"الاسرار التي ظلت حبيسة اروقة المخابرات العالمية"
الحلقة الاولى :
الخائن فرانز هالدر رئيس اركان الجيش الالماني
تمهيد :
كثيرا ما يتساءل الناس عن سبب هزيمة الرايخ الثالث في الحرب العالمية الثانية ، خاصة وان المانيا النازية كانت تحت ظل قيادة قومية ذو شعبية منقطعة النظير وتمتعت بتطور تقني اسطوري وتفوق عسكري مهول مدعوم بمؤسسة دعائية كفوءة الهبت عواطف وعقول الالمان بل وحتى اعدائهم .
وبين مؤيد داعم ومعارض رافض للنازية ، فقد كثرت الرؤى والتحليلات وتعددت التفسيرات ، فهذا يوعز الهزيمة لثلوج روسيا ، وذاك يعللها بسبب فتح جبهتين في ان واحد ضد الالمان ، وآخر يحمل القيادة السياسية الالمانية مسؤولية التسبب بالهزيمة بسبب تدخلاتها في شؤون القادة العسكر ، ورابع يوعزها الى الاسباب الفنية الميدانية كقلة الوقود وتراجع اداء سلاح الجو الالماني وعدم اضطلاع سلاح الغواصات بمهامه الإستراتيجية لإفشال انزال الحلفاء في النورماندي ، وربما هنالك من يعللها ويفسرها لأسباب اخرى ..!!!
ولكن ومما قد لا يعرفه الكثير من الناس فان الرايخ الثالث لم يكن ليسقط ويتحطم لولا خيانة الكثير من قادة وضباط الجيش الالماني ، نعم فلولا الخيانة لما انكسرت الجيوش الالمانية ولما احتلت برلين ، ولما ذهبت ابتكارات واختراعات علماء الرايخ العسكرية ادراج الرياح.
فعلى ما يبدو فان الامة الالمانية ورغم ما قدمته للإنسانية من اختراعات وابتكارات وانجازات عظيمة فأنها امة قد ابتلت بالخونة والخيانة ، فما جرى في الحرب العالمية الثانية لم يكن بعيدا عما جرى في الحرب العالمية الاولى . فزعيم القومية الاشتراكية ادولف هتلر يعلل سبب هزيمة الامة الالمانية في الحرب الاولى بقوله بان من كل خمسة المان كان هنالك اربعة خونة ..!!!
من جانبنا نحن وحتى يطلع القارئ الكريم ويتأكد من الحقيقة ، حقيقة ان الخيانة ولاشئ سواها هي من الحقت الهزيمة بالأمة الالمانية في الحرب العالمية الثانية ، فأننا سنحاول في بحثنا هذا تغطية اهم الاحداث التي شهدتها الساحة الالمانية في نهاية ثلاثينيات القرن العشرين ، وتحديدا خلال عامي 1938 و 1939 أي قبل نشوب الحرب.
فهذه الفترة والتي قل ما تم الحديث عنها ، كانت قد شهدت البداية الفعلية لتأمر العديد من القادة والضباط والمسؤولين الالمان ضد قيادة الرايخ الثالث . كما شهدت اندلاع واحدة من اشد واخطر الازمات السياسية في اوروبا ، وهي ازمة اقليم السوديت - والتي تعتبر بنظرنا نحن - البداية الفعلية ولكن الغير معلنة لاندلاع شرارة الحرب العالمية الثانية .
لذا فقد دائبنا على تعريف قرائنا الكرام بحقيقة تلك الازمة ، فعلى العكس مما قد يتصوره الكثيرون ، فالزعيم الالماني ادولف هتلر لم يكن تواقا لإشعال فتيل الحرب ، ولم يسعى لغزو كامل تشيكوسلوفاكيا كما يصوره اعداءه وخصومه ، بل كان قد بذل كل ما في وسعه لحل ازمة اقليم السوديت حلا سلميا . اما من كان يسعى للحرب ويرفض الحلول الدبلوماسية فهو رئيس جمهورية تشيكوسلوفاكيا حينذاك وهو السيد ادوارد بينش الذي تسبب صلفه وتعنته وحل حكومته الى ضياع بلاده في فوضى عارمة وسط اوروبا تم ارغام الالمان على الدخول فيها .
