حرب أكتوبر والتهيديات النوويه

حكم مصارعه

عضو مميز
إنضم
27 نوفمبر 2014
المشاركات
4,272
التفاعل
5,255 0 0
41C1777.jpg


تعتبر حرب السادس من أكتوبر 1973 النموذج الوحيد لحرب نظامية واسعة النطاق قامت الدول العربية (مصر وسوريا) بشنها ضد إسرائيل فى ظل امتلاكها للسلاح النووى، لذا فإنها طرحت معظم الأسئلة الخاصة بأشكال استخدام الأسلحة النووية الإسرائيلية ـ عمليا، واحتمالات تأثير التهديدات النووية المكشوفة أو المستترة على السلوك العسكرى العربى بمستوياته المختلفة وبالفعل لم تكن مسألة التهديد باستخدام الأسلحة النووية بعيدة تماما عن مدركات صانعى قرار الحرب، أو القادة العسكريين الذين قاموا بإدارتها، ولا عن وقائع الحرب ذاتها فالتحليلات التى تناولت حرب أكتوبر خلال أل 41سنة الماضية تطرح ـ فى الغالب ـ ثلاث مقولات رئيسية:ـ

ـ 1 ـ امتلاك إسرائيل للسلاح النووى عام 1973، وإدراك الدول العربية (خاصة مصر) لذلك لم يردعها عن اتخاذ قرار شن الحرب ووفقا للكتابات العربية فإن ذلك يعبر عن قوة الإرادة السياسية عندما يتعلق الأمر باستعادة حق مغتصب، وتبعا للكتابات الإسرائيلية بصفة عامة، فإن ذلك يعبر عن فشل الردع النووى الإسرائيلى

ـ 2 ـ وجود الأسلحة النووية الإسرائيلية قد مارس تأثيره على عملية التخطيط العسكرى العربى لنطاق العمليات العسكرية للجيوش العربية قبل الحرب، وهى مقولة سائدة فى الكتابات الغربية والإسرائيلية، مفادها أن الدول العربية قد خططت لحرب محدودة فى أهدافها ومسرح عملياتها وأسلحتها خشية الاصطدام بالحائط النووى

ـ 3 ـ إسرائيل قد هددت فعليا باستخدام الأسلحة النووية خلال الأيام الأولى من حرب أكتوبر، بما لذلك من دلالات معقدة تشير إلى أن إسرائيل تعتقد أن الأسلحة النووية يمكن أن تستخدم فعليا فى العمليات العسكرية، وأنها أيضا يمكن أن تستخدمها فى أوضاع دون ـ الملاذ الأخير، فعمليات حرب أكتوبر لم تكن تهدد وجود إسرائيل، ومع ذلك تم إعلان تأهب نووى إضافة إلى ما سبق، فإن حرب أكتوبر قد أدت إلى أوضاع دفعت القوتين العظميين فى ذلك الوقت (الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتى) إلى تبادل تهديدات مكشوفة خلال الأيام الأخيرة من شهر أكتوبر 1973، ترافقت مع إعلان حالة طوارئ نووية فى قواتهما، بحيث مثلت حرب أكتوبر 1973 فى إطار علاقاتهما الثنائية حالة مشابهة ـ مع الفارق الشديد ـ لأزمة الصواريخ الكوبية عام 1962 ويستعرض هذا التقرير بعض جوانب المقولات المتصلة ـ بالتهديدات النووية ـ خلال الحرب على مستوى التصورات والسلوكيات الإسرائيلية والعربية أولا:ـ الأسلحة النووية وقرار الحرب:ـ بداية، فإن التصورات الخاصة بأنماط استخدام الأسلحة النووية، وما إذا كان يمكن أن تستخدم لردع حرب محدودة، أو التعامل فقط مع حرب شاملة تشن من جانب العرب ضد إسرائيل، هى نتاج أفكار تبلورت بعد حرب أكتوبر 1973، ولم تكن قائمة قبلها بصورة تمثل ـ استراتيجية ، فلم يكن يوجد فى العقل الإسرائيلى تصور واضح لمسألة ـ الحرب المحدودة ، إذ كانت الحرب بالنسبة لإسرائيل هى الحرب الشاملة، أى الحرب التى يمكن أن يردع السلاح النووى شنها كما لم تكن هناك على الأرجح ـ فى تلك المرحلة المبكرة ـ تصورات واضحة تماما لدى القيادات العربية، عما يردعه السلاح النووى ولا يردعه فالفكرة البسيطة القائمة لدى الطرفين فى ذلك الوقت هى أن هناك سلاحا نوويا، وأنه يمثل عنصرا تهديديا أو فعليا من عناصر ـ الحرب ـ على هذا الأساس، كان على القيادة العربية أن تضع فى حسبانها أن ثمة سلاحا نوويا يمكن أن يستخدم ضد قواتها أو مدنها إذا ما أقدمت هى على شن الحرب، لكنها اتخذت القرار بذلك ويصعب بالطبع تصور أن القيادة العربية لم تفكر فى مثل هذا الاحتمال، أو أنها تجاهلته، وكأنه غير قائم فبيتر براى يشير إلى أن السلوك العربى يمكن أن يفسر بما يلى:ـ أ ـ أن العرب ربما قدروا أن إسرائيل لن تستخدم السلاح النووى ضدهم خشية رد الفعل السوفيتى على ذلك ب ـ ربما قدر العرب أن إسرائيل لم تنته بعد من صنع الأسلحة الذرية، وأن بإمكانهم تحقيق أهدافهم قبل صنعها
(1) لكن هذه العوامل ربما لا تعبر عن الواقع، فلم يكن القادة العرب يتصورون أن أسلحة إسرائيل النووية يمكن أن تردع العمليات العسكرية ـ المحدودة ـ بمعايير ما قبل عام 1967 ـ التى لا تتجاوز نطاق الأرض المحتلة بعد عام 1967، والتى تتم لأهداف خاصة بهذه الأرض، وبالتالى لم يتصوروا أنها يمكن أن تستخدم ضدهم طالما ظلت العمليات فى هذا النطاق، وهو النطاق الذى كانت قوة العرب العسكرية ـ المقارنة تمكنهم بالكاد من العمل ضمن حدوده وتؤكد كتابات مختلفة هذه المقولة، فقد نقل ـ ستيفن جرين ـ عن الرئيس أنور السادات قوله لمجلة نيوزويك الأمريكية فى 19 أبريل 1973 ـ أن عدم قدرة مصر على إنزال الهزيمة بإسرائيل فى الحرب لا تعنى أن من غير الممكن أو المؤكد توجيه ضربة عسكرية محدودة لها



