير قواعد لعبة الطاقة لصالح مصر
”اكتشاف أحد أكبر حقول الغاز الطبيعي في العالم على سواحل مصر في البحر المتوسط من شأنه تغيير قواعد لعبة الطاقة لصالح مصر”..
هكذا تحدث رئيس مجلس إدارة شركة “إيني” الإيطالية، كلاوديو ديسكالزي، معتبرا أن الحقل الذي اكتشفته الشركة حدثٌ مهم للغاية بالنسبة لمصر ومنطقة البحر الأبيض المتوسط من حيث الاستقرار في قطاع الطاقة.
وأضاف أنه لا يستطيع تحديد جدول زمني لبدء ضخ الغاز المستكشف للأسواق، لكنه أكد أن التطورات ستكون إيجابية وسريعة لقرب موقع الحقل المستكشف من منشآت معالجة الغاز الطبيعي التابعة لشركة “إيني” والحكومة المصرية.
للمرة الاولي تتبسم الظروف لمصر في قطاع الطاقة.
الكمية الضخمة من الاحتياطي بالحقل المعلن عنه تتطلب بنية حديثة تحقق أقصي إفادة من الغاز المكتشف وبأسرع وقت، ومن حسن الحظ أن مصر لديها مصانع ضخمة لإسالة الغاز وتصديره في دمياط بالتحديد، ناهيك عن خطوط وأنانيب تصدير الغاز ووحدات المعالجة والتخزين، خصوصا في حقل التمساح، حيث إن القيمة المالية لاحتياطي هذا الحقل تصل لـ60 مليار على أقل تقدير، وستكون هناك قيمة إضافية أخري، كما يقول المهندس علي الغزلاوي في حال استغلال الغاز المكتشف في صناعة السماد وإنتاج الكهرباء وإدارة المصانع.
كما أن دول المتوسط كاليونان وقبرص ليس لديها البنية التحتية التي تمتلكها مصر في صناعة الغاز، لذا فإن مصير إنتاج وتصدير الطاقة في المتوسط سيأخذ منحني جديداً وسيكون لمصر النصيب الأكبر من الريادة في هذه الصناعة، خصوصا بعد إعلان رئيس الشركة القابضة للغازات “خالد عبد البديع” إن إجمالى الاستثمارات التى ستضخها «إينى» فى كشف الغاز الجديد فى مصر سيصل إلى 7 مليارات دولار مع اكتمال عملية التنمية للحقل الذى تم الإعلان عن اكتشافه حديثا.
وأضاف “عبد البديع” أن الاستثمارات المبدئية فى تطوير الكشف الغازى الضخم فى المياه المصرية تبلغ نحو 3.5 مليار دولار، ومع اكتمال عملية التنمية للحقل ستزيد الاستثمارات إلى 7 مليارات دولار، متابعا أنه سيتم حفر 20 بئر إنتاج فى الحقل، ولم يحدد موعد بدء هذه الخطوة، فيما قال إن عملية حفر الآبار ستستغرق ثلاث سنوات.
يذكر أن الحكومة المصرية قررت وقف أي اتفاقيات بترولية قادمة للبلاد لمدة 3 سنوات بعد الإعلان عن اكتشاف حقل الغاز “ظهر” بمنطقة امتياز شروق داخل المنقطة الاقتصادية المصرية الخاصة.
اين سيذهب الغاز المكتشف؟
نتيجة لزيادة وتيرة استهلاك الطاقة بمصر 3% سنوياً، فإن الوجهة الأولي للغاز المكتشف ستكون للسوق المحلية وليس للتصدير؛ من أجل تحقيق الكفاية في قطاع الكهرباء والوقود خصيصاً.
وكما تشير التقارير إلى أن منطقة امتياز الشروق، التي تم بها اكتشاف الحقل، مرجح أن تحتوي على احتياطات أخري من الغاز ستظهر خلال السنوات المقبلة مع استمرار عمليات التنقيب والحفر، خصوصا بعد إبرام مصر لمذكرات تفاهم واتفاقيات مع اليونان وقبرص في مسألة ترسيم الحدود البحرية والتعاون في مجال الطاقة بشرق المتوسط، في هذه الحالة مرجح لمصر أن تكون مُصّدّرا للغاز بعد كفايتها للسوق المحلية.
تبعات الاكتشاف على إسرائيل.. صدمة وخسائر في البورصة.
“صفوها بالقنبلة أو علي الأقل مفاجأة صادمة، لكن من المحتمل أن تتغير قصة الحب الإسرائيلية مع التنقيب مع الغاز إبتداءاً من اليوم”.
هكذا تحدث السيد “يعقوف إيلون”، مقدم برنامج “مبات” علي القناة الأولي الإسرائيلية حول الإكتشاف المصري.
كما هاجم مراسل الشؤون الاقتصادية بالقناة “دودي نيسيه” عددًا من الوزراء الإسرائيليين الذين تلكؤوا في الموافقة على عقد لتصدير الغاز لمصر من حقل “ليفياثان” الإسرائيلي، مضيفًا: “العالم لا ينتظر قرار الوزير درعي – وزير الاقتصاد- فعمليات التنقيب مستمرة في نبش باطن الأرض بالبحر المتوسط، وها نحن اليوم بصدد الإعلان اليوم عن اكتشاف حقل عملاق للغاز الطبيعي”.
وكتب الصحفى “آفي برائيلي” على موقع “ذا ماركر”، الملحق الاقتصادي لصحيفة “هآرتس”: “هناك حاجة ماسة للإسراع بتوقيع اتفاق تصدير الغاز الإسرائيلي لمصر”، فيما قال “ليئور جوتمان” على موقع “كالكاليست” إن المتضرر الأول من اكتشاف حقل غاز بهذا الحجم الكبير هو حقل ليفياثان الذي وقع مذكرتي تفاهم لبيع الغاز لمصر والأردن بقيمة مالية تقدر بنحو 50 مليار دولار.
وقال “عوديد جرانوات” محلل الشؤون العربية بالقناة الأولي الاسرائيلية، إن الاكتشاف المصري يغلق الباب أمام إتمام صفقة تصدير الغاز الإسرائيلي لمصر، ويعرقل إلى حد كبير النظرية الإسرائيلية لتصدير الغاز.
وكتب الصحفي الإسرائيلي “يؤاف شاحام” على موقع “المصدر” الإسرائيلي: “الاكتشاف التاريخي لأكبر حقل غاز في البحر المتوسط يُهدد بتحويل حقل الغاز الإسرائيلي إلى حقل غير ذي صلة عليه بالنسبة للخطط التي وُضعت سابقًا بخصوص التصدير إلى مصر”، مضيفا أن الاكتشاف المصري زاد النقاش الحاد في إسرائيل المتعلق بالخطة الاقتصادية المُناسبة لتطوير حقول الغاز في شواطئ الدولة البارحة مُنعطفًا هامًا على إثر إعلان شركة إيني الإيطالية عن اكتشاف أكبر حقل غاز في البحر المتوسط إطلاقًا”.
لم يكشف البيان الذي أصدرته “إيني” ما الإمكانية الفعلية للعثور على الغاز، ولا يتعدى الحديث في هذه الفترة مسألة التوقعات بالعثور على حقل الغاز، ولم يتم بعد التنقيب أو القيام بأية محاولة، لكن في حال التأكد من هذه التقديرات، فمن شأن الاكتشاف أن يُبعد العملاء عن الغاز الإسرائيلي ويقربهم من الغاز المصري، بحسب التقديرات الإسرائيلية.
