انهيار معاهدة تصفية الصواريخ متوسطة وقريبة المدى لا يصب في مصلحة روسيا
تعمل إدارة الرئيس الأمريكي باراك أوباما على وضع خططٍ لنشر صواريخ مجنحة وباليستية ذات تمركز أرضي في أوروبا، ويأتي ذلك بمثابة رد على خرق روسيا لشروط معاهدة تصفية الصواريخ متوسطة وقصيرة المدى. وإذا كانت الأنباء التي تناقلتها وسائل الإعلام الغربية قد أثارت موجة من الاهتمام بهذه المعاهدة التي تعود إلى نحو ثلاثين سنة مضت، فإنها في الوقت نفسه دفعت السلطات الروسية للقيام بخطوات جوابية.
تعمل إدارة الرئيس الأمريكي باراك أوباما على وضع خططٍ لنشر صواريخ مجنحة وباليستية ذات تمركز أرضي في أوروبا، ويأتي ذلك بمثابة رد على خرق روسيا لشروط معاهدة تصفية الصواريخ متوسطة وقصيرة المدى. وإذا كانت الأنباء التي تناقلتها وسائل الإعلام الغربية قد أثارت موجة من الاهتمام بهذه المعاهدة التي تعود إلى نحو ثلاثين سنة مضت، فإنها في الوقت نفسه دفعت السلطات الروسية للقيام بخطوات جوابية.
وبالرغم من كونها اتفاقية تاريخية في ظروف الحرب الباردة، إلا أن معاهدة تصفية الصواريخ متوسطة وقصيرة المدى فقدت أهميتها في كثير من النواحي بعد انتهائها، لأنه من الصعب تصور أوروبا ساحة لمواجهات عسكرية مباشرة ما بين روسيا والولايات المتحدة الأمريكية، حتى في سياق الأحداث الأوكرانية. وبالإضافة إلى ذلك فإن معاهدة تصفية الصواريخ متوسطة وقصيرة المدى ( كونها اتفاقية بين بلدين) لا تحد من تطوير منظومات الهجوم متوسطة وقصيرة المدى في البلدان الأخرى.
تدرك موسكو وواشنطن أن أهمية التخلي عن منظومات الهجوم متوسطة وقصيرة المدى تتراجع يوماً بعد يوم، ولاسيما بالنسبة للجانب الروسي.
تدرك موسكو وواشنطن أن أهمية التخلي عن منظومات الهجوم متوسطة وقصيرة المدى تتراجع يوماً بعد يوم، ولاسيما بالنسبة للجانب الروسي.
ذلك أن هذه التكنولوجيات تتطور بسرعة عند جيرانها القريبين (الصين، إيران، كوريا الشمالية)، كما شهدت روسيا قبل عدة سنوات نقاشات حادة حول ما إذا كانت معاهدة تصفية الصواريخ متوسطة وقصيرة المدى تتناسب مع مصالحها في الظروف المعاصرة، وتحدث العسكريون الروس بصورة مباشرة عن إمكانية الخروج من هذه المعاهدة.
من جانبها، عملت الولايات المتحدة الأمريكية خلال السنوات القليلة الماضية على تشكيل خلفية إعلامية محددة بشأن معاهدة تصفية الصواريخ متوسطة وقصيرة المدى.
شملت معاهدة تصفية الصواريخ متوسطة وقريبة المدى التي وقّعت في عام 1987 تفكيك جميع أنواع الصواريخ ذات المدى الذي يتراوح ما بين 500 ـ 5500 كم. وأصبحت هذه الوثيقة علامة فارقة في ذلك الوقت، حيث كان يُنظر إلى أراضي أوروبا كمسرح رئيس للصراع العسكري المحتمل بين الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد السوفيتي. ونظراً لامتلاكها زمناً قصيراً للطيران، فإن هذه الصواريخ كان يمكن أن تلعب دوراً حاسماً في سير العمليات القتالية. وقد أنيطت بها إحدى المهام الرئيسة وهي إزالة منظومات إدارة القوات المسلحة، وخفض القرار بإزالة هذا النوع من السلاح مدى المواجهة في اوروبا، كما وضع أساساً لمزيد من تقليص الأسلحة التقليدية في المنطقة.
ففي أواخر عام 2013 نشرت وسائل الإعلام الأمريكية، للمرة الأولى، معلومات حول اشتباه واشنطن بمخالفة روسيا لشروط المعاهدة، أما تفاصيل الاتهامات الأمريكية فهي غير معروفة، ويعتقد الخبراء أنها تتعلق بنوعين من الأسلحة الهجومية الروسية، وهي صواريخ " أر.
أس ـ 26 ـ روبيج" الباليستية وصواريخ أر ـ 500". ومن الناحية الرسمية فإن صواريخ " روبيج" لا تدخل في نطاق المعاهدة، نظراً لأن الحد الأقصى لطيرانها يتجاوز الحد الذي تتضمنه المعاهدة، ولكن خصوصية البرنامج التجريبي ( تم اختبار الصاروخ بنجاح على مسافة أقل من 5500 كم) تتيح التوصل إلى استنتاج أن الهدف الرئيس للصاروخ هو إصابة الأهداف على مسافة متوسطة. وفيما يتعلق بصاروخ " آر ـ 500" فإن ما يثير الشك هو الحد الأقصى لتحليقه، حيث يوجد أساس للاعتقاد بأنه يتجاوز الحد الأدنى للمعاهدة بنحو 500 كم.
