قطرات من الموت!

إنضم
26 سبتمبر 2007
المشاركات
2,743
التفاعل
3,152 13 8
الدولة
Egypt
بسم الله الرحمن الرحيم

قال الله تعالى في كتابه الكريم:
(تبارك الذي بيده الملك وهو على كل شئ قدير. الذي خلق الموت والحياة ليبلوكم أيكم أحسن عملا وهو العزيز الغفور).وقال عز وجل: (كل نفس ذائقة الموت وإنما توفون أجوركم يوم القيامة فمن زحزح عن النار وأدخل الجنة فقد فاز وما الحياة الدنيا إلا متاع الغرور). وفي آية أخرى:(أينما تكونوا يدرككم الموت ولو كنتم في بروج مشيدة).


الموت هو الواعظ الأكبر، وهو الوجه المتمم للحياة، فمن دخل القبر بغير زاد فكأنما ركب البحر بغير سفينة، ولو لم يكن هناك موت لما كان للحياة أي قيمة. سئل رسول الله { عن أعقل الناس فقال: "أكثرهم ذكراً للموت".

ومرت به جنازة فأثنوا عليها شراً، فقال عليه الصلاة والسلام: "وجبت". ومروا بأخرى فأثنوا عليها خيراً، فقال عليه الصلاة والسلام: "وجبت". فسأله عمر بن الخطاب }، فقال عليه الصلاة والسلام: "هذا أثنيتم عليه خيراً فوجبت له الجنة، وهذا أثنيتم عليه شراً فوجبت له النار، وأنتم شهداء الله في الأرض" وحين ألمَّ المرض به { أمر المسلمين أن يصعِّدوه المنبر، وبعد أن حمد الله وأثنى عليه قال: "من كنت أخذت له مالاً فهذا مالي فليأخذ منه.. ومن كنت شتمت له عرضاً فهذا عرضي فليقتص منه".

وكان عليه الصلاة والسلام يقول: "اللهم هوِّن عليَّ سكرات الموت".

وعلى سرير الموت، أوصى ذو القرنين أن يوضع في تابوت يثقب ثقبين، يخرج منهما يداه، ليعلم الناس أنه غادر الدنيا ويداه فارغتان!.

ومن وصايا عيسى ابن مريم عليهما السلام:
من ذا الذي يبني على موج البحر داراً
تلكم الدنيا فلا تتخذوها قراراً
ولما حضرت أبا بكر الصديق الوفاة، قال }: (وجاءت سكرة الموت بالحق ذلك ما كنت منه تحيد).

ولما اشتد المرض على عبدالله بن مسعود }، زاره عثمان بن عفان }، فرآه يبكي. فقال عثمان: ممَّ تشتكي يا عبدالله؟ قال من ذنوبي يا خليفة رسول الله. قال عثمان: فما تشتهي يا عبدالله؟ قال: رحمة ربي يا خليفة رسول الله.

وقال علي بن أبي طالب كرم الله وجهه: كفى واعظاً بموتي حُملوا إلى قبورهم غير راكبين، وأنزلوا فيها غير نازلين، وأودعوا حفراً غير راغبين، أنسو بالدنيا فغرتهم، ووثقوا بها فصرعتهم.
وهذا بلال الحبشي }، يحتضر فيقول: غداً ألقى الأحبة، محمداً وصحبه)
وعند الموت بكى أبو هريرة
ولما سئل عن سبب بكائه قال: أخاف أن أكون قد أتيت بذنب أحسبه هيناً وهو عند الله عظيم.

وقال أبو ذر الغفاري }: ألا أخبركم بيوم فقري؟. يوم أوضع في قبري!.
ولما حضرت الوفاة عمرو بن العاص } قال: أشعر كأن شوكاً في حلقي، وناراً تتأجج بداخلي، وجبلاً يجثم على صدري!
وقيل لأحدهم: أتدري ما يقول النعش؟. قال: إنه يقول:

انظر إليّ بعقلكْ
أنا المعدُّ لحملكْ
أنا سرير المنايا
كم سار مثلي بمثلكْ

وقال ابن عمر رضي الله عنهما: عجباً لأمر الناس، كلهم يوقنون بالموت، ولكن قلما نرى من يعمل لما بعد الموت!.

