أسباب وأهداف وتوقيت التدخل العسكري التركي في سورية!
ملف كتبه لـ(أورينت نت): خليل المقداد
منذ الأيام الأولى لانطلاقتها، كان الموقف التركي داعماً لثورة الشعب السوري، داعياً النظام للحوار وتحقيق المطالب الشعبية... قبل أن يعلن أردوغان يأسه من استماع الأسد لنصائحه، ويدعم فكرة إسقاط النظام بعد ما ارتكبه من مجازر وحشية في مواجهة المظاهرات السلمية الأولى...
إلا أن حدة اللهجة التركية التي كانت نبرتها قوية بعد رفض نظام الأسد لكافة دعوات الإصلاح والوساطات، ما لبثت أن خفتت شيئا فشيئاً، وإن كانت تركيا قد عملت على تذكيرالولايات المتحدة وتحالفها الدولي للقضاء على (داعش) مراراً وتكراراً، بأنه لا معنى للحرب على (داعش) من دون الحرب على الأسد وإسقاطه... قبل أن تكتفي لاحقا بإدارة الأزمة إنسانيا، واستقبال السوريين على أراضيها ليس كلاجئين بل كضيوف وتوفير سبل الدعم اللوجستية للثوار وإن عن بعد.. فما الذي تغير كي تقرر تركيا التدخل عسكريا في سورية، بعد أن قاومت كل المحاولات السابقة لجرها إلى ذلك؟
في الملف التالي... يحاول الكاتب خليل المقداد أن يقرأ في أسباب وأهداف حجم هذا التدخل! (أورينت نت)
حزب العدالة والتنمية واستراتيجية الحكم
لقد كان لوصول حزب العدالة والتنمية إلى سدة الحكم في تركيا أبرز الأثر في بلورة إستراتيجية حكم إصلاحية عقلانية ناظمة لمجمل سياسات الدولة التركية داخليا وإقليميا ودوليا، وقد تجلت هذه الإستراتيجية في هدفين رئيسيين:
- الأول/ داخلي: يهدف إلى تحقيق النمو الاقتصادي وسد العجز المالي في موازنات الدولة التي أثقل كاهلها عبئ الديون المتراكمة.
- الثاني/ خارجي: يتمثل في تحقيق هدف صفر مشاكل مع المحيط الإقليمي.
تحقيق اختراق في العلاقة مع الكرد كان أحد اهم القضايا الشائكة التي تصدى لها حزب العدالة والتنمية بكل جرأة وإقتدار، وهو ما تكلل باتفاق نجح في وضع حد لحرب أهلية أزهقت عشرات الألوف من الأرواح واستنزفت الاقتصاد التركي على مدى عدة عقود، وبالتالي فتح الباب اما الكرد لممارسة الحياة السياسية بدل العسكرية.. بعد أن نكلت بهم الحكومات التركية القومية العلمانية المتعاقبة، وخاضت ضدهم حروباً شرسة!
خمس حقائق ثابتة!
ثمة خمس حقائق ثابتة في البنية التركية، يمكن للباحث عن قراءة أسباب التدخل التركي في سورية أن يتأملها اليوم:
الحقيقة الأولى:
قد تختلف الأحزاب التركية على كافة القضايا، لكنها تتفق على التصدي لأي محاولة لإنشاء كيان كردي في شمال سورية، لأن هكذا كيان سيؤدي إلى تشجيع كرد جنوب تركيا، على التمرد وربما العودة إلى حمل السلاح ضد الدولة التركية.. حالمين بوصل المناطق التي يزعمون أنها "أرضهم التاريخية" في شمال سورية، وجنوب تركيا، وصولا إلى استنساخ تجربتي كرد العراق وحراك كرد سورية!
