أصبح استخدام القذائف الصاروخية وقذائف الهاون في العقد السابق في العراق وأفغانستان والمناطق الأخرى ضد المتاريس والحواجز الصلبة للقواعد العسكرية، وضد المناطق المدينية والأهداف الحساسة الأخرى، سمة هامة لهذه الصراعات. استطاع المتمردون انشاء مواقع رمي، للقذائف الصاروخية او الهواوين على قاعدة معينة وبعدها الاختفاء من جديد في الأحراش قبل ان تستطيع حامية الموقع الرد. وفي العمليات القتالية التقليدية يمكن معالجة الهجمات بالنيران غير المباشرة عادة باستخدام الرمايات المضادة بالهواوين والمدفعية لتدمير اسلحة العدو. اما في عمليات حفظ السلام وعمليات قمع التمرد والعمليات الانسانية، فيجب أن تُسدد بأحكام رمايات المدفعية المضادة وتكون في حدها الأدنى لتفادي الاصابات بين صفوف المدنيين. ساعدت تلك الطلبات بالاضافة الى الرغبة الواضحة لإبقاء القذائف المعادية، تنفجر خارج القاعدة على تشكيل الدافع لنشر نظم قادرة على كشف القذائف الصاروخية وقذاف الهاون المتجهة نحو داخل القاعدة واعتراضها.
بدأ الجيش الأميركي عام ٢٠٠٤ في تطوير نظام يتعقب تلك التهديدات ويعترضها مع اضرار جانبية في حدها الأدنى، ونشر التجهيزات الأولى في العراق في العام ٢٠٠٥ كجزء من نظام مضاد للقذائف الصاروخية والهواوين (Counter Rocket and Mortar C-RAM) مدمج.
تم تصميم نظام C-RAM لرفع مستوى المراقبة الدائمة الى الاستشعار في حال الهجوم الوشيك او الواقع وانذار الجنود سريعاً. يدمر عندها عنصر الاعتراض في النظام الطلقات الآتية ويؤمن المعلومات المتعلقة بالهجوم بحيث يستطيع القادة الرد بالشكل المناسب.
اختار الجيش الأميركي سريعاً نظام السلاح Phalanx الصغير البري من Raytheon، المسمى Centurion، كنظام اعتراض. اشتركت بعدها الشركة مع البحرية الأميركية وNorthrop Grumman لتطوير نظام Centurion لحماية المواقع العالية القيمة والمراكز السكانية من قذائف المدفعية الهواوين والتهديدات الاخرى، هذا وتستخدم البحرية الأميركية النظام البحري المشابه Phalanx 1B كسلاح دفاع موضعي للسفن ضد الصواريخ الجوالة والطائرة على علو منخفض والتهديدات الجوية وتهديدات السطح الأخرى.
يدمج نظام Phalanx البري رادار تعقب متقدماً عاملاً على موجة (Ku-band) مع مدفع M61A1 Gatling عيار ٢٠ ملم الذي يرمي طلقات M246 او M940 الذاتية التدمير بوتيرة رمي عالية تتراوح بين ٣٠٠٠ و٤٥٠٠ ط/د. أعدت الطلقات الذاتية التدمير للمساعدة
على تفادي الأضرار الجانبية والحد من تأثيرها. تتضمن مكونات نظام C-RAM الأميركي: نموذجاً برياً من نظام Phalanx للقيادة والسيطرة وللدفاع الجوي عن المنطقة المتقدمة، محطة تشغيل للدفاع الجوي والصاروخي، نظام بيانات تكتي متقدم لمدفعية الميدان ومجموعة الرادارات Fire Finder ونظام LCMR، مع مجسات سمعية مثل Boomerang وUTAMS، طائرات دون طيار مختلفة وجهاز تصوير، ومجموعة من نظم التصوير مثل ابراج RAID ومجسات على متون المناطيد. يتعدى معدل نجاح C-RAM في تدمير قذائف الهاون الآتية الآن نسبة ال ٧٠% بحسب ما صرح به ضباط الجيش الأميركي. اشترى الجيش البريطاني بالتالي النظام بعد نجاحه ونشرته بعدها القوات الأميركية في افغانستان.
