البرنامج النووي الإسرائيلي ...الجزء الأول
الموضوع التالى منقول ... وأضفت اليه فقرات وصور من مصادر مختلفة
يحى الشاعر
http://www.defense-arab.comdefense-arab.comdefense-arab.comdefense-arab.comdefense-arab.comdefense-arab.comdefense-arab.comdefense-arab.comdefense-arab.comdefense-arab.comdefense-arab.com/images/statusicon/wol_error.gifتم تصغير هذه الصورة. إضغط هنا لمشاهدة الصورة كاملة. الصورة الأصلية بأبعاد 874 * 876 و حجم 172KB.
البرنامج النووي الإسرائيلي
الجزء الأول
على الرغم من أنهم كانوا يراقبون أحداث الحرب العالمية الثانية من بعيد, إلا أن الصهاينة في فلسطين تعلموا منها الكثير من الدروس و العبر.
ولعلهم قد شاهدوا ضمن ما شاهدوه جنود الإمبراطورية في اليابان و هم يؤدون القسم على القتال حتى الموت في سبيل عرش الإمبراطور المقدس, وقبل أن يعيشوا اللحظة التي يعلن فيها الأمريكيون انتصارهم على بلاد الشمس المشرقة.
استطاع الصهاينة في حينها أن يرسموا صورة مناظرة لوضعهم المقبل في الشرق الأوسط عندما شرعوا في السؤال عما إذا كان العرب فيما جاورهم من البلاد عاقدي العزم على إلقاء اليهود يوما ما في البحر الذي جاء معظمهم عبره إلى فلسطين.
بعد الهجوم النووي الأمريكي الكاسح على اليابان, بدأ القادة و الجنود اليابانيون في إعادة تقييم مواقفهم من عقيدة القتال حتى الموت في سبيل الإمبراطور. فبدا الأمر وكأن القنبلة النووية الأمريكية قد منحت اليابانيين فرصة الاستسلام و النجاة بأرواحهم. لا بل أن بعض كتاب التاريخ ذهب إلى القول بأنها أي "القنبلة النووية" قد لعبت دوراً حربياً و دوراً سياسياً إضافة إلى دورها في صنع السلام في أسيا و العالم.
و لعل جيل المؤسسين لدولة إسرائيل قد أسرفوا في الخيال عندما راحوا يربطون و لو إلى حد ما بين عقلية الساموراي و ثقافتهم في اليابان و بين عقلية المسلمين و ثقافتهم في الشرق الأوسط. و يبدو أن كبير المؤسسين "دافيد بن غوريون" قد أقنع نفسه و من حوله بأن نفس الشيء ينطبق على إسرائيل.
ولكن هل بمقدور إسرائيل يوماً أن تطور رادعاً يقنع خصومها بأنهم لن ينجحوا في القضاء عليها, و أن تقنع نفسها أن إيقاع كارئة في صفوف الأعداء هو الطريق الأمثل لمنع وقوع كارثة يهودية للمرة الثانية.
الواقع أن استخدام الأسلحة غير التقليدية ليس أمراً جديداً على الشرق الأوسط. فقد استخدم الانجليز القذائف الكيماوية في قصف حصون الأتراك في مدينة غزة أثناء الحرب العالمية الأولى. و استخدموها ثانيةً ضد شيعة العراق أثناء ثورة العشرين و عادوا لاستخدامها مرة ثالثة في ثلاثينات القرن الماضي ضد شعب العراق عربه و كرده.
لقد بدأ الانغماس الإسرائيلي في التكنولوجيا النووية مبكراً مع بدء تأسيس الدولة عندما هاجر إلى فلسطين الكثير من العلماء اليهود الموهوبين في ثلاثينات و أربعينات القرن الماضي. و برز من بين هؤلاء الدكتور" أرنست دافيد بيرجمان" الذي أصبح فيما بعد مديراً لوكالة الطاقة النووية في إسرائيل و مؤسس الجهود الإسرائيلية في السعي لتطوير أسلحة نووية.
كان الدكتور بيرجمان صديقاً مقرباً لأول رئيس وزراء لإسرائيل "ديفيد بن غوريون" و مستشاراً علمياً له. و لقد نبه الرجل إلى أهمية الطاقة النووية في التعويض عن الموارد القليلة و القوة العسكرية المحدود في مواجهة بحر الأعداء من حول إسرائيل. و لقد ركز الرجل على وجود طاقة نووية واحدة و ليس اثنتين بمعنى أن يكون أنتاج أسلحة نووية جزء طبيعي من مخطط إسرائيل لتوليد الطاقة النووية.
بدأ العلماء الإسرائيليون في التنقيب عن اليورانيوم في صحراء النقب بناء على أوامر صدرت لهم من وزارة الدفاع الإسرائيلية, و بحلول العام 1950 كانوا قد عثروا على مخزون محدود منه قرب "بئر السبع" و عندها بدءوا العمل في تطوير طريقة علمية لإنتاج الماء الثقيل بطاقة منخفضة.
عمل معهد "وايزمان" للعلوم بنشاط على دعم البحوث النووية في العام 1949 خاصة من قبل الدكتور "بيرجمان" الذي رأس قسم الكيمياء بالمعهد. أما الطلبة الذين أظهروا نبوغاً و تميزاً فقد تم إبتعاثهم للخارج لدراسة الهندسة النووية و الفيزياء على نفقة الحكومة الإسرائيلية. حتى كان العام 1952 عندما أسست إسرائيل وكالتها للطاقة النووية التي وضعت تحت إمرة وزارة الدفاع و بدأت معها تطوير برنامجها النووي بشكل مستقل.
التعاون مع الفرنسيين (1948-1962):
في العام 1949 زار إسرائيل " فرانسيس بيرن" و هو عضو في وكالة الطاقة النووية الفرنسية و عالم في الفيزياء النووية و صديق للدكتور "بيرجمان" و كان معهد وايزمان وجهته الرئيسة في هذه الزيارة حيث دعا العلماء الإسرائيليين لزيارة منشأة الأبحاث النووية الجديدة في فرنسا, مما جعل هذه الزيارة تدشيناً لمرحلة من الجهود والأبحاث المشتركة في مجال الذرة بين إسرائيل و فرنسا.
و لقد صرح "بيرن" علناً في العام 1986 بأن العلماء الفرنسيين الذي عملوا في أمريكا ضمن مشروع " مانهاتن" و في كندا خلال الحرب العالمية الثانية قد أبلغوا من قبل المشرفين عليهم أن بمقدورهم استخدام المعارف و الخبرات التي يحصلون عليها من خلال عملهم ,بإمكانهم استخدامها في فرنسا طالما حافظوا عليها كأسرار. و بناء عليه قام "بيرن" بتزويد الإسرائيليين بمعلومات نووية قيمة. و على نفس المبدأ فإن عالماً إسرائيلياً عمل في المختبر الوطني الأمريكي في "لوس ألماس" قد يكون عاد بخبراته الكثيرة لإسرائيل.
