الهدية الأخيرة" من بوتين لأوباما
تخيل أن مياه نهر الفولغا النابعة من تلال الفالداي، شمالي غرب روسيا، تجري في صحراء القطيف شرق السعودية. وأن دبابات "أرماتا" الروسية تحمي الحدود السعودية وجنود المملكة يحملون "الكلاشينكوف"، تخيل أن طلبة العلوم السعوديين صعدوا إلى القمر على متن مركبة فضاء روسية، بل اذهب بخيالك إلى ما هو أبعد من ذلك؛ وتخيل أن السعودية تضاء بمفاعلات نووية روسية سلمية.
كل هذه الخيالات قوية… نعم فالخيال إحساس عظيم، لكن الواقع والسياسة لا يقومان على التخيلات والأوهام.
وهم إيران
الجميع، في حقيقة الأمر، أشفق على الرئيس الأمريكي، باراك أوباما، عندما خانه القدر واستند إلى تخيلاته، واعتقد أن الاتفاق النووي مع إيران في لوزان سيكون بمنزلة المنحة الأخيرة التي يقدمها لشعبه وبلاده قبل أن يرحل منهياً فترة رئاسته والدخول في مرحلة استجمام طويلة بعد نوفمبر 2016، عندما اعتقد أن آخر شيء سيتذكره به شعبه أنه استطاع التوصل مع إيران إلى اتفاق نووي يحد من تغول إيران وسيطرتها على أفكار الغرب وضخ المخاوف فى عقل الاسرائيلين.
لكن الرئيس الأمريكي أوباما لم يدرك فى الوقت ذاته أن اتفاقاً نووياً مثل هذا مع إيران من شأنه إفساد علاقته مع العدو الأزلي لإيران والحليف المهم لأمريكا فى الشرق الأوسط؛ إنها السعودية التى ما لبث أوباما أن يتفق مع الإيرانيين حتى بدأت تغير من بوصلتها، وتتجه إلى الدب الروسي.
البنط العريض
تطور سريع ومتلاحق في العلاقات بين روسيا والسعودية في الأونة الأخيرة؛ الرئيس بوتين شخصياً يستقبل وزير الدفاع السعودي وولى ولى العهد الأمير محمد بن سلمان، وزيارة للملك سلمان بن عبدالعزيز في القريب العاجل الى روسيا، والرئيس بوتين توجه له دعوه لزيارة المملكة فيقبلها، تلاحق دراماتيكي في شريط المواقف الإيجابية أسرع مما يتخيل أى متعمق في العلاقات الدولية وتحليلها، هكذا احتفت الصحافة السعودية بالعلاقات.
"4 اتفاقات مفصلية تصل الأرض بالسماء وتدشن عهداً وثيقاً من التعاون السعودي الروسي"، بهذا البنط العريض المألوف في الأحداث المهمة، عنونت البوابة الإلكترونية لصحيفة "الرياض" السعودية، "واسعة الانتشار"، مقالتها الرئيسية، يوم السبت الماضي، بعد توقيع اتفاقات روسية سعودية مختلفة أثناء زيارة الأمير محمد بن سلمان إلى روسيا.
الفضاء والذرة
"الاستثمار السعودي" يوقع "مذكرة تفاهم" مع نظيره الروسي بـ10 مليارات دولار
أربع اتفاقات في قطاعات مفصلية لا يمكن لأى دولتين عاديتين أن يتفقا على العمل، فالمشترك فيهما، يحتاجان خبرات كبيرة، وفى الوقت ذاته إلى كثير من المال.
ولأن روسيا دائما ما تؤرق الغرب، فلك أن تعلم أن الاتفاقات ذهبت إلى أبعد من تأسيس صندوق استثماري بمبلغ 10 مليارات دولار بين صندوق الاستثمار السعودي والصندوق الروسي للاستثمار المباشر، وهو ما سيدفع بالعلاقات التجارية بين البلدين إلى ازدهار غير مسبوق ولم يسبق له مثيل.
