صبري محمد خليل - مذهب الغلو في التكفير واستحلال الدماء

safelife

عضو
إنضم
26 نوفمبر 2010
المشاركات
8,319
التفاعل
17,862 0 0
صبري محمد خليل - مذهب الغلو في التكفير واستحلال الدماء



مذهب الغلو في التكفير واستحلال الدماء المحرمة هو مذهب يقوم على بدعيتين بينهما علاقة تلازم، البدعة الأولى هي الغلو في التكفير، ويلزم منها البدعة الثانية وهى استحلال الدماء المحرمة (كدماء المسلمين وأهل الذمة والمعاهدين وغير المقاتلين من الكفار)،..
فهو مذهب يقوم على الإطلاق البدعى لمفهومي التكفير والقتال، من خلال عدم الالتزام بضوابطهما الشرعية، وهو مذهب يفارق مذهب أهل السنة- الذي يمثل الفهم الصحيح للإسلام - لأنه يقوم على الضبط الشرعي لهذين المفهومين، من خلال الالتزام بضوابطهما الشرعية.

النصوص الواردة في التحذير من مذهب الغلو في التكفير واستحلال الدماء المحرمة:وقد وردت الكثير من الأحاديث، التي تتنبأ بظهور مذهب الغلو في التكفير واستحلال الدماء المحرمة، وتحذر المسلمين منه بصيغ شتى:

أولا: وصف الأحاديث لأصحاب مذهب الغلو في التكفير واستحلال الدماء المحرمة:

ا/ وصفهم بأصحاب ذو الخويصره الذي شكك في عدالة الرسول (صلى الله عليه وسلم): عن أبى سعيد الخدري (رضي الله عنه) قال: بينما نحن عند رسول الله (صلى الله عليه وسلم) وهو يقسم قسماً. أتاه ذو الخويصرة. وهو رجل من بنى تميم. فقال: يا رسول الله ! اعدل. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (ويلك ! ومن يعدل إن لم أعدل؟ قد خبت و خسرت إن لم أعدل. فقال عمر بن الخطاب (رضي الله عنه): يا رسول الله ! ائذن لى فيه أضرب عنقه. قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم) دعه. فإن له أصحاباً يحقر أحدكم صلاته مع صلاتهم. و صيامه مع صيامهم. يقرؤون القرآن. لا يجاوز تراقيهم. يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية...) (أخرجه البخاري في صحيحة: 3610، ومسلم في صحيحة ينحوه:1064).

ب/ وصفهم بكلاب أهل النار: عن أبي أمامة (رضي الله عنه) يقول: (شر قتلى تحت أديم السماء، وخير قتيل من قتلوا، كلاب أهل النار، قد كانوا هؤلاء مسلمين فصاروا كفاراً، قلت: يا أبا أمامة! هذا شئ تقوله؟ قال بل سمعته من رسول الله (صلى الله عليه وسلم) (صحيح ابن ماجه / باب في ذكر الخوارج: 146).

ج/ وصفهم بأنهم ابغض خلق الله إليه:قال على (رضي الله عنه). إن رسول الله (صلى الله عليه وسلم)وصف ناساً. إني لأعرف صفتهم في هؤلاء. (يقولون الحق بألسنتهم لا يجوز هذا، منهم. (و أشار إلى حلقه) من أبغض خلق الله إليه.... (أخرجه مسلم في صحيحة / كتاب الزكاة / باب التحريض على قتل الخوارج: 1066(

ثانيا: تقرير خروجهم من الدين ومرقهم من الإسلام:عن أبي ذرّ (رضي الله عنه) قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم): (إن بعدى من أمتي قوم يقرؤون القرآن. لا يجاوز حلاقيمهم. يخرجون من الدين كما يخرج السهم من الرّميّة. ثم لا يعودون فيه. هم شر الخلق والخليقة) (أخرجه مسلم في صحيحة /كتاب الزكاة / باب الخوارج شر الخلق والخليقة: (1067. وعن ابن عباس (رضي الله عنهما)؛ قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم) ليقرأن القرآن ناس من أمتي يمرقون من الإسلام كما يمرق السهم من الرمية. (صحيح ابن ماجة /141 /باب في ذكر الخوارج(.

ثالثا:تقرير انه يخرج في عراضهم الدجال: عن ابن عمر (رضي الله عنهما) قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم): (ينشأ نشأ يقرؤون القرآن لا يجاوز تراقيهم. كلما خرج قرن قطع، قال ابن عمر (رضي الله عنه): سمعت رسول الله (صلى الله عليه وسلم) يقول: (كلما خرج قرن قطع (أكثر من عشرين مرة) حتى يخرج في عراضهم الدجال (صحيح ابن ماجة / 144).