وبكى عامر بن عبدالله حين حضرته الوفاة، فقيل له: ما يبكيك وقد كنت وكنت؟. فقال رحمه الله: إني أسمع الله تعالى يقول: (إنما يتقبل الله من المتقين).

ودخلوا على رجل وهو في الموت، فإذا به من السرور في أمر عظيم، فقيل له: ما هذا السرور؟ قال: سبحان الله، أخرج من بين الظالمين، والحاقدين، والحاسدين، والمغتابين.. وأقدم على الله رب العالمين، وهو أكرم الأكرمين، وهو أرحم الراحمين، فكيف لا أكون في سرور عظيم، وهو أكرم الأكرمين، وهو أرحم الراحمين، فكيف لا أكون في سرور عظيم؟!.

وقيل لأحدهم: أطال الله بقاءك. فقال: بل عجل الله بي إلى رحمته.
وسئل بعض السلف: كيف أصبحت: قال: أصبحت قريباً أجلي، بعيداً أملي، سيئاً عملي.

وعلى فراش الموت، قال الشافعي رحمه الله: أصبحت من الدنيا راحلاً، وللإخوة مفارقاً، ولسوء عملي ملاقياً، ولكأس المنية شارباً، وعلى الله تعالى وارداً، ولا أدري أروحي تصير إلى الجنة فأهنيها، أم إلى النار فأعزيها؟

ولما قسى قلبي وضاقت مذاهبي
جعلت رجائي عند عفوك سُلما
تعاظمني ذنبي فلما قرنته
بعفوك ربي كان عفوك أعظما

وهارون الرشيد، حينما جاءه الموت، دعا ربه فقال: يا من لا يزول ملكه، ارحم من قد زال ملكه.
وقيل لأحدهم: نراك تخاف الموت!. قال: القدوم على الله شديد!!.
وسئل سلمة بن دينار: كيف القدوم غداً على الله؟ فقال رحمه الله: أما المحسن فكالغائب يقدم على أهله، وأما المسئ فكالهارب يعود إلى سيده.

وقال الغزالي رحمه الله: جدير بمن الموت مصرعه، والقبر مقره، والقيامة موعده، والجنة أو النار مورده، ألا يكون له فكر إلا في الموت، ولا استعداد إلا لأجله، ولا تدبير إلا فيه، ولا تطلع إلا إليه، ولا اهتمام إلا به.

وسمع أحدهم بكاءً على ميت فقال: عجباً من مسافرين يبكون على مسافر قد بلغ منزله!.

وحدث أن وقع وباء في بلد، فخرج ابن أعرابي من هذا البلد، فراراً من الموت الذي فيه، وفي الطريق أوى إلى ظل شجرة، فلدغته حيَّة فمات! فقال عنه والده:

راح يرجو نجدة
من هالك فهلك
والمنايا راصدات
للفتى حيث سلك
كل شئ قاتلٌ
حتى تلقى أجلك

(قل إن الموت الذي تفرون منه فإنه ملاقيكم ثم تردون إلى عالم الغيب والشهادة فينبئكم بما كنتم تعملون)

في الذاهبين الأولين من القرون لنا بصائر
لما رأيت موارداً للموت ليس لها مصادر
ورأيت قومي نحوها تمضي الأكابر والأصاغر
أيقنت أني لا محالة حيث صار القوم صائر


قال عليه الصلاة والسلام: "عش ماشئت فإنك ميت، وأحبب من شئت فإنك مفارقه، واعمل ما شئت فإنك مجزي به.

وقال تعالى:(فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره، ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره).

ويروى أن عمر بن عبدالعزيز } قال: ألا إن الدنيا بقاؤها قليل، وغنيها فقير، وحيها يموت، أين الذين بنوا مدائنها، وغرسوا أشجارها؟ ماذا صنع التراب بأجسادهم؟. لقد كانوا في الدنيا بين أهل يكرمون، فإذا مررت بهم، فانظر إلى تقارب منازلهم، واسأل غنيهم ماذا بقى من غناه، واسأل فقيرهم ماذا بقي من فقره، واسألهم عن الألسن التي كانوا بها يتكلمون، وعن الأعين التي كانوا بها ينظرون..

أين أموالهم التي جمعوها؟ والله ما وضعت لهم فراشاً.. لقد فارقوا الحدائق، وساروا بعد السعة إلى المضائق، وتوزعت الورثة ديارهم، فيا ساكن القبر غداً، ما الذي غرَّك من الدنيا؟ ألا ترى كل يوم ذاهباً إلى الله يتواسد التراب، ويترك الأحباب؟.

أين أبوك وعمك، أين خالك وجدك، أين آلاف الذين عرفتهم: أين ثمود وعاد، وأين الآباء والأجداد، وأين الفراعنة الشداد؟ أين من بنى وشيد، وافتخر بالجاه والمال والولد؟
ابن آدم! عندك ما يكفيك، وأنت تطلب ما يطغيك..
لا بالقليل تقنع، ولا بالكثير تشبع.

ابن آدم!
دع الحرص على الدنيا
وفي العيش فلا تطمع
ولا تجمع من المال
فما تدري لمن تجمع
فإن الرزق مقسوم
وسوء الظن لا ينفع
فقير كل ذي حرص
غني كل من يقنع
ابن آدم!
الدنيا إذا حلت أوحلت، وإذا جلت أوجلت، وإذا كست أوكست، وإذا أينعت نعت.. الدنيا أولها بكاء، أوسطها عناء، آخرها فناء..
ابن آدم!

الاستراحة التي تجلس إليها وأنت في طريقك من بلد إلى آخر، ينبغي أن تتعامل معها على أنها استراحة، لا أن تلتفت إلى جمال المكان فينسيك أنك مسافر!.

ابن آدم!

لا تنخدع بشبابك ولا بمالك، فلا المال يبقى ولا الشباب يدوم. وإننا في هذه الدنيا عواري، والعواري مستعادة، من هنا قال عليه الصلاة والسلام: "اغتنم خمساً قبل خمس: حياتك قبل موتك، وصحتك قبل سقمك، وفراغك قبل شغلك، وشبابك قبل هرمك، وغناك قبل فقرك".

وفي حديث آخر: "لن تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يسأل عن أربع: عن شبابه فيم أبلاه، وعن عمره فيم أفناه، وعن ماله من أين اكتسبه وفيم أنفقعه، وعن علمه ماذا عمل فيه".

وما من يوم ينشق فجره إلا وينادي ابن آدم! أنا خلق جديد، وعلى عملك شهيد، فتزود مني فإني إذا مضيت لن أعود إلى يوم القيامة.


قال ابن مسعود }: "ما ندمت على شيء ندمي على يوم نقص في أجلي ولم يزد فيه عملي" فالحاضر ماض، والمستقبل آت، والعمر مهما طال قصير
: (
كل من عليها فان ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام.وفي آية أخرى:(كل شئ هالك إلا وجهه له الحكم وإليه ترجعون).


سئل نوح عليه السلام: كيف وجدت الدنيا؟ قال: كدار لها بابان، دخلت من أحدهما وخرجت من الآخر!
فمن كان أمسه خيراً من يومه فهو محروم، ومن لم يكن في زيادة فهو في نقصان، ومن كان في نقصان فالموت خير له.

سئل علي بن أبي طالب كرم الله وجهه عن الدنيا، فقال: حلالها حساب، حرامها عذاب، وقال حكيم: الدنيا ساعة فاجعلها طاعة.

إنما الدنيا كبيت نسجته العنكبوت
ولعمري عن قريب كل من فيها يموت
لذلك ينبغي أن تنتفع بكل لحظة، وأن نوزن أعمالنا قبل أن توزن علينا، قال {: "من أحب لقاء الله أحب الله لقاءه، ومن كره لقاء الله كره الله لقاءه". فقالت عائشة رضي الله عنها: كلنا نكره الموت يا رسول الله. فقال عليه الصلاة والسلام: "ليس ذلك، ولكن المؤمن إذا بشر برحمة الله ورضوانه وجنته أحب لقاء الله فأحب الله لقاءه، وإن الكافر إذا بُشر بعذاب الله وسخطه كره لقاء الله وكره الله لقاءه".

ولو أنَّا إذا متنا تركنا
لكان الموت راحة كل حيٍّ
ولكنا إذا متنا بُعثنا
ونسأل بعدها عن كل شئٍّ


وقتها: (من عمل صالحا فلنفسه ومن أساء فعليها).

وقتها: (يوم يفر المرء من أخيه وأمه وأبيه وصاحبته وبنيه لكل امرئ منهم يومئذ شأن يغنيه).

وقتها: يندم المسئ حين يرى شديد العذاب لأنه لم يقلع عن إساءته، ويندم المحسن حين يرى عظيم الثواب لأنه لم يزد في حسناته. وربنا جل جلاله، لا يعامل المحسن كالمسئ، ولا يعامل العابد كالجاحد: (أم حسب الذين اجترحوا السيئات أن نجعلهم كالذين آمنوا وعملوا الصالحات سواء محياهم ومماتهم ساء ما يحكمون).

والسلف الصالح كانوا إذا قرأوا هذه الآية، فاضت أعينهم بالدمع، لأن كل حركة تصدر من الإنسان محسوبة، وكل هاجسة معلومة.
هذا الحسن البصري رحمه الله، شرب يوماً شربة ماء وبكى! فقيل له: ما أبكاك أيها الإمام؟ قال: تذكرت وأنا أرتوي من الماء: (ونادى أصحاب النار أصحاب الجنة أن أفيضوا علينا من الماء أو مما رزقكم الله قالوا إن الله حرمهما على الكافرين. الذين اتخذوا دينهم لهوا ولعبا وغرتهم الحياة الدنيا فاليوم ننساهم كما نسوا لقاء يومهم هذا وماكانوا بآياتنا يجحدون).

ويذكر أن هارون الرشيد طلب من أحد العلماء أن يعظه، فقال العالم لو دامت لغيرك لما وصلت إليك!. قال هارون: زدني أيها العالم. قال ياهارون: هذه قصورهم وتلك قبورهم!. قال هارون: زدني. قال العالم: كفى بالموت واعظاً! فبكى هارون حتى ابتلت لحيته، ثم قال: أعليك دين فنقضيه عنك؟. قال العالم الجليل: يقضيه من هو أقدر منك على قضائه!. قال هارون: فخذ من مالي ما يكفي رزقاً لك ولعيالك. فتبسم العالم وقال: أتظن أن الله يرزقك وينساني؟!.

ويروى أن الخليفة العباسي، المهدي، غضب على عبدالله بن مرزوق، فحبسه وقال: أما تخاف أن أقتلك؟ فضحك ابن مرزوق قائلاً: ومتى كانت آجال الناس بغير يد رب العالمين؟ يا مهدي! إن كنت تملك موتاً أو حياة فامنع الموت عن نفسك، فلعلي أشهد موتك قبل أن تشهد موتي! وقد حدث فعلاً أن مات المهدي قبل عبدالله بن مرزوق!.

وعندما يغادر أحدنا الدنيا، لن يصحبه إلى قبره إلا ماله وولده وعمله، يعود المال والولد، ويبقى العمل. وأشد الناس ندماً يوم القيامة، غني يرى ورثته يدخلون الجنة بماله، وهو يدخل النار بنفس ذلك المال.

ابن آدم: إذا أصبحت فلا تحدث نفسك بالمساء، وإذا أمسيت فلا تحدث نفسك بالصباح: (واعبد ربك حتى يأتيك اليقين).

تزوَّد من التقوى فإنك لا تدري
إذا جَنَّ ليل هل تعيش إلى الفجر
ومن خلال أحاديث رسول الله {، فإن القبر إما روضة من رياض الجنة، وإما حفرة من حفر النار)

أما المطيع فنازل في روضة
يفضي إلى ماشاء من دوحاتها
والمجرم الطاغي بها متقلب
في حفرة يأوي إلى حيّاتها
وعقارب تسعى إليه فروحه
في شدة التعذيب من لدغاتها

فالأنبياء والشهداء في برزخهم أحياء، والصالحون أرواحهم في الملأ الأعلى.. أما من كفر وتجبر وظلم واعتدى، فهؤلاء يقول الله تعالى عنهم:(النار يعرضون عليها غدوا وعشيا ويوم تقوم الساعة أدخلوا آل فرعون أشد العذاب).
والنار التي يعرضون عليها ليست نار يوم القيامة، فليس في القيامة غدو ولا عشي.. مفاد الآية أنهم يعرضون على النار في الصباح والمساء في قبورهم، حتى إذا كان يوم القيامة نادى مناد آمراً: (أدخلوا آل فرعون أشد العذاب).

ولقد خاطب رسول الله قتلى المشركين في بدر قائلاً: "هل وجدتم ما وعدكم ربكم حقاً؟ فإنا قد وجدنا ما وعدنا ربنا حقا". قال عمر بن الخطاب }: أتكلم أجساداً لا أرواح فيها؟ فقال عليه الصلاة والسلام: "والذي نفسي بيده ما أنتم بأسمع لما أقول منهم".

وهذا لا يتعارض مع قوله تعالى: (وما أنت بمسمع من في القبور)لأن معنى الآية: كما لا يقدر الكافر في قبره أن ينتفع بالمواعظ، فكذلك من كان ميت القلب لا ينتفع بما يسمع.

فظاهر القبور تراب، لكن بواطنها لمن طغى وبغى حسرات وعذاب. وحول عذاب القبر ونعيمه، يقول علي بن أبي طالب }: ما زلنا في شك من ذلك حتى نزل قول الله عز وجل: (ألهاكم التكاثر. حتى زرتم المقابر. كلا سوف تعلمون. ثم كلا سوف تعلمون. كلا لو تعلمون علم اليقين. لترون الجحيم. ثم لترونها عين اليقين. ثم لتسئلن يومئذ عن النعيم).

وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله {: "إن أحدكم إذا مات عُرض عليه مقعده بالغداة والعشي، إن كان من أهل الجنة فمن أهل الجنة، وإن كان من أهل النار فمن أهل النار، فيقال: هذا مقعدك حتى يبعثك الله إليه يوم القيامة".

وعن ابن عباس رضي الله عنهما، أن رسول الله { مر بقبرين، فقال: "إنهما ليعذبان، وما يعذبان في كبير! بلى إنه كبير. أما أحدهما فكان يمشي بالنميمة، وأما الآخر فكان لا يستتر من بوله.

وكان عليه الصلاة والسلام يعلِّم أصحابه أن يستعيذوا بالله من عذاب جهنم ومن عذاب القبر، وكأنه يعلمهم الآية من القرآن الكريم.

وطبيعة عذاب القبر محجوب أمرها عن عقول أهل الدنيا رحمة بهم، ونحن نعلم أن الملائكة في بعض الغزوات كانت تضرب المشركين وتطيح برؤوسهم والمسلمون لا يرونهم. ولقد أثبت العلم أن في أجواء الكون أصواتاً بذبذبات عالية جداً، لا يحتمل بنو الإنسان سماعها، فغيب الله سماعها عنهم رفقاً بهم.

والمهم بعد هذا أن نبحث عن سبيل للنجاة من عذاب القبر، وذلك بالطاعة المخلصة لله عز وجل. وإذا كان كل ابن آدم خطاء، فخير الخطائين التوابون. قال عليه الصلاة والسلام: "والله إني لأستغفر الله وأتوب إليه في اليوم الواحد أكثر من سبعين مرة".

وذلك من تصور أنه ربما مقصر في حق الله عز وجل.. فكيف يجب أن يكون حال أمثالنا؟.

ابن آدم!
أمضيت عمراً بحب الزائل الفاني
وعدت من جانب التقوى بحرمان
وما طلبت كمالاً بعد نقصان
إلى متى أنت داه أيها الجاني
فتب إلى الله رب الإنس والجان
أسلفت ذنباً لقد ساءت عواقبه
قد كان يستره من لا تراقبه
تب منه وأندم عسى يمحوه كاتبه
واستغفر الله مما أنت كاسبه
مع الندامة من ذنب وعصيان
إن أحدنا إذا فقد جوهرة غالية فإنه يحزن، وهكذا كل ساعة تمضي دون عمل صالح، سنبكي عليها عندما نقف بين يدي الله عز وجل.
أيها الإنسان!
أنت الذي ولدتك أمك باكياً
والناس حولك يضحكون سروراً
فاعمل لنفسك كي تكون إذا بكوا
في يوم موتك ضاحكاً مسرواً
ولو فكر الغافل في أن الموت ليس له وقت مخصوص لاستعد له، ولعل الحجر الذي يُغطى به لحده قد فرغ منه!. قال تعالى: [URL="http://www.al-difaa.com/Images/BRAKET_R.GIF"][/URL]فإذا جاء أجلهم لا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون[URL="http://www.al-difaa.com/Images/BRAKET_L.GIF"][/URL].

وفي آية أخرى: [URL="http://www.al-difaa.com/Images/BRAKET_R.GIF"][/URL]وأنفقوا من ما رزقناكم من قبل أن يأتى أحدكم الموت فيقول رب لولا أخرتني إلى أجل قريب فأصدق وأكن من الصالحين. ولن يؤخر الله نفسا إذا جاء أجلها والله خبير بما تعملون[URL="http://www.al-difaa.com/Images/BRAKET_L.GIF"][/URL].
وقال شاعر:
تزود للذي لا بد منه
فإن الموت ميقات العباد
وقال آخر:
وما الموت إلا رحلة غير أنها
من المنزل الفاني إلى المنزل الباقي
فلنستقم على أمر الله: [URL="http://www.al-difaa.com/Images/BRAKET_R.GIF"][/URL]إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا تتنزل عليهم الملائكة ألا تخافوا ولا تحزنوا وأبشروا بالجنة التي كنتم توعدون[URL="http://www.al-difaa.com/Images/BRAKET_L.GIF"][/URL](33). وفي آية أخرى: [URL="http://www.al-difaa.com/Images/BRAKET_R.GIF"][/URL]إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون[URL="http://www.al-difaa.com/Images/BRAKET_L.GIF"][/URL].

والاستقامة أن لا نشرك بالله، الاستقامة أن نستقيم على الأمر والنهي، الاستقامة أن نخلص العمل، الاستقامة توبة ويقين، ونهج قويم، ومن لم يكن مستقيماً في حياته، ضاع سعيه وخاب جهده.. ومن ثمرات الاستقامة: [URL="http://www.al-difaa.com/Images/BRAKET_R.GIF"][/URL]وألوا استقاموا على الطريقة لأسقيناهم ماء غدقا[URL="http://www.al-difaa.com/Images/BRAKET_L.GIF"][/URL](35). لهذا انبرى رسول الله يحصن أصحابه بهذا الخلق، فكانوا أعظم أمة، وأفضل مجتمع، فالاستقامة هي التي دفعت بأمير المؤمنين عثمان بن عفان }إلى أن ينصف عبده من نفسه قائلاً له: إني كنت قد عركت أذنك فاقتص مني! فأخذ العبد بأذن سيده، فقال عثمان: أشدد!.. يا حبذا قصاص في الدنيا ولا قصاص في الآخرة!.

والاستقامة هي التي حدت بأمير المؤمنين عمر بن عبدالعزيز } إلى أن ينتهر صهره عندما طلب منه أن يعطيه شيئاً من بيت مال المسلمين قائلاً له: أتريد أن ألقى الله ملكاً خائناً ؟. ثم أعطاه من صلب ماله، ولم يمد يده إلى قرش واحد من أموال المسلمين. والاستقامة هي التي جعلت من الربيع بن خيثم، عندما دعته امرأة حسناء إلى نفسها، أن يعرض عنها واعظاً إياها: كيف بك لو قد نزلت الحمى بجسمك فغيرت ما أرى من لونك وبهجتك؟ أم كيف بك لو نزل بك ملك الموت فقطع منك حبل الوتين؟. أم كيف بك لو سألك منكر ونكير؟.. فصرخت المرأة صرخة وسقطت مغشياً عليها، ثم قامت لتصبح من التائبات العابدات.

فلنعلم أن أعظم الكرامة لزوم الاستقامة، ولنحرص على التوبة الصادقة، فإن ملك الموت قد تخطانا إلى غيرنا وسيتخطى غيرنا إلينا.
وإن من أهم أسباب حسن الخاتمة صفاء العقيدة، وسلامة التوحيد، والحرص على السنة والمحافظة على الصلوات والإقبال على الطاعات، وقراءة القرآن، وكثرة الدعاء.. كان عامر بن ثابت رحمه الله كثيراً ما يقول: الله إني أسألك الميتة الحسنة. قال أبناؤه: وما هي الميتة الحسنة؟ قال: أن يتوفاني ربي وأنا ساجد. فقبضت روحه وهو ساجد لله.

اللهم اجعل خير أعمالنا خواتمها، وخير أعمارنا أواخرها، وخير أيامنا يوم لقائك. اللهم أحسن عاقبتنا في الأمور كلها، وأجرنا من خزى الدنيا وعذاب الآخر. والحمد لله رب العالمين.[URL="http://www.al-difaa.com/Images/Oblong.JPG"][/URL]

اللهم عافنا واغفر لنا وارحمنا فأنت خير الراحمين
 
عودة
أعلى