حيث تسببت في احداث الكثير من التداعيات على القارة الاوربية عموما وعلى الرايخ الثالث خصوصا ، وأعطت بشكل وبآخر الغطاء النفسي للمشاركين في مؤامرة سبتمبر – ايلول 1938 ، مثلما اعطتهم سببا اخر للتخطيط لمؤامرة نوفمبر – تشرين الثاني 1939 .
كما سنبين الاسباب الحقيقية وراء مواقف نيفيل تشامبرلين رئيس الوزراء البريطاني حينذاك والتي قد يعتبرها البعض مواقف ايجابية سعت فيها بريطانيا العظمى لإنصاف الالمان ومساعدتهم على استعادة حقوقهم التي فرطت بها معاهدي فرساي .
تلك الجهود التي بذلها تشامبرلين والتي ما يزال الكثير من الناس بل وحتى الكثير من المفكرين والساسة والإعلاميين يحسنون الظن بها ويحملونها على محمل خير ، فيتصورون خطئا ان الزعيم الالماني ادولف هتلر شخصيا تمادى كثيرا في مطالبه طمعا في مواقف رئيس الوزراء البريطاني التي جرى تقديمها للعالم على انها مواقف نبيلة سعى فيها تشامبرلين استرضاء هتلر واحتواء مطالبه وشروره ..!!!
وسنكشف ايضا عن قائمة بأسماء اهم المشاركين في مؤامرتي 1938 و 1939 ودوافعهم التآمرية ، ومدى علاقتهم بالحكومة البريطانية التي كانت تضع احدى يديها بيد القيادة الالمانية ، بينما كانت تضع يدها الاخرى بأيدي المتآمرين ضدها ..!!!
هكذا سيجد القارئ الكريم نفسه امام احداث مثيرة لم يجري الحديث عنها كثيرا ، بل ولربما لم يسمع عنها المواطن العربي يوما في حياته اطلاقا .
نعم قد يندهش الكثيرون وقد يتفاجئ الجميع بما سنبينه هنا من احداث دأبنا على ذكر تفاصيلها بدقة شديدة خاصة وان ما نحن بصدده هنا لم يجري الحديث عنه حتى في الكتب والمقالات والبحوث الاجنبية.
ولكن ..
ونظرا لحجم البحث والذي تجاوز الـ 100 صفحة مدعمة بالصور والخرائط ، فسنعتمد على تقسيمه على عدة حلقات ، حيث سنتحدث في هذه الحلقة وهي الاولى على اهم شخصية كانت قد لعبت دور رئيسي وأساسي في تلك المؤامرات ، وهو الفريق اول ركن "كولونيل جنرال" فرانز ريتر فون هالدر رئيس اركان الجيش الالماني "القوات البرية – الهير".
فرانز ريتر فون هالدر
سنواته الاولى :
ولد فرانز ريتر فون هالدر (Franz.Ritter.von.Halder) في 30/6/1884 بمدينة فورتسبورغ التابعة لمقاطعة فرانكونيا شمال ولاية بافاريا وسط المانيا ، كان والده جنرالا (فريق اول) في الجيش الالماني ، في عام 1902 التحق هالدر بفوج المدفعية الميداني البافاري الملكي ، في عام 1904 وبعد تخرجه من المدرسة الحربية في ميونخ تمت ترقيته الى رتبة ملازم اول ، خلال سنتي 1906 و 1907 التحق بمدرسة المدفعية ، دخل هالدر اكاديمية ميونيخ الحربية عام 1911 وتخرج منها عام 1914.
خدمته في الحرب العالمية الاولى :
شارك هالدر في الحرب العالمية الاولى كضابط مدفعية في مقر قيادة الجيش الامبراطوري الثالث ، ثم تمت ترقيته الى نقيب (كابتن) مدفعية في الجيش الامبراطوري السادس ، ثم اصبح قائد هيئة الاركان العامة للجيش الامبراطوري الثاني قبل أن يُنقل إلى الجيش الرابع.