رابعا: إيجاب قتالهم: عن علي (رضي الله عنه) قال... سمعت رسول الله (صلى الله عليه وسلم) يقول: (يأتي في آخر الزمان قوم حدثاء الأسنان سفهاء الاحلام يقولون من خير قول البرية يمرقون من الإسلام كما يمرق السهم من الرمية لا يجاوز إيمانهم حناجرهم فأينما لقيتموهم فان قتلهم أجر لمن قتلهم يوم القيامة) (أخرجه البخاري في صحيحة:3611، ومسلم في صحيحة / باب التحريض على قتل الخوارج / كتاب الزكاة:1066)، وعن أبي سعيد الخدري، وأنس بن مالك (رضي الله عنهم)، عن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) قال: (سيكون في أمتي اختلاف وفرقه؛ قوم يحسنونَ القيلَ، ويسيئون الفعلَ، يقرءونَ القرآن لا يجاوز تراقيهم، يمرقون من الدين مروق السهم من الرّميّة، لا يرجعون حتى يرتد على فُوقِهِ ؛ هم شر الخلق والخليقةِ، طُوبى لمن قتلهم وقتلوه، يدعون إلى كتاب الله وليسوا منه في شيء، من قاتلهم كان أولى بالله منهم)، قالوا: يا رسول الله ! ما سيماهم؟ قال: التحليق (صحيح أبى داود:4765).

التقاء الخوارج وأهل الغلو في الإطلاق البدعى للتكفير والقتال ومفارقتهم لمذهب أهل السنة:

ويتمثل مذهب الغلو في التكفير واستحلال الدماء المحرمة في ماضي الامه في مذهب الخوارج الذي يقوم على الإطلاق البدعى للتكفير والقتال، من خلال عدم الالتزام بضوابط التكفير والقتال الشرعية. لذا ترتب على مذهب الخوارج الكثير من البدع - التي رد عليها علماء أهل السنة -كتكفير الكثير من الصحابة كعلي وعثمان (رضي الله عنهم) وكل من رضي بالتحكيم، و تكفير مرتكب الذنوب، مع عدم التمييز في الذنوب بين الكبائر والصغائر، واعتبار مخالفيهم في الاجتهاد والمذهب كفاراً، واباحه دماء وأموال المسلمين...كما يتمثل مذهب الغلو في التكفير واستحلال الدماء المحرمة في حاضر الامه في مذهب أهل الغلو في التكفير والقتال، الذي يلتقي مع مذهب الخوارج في الإطلاق البدعى للتكفير والقتال، ويفارق مذهب أهل السنة القائم على الضبط الشرعي للمفهومين، وقد أشار الإمام ابن تيميه إلى هذا الالتقاء بين أهل الغلو الخوارج في الإطلاق البدعى للتكفير والقتال، حيث يقول في وصف الخوارج (ولهم خاصيتان مشهورتان فارقوا بها جماعه المسلمين وأئمتهم، احدهما خروجهم من عن السنة، وجعلهم ما ليس بسيئة سيئة، و ما ليس بحسنه حسنه.. الفرق الثاني: في الخوارج وأهل البدع أنهم يكفرون بالذنوب والسيئات، ويترتب على تكفيرهم بالذنوب استحلال دماء المسلمين وأموالهم، وان دار الإسلام دار حرب ودارهم هي دار إيمان،وكذلك يقول جمهور الرافضة وجمهور المعتزلة والجهميه، وطائفة من غلاه المنتسبين إلى أهل الحديث والفقه ومتكلميهم... فينبغي على للمسلم أن يحذر من هذين الأصلين الخبيثين، وما يتولد عنهما من بغض المسلمين وذمهم ولعنهم واستحلال دمائهم وأموالهم) (مجموع الفتاوى 19/72).


موقف علماء أهل السنة من مذهب الغلو فى التكفير واستحلال الدماء:

