تصاعد وتوترات في حدة أزمة التهديدات النووية
المبارزة النووية بين روسيا والغرب.. إلى أين؟
تاريخ النشر:17.06.2015 | 16:08 GMT |المبارزة النووية بين روسيا والغرب.. إلى أين؟
آخر تحديث:17.06.2015 | 16:27 GMT | أخبار العالم
انسخ الرابط
تتصاعد لهجة التهديد والوعيد بين روسيا من جهة والناتو وواشنطن من جهة أخرى، ما ينذر بتصعيد عام في القارة الأوروبية وتداعي التوازن الأمني الذي نشأ عقب انهيار الاتحاد السوفيتي عام1991.
ويشكل ذلك، حسب مراقبين، خطرا ينبغي أن تنتبه له دول أوروبا العجوز للإفلات من صب الزيت على النار الذي تقوم به دول شرق أوروبا.
وجه حلف شمال الأطلسى، الثلاثاء 16 يونيو/ حزيران الحالي، إدانة إلى ما أسماه تحرك روسيا لتعزيز ترسانتها النووية، مؤكدا أن ذلك غير مبرر وخطير، وقال الأمين العام لحلف الناتو ينس ستولتنبيرغ "إن تصريحات بوتين تؤكد نمط وسلوك روسيا خلال الفترة الماضية، ولقد رأيناها تستثمر أكثر في الدفاع بشكل عام وفي قدرتها النووية بشكل خاص"، وأوضح أن "تلك المبارزة النووية لروسيا غير مبررة وخطيرة، حيث ستؤدي لزعزعة الاستقرار، وهذا شيء نواجهه حاليا وهو أيضا أحد الأسباب التي تجعلنا الآن نزيد من استعدادات وجاهزية قواتنا"، مشيرا إلى أن ما يفعله الناتو الآن في الجزء الشرقي من دول الحلف شيء متسق وإجراء دفاعي يتماشى تماما مع التزاماته الدولية.
أما الأمر المتعلق بنشر أسلحة أمريكية ثقيلة في شرق أوروبا، فكانت أيضا موضع تعليق ستولتنبرغ، في ختام لقاء أجراه في بروكسل مع رئيس المفوضية الأوروبية جان كلود يونكر، حيث أكد أن وزير الدفاع الأمريكي آشتون كارتر سيطلع الحلف الأسبوع المقبل على خطط واشنطن المتعلقة بنشر معدات عسكرية ثقيلة في شرق أوروبا، وشدد مرة أخرى على أن "رفع مستوى الوجود العسكري في شرق أوروبا يتم ردا على تغير الوضع الأمني وتصرفات روسيا في أوكرانيا".
رد فعل حلف الناتو جاء سريعا وفوريا على تصريحات الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يوم الثلاثاء الـ16 من يونيو/ حزيران الحالي، خلال تطرقه إلى ما تردد حول إمكانية نشر أسلحة أمريكية ثقيلة في شرق أوروبا، بأنه لا يرى في الوقت الحالي سببا لقلق شديد بهذا الخصوص، واصفا هذه التصريحات بأنها مجرد "إشارات سياسية" موجهة لروسيا من قبل واشنطن وحلفائها، وأشار إلى أن منظومة الدرع الصاروخية التي يتم نشرها حاليا هي التي تثير قلق موسكو الحقيقي، وأنه يرى رد موسكو على هذا الإجراء أمرا مشروعا، لأنه "إذا هدد أحد أراضي روسيا، فعليها أن توجه قواتها الضاربة إلى تلك الأراضي التي يأتي منها هذا التهديد"، مضيفا أن "الناتو هو الذي يقترب من حدودنا وليس العكس".
وفي تصريحات أخرى اعتبرها الناتو "تصعيدا جديدا"، أعلن بوتين خلال افتتاح منتدى "الجيش-2015" أن القوات النووية الروسية ستحصل هذا العام على أكثر من 40 صاروخا بالستيا جديدا عابرا للقارات، وستكون قادرة على اختراق أي منظومات دفاعية حديثة، وذكر أن هناك استعدادات جارية لاختبار رادار جديد مخصص للسيطرة على الاتجاه الاستراتيجي الغربي، كما سيجري خلال الأشهر المقبلة الاختبار الحكومي لمنظومة رادار جديد كاشفة لما وراء الأُفق، ومن المخطط الشروع في إنشاء منظومة مماثلة على الاتجاه الاستراتيجي الشرقي قبل نهاية العام الحالي، إضافة إلى كل ذلك فقد تم تدشين محطة الرادار الحديثة في أرمافير جنوب روسيا في أبريل/نيسان الماضي.
حلف الناتو يرى أن أي تحرك لروسيا، حتى وإن كان داخل حدودها، شكلا من أشكال التعدي على "أملاكه الخاصة" و"خطرا" على حلفائه حتى وإن كانوا غير أعضاء في صفوفه، وفي الوقت نفسه يرى أن جميع تحركاته مشروعة وقانونية بصرف النظر عن مصالح أي أطراف أخرى، وعلى الرغم من صبر روسيا غير المحدود، إلا أنها تستخدم أوراقها وفق حسابات تراعي الظروف الدولية ومصالحها ومصالح الآخرين، إذ أكد الرئيس الروسي في السياق ذاته تصريحاته المذكورة أعلاه على وجود طلب مستقر على الأسلحة الروسية في السوق العالمية، وأن الطلبيات الدفاعية لدى روسيا مقررة لسنوات عديدة قادمة، وأضاف أن حصة النماذج الحديثة من الأسلحة يجب أن تبلغ في القوات المسلحة الروسية 70% بحلول عام 2020، و100% فيما يتعلق ببعض أنواع السلاح، وأكد أن السلطات تولي وستواصل إيلاء اهتمام خاص بتطبيق برنامجها الطموح لإعادة تسليح الجيش ولتحديث قطاع الإنتاج الدفاعي في روسيا، وشدد على ضرورة بقاء قطاع الصناعات العسكرية قاطرة للاقتصاد الروسي، تساهم في تطوير التكنولوجيا ذات الاستخدام المزدوج والتكنولوجيا المستخدمة في القطاع المدني.