أيضًا، سيضر الاكتشاف – وفق وسائل الإعلام الإسرائيلية- باحتمال تطوير حقل الغاز الإسرائيلي “ليفياثان”، الذي يستند على مصر كعميل أساسي؛ إذ لن تكون هناك حاجة أبدًا لأن تستورد مصر الغاز من أية دولة أخرى، بحسب “عوديد عيران”، من معهد أبحاث الأمن القومي الإسرائيلي، للصحيفة الاقتصادية “ذا ماركر”، والذي أكد أن الاكتشاف المصري يعد تأبينا لحقل ليفياثان الإسرائيلي المُزمع بدء العمل فيه.
وقالت نائبة الكنيست “شيلي يحيموفيتش”، إن حقيقة أن مصر لن تشتري الغاز من إسرائيل الآن تتطلب النظر في تغيير تلك الخطة.
حسناً لنترك المحللين و الصحفيين الاسرائيليين قليلاً و لنتجه نحو بورصة تل ابيب لنر كيف استقبلت الاعلان عن هذا الاكتشاف الضخم؟
وبحسب تقارير وسائل الإعلام الإسرائيلية، فإن مؤشر شركات النفط والغاز في بورصة تل أبيب سجل انخفاضاً بنسبة تقارب 13% بعد الاعلان عن اكتشاف حقل “ظهر”، وبدأت أسهم شركات التنقيب عن الغاز في إسرائيل تداولاتها، الاثنين الماضي، على هبوط حاد بعدما قالت شركة “إيني” الإيطالية إنها اكتشفت أكبر حقل غاز معروف في البحر المتوسط قبالة السواحل المصرية.
وقال وزير الطاقة الإسرائيلي، يوفال شتاينتس، إن الحقل الذي قالت إيني إنه قد يغطي احتياجات مصر من الغاز لعقود، له تداعيات سلبية على إسرائيل التي تتطلع إلى تصدير غازها إلى مصر.
وعلي صعيد آخر، زعم تقرير لموقع “ديبكا” التابع للاستخبارات الإسرائيلية، امتلاكه معلومات سرية عن حقل الغاز المصري الجديد منذ منتصف أغسطس الماضي، كما أشار الموقع في تقريره إلى أن قرار وقف “نتنياهو” لتسعيرة الغاز عن الشركات الخاصة، فتح قنوات استثمارية جديدة في هذا المجال مع تركيا، الذي يزور وفد لها إسرائيل سرياً للاتفاق على أسعار الغاز الجديدة.
5. مقارنة بين الحقل المصري المكتشف و باقي حقول المتوسط و الحقول الاسرائيلية..مصر تربح
أعلنت شركة بريتش غاز التابعة لشركة بريتش بتروليوم في عام 2000 عن اكتشافها حقل غزة مارين، على مسافة 36 كم من شواطئ قطاع غزة، حيث يقدر إجمالي المخزون الاحتياطي للحقل بما يقارب التريليون قدم مكعبة من الغاز.
كما أعلنت اسرائيل عن اكتشافها حقلين آخرين، أولهما حقل تمار الذي أعلن عن اكتشافه في 2009 عن طريق شركة نوبل إنرجي، ويقع علي بعد 50 ميلا غرب حيفا علي عمق 1700 متر تحت سطح البحر، وحقل ليفياثان يقع علي مسافة 135 كلم من شواطئ حيفا علي عمق 1600 متر تحت سطح البحر، وكانت اسرائيل تعقد أملاً كبيراً علي هذين الحقلين الكبيرين لتصدير الغاز إلي كلِ من مصر والأردن، حيث يبلغ مجموع احتياطي الحقلين إلي 25 تريليون قدم مكعب من الغاز.
وفي يناير عام 2011، أعلنت قبرص عن اكتشافها لأحد أكبر احتياطيات الغاز في العالم بمخزون مبدئي تم تقديره بنحو 27 تريليون قدم مكعب بقيمة 120 مليار دولار و قرر تسميته “افروديت”.
في حين أن حقل “ظهر” المصري الجديد يحتوي على 30 تريليون قدم مكعب من الغاز الطبيعي؛ ما يعني أنه أكبر من حقل “ليفياثان” الذي يحتوي على اقصي تقدير17 تريليون قدم مكعب فقط، أي نحو 850 مليار متر مكعب غاز مصري، وهي كمية أكبر بنحو 40% من أكبر حقل إسرائيلي، كما أن القيمة المالية للحقل المصري كبيرة جدا، وقد تصل من 60 مليار دولار إلي 90 مليار
6.التبعات السياسية للاكتشاف.. تغيير في ديناميكية التحالفات.
حين تؤمن دولة بحجم مصر و لو ـ علي المدي البعيد ـ مصادرها من الطاقة فإن ذلك من شأنه إكساب البلاد القدرة علي تغيير قواعد اللعبة في كثير من التحالفات.. يعتبر التحالف المصري مع الخليج قائم علي المصالح السياسية و الاقتصادية في المقام الاول، حيث اوضح تقرير صادر عن وزارة البترول المصرية، ان السعودية و الامارات و الكويت قاموا خلال العام المالي (2013/2014) بتوريد الاحتياجات الاصافية للسوق المحلية من المشتقات البترولية بقيمة بلغت محو 8.9 مليار دولار و بتسهيلات في السداد بلغت 9 أشهر و بفائدة 3%.
و احيانا كانت تقدم تلك المساعدات من الوقود و الغاز، لرهن موقف مصر السياسي في كثير في القضايا. يُذكر انه بعد اكتشاف حقل ظهر في منطقة امتياز شروق، قد اللغت وزارة البترول المصرية اتفاقيات توريد المشتقات البترولية لمصر لمده 3 سنوات من تاريخ الاكتشاف..الجدير بالذكر ان الخليج الان يحتاج مصر اكثر مما تحتاج مصر اليه، خصوصا بعد التقارب الامريكي مع طهران عند اول عتبة للاتفاق النووي الايراني. إن اكتفاء مصر من مصادر طاقتها لا يعد انهاءا لتحالفها مع الخليج، فما زال التحالف يضخ اموال هائلة متمثلة في استثمارات من المفتر ض انها ستنعش الاقتصاد المصري عما قريب، ما نقصد قوله أن اكتفاء مصر من مصادر طاقتها يُعَدُ صعود القاهرة لخطوة مهمة في سلم قيادة التحالف سياسياً و عسكريا، فقواعد اللعبة تتغير و الدفة تتجه لمصر، لاحظ موقف مصر من دمشق الان، و إعلان الرئيس الاسد انه ثمة تفاهما أمنياً قائماً بين القاهرة و دمشق في مكافحة الارهاب و أن العلاقات لم تنقطع كما رُوج سابقاً. في الماضي كانت أي خطوة للقاهرة نحو دمشق تتسم بالضبابية و الرمادية للتماشي مع الموقف الخليجي المعادي للدولة السورية حكومةً و جيشاً. الان الامور تتضح أكثر فأكثر.ً
حلف المتوسط الجديد..أصبح أكثر التحالفات جدية في شرق المتوسط.