وبإقتراب موعد انتهاء الحرب في افغانستان تتطلع القوات الأميركية وغيرها من القوات المسلحة الى تطوير نظم تحل محل نظام Centurion المبرهن قتالياً.
برهنت Raytheon خلال العام ٢٠١٣ قدرة احد عناصر أسلحة المعركة وهو AI3 (Accelerated Improved Intercept Initiative) المشتق من صاروخSidewinder AIM-9X الذي تنتجه الشركة للدفاع عن القاعدة العملانية المتقدمة، برهن فعالية ضد مجموعة مختلفة من التهديدات الجوية بما فيها القذائف الصاروخية، وقذائف الهاون، والطائرات دون طيار. جرت الاختبارات ذات الصلة في حقل البرهنة Yuma في ولاية آريزونا الأميركية، لكن الجيش الأميركي لم يتخذ بعد قراراً نهائياً بشأن الشراء.
برهنت الحكومة الهولندية والفريق الصناعي ايضاً دمج التكنولوجيات الهامدة الجديدة في سيناريو C-RAM.
اجتمع خلال التجارب في عام ٢٠١٣ فريق من وزارة الدفاع الهولندية، ومنظمة الابحاث TNO، وThales Netherlands، وMicroflown، وAirRobot في حفل Oldenbroek حيث حاول قناصة مختبئون وفرق هواوين تنفيذ هجوم مباغت على مجمع بديل مؤقت مشبه.
برهنت Thales Netherlands فعالية رادار متعدد المهام (Multi Mission Radar - MMR) الذي امن وظائف وكون صورة للوضع الجوي. تعقب الرادار MMR بنجاح طلقات متتالية من قذائف هاون عيار ٨١ ملم التي اطلقها متمردون مجاورون، وبعد تكثيف الصورة ظهر مسرى الطيران لطائرة محلقة بسرعة طواف كبيرة فوق النصف الشرقي لهولندا.
كشفت مستشعرات (Acoustic Vector Sensors) AVS التي جهزت بها مجسات برية غير مراقبة على شكل الواح مسطحة وزعت حول المجمع الهدف، كشفت عن رمايات الهاون. هذا ويمكن للطائرات دون طيار، ان تحمل ايضا تلك المجسات. الى ذلك، يمكن ل أجهزة "AVS" بحجم القلم ذي الرأس الكروي ان تكشف مصادر صوت متعددة في اجواء ثلاثية الابعاد، تحدد موقعها، وتتعرف عليها وتتعقبها، وذلك بحسب مزاعم الشركة، التي صرحت ايضا ان تلك المجسات يمكنها التحديد الدقيق جدا لمواقع المدفعية من عيار ١٥٥ ملم على مسافة ٣٠ كلم والبنادق على مسافة ٥ كلم.
وبحسب وزارة الدفاع الهولندية، نجحت المجسات الصوتية AVS في تحديد مواقع البصمات الصوتية ال ٢٩٣ خلال التجارب دون اي انذار كاذب.
مستقبلا، يرى البعض مهمات C-RAM وحتى بعض مهمات الدفاع الصاروخي البالستي سوف تنفذ بواسطة تكنولوجيا الليزر. تجري الاعمال في عدد من الدول لنشر نظم ليزرية قادرة على العمل ميدانيا.
وفي اواخر شهر تشرين الاول من العام ٢٠١٢ جمعت شركة Rheinmetall Defence مجموعة منشآت الليزر العالي الطاقة (High Energy Laser - HEL) في حقل برهنة Ochsenboden في سويسرا واستخدمتها للاشتباك بمجموعة من تهديدات ساحة المعركة الحقيقية وتدميرها بنجاح.