الحقيقة الثانية:
تجربة حزب (العدالة والتنمية) الناجحة في الحكم، وما انتجته من إستقرار إقتصادي وسياسي، إضافة إلى سياسة التقارب مع العالمين العربي والإسلامي خلقا لهذا الحزب وحكومته الكثير من الأعداء داخليا وخارجيا، لأنهم رأو في هذه السياسة خروجا عن الخط العلماني الذي رسم للدولة التركية، وليس ادل على ذلك من تصريحات المسؤولين الإسرائيليين الذين يعتبرون حزب (العدالة والتنمية) خطراَ إستراتيجيا بعيد المدى على الدولة العبرية.
الحقيقة الثالثة:
البعد الديموغرافي لتركيبة الدولة التركية سكانيا هو قنبلة موقوتة قابلة للإنفجار في أي وقت ولا تحتاج إلا إلى صاعق لن يتردد أعداء تركيا في توفيره في حال إقتضت الضرورة ذلك، ولعل هذا الأمر هو أخطر ما يمكن ان تواجهه تركيا حتى وإن لم يجري الحديث عنه بشكل علني، فوجود ملايين الكرد والعلويين الأتراك يمكن أن يجعل منهم ركنا أساسيا في أي مخطط مستقبلي يستهدف وحدة الدولة التركية.
الحقيقة الرابعة:
وجود تنظيمات جهادية على الحدود التركية قد لا يشكل تهديدا مباشرا لها على المدى المنظور، حتى وإن كانت معادية لها عقائدياً، بل قد يكون من المفيد أحيانا ترك الأضداد تتصارع في حروب بالوكالة، وهي نفس الاستراتيجية التي يستخدمها الغرب الذي يزعم أنه راعي الحريات وحقوق الإنسان اليوم، في منطقتنا وصولا إلى إستنزاف الجميع.
الحقيقة الخامسة:
الكرد لن يتوقفوا عن السعي لإقامة الكيان الخاص بهم بل سيسعون حتى إلى إقامة كانتونات وفي أي منطقة يسيطرون عليها وما يشجعهم على ذلك هو حالة الفوضى السائدة في المنطقة إضافة إلى الدعم اللامحدود الذي يقدمه لهم الغرب مستخدما إياهم كأداة فيما يسمى الحرب على تنظيم الدولة الإسلامية.
مبررات وأسباب التدخل العسكري التركي في سورية
تركيا ولأربع سنين خلت عملت جاهدة على تفادي الإنجرار إلى المستنقع السوري مفضلة التريث بانتظار إنجلاء غبار المعارك الدائرة بين الأطراف المتصارعة تاركة لهذه الأطراف حرية تصفية حساباتها بعيدا عنها، وقد نجحت إلى حد بعيد في سياسة النأي بالنفس، ليس ساعدها في ذلك رغبة الأطراف المتصارعة في العراق وسورية بعدم الإنجرار إلى مواجهات معها.
أما أهم أسباب التدخل فيمكن سردها على النحو التالي:
أولاً:
اليوم وبعد أن نجحت وحدات الحماية الكردية المدعومة بطيران التحالف من الإستيلاء على منطقتي تل أبيض وعين العرب فإن فكرة الدويلة الكردية قد باتت تداعب مخيلة هذه الوحدات التي أصبحت أكثر طموحا ورغبة في التمدد باتجاه عفرين في الغرب وجرابلس وسط شمال سورية والتي تعتبر حلقة وصل مهمة ونقطة إستراتيجية تصل بين شرق وغرب الشمال السوري من جهة وبين وسط الشمال والجنوب وصولا إلى منبج وهو ما يعني إمكانية وصل الكانتونات التي تسيطر عليها هذه الوحدات ببعضها البعض وصولا إلى حلب نفسها والتي يسيطر الكرد فيها على بعض الأحياء.
إذا ما علمنا أن وحدات الحماية باتت تسيطر على 6 معابر حدودية من أصل 13 مع تركيا فإن الصورة تصبح أكثر وضوحا.
ثانيا:
الولايات المتحدة الأمريكية ضغطت ومنذ البداية بإتجاه إنخراط تركيا في هذا التحالف بشكل مباشر، لكنها اليوم باتت بأمس الحاجة للدور التركي وعلى مختلف الأصعدة ويبدو أن الضغوط الأمريكية على تركيا قد آتت أكلها من خلال الدعم الأمريكي لوحدات الحماية ومساعدتها في التمدد وغض النظر عن عمليات التهجير التي تقوم بها.