ناهيك عن التقارب التاريخي والعلاقات الممتدة بين مصر واليونان منذ عام 300 قبل الميلاد حتي الآن، والتي تعد من أقدم العلاقات بين بلدين في التاريخ، فإن الفترة الحالية تشهد تناغما غير مسبوق بين القاهرة وأثينا فيما يخص المجال الاقتصادي ـ البحري- والسياسي والعسكري، فالمعادلات السياسية والعسكرية لليونان وقبرص فرضت عليهم التعاون مع قوة بحجم مصر، لمواجهة الصلف التركي الذي نصبّ نفسه شرطياً لشرق المتوسط.
يشهد شرق المتوسط الآن صراعاً علي منابع ومصادر الطاقة فيه بين ثلاث قوي رئيسية “مصر وتركيا وإسرائيل”، فالجانب التركي لم يوفق في تكوين أي تحالف في شرق متوسط؛ نظرا للتوتر القائم بينه وبين قبرص في الجزء الشمالي لها الذي احتله تركيا في سبعينيات القرن الماضي ويرفض الاعتراف بأحقية قبرص في المنطقة الاقتصادية الخاصة لها.
وحذر الجانب التركي شركات النفط من مغبة التنقيب عن مصادر الطاقة في تلك المياه، وشهد التوتر الجيوسياسي بينهما ذروته بعد توقيع القاهرة وأثينا ونيقوسا اتفاقا تاريخياً تمحور بعد إعلان القاهرة في 2014 وصولاً لإعلان نيقوسا 2015 في أبريل الماضي، مضت للتعاون في مجالات التنقيب عن الغاز في المتوسط ولإعادة ترسيم الحدود البحرية بين الثلاث دول التي من المتوقع أنها ستعتمد اتفاقية البحار التي ستضيق الخناق علي أنقرة وستحرمها من منطقتها الاقتصادية الخاصة قرب اليونان.
ومن ناحية أخرى، فإن الاكتشاف المصري الضخم للغاز سيعزز التعاون المشترك، الذي يرمي في “أجندته الضمنية” إلى مواجهة التصعيد التركي مع الدول الثلاث، سياسيًا وأمنيًا مع مصر، واقتصاديًا وعسكريًا مع “قبرص اليونانية”، بما يجعل هذا التحالف يضمن مصالح أطرافه في مواجهة أية تهديدات محتملة أيا كان مصدرها، خاصة بعد أن دخلت المواجهة الدولية مع تركيا، التي تبلورت في القاهرة بعد توقيع مصر وقبرص واليونان “إعلان القاهرة”، مرحلة “التهديد بالحرب”، بإعلان أنقرة تفويض الحكومة التركية قواتها البحرية بتطبيق قواعد الاشتباكات، لمواجهة التوتر المتزايد بين الدول الساحلية التي تشمل تركيا وقبرص اليونانية ومصر، بسبب مشروعات التنقيب عن النفط والغاز الطبيعي شرق البحر المتوسط.
كما ينبغي الالتفات إلى أن إسرائيل التي تسعى للسطو على حقوق الغير في غاز البحر المتوسط، قد استبقت لقاء القاهرة بتحذير قبرص وتوجيه التهديدات بشأن ترسيم الحدود البحرية التي تريد إسرائيل أن تحددها على هواها ودون التزام بالمواثيق الدولية، وبالتعدي على حقوق الآخرين، خاصة أن “القمة الثلاثية” بين رؤساء مصر واليونان وقبرص ترقبتها إسرائيل عن كثب بعد صعود العلاقات القبرصية – المصرية إلى أعلى المستويات، خاصة بعد إعلان نيقوسيا عن قرب التوصل إلى اتفاق حول غاز البحر المتوسط التي تشارك إسرائيل في السيطرة عليه بمنطقة أفروديت القبرصية.
وفي مارس 2010، أعلنت هيئة المسح الجيولوجي الأمريكية عن وجود احتياطات هائلة من الغاز الطبيعي بمنطقة شرق المتوسط تصل لـ122 تريليون قدم مكعب، وبناء عليه توجهت إسرائيل علي الفور نحو قبرص لترسيم الحدود البحرية بينهما، وعقدت قبرص اتفاقاً مبدئيا مع إسرائيل في 2010 دون الرجوع لمصر، حسب بنود الاتفاقية التري أبرمتها قبرص مع مصر في 2004 التي تلزم أي طرف بالرجوع للطرف الآخر في أي اتفاق مع دولة أخري، لكن مصر احتوت الموقف مرة أخري وعقدت اجتماعات ضمت رؤساء الدولة الثلاثة مصر اليونان وقبرص نتج عنه إعلان القاهرة 2014 وإعلان نيقوسا في أبريل 2015 والذي أوضح صراحةً تأكيد ثوابت اتفاقية 2004 مرة أخري والتي تعد طردا لإسرائيل من أي اكتشافات مستقبلية في المنطقة القبرصية، وهنا تأتى أهمية الرسالة التي بعث بها القاهرة” بهذا الشأن لكل الأطراف، وفى مقدمتها تركيا وإسرائيل.
7. نتائج الاكتشاف عسكريا.. المستفيد الاكبر البحرية المصرية.
قبيل إعلان الحكومة المصرية وشركة إيني الإيطالية عن الاكتشاف الضخم في منطقة امتياز شروق الخاصة، بدأت القوات المسلحة في تحديث شامل لجميع أفرع قواتها، فطالت التحديثات القوات الجوية، وتم إبرام صفقات قوية مع الجانب الفرنسي والروسي، تم علي إثرها إدخال أفضل المقاتلات متعددة المهام بين السيادة الجوية والقصف الجراحي التكتيكي ومهام إخماد أعتي الدفاعات الجوية ـ مقاتلات رافال الفرنسية لأسراب القوات الجوية المصرية، كما سيتم توريد مقاتلات ميغ 29 الروسية بواقع 40 مقاتلة، وهي من أفضل المقاتلات الاعتراضية في العالم، ناهيك عن التعاقد مع الجانب الروسي علي توريد مروحيات كاموف التمساح الهجومية الثقيلة، والاهتمام بالنسخة البحرية منها.
وكان للقوات البحرية أيضاً نصيب، فتم إدخال أقوي مدمرة في الشرق الأوسط “تحيا مصر” من طراز “فريم” للخدمة في ألوية الفرقاطات بالبحرية المصرية، ناهيك عن توريد زوارق أمريكية شبحية هجومية ثقيلة بمدي صواريخ يصل لـ260 كلم من طراز امباسدور، وأخيرا الحصول علي زورق الصواريخ الروسية ـ إر32 مولينيا.
كما تنتظر البحرية المصرية إتمام أقوي صفقة في تاريخها “حاملة الطائرات وسفينة الإنزال البرمائية الفرنسية ميسترال”، التي ستعد إضافة قوية للبحرية المصرية وستعزز تربعها علي عرش شرق المتوسط كأكبر قوة، حيث يبلغ حجم الأسطول البحري المصري 3 أضعاف الأسطول الإسرائيلي، كما تتفوق البحرية المصرية علي التركية كماً وكيفاً، فتحتل البحرية المصرية المرتبة السابعة عالميا، بينما التركية تحتل المرتبة الـ 22.
الاهتمام بتحديث البحرية المصرية خاصة وتزويدها بأفضل تسليح يؤكد محوريين هاميين، أن اكتشافات الطاقة في المياه الإقليمية المصرية تمت من فترة ليست بالبعيدة – علي أقصي تقدير العام الماضي، كما أن الوضع المتوتر جيوي ساسيا شرق المتوسط والذي وصل ذروته بعد التحالف بين مصر واليونان وقبرص، يفرض علي القوات البحرية المصرية الاستعداد الكامل لمواجهة أي سيناريوهات، قادمة ما بين النزاع الإقليمي المحتمل أن تبدأه تركيا لأنها لم توقع علي قانون البحار 1982 الذي في حال تطبيقه رسمياً بين “مصر و اليونان وقبرص” سيحرم تركيا من مياهها الإقليمية ابتداءً من أقرب جزيرة يونانية لها وصولاً لسواحل قبرص.