ولك أن تتصور أن يصل التعاون إلى مدى أكثر اتساعاً من ذلك، حيث وقعت مدينة الملك عبدالعزيز للعلوم والتقنية ووكالة الفضاء الروسية مذكرة تفاهم للتعاون في استكشاف الفضاء واستخدامه للأغراض السلمية عبر فريق عمل مشترك بين البلدين، والاستفادة من الأنظمة الروسية المتطورة في مجال الفضاء، ويعد الفضاء هو أحد الأعمدة الرئيسية الرائدة فيها روسيا فى الوقت الحاضر، من جانب آخر تم توقيع اتفاقية بين المؤسسة الحكومية للطاقة الذرية فى روسيا ومدينة الملك عبدالله للطاقة الذرية.
مربط الفرس
اهتمام سعودي باقتناء سفن حربية روسية
إذن دعنا نحصى المكاسب حتى الآن قبل أن نتطرق إلى اتفاقيه أهم وأشمل من كل ذلك، إذاً، هناك تعاون استثماري، وتعاون فى استكشاف الفضاء، إلى جانب مذكرات تعاون وتفاهم عسكرية، وبات من حق المواطن السعودي أن يتخيل أن دولة مثل روسيا بنهضتها وتقدمها وريادتها تساعد بلاده فى أمور مثل ذلك، وفي المقابل سنرى أن المواطن الروسي بوسعه التصور أن دولة مثل السعودية باقتصادها القوى أن تتعاون مع روسيا فى مجالات مثل هذه. فهذه الزيارة لن تفتح أفقا جديداً فحسب، بل هي استهلالة حقيقة لمستقبل جديد سيأتي.
ومرة أخرى، دعنا نكمل ما بدأناه من إحصاءٍ لنتائج هذه الزيارة؛ فعليك أن تعلم أيضا أن هناك مذكرة تفاهم رئيسية وقعت فى مجال استكشاف الغاز والبترول بين الجانبين، وهذا مربط الفرس حيث أن التخوف الأكبر للغرب في هذه المرحلة هو التنسيق السعودي الروسي في مجال البترول، وتوصل البلدين إلى تفاهمات مرضية لكليهما حول سعر النفط الذى تهيمن فيه السعودية بشكل كبير عبر نفوذها داخل منظمة "أوبك" دون أن ننسي هنا الدور الذى سبق ولعبته في رفع الإنتاج داخل المؤسسة، ما أضر كثيراً بسعر الروبل وأسعار النفط الروسية.
فقدان الحليف
فلاديمير بوتين والأمير محمد بن سلمان
تفاهمات كبيرة قد تحدث بين البلدين خلال الفترة المقبلة، وكل هذه التحركات ربما تكون محركاً قوياً لعهد جديد قد ينطلق، إذا استمر الحال بنفس التلاحق والانسجام، رغم وجود العديد من النقاط العالقة بين الجانبين أهمها الأزمة في سوريا عندما وقف "الفيتو" الروسي أمام القرار السعودي في مجلس الأمن عام 2014، مما أدى بالعلاقات إلى مرحلة من الجمود غير المسبوق، حلحلته موقف روسيا الأخير في مجلس الأمن أيضاً عندما امتنعت عن التصويت على القرار الأممي بشأن اليمن.
لكن، في الوقت نفسه، لم ينس الأمير السعودي الإشارة إلى أن الاتحاد السوفييتي كان أول من اعترف بالمملكة العربية السعودية في 1926، وهو الأمر الذي صرح به أمام الصحافيين فى روسيا أثناء الزيارة، مؤكدا أن السعوديين يثمنون دوما ذلك الموقف الروسي تجاه مملكتهم.
دلالات عديدة حملتها الزيارة، فعندما تتحرك الرياض، وهى الحليف التقليدي لواشنطن، بهذه السرعة إلى موسكو فهذا يشير إلى أن أمريكا بدأت تفقد حليفها الاستراتيجي في المنطقة.
وربما تكون تلك هي الهدية الأخيرة التي قد يقدمها الرئيس فلاديمير بوتين إلى الرئيس الأمريكي باراك أوباما قبل حصوله على فترة الاستجمام الطويلة بعد 8 نوفمبر العام القادم، "الانتخابات الأمريكية"، وليتذكر آنذاك "عندما أهزمك أنا وحلفائي… فهذا أمر عادي، أما عندما أهزمك أنا وحلفائك أنت… فأعلم أن الأزمة تكمن فيك أنت".