وقد اجمع علماء أهل السنة،على كون مذهب الغلو في التكفير واستحلال الدماء المعصومة – الذي مثله في عصرهم الخوارج - مذهب بدعي ضال، وانه يجب قتال أصحابه في حال تطبيقهم لمذهبهم في استحلال الدماء المعصومة، يقول الإمام ابن تيمية (إِنَّ ْأُمَّةَ مُتَّفِقُونَ عَلَى ذَمِّ الْخَوَارِجِ وَتَضْلِيلِهِمْ...) (الفتاوى: 28/518) يقول الإمام الآجري في الشريعة (لم يختلف العلماء قديما وحديثا أن الخوارج قوم سوء، عصاة لله عز وجل ولرسوله صلى الله عليه وسلم، وإن صلوا وصاموا واجتهدوا في العبادة، فليس ذلك بنافع لهم، وإن أظهروا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وليس ذلك بنافع لهم؛ لأنهم قوم يتأولون القرآن على ما يهوون... والخوارج الشراة الأنجاس الأرجاس ومن كان على مذهبهم وسائر الخوارج يتوارثون هذا المذهب قديما و حديثا، ويخرجون على الأئمة والأمراء، ويستحلون قتل المسلمين..). واختلف علماء أهل السنة في تكفير أصحاب مذهب الغلو في التكفير واستحلال الدماء المعصومة – الذي مثله في عصرهم الخوارج - إلى مذهبين: المذهب الأول يقول بتكفيرهم، والمذهب الثاني توقف عن تكفيرهم. يقول الإمام ابن تيمية (... وَإِنَّمَا تَنَازَعُوا فِي تَكْفِيرِهِمْ عَلَى قَوْلَيْنِ مَشْهُورَيْنِ فِي مَذْهَبِ مَالِكٍ وَأَحْمَد وَفِي مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ أَيْضًا نِزَاعٌ فِي كُفْرِهِمْ.وَلِهَذَا كَانَ فِيهِمْ وَجْهَانِ فِي مَذْهَبِ أَحْمَد وَغَيْرِهِ عَلَى الطَّرِيقَةِ الْأُولَى:أَحَدُهُمَا: أَنَّهُمْ بُغَاةٌ.وَالثَّانِي: أَنَّهُمْ كُفَّارٌ كَالْمُرْتَدِّينَ، يَجُوزُ قَتْلُهُمْ ابْتِدَاءً، وَقَتْلُ أَسِيرِهِمْ، وَاتِّبَاعُ مُدْبِرِهِمْ، وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ مِنْهُمْ اُسْتُتِيبَ كَالْمُرْتَدِّ فَإِنْ تَابَ وَإِلَّا قُتِلَ) (الفتاوى: 28/518). ومن العلماء الذين قالوا بالمذهب الأول، اى تكفير أصحاب مذهب الغلو في التكفير واستحلال الدماء المعصومة – الذي مثله في عصرهم الخوارج - الإمام البخاري، وأبو بكر بن العربي وتقي الدين السبكى والحسن بن محمد بن علي، ورواية عن الإمام الشافعي،ورواية عن الإمام مالك وطائفة من أهل الحديث. ذكر الحافظ ابن حجر في الفتح (12/313) جملة من العلماء الذين قالوا بتكفير الخوارج كالبخاري حيث قرنهم بالملحدين، وممن يرى بتكفير الخوارج كما ذكر الحافظ أبو بكر بن العربي فقال الحافظ:وَبِذَلِكَ صَرَّحَ الْقَاضِي أَبُو بَكْر بْن الْعَرَبِيّ فِي شَرْح التِّرْمِذِيّ فَقَالَ: ‏الصَّحِيح أَنَّهُمْ كُفَّار لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "يَمْرُقُونَ مِنْ الْإِسْلَام" وَلِقَوْلِهِ: "لَأَقْتُلَنَّهُمْ قَتْل عَاد"،‏ وَفِي لَفْظ "ثَمُود"،‏ وَكُلّ مِنْهُمَا إِنَّمَا هَلَكَ بِالْكُفْرِ. وكذلك ممن قال بتكفيرهم السبكي،‏ قال الحافظ: وَمِمَّنْ جَنَحَ إِلَى ذَلِكَ مِنْ أَئِمَّة الْمُتَأَخِّرِينَ الشَّيْخ تَقِيّ الدِّين السُّبْكِيّ فَقَالَ فِي فَتَاوِيه: احْتَجَّ مَنْ كَفَّرَ الْخَوَارِج وَغُلَاة الرَّوَافِض بِتَكْفِيرِهِمْ أَعْلَام الصَّحَابَة لِتَضَمُّنِهِ تَكْذِيب النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي شَهَادَته لَهُمْ بِالْجَنَّةِ،‏ قَالَ: وَهُوَ عِنْدِي اِحْتِجَاج صَحِيح.ا.هـ.وكذا قَالَ الْقُرْطُبِيّ فِي " الْمُفْهِم ": ‏َالْقَوْل بِتَكْفِيرِهِمْ أَظْهَرُ فِي الْحَدِيث.وممن ذهب إلى تكفيرهم أيضا الحسن بن محمد بن علي ورواية عن الإمام الشافعي ورواية عن الإمام مالك وطائفة من أهل الحديث. (انظر الإبانة الصغرى 152، الشفا 2/1057، المغني 12/239). كما نقل بعض العلماء أقوال لعلماء قالوا بالمذهب الثاني اى التوقف عن تكفير أصحاب مذهب الغلو في التكفير واستحلال الدماء المعصومة – الذي مثله في عصرهم الخوارج – لأنهم متاْولين، يقول الحافظ ابن حجر في الفتح (12/314) (وَذَهَبَ أَكْثَرُ أَهْل الْأُصُول مِنْ أَهْل السُّنَّة إِلَى أَنَّ الْخَوَارِج فُسَّاق وَأَنَّ حُكْم الْإِسْلَام يَجْرِي عَلَيْهِمْ لِتَلَفُّظِهِمْ بِالشَّهَادَتَيْنِ وَمُوَاظَبَتِهِمْ عَلَى أَرْكَان الْإِسْلَام، وَإِنَّمَا فُسِّقُوا بِتَكْفِيرِهِمْ الْمُسْلِمِينَ مُسْتَنِدِينَ إِلَى تَأْوِيل فَاسِد وَجَرَّهُمْ ذَلِكَ إِلَى اِسْتِبَاحَة دِمَاء مُخَالِفِيهِمْ وَأَمْوَالهمْ وَالشَّهَادَة عَلَيْهِمْ بِالْكُفْرِ وَالشِّرْك) ويقول الإمام النووي في شرح مسلم (2/50) قال: الْمَذْهَب الصَّحِيحَ الْمُخْتَارَ الَّذِي قَالَهُ الْأَكْثَرُونَ وَالْمُحَقِّقُونَ: أَنَّ الْخَوَارِجَ لَا يُكَفَّرُونَ كَسَائِرِ أَهْل الْبِدَعِ(.