لكن تبقي احتماليات النزاع الإقليمي في الحدود البحرية الجديدة شرق المتوسط متساوية لاحتمالات تعرض منشآت الغاز المصرية والقبرصية واليونانية لهجمات إرهابية، وقد أورد نص إعلان نقوسيا 2015 اهتمامه بهذا الجانب، حيث رمي إلي تعزيز التعاون بين الثلاث قوي “مصر اليونان قبرص” في مجال مكافحة الإرهاب والاستعداد له، والمراقب الجيد، سيري أن استهداف مقر شركة “إيني” في ليبيا بعد الإعلان عن الاكتشاف له دلالات كثيرة، ليس من التنظيمات الإرهابية، بل ممن يديرها ويمولها ويوظفها لتحقيق أجنداته في المنطقة، مما يتطلب تواجد مكثف للبحرية المصرية وتعزيز التعاون العسكري مع الحلفاء الجدد في المتوسط بمناورات عسكرية وتبادل للخبارت وتعاون استخباراتي معلوماتي قادر علي إحباط اللحاق الضرر بالتحالف ومنشآته الحيوية في المتوسط مستقبلاً، والأهم قادر علي كبح جماح الاستفزازات التركية بحق جيرانها في المتوسط، ولعل في بدء مناورات “آليكساندربوليس” التي أجرتها وحدات من البحرية المصرية واليونانية قبالة المتوسط ـ العام الماضي ـ رسالة تنبأ بجدية أجندة التحالف الجديد.
8.. حقل “ظهر” ..ليس مجرد انفراجة في ازمة الطاقة التي تعصف بمصر فحسب.
يجدر القول أن حقل ظهر المصري الواقع بنمطقة امتياز شروق لا يعتبر بحجم احتياطه الضخم من الغاز انفراجة لأزمة الطاقة بمصر فسحب، بل يعد إعلاناً لبدء مرحلة ساخنة في شرق المتوسط بحدوده البحرية الجديدة، فالسوق المصرية لن تحقق اكتفاءها من الطاقة إلا بعد حلول 4 سنوات علي أقل تقدير، مما يعني أن التفاوض علي استيراد الغاز الإسرائيلي سيستمر، لكن لفترة قصيرة المدي، وهو ما حطم آمال الإسرائيلين في تصدير الغاز لمصر لعقود كاملة، كما ستعتمد مصر علي شحنات الغاز الروسي، وهو ما أعلنه وزير الطاقة الروسي، ألكسندر نوفاك، بأن شركة الغاز الروسية “غازبروم” ستقوم بتزويد مصر بنحو مليون طن من الغاز الطبيعي المسال سنويا على مدى السنوات الخمس القادمة.
حقل ظهر مجرد البداية لاكتفاء مصر من حاجاتها من الطاقة لعشر سنوات علي الاقل، وفي تلك الفترة سيشهد شرق المتوسط تنافساً وربما صراعاً علي منابع الطاقة، ستكون الغلبة فيه لمن سارع بخلق تحالف يهدف لتحقيق الأمن والاستقرار والحماية لمصالحه ومصالح شعوبه، وهو ما خططت له القاهرة ونفذته في فترة زمنية وجيزة.
محمد سكر
1. أزمة طاحنة للطاقة في مصر:
طالما كان احتياطي وإنتاج مصر لمصادر الطاقة “النفط ـ الغاز” متواضع للغاية، ولا يلبي حاجة السوق والاستهلاك المتزايد، حيث يصل الاحتياطي المصري من النفط والغاز إلي 18.3 مليار برميل مكافئ، ويمثل احتياطى الغاز الطبيعي حوالي 75% من هذه الاحتياطيات – بحسب آخر إحصائيات الشركة القابضة للغازات وهو احتياطي ضئيل مقارنةَ بالاحتياطي السعودي من النفط والغاز، الذي يصل لـ267 مليار برميل.
بالرغم من ضعف الاحتياطي المصري، فإن استهلاك مصر لمصادر الطاقة يزداد سنوياً بنسبة 3%، مما يجبر مصر علي استيراد 50% من احتياجاتها من البترول الخام، بالإضافة إلي المشتقات، وكذلك تستورد نصف احتياجاتها من الغاز الطبيعي عن طريق شراء حصة الشريك الأجنبي، ومع تراجع الدعم الخليجي، واضطرار الحكومة المصرية دفع مستحقات شركات الطاقة الأجنبية، ظهرت الأزمات الطاحنة التي عاني منها المواطنين في قطاعي الوقود و الكهرباء بالتحديد.
2.أمل جديد و طوق نجاة للحكومة.. لم يكن متوقعاً ويظهر في توقيت حاسم.
مع تفاقم الأزمة واستمرار استيراد مصر لنصف احتياجاتها من الطاقة واقترابها من إبرام، عقد طويل الأمد لاستيراد الغاز من حقل تمار الإسرائيلي، أعلنت شركة “إيني Eni” الإيطالية يوم الأحد الماضي 31 أغسطس ـ الشركة المالكة لحقوق التنقيب عن مصادر الطاقة داخل مياهنا الإقليمية بالمتوسط وسيناء وخليج السويس – عن اكتشافها أكبر حقل غاز في البحر المتوسط، ومرجع أن يكون من أكبر حقول الغاز في العالم، يقع في المياه الإقليمية المصرية، تحديداًعلي بُعد 190 كلم شمال شرق سواحل بورسعيد، في منطقة امتياز الشروق ـ المنطقة الاقتصادية الخاصة المصرية ـ بالبحر المتوسط، ويقع علي مساحة 100 كيلومتر مربع، وعلي عمق 1450 متراً، وقد يصل عمقه الأقصي لـ4131 متراً، كما يصل سُمك طبقات الحاملة للغاز في هذا الحقل لـ600 متر.
الجدير بالذكر، أن أغلب الحقول المصرية للغاز كانت تحوي طبقات حاملة للغاز بسُمك 30 متراً فقط، مما يوضح ضخامه احتياطي هذا الاكتشاف، حيث أعلنت الشركة أن الحقل المكتشف “ظهر” يحتوي علي احتياطات تقدر بـ30 تريليون قدم مكعب من الغاز، أيّ 30TFC ، وهي كمية تعادل نصف احتياطي مصر من الغاز، ونصف ماحققته كل الشركات الأجنبية في تاريخ مصر منذ اكتشاف الغاز بمصر لأول مرة عام 1967، فطبقا لمعدلات استهلاك مصر للغاز التي تبلغ 1.5Tfc سنوياً، فإن الحقل المكتشف سيكفي احتياجات مصر من الطاقة لمدة عشر سنوات علي أقل تقدير.
3. بنود الاتفاقية مع ” إيني” ..إنصاف للحكومة ام العكس؟
تعتمد الدول في تنقيبها عن مصادر الغاز علي الشركات الدولية للتنقيب عن الغاز النفط، لأن عمليات التنقيب والكشف تجري علي أعماق سحيقة تحت سطح البحر، فمثلا الاكتشاف الأخير يقع علي عمق 1500 متر، يتطلب الوصول لطبقات الغاز الحفر من قاع البحر 2500 متر، وذلك يتطلب تكنولوجيا متطورة ومعقدة للغاية، تحتكرها الشركات الأجنبية، ومن ضمنها “إيني” الإيطالية.