بعيد الحرب العالمية الثانية كانت القدرات البحثية الفرنسية في المجال النووي محدودة على الرغم من امتلاكها مركز بحوث رائد في الفيزياء النووية, إلا أنها بقيت متخلفة عن قريناتها مثل الولايات المتحدة و الإتحاد السوفيتي و المملكة المتحدة و حتى كندا مما جعل فرنسا و إسرائيل في مستوى متقارب في هذا المجال بعد أن وضعت الحرب أوزارها, مما جعل الجهود في مجال العلوم و التكنولوجيا النووية في البلدين على ترابط مستمر خلال عقد الخمسينات.
ويذهب البعض إلى أن يكون العلماء الإسرائيليون قد ساهموا في إنشاء مفاعل جي -1 لتوليد البلوتنيوم و منشأة يو بي -1 في ماركولي بفرنسا. هذا في حين أفادت فرنسا من منشأة إنتاج الماء الثقيل و تخصيب اليورانيوم المنخفض في إسرائيل. في نفس الإطار بقيت فرنسا المورد الأساسي للسلاح إلى إسرائيل.
جاءت الاضطرابات و الثورات في المستعمرات الفرنسية في الشمال الأفريقي لتختبر جدية هذه العلاقة عندما هبت إسرائيل لتوفير المعلومات الإستخبارية الضرورية لفرنسا من خلال اليهود السفارديم المقيمين في هذه البلدان و كان لها كبير الأثر في ضرب حركات التحرر و تفكيكها.
ثم كانت أزمة السويس في أكتوبر من العام 1956 لتؤكد هذا التعاون و توسعه عندما تعاونت الدولتان مع بريطانيا في التخطيط و إعداد المسرح لعملية احتلال قناة السويس و تأمينها من خلال احتلال شبه جزيرة سيناء.
و يزعم البعض أن أزمة السويس كانت هي الميلاد الحقيقي للبرنامج النووي الإسرائيلي. فبعد أن وقعت مصر صفقة الأسلحة التشيكية في 1955, أصبحت إسرائيل أكثر تخوفاً من جيرانها العرب. فاستيعاب المصريين للأسلحة من دول الكتلة الشرقية سوف يزيد القدرة العسكرية المصرية إلى ثلاث أضعافها مرة واحدة. مما جعل الأسلحة الكيميائية و غير التقليدية التي أمر بن غوريون بتطويرها في أعقاب إغلاق مصر مضائق تيران في سنة 1953 غير كافية لمواجهة التحديات الجديدة, فكان لا بد هذه المرة من تفعيل البرنامج النووي الإسرائيلي.
و فعلاً و قبل ستة أسابيع فقط من بدأ العمليات العسكرية في حملة السويس وجدت إسرائيل أن الوقت أصبح مناسباً للاتصال مع الفرنسيين و طلب مساعدتهم في بناء مفاعلها النووي خاصة و أن كندا قد أقدمت على خطوة مماثلة عندما وافقت قبل سنة على بناء مفاعل "CIRUS" النووي في الهند بقدرة 40 ميجاوات.
لهذه الغاية قابل "شمعون بيرس" مدير عام وزارة الدفاع الإسرائيلية و مساعد رئيس الوزراء و وزير الدفاع الإسرائيلي وقتها "ديفيد بن غوريون" و برفقته الدكتور "بيرجمان" بعض العاملين من وكالة الطاقة النووية الفرنسية. و في سبتمبر من عام 1956 توصل الفريقان إلى تفاهمات أولية لتزويد إسرائيل بمفاعل أبحاث. و وقع الطرفان الاتفاقية بشكل نهائي في لقاء سري عقد خارج العاصمة الفرنسية و هو نفس اللقاء الذي تم فيه وضع التفاصيل النهائية لحملة السويس على مصر في العام 1956.
يعتقد كثيرون أن حملة السويس في 29 أكتوبر 1956 بالنسبة لبريطانيا و فرنسا بمثابة الكارثة بمعنى الكلمة. أما بالنسبة لإسرائيل فقد كانت نصراً حربياً حيث تمكنت إسرائيل من احتلال كل شبه جزيرة سيناء وقطاع غزة بحلول يوم 4 نوفمبر. أما غزو فرنسا و بريطانيا لمنطقة قناة السويس في يوم 6 نوفمبر فقد كانت إخفاقاً سياسياً عندما توقف تقدم قواتهم جنوباً بمحاذاة القناة بسبب إعلان وقف إطلاق النار تحت ضغط قوي من الإتحاد السوفيتي و أمريكا, فسحبت الدولتان قواتهما تاركتين إسرائيل وحدها لمواجهة الضغط الدولي الذي بلغ أقصى مدى له عندما أصدر رئيس الوزراء السوفيتي "بولغانين" و الرئيس السوفيتي " خورتشوف" تهديداً مبطناً بهجوم نووي إذا لم تسحب إسرائيل قواتها من غزة و سيناء.
في يوم 7 نوفمبر من العام 1956 يعقد اجتماع سري جمع وزيرة خارجية إسرائيل "غولدا مائير" و مدير عام وزارة الدفاع الإسرائيلية "شمعون بيرس" مع وزير الخارجية و وزير الدفاع الفرنسي كريستيان بينيو و موريس بورج- مانوري. في هذا الاجتماع كان الفرنسيون متحرجون بسبب عدم قدرتهم على دعم حلفاءهم الإسرائيليين القلقين من الإنذار النووي الروسي. و لذا حاولوا التعويض عن ذلك من خلال تعديل شروط أتفاق باريس لأكثر من مجرد مفاعل نووي و تمشياً مع نجاح شمعون بيرس في إقناع الفرنسيين بضرورة مساعدة إسرائيل على تطوير رادع نووي.
وبعد عدة أشهر من المفاوضات نجح بيرس في الحصول على عرض فرنسي لتزويد إسرائيل بمفاعل أبحاث حراري بقوة 18 ميجا وات من نوع ( EL-3 Type) مع تقنية فصل البلوتونيوم. و فعلاً وقعت الاتفاقية في أكتوبر 1957 و بعدها تم تعديل الاتفاقية رسمياً ليصبح المفاعل بقدرة 24 ميجاوات في حين كانت التعليمات المبلغة للمهندسين القائمين على بناء المفاعل أن تكون قدرة التبريد فيه كافية لمفاعل قدرته ثلاث مرات قدرة المفاعل المعلن عنه. بل أن بعض المراقبين من داخل المفاعل قدروا قدرته بأنها (125-150) ميجاوات. علاوة على ذلك فأن المفاعل لم يوصل بتربينات توليد الكهرباء مما يعني أن الغرض منه كان ينحصر في زيادة إنتاج البلوتونيوم.
و لكن "بورجيه مانوروي" الذي خلف دي موليه في منصب رئيس وزراء فرنسا و الذي يحتفظ بعلاقات وثيقة مع مدير عام وزارة الدفاع الإسرائيلية "شمعون بيرس" قد يكون أسهم في ذلك إلى حد كبير في مقابل مساعدة سياسية سخية من بيرس.
لماذا كانت فرنسا حريصة على مساعدة إسرائيل إلى هذا الحد؟ تجيب بعض المصادر على ذلك بأن إٍسرائيل كانت تحتل مكاناً مميزاً في السياسة الفرنسية. فإسرائيل النووية ستكون رادعاً قوياً في مواجهة مصر التي تثير المشاكل للفرنسيين في الجزائر من خلال دعمها العلني للثوار في هذا البلد. و فرنسا نفسها تطمح للحصول على القنبلة الذرية في مواجهة معارضة أمريكية لذلك تمثلت في حجب بعض التقنيات الإلكترونية الضرورية عنها. و أعتقد الفرنسيون أن إسرائيل المدللة عند أمريكا بإمكانها الوصول إلى هذا التقنيات ثم تسريبها إلى الفرنسيين.
و الدليل ذلك أن أمريكا زودت إسرائيل و من خلال برنامج " الذرة من أجل السلام" بالماء الثقيل لمختبر الأبحاث الصغير في (سوريك) و أمكن لفرنسا استخدام هذا الماء الثقيل في أبحاثها.
و لعل البنية العلمية المتاحة لإسرائيل في ذلك الوقت كانت هي الضمانة في مواجهة أي مشاكل أو صعوبات تعترض طريق البرنامج النووي الفرنسي سيما و أن فرنسا بقيت بعيدة عن هذا الميدان لبضع سنوات إبان الاحتلال النازي.
أما معرفة المخابرات الإسرائيلية بحكومة "فيشي" الموالية للألمان في الحرب العالمية الثانية و التاريخ المعادي للسامية لبعض الشخصيات من الفرنسيين المتعاونين مع النازية و الذين كانوا لا يزالون على رأس العمل في جهاز المخابرات الفرنسية فقد هيأ للإسرائيليين العديد من الفرص لابتزازهم. و لعل كل هذا يفسر التعاون بين البلدين لدرجة أن إسرائيل عملت عن قرب مع الفرنسيين لتطوير نسخة من طائرة الميراج النفاثة تكون قادرة على حمل و إلقاء القنابل النووية.
و في سرية اعتقدوا أنها تامة قام الخبراء الفرنسيون ببناء المفاعل الإسرائيلي تحت الأرض في ديمونا بالنقب جنوب إسرائيل. و صاحب ذلك ظهور المئات من المهندسين و الفنيين الفرنسيين في شوارع بلدة بئر السبع أكبر مدن النقب حيث قامت شركة "SON" الفرنسية ببناء وحدة فصل البلوتونيوم في كل من فرنسا و إسرائيل.
لجأت إسرائيل إلى حيل كثيرة لإخفاء النشاط في ديمونا. فتارة ادعت أنها مصنع للمنغنيز و تارة مصنع للنسيج. إلا أن الأمر تكشف في نهاية العام 1958 عندما حصلت طائرة U-2 أمريكية على صور جوية للمشروع تبين عند تحليلها أنها مفاعل نووي محتمل. كما أن كثافة الوجود في الفرنسي في ديمونا و النقب كانت لافتة.
في سنة 1960 و تحت قيادة الرئيس "شارل ديغول" بدأت فرنسا التفكير جدياً في إيقاف المشروع أو تعليقه , وفعلاً و بعد عدة شهور من المفاوضات توصل الطرفان الفرنسي و الإسرائيلي إلى اتفاق في نوفمبر من نفس العام سمح بموجبه للمفاعل بالاستمرار بالعمل شرط أن تتعهد إسرائيل بعدم السعي لتصنيع قنابل نووية و أن تعلن عن مفاعلها للعالم أجمع.
و فعلاً توقف إنتاج البلوتونيوم في المفاعل تلبية للطلب الفرنسي. إلا أنه و بتاريخ 2 ديسمبر 1960 و قبل أن تعلن إسرائيل عن مفاعلها للعالم إذ بوزارة الخارجية الأمريكية تصدر تصريحاً مفاده أن إسرائيل تمتلك منشئات نووية سرية. الأمر الذي لم ينشر في العلن حتى 16 ديسمبر من نفس العام عندما ظهرت صور المفاعل الجوية على صفحات صحيفة "نيويورك تايمز", و في 21 ديسمبر 1960 يعلن رئيس الوزراء الإسرائيلي "بن غوريون" أن إسرائيل بصدد بناء مفاعل نووي بقدرة 24 ميجاوات للأغراض السلمية.
في العام 1961 تتوتر العلاقات الأمريكية الإٍسرائيلية و يكون محور التوتر فيها المفاعل النووي الإسرائيلي في ديمونا. فعلى الرغم من قبولها للتأكيدات الإٍسرائيلية في العلن إلا أن الإدارة الأمريكية صعدت من ضغوطها على إسرائيل في الخفاء. و في محاولة لعدم التصعيد سمحت إسرائيل من جانبها لعالمين أمريكيين مشهورين في الفيزياء النووية أحدهم الدكتور "يوجين ويغنر" بزيارة المفاعل إلا أن بن غوريون رفض و بشدة إخضاع المفاعل للتفتيش الدولي المنتظم.
و سعياً لحل لهذه المشكلة تم الاتفاق بين الطرفين الأمريكي و الإسرائيلي على ترتيب زيارات لفريق تفتيش أمريكي مرتين في السنة حيث بدأت زيارات التفتيش في العام 1962 و استمرت حتى عام 1969.
كانت هذه الزيارات التفتيشية تشمل المنشآت فوق سطح الأرض فقط و ليس الطوابق العديدة تحت الأرض. و كانت تتم لمرة واحدة فقط في السنة. و لقد بدت الأماكن فوق سطح الأرض كغرف تحكم أما المدخل للطوابق تحت الأرض فكان يتم إخفاءه بإحكام بما في ذلك نظام المصاعد الذي يقود إلى وحدة معالجة البلوتونيوم السرية التي تختفي فجأة خلف جدران حجرية. أما بخصوص المعلومات الواردة في جولات التفتيش فلم يتم إلغاء سريتها سوى مؤخراً.
و لكن كيف يفسر تعهد بن غوريون باستخدام المفاعل لأغراض سلمية. أحد هذه التفسيرات يذهب إلى أن تطوير أسلحة نووية غير مستثنى من برنامج إسرائيل النووي طالما كانت هذه الأسلحة تستخدم لأغراض دفاعية!
أصبح وضع إسرائيل الدفاعي في حينه أفضل بكثير منه في الخمسينات و الستينات من القرن الماضي. فبعد حروبها الثلاثة مع العرب ومع تطويرها لنظام صناعات عسكرية محلية و قوية إضافة إلى الدعم العسكري الأمريكي اللا محدود لها في هذا المجال فإن إسرائيل تشعر بأمان أكثر. إلا أنها في الستينات حاولت الحصول على ضمانات أمريكية بوضعها تحت المظلة النووية الأمريكية أسوة بدول الناتو أو اليابان و لكن محاولاتها باءت بالفشل. و يعتقد الكثير من المحللين أن أمريكا لو وافقت على ترتيبات دفاعية مقبولة لإسرائيل لأمكن ردعها عن تطوير سلاح نووي خاص بها.
نجح التعاون الفرنسي الإسرائيلي في تطوير القدرات النووية الإسرائيلية و لكن دون الحاجة إلى إجراء اختبارات للتأكد منها. و الأمر الآخر أنه و على الرغم من تركيز التعاون على موضوع إنتاج البلوتونيوم فإن الإسرائيليين قد نجحوا في تجميع كمية من اليورانيوم المشع تكفي لصناعة قنابل من النوع الذي ألقي على هيروشيما و هي قنابل لا تحتاج إلى اختبار مسبق. و مع ذلك, يقول خبير نووي رفض الكشف عن شخصيته أن التجربة النووية الفرنسية في العام 1960 قد أعلنت ميلاد قوتين نوويتين و ليست واحدة. فقد لوحظ وجود العديد من المراقبين الإسرائيليين في مواقع التجارب الفرنسية وأنهم تمتعوا بحرية تامة في الدخول للمنشئات الفرنسية و الوصول لبيانات التجارب النووية الفرنسية.
علاوة على ذلك فإن إسرائيل قدمت الدعم العلمي ممثلاً في العديد من التقنيات والمعدات الأساسية الأمر الذي دفعت فرنسا مقابله شحنات من البلوتونيوم المعالج كجزء من الصفقة. ولكن هذا التعاون الذي استمر لعقد من الزمن كان يقترب من نهايته و كان على إسرائيل أن تعمل منفردة.
على الرغم من أنهم كانوا يراقبون أحداث الحرب العالمية الثانية من بعيد, إلا أن الصهاينة في فلسطين تعلموا منها الكثير من الدروس و العبر.
ولعلهم قد شاهدوا ضمن ما شاهدوه جنود الإمبراطورية في اليابان و هم يؤدون القسم على القتال حتى الموت في سبيل عرش الإمبراطور المقدس, وقبل أن يعيشوا اللحظة التي يعلن فيها الأمريكيون انتصارهم على بلاد الشمس المشرقة.
استطاع الصهاينة في حينها أن يرسموا صورة مناظرة لوضعهم المقبل في الشرق الأوسط عندما شرعوا في السؤال عما إذا كان العرب فيما جاورهم من البلاد عاقدي العزم على إلقاء اليهود يوما ما في البحر الذي جاء معظمهم عبره إلى فلسطين.
بعد الهجوم النووي الأمريكي الكاسح على اليابان, بدأ القادة و الجنود اليابانيون في إعادة تقييم مواقفهم من عقيدة القتال حتى الموت في سبيل الإمبراطور. فبدا الأمر وكأن القنبلة النووية الأمريكية قد منحت اليابانيين فرصة الاستسلام و النجاة بأرواحهم. لا بل أن بعض كتاب التاريخ ذهب إلى القول بأنها أي "القنبلة النووية" قد لعبت دوراً حربياً و دوراً سياسياً إضافة إلى دورها في صنع السلام في أسيا و العالم.
و لعل جيل المؤسسين لدولة إسرائيل قد أسرفوا في الخيال عندما راحوا يربطون و لو إلى حد ما بين عقلية الساموراي و ثقافتهم في اليابان و بين عقلية المسلمين و ثقافتهم في الشرق الأوسط. و يبدو أن كبير المؤسسين "دافيد بن غوريون" قد أقنع نفسه و من حوله بأن نفس الشيء ينطبق على إسرائيل.
ولكن هل بمقدور إسرائيل يوماً أن تطور رادعاً يقنع خصومها بأنهم لن ينجحوا في القضاء عليها, و أن تقنع نفسها أن إيقاع كارئة في صفوف الأعداء هو الطريق الأمثل لمنع وقوع كارثة يهودية للمرة الثانية.
الواقع أن استخدام الأسلحة غير التقليدية ليس أمراً جديداً على الشرق الأوسط. فقد استخدم الانجليز القذائف الكيماوية في قصف حصون الأتراك في مدينة غزة أثناء الحرب العالمية الأولى. و استخدموها ثانيةً ضد شيعة العراق أثناء ثورة العشرين و عادوا لاستخدامها مرة ثالثة في ثلاثينات القرن الماضي ضد شعب العراق عربه و كرده.
لقد بدأ الانغماس الإسرائيلي في التكنولوجيا النووية مبكراً مع بدء تأسيس الدولة عندما هاجر إلى فلسطين الكثير من العلماء اليهود الموهوبين في ثلاثينات و أربعينات القرن الماضي. و برز من بين هؤلاء الدكتور" أرنست دافيد بيرجمان" الذي أصبح فيما بعد مديراً لوكالة الطاقة النووية في إسرائيل و مؤسس الجهود الإسرائيلية في السعي لتطوير أسلحة نووية.
كان الدكتور بيرجمان صديقاً مقرباً لأول رئيس وزراء لإسرائيل "ديفيد بن غوريون" و مستشاراً علمياً له. و لقد نبه الرجل إلى أهمية الطاقة النووية في التعويض عن الموارد القليلة و القوة العسكرية المحدود في مواجهة بحر الأعداء من حول إسرائيل. و لقد ركز الرجل على وجود طاقة نووية واحدة و ليس اثنتين بمعنى أن يكون أنتاج أسلحة نووية جزء طبيعي من مخطط إسرائيل لتوليد الطاقة النووية.
بدأ العلماء الإسرائيليون في التنقيب عن اليورانيوم في صحراء النقب بناء على أوامر صدرت لهم من وزارة الدفاع الإسرائيلية, و بحلول العام 1950 كانوا قد عثروا على مخزون محدود منه قرب "بئر السبع" و عندها بدءوا العمل في تطوير طريقة علمية لإنتاج الماء الثقيل بطاقة منخفضة.
عمل معهد "وايزمان" للعلوم بنشاط على دعم البحوث النووية في العام 1949 خاصة من قبل الدكتور "بيرجمان" الذي رأس قسم الكيمياء بالمعهد. أما الطلبة الذين أظهروا نبوغاً و تميزاً فقد تم إبتعاثهم للخارج لدراسة الهندسة النووية و الفيزياء على نفقة الحكومة الإسرائيلية. حتى كان العام 1952 عندما أسست إسرائيل وكالتها للطاقة النووية التي وضعت تحت إمرة وزارة الدفاع و بدأت معها تطوير برنامجها النووي بشكل مستقل.
نهاية الجزء الأول
.........."
إنتهى النقل
يحى الشاعر
مصدر الصور من داخل المبنى
http://www.defense-arab.comdefense-arab.comdefense-arab.comdefense-arab.comdefense-arab.comdefense-arab.comdefense-arab.comdefense-arab.comdefense-arab.comdefense-arab.comdefense-arab.com/images/statusicon/wol_error.gifتم تصغير هذه الصورة. إضغط هنا لمشاهدة الصورة كاملة. الصورة الأصلية بأبعاد 800 * 684 و حجم 210KB.
http://www.defense-arab.comdefense-arab.comdefense-arab.comdefense-arab.comdefense-arab.comdefense-arab.comdefense-arab.comdefense-arab.comdefense-arab.comdefense-arab.comdefense-arab.com/images/statusicon/wol_error.gifتم تصغير هذه الصورة. إضغط هنا لمشاهدة الصورة كاملة. الصورة الأصلية بأبعاد 800 * 1059 و حجم 169KB.
[تم التعديل في 14-12-2006 بواسطة Yahia-Al-Shaer]
الموضوع التالى منقول ... وأضفت اليه فقرات وصور من مصادر مختلفة
يحى الشاعر
http://www.defense-arab.comdefense-arab.comdefense-arab.comdefense-arab.comdefense-arab.comdefense-arab.comdefense-arab.comdefense-arab.comdefense-arab.comdefense-arab.comdefense-arab.com/images/statusicon/wol_error.gifتم تصغير هذه الصورة. إضغط هنا لمشاهدة الصورة كاملة. الصورة الأصلية بأبعاد 874 * 876 و حجم 172KB.
البرنامج النووي الإسرائيلي
الجزء الأول
على الرغم من أنهم كانوا يراقبون أحداث الحرب العالمية الثانية من بعيد, إلا أن الصهاينة في فلسطين تعلموا منها الكثير من الدروس و العبر.
ولعلهم قد شاهدوا ضمن ما شاهدوه جنود الإمبراطورية في اليابان و هم يؤدون القسم على القتال حتى الموت في سبيل عرش الإمبراطور المقدس, وقبل أن يعيشوا اللحظة التي يعلن فيها الأمريكيون انتصارهم على بلاد الشمس المشرقة.
استطاع الصهاينة في حينها أن يرسموا صورة مناظرة لوضعهم المقبل في الشرق الأوسط عندما شرعوا في السؤال عما إذا كان العرب فيما جاورهم من البلاد عاقدي العزم على إلقاء اليهود يوما ما في البحر الذي جاء معظمهم عبره إلى فلسطين.
بعد الهجوم النووي الأمريكي الكاسح على اليابان, بدأ القادة و الجنود اليابانيون في إعادة تقييم مواقفهم من عقيدة القتال حتى الموت في سبيل الإمبراطور. فبدا الأمر وكأن القنبلة النووية الأمريكية قد منحت اليابانيين فرصة الاستسلام و النجاة بأرواحهم. لا بل أن بعض كتاب التاريخ ذهب إلى القول بأنها أي "القنبلة النووية" قد لعبت دوراً حربياً و دوراً سياسياً إضافة إلى دورها في صنع السلام في أسيا و العالم.
و لعل جيل المؤسسين لدولة إسرائيل قد أسرفوا في الخيال عندما راحوا يربطون و لو إلى حد ما بين عقلية الساموراي و ثقافتهم في اليابان و بين عقلية المسلمين و ثقافتهم في الشرق الأوسط. و يبدو أن كبير المؤسسين "دافيد بن غوريون" قد أقنع نفسه و من حوله بأن نفس الشيء ينطبق على إسرائيل.
ولكن هل بمقدور إسرائيل يوماً أن تطور رادعاً يقنع خصومها بأنهم لن ينجحوا في القضاء عليها, و أن تقنع نفسها أن إيقاع كارئة في صفوف الأعداء هو الطريق الأمثل لمنع وقوع كارثة يهودية للمرة الثانية.
الواقع أن استخدام الأسلحة غير التقليدية ليس أمراً جديداً على الشرق الأوسط. فقد استخدم الانجليز القذائف الكيماوية في قصف حصون الأتراك في مدينة غزة أثناء الحرب العالمية الأولى. و استخدموها ثانيةً ضد شيعة العراق أثناء ثورة العشرين و عادوا لاستخدامها مرة ثالثة في ثلاثينات القرن الماضي ضد شعب العراق عربه و كرده.
لقد بدأ الانغماس الإسرائيلي في التكنولوجيا النووية مبكراً مع بدء تأسيس الدولة عندما هاجر إلى فلسطين الكثير من العلماء اليهود الموهوبين في ثلاثينات و أربعينات القرن الماضي. و برز من بين هؤلاء الدكتور" أرنست دافيد بيرجمان" الذي أصبح فيما بعد مديراً لوكالة الطاقة النووية في إسرائيل و مؤسس الجهود الإسرائيلية في السعي لتطوير أسلحة نووية.
كان الدكتور بيرجمان صديقاً مقرباً لأول رئيس وزراء لإسرائيل "ديفيد بن غوريون" و مستشاراً علمياً له. و لقد نبه الرجل إلى أهمية الطاقة النووية في التعويض عن الموارد القليلة و القوة العسكرية المحدود في مواجهة بحر الأعداء من حول إسرائيل. و لقد ركز الرجل على وجود طاقة نووية واحدة و ليس اثنتين بمعنى أن يكون أنتاج أسلحة نووية جزء طبيعي من مخطط إسرائيل لتوليد الطاقة النووية.
بدأ العلماء الإسرائيليون في التنقيب عن اليورانيوم في صحراء النقب بناء على أوامر صدرت لهم من وزارة الدفاع الإسرائيلية, و بحلول العام 1950 كانوا قد عثروا على مخزون محدود منه قرب "بئر السبع" و عندها بدءوا العمل في تطوير طريقة علمية لإنتاج الماء الثقيل بطاقة منخفضة.
عمل معهد "وايزمان" للعلوم بنشاط على دعم البحوث النووية في العام 1949 خاصة من قبل الدكتور "بيرجمان" الذي رأس قسم الكيمياء بالمعهد. أما الطلبة الذين أظهروا نبوغاً و تميزاً فقد تم إبتعاثهم للخارج لدراسة الهندسة النووية و الفيزياء على نفقة الحكومة الإسرائيلية. حتى كان العام 1952 عندما أسست إسرائيل وكالتها للطاقة النووية التي وضعت تحت إمرة وزارة الدفاع و بدأت معها تطوير برنامجها النووي بشكل مستقل.
التعاون مع الفرنسيين (1948-1962):
في العام 1949 زار إسرائيل " فرانسيس بيرن" و هو عضو في وكالة الطاقة النووية الفرنسية و عالم في الفيزياء النووية و صديق للدكتور "بيرجمان" و كان معهد وايزمان وجهته الرئيسة في هذه الزيارة حيث دعا العلماء الإسرائيليين لزيارة منشأة الأبحاث النووية الجديدة في فرنسا, مما جعل هذه الزيارة تدشيناً لمرحلة من الجهود والأبحاث المشتركة في مجال الذرة بين إسرائيل و فرنسا.
و لقد صرح "بيرن" علناً في العام 1986 بأن العلماء الفرنسيين الذي عملوا في أمريكا ضمن مشروع " مانهاتن" و في كندا خلال الحرب العالمية الثانية قد أبلغوا من قبل المشرفين عليهم أن بمقدورهم استخدام المعارف و الخبرات التي يحصلون عليها من خلال عملهم ,بإمكانهم استخدامها في فرنسا طالما حافظوا عليها كأسرار. و بناء عليه قام "بيرن" بتزويد الإسرائيليين بمعلومات نووية قيمة. و على نفس المبدأ فإن عالماً إسرائيلياً عمل في المختبر الوطني الأمريكي في "لوس ألماس" قد يكون عاد بخبراته الكثيرة لإسرائيل.
بعيد الحرب العالمية الثانية كانت القدرات البحثية الفرنسية في المجال النووي محدودة على الرغم من امتلاكها مركز بحوث رائد في الفيزياء النووية, إلا أنها بقيت متخلفة عن قريناتها مثل الولايات المتحدة و الإتحاد السوفيتي و المملكة المتحدة و حتى كندا مما جعل فرنسا و إسرائيل في مستوى متقارب في هذا المجال بعد أن وضعت الحرب أوزارها, مما جعل الجهود في مجال العلوم و التكنولوجيا النووية في البلدين على ترابط مستمر خلال عقد الخمسينات.
ويذهب البعض إلى أن يكون العلماء الإسرائيليون قد ساهموا في إنشاء مفاعل جي -1 لتوليد البلوتنيوم و منشأة يو بي -1 في ماركولي بفرنسا. هذا في حين أفادت فرنسا من منشأة إنتاج الماء الثقيل و تخصيب اليورانيوم المنخفض في إسرائيل. في نفس الإطار بقيت فرنسا المورد الأساسي للسلاح إلى إسرائيل.
جاءت الاضطرابات و الثورات في المستعمرات الفرنسية في الشمال الأفريقي لتختبر جدية هذه العلاقة عندما هبت إسرائيل لتوفير المعلومات الإستخبارية الضرورية لفرنسا من خلال اليهود السفارديم المقيمين في هذه البلدان و كان لها كبير الأثر في ضرب حركات التحرر و تفكيكها.
ثم كانت أزمة السويس في أكتوبر من العام 1956 لتؤكد هذا التعاون و توسعه عندما تعاونت الدولتان مع بريطانيا في التخطيط و إعداد المسرح لعملية احتلال قناة السويس و تأمينها من خلال احتلال شبه جزيرة سيناء.
و يزعم البعض أن أزمة السويس كانت هي الميلاد الحقيقي للبرنامج النووي الإسرائيلي. فبعد أن وقعت مصر صفقة الأسلحة التشيكية في 1955, أصبحت إسرائيل أكثر تخوفاً من جيرانها العرب. فاستيعاب المصريين للأسلحة من دول الكتلة الشرقية سوف يزيد القدرة العسكرية المصرية إلى ثلاث أضعافها مرة واحدة. مما جعل الأسلحة الكيميائية و غير التقليدية التي أمر بن غوريون بتطويرها في أعقاب إغلاق مصر مضائق تيران في سنة 1953 غير كافية لمواجهة التحديات الجديدة, فكان لا بد هذه المرة من تفعيل البرنامج النووي الإسرائيلي.
و فعلاً و قبل ستة أسابيع فقط من بدأ العمليات العسكرية في حملة السويس وجدت إسرائيل أن الوقت أصبح مناسباً للاتصال مع الفرنسيين و طلب مساعدتهم في بناء مفاعلها النووي خاصة و أن كندا قد أقدمت على خطوة مماثلة عندما وافقت قبل سنة على بناء مفاعل "CIRUS" النووي في الهند بقدرة 40 ميجاوات.
لهذه الغاية قابل "شمعون بيرس" مدير عام وزارة الدفاع الإسرائيلية و مساعد رئيس الوزراء و وزير الدفاع الإسرائيلي وقتها "ديفيد بن غوريون" و برفقته الدكتور "بيرجمان" بعض العاملين من وكالة الطاقة النووية الفرنسية. و في سبتمبر من عام 1956 توصل الفريقان إلى تفاهمات أولية لتزويد إسرائيل بمفاعل أبحاث. و وقع الطرفان الاتفاقية بشكل نهائي في لقاء سري عقد خارج العاصمة الفرنسية و هو نفس اللقاء الذي تم فيه وضع التفاصيل النهائية لحملة السويس على مصر في العام 1956.
يعتقد كثيرون أن حملة السويس في 29 أكتوبر 1956 بالنسبة لبريطانيا و فرنسا بمثابة الكارثة بمعنى الكلمة. أما بالنسبة لإسرائيل فقد كانت نصراً حربياً حيث تمكنت إسرائيل من احتلال كل شبه جزيرة سيناء وقطاع غزة بحلول يوم 4 نوفمبر. أما غزو فرنسا و بريطانيا لمنطقة قناة السويس في يوم 6 نوفمبر فقد كانت إخفاقاً سياسياً عندما توقف تقدم قواتهم جنوباً بمحاذاة القناة بسبب إعلان وقف إطلاق النار تحت ضغط قوي من الإتحاد السوفيتي و أمريكا, فسحبت الدولتان قواتهما تاركتين إسرائيل وحدها لمواجهة الضغط الدولي الذي بلغ أقصى مدى له عندما أصدر رئيس الوزراء السوفيتي "بولغانين" و الرئيس السوفيتي " خورتشوف" تهديداً مبطناً بهجوم نووي إذا لم تسحب إسرائيل قواتها من غزة و سيناء.
في يوم 7 نوفمبر من العام 1956 يعقد اجتماع سري جمع وزيرة خارجية إسرائيل "غولدا مائير" و مدير عام وزارة الدفاع الإسرائيلية "شمعون بيرس" مع وزير الخارجية و وزير الدفاع الفرنسي كريستيان بينيو و موريس بورج- مانوري. في هذا الاجتماع كان الفرنسيون متحرجون بسبب عدم قدرتهم على دعم حلفاءهم الإسرائيليين القلقين من الإنذار النووي الروسي. و لذا حاولوا التعويض عن ذلك من خلال تعديل شروط أتفاق باريس لأكثر من مجرد مفاعل نووي و تمشياً مع نجاح شمعون بيرس في إقناع الفرنسيين بضرورة مساعدة إسرائيل على تطوير رادع نووي.
وبعد عدة أشهر من المفاوضات نجح بيرس في الحصول على عرض فرنسي لتزويد إسرائيل بمفاعل أبحاث حراري بقوة 18 ميجا وات من نوع ( EL-3 Type) مع تقنية فصل البلوتونيوم. و فعلاً وقعت الاتفاقية في أكتوبر 1957 و بعدها تم تعديل الاتفاقية رسمياً ليصبح المفاعل بقدرة 24 ميجاوات في حين كانت التعليمات المبلغة للمهندسين القائمين على بناء المفاعل أن تكون قدرة التبريد فيه كافية لمفاعل قدرته ثلاث مرات قدرة المفاعل المعلن عنه. بل أن بعض المراقبين من داخل المفاعل قدروا قدرته بأنها (125-150) ميجاوات. علاوة على ذلك فأن المفاعل لم يوصل بتربينات توليد الكهرباء مما يعني أن الغرض منه كان ينحصر في زيادة إنتاج البلوتونيوم.
و لكن "بورجيه مانوروي" الذي خلف دي موليه في منصب رئيس وزراء فرنسا و الذي يحتفظ بعلاقات وثيقة مع مدير عام وزارة الدفاع الإسرائيلية "شمعون بيرس" قد يكون أسهم في ذلك إلى حد كبير في مقابل مساعدة سياسية سخية من بيرس.