ثالثاً:
المعارك المحتدمة في شرق وشمال سورية إضافة إلى عمليات التطهير العرقي التي مارستها وحدات الحماية بحق عشرات القرى والبلدات التي سيطرت عليها أدت إلى حدوث موجات نزوح بشري كبيرة للسكان، واليوم وبعد أن إتسعت رقعة المعارك لتشمل الحسكة وإمكانية توسعها لتشمل مناطق جديدة قد يؤدي إلى موجات نزوح جديدة لأكثر من 600 ألف شخص وهو ما قد يشكل أزمة إستيعاب إنسانية لتركيا.
رابعاً:
تركيا متهمة بأنها تغض النظر عن تمدد تنظيم الدولة وحتى مساعدته وهي الحجة الواهية التي يتذرع بها أعداء الدولة التركية، وعليه فقد بات لزاما على تركيا إثبات حقيقة أنها لا تدعم التنظيم بل تمارس سياسة النأي بالنفس والإكتفاء بتحمل تبعات الصراع إنسانيا وماليا.
خامساً:
التدخل العسكري التركي ضد تنظيم الدولة سيضمن لتركيا أن تضرب عصفورين بحجر واحد وهي لن توفر فرصة توجيه ضربة عسكرية تضعف خصمها اللدود حزب العمال الكردستاني بجناحه السوري الذي يبدوا أنه بات الأقوى بين أجنحة الحزب في المنطقة.
التدخل العسكري التركي في سورية لماذا الآن؟
التدخل التركي اليوم بات بحكم الأمر الواقع الذي فرضه تمدد الميليشيات الكردية شرقا وغربا وما صاحبها من معلومات عن قرب إعلان ما يسميه الكرد ما يسمونه "دولة روج آفا", لكن الأخطر في الأمر والسبب الرئيس للتدخل هو أن الشمال السوري قد بات قاب قوسين او أدنى من السقوط بيد حزب العمال الكردستاني السوري (وحدات الحماية) لذلك فإن التدخل التركي في هذا الوقت سيقضي على آمال وحدات الحماية بهذا الأمر لكن التدخل سيكون محدودا في وسط شمال تركيا وتحديدا من (جرابلس) إلى (مارع) مرورا بـ(منبج) إلى الجنوب منهما، وهو ما يحدث بالتزامن مع قرب دخول قوات البيشمركة السورية ما يسمى "روج آفا" التي لربما ستتمتع بحماية الجيش التركي على عكس ما قد يتخيله البعض من أنها قد تدخل في صدام معه.
قوات "روج آفا" غير مرحب بها في مناطق سيطرة وحدات الحماية الكردية، التابعة للفرع السوري من حزب العمال الكردستاني.
الحكومة التركية وبكل تأكيد لن تقدم على أي خطوة غير محسوبة النتائج، خاصة بعد صيامها عن التدخل في سورية لأكثر من أربعة أعوام، لذلك فإن أي تدخل عسكري تركي في سورية سيكون بحسب ما تقتضيه طبيعة المرحلة والحاجة، وسيبقى محدودا في مناطق إستراتيجية.