بالرغم من ان الليزرات العالية الطاقة ما زالت بعيدة بعض الشيء في الشكل القابل للنشر، فان الاعمال البرهانية التي نفذتها شركةRheinmetall تشكل خطوة واضحة تجاه ذلك الهدف. اعاقت تكاليف التطوير الباهظة، والتحديات الهندسية، بالاضافة الى العلوم المحبطة كالحفاظ على البيئة والصحة وتبديد الحرارة الناتجة ومعادلتها والاستيعاب الفضائي وأثر السلاح، كل هذه الامور اعاقت اعمال تطوير ليزرات HEL.
اذا تمت برهنة قدراته، فان HEL لا يزال جذابا بفضل قدرته على تأمين اشتباكات بسرعة الضوء مع قوة قابلة للتوسيع وقدرة على الاشتباك باهداف متعددة في آن، وبصمة لوجستية منخفضة. يتمتع HEL بتزويد غير منقطع للذخيرة ومعدل اصابة لكل رماية مع انخفاض التكلفة.
تابعت Rheinmetall برنامجا قريب المدى، مستثمرة تكنولوجيا تركيب الاشعة فوق بعضها (Beam Superimposing Technology - BST)، وهي حل منخفض الصيانة، تضميني، قابل للتوسيع للرد على متطلبات الزبائن.
تجمع تكنولوجيا BST اشعة ليزر منفصلة التي تُعرض تراكميا النقطة ذاتها التي تم اختيارها على هدف معين، في حين تحافظ على جودة شعاع السلاح من حيث القوة والطاقة. (Laser Weapon Module - LWM). يتم تأمين هذا التأثير من خلال وحدات LWM الثابتة او المتحركة التي تتضمن عادة: وحدات طاقة وتبريد قابلة للتوسيع، ليزر قائم على الالياف عالي الطاقة جاهر تجارياً مع شعاع محدود الانكسار "diffraction"، ووحدة تشكيل الشعاع، المتضمنة تلسكوبا لتركيز طاقة شعاع الليزر على الهدف، ونظام تصوير للهدف، ونظام تعقب دقيق (Fine Tracking System - FTS) الذي يتضمن بدورة ليزر تنوير، مرآة قادرة على الميلان ومستشعر لتحديد الموقع.
خلال سلسلة من الاختبارات في حقل البرهنة Ochsenboden في اواخر العام ٢٠١٢، نجح مبرهن تكنولوجيا سلاح HEL بقوة ٥٠ كيلواط في كشف، وتعقب والاشتباك باهداف تمثل طائرات دون طيار على مسافة ٢ كلم، وقذيفة مشبهة بقطر ٨٢ ملم يمثل قذيفة هاون تنطلق بسرعة ٥٠ م/ث على علو متوسط وعن مسافة ٣ كلم. تضمن ذلك النظام بقوة ٥٠ كيلواط نظامي LWS: واحدا بقوة ٣٠ كيلواط مع ثلاثة وحدات LWM بقوة ١٠ كيلواط لكل منها، مدمجة في برج دفاع جوي من نوع Revolver Gun من انتاج Oerlikon الذي جمع بدوره الى وحدة التحكم بالنار لنظام "Skyguard" من Oerlikon، ووحدة LWS اخرى بقوة ٢٠ كيلواط مع وحدتي LWM بقوة ١٠ كيلواط لكل منهما مدمجتين في برج من نوع Revolver Gun.
صَرَّحت الشركة ان تلك الاختبارات برهنت على ان تكنولوجيا السلاح HEL امكنها تدمير اهداف حتى في اقصى الظروف المناخية بما في ذلك الثلج، وضوء الشمس الباهر، الجليد والمطر. واضافت ان الاختبارات ابرزت تقدم الشركة في ملاءمة متطلبات الحرارة والتبريد لنظام سلاح HEL مستقبلي مع متطلبات سيناريو عملاني. ومقارنة مع العام ٢٠١١ زادت شركة Rheinmetall بشكل هام كثافة الطاقة كيلواط/م٣ الخاصة بمبرهن التكنولوجيا، مما مكنه من انتاج ضعفي الطاقة الليزرية الناتجة ضمن الحجم نفسه، الامر الذي يشكل بدوره خطوة اساسية نحو هدف نظام LWS بقوة ١٠٠ كيلواط.