تعد “إيني” الإيطالية سادس أكبر شركة نفط بالعالم، تعمل في مجال الهندسة، وخدمات حقول مصادر الطاقة من النفط والغاز، كما تستخدم أكثر وسائل التكنولوجيا تطوراً في مشروعات عملاقة تشمل التنقيب عن النفط، والغاز الطبيعي، وتطوير الحقول والإنتاج، وكذلك في مجال توريد وتجارة وشحن الغاز الطبيعي والغاز الطبيعي المسال، والكهرباء، والوقود، والمنتجات الكيماوية، وهذه ليست المرة الأولي تعمل فيها الشركة بمصر، حيث تعمل منذ خمسينيات القرن المنصرم، فقامت بتأسيس شركة لها في مصر تُدعي IECO.
ومن وقتها تتوالي الاكتشافات، فشهد عام 1967 الكشف عن أول حقل غاز مصري بدلتا النيل، والشركة حسب العقود المبرمة مع الحكومة تمتلك حقوق التنقيب عن مصادر الطاقة بالبحر المتوسط وخليج السويس وسيناء لمدة 35 عاماَ.
ألزمت الحكومة المصرية الشركة الأجنبية في عقدها بإنفاق لا يقل عن مبلغ ٣٠ مليون دولار أمريكى “٢٤٠ مليون جنيه مصرى” على أعمال البحث والأنشطة المتعلقة به خلال الفترة الأولى التى تمتد ٣ سنوات تبدأ فى موعد أقصاه شهر يوليو ٢٠١٤.
كما نصت الاتفاقية على تقديم الشركة الأجنبية خطاب ضمان آخر بمبلغ لا يقل عن 60 مليون دولار أمريكي، أيّ حوالي 480 مليون جنيه مصري، في المرحلة الثانية من البحث، تبدأ في موقع أقصاه شهر يوليو 2017، ومبلغ 60 مليون دولار أمريكي آخر، حال امتداد فترة البحث لعامين آخرين.
وذكرت الاتفاقية أن تتحمل شركة إيجاس “الممثلة في الحكومة المصرية” 80% من تكاليف الإنتاج، ويتحمل المقاول 20% من التكاليف.
يقول حمدي عبد العزيز، المتحدث باسم وزارة البترول، إن الغازالمستخرج من الحقل الجديد الذي أعلنت عنه الشركة الإيطالية في المياه المصرية بالبحر المتوسط، سيتم تقسيمه بنسبة 40% لـ”إيني” لاسترداد التكاليف، وتقسيم الـ60% الباقية بين الشركة بـ35%، و65% للشركة القابضة للغازات الطبيعية “إيجاس”.
ويوضح محمد علي الغزلاوي، مهندس مصري يعمل في شركة “إيني”، أن حصة الشريك الأجنبي تنقسم لمرحلتين، الأولي:
مرحلة الاستكشاف، وحصة الشركة الأجنبية منها 100%، أي أن الشركة تتكفل بكل تكاليف ومصاريف الحفر والتنقيب، علي أن تسترجع مصاريفها في مرحلة الإنتاج، وفي حال عدم تحقيق اكتشاف تجاري، تتحمل الشركة وحدها التكاليف.
ومرحلة الإنتاج، فالنسبة تقترب للمناصفة بين مصر والشريك الأجنبي، ولمصر أولوية في شراء حصة الشريك الأجنبي من الغاز بسعر تفضيلي، مما يجعل العقد المبرم مع الشركة منصف إلي حد كبير للحكومة، ويضمن تدفق الغاز للسوق والاستهلاك المحلي المصري في وقت أسرع، كما ذكرت الشركة في بيانها.
4.التبعات الاقتصادية لهذا الاكتشاف… من شأنه تغيير قواعد لعبة الطاقة لصالح مصر
”اكتشاف أحد أكبر حقول الغاز الطبيعي في العالم على سواحل مصر في البحر المتوسط من شأنه تغيير قواعد لعبة الطاقة لصالح مصر”..
هكذا تحدث رئيس مجلس إدارة شركة “إيني” الإيطالية، كلاوديو ديسكالزي، معتبرا أن الحقل الذي اكتشفته الشركة حدثٌ مهم للغاية بالنسبة لمصر ومنطقة البحر الأبيض المتوسط من حيث الاستقرار في قطاع الطاقة.
وأضاف أنه لا يستطيع تحديد جدول زمني لبدء ضخ الغاز المستكشف للأسواق، لكنه أكد أن التطورات ستكون إيجابية وسريعة لقرب موقع الحقل المستكشف من منشآت معالجة الغاز الطبيعي التابعة لشركة “إيني” والحكومة المصرية.
للمرة الاولي تتبسم الظروف لمصر في قطاع الطاقة.
الكمية الضخمة من الاحتياطي بالحقل المعلن عنه تتطلب بنية حديثة تحقق أقصي إفادة من الغاز المكتشف وبأسرع وقت، ومن حسن الحظ أن مصر لديها مصانع ضخمة لإسالة الغاز وتصديره في دمياط بالتحديد، ناهيك عن خطوط وأنانيب تصدير الغاز ووحدات المعالجة والتخزين، خصوصا في حقل التمساح، حيث إن القيمة المالية لاحتياطي هذا الحقل تصل لـ60 مليار على أقل تقدير، وستكون هناك قيمة إضافية أخري، كما يقول المهندس علي الغزلاوي في حال استغلال الغاز المكتشف في صناعة السماد وإنتاج الكهرباء وإدارة المصانع.
كما أن دول المتوسط كاليونان وقبرص ليس لديها البنية التحتية التي تمتلكها مصر في صناعة الغاز، لذا فإن مصير إنتاج وتصدير الطاقة في المتوسط سيأخذ منحني جديداً وسيكون لمصر النصيب الأكبر من الريادة في هذه الصناعة، خصوصا بعد إعلان رئيس الشركة القابضة للغازات “خالد عبد البديع” إن إجمالى الاستثمارات التى ستضخها «إينى» فى كشف الغاز الجديد فى مصر سيصل إلى 7 مليارات دولار مع اكتمال عملية التنمية للحقل الذى تم الإعلان عن اكتشافه حديثا.
وأضاف “عبد البديع” أن الاستثمارات المبدئية فى تطوير الكشف الغازى الضخم فى المياه المصرية تبلغ نحو 3.5 مليار دولار، ومع اكتمال عملية التنمية للحقل ستزيد الاستثمارات إلى 7 مليارات دولار، متابعا أنه سيتم حفر 20 بئر إنتاج فى الحقل، ولم يحدد موعد بدء هذه الخطوة، فيما قال إن عملية حفر الآبار ستستغرق ثلاث سنوات.
يذكر أن الحكومة المصرية قررت وقف أي اتفاقيات بترولية قادمة للبلاد لمدة 3 سنوات بعد الإعلان عن اكتشاف حقل الغاز “ظهر” بمنطقة امتياز شروق داخل المنقطة الاقتصادية المصرية الخاصة.
اين سيذهب الغاز المكتشف؟
نتيجة لزيادة وتيرة استهلاك الطاقة بمصر 3% سنوياً، فإن الوجهة الأولي للغاز المكتشف ستكون للسوق المحلية وليس للتصدير؛ من أجل تحقيق الكفاية في قطاع الكهرباء والوقود خصيصاً.