ـ (2) ويقرر عاموس برلماتر أن الرئيس السادات كان يتصور أنه طالما أن مصر لن تهدد خلال الحرب ذاتها وجود إسرائيل ـ على الرغم من أن موشى دايان وزير الدفاع الإسرائيلى كان يرى أن هذه الحرب تهديد لوجود إسرائيل ـ فإن مصر لن تتعرض لأى خطر نووى



(3)، ومن المفترض أن الأفكار السورية لم تخرج عن هذا الإطار لكن أيا كان نطاق الحرب التى تم التخطيط لها من جانب الدول العربية، أو تصورات القيادات العربية لمجال الردع الذى يعمل ضمنه هذا السلاح، لم يكن من الممكن أن تتصور إسرائيل فى ظل المفاجأة، وحساسيتها لأمنها، أن الحرب التى تشن عليها من جهتين فى نفس الوقت ليست ـ حرب شاملة ـ تستدعى التهديد باستخدام السلاح النووى إذا كانت قد اعتمدته فى استراتيجيتها كرادع عام وهو احتمال أشار إليه د فؤاد جابر فى دراسة له عام 1971 بقوله إنه نظرا لصعوبة تحديد طبيعة أى هجوم عربى ومداه فإن من المشكوك فيه أن تقدم الحكومات العربية على تجاهل خطر من هذا النوع (النووى)