تخيل أن مياه نهر الفولغا النابعة من تلال الفالداي، شمالي غرب روسيا، تجري في صحراء القطيف شرق السعودية. وأن دبابات "أرماتا" الروسية تحمي الحدود السعودية وجنود المملكة يحملون "الكلاشينكوف"، تخيل أن طلبة العلوم السعوديين صعدوا إلى القمر على متن مركبة فضاء روسية، بل اذهب بخيالك إلى ما هو أبعد من ذلك؛ وتخيل أن السعودية تضاء بمفاعلات نووية روسية سلمية.
كل هذه الخيالات قوية… نعم فالخيال إحساس عظيم، لكن الواقع والسياسة لا يقومان على التخيلات والأوهام.
وهم إيران
الجميع، في حقيقة الأمر، أشفق على الرئيس الأمريكي، باراك أوباما، عندما خانه القدر واستند إلى تخيلاته، واعتقد أن الاتفاق النووي مع إيران في لوزان سيكون بمنزلة المنحة الأخيرة التي يقدمها لشعبه وبلاده قبل أن يرحل منهياً فترة رئاسته والدخول في مرحلة استجمام طويلة بعد نوفمبر 2016، عندما اعتقد أن آخر شيء سيتذكره به شعبه أنه استطاع التوصل مع إيران إلى اتفاق نووي يحد من تغول إيران وسيطرتها على أفكار الغرب وضخ المخاوف فى عقل الاسرائيلين.
لكن الرئيس الأمريكي أوباما لم يدرك فى الوقت ذاته أن اتفاقاً نووياً مثل هذا مع إيران من شأنه إفساد علاقته مع العدو الأزلي لإيران والحليف المهم لأمريكا فى الشرق الأوسط؛ إنها السعودية التى ما لبث أوباما أن يتفق مع الإيرانيين حتى بدأت تغير من بوصلتها، وتتجه إلى الدب الروسي.
البنط العريض
تطور سريع ومتلاحق في العلاقات بين روسيا والسعودية في الأونة الأخيرة؛ الرئيس بوتين شخصياً يستقبل وزير الدفاع السعودي وولى ولى العهد الأمير محمد بن سلمان، وزيارة للملك سلمان بن عبدالعزيز في القريب العاجل الى روسيا، والرئيس بوتين توجه له دعوه لزيارة المملكة فيقبلها، تلاحق دراماتيكي في شريط المواقف الإيجابية أسرع مما يتخيل أى متعمق في العلاقات الدولية وتحليلها، هكذا احتفت الصحافة السعودية بالعلاقات.
"4 اتفاقات مفصلية تصل الأرض بالسماء وتدشن عهداً وثيقاً من التعاون السعودي الروسي"، بهذا البنط العريض المألوف في الأحداث المهمة، عنونت البوابة الإلكترونية لصحيفة "الرياض" السعودية، "واسعة الانتشار"، مقالتها الرئيسية، يوم السبت الماضي، بعد توقيع اتفاقات روسية سعودية مختلفة أثناء زيارة الأمير محمد بن سلمان إلى روسيا.
الفضاء والذرة
"الاستثمار السعودي" يوقع "مذكرة تفاهم" مع نظيره الروسي بـ10 مليارات دولار
أربع اتفاقات في قطاعات مفصلية لا يمكن لأى دولتين عاديتين أن يتفقا على العمل، فالمشترك فيهما، يحتاجان خبرات كبيرة، وفى الوقت ذاته إلى كثير من المال.
ولأن روسيا دائما ما تؤرق الغرب، فلك أن تعلم أن الاتفاقات ذهبت إلى أبعد من تأسيس صندوق استثماري بمبلغ 10 مليارات دولار بين صندوق الاستثمار السعودي والصندوق الروسي للاستثمار المباشر، وهو ما سيدفع بالعلاقات التجارية بين البلدين إلى ازدهار غير مسبوق ولم يسبق له مثيل.