تدرج رتبته ومناصبه العسكرية :
بعد الحرب خدم هالدر في وزارة الدفاع حيث عين امرا لمديرية التدريب في الجيش الالماني بين عامي 1919 و 1920 ، ثم أصبح امر التكتيكات (التخطيط او التعبئة) العسكرية للجيش السابع التابع لجمهورية فايمار في مدينة ميونيخ واستمر بمنصبه هذا حتى عام 1923 . في مارس اذار عام 1924 تمت ترقية هالدر ألى رتبة رائد (ميجر) , وفي عام 1926 اصبح مدير العمليات في هيئة أركان الجيش السابع التابع لجمهورية فايمار . في فبراير شباط عام 1929 رًفي هالدر الى مقدم (اليفتنانت كولونيل) ، حيث خدم منذ اكتوبر تشرين الاول عام 1929 وحتى اواخر عام 1931 في مديرية التدريب العسكري التابعة لوزارة الدفاع الالمانية .
في ديسمبر كانون الاول عام 1931 تمت ترقية هالدر إلى عقيد (كولونيل) وعلى اثر مخاوف الالمان من قيام بولندا باحتلال اراضي بروسيا الشرقية فقد تم تعيين العقيد هالدر رئيسا لهيئة أركان العامة للجيش السادس في مدينة مونستر الالمانية حيث استمر بمنصبه هذا حتى عام 1934. وعلى اثر ترقيته إلى عميد (بريجادير جنرال) في اكتوبر تشرين الاول عام 1934 اصبح هالدر قائد فرقة المشاة السابعة المتمركزة في ميونيخ.
هالدر تحت حكم النازيين :
خلال سنوات خدمته ظهر هالدر كضابط هيئة أركان كفوء ومخطط بارع ، لذلك فقد تمت ترقيته في اغسطس اب عام 1936 الى رتبة لواء (ميجر جنرال) حيث أصبح مدير هيئة المناورات في الجيش الالماني ، ثم عين امر مديرية التدريب العسكري التابعة لوزارة الدفاع الالمانية حيث قاد بنفسه العديد من المناورات التدريبية بين اكتوبر تشرين الاول 1937 وفبراير شباط 1938 وهي المناورات الاكبر بعد اعادة العمل بقانون التجنيد العام .
في 1/2/1938 تمت ترقية هالدر الى رتبة فريق ركن (جنرال) وخلال هذه الفترة كان الفريق اول ركن فيلهام كايتل (Wilhelm.Keitel) القائد العام للقوات المسلحة الالمانية / الفيرماخت (OKW) يسعى الى اعادة تنظيم القيادة العليا للجيش الألماني / الهير (OKH) , فطلب من هالدر ان يتولى رئاسة هيئة الأركان للجيش الالماني بدلا عن الفريق اول ركن لودفيغ أغسطس تيودور بيك .
الفريق اول ركن فيلهام كايتل
القائد العام للقوات المسلحة الالمانية (OKW)
اعدم في محكمة نورنبيرغ
الفريق اول ركن لودفيغ بيك الذي جرى استبداله بفرانز هالدر
رئيسا لهيئة الأركان العامة للجيش الالماني
إلا ان هالدر اعتذر عن ذلك بسبب مشاكل شخصية مع رئيس القيادة العليا للجيش الالماني (OKH) الفريق اول ركن فالتر فون رايخيناو (Walter.von.Reichenau) (وكذلك كان رونشتد ولودفيغ بيك)
فتقدم كايتل بطلب الى زعيمه ادولف هتلر لتعيين هينريش ألفريد هيرمان فون والتر براوخيتش رئيسا للقيادة العليا للجيش الالماني (OKH) بدلا عن رايخيناو ، وحينما اقتنع ادولف هتلر بطلب كايتل ، فقد وافق هالدر على تولي منصبه الجديد كرئيس لهيئة الاركان العامة التابعة للقيادة العليا للجيش الالماني "القوات البرية – الهير" وذلك في 1938/9/1 وهو الامر الذي تقبله لودفيغ بيك برحابة صدر .
