أسلحة الفتك الجرثومية

حكم مصارعه

عضو مميز
إنضم
27 نوفمبر 2014
المشاركات
4,272
التفاعل
5,255 0 0
vol-37-50-b.jpg


من المعلوم أن الأسلحة الجرثومية تعرف بأنها من إحدى النتاجات المستخرجة من الأسلحة الكيميائية، فهي سموم تلك الكائنات الحية الدقيقة التي تستخدم عمداً ضد أهداف العدو لإحداث أكبر ضرر بقواته من قتل وتدمير، أو حتى لإخراج القوات المعادية من رقعة أرضية أو منطقة ما يصعب على الأسلحة التقليدية القيام بتلك المهام فيها،

كما تستهدف الأسلحة البيولوجية كافة الثروات من النباتات أو المحاصيل الزراعية أو حتى الثروات المائية أو المخازن التموينية (اللوجستية) لقوات العدو، وتلك الجراثيم جرى تركيبها لاستخدامها في الأعمال القتالية، وهي مكونة في الأساس من كائنات مجهرية لا ترى بالعين المجردة! وتتصف بقدرتها على التكاثر عن طريق حدوث عمليات الانقسام الذاتي لها فى فترة دقيقة تتكاثر الجرثومة الواحدة فى يوم واحد إلى (مائة مليون) جرثومة ..!
إن السلاح البيولوجي أو السلاح الجرثومي هو نتاج عملية استزراع واستخدام لبعض من الكائنات الحية الدقيقة التي تعرف بالميكروبات، ويعرف ما ينتج عنها بالإفرازات السامة؛ وذلك لأجل إحداث القتل الجماعي أو المرض لمن يتعرض لها من البشر أو الحيوان أو النبات على حد سواء، إضافة إلى تلويث مصادر المياه أو مصادر الأغذية أو البيئة التي من حولها، وقد يمتد الأثر التدميري الناتج عن استخدام الأسلحة البيولوجية إلى سنوات عديدة قد تمتد إلى عقود.
هذا وقد سعت العديد من الدول سعياً حثيثاً إلى القيام بتصنيع وتطوير مختلف أنواع الأسلحة الجرثومية، وقد استخدمت فى تلك الأنواع فطريات قاتلة وفيروسات مميتة وبكتيريا مدمرة، إضافة إلى المواد السامة الأخرى مثل (التوكسينات)، وهي أشد خطورة من كل انواع الجراثيم، فقد ذكرت الأبحاث أن جراماً واحداً فقط من مادة التوكسينات يكفي للقضاء على مئات الآلاف من البشر في ساعات لا أكثر من ذلك.
فخلال يوم واحد أو أقل يتكاثر من الجرثومة الواحدة ما يزيد عن (مائة مليون) من نفس الجرثومة، مثل جرثومة التيتانوس أو الجدري أو الطاعون أوالكوليرا، وتلك الجراثيم سهلة التركيب والتحضير تمهيداً لبدء انتشارها لإحداث أكبر عدوى على من سوف يتعرضون لها مسقبلاً من جنود العدو، ولقد اتضح أن التأثيرات البيولوجية تعتبر أشد فتكاً وتدميراً مائة مرة من باقي الأسلحة الكيميائية.

السلاح البيولوجي هدفه الكائن الحي نفسه!


بات التطور الكبير في مجال هندسة الجينات في الفترة الأخيرة يعتبر أهم المسببات التي أدت إلى المضي قدماً وبخطى سريعة في تصنيع الأسلحة البيولوجية، وبدأت عمليات تنموية للفيروسات ولمختلف أنواع الجراثيم، وبالنظر إلى (الحرب البيولوجية) اتضح أنها أرخص في التكلفة المادية مقارنة بالأسلحة النووية أو الكيميائية، كما أنها أسهل منهما في عمليات التصنيع والتحضير، وتتميز كذلك بسهولة إحداث التدمير على الثروات سواء أكانت حيوانية أم بشرية أم حتى مائية، وكذلك بات لهذا النوع من الأسلحة القدرة على الفتك بالعدو دون إحداث دمار بالمدن أو الأبنية أوحتى المعدات والآليات العسكرية، فالسلاح البيولوجي عرف عنه أن هدفه الرئيس الكائن الحي نفسه مهما كان، كما وجد المختصون صعوبات بالغة في أساليب الكشف عن طبيعة السلاح البيولوجي أو تشخيصه فى وقت قصير؛ فعملية الكشف والتدقيق تستلزم وقتاً أطول خاصة في حالة قيام الطرف المعادي بإطلاق ميكروبات عديدة ومركبة عقب قيامه بتطويرها وخلطها بسموم كيميائية أخرى.
ونتيجة للتقدم الكبير الذي تم إحرازه في المجال الصناعي منذ العقد الثامن من القرن الماضي والذي كان من نتيجته ظهور وإنتاج المواد البيولوجية بكميات ضخمة للغاية وبمعدلات أكبرمن الماضي فإنه بمجرد الحصول على المواد المطلوبة باستخدام المعالجة التكنيكية الهندسية D N A يصبح فى الإمكان إنتاج كميات وفيرة منها في فترة وجيزة، هذا وكان إنتاج الوسائط البيولوجية يتطلب مجهوداً شاقاً، ويحتاج إلى أماكن أكثر أمناً.
وأما عن إكثار وتنمية الفيروسات والجراثيم فكان يجري في منشآت ضخمة ومكشوفة؛ ذلك أن الوسائط البيولوجية سهلة التأثر بالمؤثرات البيئية، فبعضها لا يستطيع مقاومة الضوء، والبعض الآخر يتسم بصعوبة النقل والترحيل، ويمثل التحكم في نشرها أحد أهم التحديات الحقيقية أمام مستخدميها، فيمكن للرياح والأمطار وعوامل الطقس المتقلبة أن تحملها إلى مطلقها مرة أخرى، أو تغير من اتجاهها إلى الهدف غير المقصود.
والعدوى البكتيرية تنتقل إلى البشر بعدة طرائق، من أهمها: (اشتنشاق الهواء) الذي يحمل الرذاذ اليبولوجي مباشرة عقب انفجار إحدى القنبلات المحملة بالمواد الجرثومية، كما أنه توجد طرائق أخرى تساعد على انتشار عدوى الأسلحة البيولوجية، فالحشرات المحملة بالميكروبات التي تمتص دم الإنسان أو الحشرات الأخرى الناقلة للأمراض مثل(القمل،البراغيث، البعوض،الذباب) تساعد على نقل العدوى كذلك، وذلك يحدث بمجرد اختراق الميكروب لجلد الإنسان لينفذ إلى أعماق جسده متخللاً كل خلاياه !
ومن أسوأ ما تحدثه الميكروبات الجرثومية أنها تظل محتفظة بعوامل الإبادة لديها ولفترات تزيد عن عشرات السنين !
وفي ذلك السياق أجرى الخبراء البريطانيون على الجراثيم الخبيثة العديد من الأبحاث المستمرة والتجارب المطولة، الأمر الذي أدى إلى اكتشافهم أنها جراثيم تصبح طويلة العمر لمدد طويلة للغاية سواء في ميدان التجارب أو المعارك لتتسبب في صعوبة احتلال المناطق التي تم قصفها ولسنوات طويلة.
وهناك مثال حي على ذلك.. فعقب مرور خمسة عقود من قيام القوات البريطانية بإجراء عدة تجارب على تلك الجراثيم في إحدى الجزر الأسكتلندية غير المأهولة بالسكان لاحظ الخبراء أثناء بحثهم أن تلك الجزيرة لا تزال تحوي نفس الخطورة لاحتوائها على تلك الوسائط البيولوجية وبنفس مواصفاتها التي بدأت عليها عمليات التجارب منذ عشرات السنين!
في مهمة لم تكتمل: التخطيط لإبادة خمس الشعب الياباني بالأسلحة الجرثومية!
في العقد الأخير من القرن الماضي كشفت العديد من الملفات والوثائق الأمريكية التي تتعلق بالأسلحة الجرثومية، وكان من أهم ما تم كشفه أن الإمبراطور الياباني(هيروهيتو) عندما ألقى كلمته إلى الشعب الياباني قاطبة دعا قومه إلى قبول الاستسلام عقب ضربهم بالأسلحة الذرية التي ألقيت على مدينتى (هيروشيما ونجازاكي) في السادس والتاسع من شهر آب/أغسطس 1945م، ففي أثناء ذلك كانت هناك العشرات من قاذفات القنابل الثقيلة الأمريكية من نوع (ب - 24) على أهبة الاستعداد لإلقاء أخطر الأسلحة على رؤوس الشعب الياباني في مهمة لم تكتمل من حسن حظ اليابانيين.
فقد كانت القاذفات الأمريكية في قواعدها بجزيرة (تنيان) الواقعة بالمحيط الهادئ محملة بآلاف من قنابل (الأنتراكس، جراثيم الشلل، الجدري)، وكانت ستتسبب في حالة إلقائها إلى تحويل كل المدن اليابانية إلى مقابرجماعية بفعل الإصابات الناتجة عن انتشار الأمراض والأوبئة!! وكانت الخطط الأمريكية تقضي كذلك بإتلاف الزراعات والمحاصيل اليابانية أولاً في أكبر المدن اليابانية التي تضم حوالى خمس حجم السكان، وذلك من خلال برنامج مؤلف من ستة آلاف طلعة جوية بالطائرات من نوع (b-25) المجهزة لمثل تلك المهام.

الحرب البيولوجية في عصور ما قبل الميلاد:


يذكر التاريخ أنه في فترة ما قبل الميلاد وعلى الرغم من عبقرية القائد الفذ (الإسكندر المقدوني) وانتصاراته العديدة فإنه عندما واجه جنوده أسلحة غير معتادة في زمنه ذاك تغير الموقف إلى النقيض تماماً، وباتت انتصاراته على شفا أن تزول، فقد روي أن جنود الإسكندر المقدوني عانوا أشد المعاناة عند إصابتهم بسهام الأعداء الملوثة بمواد كيمائية مخلوطة بسم الأفاعي! فقد كان الجندي تظهر عليه تشنجات على الفور عقب إصابته مباشرة، إلى أن يتطور الأمر ليصاب الجندي بتقلصات عضلية، ثم يتقيأ سائلاً أصفر اللون، حتى جروحه الصغيرة كان يخرج منها سائل اسود، إلى أن ينتهي الأمر ويؤدي إلى موته تدريجياً.
كما ذكر التاريخ القديم أن مرض الطاعون كان من أهم أسباب انتصارات أمم وانهيار أخرى، فمن خلال إحدى الحيل المبتكرة للاستيلاء على إحدى المدن الرافضة للاستسلام تم قطع المياه عن تلك المدينة التي حوصرت لدفعها إلى سرعة الانهيار، وكان ذلك في عام 590 قبل الميلاد عند قيام تحالف بين المدن ضد مدينة (كريستا)، ما أدى إلى اتخاذ القرار بقطع المياه عنها، وقد كان الصراع من أجل السيطرة على ثروات (أبولو) أمراً يعد في غاية الأهمية، وعقب قطع المياه لأيام متواصلة أعيد من جديد فتحها، ولكن ذلك تم بعد خلط بداية سريان مصادر المياه بمواد ضارة وعصير للنباتات السامة، وما أن قام كل ساكني المدينة من جنود ومدنيين بالشرب من المياه ابتهاجاً بعودتها من جديد شعروا جميعاً بالإسهال الشديد وبآلام كبيرة في المعدة، ولم يقدروا لاحقاً على الحركة، وفشلت أرجلهم في حمل أجسادهم للمقاومة أو حمل السلاح والقتال، ما أدى في النهاية إلى دخول الجنود من خارج المدينة إلى كل مكان فيها وبسهولة ودون أدنى مقاومة؛ ليستولوا عليها دون قتال!
ولقد كان للنحل عند الشعب الروماني اهمية كبيرة للدفاع عن مدنهم، وذلك حسب ما رواه المؤرخ الروماني الكبير (هيروداتوس) من خلال قذف تجمعات الأعداء به وهو على شكل مجموعات، وفى عام 199م لم يجد قيصر الرومان (سيفيريوس) مناصاً سوى قيامه بترك كل محاولاته لأجل احتلال القلاع التي تقع ما بين النهرين نتيجة لقذف جيوشه بواسطة الحشرات التي وضعت في داخل الأواني الفخارية، والتي ملئت عن آخرها بالقمل والجرذان والبعوض والعقارب السامة.
وتطورت سريعاً وسائل الحرب الجرثومية، ومرت القرون المتلاحقة إلى أن جاء عام 1343م حيث قام القادة المنغوليون في أثناء اجتياحهم البلدان الأوروبية بقذف جثة متعفنة ومصابة بمرض الطاعون بواسطة آله تشبه المدفعية تسمى بـ (المنجنيق)، وذلك عبر أسوار مدينة كافا التي توجد في أوكرانيا حالياً والمسماة فيدوسيا، وما أن وصلت تلك الجثة بما تحمله من وباء إلى داخل المدينة وارتطامها بالأرض بقوة شديدة حتى خرجت أحشاؤها ليؤدي ذلك إلى نشر وباء الطاعون في غضون أيام لا أكثر في معظم أرجاء أوروبا ولبضع سنوات، وكانت الجثة المنغولية وما تحويه من ميكروب الكوليرا سبباً رئيساً في مقتل ما يزيد عن عشرين مليون شخص لقوا حتفهم تباعاً!
ومن المعلوم أن جسم الإنسان عندما يموت يتعرض للعوامل الحيوية التي تؤدي إلى ملئه عن آخره بالأمراض والبكتيريا الضارة، ولأجل ذلك فقد عمد الرومان إلى قتل بعض من الأسرى لديهم لتحويل جثثهم إلى قنابل حاملة للسلاح البيولوجي لكي يلقى بها في وجه أعدائهم.

الأسلحة الجرثومية في القرن العشرين:


في بداية الحرب العالمية الأولى (1914- 1918م) كانت الحكومة الألمانية عازمة وماضية بسعي حثيث وخطى واسعة نحو تطوير برنامج حربي لإنتاج الأسلحة البيولوجية، واستخدمت تلك الأسلحة في الحرب نفسها من خلال إرسال مجموعات من أنابيب الجمرة الخبيثة إلى داخل البلدان المعادية من خلال فرق صغيرة لمجموعات من القوات الخاصة، ما ساعد الألمان على تحقيق أعظم انتصاراتهم في بداية الحرب.
وقد قام الألمان بإنشاء مراكز سرية ومختبرات لإنتاج جرثومة الجمرة الخبيثة ونشرها في الماشية والأبقار التي تخص دول التحالف لتدميرها، ومن ثم تجويع جيوش التحالف من خلال قطع أهم إمداداتهم الغذائية التي يعتمدون عليها.
وعن اليابان: فقد كانت هي الأخرى تعمل على شاكلة الألمان، فقد قامت أيضاً بإنشاء المختبرات والمراكز البحثية السرية والخاصة بتطوير وإنتاج الأسلحة الجرثومية، كما كانت القوات اليابانية تجري العديد من التجارب الاختبارية على الجنود الصينيين من الأسرى والسجناء لديهم للتأكد من مدى نجاح تلك الجراثيم ومن مدى قدرتها على القتل والإبادة على اعتبار أنهم لا يمثلون سوى (فئران تجارب) لا أكثر من ذلك! إلى أن قامت القوات اليابانية فعلياً باستخدام تلك الأسلحة للمرة الأولى من خلال قصف المواقع الصينية بميكروب (الطاعون) المحمل على متن البراغيث صغيرة الحجم، الأمر الذى أدى لاحقاً إلى مقتل ما يزيد عن أربعمائة ألف صيني في أيام قلائل !
وهناك دول أخرى أنتجت العديد من الأسلحة الجرثومية أثناء اشتعال وتيرة الحرب العالمية الثانية (1939- 1945)، فعلى سبيل المثال: أنتج الأمريكيون قبل نهاية الحرب العالمية الثانية بمساعدة البريطانين أهم الحلفاء أول القنابل الجرثومية التي كانت تتكون من حشوة مليئة بجرثومة (الإنتراكس الرئوي) القاتلة، وكانت تلك القنبلة لا تزن سوى كيلوجرامين فقط، ويتم إلقاؤها من الطائرات فوق الأماكن المكتظة بالسكان.
وفي حرب فيتنام حينما كان الثوار التابعون للشمال (الفيتوكونج) يختبئون تحت الأشجار الكثيفة وفي الغابات والأحراش المترامية الأطراف، وكانوا يقيمون فيها العديد من المستودعات التموينية ومخازن الأسلحة والذخائر والعتاد القتالي، وبعدما فشل الجيش الأمريكي في ملاحقتهم أو الحد من عملياتهم التي أرهقت وجودهم... قامت المئات من القاذفات الأمريكية الضخمة برش الأحراش والغابات بالعديد من الأوبئة والأمراض سريعة الانتشار والعدوى على رؤس الثوار، وطالت كل الأماكن التي كانوا يحتمون بها، وعلى أوسع نطاق ألقيت المواد البيولوجية التي تسببت فى تعرية الأشجار تماماً، وقتلت الآلاف من الثوار، ودمرت الحياة في كل (سم2) طالته المواد الجرثومية الأمريكية!

الجمرة الخبيثة بكتيريا ذات قدرات مرضية عالية للغاية:

أفاد العلماء المتخصصون أن الجمرة الخبيثة هي في الأساس مرض جرثومي يصيب عادة الحيوانات آكلة العشب، مثل الأبقار والأغنام، وتعتبر الجمرة الخبيثة نوعاً من البكتيريا الهوائية المتجرثمة ذات القدرات المرضية العالية للغاية تسمى (إنتراكس)، وهي كلمة مقتبسة من الكلمة اليونانية التي تعني الفحم؛ وذلك لأن الإصابة بها تظهر دوماً على شكل قرحات جلدية سوداء مصحوبة باحمرار في الوسط على شكل جمرة، وبعد يومين أو أكثر قليلا ًتتحول إلى حويصلة، ثم تتحول تدريجياً إلى بثرة إلى أن تنتهي بتحولها في نهاية المطاف إلى قرحة جلدية واسعة يصعب رتقها!
وتنتقل الجمرة الخبيثة إلى الإنسان عن طريق الحشرات الطائرة الناقلة للعدوى كالذباب الذي يعتبر أهم أداة فاعلة لنقل العدوى بسهولة، وعند إصابة الإنسان بها يظهر عليه احمرار جلدي، وبمرور الساعات تنتقل إلى الدم لتسبب في إصابته بالالتهاب الدموي المعمم، كما أنه يمكن أن يصيب رئتي الإنسان أولياً، وذلك عن طريق الجهاز التنفسي من خلال استنشاق الشخص الهواء الملوث، أو عن طريق تناوله اللحوم الحاملة لنفس الجرثومة، وفور انفجارها تنتشر في الهواء، وتدريجياً وفي لحظات من ذلك تستقر الجراثيم عقب استنشاقها في حجيرات الرئة لتتسبب في حدوث التهابات رئوية حادة تنتهي بالموت المحقق للضحية، ومع تلك النتائج المبشرة أمكن للأمريكيين أن يحصلوا على تمويلات أكثر لبرنامجهم الجرثومي، وتمكنوا لاحقاً من تصنيع ربع مليون قنبلة من جراثيم الشلل شهرياً أو ازيد من ذلك لبرنامجهم الطموح بجانب تصنيعهم (مليون) قنبلة من الإنتراكس في نفس المدة وذلك في عام 1944م.

حالة من الرعب الشديد بعد أحداث الحادي عشر من أيلول/ سبتمبر:

حدثت حالة من الرعب الشديد بعد أحداث سبتمر، وانتشرت سريعاً، وتوغلت في داخل المجتمع الأمريكي كافة عقب اكتشاف رسائل بريدية غامضة محملة بالجمرة الخبيثة مرسلة من جهات غير معلومة إلى العديد من المسؤولين الأمريكيين.
وحالة من الهلع والرعب وقعت كذلك في المجتمع الياباني عندما نفذ هجوم بيولوجي في محطة للركاب كاد أن يودي بحياة العشرات من اليابانيين، كان ذلك في عام 1995م.
وعلى الرغم من ضعف الهجومين آنفي الذكر فإنهما قد نشرا عظيم الفزع في مجتمعي البلدين، وفي داخل أروقة كل أجهزتهما المخابراتية والأمنية على حد سواء.
وفي عام 1985م توصل الباحثون إلى نتائج أدت إلى تطور العلوم البيولوجية مئات المرات على ما كانت عليه في فترة الثلاثين أو الأربعين عاماً الماضية من القرن الماضي، وفي بدايات القرن الحادي والعشرين توصل المهندسون المتخصصون في علم البيولوجيا من النجاح بوضع خريطة للتطور الجيني للفيروسات مثل (الإيبولا)، كما أنه قد توصل علماء آخرون من مركز فريدريك بولاية ميرلاند الأمريكية من معرفة كيفية مهاجمة جرثومة الجمرة الخبيثة المسماة بـ(إنتراكس) للخلايا البشرية التي تودي بحيات صاحبها.
من المعلوم والمؤكد أن أعراض الأمراض الناتجة عن استخدام الأسلحة البيولوجية تختلف فيما بينها، وذلك حسب نوع الميكروب المستخدم نفسه، ولكن في المراحل الأولى للإصابة تتشابه أعراض هذه الإصابات عامة في البداية، ثم تختلف الأعراض بعد أن تنقضي فترة الحضانة التي تختلف مدتها حسب نوع المرض، وخلاصة تلك الأعراض شعور المصاب بالدوخة والغثيان أو القئ مصحوباً بفقدان الشهية مع آلام في الظهر والرأس والأطراف وإحساس بالصداع والحمى مع ارتفاع غير تقليدي في درجة حرارة الجسم والإعياء وبداية أعراض الالتهاب الرئوي من خلال السعال.
وإلى جانب كل تلك الأعراض توجد جراثيم قاتلة أخرى تصيب الإنسان بالشلل التام وتقتله في غضون عشرين يوماً بعد المعاناة، كما كان حادث التسرب لميكروب الجمرة الخبيثة أكبر دليل عملي عن مدى خطورة الأسلحة البيولوجية، وذلك عندما أطلقت بطريق الخطأ ليستنشفها حوالي تسعة وسبعين شخصاً حول المجمع العسكري السوفييتي في منطقة (سفير دلوفيسكى) في عام 1979م، وانتهى الأمر سريعاً بمقتل تسعة وستين فرداً منهم ممن لا حول لهم ولا قوة!

إسرائيل وأبحاثها حول الأسلحة الجرثومية:


أشارت تقارير استخبارية أمريكية إلى أن أسرائيل تمتلك منشآت عديدة لإنتاج وتخزين الأسلحة الجرثومية، وقد حددت المصادر الأمريكية تفصيلياً أماكن تلك المختبرات والمواقع والمنشآت بدقة؛ لتؤكد أنها توجد في جنوب تل أبيب، كما أفادت المعلومات امتلاك إسرائيل كميات كبيرة من مادة الجمرة الخبيثة (الأنتراكس).
وظهر ذلك أكيداً عندما ألقي القبض على عميلين للمخابرات الإسرائيلية في العاصمة الأردنية (عمان) في عام 1997م عند قيامهما بمحاولة لاغتيال رئيس المكتب السياسي لحركة حماس السيد (خالد مشعل) من خلال آلة حاملة للمواد السامة، واعترافهما تفصيلياً عقب تلك العملية بما كانا أرسلا لفعله.
ويعتقد المسؤولون الأمريكيون أن القوات الإسرائيلية تمتلك منذ فترة بعيدة الرؤوس الحربية والقذائف ووسائط الإيصال التي تتولى نشر تلك المواد البيولوجية فائقة السمية والتدمير والتي هي على شكل مساحيق جافة مع اعتقادهم كذلك أن إسرائيل تمتلك مواد جرثومية أكثر تطوراً من مادة الجمرة الخبيثة تقدر كمياتها بعشرات الأطنان وزيادة!
وعلى الرغم من كل ما تمتلكه إسرائيل من أسلحة جرثومية مخزنة ووسائط لإيصالها من طائرات ومدفعية وصواريخ .. إلخ فإن الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة أبدت تخوفاتها من امتلاك العرب لتلك الأسلحة سراً وعلانية وفي المحافل الدولية، وذلك التخوف الإسرائيلي ظهر على لسان وزير الخارجية الإسرائيلي في حديثه أمام مؤتمر (باريس) لنزع الأسلحة الكيميائية في عام 1989م، والذي أوضح فيه علانية خشية المجتمع الإسرائيلي من امتلاك العرب لنوع من تلك الأسلحة الفتاكة، ما جعله يناشد كل الدول الأعضاء في المؤتمر للقيام بالضغط على الدول العربية المالكة لها للتخلص منها !
ومعنى ذلك أن الدول العربية -وإن كانت غير مالكة للأسلحة النووية- استطاعت خلق نوع من التوازن الإستراتيجي في المنطقة بعدما امتلكت إسرائيل الأسلحة النووية منذ زمن بعيد فضلاً عن امتلاكها الأسلحة البيولوجية والكميائيه كافة، ووسائط إيصالها المتعددة إلى كل ربوع الوطن العربى والإسلامي.

خــــــاتمة:
بات من الواضح مدى خطورة الأسلحة البيولوجية على كل الحياة على الأرض عامة، كما بات سعي الدول سابقاً ولاحقاً إلى حيازتها وتخزينها على اعتبار أنها أسلحة ردع وأبادة، ولها القدرة على حماية وتأمين حدودها من أى عدوان أو غزو خارجي، فذلك الخطر غير المرئي بالعين المجردة كان سبباً أساسياً في الإرهاق النفسي للعديد من الدول بمجرد التلويح باستخدامها، وهنا يطرح سؤال يصعب الإجابة عليه نفسه! ألا وهو.. هل من سبيل لإيجاد وسائل أكثر فاعلية سواء من النواحي الدبلوماسية أو من خلال القوانين الملزمة للتخلص من هذه الأسلحة أو الحد من استخدامها حتى يصبح العالم نظيفاً آمناً مطمئناً من كل تلك الجراثيم والأوبئة؟!


http://www.almusallh.ly/ar/scitech/72-vol-37-50
 
موضوع منع التجارب انساه الحل الافضل محاولة تطوير اشياء وعلاجات مضادة لها
 
عودة
أعلى