وكما تشير التقارير إلى أن منطقة امتياز الشروق، التي تم بها اكتشاف الحقل، مرجح أن تحتوي على احتياطات أخري من الغاز ستظهر خلال السنوات المقبلة مع استمرار عمليات التنقيب والحفر، خصوصا بعد إبرام مصر لمذكرات تفاهم واتفاقيات مع اليونان وقبرص في مسألة ترسيم الحدود البحرية والتعاون في مجال الطاقة بشرق المتوسط، في هذه الحالة مرجح لمصر أن تكون مُصّدّرا للغاز بعد كفايتها للسوق المحلية.
تبعات الاكتشاف على إسرائيل.. صدمة وخسائر في البورصة.
“صفوها بالقنبلة أو علي الأقل مفاجأة صادمة، لكن من المحتمل أن تتغير قصة الحب الإسرائيلية مع التنقيب مع الغاز إبتداءاً من اليوم”.
هكذا تحدث السيد “يعقوف إيلون”، مقدم برنامج “مبات” علي القناة الأولي الإسرائيلية حول الإكتشاف المصري.
كما هاجم مراسل الشؤون الاقتصادية بالقناة “دودي نيسيه” عددًا من الوزراء الإسرائيليين الذين تلكؤوا في الموافقة على عقد لتصدير الغاز لمصر من حقل “ليفياثان” الإسرائيلي، مضيفًا: “العالم لا ينتظر قرار الوزير درعي – وزير الاقتصاد- فعمليات التنقيب مستمرة في نبش باطن الأرض بالبحر المتوسط، وها نحن اليوم بصدد الإعلان اليوم عن اكتشاف حقل عملاق للغاز الطبيعي”.
وكتب الصحفى “آفي برائيلي” على موقع “ذا ماركر”، الملحق الاقتصادي لصحيفة “هآرتس”: “هناك حاجة ماسة للإسراع بتوقيع اتفاق تصدير الغاز الإسرائيلي لمصر”، فيما قال “ليئور جوتمان” على موقع “كالكاليست” إن المتضرر الأول من اكتشاف حقل غاز بهذا الحجم الكبير هو حقل ليفياثان الذي وقع مذكرتي تفاهم لبيع الغاز لمصر والأردن بقيمة مالية تقدر بنحو 50 مليار دولار.
وقال “عوديد جرانوات” محلل الشؤون العربية بالقناة الأولي الاسرائيلية، إن الاكتشاف المصري يغلق الباب أمام إتمام صفقة تصدير الغاز الإسرائيلي لمصر، ويعرقل إلى حد كبير النظرية الإسرائيلية لتصدير الغاز.
وكتب الصحفي الإسرائيلي “يؤاف شاحام” على موقع “المصدر” الإسرائيلي: “الاكتشاف التاريخي لأكبر حقل غاز في البحر المتوسط يُهدد بتحويل حقل الغاز الإسرائيلي إلى حقل غير ذي صلة عليه بالنسبة للخطط التي وُضعت سابقًا بخصوص التصدير إلى مصر”، مضيفا أن الاكتشاف المصري زاد النقاش الحاد في إسرائيل المتعلق بالخطة الاقتصادية المُناسبة لتطوير حقول الغاز في شواطئ الدولة البارحة مُنعطفًا هامًا على إثر إعلان شركة إيني الإيطالية عن اكتشاف أكبر حقل غاز في البحر المتوسط إطلاقًا”.
لم يكشف البيان الذي أصدرته “إيني” ما الإمكانية الفعلية للعثور على الغاز، ولا يتعدى الحديث في هذه الفترة مسألة التوقعات بالعثور على حقل الغاز، ولم يتم بعد التنقيب أو القيام بأية محاولة، لكن في حال التأكد من هذه التقديرات، فمن شأن الاكتشاف أن يُبعد العملاء عن الغاز الإسرائيلي ويقربهم من الغاز المصري، بحسب التقديرات الإسرائيلية.
أيضًا، سيضر الاكتشاف – وفق وسائل الإعلام الإسرائيلية- باحتمال تطوير حقل الغاز الإسرائيلي “ليفياثان”، الذي يستند على مصر كعميل أساسي؛ إذ لن تكون هناك حاجة أبدًا لأن تستورد مصر الغاز من أية دولة أخرى، بحسب “عوديد عيران”، من معهد أبحاث الأمن القومي الإسرائيلي، للصحيفة الاقتصادية “ذا ماركر”، والذي أكد أن الاكتشاف المصري يعد تأبينا لحقل ليفياثان الإسرائيلي المُزمع بدء العمل فيه.
وقالت نائبة الكنيست “شيلي يحيموفيتش”، إن حقيقة أن مصر لن تشتري الغاز من إسرائيل الآن تتطلب النظر في تغيير تلك الخطة.
حسناً لنترك المحللين و الصحفيين الاسرائيليين قليلاً و لنتجه نحو بورصة تل ابيب لنر كيف استقبلت الاعلان عن هذا الاكتشاف الضخم؟
وبحسب تقارير وسائل الإعلام الإسرائيلية، فإن مؤشر شركات النفط والغاز في بورصة تل أبيب سجل انخفاضاً بنسبة تقارب 13% بعد الاعلان عن اكتشاف حقل “ظهر”، وبدأت أسهم شركات التنقيب عن الغاز في إسرائيل تداولاتها، الاثنين الماضي، على هبوط حاد بعدما قالت شركة “إيني” الإيطالية إنها اكتشفت أكبر حقل غاز معروف في البحر المتوسط قبالة السواحل المصرية.
وقال وزير الطاقة الإسرائيلي، يوفال شتاينتس، إن الحقل الذي قالت إيني إنه قد يغطي احتياجات مصر من الغاز لعقود، له تداعيات سلبية على إسرائيل التي تتطلع إلى تصدير غازها إلى مصر.
وعلي صعيد آخر، زعم تقرير لموقع “ديبكا” التابع للاستخبارات الإسرائيلية، امتلاكه معلومات سرية عن حقل الغاز المصري الجديد منذ منتصف أغسطس الماضي، كما أشار الموقع في تقريره إلى أن قرار وقف “نتنياهو” لتسعيرة الغاز عن الشركات الخاصة، فتح قنوات استثمارية جديدة في هذا المجال مع تركيا، الذي يزور وفد لها إسرائيل سرياً للاتفاق على أسعار الغاز الجديدة.
5. مقارنة بين الحقل المصري المكتشف و باقي حقول المتوسط و الحقول الاسرائيلية..مصر تربح
أعلنت شركة بريتش غاز التابعة لشركة بريتش بتروليوم في عام 2000 عن اكتشافها حقل غزة مارين، على مسافة 36 كم من شواطئ قطاع غزة، حيث يقدر إجمالي المخزون الاحتياطي للحقل بما يقارب التريليون قدم مكعبة من الغاز.
كما أعلنت اسرائيل عن اكتشافها حقلين آخرين، أولهما حقل تمار الذي أعلن عن اكتشافه في 2009 عن طريق شركة نوبل إنرجي، ويقع علي بعد 50 ميلا غرب حيفا علي عمق 1700 متر تحت سطح البحر، وحقل ليفياثان يقع علي مسافة 135 كلم من شواطئ حيفا علي عمق 1600 متر تحت سطح البحر، وكانت اسرائيل تعقد أملاً كبيراً علي هذين الحقلين الكبيرين لتصدير الغاز إلي كلِ من مصر والأردن، حيث يبلغ مجموع احتياطي الحقلين إلي 25 تريليون قدم مكعب من الغاز.
