ابن قيصر روسيا في بغداد...!!
المدى/رفعة عبد الرزاق محمد:
تجدد الحديث في الايام الاخيرة عن قضية تاريخية ، لم تزل موضع عناية المؤرخين والكتاب ، لما تضمه من اسرار تاريخية مثيرة . اذ نقلت الانباء عن قيام فريق علمي جديد من دول مختلفة لتحديد الاشخاص الذين اعدموا الحياة مع قيصر روسيا الاخير عام 1917، والبحث عن سر الفتاة التي قيل انها نجت من المذبحة ، وتمكنت من الهرب ، ثم ادعت بعد سنوات انها وريثة القيصر الاخير نيقولا الثاني .
ومع هذا الحديث يتجدد الحديث عن قضية مثيرة وقعت في العراق في عشرينيات القرن المنصرم ، اذ القت السلطات العراقية القبض على من ادعى انه ابن القيصر الروسي الاخير ، وهو ايضا قد نجا من مذبحة اسرة القيصر .
قيصر روسيا / نقولا الثاني
عرضت احدى المحطات الفضائية الوثائقية قبل فترة قصيرة ، تقريرا ممتعا وخطيرا عن السيدة الروسية التي ادعت انها ابنة قيصر روسيا الاخير نقولا الثاني ، وهي الناجية الوحيدة من مذبحة البلاشفة الروس لاسرة القياصرة من ال رومانوف التي حكمت روسيا منذ قرون ، وانتهى عهدها بالثورة الشيوعية الكبرى عام 1917 .
وقد ادعت هذه السيدة انها الاميرة انستاسيا ابنة القيصرالاخير، وبقيت طيلة عمرها تراجع الجهات المختلفة في العالم لاثبات دعواها ، حتى فشلت في ذلك ، مع الادلة القوية التي ساقها الكثيرون لاجل ذلك ، ومنها ما قام به عدد من هواة البحث عن رفات عائلة القيصر وعثورهم عليها ، بعد انقضاء الحظر الذي فرضته السلطات السوفييتية عل العديد من اسرار تاريخها ، واصبح مشاعا للباحثين بعد انهيار الاتحاد السوفييتي .
ومن المثير حقا ان يثبت البحث الجديد عن الموضوع عن صحة دعوى السيدة الروسية بعد موتها ، وقد اعتمد البحث على المعطيات العلمية الحديثة وتطور وسائل البحث والمضاهاة ، وما اكثر اسرار وغوامض التاريخ الحديث ، بله القديم . غير ان مايثير الحزن ، ان ترى من خلال التقارير التاريخية المقدمة من تلك المحطات الفضائية ، الوسائل المتقدمة في حفظ الوثائق بانواعها ، ومنها وثائق لاتمر على البال مثل عينات من بقايا اجسام بشرية او ادوات مختلفة !! ، اما الوثائق الخطية والورقية فحدث عن البحر ولاحرج . اقول ان مايثير الحزن ، عندما تتذكر وثائقنا وما جرى عليها ! . وكانت القيادة الروسية الجديدة بعد ثورة اكتوبر قد قررت اعدام القيصر واسرته خشية ان يصل اليهم معارضي الثورة ...
وتم الاعدام فجر 18 تموز 1918 حيث اطلقت عليهم النار من مسافة قريبة في قبو المنزل الي سجنوا فيه ، وكانوا قد اخذوا الى مدينة (ايكاتيرينبورغ ) منذ 30 نيسان الماضي ، وقيل عن تنفيذ حكم الاعدام ان القيصر سقط اولا واحدى بناته ، وعندما انتهى اطلاق النار تبين ان بقية البنات وولي العهد ، لايزالون احياء ، فما كان من فرقة الاعدام الا واجهزت ثانية عليهم .
وهكذا انتهى حكم سلالة ال رومانوف التي حكمت روسيا منذ عام 1613 وهم من نبلاء موسكو ، والقيصر الاخير نيقولا الثاني قد حكم روسيا منذ عام 1894 .