لماذا كانت فرنسا حريصة على مساعدة إسرائيل إلى هذا الحد؟ تجيب بعض المصادر على ذلك بأن إٍسرائيل كانت تحتل مكاناً مميزاً في السياسة الفرنسية. فإسرائيل النووية ستكون رادعاً قوياً في مواجهة مصر التي تثير المشاكل للفرنسيين في الجزائر من خلال دعمها العلني للثوار في هذا البلد. و فرنسا نفسها تطمح للحصول على القنبلة الذرية في مواجهة معارضة أمريكية لذلك تمثلت في حجب بعض التقنيات الإلكترونية الضرورية عنها. و أعتقد الفرنسيون أن إسرائيل المدللة عند أمريكا بإمكانها الوصول إلى هذا التقنيات ثم تسريبها إلى الفرنسيين.
و الدليل ذلك أن أمريكا زودت إسرائيل و من خلال برنامج " الذرة من أجل السلام" بالماء الثقيل لمختبر الأبحاث الصغير في (سوريك) و أمكن لفرنسا استخدام هذا الماء الثقيل في أبحاثها.
و لعل البنية العلمية المتاحة لإسرائيل في ذلك الوقت كانت هي الضمانة في مواجهة أي مشاكل أو صعوبات تعترض طريق البرنامج النووي الفرنسي سيما و أن فرنسا بقيت بعيدة عن هذا الميدان لبضع سنوات إبان الاحتلال النازي.
أما معرفة المخابرات الإسرائيلية بحكومة "فيشي" الموالية للألمان في الحرب العالمية الثانية و التاريخ المعادي للسامية لبعض الشخصيات من الفرنسيين المتعاونين مع النازية و الذين كانوا لا يزالون على رأس العمل في جهاز المخابرات الفرنسية فقد هيأ للإسرائيليين العديد من الفرص لابتزازهم. و لعل كل هذا يفسر التعاون بين البلدين لدرجة أن إسرائيل عملت عن قرب مع الفرنسيين لتطوير نسخة من طائرة الميراج النفاثة تكون قادرة على حمل و إلقاء القنابل النووية.
و في سرية اعتقدوا أنها تامة قام الخبراء الفرنسيون ببناء المفاعل الإسرائيلي تحت الأرض في ديمونا بالنقب جنوب إسرائيل. و صاحب ذلك ظهور المئات من المهندسين و الفنيين الفرنسيين في شوارع بلدة بئر السبع أكبر مدن النقب حيث قامت شركة "SON" الفرنسية ببناء وحدة فصل البلوتونيوم في كل من فرنسا و إسرائيل.
لجأت إسرائيل إلى حيل كثيرة لإخفاء النشاط في ديمونا. فتارة ادعت أنها مصنع للمنغنيز و تارة مصنع للنسيج. إلا أن الأمر تكشف في نهاية العام 1958 عندما حصلت طائرة U-2 أمريكية على صور جوية للمشروع تبين عند تحليلها أنها مفاعل نووي محتمل. كما أن كثافة الوجود في الفرنسي في ديمونا و النقب كانت لافتة.
في سنة 1960 و تحت قيادة الرئيس "شارل ديغول" بدأت فرنسا التفكير جدياً في إيقاف المشروع أو تعليقه , وفعلاً و بعد عدة شهور من المفاوضات توصل الطرفان الفرنسي و الإسرائيلي إلى اتفاق في نوفمبر من نفس العام سمح بموجبه للمفاعل بالاستمرار بالعمل شرط أن تتعهد إسرائيل بعدم السعي لتصنيع قنابل نووية و أن تعلن عن مفاعلها للعالم أجمع.
و فعلاً توقف إنتاج البلوتونيوم في المفاعل تلبية للطلب الفرنسي. إلا أنه و بتاريخ 2 ديسمبر 1960 و قبل أن تعلن إسرائيل عن مفاعلها للعالم إذ بوزارة الخارجية الأمريكية تصدر تصريحاً مفاده أن إسرائيل تمتلك منشئات نووية سرية. الأمر الذي لم ينشر في العلن حتى 16 ديسمبر من نفس العام عندما ظهرت صور المفاعل الجوية على صفحات صحيفة "نيويورك تايمز", و في 21 ديسمبر 1960 يعلن رئيس الوزراء الإسرائيلي "بن غوريون" أن إسرائيل بصدد بناء مفاعل نووي بقدرة 24 ميجاوات للأغراض السلمية.
في العام 1961 تتوتر العلاقات الأمريكية الإٍسرائيلية و يكون محور التوتر فيها المفاعل النووي الإسرائيلي في ديمونا. فعلى الرغم من قبولها للتأكيدات الإٍسرائيلية في العلن إلا أن الإدارة الأمريكية صعدت من ضغوطها على إسرائيل في الخفاء. و في محاولة لعدم التصعيد سمحت إسرائيل من جانبها لعالمين أمريكيين مشهورين في الفيزياء النووية أحدهم الدكتور "يوجين ويغنر" بزيارة المفاعل إلا أن بن غوريون رفض و بشدة إخضاع المفاعل للتفتيش الدولي المنتظم.
و سعياً لحل لهذه المشكلة تم الاتفاق بين الطرفين الأمريكي و الإسرائيلي على ترتيب زيارات لفريق تفتيش أمريكي مرتين في السنة حيث بدأت زيارات التفتيش في العام 1962 و استمرت حتى عام 1969.
كانت هذه الزيارات التفتيشية تشمل المنشآت فوق سطح الأرض فقط و ليس الطوابق العديدة تحت الأرض. و كانت تتم لمرة واحدة فقط في السنة. و لقد بدت الأماكن فوق سطح الأرض كغرف تحكم أما المدخل للطوابق تحت الأرض فكان يتم إخفاءه بإحكام بما في ذلك نظام المصاعد الذي يقود إلى وحدة معالجة البلوتونيوم السرية التي تختفي فجأة خلف جدران حجرية. أما بخصوص المعلومات الواردة في جولات التفتيش فلم يتم إلغاء سريتها سوى مؤخراً.
و لكن كيف يفسر تعهد بن غوريون باستخدام المفاعل لأغراض سلمية. أحد هذه التفسيرات يذهب إلى أن تطوير أسلحة نووية غير مستثنى من برنامج إسرائيل النووي طالما كانت هذه الأسلحة تستخدم لأغراض دفاعية!
أصبح وضع إسرائيل الدفاعي في حينه أفضل بكثير منه في الخمسينات و الستينات من القرن الماضي. فبعد حروبها الثلاثة مع العرب ومع تطويرها لنظام صناعات عسكرية محلية و قوية إضافة إلى الدعم العسكري الأمريكي اللا محدود لها في هذا المجال فإن إسرائيل تشعر بأمان أكثر. إلا أنها في الستينات حاولت الحصول على ضمانات أمريكية بوضعها تحت المظلة النووية الأمريكية أسوة بدول الناتو أو اليابان و لكن محاولاتها باءت بالفشل. و يعتقد الكثير من المحللين أن أمريكا لو وافقت على ترتيبات دفاعية مقبولة لإسرائيل لأمكن ردعها عن تطوير سلاح نووي خاص بها.