وفي يناير عام 2011، أعلنت قبرص عن اكتشافها لأحد أكبر احتياطيات الغاز في العالم بمخزون مبدئي تم تقديره بنحو 27 تريليون قدم مكعب بقيمة 120 مليار دولار و قرر تسميته “افروديت”.
في حين أن حقل “ظهر” المصري الجديد يحتوي على 30 تريليون قدم مكعب من الغاز الطبيعي؛ ما يعني أنه أكبر من حقل “ليفياثان” الذي يحتوي على اقصي تقدير17 تريليون قدم مكعب فقط، أي نحو 850 مليار متر مكعب غاز مصري، وهي كمية أكبر بنحو 40% من أكبر حقل إسرائيلي، كما أن القيمة المالية للحقل المصري كبيرة جدا، وقد تصل من 60 مليار دولار إلي 90 مليار
6.التبعات السياسية للاكتشاف.. تغيير في ديناميكية التحالفات.
حين تؤمن دولة بحجم مصر و لو ـ علي المدي البعيد ـ مصادرها من الطاقة فإن ذلك من شأنه إكساب البلاد القدرة علي تغيير قواعد اللعبة في كثير من التحالفات.. يعتبر التحالف المصري مع الخليج قائم علي المصالح السياسية و الاقتصادية في المقام الاول، حيث اوضح تقرير صادر عن وزارة البترول المصرية، ان السعودية و الامارات و الكويت قاموا خلال العام المالي (2013/2014) بتوريد الاحتياجات الاصافية للسوق المحلية من المشتقات البترولية بقيمة بلغت محو 8.9 مليار دولار و بتسهيلات في السداد بلغت 9 أشهر و بفائدة 3%.
و احيانا كانت تقدم تلك المساعدات من الوقود و الغاز، لرهن موقف مصر السياسي في كثير في القضايا. يُذكر انه بعد اكتشاف حقل ظهر في منطقة امتياز شروق، قد اللغت وزارة البترول المصرية اتفاقيات توريد المشتقات البترولية لمصر لمده 3 سنوات من تاريخ الاكتشاف..الجدير بالذكر ان الخليج الان يحتاج مصر اكثر مما تحتاج مصر اليه، خصوصا بعد التقارب الامريكي مع طهران عند اول عتبة للاتفاق النووي الايراني. إن اكتفاء مصر من مصادر طاقتها لا يعد انهاءا لتحالفها مع الخليج، فما زال التحالف يضخ اموال هائلة متمثلة في استثمارات من المفتر ض انها ستنعش الاقتصاد المصري عما قريب، ما نقصد قوله أن اكتفاء مصر من مصادر طاقتها يُعَدُ صعود القاهرة لخطوة مهمة في سلم قيادة التحالف سياسياً و عسكريا، فقواعد اللعبة تتغير و الدفة تتجه لمصر، لاحظ موقف مصر من دمشق الان، و إعلان الرئيس الاسد انه ثمة تفاهما أمنياً قائماً بين القاهرة و دمشق في مكافحة الارهاب و أن العلاقات لم تنقطع كما رُوج سابقاً. في الماضي كانت أي خطوة للقاهرة نحو دمشق تتسم بالضبابية و الرمادية للتماشي مع الموقف الخليجي المعادي للدولة السورية حكومةً و جيشاً. الان الامور تتضح أكثر فأكثر.ً
حلف المتوسط الجديد..أصبح أكثر التحالفات جدية في شرق المتوسط.
ناهيك عن التقارب التاريخي والعلاقات الممتدة بين مصر واليونان منذ عام 300 قبل الميلاد حتي الآن، والتي تعد من أقدم العلاقات بين بلدين في التاريخ، فإن الفترة الحالية تشهد تناغما غير مسبوق بين القاهرة وأثينا فيما يخص المجال الاقتصادي ـ البحري- والسياسي والعسكري، فالمعادلات السياسية والعسكرية لليونان وقبرص فرضت عليهم التعاون مع قوة بحجم مصر، لمواجهة الصلف التركي الذي نصبّ نفسه شرطياً لشرق المتوسط.
يشهد شرق المتوسط الآن صراعاً علي منابع ومصادر الطاقة فيه بين ثلاث قوي رئيسية “مصر وتركيا وإسرائيل”، فالجانب التركي لم يوفق في تكوين أي تحالف في شرق متوسط؛ نظرا للتوتر القائم بينه وبين قبرص في الجزء الشمالي لها الذي احتله تركيا في سبعينيات القرن الماضي ويرفض الاعتراف بأحقية قبرص في المنطقة الاقتصادية الخاصة لها.
وحذر الجانب التركي شركات النفط من مغبة التنقيب عن مصادر الطاقة في تلك المياه، وشهد التوتر الجيوسياسي بينهما ذروته بعد توقيع القاهرة وأثينا ونيقوسا اتفاقا تاريخياً تمحور بعد إعلان القاهرة في 2014 وصولاً لإعلان نيقوسا 2015 في أبريل الماضي، مضت للتعاون في مجالات التنقيب عن الغاز في المتوسط ولإعادة ترسيم الحدود البحرية بين الثلاث دول التي من المتوقع أنها ستعتمد اتفاقية البحار التي ستضيق الخناق علي أنقرة وستحرمها من منطقتها الاقتصادية الخاصة قرب اليونان.
ومن ناحية أخرى، فإن الاكتشاف المصري الضخم للغاز سيعزز التعاون المشترك، الذي يرمي في “أجندته الضمنية” إلى مواجهة التصعيد التركي مع الدول الثلاث، سياسيًا وأمنيًا مع مصر، واقتصاديًا وعسكريًا مع “قبرص اليونانية”، بما يجعل هذا التحالف يضمن مصالح أطرافه في مواجهة أية تهديدات محتملة أيا كان مصدرها، خاصة بعد أن دخلت المواجهة الدولية مع تركيا، التي تبلورت في القاهرة بعد توقيع مصر وقبرص واليونان “إعلان القاهرة”، مرحلة “التهديد بالحرب”، بإعلان أنقرة تفويض الحكومة التركية قواتها البحرية بتطبيق قواعد الاشتباكات، لمواجهة التوتر المتزايد بين الدول الساحلية التي تشمل تركيا وقبرص اليونانية ومصر، بسبب مشروعات التنقيب عن النفط والغاز الطبيعي شرق البحر المتوسط.
كما ينبغي الالتفات إلى أن إسرائيل التي تسعى للسطو على حقوق الغير في غاز البحر المتوسط، قد استبقت لقاء القاهرة بتحذير قبرص وتوجيه التهديدات بشأن ترسيم الحدود البحرية التي تريد إسرائيل أن تحددها على هواها ودون التزام بالمواثيق الدولية، وبالتعدي على حقوق الآخرين، خاصة أن “القمة الثلاثية” بين رؤساء مصر واليونان وقبرص ترقبتها إسرائيل عن كثب بعد صعود العلاقات القبرصية – المصرية إلى أعلى المستويات، خاصة بعد إعلان نيقوسيا عن قرب التوصل إلى اتفاق حول غاز البحر المتوسط التي تشارك إسرائيل في السيطرة عليه بمنطقة أفروديت القبرصية.