الحديث عن قيام تركيا بفرض منطقة أمنة او عازلة في الشمال السوري كان وإلى ما قبل أيام مرفوضا أمريكيا, وبالتالي فلا يمكن لتركيا أن تخاطر منفردة في فرض هكذا منطقة على مساحة تقدر بحوالي 911 كم، خاصة وأنها عضو في حلف (الناتو)، وعليها أن تنسق مع الحلف قبل قيامها بأي خطوة من هذا القبيل، وهو ماحدث بالفعل إذ أن تركيا طلبت عقد اجتماع للحلف الذي وافق بدوره على عقد الاجتماع يوم (28 07 2015) لكن الثابت أن تركيا اليوم في موقف لا تحسد عليه، وهي قد تجد نفسها قريبا منخرطة في صراع لطالما حاولت تجنبه، تفجير بلدة (سوروج) ونقض حزب العمال الكردستاني للهدنة المتفق عليها مع تركيا، هو ما سرع من وتيرة الأحداث وأعطى الضوء لـ (جيش الفتح) كي يستهدف (القرداحة) مسقط رأس بشار الأسد وذات الرمزية في العالية في منظومة الحكم العلوي الأقلوي لسورية، وإن تحت شعار نصرة الزبداني.. وهي رسالة واضحة مؤداها أن من يعبث بأمن الآخرين فعلية أن يتحمل عواقب هذا العبث!
تركيا في مواجهة إيران!
ويمكن على الصعيد الإقليمي تلخيص هذا التدخل بصورة أخرى على لسان المفكر اللبناني د. رضوان السيد في مقاله في صحيفة (الاتحاد) الظبيانية (2/8/2015) حيث رأى:
"إنّ الولايات المتحدة بعد أن تدخلت مجدداً بالعراق لمصلحة إيران عملياً، وبعد أن أجْرت الاتفاق النووي مع إيران، مضطرةٌ لإعطاء شيء لتركيا.. وربما للسعودية. وما كنتُ أفكّر بحزب العمال الكردستاني بالدرجة الأُولى، بل بالسماح الأميركي لتركيا بالتدخل في سوريا، وهو الأمر الذي رفضته الولايات المتحدة منذ عام 2012، وبالمقابل فقد رفضت تركيا المشاركة العملية في التحالف ضد «داعش»، كما رفضت السماح للولايات المتحدة باستعمال القواعد الجوية التركية في ضرب «داعش» بسوريا والعراق! (...) لكن الوضع الآن في سوريا: تركيا في مواجهة إيران، وهما إمّا أن يبقيا بالداخل السوري فتستمر الحرب، أو يخرجان بتسوية ما كان يمكن تصورها خلال الأعوام الثلاثة الماضية".
ملف كتبه لـ(أورينت نت): خليل المقداد
منذ الأيام الأولى لانطلاقتها، كان الموقف التركي داعماً لثورة الشعب السوري، داعياً النظام للحوار وتحقيق المطالب الشعبية... قبل أن يعلن أردوغان يأسه من استماع الأسد لنصائحه، ويدعم فكرة إسقاط النظام بعد ما ارتكبه من مجازر وحشية في مواجهة المظاهرات السلمية الأولى...
إلا أن حدة اللهجة التركية التي كانت نبرتها قوية بعد رفض نظام الأسد لكافة دعوات الإصلاح والوساطات، ما لبثت أن خفتت شيئا فشيئاً، وإن كانت تركيا قد عملت على تذكيرالولايات المتحدة وتحالفها الدولي للقضاء على (داعش) مراراً وتكراراً، بأنه لا معنى للحرب على (داعش) من دون الحرب على الأسد وإسقاطه... قبل أن تكتفي لاحقا بإدارة الأزمة إنسانيا، واستقبال السوريين على أراضيها ليس كلاجئين بل كضيوف وتوفير سبل الدعم اللوجستية للثوار وإن عن بعد.. فما الذي تغير كي تقرر تركيا التدخل عسكريا في سورية، بعد أن قاومت كل المحاولات السابقة لجرها إلى ذلك؟
في الملف التالي... يحاول الكاتب خليل المقداد أن يقرأ في أسباب وأهداف حجم هذا التدخل! (أورينت نت)
حزب العدالة والتنمية واستراتيجية الحكم
لقد كان لوصول حزب العدالة والتنمية إلى سدة الحكم في تركيا أبرز الأثر في بلورة إستراتيجية حكم إصلاحية عقلانية ناظمة لمجمل سياسات الدولة التركية داخليا وإقليميا ودوليا، وقد تجلت هذه الإستراتيجية في هدفين رئيسيين:
- الأول/ داخلي: يهدف إلى تحقيق النمو الاقتصادي وسد العجز المالي في موازنات الدولة التي أثقل كاهلها عبئ الديون المتراكمة.