وكان المسؤولون الروس يردون دائماً على الاتهامات الصادرة من واشنطن بشأن خرق شروط معاهدة تصفية الصواريخ متوسطة وقصيرة المدى، ولا يشكل الوضع الراهن استثناء في هذا المجال ( وجّه وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف مرة أخرى اللوم للأمريكيين بأن اتهاماتهم تفتقد إلى الدقة).
أما حقيقة أن الولايات المتحدة الأمريكية لم تقدم حتى الآن أدلة دامغة، فتدل على أنها لا تملك المعلومات القياسية الكافية لتأكيد اتهاماتها.
ومع ذلك، فإنه ينبغي على الجانب الروسي إدراك أن أية محاولة لإعادة إنتاج صواريخ من فئة المدى المتوسط والقصير، حتى لدى المراعاة الرسمية لبنود الاتفاقية سوف تعدّ " لعباً بالنار". بغض النظر عن أن المعاهدة لا تتضمن تقييدات على تاريخ سريان مفعولها، ذلك أن المادة الخامسة عشرة تسمح بالخروج من هذه الاتفاقية في حالة ما إذا كان هناك تهديد " للمصالح العليا" لأحد الطرفين.
وبالتالي فإن أية محاولة من قبل روسيا لإعادة إنتاج الصواريخ متوسطة وقصيرة المدى، ( حتى إذا كانت تتفق مع نص معاهدة تصفية الصواريخ متوسطة وقريبة المدى) فسوف تستدعي خطوات جوابية من جانب الولايات المتحدة الأمريكية، وقد يكون الخروج من المعاهدة واحداً من بين هذه الردود.
إن توقف سريان مفعول معاهدة تصفية الصواريخ متوسطة وقريبة المدى، سوف يضرب الأمن الروسي بالدرجة الأولى. ففي ظل مثل هذا السيناريو سوف تحصل الولايات المتحدة الأمريكية على إمكانية إعادة صواريخها متوسطة وقصيرة المدى إلى أوروبا.
ومن الناحية النظرية فإن واشنطن قادرة على نشر هذه الصواريخ ليس فقط في بلدان أوروبا الغربية ( مثلما كان في زمن الحرب الباردة)، وإنما أيضاً في أراضي الأعضاء الجدد في حلف الناتو.
وسوف تقلل مثل هذه الأعمال من مسافة طيران هذه الصواريخ إلى المنشآت الروسية الاستراتيجية إلى بضع دقائق، مشكّلةً تلك الضربة القادرة على تجريد الخصم من سلاحه. بينما لا تمتلك موسكو إمكانيات الرد بالمثل على هذه التحديات وسوف تكون مضطرة لصرف جهود ووسائل ضخمة لإنشاء منظومات قادرة على مواجهة هذه القوة.
في الوقت نفسه، فإنه من الصعب تصور مثل هذه الموجة من التوتر، حتى في ظل انخفاض مستوى العلاقات الروسية ـ الأمريكية، فمن الممكن تماماً أن تحاول واشنطن جر موسكو إلى نقاش من خلال أقنية " نزع التسليح" التي تميزت دائماً بالمستوى الرفيع من الثقة.
وفي كل الحالات، فإن مصير معاهدة إزالة الصواريخ متوسطة وقريبة المدى يعتمد اليوم بالدرجة الأولى على ما إذا كان الجانب الروسي قد اتخذ قراراً بإعادة صنع فئات الصواريخ التي جرى تفكيكها وفق شروط المعاهدة.
وإذا كان هناك مثل هذا القرار، ولدى حصولها على كمية كافية من الأدلة، فإن الولايات المتحدة سوف تخرج من هذه المعاهدة، أما إذا لم يحدث ذلك، فإن محاولة التواصل على أساس الثقة من خلال الحوار في مجال الرقابة على الأسلحة، سوف تُعدّ أحد الأدلة على مساعي الولايات المتحدة الأمريكيةلاستئناف العلاقات الطبيعية مع روسيا.
ألكسندر تشيكوف: أستاذ محاضر في قسم العلاقات الدولية والسياسة الخارجية لروسيا في معهد موسكو للعلاقات الدولية، محلل وكالة " فنيشنايابوليتيكا" ( السياسة الخارجية).
ألكسندر تشيكوف: أستاذ محاضر في قسم العلاقات الدولية والسياسة الخارجية لروسيا في معهد موسكو للعلاقات الدولية، محلل وكالة " فنيشنايابوليتيكا" ( السياسة الخارجية).
رأي الكاتب لا يعكس بالضرورة موقف موقع " روسيا ما وراء العناوين"
http://arab.rbth.com/opinion/2015/06/17/30435.html