المهيب الركن فالتر فون رايخيناو
رئيس القيادة العليا للجيش الالماني (OKH)
احد اهم القادة العسكريين الالمان المتحمسين بالقومية الاشتراكية
والذي توفى بأوكرانيا يوم 1942/1/17
المشير او المهيب الركن (فيلد مارشال) هينريش براوخيتش
الذي عُيّن رئيسا للقيادة العليا للجيش الالماني (OKH) بدلا عن رايخيناو
هالدر في الحرب العالمية الثانية :
رغم اختلافه مع القيادة الالمانية ورفضه للحرب ، إلا ان هالدر كان قد اشترك في التخطيط الاستراتيجي لجميع العمليات الحربية التي تمت في سنوات الحرب الاولى ، حيث أشرف على وضع خطط غزو فرنسا و وهولندا وبلجيكا ودول البلقان كما منحته القيادة الالمانية وسام فارس الصليب الحديدي لدوره الكبير في اعداد غزو بولندا .
في حين رفض هالدر غزو الدنمارك والنرويج لاعتقاده بفشل العملية ، وجعل بعض اعضاء القيادة العليا للقوات المسلحة الالمانية "الفيرماخت" يمتنعون عن المشاركة في التخطيط لتلك العملية التي كانت من صميم عمل القيادة العليا للقوات المسلحة الالمانية والقيادة العليا للبحرية الالمانية. كما شكك هالدر بقدرة ألمانيا على غزو فرنسا منذ البداية ، إلا ان خطة الفريق "الجنرال" إريك فون مانشتاين (Erich.von.Manstein) الجريئة لغزو فرنسا عن طريق غابات الآردين قد أثبتت نجاحها لاحقا حيث سقطت فرنسا بيد الجيش الالماني .
المهيب الركن (فيلدمارشال) ايرك فون مانشتاين
كانت له علاقة مع عدد من المتآمرين إلا انه لم يعتقل
تمت احالته على التقاعد في مارس اذار 1944 ،
بعد اصابة احدى عينيه وبسبب خلافاته المتكررة مع القيادة الالمانية
بعد الحرب اعتقله الحلفاء حتى 1953 ، ثم ساهم في اعادة بناء الجيش الالماني .
في 1940/7/19 تمت ترقية هالدر الى رتبة فريق اول ركن (كولونيل جنرال) ، وعلى اثر عملية بارباروسا لغزو للاتحاد السوفيتي التي انطلقت في يونيو حزيران من نفس العام ، فقد كلف الزعيم الالماني ادولف هتلر رئيس اركان جيشه الفريق اول ركن فرانز هالدر بوضع الخطط العسكرية للجبهة الشرقية فقط ، الامر الذي قلص سلطة هالدر العسكرية في الجيش الالماني "القوات البرية – الهير" .
عملية بارباراوسا (Barbarossa) لغزو الاتحاد السوفيتي التي انطلقت في 22/6/1941
في 1941/3/17 وفي لقاء سري وبحضور بعض كبار قادة الجيش الالماني ، ووفقا لشهادة الفريق اول ركن فرانز هالدر رئيس اركان الجيش الالماني ، فقد ابلغ الزعيم الالماني ادولف هتلر الحاضرين في ذلك اللقاء بأنه
((على ألمانيا ان تتجاهل كل قواعد الحرب في الشرق)) .
فالحرب ضد الاتحاد السوفيتي يجب ان تكون حرب إبادة حسب ادعاء هالدر ، وعلى الرغم من ان هالدر ، والذي دخل في مشاجرة كلامية مع زعيمه ادولف هتلر ، لم يبدي أي اعتراض او احتجاج على توصيات الزعيم الالماني ، انما كان خلافه واحتجاجه حول بعض المسائل العسكرية فحسب .
وفي لقاء اخر جرى يوم 1941/3/30 التقى فيه الزعيم الالماني بعض من كبار قادته العسكريين ، كان من بينهم الفريق اول ركن فرانز هالدر ، وعلى عادة الالمان المعروفة فقد دون هالدر بعض الملاحظات في دفتر يومياته ، قائلا :
((كفاح بين اثنين من الأيديولوجيات ، انتقادا لاذعا للبلشفية التي تساوي حالات الإجرام المعادي للمجتمع ، الشيوعية خطر هائل في المستقبل .. هذا قتال حتى النهاية ، إذا لم نتقبل بان من واجبنا اليوم الانتصار على العدو ، فسنرغم في الثلاثين عام القادمة على مواجهة العدو الشيوعي مرة أخرى ، حربنا لم تكن للحفاظ على العدو .. النضال ضد روسيا : إبادة مفوضي البلشفية ومفكري الشيوعية ، مفوضي وموظفي دائرة الدولة السياسية "المخابرات السوفيتية" مجرمين ويجب أن يعاملوا على هذا الاساس ، الكفاح في الشرق يجب ان يتميز على الكفاح في الغرب. القسوة في الشرق الآن تعني التسامح في المستقبل)) .
وهنا لابد من التوقف مليا عند ملاحظات هالدر هذه ، فعلى الرغم من ان المتابع للملاحظات التي سجلها هالدر في دفتر يومياته خلال ذلك اللقاء لن يجد أي ذكر للمحرقة او الهولوكوست او الابادة او حتى الابعاد والتهجير لليهود بل ولن يجد أي ذكر لكلمة اليهود إلا ان المؤرخ الألماني أندرياس هيلكروبير (Andreas.Hillgruber) ، يقول:
((انه وبسبب تصريحات ادولف هتلر المتكررة في ذلك الوقت عن ان الحرب القادمة ستكون حرب إبادة ضد " البلشفية اليهودية " فان القادة العسكريون الالمان قد فهموا بان دعوة زعيمهم الى تدمير الاتحاد السوفيتي بشكل تام قد ضمت ايضا الدعوة الى تدمير السكان اليهود في الاتحاد السوفيتي وبشكل تام ايضا)) .
أي ان المؤرخ أندرياس هيلكروبير يقول ، ان الزعيم الالماني ادولف هتلر وفي لقائه ببعض كبار قادته العسكريين يوم 1941/3/30 ، قد اعطى الضوء الاخضر للقوات الالمانية للبدء بحملات ابادة يهود الاتحاد السوفيتي ، وان لم يكن ذلك قد تم بشكل مباشر او بأمر رسمي منه .
اما بالنسبة للفريق اول ركن فرانز هالدر رئيس اركان الجيش الالماني ، وخلافا لادعاءاته بعد الحرب ، فلم يبدي أي اعتراض على امر التفويض ذلك .
بل رحب به حيث كتب في نهاية عام 1941 مخاطبا جنوده قائلا:
((يجب عليكم أن تشاركوا في المعركة الأيديولوجية الجارية الان في الشرق حتى النهاية)) .
وباعتباره رئيس اركان الجيش الالماني في الشرق والمكلف بالتخطيط لعملية بارباراوسا لتدمير الاتحاد السوفيتي فقد اوصى هالدر قائلا:
((في حال وقوع هجمات حرب العصابات ، فيجب على القوات الألمانية فرض تدابير قوة جماعية))
في اشارة الى ضرورة انتهاج الجيش الالماني لسياسية ابادة القرى والبلدات السوفيتية بشكل كامل في حال قيامها بتنفيذ عمليات عدائية ضد القوات الالمانية ، وهو الامر الذي انتهك فيه هالدر وبشكل مباشر الاتفاقيات الدولية التي تحظر القيام بعمليات انتقام جماعي .
في 1941، وعلى اثر قرار الزعيم الالماني ادولف هتلر بإعفاء صديق هالدر المقرب الفريق اول ركن فون والتر براوخيتش من منصبه كقائد عام للقيادة العليا للجيش الالماني OKH ، وتولي هتلر بنفسه لهذا المنصب ، وفي موقف متناقض ومثير للشكوك ، فقد وصف هالدر قرار الزعيم الالماني ورغم عدم رضاه عنه
((بأنه أفضل وسيلة لضمان انتصار ألمانيا في الحرب))
ناهيك عن ان هالدر كان من اشد المعارضين للقومية الاشتراكية ومن اشد الرافضين لأدخل القومية الاشتراكية في القوات المسلحة الالمانية ناهيك عن قيادتها ..!!!