نجح التعاون الفرنسي الإسرائيلي في تطوير القدرات النووية الإسرائيلية و لكن دون الحاجة إلى إجراء اختبارات للتأكد منها. و الأمر الآخر أنه و على الرغم من تركيز التعاون على موضوع إنتاج البلوتونيوم فإن الإسرائيليين قد نجحوا في تجميع كمية من اليورانيوم المشع تكفي لصناعة قنابل من النوع الذي ألقي على هيروشيما و هي قنابل لا تحتاج إلى اختبار مسبق. و مع ذلك, يقول خبير نووي رفض الكشف عن شخصيته أن التجربة النووية الفرنسية في العام 1960 قد أعلنت ميلاد قوتين نوويتين و ليست واحدة. فقد لوحظ وجود العديد من المراقبين الإسرائيليين في مواقع التجارب الفرنسية وأنهم تمتعوا بحرية تامة في الدخول للمنشئات الفرنسية و الوصول لبيانات التجارب النووية الفرنسية.
علاوة على ذلك فإن إسرائيل قدمت الدعم العلمي ممثلاً في العديد من التقنيات والمعدات الأساسية الأمر الذي دفعت فرنسا مقابله شحنات من البلوتونيوم المعالج كجزء من الصفقة. ولكن هذا التعاون الذي استمر لعقد من الزمن كان يقترب من نهايته و كان على إسرائيل أن تعمل منفردة.
على الرغم من أنهم كانوا يراقبون أحداث الحرب العالمية الثانية من بعيد, إلا أن الصهاينة في فلسطين تعلموا منها الكثير من الدروس و العبر.
ولعلهم قد شاهدوا ضمن ما شاهدوه جنود الإمبراطورية في اليابان و هم يؤدون القسم على القتال حتى الموت في سبيل عرش الإمبراطور المقدس, وقبل أن يعيشوا اللحظة التي يعلن فيها الأمريكيون انتصارهم على بلاد الشمس المشرقة.
استطاع الصهاينة في حينها أن يرسموا صورة مناظرة لوضعهم المقبل في الشرق الأوسط عندما شرعوا في السؤال عما إذا كان العرب فيما جاورهم من البلاد عاقدي العزم على إلقاء اليهود يوما ما في البحر الذي جاء معظمهم عبره إلى فلسطين.
بعد الهجوم النووي الأمريكي الكاسح على اليابان, بدأ القادة و الجنود اليابانيون في إعادة تقييم مواقفهم من عقيدة القتال حتى الموت في سبيل الإمبراطور. فبدا الأمر وكأن القنبلة النووية الأمريكية قد منحت اليابانيين فرصة الاستسلام و النجاة بأرواحهم. لا بل أن بعض كتاب التاريخ ذهب إلى القول بأنها أي "القنبلة النووية" قد لعبت دوراً حربياً و دوراً سياسياً إضافة إلى دورها في صنع السلام في أسيا و العالم.
و لعل جيل المؤسسين لدولة إسرائيل قد أسرفوا في الخيال عندما راحوا يربطون و لو إلى حد ما بين عقلية الساموراي و ثقافتهم في اليابان و بين عقلية المسلمين و ثقافتهم في الشرق الأوسط. و يبدو أن كبير المؤسسين "دافيد بن غوريون" قد أقنع نفسه و من حوله بأن نفس الشيء ينطبق على إسرائيل.
ولكن هل بمقدور إسرائيل يوماً أن تطور رادعاً يقنع خصومها بأنهم لن ينجحوا في القضاء عليها, و أن تقنع نفسها أن إيقاع كارئة في صفوف الأعداء هو الطريق الأمثل لمنع وقوع كارثة يهودية للمرة الثانية.
الواقع أن استخدام الأسلحة غير التقليدية ليس أمراً جديداً على الشرق الأوسط. فقد استخدم الانجليز القذائف الكيماوية في قصف حصون الأتراك في مدينة غزة أثناء الحرب العالمية الأولى. و استخدموها ثانيةً ضد شيعة العراق أثناء ثورة العشرين و عادوا لاستخدامها مرة ثالثة في ثلاثينات القرن الماضي ضد شعب العراق عربه و كرده.
لقد بدأ الانغماس الإسرائيلي في التكنولوجيا النووية مبكراً مع بدء تأسيس الدولة عندما هاجر إلى فلسطين الكثير من العلماء اليهود الموهوبين في ثلاثينات و أربعينات القرن الماضي. و برز من بين هؤلاء الدكتور" أرنست دافيد بيرجمان" الذي أصبح فيما بعد مديراً لوكالة الطاقة النووية في إسرائيل و مؤسس الجهود الإسرائيلية في السعي لتطوير أسلحة نووية.
كان الدكتور بيرجمان صديقاً مقرباً لأول رئيس وزراء لإسرائيل "ديفيد بن غوريون" و مستشاراً علمياً له. و لقد نبه الرجل إلى أهمية الطاقة النووية في التعويض عن الموارد القليلة و القوة العسكرية المحدود في مواجهة بحر الأعداء من حول إسرائيل. و لقد ركز الرجل على وجود طاقة نووية واحدة و ليس اثنتين بمعنى أن يكون أنتاج أسلحة نووية جزء طبيعي من مخطط إسرائيل لتوليد الطاقة النووية.
بدأ العلماء الإسرائيليون في التنقيب عن اليورانيوم في صحراء النقب بناء على أوامر صدرت لهم من وزارة الدفاع الإسرائيلية, و بحلول العام 1950 كانوا قد عثروا على مخزون محدود منه قرب "بئر السبع" و عندها بدءوا العمل في تطوير طريقة علمية لإنتاج الماء الثقيل بطاقة منخفضة.
عمل معهد "وايزمان" للعلوم بنشاط على دعم البحوث النووية في العام 1949 خاصة من قبل الدكتور "بيرجمان" الذي رأس قسم الكيمياء بالمعهد. أما الطلبة الذين أظهروا نبوغاً و تميزاً فقد تم إبتعاثهم للخارج لدراسة الهندسة النووية و الفيزياء على نفقة الحكومة الإسرائيلية. حتى كان العام 1952 عندما أسست إسرائيل وكالتها للطاقة النووية التي وضعت تحت إمرة وزارة الدفاع و بدأت معها تطوير برنامجها النووي بشكل مستقل.
نهاية الجزء الأول
.........."
إنتهى النقل
يحى الشاعر
مصدر الصور من داخل المبنى
http://www.defense-arab.comdefense-arab.comdefense-arab.comdefense-arab.comdefense-arab.comdefense-arab.comdefense-arab.comdefense-arab.comdefense-arab.comdefense-arab.comdefense-arab.com/images/statusicon/wol_error.gifتم تصغير هذه الصورة. إضغط هنا لمشاهدة الصورة كاملة. الصورة الأصلية بأبعاد 800 * 684 و حجم 210KB.
http://www.defense-arab.comdefense-arab.comdefense-arab.comdefense-arab.comdefense-arab.comdefense-arab.comdefense-arab.comdefense-arab.comdefense-arab.comdefense-arab.comdefense-arab.com/images/statusicon/wol_error.gifتم تصغير هذه الصورة. إضغط هنا لمشاهدة الصورة كاملة. الصورة الأصلية بأبعاد 800 * 1059 و حجم 169KB.
[تم التعديل في 14-12-2006 بواسطة Yahia-Al-Shaer]