- الثاني/ خارجي: يتمثل في تحقيق هدف صفر مشاكل مع المحيط الإقليمي.
تحقيق اختراق في العلاقة مع الكرد كان أحد اهم القضايا الشائكة التي تصدى لها حزب العدالة والتنمية بكل جرأة وإقتدار، وهو ما تكلل باتفاق نجح في وضع حد لحرب أهلية أزهقت عشرات الألوف من الأرواح واستنزفت الاقتصاد التركي على مدى عدة عقود، وبالتالي فتح الباب اما الكرد لممارسة الحياة السياسية بدل العسكرية.. بعد أن نكلت بهم الحكومات التركية القومية العلمانية المتعاقبة، وخاضت ضدهم حروباً شرسة!
خمس حقائق ثابتة!
ثمة خمس حقائق ثابتة في البنية التركية، يمكن للباحث عن قراءة أسباب التدخل التركي في سورية أن يتأملها اليوم:
الحقيقة الأولى:
قد تختلف الأحزاب التركية على كافة القضايا، لكنها تتفق على التصدي لأي محاولة لإنشاء كيان كردي في شمال سورية، لأن هكذا كيان سيؤدي إلى تشجيع كرد جنوب تركيا، على التمرد وربما العودة إلى حمل السلاح ضد الدولة التركية.. حالمين بوصل المناطق التي يزعمون أنها "أرضهم التاريخية" في شمال سورية، وجنوب تركيا، وصولا إلى استنساخ تجربتي كرد العراق وحراك كرد سورية!
الحقيقة الثانية:
تجربة حزب (العدالة والتنمية) الناجحة في الحكم، وما انتجته من إستقرار إقتصادي وسياسي، إضافة إلى سياسة التقارب مع العالمين العربي والإسلامي خلقا لهذا الحزب وحكومته الكثير من الأعداء داخليا وخارجيا، لأنهم رأو في هذه السياسة خروجا عن الخط العلماني الذي رسم للدولة التركية، وليس ادل على ذلك من تصريحات المسؤولين الإسرائيليين الذين يعتبرون حزب (العدالة والتنمية) خطراَ إستراتيجيا بعيد المدى على الدولة العبرية.
الحقيقة الثالثة:
البعد الديموغرافي لتركيبة الدولة التركية سكانيا هو قنبلة موقوتة قابلة للإنفجار في أي وقت ولا تحتاج إلا إلى صاعق لن يتردد أعداء تركيا في توفيره في حال إقتضت الضرورة ذلك، ولعل هذا الأمر هو أخطر ما يمكن ان تواجهه تركيا حتى وإن لم يجري الحديث عنه بشكل علني، فوجود ملايين الكرد والعلويين الأتراك يمكن أن يجعل منهم ركنا أساسيا في أي مخطط مستقبلي يستهدف وحدة الدولة التركية.
الحقيقة الرابعة:
وجود تنظيمات جهادية على الحدود التركية قد لا يشكل تهديدا مباشرا لها على المدى المنظور، حتى وإن كانت معادية لها عقائدياً، بل قد يكون من المفيد أحيانا ترك الأضداد تتصارع في حروب بالوكالة، وهي نفس الاستراتيجية التي يستخدمها الغرب الذي يزعم أنه راعي الحريات وحقوق الإنسان اليوم، في منطقتنا وصولا إلى إستنزاف الجميع.
الحقيقة الخامسة:
الكرد لن يتوقفوا عن السعي لإقامة الكيان الخاص بهم بل سيسعون حتى إلى إقامة كانتونات وفي أي منطقة يسيطرون عليها وما يشجعهم على ذلك هو حالة الفوضى السائدة في المنطقة إضافة إلى الدعم اللامحدود الذي يقدمه لهم الغرب مستخدما إياهم كأداة فيما يسمى الحرب على تنظيم الدولة الإسلامية.