ولعل القليلين ،يعرفون ان شابا روسيا ادعى انه ابن قيصر روسيا الاخير ويدعى الكسي ، غير ان دعواه بثها في بغداد في عشرينيات القرن المنصرم .
وقد نشرت جريدة البلاد البغدادية لصاحبها الاستاذ رفائيل بطي في يوم 20 كانون الاول 1929 ان دائرة التحقيقات الجنائية في بغداد ، عثرت على شخص روسي ، ادعى انه ابن القيصر ، وانه تمكن من انقاذ نفسه من الاعدام الذي طال اسرته على يد الثورة الروسية سنة 1918 ...
غير ان الدكتور سندرسن ( باشا ) طبيب العائلة المالكة في العراق ، قال ان نزيف دموي حاد اثار الاضطراب في الاوساط الحكومية ببغداد ، فقد كان الشخص الذي اصيب به شاب روسي في عنفوان الشباب .. وصل بغداد مع امرأة متوسطة العمر ، كانت مربيته منذ الطفولة .
ادعت تلك الامرأة ان ذلك الشاب هو ولي عهد القيصر الروسي ، وقد هربه المخلصون له الى خارج مدينة ( كاتدبرغ ) في روسيا البيضاء ، قبل اعدام القيصر والده وافراد عائلته في تموز 1918 . وبعد ان امضت الامرأة والشاب اربعة اعوام ، دخلا الى بلاد فارس ، ثم قطعا رحلة شاقة سيرا على الاقدام حتى وصلا الى بغداد ،املا في الحصول على اعتراف رسمي من الحكومة العراقية بولاية العهد لذلك الشاب .
ويضيف سندرسن ان الشاب ادعى انه مصاب وراثيا بنزف الدم . وعند فحصه لم يجد ما يثبت ذلك!! . وكان في العراق يومذاك ،عدد من الروس البيض اللاجئين ، وقد استطاع هؤلاء بما كانوا من صور العائلة القيصرية ، ان يقتنعوا بصحة دعوى ذلك الشاب . غير ان الحكومة العراقية لم تكن راغبة يومئذ في اثارة المشاكل مع الدولة الجديدة في روسيا ، ولعدم اطلاعها على حقيقة الامر ، فقد تم اخراجه مع مربيته من العراق ، فغادر الى باريس .
وفي محاولة للبحث عن المزيد عن هذه القضية المثيرة ، لم نجد الصحافة العراقية قد اولت الموضوع اهتماما، ولم تشر اليه الا قليلا ! ، غير ان الصحافة العربية تابعته ـ كما يبدوـ ، واقدم في هذه المقالة مانشرته مجلة ( الدنيا المصورة ) المصرية في عددها ليوم 22 يناير 1930 ( العدد 36 ) ، ففيه تفاصيل جديدة وطريفة ، جديرة بالتوثيق والتحقيق :
تذكر المجلة ان جالية روسية تعيش في بغداد ، وبينها اشخاص كثيرون من الحزب القيصري البائد لا يزالون يحملون لقيصرهم المنكود واسرته المنكوبة ذكريات الولاء والاشفاق .
وفي 10 كانون الاول 1929 ، قبض البوليس العراقي على اربعة شبان اجتازوا الحدود الفاصلة بين ايران والعراق دون جواز واحدهمروسي والثاني الماني والثالث يوناني والرابع ارمني .
وكان الشاب الروسي في الخامسة والعشرين من عمره وهو جميل الوجه اصلع الجبين ذو شعر ذهبي وعينين زرقاوين وذاهلتين تدلان على حزن عميق . وما كاد البوليس يحقق مع الفتية حتى انبرى هذا الفتى الروسي وافضى للبوليس انه ابن القيصر نيقولا رومانوف وولي عهد القياصرة . وقابل البوليس دعواه بالسخرية والنكران وارهقه بالسؤال والتحقيق ولكن الفتى اصر على قوله وراح يروي قصته في وثوق واطمئنان دون ان يجد البوليس فيها تناقضا او اضطرابا ورآه الكثيرون من افراد الجالية الروسية فأجمعوا كلهم على انه صورة طبق الاصل من ولي العهد الذي قتله البلاشفة . وطبقوا صورة ولي العهد القديمة عليه فلم يكن ثمة فرق الا في السن .
وروى الفتى الروسي خبره وروى ما مر به من الاهوال والنكبات عندما جمع البلاشفة جموعهم وحملوا الاسرة المالكة على مغادرة روسيا وأخرجوها في حراسة رجالهم الى سيبريا ، فقضى الامير ووالداه وشقيقاته اياما طوالا في منزل تحوطه حديقة واسعة في تلك المدينة وحوله حرس شديد . وبقي معتقلا في ذلك المنزل وكان الجيش الابيض في تلك الاثناء قد جمع رجاله وزحف على تلك المنطقة لتخليص الاسرة المالكة والتنكيل بجيوش البلاشفة الحمراء.. فأزدادت الرقابة على الاسرة ولم يطل الوقت حتى تدفقت جحافل الجيوش البيضاء على المدينة وسادتها الفوضى وعم فيها الذعر ودار القتل والقتال في شوارعها وحولها .
وفي وسط هذه الاضطرابات المنكرة استطاع الامير ان يفر من المدينة متنكرا في ثوب فلاح روسي وفي صحبته الامير سرج يوسبوف واحد الاطباء .
واستولى عليه بعد ذلك ذهول عميق اضطربت افكاره وهوى في لجة من النسيان فلم يعد يذكر ما جرى له في تلك الايام العصيبة ولما زالت عنه غشاوة الفزع رأى نفسه في منزل فلاح يأويه في احدى قرى سيبريا النائية . وعلم من الفلاح انه كان مصابا بخبل في قواه العقلية يفقده وعيه ويجعله يجهل نفسه . وقضى في رعاية هذا الفلاح عاما طويلا وفي سنة 1919 حامت حوله الشبهة وبلغ البلاشفة انه ابن القيصر السابق فارسلوا رسلهم يقبضون عليه وقادوه الى اعماق السجون يذيقونه مر العذاب .
وعاودته اعراض الخبل والجنون وقضى الايام بين ذلك يسترد رشده حينا ثم لا تلبث قسوة الالام التي انتهت حياته ان تشد الخناق عليه فتعيده الى فقد الوعي . ولما اشتد مرضه ارسل الى احد المستشفيات فاقام فيها حينا وهناك تعارف بابن قائد عسكري سابق من رجال القيصرية القدماء ، واتفق الشابان على الفرار سويا ودبرا امرهما على ذلك فافلحا في التسلل من المستشفى والخروج من المدينة حتى افلتا من خفير الحدود الروسية وعبرا نهر اراكس بين الحدود ، وبينهما هما في الماء يقطعان النهر تنبه الحرس لامرهما فاطلقوا عليهما وابلا من الرصاص ..ومزق الرصاص جسد صاحبه ونجا الامير بحياته وصعد الى شاطيء النهر وهو لايدري ما حاق بزميله.
وما كاد يخطو الى الحدود الفارسية حتى قبض عليه البوليس وخشي ان يعترف بحقيقة امره فلا ينجو من الشر والاذى فانتحل اسم صديقه القتيل واقنع البوليس ان والده يقيم في تبريز . وما زال يسعى ويجادل ويدبر امره حتى اطلق البوليس سراحه اذ لم يجد في امره ما يدعو لسجنه او اعتقاله . وذهب الى تبريز وهو لايعرف فيها احدا وقاسى من آلام الجوع والمرض والبؤس اهوالا مريرة حتى ساعده الحظ واهتدى الى عمل في لوكندة رجل ارمني فاشتغل فيها خادما ..ولكن صاحب اللوكندة كان فضا غلبظا فلم يطل عهد خدمته عنده حتى انتقل الى عمل آخر وهناك تعرف باصدقائه الذين قدموا معه الى بغداد وهم الماني ويوناني وارمني ... وتصادقوا .وكان يغشى منزل كاهن ارمني في تبريز يطلب منه النصح والارشاد ويستمع الى اقواله ، وفي ذات يوم ابلغه الكاهن ان البلاشفة علموا بمقره واوفدوا عيونهم تتجسس اخباره وتعمل على اعادته الى روسيا للقضاء عليه .
واخبر رفاقه الثلاثة بذلك ، فاتفق الاربعة على مغادرة ايران الى العراق وفروا منها وعبروا الحدود فقبض عليهم البوليس العراقي .
تلك هي القصة التي رواها هذا الفتى الروسي فاثارت ضجة غير عادية بين الجالية الروسية في بغداد .. واطلقت الشرطة سراحه فآوى الى منزل شيخ روسي كريم يسكن في بغداد ، وقد ايقن هذا الشيخ ان الفتى ابن مليكه السابق فاحسن مثواه واكرم وفادته . ومن دعاوى هذا الفتى ان الاميرة اولجا ابنة القيصر لم تكن مع الاسرة المالكة عند نقلها الى سيبيريا ولايدري ما حل بها .. ويذكر انه اصيب بجرح شديد في اثناء انتقاله مع ابيه القيصر على ظهر احدى البواخر في رحلة الى احدى المدن . ..
ومع ان الحكومة العراقية اطلقت سراحه فانها قدمته الى المحكمة فحكمت عليه وعلى رفاقه بتهمة دخولهم العراق خلسة دون جواز . والقي القبض عليه ثانية واودع السجن وما يزال حتى اليوم مسجونا في بغداد بعد ان كان على ما يزعم وليا للقيصر في بتروغراد !!
*اعلنت الحكومة الروسية استنادا الى فحوص الحمض النووي ان بقايا العظام التي عثر عليها عام 2007 تعود فعلا الى الكسي نجل القيصر وشقيقته ماريا اللذين اعدما مع القيصر!!!.
عن موقع الكاردينيا
المدى/رفعة عبد الرزاق محمد:
تجدد الحديث في الايام الاخيرة عن قضية تاريخية ، لم تزل موضع عناية المؤرخين والكتاب ، لما تضمه من اسرار تاريخية مثيرة . اذ نقلت الانباء عن قيام فريق علمي جديد من دول مختلفة لتحديد الاشخاص الذين اعدموا الحياة مع قيصر روسيا الاخير عام 1917، والبحث عن سر الفتاة التي قيل انها نجت من المذبحة ، وتمكنت من الهرب ، ثم ادعت بعد سنوات انها وريثة القيصر الاخير نيقولا الثاني .
ومع هذا الحديث يتجدد الحديث عن قضية مثيرة وقعت في العراق في عشرينيات القرن المنصرم ، اذ القت السلطات العراقية القبض على من ادعى انه ابن القيصر الروسي الاخير ، وهو ايضا قد نجا من مذبحة اسرة القيصر .
قيصر روسيا / نقولا الثاني
عرضت احدى المحطات الفضائية الوثائقية قبل فترة قصيرة ، تقريرا ممتعا وخطيرا عن السيدة الروسية التي ادعت انها ابنة قيصر روسيا الاخير نقولا الثاني ، وهي الناجية الوحيدة من مذبحة البلاشفة الروس لاسرة القياصرة من ال رومانوف التي حكمت روسيا منذ قرون ، وانتهى عهدها بالثورة الشيوعية الكبرى عام 1917 .
وقد ادعت هذه السيدة انها الاميرة انستاسيا ابنة القيصرالاخير، وبقيت طيلة عمرها تراجع الجهات المختلفة في العالم لاثبات دعواها ، حتى فشلت في ذلك ، مع الادلة القوية التي ساقها الكثيرون لاجل ذلك ، ومنها ما قام به عدد من هواة البحث عن رفات عائلة القيصر وعثورهم عليها ، بعد انقضاء الحظر الذي فرضته السلطات السوفييتية عل العديد من اسرار تاريخها ، واصبح مشاعا للباحثين بعد انهيار الاتحاد السوفييتي .
ومن المثير حقا ان يثبت البحث الجديد عن الموضوع عن صحة دعوى السيدة الروسية بعد موتها ، وقد اعتمد البحث على المعطيات العلمية الحديثة وتطور وسائل البحث والمضاهاة ، وما اكثر اسرار وغوامض التاريخ الحديث ، بله القديم . غير ان مايثير الحزن ، ان ترى من خلال التقارير التاريخية المقدمة من تلك المحطات الفضائية ، الوسائل المتقدمة في حفظ الوثائق بانواعها ، ومنها وثائق لاتمر على البال مثل عينات من بقايا اجسام بشرية او ادوات مختلفة !! ، اما الوثائق الخطية والورقية فحدث عن البحر ولاحرج . اقول ان مايثير الحزن ، عندما تتذكر وثائقنا وما جرى عليها ! . وكانت القيادة الروسية الجديدة بعد ثورة اكتوبر قد قررت اعدام القيصر واسرته خشية ان يصل اليهم معارضي الثورة ...
وتم الاعدام فجر 18 تموز 1918 حيث اطلقت عليهم النار من مسافة قريبة في قبو المنزل الي سجنوا فيه ، وكانوا قد اخذوا الى مدينة (ايكاتيرينبورغ ) منذ 30 نيسان الماضي ، وقيل عن تنفيذ حكم الاعدام ان القيصر سقط اولا واحدى بناته ، وعندما انتهى اطلاق النار تبين ان بقية البنات وولي العهد ، لايزالون احياء ، فما كان من فرقة الاعدام الا واجهزت ثانية عليهم .
وهكذا انتهى حكم سلالة ال رومانوف التي حكمت روسيا منذ عام 1613 وهم من نبلاء موسكو ، والقيصر الاخير نيقولا الثاني قد حكم روسيا منذ عام 1894 .
ولعل القليلين ،يعرفون ان شابا روسيا ادعى انه ابن قيصر روسيا الاخير ويدعى الكسي ، غير ان دعواه بثها في بغداد في عشرينيات القرن المنصرم .
وقد نشرت جريدة البلاد البغدادية لصاحبها الاستاذ رفائيل بطي في يوم 20 كانون الاول 1929 ان دائرة التحقيقات الجنائية في بغداد ، عثرت على شخص روسي ، ادعى انه ابن القيصر ، وانه تمكن من انقاذ نفسه من الاعدام الذي طال اسرته على يد الثورة الروسية سنة 1918 ...
غير ان الدكتور سندرسن ( باشا ) طبيب العائلة المالكة في العراق ، قال ان نزيف دموي حاد اثار الاضطراب في الاوساط الحكومية ببغداد ، فقد كان الشخص الذي اصيب به شاب روسي في عنفوان الشباب .. وصل بغداد مع امرأة متوسطة العمر ، كانت مربيته منذ الطفولة .
ادعت تلك الامرأة ان ذلك الشاب هو ولي عهد القيصر الروسي ، وقد هربه المخلصون له الى خارج مدينة ( كاتدبرغ ) في روسيا البيضاء ، قبل اعدام القيصر والده وافراد عائلته في تموز 1918 . وبعد ان امضت الامرأة والشاب اربعة اعوام ، دخلا الى بلاد فارس ، ثم قطعا رحلة شاقة سيرا على الاقدام حتى وصلا الى بغداد ،املا في الحصول على اعتراف رسمي من الحكومة العراقية بولاية العهد لذلك الشاب .
ويضيف سندرسن ان الشاب ادعى انه مصاب وراثيا بنزف الدم . وعند فحصه لم يجد ما يثبت ذلك!! . وكان في العراق يومذاك ،عدد من الروس البيض اللاجئين ، وقد استطاع هؤلاء بما كانوا من صور العائلة القيصرية ، ان يقتنعوا بصحة دعوى ذلك الشاب . غير ان الحكومة العراقية لم تكن راغبة يومئذ في اثارة المشاكل مع الدولة الجديدة في روسيا ، ولعدم اطلاعها على حقيقة الامر ، فقد تم اخراجه مع مربيته من العراق ، فغادر الى باريس .
وفي محاولة للبحث عن المزيد عن هذه القضية المثيرة ، لم نجد الصحافة العراقية قد اولت الموضوع اهتماما، ولم تشر اليه الا قليلا ! ، غير ان الصحافة العربية تابعته ـ كما يبدوـ ، واقدم في هذه المقالة مانشرته مجلة ( الدنيا المصورة ) المصرية في عددها ليوم 22 يناير 1930 ( العدد 36 ) ، ففيه تفاصيل جديدة وطريفة ، جديرة بالتوثيق والتحقيق :
تذكر المجلة ان جالية روسية تعيش في بغداد ، وبينها اشخاص كثيرون من الحزب القيصري البائد لا يزالون يحملون لقيصرهم المنكود واسرته المنكوبة ذكريات الولاء والاشفاق .
وفي 10 كانون الاول 1929 ، قبض البوليس العراقي على اربعة شبان اجتازوا الحدود الفاصلة بين ايران والعراق دون جواز واحدهمروسي والثاني الماني والثالث يوناني والرابع ارمني .
وكان الشاب الروسي في الخامسة والعشرين من عمره وهو جميل الوجه اصلع الجبين ذو شعر ذهبي وعينين زرقاوين وذاهلتين تدلان على حزن عميق . وما كاد البوليس يحقق مع الفتية حتى انبرى هذا الفتى الروسي وافضى للبوليس انه ابن القيصر نيقولا رومانوف وولي عهد القياصرة . وقابل البوليس دعواه بالسخرية والنكران وارهقه بالسؤال والتحقيق ولكن الفتى اصر على قوله وراح يروي قصته في وثوق واطمئنان دون ان يجد البوليس فيها تناقضا او اضطرابا ورآه الكثيرون من افراد الجالية الروسية فأجمعوا كلهم على انه صورة طبق الاصل من ولي العهد الذي قتله البلاشفة . وطبقوا صورة ولي العهد القديمة عليه فلم يكن ثمة فرق الا في السن .
وروى الفتى الروسي خبره وروى ما مر به من الاهوال والنكبات عندما جمع البلاشفة جموعهم وحملوا الاسرة المالكة على مغادرة روسيا وأخرجوها في حراسة رجالهم الى سيبريا ، فقضى الامير ووالداه وشقيقاته اياما طوالا في منزل تحوطه حديقة واسعة في تلك المدينة وحوله حرس شديد . وبقي معتقلا في ذلك المنزل وكان الجيش الابيض في تلك الاثناء قد جمع رجاله وزحف على تلك المنطقة لتخليص الاسرة المالكة والتنكيل بجيوش البلاشفة الحمراء.. فأزدادت الرقابة على الاسرة ولم يطل الوقت حتى تدفقت جحافل الجيوش البيضاء على المدينة وسادتها الفوضى وعم فيها الذعر ودار القتل والقتال في شوارعها وحولها .
وفي وسط هذه الاضطرابات المنكرة استطاع الامير ان يفر من المدينة متنكرا في ثوب فلاح روسي وفي صحبته الامير سرج يوسبوف واحد الاطباء .
واستولى عليه بعد ذلك ذهول عميق اضطربت افكاره وهوى في لجة من النسيان فلم يعد يذكر ما جرى له في تلك الايام العصيبة ولما زالت عنه غشاوة الفزع رأى نفسه في منزل فلاح يأويه في احدى قرى سيبريا النائية . وعلم من الفلاح انه كان مصابا بخبل في قواه العقلية يفقده وعيه ويجعله يجهل نفسه . وقضى في رعاية هذا الفلاح عاما طويلا وفي سنة 1919 حامت حوله الشبهة وبلغ البلاشفة انه ابن القيصر السابق فارسلوا رسلهم يقبضون عليه وقادوه الى اعماق السجون يذيقونه مر العذاب .
وعاودته اعراض الخبل والجنون وقضى الايام بين ذلك يسترد رشده حينا ثم لا تلبث قسوة الالام التي انتهت حياته ان تشد الخناق عليه فتعيده الى فقد الوعي . ولما اشتد مرضه ارسل الى احد المستشفيات فاقام فيها حينا وهناك تعارف بابن قائد عسكري سابق من رجال القيصرية القدماء ، واتفق الشابان على الفرار سويا ودبرا امرهما على ذلك فافلحا في التسلل من المستشفى والخروج من المدينة حتى افلتا من خفير الحدود الروسية وعبرا نهر اراكس بين الحدود ، وبينهما هما في الماء يقطعان النهر تنبه الحرس لامرهما فاطلقوا عليهما وابلا من الرصاص ..ومزق الرصاص جسد صاحبه ونجا الامير بحياته وصعد الى شاطيء النهر وهو لايدري ما حاق بزميله.
وما كاد يخطو الى الحدود الفارسية حتى قبض عليه البوليس وخشي ان يعترف بحقيقة امره فلا ينجو من الشر والاذى فانتحل اسم صديقه القتيل واقنع البوليس ان والده يقيم في تبريز . وما زال يسعى ويجادل ويدبر امره حتى اطلق البوليس سراحه اذ لم يجد في امره ما يدعو لسجنه او اعتقاله . وذهب الى تبريز وهو لايعرف فيها احدا وقاسى من آلام الجوع والمرض والبؤس اهوالا مريرة حتى ساعده الحظ واهتدى الى عمل في لوكندة رجل ارمني فاشتغل فيها خادما ..ولكن صاحب اللوكندة كان فضا غلبظا فلم يطل عهد خدمته عنده حتى انتقل الى عمل آخر وهناك تعرف باصدقائه الذين قدموا معه الى بغداد وهم الماني ويوناني وارمني ... وتصادقوا .وكان يغشى منزل كاهن ارمني في تبريز يطلب منه النصح والارشاد ويستمع الى اقواله ، وفي ذات يوم ابلغه الكاهن ان البلاشفة علموا بمقره واوفدوا عيونهم تتجسس اخباره وتعمل على اعادته الى روسيا للقضاء عليه .
واخبر رفاقه الثلاثة بذلك ، فاتفق الاربعة على مغادرة ايران الى العراق وفروا منها وعبروا الحدود فقبض عليهم البوليس العراقي .
تلك هي القصة التي رواها هذا الفتى الروسي فاثارت ضجة غير عادية بين الجالية الروسية في بغداد .. واطلقت الشرطة سراحه فآوى الى منزل شيخ روسي كريم يسكن في بغداد ، وقد ايقن هذا الشيخ ان الفتى ابن مليكه السابق فاحسن مثواه واكرم وفادته . ومن دعاوى هذا الفتى ان الاميرة اولجا ابنة القيصر لم تكن مع الاسرة المالكة عند نقلها الى سيبيريا ولايدري ما حل بها .. ويذكر انه اصيب بجرح شديد في اثناء انتقاله مع ابيه القيصر على ظهر احدى البواخر في رحلة الى احدى المدن . ..
ومع ان الحكومة العراقية اطلقت سراحه فانها قدمته الى المحكمة فحكمت عليه وعلى رفاقه بتهمة دخولهم العراق خلسة دون جواز . والقي القبض عليه ثانية واودع السجن وما يزال حتى اليوم مسجونا في بغداد بعد ان كان على ما يزعم وليا للقيصر في بتروغراد !!
*اعلنت الحكومة الروسية استنادا الى فحوص الحمض النووي ان بقايا العظام التي عثر عليها عام 2007 تعود فعلا الى الكسي نجل القيصر وشقيقته ماريا اللذين اعدما مع القيصر!!!.
عن موقع الكاردينيا