ولك أن تتصور أن يصل التعاون إلى مدى أكثر اتساعاً من ذلك، حيث وقعت مدينة الملك عبدالعزيز للعلوم والتقنية ووكالة الفضاء الروسية مذكرة تفاهم للتعاون في استكشاف الفضاء واستخدامه للأغراض السلمية عبر فريق عمل مشترك بين البلدين، والاستفادة من الأنظمة الروسية المتطورة في مجال الفضاء، ويعد الفضاء هو أحد الأعمدة الرئيسية الرائدة فيها روسيا فى الوقت الحاضر، من جانب آخر تم توقيع اتفاقية بين المؤسسة الحكومية للطاقة الذرية فى روسيا ومدينة الملك عبدالله للطاقة الذرية.
مربط الفرس
اهتمام سعودي باقتناء سفن حربية روسية
إذن دعنا نحصى المكاسب حتى الآن قبل أن نتطرق إلى اتفاقيه أهم وأشمل من كل ذلك، إذاً، هناك تعاون استثماري، وتعاون فى استكشاف الفضاء، إلى جانب مذكرات تعاون وتفاهم عسكرية، وبات من حق المواطن السعودي أن يتخيل أن دولة مثل روسيا بنهضتها وتقدمها وريادتها تساعد بلاده فى أمور مثل ذلك، وفي المقابل سنرى أن المواطن الروسي بوسعه التصور أن دولة مثل السعودية باقتصادها القوى أن تتعاون مع روسيا فى مجالات مثل هذه. فهذه الزيارة لن تفتح أفقا جديداً فحسب، بل هي استهلالة حقيقة لمستقبل جديد سيأتي.
ومرة أخرى، دعنا نكمل ما بدأناه من إحصاءٍ لنتائج هذه الزيارة؛ فعليك أن تعلم أيضا أن هناك مذكرة تفاهم رئيسية وقعت فى مجال استكشاف الغاز والبترول بين الجانبين، وهذا مربط الفرس حيث أن التخوف الأكبر للغرب في هذه المرحلة هو التنسيق السعودي الروسي في مجال البترول، وتوصل البلدين إلى تفاهمات مرضية لكليهما حول سعر النفط الذى تهيمن فيه السعودية بشكل كبير عبر نفوذها داخل منظمة "أوبك" دون أن ننسي هنا الدور الذى سبق ولعبته في رفع الإنتاج داخل المؤسسة، ما أضر كثيراً بسعر الروبل وأسعار النفط الروسية.
فقدان الحليف
فلاديمير بوتين والأمير محمد بن سلمان
تفاهمات كبيرة قد تحدث بين البلدين خلال الفترة المقبلة، وكل هذه التحركات ربما تكون محركاً قوياً لعهد جديد قد ينطلق، إذا استمر الحال بنفس التلاحق والانسجام، رغم وجود العديد من النقاط العالقة بين الجانبين أهمها الأزمة في سوريا عندما وقف "الفيتو" الروسي أمام القرار السعودي في مجلس الأمن عام 2014، مما أدى بالعلاقات إلى مرحلة من الجمود غير المسبوق، حلحلته موقف روسيا الأخير في مجلس الأمن أيضاً عندما امتنعت عن التصويت على القرار الأممي بشأن اليمن.
لكن، في الوقت نفسه، لم ينس الأمير السعودي الإشارة إلى أن الاتحاد السوفييتي كان أول من اعترف بالمملكة العربية السعودية في 1926، وهو الأمر الذي صرح به أمام الصحافيين فى روسيا أثناء الزيارة، مؤكدا أن السعوديين يثمنون دوما ذلك الموقف الروسي تجاه مملكتهم.
دلالات عديدة حملتها الزيارة، فعندما تتحرك الرياض، وهى الحليف التقليدي لواشنطن، بهذه السرعة إلى موسكو فهذا يشير إلى أن أمريكا بدأت تفقد حليفها الاستراتيجي في المنطقة.
وربما تكون تلك هي الهدية الأخيرة التي قد يقدمها الرئيس فلاديمير بوتين إلى الرئيس الأمريكي باراك أوباما قبل حصوله على فترة الاستجمام الطويلة بعد 8 نوفمبر العام القادم، "الانتخابات الأمريكية"، وليتذكر آنذاك "عندما أهزمك أنا وحلفائي… فهذا أمر عادي، أما عندما أهزمك أنا وحلفائك أنت… فأعلم أن الأزمة تكمن فيك أنت".
التعديل الأخير: