بين الأعياد الشرعية والأعياد البدعية
أيها المسلمون:
من رحمة الله تعالى بعباده، وتفضله على هذه الأمة الفاضلة المباركة أن شرع لها العيدين الكبيرين: عيد الفطر وعيد الأضحى، وجعل عيدها الأسبوعي الجمعة، وهداها لهذه الأعياد المباركة بعد أن ضلت عنها الأمم الضالة، وجعل العيدين الحوليين عوضًا وبدلاً عن أيام الجاهلية وأعيادها.
روى أنس - رضي الله عنه - فقال: قدم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - المدينة، ولهم يومان يلعبون فيهما، فقال: "ما هذان اليومان؟!"، قالوا: كنا نلعب فيهما في الجاهلية، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إن الله قد أبدلكم بهما خيرًا منهما؛ يوم الأضحى ويوم الفطر". رواه أبو داود.
وفي حديث عائشة -رضي الله عنها- قال - عليه الصلاة والسلام -: "إن لكل قوم عيدًا، وهذا عيدنا". رواه مسلم.
وفي حديث عقبة بن عامر - رضي الله عنه - قال - صلى الله عليه وسلم -: "يوم عرفة ويوم النحر وأيام التشريق عيدنا أهل الإسلام". رواه أبو داود.
وهذه الأحاديث تفيد أن الأعياد ليست من العوائد التي يتواطأ الناس عليها فحسب، حتى يشرع الناس فيها ما يشرعون، ويخترعون منها ما يخترعون، ويتبعون غيرهم فيها، ولكن الأعياد من الدين والشرائع، فوجب الوقوف فيها وفي شعائرها عند النصوص، وكل عيد يخترع، أو يوم يعظم لم يرد في الشرع أنه عيد فهو من أمر الجاهلية، ولو ساغ للناس أن يخترعوا أعيادًا من عند أنفسهم لأقرَّ النبي - صلى الله عليه وسلم - أهل المدينة على اليومين الجاهليين اللذين كانا عيدًا لهم، ولو كان كذلك لما أخبرهم أن الله تعالى قد أبدلهم بهما العيدين الشرعيين؛ والإبدال من الشيء يقتضي ترك المبدل منه؛ إذ لا يجمع بين البدل والمبدل منه.
وهكذا عمل أهل الصدر الأول من المسلمين حتى ماتت في مجتمعاتهم كل الأعياد والأيام التي اعتادوها في جاهليتهم؛ امتثالاً لأمر الله تعالى، واكتفاءً بما شرعه لهم من أعياد عما أحدثه الناس وابتدعوه.
إن كل عيد يصاحبه - ولابد - جملة من الاحتفالات والشعائر والمراسم، وهذا عند كل الأمم السابقة والحاضرة، ويتضمن ذلك تعظيم اليوم الذي يتخذ عيدًا، لميزة تميز بها حسب شريعة، أو عادة من اتخذوه عيدًا، وأعياد أهل الإسلام قد توجت بأعظم الشعائر الربانية التي فيها صلاح البشرية، فعيد الأسبوع تضمن خطبة الجمعة وصلاتها، وما في التبكير إليها وحضورها من الفضل العظيم، وفضائل الجمعة في الشريعة كثيرة، وخصائصه من بين أيام الأسبوع عديدة، فاستحق أن يكون عيدًا لأن الله تعالى قد رضيه للمسلمين عيدًا.
وعيد الفطر قد توج بشهر الصوم رابع أركان الإسلام، وأحد مبانيه العظام، فاستحق أن يكون عيدًا لأن الله تعالى شرعه للمسلمين عيدًا، يفرحون فيه بطاعة ربهم، وإتمام صيامهم، ويشكرون فيه المنعم عليهم.
وعيد الأضحى قد توج بالنسك الأعظم، والحج الأكبر، خامس أركان الإسلام، وكان خاتمة أيام هي أفضل أيام السنة على الإطلاق، فاستحق أن يكون عيدًا لأن الله تعالى جعله للمسلمين عيدًا.
وأي أعياد غيرها، أو أيام من السنة تعظم وتتخذ عيدًا، وترسم لها المراسم، ويحتفل الناس فيها، فهي من أمر الجاهلية، ولا يحبها الله تعالى لعباده، ولا يرضاها لهم أعيادًا، سواء أتعلقت بذكريات أشخاص عظماء، أم معارك خالدة، أم أوطان عزيزة، أم غير ذلك، ولو جاز أن يتخذ للأشخاص عيد لكان أحق الناس بذلك رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، الذي ما وطئ الثرى خير منه، ولا لأحد من الناس علينا من الفضل كفضله، ومع ذلك ما أمر أن يُتَّخَذَ له عيد، ولا فعله الصحابة - رضي الله عنهم - مع عظيم محبتهم وتوقيرهم له.
ولو جاز أن يتخذ للمعارك عيد لكانت غزوة بدر أولى المعارك بذلك؛ إذ هي أعظم معركة في التاريخ البشري كله، وأول فرقان بين الحق والباطل في هذه الأمة.
ولو جاز أن يتخذ للأوطان أعياد لكان قيام دولة النبي - صلى الله عليه وسلم - في المدينة أولى بذلك من غيرها، بعد أن هاجر المهاجرون، وتآخى المسلمون، وصار لهم شوكة وقوة.
وما منع من اتخاذ تلك الأيام الخالدة في الإسلام أعيادًا إلا لأن الله تعالى لم يرتضها للمسلمين أعيادًا، فتركها المسلمون مع عظيم محبتهم لها، وشغفهم بها؛ طاعة لله تعالى، ورضًا بما شرعه لهم من الأعياد العظيمة المباركة، واكتفاءً بها عن أي أعياد أخرى مهما كانت، فلهم الأجر الكبير على الطاعة والاتباع، كما أن لغيرهم الوزر والإثم على المخالفة والابتداع.
إن حب الأوطان، والإخلاص لها، وصدق الانتماء إليها، لن يكون بابتداع ما لم يأذن به الله تعالى، ومخالفة أمره، وإنما يكون ذلك باتباع شرعه سبحانه، وإقامة دينه، ومجانبة معصيته، وطاعة الولاة في المعروف، والصدق في النصح لهم، وعدم مجاملتهم أو مداهنتهم في الحق، ودلالتهم على البر، ونهيهم عن الإثم.
إن حب الأوطان، وصدق الانتماء إليها يكون في التناصح بين الراعي والرعية، والتواصي بالحق، والتعاون على البر والتقوى، ولا خير في رعية لا يبذلون النصح لولاتهم، ولا خير في ولاة لا يقبلون نصح الناصحين من رعاياهم، والنبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "الدين النصيحة"، قالوا: لمن؟! قال: "لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم". رواه مسلم.
إن حب الأوطان لا يكون إلا بالسعي فيما يصلحها، ولا إصلاح إلا في دين الله تعالى، ووفق شريعته، وكل ما عارض الشريعة فليس بإصلاح، ولكنه الفساد والإفساد.
إن العلاقة بين الحاكم والمحكوم أكبر أمرًا، وأعلى شأنًا من مجرد التعلق بتراب أو حصى، أو رسم أيام لذلك.
إنها عقد وثيق، وميثاق غليظ، على التعاضد والتعاون، والنصح والنصرة، والسمع والطاعة، ولزوم الجماعة.
ومن أراد حصر العلاقة بين الحاكم والمحكوم في تراب وحصى، واختزالها في أيام يحتفى بها فيها، فهو يضعفها ويصدعها، ويفرغها من مضامينها الشرعية
ومن خان الله تعالى فطرح دينه، ورام تبديل شريعته، فخيانته لغير الله تعالى أهون، وبيعه لوطنيته التي يصيح بها أجدر وأحرى، ولا مبدأ لديه وإنما هو مع من يدفع أكثر.
حمى الله تعالى بلادنا وبلاد المسلمين من شرور أصحاب هذه التوجهات المشبوهة، والأفكار المنحرفة، ورد كيدهم عليهم.
رابط الموضوع:
http://www.alukah.net/spotlight/0/58560/#ixzz3NkIkuVuJ