أولا: بدعه الغلو في التكفير: كما سبق ذكره فان البدعة الأولى التي يقوم عليها مذهب الغلو في التكفير واستحلال الدماء المحرمة هي بدعه الغلو في التكفير،والتي تتعارض مع الضبط الشرعي للتكفير عند أهل السنة، من خلال الالتزام بالضوابط الشرعية للتكفير التي أشار إليها علماء أهل السنة استنادا إلى النصوص، ومن هذه الضوابط:

ا/ لا تكفير إلا بإنكار ما هو معلوم من الدين بالضرورة: لا يجوز تكفير احد إلا في حاله إنكاره ما هو معلوم من الدين بالضرورة، والمقصود بالمعلوم من الدين بالضرورة النص يقيني الورود (من الله تعالى أو الرسول"صلى الله عليه وسلم"(، القطعي الدلالة (لا يحتمل التأويل)، لذا يقول الشوكاني (اعلم أن الحكم على المسلم بخروجه من دين الإسلام، ودخوله في الكفر لا ينبغي لمسلم يؤمن بالله واليوم الآخر أن يقدم عليه إلا ببرهان أوضح من شمس النهار(.

ب/ التكفير على العموم أما المعين فيتوقف تكفيره على استيفاء الشروط وانتفاء الموانع: جواز التكفير على العموم، بمعنى جواز القول بان المذهب المعين أو القول المعين هو كفر، أما الشخص المعين فلا يجوز القول بكفره إلا بعد استيفائه شروط التكفير وانتفاء موانعه عنه، والدليل على ذلك أن الرسول (صلى الله عليه وسلم) لعن شارب الخمر على العموم، ولما جلد رجلاً شرب الخمر قام رجل فلعنه فقال (صلى الله عليه وسلم) (لا تلعنوه فو الله ما علمت إلا أنه يحب الله ورسوله) (رواه البخاري)، فوجد الرسول(صلى الله عليه وسلم) مانع من اللعن العام وهو محبته لله والرسول.يقول ابن تيمية (إن التكفير العام يجب القول بإطلاقه وعمومه، وأما الحكم على المعين بأنه كافراً أو مشهود له بالنار، فهذا يقف على الدليل المعين، فإن الحكم يقف على ثبوت شروطه وانتفاء موانعه) (ابن تيمية، الفتاوى، الفتاوى،مجلد 12، ص22.(

ج/ التمييز بين الكفر الأكبر" الاعتقادى" والكفر الأصغر" العملي": التمييز بين الكفر الأكبر"الاعتقادى" وهو إنكار أصل من أصول الدين، والكفر الأصغر" العملي" وهو المعصية، كقوله (صلى الله عليه وسلم) (لا يزنى الزاني حين يزنى وهو مؤمن)، فالأول يوجب الخروج من الملة، والثاني لا يوجب ذلك. يقول بن عباس (رضي الله عنه) في تفسير قوله تعالى(ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون)(كفر دون كفر) و يقول ابن القيم (فأما الكفر فنوعان:كفر اكبر وكفر اصغر..فالكفر الأكبر:هو الموجب للخلود في النار.والأصغر:موجب لاستحقاق الوعيد دون الخلود) (مدارج السالكين:1/364(.

د/العذر بالجهل: عدم تكفير من جهل ان قوله هو كفر، ودليل ذلك في السنة قوله (صلى الله عليه وسلم) (اللهم اهد قومي فإنهم لا يعلمون). نقل الذهبي في الموقظة عن ابن تيمية (كنت أقول للجهنمية من الحلولية والنفاه، الذين نفوا أن الله فوق العرش لما وقعت محنتهم، أنا لو وافقتكم كنت كافراً لأني أعلم أن قولكم كفر، وأنتم عندي لا تكفرون لأنكم جهال) وكان هذا خطاباً لعلمائهم وقضاتهم وشيوخهم وأمرائهم. ويقول ابن القيم (أما أهل البدع الموافقون لأهل الإسلام، ولكنهم مخالفون في بعض الأصول كالرافضة والقدرية ونحوهم فهؤلاء أقسام: أحدهما الجاهل المقلد الذي لا بصيرة له، فهذا لا يكفر ولا يفسق ولا ترد شهادته،إذا لم يكن قادراً على تعلم الهدى،وحكمه حكم المستضعفين الذين لا يستطيعون حيلة ولا يهتدون سبيلاً، فأولئك عسى الله أن يغفر عنهم)(ابن القيم، الطرق الحكمية، ص174(

ه/ لازم المذهب ليس بلازم: أن الكفر الذي يلزم منطقيا من مذهب معين لا يوجب التكفير إلا في حاله التزام أصحاب هذا المذهب بهذا اللازم، يقول ابن تيمية: (فلازم المذهب ليس بمذهب، إلا أن يلتزمه صاحب المذهب،فخلق كثير من الناس ينفون ألفاظاً أو يثبتونها، بل ينفون معاني أو يثبتونها، ويكون ذلك مستلزماً لأمور هي كفر،وهم لا يعلمون بالملازمة) (مجموع الفتاوى: 5/306)، ويقول في موضع آخر: (... ولو كان لازم المذهب لازما للزم تكفير كل من قال عن الاستواء وغيره من الصفات أنه مجاز ليس بحقيقة؛ فإن لازم هذا القول يقتضي أن لا يكون شيء من أسمائه وصفاته حقيقة) (مجموع الفتاوى 20/217.

و/ عدم جواز جعل الآيات التي نزلت فى الكفار على المسلمين: قال البخاري في صحيحة في (كتاب إستتابة المرتدين): (باب قتل الخوارج والملحدين بعد إقامة الحجة عليهم وقول الله تعالى " وما كان الله ليضل قوماً بعد إذ هداهم حتى يبين لهم ما يتقون " وكان ابن عمر رضي الله عنهما يراهم شرار خلق الله وقال إنهم انطلقوا إلى آيات نزلت في الكفار فجعلوها على المؤمنين.