المخاوف الآن تدور حول إمكانية تكرار أزمة الكاريبي أو ما يعرف بأزمة الصواريخ الكوبية، التي بدأت أصلا بحرب "خليج الخنازير" ومحاولات الولايات المتحدة الإطاحة بالحكومة الكوبية، وكذلك المواجهة بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي في أكتوبر عام 1962 في إطار الحرب الباردة،
ففي أغسطس/آب 1962 وفي أعقاب عدة عمليات فاشلة للولايات المتحدة لإسقاط النظام الكوبي، شرعت حكومتا كوبا والاتحاد السوفيتي في بناء قواعد سرية لعدد من الصواريخ النووية متوسطة المدى في كوبا، والتي تعطي الإمكانية بضرب معظم أراضي الولايات المتحدة، بدأ هذا العمل بعد نشر صواريخ في بريطانيا ضمن مشروع إميلي سنة 1958 ونشر صواريخ أخرى في إيطاليا وتركيا سنة 1961، حيث أصبح لدى أمريكا المقدرة على ضرب موسكو بأكثر من 100 صاروخ ذي رأس نووي،
ولكن بدلا من كوبا، تتصدر أوكرانيا المشهد حاليا مع بعض التفاصيل الأخرى المختلفة، وبالذات في ما يتعلق بدول شرق أوروبا التي تدفع في اتجاه عسكرة أوروبا بالكامل وعسكرة النزاع الأوكراني، ومطالبها لحلف الناتو بإرسال المزيد من الأسلحة والقوات إلى دول حلف وارسو السابقة.
إن ما يجري الآن في أوروبا، على خلفية التصعيد بين موسكو وواشنطن، يعيد التاريخ إلى الوراء لأكثر من نصف قرن، عندما فكرت الولايات المتحدة في مهاجمة كوبا عن طريق الجو والبحر (حرب خليج الخنازير)، ثم استقر الرأي بفرض حظر عسكري عليها، وأعلنت الولايات المتحدة أنها لن تسمح بتسليم أسلحة هجومية لكوبا، وطالبت السوفيت بتفكيك أي قواعد صواريخ مبنية أو تحت الإنشاء في كوبا وإزالة جميع الأسلحة الهجومية، ورفض السوفيت علنا جميع المطالب الأمريكية، وبدأ تبادل الاتهامات والتهديدات بحرب صاروخية نووية، ولكن الاتصالات عبر القنوات السرية كانت تجري بالتزامن مع التصعيد، وبالفعل انتهت الأزمة في الـ28 أكتوبر/تشرين الأول 1962، عندما توصل كل من الرئيس الأمريكي جون كينيدي والأمين العام للأمم المتحدة يو ثانت إلى اتفاق مع السوفيت يزيل قواعد الصواريخ الكوبية شريطة أن تتعهد الولايات المتحدة بعدم غزو كوبا وأن تقوم بالتخلص بشكل سري من الصواريخ البالستية في تركيا وبريطانيا وإيطاليا.
وبالفعل أزال السوفيت، بعد أسبوعين من الاتفاق، جميع أنظمة الصواريخ ومعدات الدعم، وتم تحميلها على 8 سفن تابعة لهم في الفترة من الـ5 إلى الـ9 من نوفمبر/تشرين الثاني، وبعدها بشهر أي في الـ5 والـ6 ديسمبر/كانون الأول حملت القاذفة السوفيتية "إليوشن- 28" على 3 سفن شحن إلى الاتحاد السوفيتي، وانتهى رسميا الحظر على كوبا يوم الـ20 من نوفمبر/تشرين الثاني 1962 بعد 11 شهرا من الاتفاق، وفي سبتمبر/كانون الأول 1963 تم إبطال مفعول جميع الأسلحة الأمريكية في تركيا.
وقد تصل الأمور إلى الخط الأحمر بسبب تعنت الولايات المتحدة وحلف الناتو، وقد يظهر العقل السليم والتفكير المنطقي لتجنب أي تداعيات قد تندم عليها البشرية لسنوات طويلة، وربما هذا ما تحاول روسيا أن تنقله إلى العالم عموما، وأوروبا على وجه التحديد، فقد حذر الكرملين من أن خطوات الناتو الرامية إلى تغيير توازن القوى الاستراتيجية مستمرة، وهو ما يثير قلق موسكو، وحذر المتحدث باسم الرئاسة الروسية دميتري بيسكوف مكررا تصريحات الرئيس بوتين بأن "روسيا لا تقترب من حدود أحد، بل البنى العسكرية التحتية للناتو هي التي تقترب من حدود روسيا"، وبالتالي، ستضطر موسكو لذلك لاتخاذ إجراءات لتأمين مصالحها وضمان أمنها ومن أجل التوازن، ولم يتوقف بيسكوف عند هذا الحد، بل أعرب عن نية موسكو من حيث استعدادها للتعاون البناء والمنفعة المتبادلة مع الشركاء.
أشرف الصباغ
http://arabic.rt.com/news/786137-المبارزة-النووية-بين-روسيا-والغرب-إلى-أين/