يقوم الجيش الاميركي بالاختبارات الواسعة على نظام HEL عملا بمشروع مبرهن تكنولوجيا الليزر العالي الطاقة (High Energy Laser Technology Demonstrator - HEL TD). يكمن الدافع وراء برنامج HEL TD في تطوير ودمج لنظم ثانوية يمكنها المشاركة في تشكيل ليزر C-RAM. تتضمن تلك النظم الليزر نفسه، نظام التحكم بالشعاع، ومصادر الطاقة، وتجهيزات الادارة الحرارية والقيادة والسيطرة.
تتمثل المرحلة الاولى من مشروع "HEL TD" في وضع نظام BCS متين للمتطلبات العسكرية ودمجه على منصة عربة تكتية وبرهنة ادائه في بيئة عملانية. تم اختيار Boeing لهذا الجزء من البرنامج، وذلك لتطوّر نظام BCS وتركبه على شاحنة HEMTT من Oshkosh.
حصلت شركة Lockheed Martin من الجيش الاميركي في نيسان ٢٠١٤ على عقد بقيمة ٢٥ مليون دولار لتصميم ليزر كهربائي بقوة ٦٠ كيلواط واختباره، ليدمج ويبرهن ضمن نظام سلاح مركب على شاحنة. يُعدّ السلاح الليزري لتحسين قدرة المقاتلين على مواجهة القذائف الصاروخية والمدفعية والهواوين والتهديدات الجوية غير المأهولة.
وبموجب عقد يديره الجيش الاميركي، سيتم دمج الليزر الذي تؤمنه Lockheed Martin على المبرهن النقال لليزر العالي الطاقة (High Energy Laser Mobile Demonstrator - HEL MD). يعتمد هذا الليزر المتين على عمل الشركة عملاً لعقد مبادرة الليزر الكهربائي المتين (Robust Electric Laser Initiative - RELI) الحالي للجيش الاميركي.
يتألف النظام الليزري الكهربائي لشركة Lockheed Martin من وحدات الياف ليزرية صلبة صغيرة الحجم ومتعددة لتوليد شعاع ذي طاقة ناتجة عالية وفعالية كهربائية عالية. تستخدم عملية جمع الاشعة الطبقية الفريدة لجمع عدة اشعة ليزر ليفية في شعاع ضوئي واحد يبقي على نوعية الشعاع العالية الطاقة للوحدات الليفية الفردية مع بلوغ طاقة مكثقة تقدر ب ٦٠ كيلواط.
في بداية العام ٢٠١٤، اعلنت Lockheed Martin انها برهنت ليزراً ليفياً بقوة ٣٠ واط وهي الطاقة الاعلى حتى الآن بالنسبة للحفاظ على نوعية الشعاع والفعالية الكهربائية. تم انجاز برهنة عمل البحث والتطوير بتمويل ذاتي من الشركة، من خلال جمع عدة ليزرات ليفية في شعاع ضوئي واحد ذي نوعية شبه ممتازة. وكل ذلك عبر استهلاك طاقة كهربائية بنسبة اقل ب ٥٠% مقارنة مع تكنولوجيات الليزر الصلب البديلة.
سجلت هذه البرهنة الناجحة نقلة نوعية على مسار نشر نظام سلاح ليزري خاص بالمهمة لمجموعة واسعة من المنصات العسكرية البحرية، البرية والجوية.
يدل كل هذا التقدم على ان تكنولوجيا مواجهة القذائف الصاروخية وقذائف الهاون تسير قدماً وبسرعة. ويبدو ان الجيل المقبل من نظم C-RAM ستكون قادرة على تأمين مستويات غير مسبوقة لمجموعة من السيناريوات التكتية الراهنة.
http://arabdefencejournal.com/article.php?categoryID=9&articleID=1628