ثانيا: بدعه استحلال الدماء المعصومة: أما البدعة الثانية التي يقوم عليها مذهب الغلو في التكفير واستحلال الدماء المعصومة، فهي بدعه استحلال الدماء المعصومة، وهذه البدعة هي مدخل لكثير من الفتن كما أشار الحديث (تَكُونُ أَرْبَعُ فِتَنٍ: الأُولَى: اسْتِحْلالُ الدِّمَاءِ، وَالثَّانِيَةُ: اسْتِحْلالِ الدَّمِ وَالأَمْوَالِ، وَالثَّالِثَةُ: اسْتِحْلالُ الدَّمِ وَالأَمْوَالِ وَالْفُرُوجِ، وَالرَّابِعَةُ: لَوْ كُنْتَ فِي جُحْرِ ثَعْلَبٍ لَدَخَلَتْ عَلَيْكَ الْفِتْنَةُ)، وهذه البدعة تتعارض مع الضبط الشرعي للقتال عند أهل السنة، من خلال الالتزام بالضوابط الشرعية للقتال التي أشار إليها علماء أهل السنة استنادا إلى النصوص، ومن هذه الضوابط:

ا/ النية: عنْ أَبِي مُوسَى قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: الرَّجُلُ يُقَاتِلُ حَمِيَّةً وَيُقَاتِلُ شَجَاعَةً وَيُقَاتِلُ رِيَاءً فَأَيُّ ذَلِكَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ قَالَ: مَنْ قَاتَلَ لِتَكُونَ كَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا فَهُوَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ".

ب/ وجوب استئذان الوالدين: عن عَبْدِ اللَّهِ بْنَ عَمْرٍو (رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا) يَقُولُ(جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَاسْتَأْذَنَهُ فِي الْجِهَادِ فَقَالَ: أَحَيٌّ وَالِدَاكَ؟ قَالَ: نَعَمْ! قَالَ: فِيهِمَا فَجَاهِدْ).، يقول الإمام الشوكاني (يجب استئذان الأبوين في الجهاد وبذلك قال الجمهور، وجزموا بتحريم الجهاد إذا منع منه الأبوان أو أحدهما، لأن برّهما فرض عين والجهاد فرض كفاية، فإذا تعين الجهاد فلا إذن (|.

ج/أن الجهاد يكون مع جماعة المسلمين، وليس مع آحاد الناس أو جماعه من المسلمين: قال تعالى(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انفِرُوا) (التوبة:38)، وقال الرسول(صلى الله عليه وسلم)(إِنَّمَا الْإِمَامُ جُنَّةٌ، يُقَاتَلُ مِنْ وَرَائِهِ، وَيُتَّقَى بِهِ، فَإِنْ أَمَرَ بِتَقْوَى اللهِ -عَزَّ وَجَلَّ- وَعَدَلَ، كَانَ لَهُ بِذَلِكَ أَجْرٌ، وَإِنْ يَأْمُرْ بِغَيْرِهِ كَانَ عَلَيْهِ مِنْهُ)، وقال الإمام أحمد بن حنبل(والغزو ماض مع الأمراء إلى يوم القيامة – البر والفاجر – لا يترك)،

د/ لا قتال لمن يقيم الصلاة ويؤذن لها: عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ: أَنَّ النَّبِيَّ) صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) كَانَ إِذَا غَزَا بِنَا قَوْمًا لَمْ يَكُنْ يَغْزُو بِنَا حَتَّى يُصْبِحَ وَيَنْظُرَ فَإِنْ سَمِعَ أَذَانًا كَفَّ عَنْهُمْ وَإِنْ لَمْ يَسْمَعْ أَذَانًا أَغَارَ عَلَيْهِم،

ه/ حرمه قتل المعاهدين والمستأمنين: قال الرسول(صلى الله عليه وسلم)(مَنْ قَتَلَ مُعَاهَدًا لَمْ يَرَحْ رَائِحَةَ الْجَنَّةِ، وَإِنَّ رِيحَهَا لَيُوجَدُ مِنْ مَسِيرَةِ أَرْبَعِينَ عَامًا)(رواه البخاري في صحيحة)،

و/عدم جواز نقض العهود والمواثيق: قال تعالى (وَإِنِ اسْتَنصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ إِلاَّ عَلَى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُم مِّيثَاق)،

ى/عدم جواز قتل المدنيين: روى عن أنس بن مالك (رضي الله عنه): أن الرسول صلى الله عليه و سلم كان إذا بعث جيشاً قال: (انطلقوا باسم الله لا تقتلوا شيخاً فانياً و لا طفلاً صغيراً ولا امرأة ولا تغلوا وضموا غنائمكم وأصلحوا وأحسنوا إن الله يحب المحسنين)(رواه أبو داود في السنن) قال الله تعالى: (وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُّتَعَمِّدًا فَجَزَآؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا)(النساء: 93).