مبررات وأسباب التدخل العسكري التركي في سورية
تركيا ولأربع سنين خلت عملت جاهدة على تفادي الإنجرار إلى المستنقع السوري مفضلة التريث بانتظار إنجلاء غبار المعارك الدائرة بين الأطراف المتصارعة تاركة لهذه الأطراف حرية تصفية حساباتها بعيدا عنها، وقد نجحت إلى حد بعيد في سياسة النأي بالنفس، ليس ساعدها في ذلك رغبة الأطراف المتصارعة في العراق وسورية بعدم الإنجرار إلى مواجهات معها.
أما أهم أسباب التدخل فيمكن سردها على النحو التالي:
أولاً:
اليوم وبعد أن نجحت وحدات الحماية الكردية المدعومة بطيران التحالف من الإستيلاء على منطقتي تل أبيض وعين العرب فإن فكرة الدويلة الكردية قد باتت تداعب مخيلة هذه الوحدات التي أصبحت أكثر طموحا ورغبة في التمدد باتجاه عفرين في الغرب وجرابلس وسط شمال سورية والتي تعتبر حلقة وصل مهمة ونقطة إستراتيجية تصل بين شرق وغرب الشمال السوري من جهة وبين وسط الشمال والجنوب وصولا إلى منبج وهو ما يعني إمكانية وصل الكانتونات التي تسيطر عليها هذه الوحدات ببعضها البعض وصولا إلى حلب نفسها والتي يسيطر الكرد فيها على بعض الأحياء.
إذا ما علمنا أن وحدات الحماية باتت تسيطر على 6 معابر حدودية من أصل 13 مع تركيا فإن الصورة تصبح أكثر وضوحا.
ثانيا:
الولايات المتحدة الأمريكية ضغطت ومنذ البداية بإتجاه إنخراط تركيا في هذا التحالف بشكل مباشر، لكنها اليوم باتت بأمس الحاجة للدور التركي وعلى مختلف الأصعدة ويبدو أن الضغوط الأمريكية على تركيا قد آتت أكلها من خلال الدعم الأمريكي لوحدات الحماية ومساعدتها في التمدد وغض النظر عن عمليات التهجير التي تقوم بها.
ثالثاً:
المعارك المحتدمة في شرق وشمال سورية إضافة إلى عمليات التطهير العرقي التي مارستها وحدات الحماية بحق عشرات القرى والبلدات التي سيطرت عليها أدت إلى حدوث موجات نزوح بشري كبيرة للسكان، واليوم وبعد أن إتسعت رقعة المعارك لتشمل الحسكة وإمكانية توسعها لتشمل مناطق جديدة قد يؤدي إلى موجات نزوح جديدة لأكثر من 600 ألف شخص وهو ما قد يشكل أزمة إستيعاب إنسانية لتركيا.
رابعاً:
تركيا متهمة بأنها تغض النظر عن تمدد تنظيم الدولة وحتى مساعدته وهي الحجة الواهية التي يتذرع بها أعداء الدولة التركية، وعليه فقد بات لزاما على تركيا إثبات حقيقة أنها لا تدعم التنظيم بل تمارس سياسة النأي بالنفس والإكتفاء بتحمل تبعات الصراع إنسانيا وماليا.
خامساً:
التدخل العسكري التركي ضد تنظيم الدولة سيضمن لتركيا أن تضرب عصفورين بحجر واحد وهي لن توفر فرصة توجيه ضربة عسكرية تضعف خصمها اللدود حزب العمال الكردستاني بجناحه السوري الذي يبدوا أنه بات الأقوى بين أجنحة الحزب في المنطقة.