4)، وبالتالى يمكن افتراض أن مثل هذا الاحتمال كان قائما بصورة ما فى أذهان القيادتين العربيتين مع إنه لا توجد معلومات مؤكدة تشير إليه وبدون الإغراق فى افتراضات قد لا تكون صحيحة، يمكن تصور أن القادة العرب قد افترضوا ـ بهذا الشأن ـ ما يلى:ـ ـ 1 ـ اسرائيل ستدرك بصورة ما منذ البداية أن العمل العسكرى الذى تقوم به مصر وسوريا عمل عسكرى محدود، بالنظر إلى عدد الأطراف المشتركة فى الحرب، ونطاق الضربة العسكرية التمهيدية الأولى، والأسلحة المستخدمة فيها، وبالتالى سوف تتصرف على هذا الأساس ويبدو أن الرئيس السادات لم يترك هذه المسألة للصدفة أيضا فقد أشار المشير محمد عبد الغنى الجمسى إلى أنه فى أول رسالة وجهت من القيادة المصرية إلى الإدارة الأمريكية (د هنرى كيسنجر) يوم 7 أكتوبر، أفصحت مصر عن أنها ـ لا تعتزم تعميق الاشتباكات ـ (5) ـ 2 ـ أن عمليات التصعيد الإسرائيلية، إن حدثت، فسوف تتخذ أشكالا مختلفة قبل أن تطرح أية احتمالات نووية فقد كانت هناك تصورات، أو مخاوف، لدى بعض القيادات العسكرية المصرية من احتمالات تطور الحرب المحدودة إلى حرب شاملة، أو من توسيع إسرائيل لنطاق الحرب، لكنها ـ حسب المعلومات المتاحة ـ مخاوف لم تتجاوز تصور أن إسرائيل قد تقوم باستخدام المقاتلات القاذفة لقصف العمق المصرى



(6) لكن رغم كل ذلك، فإن الحروب لا تسير فى كل الأحوال وفق حسابات عقلانية، فلا يمكن تجاهل احتمالات وجود ـ تأثيرات نفسية ـ لوجود مثل هذا السلاح، وهى تأثيرات تتوقف القدرة على مقاومتها على عوامل مختلفة، أهمها إرادة القيادة السياسية، التى يشير اتخاذ القرار بشن الحرب إلى أنها كانت ـ قوية ـ ثانيا:ـ الأسلحة النووية وخطة الحرب:ـ إن الكتابات الإسرائيلية والغربية تحديدا هى التى تركز على وجود علاقة بين امتلاك إسرائيل للسلاح النووى وبين التخطيط العسكرى ـ العربى ـ لحجم ومدى محدودين للعمليات العسكرية، وتبعا لذلك كان وجود السلاح النووى أحد المحددات الرئيسية للتخطيط العسكرى لحرب أكتوبر فوفقا لما أشار إليه ـ ميشيل مندلبوم ، فإن مخاوف العرب من أنه لو قامت جيوشهم بمهاجمة صلب دولة إسرائيل، فإنها ستدمر بترسانتها النووية، ربما ساهمت فى وضع أهداف محدودة للحرب (7) والملاحظة الأساسية هنا هى أن معظم ـ إن لم يكن كل ـ الكتابات الإسرائيلية والغربية تقصد بالحرب المحدودة، أو ذات الأهداف أو العمليات المحدودة الحرب التى لا تتضمن فى أهدافها أو عملياتها تهديد وجود إسرائيل، أو دخول أراضيها فمن المؤكد أن هؤلاء المحللين يدركون أن الخطة السورية كانت تهدف إلى تحرير ـ كل الجولان ، ومع ذلك اعتبرت محدودة، فالمقصود بالمحدودية عدم تجاوز الأراضى المحتلة عام 1967 على أية حال، فإن تلك المقولة تفترض أن القوة العسكرية التقليدية لكل من مصر وسوريا كانت تمكنهما من التخطيط لعملية عسكرية واسعة النطاق تهدف إلى تحرير كامل الأراضى العربية المحتلة فى سيناء والجولان، وربما تجاوز ذلك إلى ـ غزة ـ بالنسبة لمصر ودخول شمال إسرائيل بالنسبة لسوريا، وأن القيادات العسكرية المصرية والسورية قد حددت نطاق العمليات العسكرية وأغراضها من أجل تجنب احتمالات تهديد إسرائيل باستخدام السلاح النووى، أو استخدامه فعليا ضدها، وهو افتراض لا يوجد له أساس من الصحة إن الكتابات والمذكرات والتصريحات التى تناولت مراحل التخطيط لحرب أكتوبر تؤكد أن ميزان القوة التقليدية بين الدولتين العربيتين وإسرائيل كان القيد الأساسى الذى فرض ـ محدودية ـ العمليات العسكرية خلال الحرب، سواء تم التعبير عن هذا الميزان من خلال القول بأن إسرائيل كانت تتفوق ـ كيفيا ـ على كل دولة فى عناصر التسلح التقليدى المؤثرة، أو أن كلا من مصر وسوريا لم تكونا تمتلكان سوى عناصر تسليح تقليدية هجومية تكفى بالكاد لتحقيق الأهداف التى تم اعتمادها فى الخطة فى هذا السياق، يمكن الإشارة إلى عدة نقاط:ـ ـ 1 ـ أن ثمة معلومات كافية ذات مصداقية عالية تشير إلى أن ـ القيد التقليدى ـ قد تحكم تماما فى نطاق العمليات العسكرية على الجبهة المصرية، والهدف النهائى لها فى التخطيط لشن حرب أكتوبر وقد قام اللواء جمال حماد بتحليل تطور التخطيط المصرى لتحرير ـ سيناء ، منذ يوليو 1967 عندما وضعت ـ الخطة 200 ، وحتى إقرار الخطة ـ جرانيت ـ 2 المعدلة ـ التى تم شن الحرب على أساسها، بالتنسيق مع سوريا فى أكتوبر 1973، وذلك من خلال تحليل أقوال وتصريحات ومذكرات عدد من القادة العسكريين الذين تولوا مواقع وزارة الدفاع ورئاسة الأركان ووفقا لتحليله:ـ ـ ـ لم تكن هناك خطة مصرية يمكن وصفها بمصطلح ـ خطة ، قبل عام 1970 تهدف إلى تحرير كل الأراضى المحتلة فى سيناء وغزة وأنه توجد شكوك واسعة حول ما سمى ـ الخطة 200 ـ التى كانت دفاعية فى الأساس، وليست هجومية ـ ـ لم تطرح أية أفكار جادة خلال التخطيط لحرب السادس من أكتوبر 1973 حول إمكانية بناء خطة تهدف إلى تحرير سيناء كاملة إلا فى إطار مجرد طرح بعض القادة لأفكار سريعة لم تناقش طويلا، وذلك بفعل قيود موازين القوة التقليدية بين مصر وإسرائيل (8) لقد تم التخطيط لحرب أكتوبر، بالنسبة لمصر، على أساس عبور القناة، وتدمير خط بارليف وإقامة رؤوس كبارى، ثم التحول إلى الدفاع، أو تنفيذ المهمة التالية، وهى الوصول إلى المضايق كحد أقصى، بفعل عوامل أبعد ما تكون عن المسألة النووية ـ 2 ـ لا توجد أى مصادر جادة تشير إلى أن الهدف السورى فى خطة حرب تشرين (خطة العودة) كان دخول إسرائيل، ما عدا بعض الكتابات الغربية التى لم تكن دقيقة أو علمية فى تناول هذه المسألة فالخطة السورية كانت تهدف فقط إلى استعادة الجولان والوصول إلى خط نهر الأردن ـ الشاطئ الشرقى لبحيرة طبرية بعمق لا يزيد كثيرا عن خط بدء الهجوم، ولم يكن أمام القادة السوريين إلا التخطيط بهذه الصورة لاعتبارات عسكرية فنية تتصل بالموازين التقليدية وطبيعة مسرح العمليات، وحتى على هذا المستوى، واجهت سوريا مشكلة فى تنفيذ خطتها فلم تكن المسألة النووية مطروحة على هذا المستوى أيضا فقد كانت قيود موازين القوى التقليدية كافية لتحديد نطاق عمليات القوات المسلحة للدولتين العربيتين ثالثا :ـ الأسلحة النووية ومسار العمليات العسكرية:ـ تعتبر المقولة الخاصة بتهديد إسرائيل باستخدام السلاح النووى خلال الحرب أهم المقولات المتصلة بالمسألة النووية فى حرب أكتوبر، على الإطلاق، وذلك لعدة اعتبارات:ـ أ ـ أنها تستند على تقارير مؤكدة إلى حد كبير تشير إلى تهديد إسرائيل فعليا باستخدام الأسلحة النووية خلال الحرب، وإعلان حالة ـ تأهب ـ لقوتها النووية ب ـ أنها تثير قضايا مختلفة حول تصور القيادات الإسرائيلية لاستخدام الأسلحة النووية، والملابسات التى تحيط بهذه المسألة خلال عمليات عسكرية فعلية لقد استندت هذه المقولة لسنوات طويلة إلى مصدر واحد هو تقرير نشرته مجلة ـ تايم ـ الأمريكية فى 12 أبريل 1976 بعنوان ـ كيف حصلت إسرائيل على القنبلة ، وذلك قبل أن تقوم مصادر متعددة بتأكيد ما نشر، وإضافة معلومات أخرى إليه ووفقا لمعظم المصادر، فإن إسرائيل قامت فى الأيام الأولى للحرب بإعداد أسلحتها النووية (13 قنبلة من طراز ناجازاكى حملت على قاذفات أف ـ ـ 4، وبعض الصواريخ أرض ـ أرض) للاستخدام الفعلى وقد نفى المسئولون الإسرائيليون (خاصة موشى ديان وزير الدفاع) بشدة فى مذكراتهم التى صدرت بعد نهاية الحرب أن هذا قد حدث (9) وتشير معظم المصادر تقريبا إلى أن اتخاذ القرار بإعداد الأسلحة النووية للاستخدام قد اتخذ مساء يوم 8 أكتوبر، خلال اجتماع عقده مجلس الوزراء الإسرائيلى المصغر، عقب عودة وزير الدفاع الإسرائيلى ـ ديان ـ منهارا إثر جولة قام بها على جبهات القتال كما يشير مصدر واحد هو كتاب ستيفن جرين (بالسيف) إلى أن التأهب قد تم مساء يوم 7 أكتوبر لظروف خاصة باحتمالات تطور القتال على الجبهة المصرية، ووفقا لذلك تقرر تحليلات مختلفة أن إسرائيل يمكن أن تستخدم أسلحتها النووية فى إطار ـ حرب محدودة ، وليس فقط كأسلحة ملاذ أخير، وذلك للتعامل مع عدة حالات تماثل ما يلى :ـ 1 ـ انهيار القوات الإسرائيلية فى الجولان، واستمرار تقدم القوات السورية عبر الهضبة، تجاه حدود إسرائيل الشمالية ـ 2 ـ تعرض القوات الإسرائيلية للهزيمة فى سيناء، واستمرار تقدم القوات المصرية باتجاه المضايق، أو تجاوزها نحو الحدود الإسرائيلية وقد أشارت كتابات إسرائيلية مختلفة إلى حالات أكثر تعقيدا لاحتمالات استخدام الأسلحة النووية، لا ترتبط بالضرورة بتقدم القوات العربية فى اتجاه حدود إسرائيل، كتعرض القوات الإسرائيلية لما يسمى ـ حرب إبادة ـ على إحدى الجبهات، أو اتخاذ الحرب شكل ـ حرب التصعيد ـ دون وجود رد إسرائيلى قادرا على إيقاف تطور الحرب فى اتجاه هزيمة ساحقة، وهو ما يفسر السلوك النووى لإسرائيل خلال الحرب إلى حد كبير، فبافتراض أن هدف التهديد النووى الإسرائيلى يتصل بالتأثير على السلوك العسكرى العربى ربما تكون القيادات الإسرائيلية قد فكرت فى تجنب حدوث هزيمة عسكرية محدودة تترافق مع خسائر هائلة فى الأفراد والمعدات، على الرغم من تأكدها بأن هزيمة قواتها لن تؤدى إلى أقدام العرب، أو إغرائهم، على دخول إسرائيل فى ظل الحصانة النووية لحدودها ويرتبط هذا التصور بأوضاع جبهة سيناء على نفس المستوى، ربما تكون القيادات الإسرائيلية قد فكرت فى ـ تقييد ـ الأهداف العربية المحدودة ذاتها، فبافتراض أن إسرائيل كانت قد أدركت أن الحرب لا تهدف إلى دخول إسرائيل من الممكن أن يكون هدف التهديد هو توقف القوات العربية عن استكمال خططها المحدودة أصلا، أو عدم توسيع نطاق الحرب فى حالة هزيمة القوات الإسرائيلية، بحيث لا تفكر القيادات العربية فى تطوير هجماتها فى اتجاهات لم تكن تفكر فيها قبل الحرب، وهى تصورات ترتبط بالأوضاع العسكرية على جبهة الجولان (10) إن منطقية مثل هذه التصورات ترتبط بنقطة أساسية هى أن إسرائيل لم تعد قواتها النووية للاستخدام لأهداف خاصة بالأوضاع على مسرح العمليات ـ لحظة التأهب ، وإنما باحتمالات حدوث سيناريوهات شبيهة ـ بالملاذ الأخير ، وإن كان التهديد قد تقدم عدة خطوات لكن مشكلة مثل هذه التحليلات تأتى من مصدرين :ـ أ ـ أن المعلومات الخاصة بتوقيت إعلان التأهب النووى متضاربة بشدة، بحيث يبدو أن هذه التصورات السابقة منفصلة تماما عما كان يجرى على ساحة القتال، فلم تكن احتمالات الحرب التدميرية أو التصعيدية مطروحة ب ـ أن مصداقية مثل هذه الاستخدامات المطروحة، بافتراض أن هدف التأهب هو التأثير على السلوك العربى، مصداقية ضعيفة للغاية، فالتهديدات لم تكن معلنة، كما كان من الصعب أن تصدق مصر أو سوريا أن الأسلحة النووية يمكن أن تستخدم ضدها، طالما ظلت قواتها ضمن حدود الأراضى المحتلة عام 1967، مع إشارات واضحة بأنها لن تتجاوزها، ولا توجد وسيلة لتقليل خسائر الطرف الآخر خلال القتال لذلك، ساد اتجاه رئيسى فى معظم التحليلات يشير إلى أن التأهب النووى الإسرائيلى لم يكن يرتبط بالأوضاع على جبهات القتال والتى لم تكن شديدة الحرج بصورة تستدعى تهديدا نوويا، إلا من وجهة نظر وزير الدفاع الإسرائيلى، وقائد جبهة الجولان، اللذين انهارا خلال أيام الحرب الأولى، وأن التأهب النووى كان يهدف فى الأساس إلى ممارسة الضغط أو الابتزاز، ضد الإدارة الأمريكية للتعجيل بتسليم إسرائيل تلك الأحجام الكبيرة والنوعيات المتطورة من الأسلحة التى طلبتها لتعويض خسائرها فى الأيام الثلاثة الأولى للحرب، فى وقت كانت الولايات المتحدة فيه قد بدأت تدير الحرب على أساس تحقيق أوضاع تتيح فى نهايتها التفاوض لتسوية الصراع القائم فى الشرق الأوسط وهكذا، فإن السلاح النووى لم يكن بعيدا عن حرب السادس من أكتوبر 1973، بحيث يمكن تجاهله تماما، لكنه أيضا لم يكن قريبا منها إلى درجة تجعل منه مجرد ـ نظام تسليحى ـ آخر يمكن استخدامه ببساطة كأى سلاح تقليدى مدمر