وفي مارس 2010، أعلنت هيئة المسح الجيولوجي الأمريكية عن وجود احتياطات هائلة من الغاز الطبيعي بمنطقة شرق المتوسط تصل لـ122 تريليون قدم مكعب، وبناء عليه توجهت إسرائيل علي الفور نحو قبرص لترسيم الحدود البحرية بينهما، وعقدت قبرص اتفاقاً مبدئيا مع إسرائيل في 2010 دون الرجوع لمصر، حسب بنود الاتفاقية التري أبرمتها قبرص مع مصر في 2004 التي تلزم أي طرف بالرجوع للطرف الآخر في أي اتفاق مع دولة أخري، لكن مصر احتوت الموقف مرة أخري وعقدت اجتماعات ضمت رؤساء الدولة الثلاثة مصر اليونان وقبرص نتج عنه إعلان القاهرة 2014 وإعلان نيقوسا في أبريل 2015 والذي أوضح صراحةً تأكيد ثوابت اتفاقية 2004 مرة أخري والتي تعد طردا لإسرائيل من أي اكتشافات مستقبلية في المنطقة القبرصية، وهنا تأتى أهمية الرسالة التي بعث بها القاهرة” بهذا الشأن لكل الأطراف، وفى مقدمتها تركيا وإسرائيل.
7. نتائج الاكتشاف عسكريا.. المستفيد الاكبر البحرية المصرية.
قبيل إعلان الحكومة المصرية وشركة إيني الإيطالية عن الاكتشاف الضخم في منطقة امتياز شروق الخاصة، بدأت القوات المسلحة في تحديث شامل لجميع أفرع قواتها، فطالت التحديثات القوات الجوية، وتم إبرام صفقات قوية مع الجانب الفرنسي والروسي، تم علي إثرها إدخال أفضل المقاتلات متعددة المهام بين السيادة الجوية والقصف الجراحي التكتيكي ومهام إخماد أعتي الدفاعات الجوية ـ مقاتلات رافال الفرنسية لأسراب القوات الجوية المصرية، كما سيتم توريد مقاتلات ميغ 29 الروسية بواقع 40 مقاتلة، وهي من أفضل المقاتلات الاعتراضية في العالم، ناهيك عن التعاقد مع الجانب الروسي علي توريد مروحيات كاموف التمساح الهجومية الثقيلة، والاهتمام بالنسخة البحرية منها.
وكان للقوات البحرية أيضاً نصيب، فتم إدخال أقوي مدمرة في الشرق الأوسط “تحيا مصر” من طراز “فريم” للخدمة في ألوية الفرقاطات بالبحرية المصرية، ناهيك عن توريد زوارق أمريكية شبحية هجومية ثقيلة بمدي صواريخ يصل لـ260 كلم من طراز امباسدور، وأخيرا الحصول علي زورق الصواريخ الروسية ـ إر32 مولينيا.
كما تنتظر البحرية المصرية إتمام أقوي صفقة في تاريخها “حاملة الطائرات وسفينة الإنزال البرمائية الفرنسية ميسترال”، التي ستعد إضافة قوية للبحرية المصرية وستعزز تربعها علي عرش شرق المتوسط كأكبر قوة، حيث يبلغ حجم الأسطول البحري المصري 3 أضعاف الأسطول الإسرائيلي، كما تتفوق البحرية المصرية علي التركية كماً وكيفاً، فتحتل البحرية المصرية المرتبة السابعة عالميا، بينما التركية تحتل المرتبة الـ 22.
الاهتمام بتحديث البحرية المصرية خاصة وتزويدها بأفضل تسليح يؤكد محوريين هاميين، أن اكتشافات الطاقة في المياه الإقليمية المصرية تمت من فترة ليست بالبعيدة – علي أقصي تقدير العام الماضي، كما أن الوضع المتوتر جيوي ساسيا شرق المتوسط والذي وصل ذروته بعد التحالف بين مصر واليونان وقبرص، يفرض علي القوات البحرية المصرية الاستعداد الكامل لمواجهة أي سيناريوهات، قادمة ما بين النزاع الإقليمي المحتمل أن تبدأه تركيا لأنها لم توقع علي قانون البحار 1982 الذي في حال تطبيقه رسمياً بين “مصر و اليونان وقبرص” سيحرم تركيا من مياهها الإقليمية ابتداءً من أقرب جزيرة يونانية لها وصولاً لسواحل قبرص.
لكن تبقي احتماليات النزاع الإقليمي في الحدود البحرية الجديدة شرق المتوسط متساوية لاحتمالات تعرض منشآت الغاز المصرية والقبرصية واليونانية لهجمات إرهابية، وقد أورد نص إعلان نقوسيا 2015 اهتمامه بهذا الجانب، حيث رمي إلي تعزيز التعاون بين الثلاث قوي “مصر اليونان قبرص” في مجال مكافحة الإرهاب والاستعداد له، والمراقب الجيد، سيري أن استهداف مقر شركة “إيني” في ليبيا بعد الإعلان عن الاكتشاف له دلالات كثيرة، ليس من التنظيمات الإرهابية، بل ممن يديرها ويمولها ويوظفها لتحقيق أجنداته في المنطقة، مما يتطلب تواجد مكثف للبحرية المصرية وتعزيز التعاون العسكري مع الحلفاء الجدد في المتوسط بمناورات عسكرية وتبادل للخبارت وتعاون استخباراتي معلوماتي قادر علي إحباط اللحاق الضرر بالتحالف ومنشآته الحيوية في المتوسط مستقبلاً، والأهم قادر علي كبح جماح الاستفزازات التركية بحق جيرانها في المتوسط، ولعل في بدء مناورات “آليكساندربوليس” التي أجرتها وحدات من البحرية المصرية واليونانية قبالة المتوسط ـ العام الماضي ـ رسالة تنبأ بجدية أجندة التحالف الجديد.
8.. حقل “ظهر” ..ليس مجرد انفراجة في ازمة الطاقة التي تعصف بمصر فحسب.
يجدر القول أن حقل ظهر المصري الواقع بنمطقة امتياز شروق لا يعتبر بحجم احتياطه الضخم من الغاز انفراجة لأزمة الطاقة بمصر فسحب، بل يعد إعلاناً لبدء مرحلة ساخنة في شرق المتوسط بحدوده البحرية الجديدة، فالسوق المصرية لن تحقق اكتفاءها من الطاقة إلا بعد حلول 4 سنوات علي أقل تقدير، مما يعني أن التفاوض علي استيراد الغاز الإسرائيلي سيستمر، لكن لفترة قصيرة المدي، وهو ما حطم آمال الإسرائيلين في تصدير الغاز لمصر لعقود كاملة، كما ستعتمد مصر علي شحنات الغاز الروسي، وهو ما أعلنه وزير الطاقة الروسي، ألكسندر نوفاك، بأن شركة الغاز الروسية “غازبروم” ستقوم بتزويد مصر بنحو مليون طن من الغاز الطبيعي المسال سنويا على مدى السنوات الخمس القادمة.
حقل ظهر مجرد البداية لاكتفاء مصر من حاجاتها من الطاقة لعشر سنوات علي الاقل، وفي تلك الفترة سيشهد شرق المتوسط تنافساً وربما صراعاً علي منابع الطاقة، ستكون الغلبة فيه لمن سارع بخلق تحالف يهدف لتحقيق الأمن والاستقرار والحماية لمصالحه ومصالح شعوبه، وهو ما خططت له القاهرة ونفذته في فترة زمنية وجيزة.