الهرج: والإطلاق البدعى للقتال، بعدم الالتزام بضوابطه الشرعية، يخرجه من دائرة الجهاد، ويدخله في دائرة الهرج، الذي تنبأت العديد من النصوص بأنه سيكثر آخر الزمان، عن أبي هريرة، قال: قال النبي (صلى الله عليه وسلم) (لا تقوم الساعة حتى يقبض العلم، وتكثر الزلازل، ويتقارب الزمان، وتظهر الفتن، ويكثر الهرج - وهو القتل القتل - حتى يكثر فيكم المال فيفيض) (صحيح البخاري - كتاب الجمعة- أبواب الاستسقاء - باب ما قيل في الزلازل والآيات- حديث‏1002‏(.

الجهاد وعلاقة المسلمين بغير المسلمين: لم يوجب الإسلام قتال غير المسلمين إلا في حالتين: الحالة الأولى هي إكراه المسلمين على الردة عن دينهم وفتنتهم عنه قال تعالى(وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله)، والحالة الثانية هي إخراج المسلمين من ديارهم قال تعالى (أذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا وأن الله على نصرهم لقدير الذين أخرجوا من ديارهم بغير حق إلا أن يقولوا ربنا الله).

مذهب إيجاب قتال غير المسلمين إطلاقاً والرد عليه: ويتبنى أنصار مذهب الغلو في التكفير واستحلال الدماء المعصومة، مذهب إيجاب قتال غير المسلمين إطلاقاً، والذي قال به بعض الكتاب الإسلاميين المعاصرين (كسيد قطب)، استنادا إلى أقوال بعض الفقهاء، ومضمون هذا المذهب هو أن الإسلام أوجب قتال غير المسلمين (إطلاقاً)، وغزو العالم كله لنشر الدعوة، غير أن كثير من العلماء يرون أن هؤلاء الفقهاء بنوا موقفهم هذا على أساس أن واقع العالم في زمانهم (واقع الدولة غير ثابتة الحدود) لم يكن يسمح – إلا قليلا- بان تكون علاقة المسلمين مع غيرهم هي علاقة سلم، ما لم تتوافر شروط الجهاد، أو علاقة حرب في حاله توافر شروط الجهاد، يقول الشيخ محمد أبو زهرة في معرض حديثه عن آراء الفقهاء في عدم جواز الصلح الدائم(...ولقد أثاروا تحت تأثير حكم الواقع الكلام في جواز إيجاد معاهدات لصلح دائم، وإن المعاهدات لا تكون إلا بصلح مؤقت لوجود مقتضيات هذا الصلح، إذ أنهم لم يجدوا إلا حروباً مستمرة مشبوبة موصولة غير مقطوعة إلا بصلح مؤقت) (العلاقات الدولية في الإسلام،الدار القومية، القاهرة، 1384م، ص78-79)، ويدل على هذا أن هناك علماء خالفوا ما قرره هؤلاء الفقهاء، حيث نجد ابن تيمية يخالف الرأي القائل بقتال الجميع لمجرد الكفر(وإذا كان أصل القتال المشروع هو الجهاد، ومقصودة أن يكون الدين كله لله، وأن تكون كلمة الله هي العليا، فمن منع هذا قوتل باتفاق المسلمين، وأما من لم يكن من أهل الممانعة والمقاتلة " كالنساء والصبيان والراهب والشيخ الكبير والأعمى والزمن وغيرهم" فلا يقتل عند جمهور العلماء، إلا أن يقاتل بقوله أو فعله، وإن كان بعضهم يرى إباحة قتل الجميع لمجرد الكفر إلا النساء والصبيان لكونهم مالاً للمسلمين، والأول هو الصواب، لأن القتال هو لمن يقاتلنا إذا أردنا إظهار دين الله كما قال تعالى "وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين"، وفي السنة عن النبي (صلى الله عليه وسلم) أنه مر على امرأة مقتولة في بعض مغازية، قد وقف الناس عليها، فقال "ما كانت هذه لتقاتل"، وقال لأحدهم: الحق خالداً فقل له لا تقتلوا ذرية ولا عسيفاً "، وفيها أيضاً عنه (صلى الله عليه وسلم) يقول: لا تقتلوا شيخاً فانياً ولا طفلاً صغيراً ولا امرأة". وذلك أن الله أباح من قتل النفوس ما يحتاج إليه في صلاح الخلق كما قال تعالى "والفتنة أشد من القتل"، أي أن القتل وإن كان فيه شر وفساد ففي فتنة الكفار من الشر والفساد ما هو أشد، فمن لم يمنع المسلمين من إقامة دين الله، لم يكن كفره إلا على نفسه)