الهوامش:ـ ـ

1 ـ بيتر براى، ترسانة إسرائيل النووية، ترجمة منير غنام، بيروت:ـ مؤسسة الأبحاث العربية، 1989، ص 69 ـ

2 ـ ستيفن جرين، بالسيف:ـ أمريكا وإسرائيل فى الشرق الأوسط، بيروت:ـ شركة المطبوعات للتوزيع والنشر، 1989، ص 112 ـ

3 ـ عاموس بيرلماتر، ميشيل هاندل، يورى بارجوزيف، دقيقتان فوق بغداد، سلسلة كتب مترجمة 762، القاهرة:ـ الهيئة العامة للاستعلامات، ص ص 27 ـ 28 ـ 4

ـ فؤاد جابر، الأسلحة الذرية واستراتيجية إسرائيل، ترجمة زهدى جار الله، بيروت:ـ مؤسسة الدراسات الفلسطينية، 1971، ص ـ 163 ـ 5

ـ ـ مذكرات المشير الجمسى، الحلقة الثانية، صحيفة الأهالى، 14 أكتوبر 1992 ـ

6 ـ رأى الفريق عبد القادر حسن فى اجتماع المجلس الأعلى للقوات المسلحة الذى حضره الرئيس السادات يوم 24 أكتوبر 1972 فى:ـ ل، جمال حماد، المعارك الحربية على الجبهة المصرية:ـ حرب أكتوبر 1973 العاشر من رمضان، القاهرة:ـ الزهراء للإعلام العربى، الطبعة الأولى، 1989، ص 55 ـ

7 ـ Michael Mondelbaum, Israel ـ s Security Dilema, ORBIS, Vol 32, No 3, Summer 1988, p 365 ـ 8 ـ اللواء جمال حماد، مصدر سابق، ص ص 40 ـ 61 ـ

9 ـ How Israel Got The Bomb, Time, April 12, 1976 ـ 1

0 ـ معظم التحليلات الخاصة بالحالات القريبة من الملاذ الأخير، وردت فى دراسة لـ شلوموا أهرونون بعنوان استراتيجية إسرائيل النووية، فى:ـ إفرايم عنبار (وآخرون) ، السلاح النووى فى الاستراتيجية الإسرائيلية، نيقوسيا:ـ وكالة المنار للصحافة والنشر المحدودة، الطبعة الأولى، 1986، ص 198

http://www.group73historians.com
 
عودة
أعلى