التدخل العسكري التركي في سورية لماذا الآن؟
التدخل التركي اليوم بات بحكم الأمر الواقع الذي فرضه تمدد الميليشيات الكردية شرقا وغربا وما صاحبها من معلومات عن قرب إعلان ما يسميه الكرد ما يسمونه "دولة روج آفا", لكن الأخطر في الأمر والسبب الرئيس للتدخل هو أن الشمال السوري قد بات قاب قوسين او أدنى من السقوط بيد حزب العمال الكردستاني السوري (وحدات الحماية) لذلك فإن التدخل التركي في هذا الوقت سيقضي على آمال وحدات الحماية بهذا الأمر لكن التدخل سيكون محدودا في وسط شمال تركيا وتحديدا من (جرابلس) إلى (مارع) مرورا بـ(منبج) إلى الجنوب منهما، وهو ما يحدث بالتزامن مع قرب دخول قوات البيشمركة السورية ما يسمى "روج آفا" التي لربما ستتمتع بحماية الجيش التركي على عكس ما قد يتخيله البعض من أنها قد تدخل في صدام معه.
قوات "روج آفا" غير مرحب بها في مناطق سيطرة وحدات الحماية الكردية، التابعة للفرع السوري من حزب العمال الكردستاني.
الحكومة التركية وبكل تأكيد لن تقدم على أي خطوة غير محسوبة النتائج، خاصة بعد صيامها عن التدخل في سورية لأكثر من أربعة أعوام، لذلك فإن أي تدخل عسكري تركي في سورية سيكون بحسب ما تقتضيه طبيعة المرحلة والحاجة، وسيبقى محدودا في مناطق إستراتيجية.
الحديث عن قيام تركيا بفرض منطقة أمنة او عازلة في الشمال السوري كان وإلى ما قبل أيام مرفوضا أمريكيا, وبالتالي فلا يمكن لتركيا أن تخاطر منفردة في فرض هكذا منطقة على مساحة تقدر بحوالي 911 كم، خاصة وأنها عضو في حلف (الناتو)، وعليها أن تنسق مع الحلف قبل قيامها بأي خطوة من هذا القبيل، وهو ماحدث بالفعل إذ أن تركيا طلبت عقد اجتماع للحلف الذي وافق بدوره على عقد الاجتماع يوم (28 07 2015) لكن الثابت أن تركيا اليوم في موقف لا تحسد عليه، وهي قد تجد نفسها قريبا منخرطة في صراع لطالما حاولت تجنبه، تفجير بلدة (سوروج) ونقض حزب العمال الكردستاني للهدنة المتفق عليها مع تركيا، هو ما سرع من وتيرة الأحداث وأعطى الضوء لـ (جيش الفتح) كي يستهدف (القرداحة) مسقط رأس بشار الأسد وذات الرمزية في العالية في منظومة الحكم العلوي الأقلوي لسورية، وإن تحت شعار نصرة الزبداني.. وهي رسالة واضحة مؤداها أن من يعبث بأمن الآخرين فعلية أن يتحمل عواقب هذا العبث!
تركيا في مواجهة إيران!
ويمكن على الصعيد الإقليمي تلخيص هذا التدخل بصورة أخرى على لسان المفكر اللبناني د. رضوان السيد في مقاله في صحيفة (الاتحاد) الظبيانية (2/8/2015) حيث رأى:
"إنّ الولايات المتحدة بعد أن تدخلت مجدداً بالعراق لمصلحة إيران عملياً، وبعد أن أجْرت الاتفاق النووي مع إيران، مضطرةٌ لإعطاء شيء لتركيا.. وربما للسعودية. وما كنتُ أفكّر بحزب العمال الكردستاني بالدرجة الأُولى، بل بالسماح الأميركي لتركيا بالتدخل في سوريا، وهو الأمر الذي رفضته الولايات المتحدة منذ عام 2012، وبالمقابل فقد رفضت تركيا المشاركة العملية في التحالف ضد «داعش»، كما رفضت السماح للولايات المتحدة باستعمال القواعد الجوية التركية في ضرب «داعش» بسوريا والعراق! (...) لكن الوضع الآن في سوريا: تركيا في مواجهة إيران، وهما إمّا أن يبقيا بالداخل السوري فتستمر الحرب، أو يخرجان بتسوية ما كان يمكن تصورها خلال الأعوام الثلاثة الماضية".