ايه السيف: و قد اسند أصحاب هذا المذهب إلى القول بأن آية السيف ناسخة لكل الآيات التي تدعو للسلم، والمقصود بها الآيات: (فَإِذَا انسَلَخَ الأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُواْ الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدتُّمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُواْ لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ فَإِن تَابُواْ وَأَقَامُواْ الصَّلاَةَ وَآتَوُاْ الزَّكَاةَ فَخَلُّواْ سَبِيلَهُمْ إِنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ) (التوبة: 5). و(قَاتِلُواْ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَلاَ بِالْيَوْمِ الآخِرِ وَلاَ يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَلاَ يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُواْ الْجِزْيَةَ عَن يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ) (التوبة: 29). غير أن هذه الآيات لا تفيد قتال غير المسلمين إطلاقاً، وبالتالي تنسخ الآيات الداعية للسلم، بل هي مقيدة بالحالات التي أباح الإسلام فيها قتال غير المسلمين (إخراج المسلمين من ديارهم،أو إكراههم على الردة على دينهم)، يقول الشيخ محمد الغزالي (يشيع بين المفسرين أن آية السيف نسخت ما جاء قبلها، وعند التحقيق لا يوجد ما يسمى آية السيف، وإنما هناك جملة من الآيات في معاملة خصوم الإسلام أو في مقاتلتهم،أحياناً لأسباب لا يختلف المشرعون قديماً وحديثاً على وجاهتها، وعلى أنها لا تنافي الحرية الدينية في أرقى المجتمعات)، ويرى الشيخ رشيد رضا: أن آية السيف تتراوح الآية الخامسة من سورة التوبة الداعية إلى قتال المشركين كافة كيفما يقاتلون المسلمين كافة، وإنها غير ناسخة لغيرها من الآيات، ويستشهد بما قاله السيوطي من أن أياً من الآيتين ليس ناسخاً لغيرها من الآيات التي تتناول علاقة المسلمين بالمشركين، ولكن لكل منها حكماً يسري في ظرف معين، ويرى أن الدعوة إلى مقاتلة المشركين هو رد على مبادأة المشركين القتال، وأن المقصود بالآيتين مشاركي جزيرة العرب وليس مشركين الأرض، أما الآية 29 الخاصة بأهل الكتاب فإن نزولها جاء تمهيداً للكلام في غزوة تبوك مع الروم من أهل الكتاب بالشام، والخروج إليها في زمن العسرة والقيظ فضلاً عن أن المقصود بها ليس فتوى أهل ماردين ومذهب اباحه قتال حكام المسلمين والرد عليه: كما يتبنى أصحاب مذهب الغلو في التكفير واستحلال الدماء المعصومة، مذهب يقول باباحه قتال الحكام المسلمين،ويعتبره شكل من أشكال الجهاد، وهو يستند في ذلك – ضمن ما يستند - إلى تفسير معين لفتوى الإمام ابن تيميه في أهل ماردين الشهيرة ب" فتوى التتار". غير أن هذا التفسير يتناقض مع مذهب ابن تيميه في عدم جواز الخروج على الحاكم المسلم حيث يقول في الإمام ابن تيميه الفتاوى مثلا (والصبر على جور الأئمة أصل من أصول أهل السنة والجماعة)(مجموع الفتاوى، ص 28).

مفهوم التترس و مذهب اباحه قتل المسلمين والرد عليه: كما يتبنى أصحاب مذهب الغلو في التكفير واستحلال الدماء المعصومة، مذهب يتخذ قاعدة التترس (اى جواز قتل المسلم إذا تترس به الكافر)، كأساس شرعي لتبرير بعض العمليات العسكرية التي يترتب عليها قتل المسلمين. غير أنه - وكما قال كثير من العلماء- فان هذا التبرير غير صحيح للاتي:

أولا: أن التترس لا يكون إلا في حاله الحرب(الاشتباك العسكري).

ثانيا:أن من أباح التترس جعل له شروط لا تنطبق على هذه العمليات،و هي أن تكون المصلحة منه: ا/ضرورية: اى لا يحصل الوصول إلي الكفار إلا بقتل الترس.. ب/ كليه: اى أن عدم قتل الترس يترتب عليه أن يستولى الكفار على كل الامه.ج/قطعية: اى أن تكون المصلحة حاصلة قطعا. (القرطبي، الجامع لأحكام الفران، ج16، ص285). هذا مع وجوب تقرر أن هناك من الفقهاء من حرم الترس كالإمام مالك، استنادا إلي الايه (ولولا رجال مؤمنون ونساء مؤمنات لم تعلموهم أن تطؤهم فتصيبكم منهم معرة دون علم.. ليدخل الله في رحمته من يشاء.. لو تزايلو لعذبنا الذين كفروا عذابا أليما)، فالايه تفيد وجوب مراعاة الكافر في حرمه المسلم.

