ما الذي ستفعله الولايات المتحدة بهذه القوة الجبروتية التي لم يسبق لها مثيل في التاريخ؟ هل ستحسن السيطرة على قوتها أم أن قوتها سوف تسيطر عليها؟ هل ستضع الآخرين كل الآخرين أمام الخيار التالي: إما الخضوع لإرادتها وأما سحقهم عن طريق القوة العسكرية أو عن طريق وسائل الضغط الأخرى.
هكذا يتساءل وزير خارجية فرنسا السابق «هوبير فيديرين» واحد كبار محلليها الاستراتيجيين في مقدمة كتابه «في مواجهة القوى العظمى الأمريكية.. نصوص وخطابات».
والحق ان التساؤل لا يشغل بال الرجل بمفرده بل الكون بأسره سيما في ضوء الموازنة العسكرية الأمريكية الجديدة القادمة للعام 2008 غير أن حالة الضبابية التي تعم أرجاء واشنطن اليوم لا تستثني المؤسسة العسكرية والتي تجد نفسها على مفترق طرق ما بين إدارة تنطلق في سماوات العسكرة وموازنة عسكرية تقارب ما كان قائما إبان الحرب الباردة وبين خبراء من العسكر يرون أن الولايات المتحدة لا بد أن تسعى إلى تحول عسكري يقودها لنصر بلا قتال وتدمير للعدو بدون أدنى هجومات.
والتساؤل هل تعكس تلك الموازنة شيئا ما؟ وهل ذلك الشيء يمكن قراءته بسهولة ويسر في ضوء وثيقة القرن الأمريكية الساعية للسيطرة عسكريا على العالم؟
يمكن الإجابة وباليقين المطلق نعم. ونظرة سريعة على تلك الموازنة تقودنا إلى ترسيخ اتجاهات الإمبراطورية الأمريكية فائقة القوة والتي لم يسبقها في التاريخ إمبراطورية بمثل هذا الجبروت.
ماذا عن تلك الميزانية؟
في الأيام الماضية كان الرئيس بوش يتقدم إلى الكونجرس طالبا 716،5 مليار دولار لتمويل الحربين في العراق وأفغانستان وتسديد نفقات حجم الجيش الأمريكي ويتألف طلب الميزانية من ثلاثة أقسام هي 481،4 مليار دولار لميزانية وزارة الدفاع الأمريكية «البنتاجون» لدعم العمليات في مختلف أنحاء العالم وفي الفضاء الافتراضي المعلوماتي ويخصص مبلغ 93،4 مليار دولار لتغطية نفقات العمليات العسكرية في العراق وأفغانستان و141،7 مليار لمواصلة الحرب ضد الإرهاب منها 40 مليار دولار تخصص للتعويض عن المعدات التي دمرت في القتال في العراق وأفغانستان.
وبشيء من التفصيل فان الميزانية الجديدة تخصص أكثر من ثلثها للتحديث الاستراتيجي لتطوير معدات وقدرات قتالية مستقبلية وتعتزم وزارة الدفاع إنفاق 176،8 مليار دولار لإعطاء سلاح البحرية ثماني سفن إضافية بينها 3 سفن مقاتلة جديدة وجيل جديد من حاملات الطائرات وشراء مزيد من الطائرات مثل «الطائرة القتالية المشتركة» وتزويد الجيش بعربات مقاتلة جديدة والاستثمار إلى حد كبير في الاستخدام الناجح للمركبات الجوية غير المأهولة من نوع «بريديتور» ويتضمن طلب ميزانية هذا العام حوالي 9 مليارات دولار لوكالة الدفاع الصاروخي لتحسين أنظمة الصواريخ الدفاعية المنصوبة حاليا على الأرض وفي البحار ولتطوير أنظمة جديدة.
ولا تقتصر التطلعات العسكرية على العنصر المادي بل تمتد إلى المتطلبات البشرية ذلك انه بين ثنايا الموازنة يدرك القارئ أن الجيش ومشاة البحرية «المارينز» سيشهدان زيادة في عدد العناصر الموجودة في الخدمة الفعلية تصل إلى 92 ألف عنصر خلال السنوات المالية الأربع القادمة وستبلغ الزيادة في الجيش 65 ألف عنصر بحيث يرتفع عدده من 482 ألفا و400 جندي إلى 547 ألفا و400 جندي بحلول عام 2012 مما يزيد عدد الفرق المقاتلة من 42 إلى 48 فرقة.
أما سلاح مشاة البحرية فسيتمكن من استكمال عديد قوة الردع السريع البرية ــ الجوية الثالثة بحلول عام 2011 من خلال إضافة 27 ألف جندي مما يرفع عدد قوات المارينز من 175 ألفا إلى 200 ألف.
ويبرر وزير الدفاع الأمريكي روبرت جيتس هذه الموازنة بقوله « الموارد التي نخصصها للدفاع يجب أن تكون على مستوى كاف لمواجهة تحديات الظروف العالمية الاستراتيجية التي تواجهها الولايات المتحدة اليوم».
لكن واقع الحال يشير إلى انه رغم امتلاك الولايات المتحدة لأقوى الجيوش تسليحا في العالم فإنها تخسر على صعيد المواجهات التي تدور داخل الدول البعيدة وهو ما أشار إليه الجنرال جون أبي زيد من قبل بقوله ان الجيش الأمريكي مستعد فقط لخوض حروب قصيرة الأمد يعتمد فيها على قوة النيران وعدم الالتحام الشخصي في الوقت الذي يبقى فيه جندي المشاة هو المرجح الرئيسي في كسب أية معركة.
إذن كيف تلائم أمريكا بين الأسطورة العسكرية ومقدرتها المتواضعة على كسب معارك محدودة كما يجري في العراق وأفغانستان؟
يذكر «توماس مكنوجير» نائب رئيس مؤسسة راند ومدير قسم أبحاثها العسكرية في العدد الأخير من مجلة الفورين افيرز الأمريكية أن التحول العسكري هو الحل... ماذا يعني التحول؟
يعني انه لا بد من إيجاد صيغة توافقية تجعل من الآلة العسكرية والثورة المعلوماتية أداتين لتحقيق الأهداف بأقل قدر من الخسائر التي كشفت عنها التجربة الأخيرة والتي ظهر من خلالها الفشل العسكري الأمريكي الواضح والفاضح.
فعند كثير من الخبراء والمحللين لمشكلات الجيش الأمريكي في العراق إن الانتكاسة سببها استعانة وزير الدفاع الأمريكي السابق دونالد رامسفيلد بقوات مقاتلة عالية التقنية قليلة العدد وبشكل لا يتناسب مع المهمات القتالية وقد قاد عدم التناسب هذا الى يسر في دخول أمريكا الحرب مع العراق وعسر في خروجها منها اليوم.
والمؤكد أن تفوق الآلة العسكرية في العقود الماضية قاد إلى انتصارات محققة «عسكريا على الأقل» في عاصفة الصحراء والحرية الدائمة وحرية العراق، غير أن المشهد تبدل مؤخرا ففي ظل ثورة المعلومات أصبحت بعض الجماعات والميليشيات قادرة على ابطال الخطط العسكرية الاستراتيجية الكبرى وباتت تختبر أساليب عسكرية ووسائل وأسلحة تتهدد بها تفوق الآلة العسكرية الأمريكية وهذا شأن الجماعات المسلحة في العراق والتي اهتدت إلى طرق مبتكرة أكانت متطورة تقنيا أم تقليدية لمجابهة القوة الساحقة للولايات المتحدة.
ولعل ما يشغل المفكرين العسكريين الأمريكيين في الآونة الأخيرة هو كيفية تسخير هذا المارد المسلح لخدمة الأهداف السياسية الأمريكية حتى لا يصبح «جني قمقم» غير قادر على تلبية مطالب من يوجهه؟
هنا تعلو أصوات تندد بكبار القادة في إدارة الرئيس بوش هؤلاء المبالغين في تعويلهم على التكنولوجيا والذين كان من المحتم عليهم ايلاء عناية أكبر بقوات المشاة والشرطة العسكرية وخبراء الشؤون المدنية وغيرها من مقومات القوة العسكرية التقليدية.
الأزمة إذن هي أن الجيش الأمريكي يوجز الحرب في تدريب جوي مجرد ومفصوم عن الوقائع والتحول العسكري يقتضي من المخططين العسكريين ضبط خططهم على النتيجة السياسية التي يتوخونها من العملية وبنائها على هذا الأساس واستخدام القوة على نحو يؤدي إلى النتيجة المرجوة هذه.
وحال تطبيق هذا الطرح على العراق تحديدا يتساءل المرء هل كان حل الجيش العراقي والشرطة العراقية وكافة القواعد الحزبية والمؤسساتية أمراً يخدم الهدف السياسي أم أن صوت القوة المسلحة الغشماء كان الأعلى وكانت الخسائر حليف بوش ورجاله؟
باليقين المطلق تبدو الفجوة واضحة وبخاصة في زمن الضبابية بين الهدف الاستراتيجي والتحركات التكتيكية وهو ما أقرت به وزيرة الخارجية الأمريكية كونداليزا رايس وهو الحديث الذي أغضب رامسفيلد الذي دفع منصبه كثمن لفشل إدراكه ضرورة التحول العسكري ذلك أنه في حين تستدعي المعارك التقليدية أعمالا ميدانية حاسمة فأنها تفترض في ذات الوقت بلوغ الاستقرار ومواجهة الجماعات المسلحة وتأمين السكان أولا واستباق ضربات العدو وتقويض نتائجها والتحدي الكبير هو إعداد قادة عسكريين يضطلعون بادوار تتغير بتغير المواقف والأحوال والعقليات على ما قد يحصل في يوم واحد.
ويبقى قبل الانصراف التساؤل هل أدرك بوش ومن لف لفه من المحافظين الجدد حتمية هذا التغير؟
في تقديري أن ما قاله «توماس مكنوجير» وأترابه ذهب أدراج الرياح والدليل يتمثل في مشهدين الأول التحركات العسكرية الأمريكية والحشود الواضحة في منطقة الخليج والتي قد تؤدي إلى إشعال معركة إيران كما صرحت بذلك الجارديان مؤخرا والثاني هو الطوق الصاروخي الذي تضربه واشنطن حول روسيا والصين في محاولة لإشعال أغوار الحرب الباردة من جديد والتي يمكن أن تتحول إلى مواجهات نووية كما هدد بذلك الرئيس الروسي بوتين مؤخرا.
والمعنى وراء المشهدين هو أن أمريكا تفقد في داخلها أهم مرتكزاتها التي انطلقت منها عالميا أي إيمانها بالنظام العالمي القائم على تعددية الأقطاب والتشاور بين الجميع واحترام حقوق الأمم في الأمن والاستقلال.
أمريكا - بوش هي المصرة على تقسيم العالم تقسيما مانويا بين من معنا ومن علينا وهي التي تغمض أعينها عن أي طرح عسكري مقرون برؤية سياسية فلسفية وهذا هو مقدمة انهيار الإمبراطوريات.
هكذا يتساءل وزير خارجية فرنسا السابق «هوبير فيديرين» واحد كبار محلليها الاستراتيجيين في مقدمة كتابه «في مواجهة القوى العظمى الأمريكية.. نصوص وخطابات».
والحق ان التساؤل لا يشغل بال الرجل بمفرده بل الكون بأسره سيما في ضوء الموازنة العسكرية الأمريكية الجديدة القادمة للعام 2008 غير أن حالة الضبابية التي تعم أرجاء واشنطن اليوم لا تستثني المؤسسة العسكرية والتي تجد نفسها على مفترق طرق ما بين إدارة تنطلق في سماوات العسكرة وموازنة عسكرية تقارب ما كان قائما إبان الحرب الباردة وبين خبراء من العسكر يرون أن الولايات المتحدة لا بد أن تسعى إلى تحول عسكري يقودها لنصر بلا قتال وتدمير للعدو بدون أدنى هجومات.
والتساؤل هل تعكس تلك الموازنة شيئا ما؟ وهل ذلك الشيء يمكن قراءته بسهولة ويسر في ضوء وثيقة القرن الأمريكية الساعية للسيطرة عسكريا على العالم؟
يمكن الإجابة وباليقين المطلق نعم. ونظرة سريعة على تلك الموازنة تقودنا إلى ترسيخ اتجاهات الإمبراطورية الأمريكية فائقة القوة والتي لم يسبقها في التاريخ إمبراطورية بمثل هذا الجبروت.
ماذا عن تلك الميزانية؟
في الأيام الماضية كان الرئيس بوش يتقدم إلى الكونجرس طالبا 716،5 مليار دولار لتمويل الحربين في العراق وأفغانستان وتسديد نفقات حجم الجيش الأمريكي ويتألف طلب الميزانية من ثلاثة أقسام هي 481،4 مليار دولار لميزانية وزارة الدفاع الأمريكية «البنتاجون» لدعم العمليات في مختلف أنحاء العالم وفي الفضاء الافتراضي المعلوماتي ويخصص مبلغ 93،4 مليار دولار لتغطية نفقات العمليات العسكرية في العراق وأفغانستان و141،7 مليار لمواصلة الحرب ضد الإرهاب منها 40 مليار دولار تخصص للتعويض عن المعدات التي دمرت في القتال في العراق وأفغانستان.
وبشيء من التفصيل فان الميزانية الجديدة تخصص أكثر من ثلثها للتحديث الاستراتيجي لتطوير معدات وقدرات قتالية مستقبلية وتعتزم وزارة الدفاع إنفاق 176،8 مليار دولار لإعطاء سلاح البحرية ثماني سفن إضافية بينها 3 سفن مقاتلة جديدة وجيل جديد من حاملات الطائرات وشراء مزيد من الطائرات مثل «الطائرة القتالية المشتركة» وتزويد الجيش بعربات مقاتلة جديدة والاستثمار إلى حد كبير في الاستخدام الناجح للمركبات الجوية غير المأهولة من نوع «بريديتور» ويتضمن طلب ميزانية هذا العام حوالي 9 مليارات دولار لوكالة الدفاع الصاروخي لتحسين أنظمة الصواريخ الدفاعية المنصوبة حاليا على الأرض وفي البحار ولتطوير أنظمة جديدة.
ولا تقتصر التطلعات العسكرية على العنصر المادي بل تمتد إلى المتطلبات البشرية ذلك انه بين ثنايا الموازنة يدرك القارئ أن الجيش ومشاة البحرية «المارينز» سيشهدان زيادة في عدد العناصر الموجودة في الخدمة الفعلية تصل إلى 92 ألف عنصر خلال السنوات المالية الأربع القادمة وستبلغ الزيادة في الجيش 65 ألف عنصر بحيث يرتفع عدده من 482 ألفا و400 جندي إلى 547 ألفا و400 جندي بحلول عام 2012 مما يزيد عدد الفرق المقاتلة من 42 إلى 48 فرقة.
أما سلاح مشاة البحرية فسيتمكن من استكمال عديد قوة الردع السريع البرية ــ الجوية الثالثة بحلول عام 2011 من خلال إضافة 27 ألف جندي مما يرفع عدد قوات المارينز من 175 ألفا إلى 200 ألف.
ويبرر وزير الدفاع الأمريكي روبرت جيتس هذه الموازنة بقوله « الموارد التي نخصصها للدفاع يجب أن تكون على مستوى كاف لمواجهة تحديات الظروف العالمية الاستراتيجية التي تواجهها الولايات المتحدة اليوم».
لكن واقع الحال يشير إلى انه رغم امتلاك الولايات المتحدة لأقوى الجيوش تسليحا في العالم فإنها تخسر على صعيد المواجهات التي تدور داخل الدول البعيدة وهو ما أشار إليه الجنرال جون أبي زيد من قبل بقوله ان الجيش الأمريكي مستعد فقط لخوض حروب قصيرة الأمد يعتمد فيها على قوة النيران وعدم الالتحام الشخصي في الوقت الذي يبقى فيه جندي المشاة هو المرجح الرئيسي في كسب أية معركة.
إذن كيف تلائم أمريكا بين الأسطورة العسكرية ومقدرتها المتواضعة على كسب معارك محدودة كما يجري في العراق وأفغانستان؟
يذكر «توماس مكنوجير» نائب رئيس مؤسسة راند ومدير قسم أبحاثها العسكرية في العدد الأخير من مجلة الفورين افيرز الأمريكية أن التحول العسكري هو الحل... ماذا يعني التحول؟
يعني انه لا بد من إيجاد صيغة توافقية تجعل من الآلة العسكرية والثورة المعلوماتية أداتين لتحقيق الأهداف بأقل قدر من الخسائر التي كشفت عنها التجربة الأخيرة والتي ظهر من خلالها الفشل العسكري الأمريكي الواضح والفاضح.
فعند كثير من الخبراء والمحللين لمشكلات الجيش الأمريكي في العراق إن الانتكاسة سببها استعانة وزير الدفاع الأمريكي السابق دونالد رامسفيلد بقوات مقاتلة عالية التقنية قليلة العدد وبشكل لا يتناسب مع المهمات القتالية وقد قاد عدم التناسب هذا الى يسر في دخول أمريكا الحرب مع العراق وعسر في خروجها منها اليوم.
والمؤكد أن تفوق الآلة العسكرية في العقود الماضية قاد إلى انتصارات محققة «عسكريا على الأقل» في عاصفة الصحراء والحرية الدائمة وحرية العراق، غير أن المشهد تبدل مؤخرا ففي ظل ثورة المعلومات أصبحت بعض الجماعات والميليشيات قادرة على ابطال الخطط العسكرية الاستراتيجية الكبرى وباتت تختبر أساليب عسكرية ووسائل وأسلحة تتهدد بها تفوق الآلة العسكرية الأمريكية وهذا شأن الجماعات المسلحة في العراق والتي اهتدت إلى طرق مبتكرة أكانت متطورة تقنيا أم تقليدية لمجابهة القوة الساحقة للولايات المتحدة.
ولعل ما يشغل المفكرين العسكريين الأمريكيين في الآونة الأخيرة هو كيفية تسخير هذا المارد المسلح لخدمة الأهداف السياسية الأمريكية حتى لا يصبح «جني قمقم» غير قادر على تلبية مطالب من يوجهه؟
هنا تعلو أصوات تندد بكبار القادة في إدارة الرئيس بوش هؤلاء المبالغين في تعويلهم على التكنولوجيا والذين كان من المحتم عليهم ايلاء عناية أكبر بقوات المشاة والشرطة العسكرية وخبراء الشؤون المدنية وغيرها من مقومات القوة العسكرية التقليدية.
الأزمة إذن هي أن الجيش الأمريكي يوجز الحرب في تدريب جوي مجرد ومفصوم عن الوقائع والتحول العسكري يقتضي من المخططين العسكريين ضبط خططهم على النتيجة السياسية التي يتوخونها من العملية وبنائها على هذا الأساس واستخدام القوة على نحو يؤدي إلى النتيجة المرجوة هذه.
وحال تطبيق هذا الطرح على العراق تحديدا يتساءل المرء هل كان حل الجيش العراقي والشرطة العراقية وكافة القواعد الحزبية والمؤسساتية أمراً يخدم الهدف السياسي أم أن صوت القوة المسلحة الغشماء كان الأعلى وكانت الخسائر حليف بوش ورجاله؟
باليقين المطلق تبدو الفجوة واضحة وبخاصة في زمن الضبابية بين الهدف الاستراتيجي والتحركات التكتيكية وهو ما أقرت به وزيرة الخارجية الأمريكية كونداليزا رايس وهو الحديث الذي أغضب رامسفيلد الذي دفع منصبه كثمن لفشل إدراكه ضرورة التحول العسكري ذلك أنه في حين تستدعي المعارك التقليدية أعمالا ميدانية حاسمة فأنها تفترض في ذات الوقت بلوغ الاستقرار ومواجهة الجماعات المسلحة وتأمين السكان أولا واستباق ضربات العدو وتقويض نتائجها والتحدي الكبير هو إعداد قادة عسكريين يضطلعون بادوار تتغير بتغير المواقف والأحوال والعقليات على ما قد يحصل في يوم واحد.
ويبقى قبل الانصراف التساؤل هل أدرك بوش ومن لف لفه من المحافظين الجدد حتمية هذا التغير؟
في تقديري أن ما قاله «توماس مكنوجير» وأترابه ذهب أدراج الرياح والدليل يتمثل في مشهدين الأول التحركات العسكرية الأمريكية والحشود الواضحة في منطقة الخليج والتي قد تؤدي إلى إشعال معركة إيران كما صرحت بذلك الجارديان مؤخرا والثاني هو الطوق الصاروخي الذي تضربه واشنطن حول روسيا والصين في محاولة لإشعال أغوار الحرب الباردة من جديد والتي يمكن أن تتحول إلى مواجهات نووية كما هدد بذلك الرئيس الروسي بوتين مؤخرا.
والمعنى وراء المشهدين هو أن أمريكا تفقد في داخلها أهم مرتكزاتها التي انطلقت منها عالميا أي إيمانها بالنظام العالمي القائم على تعددية الأقطاب والتشاور بين الجميع واحترام حقوق الأمم في الأمن والاستقلال.
أمريكا - بوش هي المصرة على تقسيم العالم تقسيما مانويا بين من معنا ومن علينا وهي التي تغمض أعينها عن أي طرح عسكري مقرون برؤية سياسية فلسفية وهذا هو مقدمة انهيار الإمبراطوريات.