الفهم الخاطئ للحديث " نصرت بالرعب ": كما يستند أنصار مذهب الغلو فى التكفير واستحلال الدماء المعصومة إلى فهم خاطئ للحديث (أعطيت جوامع الكلم، ونصرت بالرعب، وأحلت لي الغنائم، وجعلت لي الأرض مسجداً وطهوراً، وأرسلت إلى الخلق كافة، وختم بي النبيون)(أخرجه مسلم والترمذي وأحمد)، وفى رواية (أعطيت خمساً لم يعطهن أحد قبلي: نصرت بالرعب مسيرة شهر، وجعلت لي الأرض مسجداً وطهوراً، فأيما رجل من أمتي أدركته الصلاة فليصل، وأحلت لي المغانم ولم تحل لأحد قبلي، وأعطيت الشفاعة، وكان النبي يبعث إلى قومه خاصة، وبعثت إلى الناس عامة) (متفق عليه). ومضمون هذا الفهم الخاطئ أن الحديث يبيح استخدام اى أسلوب للتعامل مع الأعداء، يؤدى إلى إلقاء الرعب في قلوبهم، ومن ثم الانتصار عليهم،، وهذا الفهم يخالف الفهم الصحيح للحديث الذي قرره السلف الصالح وعلماء أهل السنة، وهو أن أعداء الرسول (صلى الله عليه وسلم)، يقذف الله تعالى في قلوبهم الرعب، وهو يبعد منهم مسيرة شهر، قال ابن حجر في فتح الباري(مفهومه أنه لم يوجد لغيره النصر بالرعب في هذه المدة ولا في أكثر منها، أما ما دونها فلا، لكن لفظ رواية عمرو بن شعيب:ونصرت على العدو بالرعب ولو كان بيني وبينهم مسيرة شهر. فالظاهر اختصاصه به مطلقاً، وإنما جعل الغاية شهراً لأنه لم يكن بين بلده وبين أحد من أعدائه أكثر منه، وهذه الخصوصية حاصلة له على الإطلاق حتى لو كان وحده بغير عسكر) (1/567).فالحديث لا يتعلق بأساليب تعامل المسلمين مع الأعداء، بل يتعلق بامراختص به الله تعالى الرسول (صلى الله عليه وسلم) وحده - لذا ورد في رواية (أعطيت خمساً لم يعطهن أحد قبلي)، وقال ابن حجر (وهذه الخصوصية حاصلة له على الإطلاق حتى لو كان وحده بغير عسكر)، كما ان هذا الأمر الهي وليس بشرى (اى أن الله تعالى هو الذي يقذف الرعب فى قلوب أعداء الرسول (صلى الله عليه وسلم)، فضلا عن هذا الأمر يحدث والرسول(صلى الله عليه وسلم) على مسيره شهر من أعدائه ـ فلا يوجد هنا اتصال بين المسلمين وأعدائهم حتى يكون الحديث هنا متصلا بأسلوب التعامل معهم.وأخيرا فان الفهم الخاطئ للحديث يتعارض مع وضع الإسلام لجمله من الضوابط للتعامل مع الأعداء في حاله الحرب.

الفهم الخاطئ للحديث" جِئْتُكُمْ بِالذَّبْحِ": كما يستند أنصار مذهب الغلو في التكفير واستحلال الدماء المعصومة إلى الحديث الذي جاء في صحيحِ بنِ حبان برقم 6689 عن عمرو بنِ العاص (ما رأيت قريشا أرادوا قتل رسول الله إلا يوما رأيتهم وهم جلوس في ظل الكعبة، ورسول الله يصلي عند المقام، فقام إليه عقبة بن أبي معيط، فجعل رداءه في عنقه، ثم جذبه يشتد حتى وجب لركبتيه، وتصايح الناس، فظنوا أنه مقتول. قال: وأقبل أبو بكر حتى أخذ بضبعي رسول الله من ورائه، وهو يقول: أتقتلون رجلا أن يقول ربي الله، ثم انصرفوا عن النبي، فقام رسول الله فلما قضى صلاته مر بهم وهم جلوس في ظل الكعبة،فقال " يا معشر قريش أما والذي نفسي بيده، ما أرسلت إليكم إلا بالذبح "، وأشار بيده إلى حلقه، فقال له أبو جهل: يا محمد، ما كنت جهولا، فقال رسول الله " أنت منهم ").ومضمون هذا الفهم الخاطئ أن الحديث يبيح قتل الأعداء باى أسلوب، وانه يوجب ذبح غير المسلمين مطلقا.وهذا الفهم يتعارض مع الفهم الصحيح للحديث والذى مضمونه:

أولا: أن الحديث خاص بأشخاص معينين، حددهم الرسول (صلى الله عليه وسلم)، من مشركى قريش، الذين اذوا الرسول (صلى الله عليه وسلم) وارادو قتله، منهم عقبة بن أبي معيط الذي حاول قتل الرسول (صلى الله عليه وسلم)، وأبو جهل الذي قال له الرسول (صلى الله عليه وسلم)"آنت منهم". فالحديث ليس عام بحيث يشمل كل الكفار، دليل قوله تعالى (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ) (الأنبياء: 107)، يقول ابن عباس في تفسير الايه (أنه"صلى الله عليه وسلم " بعث رحمة للناس جميعهم كافرهم ومؤمنهم). كما انه ليس عام بحيث يشمل كل مشركى قريش، بدليل قول الرسول "صلى الله عليه وسلم" لمشركى قريش يوم فتح مكه "اذهبوا فأنتم الطلقاء".

ثانيا: ان الحديث لا يفيد معنى قتل الأعداء باى أسلوب لورود الكثير من النصوص التي تضع ضوابط إنسانيه وأخلاقيه لقتل الأعداء في حاله الحرب ومن هذه النصوص: الحديث الذى ورد في سنن أبي داود برقم 2246 عَنْ بُرَيْدَةَ أَنَّ النبيَّ قَالَ:" اغْزُوا بِاسْمِ اللَّهِ وَفِى سَبِيلِ اللَّهِ وَقَاتِلُوا مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ اغْزُوا وَلاَ تَغْدِرُوا وَلاَ تَغُلُّوا وَلاَ تُمَثِّلُوا وَلاَ تَقْتُلُوا وَلِيدًا". صححه الألباني في صحيح سنن أبي داود برقم 2613.والحديث الذي ورد في مسند أحمدَ برقم 17450 عَنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ نَهَى رَسُولُ اللَّهِ عَنْ الْمُثْلَةِ..



د. صبري محمد خليل، أستاذ فلسفة القيم الاسلاميه بجامعه الخرطوم

 
عودة
أعلى