وخلال احدى الاجتماعات في صيف (يونيو / حزيران و يوليو / تموز) من عام 1942 ، اخبر هالدر زعيمه هتلر ، بأنه قلّل من عدد الفرق العسكرية السوفيتية ، فرد عليه هتلر قائلا بأن الجيش الأحمر قد كسر تقريبا. الا ان هالدر - الذي قرأ مؤخرا كتابا للقائد العسكري الروسي الفريق انطون دينيكين (Anton.Denikin) عن الحرب الأهلية الروسية وكيف تمكن ستالين من احراز النصر على قواته بالمعركة التي جرت في مدينة فولجوجراد والتي سميت لاحقا "ستالينغراد " - كان مقتنعا بان الجيش السادس الألماني الذي كان مشغولا في القتال بمدينة ستالينغراد في نفس الموقف الذي كانت فيه قوات أنطون دينيكين .
مدينة ستالينغراد ، فولجوجراد حاليا
لذا فقد قدم رئيس اركان الجيش الالماني الفريق اول ركن فرانز هالدر عدة مقترحات وهي :
أ - نقل الجيش الحادي عشر بقيادة الفريق اول ركن مانشتاين من معارك شبه جزيرة القرم (Crimea) الى مدينة سيفاستوبول (Sevastopol) الاوكرانية . وذلك من اجل احكام الحصار المفروض عليها منذ نحو تسعة شهور ، الامر الذي سيدفع القوات السوفيتية المتحصنة بتلك المدينة الى الاستسلام للقوات الالمانية .
مدينة سيفاستوبول (Sevastopol) الاوكرانية في شبه جزيرة القرم
ب – بعد ان يتم الانتهاء من معركة سيفاستوبول ، نقل قوات الجيش الحادي العشر من شبه جزيرة القرم الى جبهة لينينغراد (Leningrad) سانت بطرسبرغ حاليا ، لتعزيز الموقف العسكري لمجموعة الجيوش الشمالية .
مدينة لينينغراد - سانت بطرسبرغ في الشمال ومدينة سيفاستوبول الاوكرانية في شبه جزيرة القرم على ساحل البحر الاسود.
ج – ضرورة تعزيز اجنحة الجيش السادس الذي كان يقاتل حرب شوارع شرسة داخل مدينة ستاليغراد ، وهي الجيش الثامن الايطالي والجيش الثالث الروماني اللذان كانا يتمركزان شمال مدينة ستالينغراد الى الغرب من نهر الدون ، والجيش المدرع الرابع الالماني والجيش الرابع الروماني اللذان كان يتمركزان جنوب مدينة ستالينغراد الى الغرب من نهر الدون . حيث كان موقف الاجنحة ضعيفا لاسيما ما انفتاحها على جبهة واسعة ومع ضعف تجهيزاتها العسكرية .
انتشار القوات الالماني في جبهة ستالينغراد قبل يوم من الهجوم السوفيتي المضاد الذي انطلق يوم 19/11/1942
فعلى على اثر التقرير ألاستخباراتي الذي قدمه رئيس استخبارات الجيش الالماني في الجبهة الشرقية (FHO) اللواء رينهارد كلين (Reinhard.Gehlen) الذي اشار الى امكانية ستالين على حشد ما يقرب من (1.500.000) مليون وخمسمائة الف جندي سوفيتي شمال مدينة ستالينغراد غرب نهر الفولغا وشرق نهر الدون ، فقد خاطب هالدر زعيمه هتلر منذرا اياه بان الوضع على طول نهر الدون – أي اجنحة الجيش السادس - بانتظار ((حدوث كارثة)) إذا ما حول ستالين تلك القوة الكبيرة نحو ستالينغراد .
لواء الاستخبارات رينهارد كلين ((Reinhard.Gehlen
سنتناول سيرته لاحقا في بحث مستقل
كما كان رئيس اركان الجيش الالماني الفريق اول ركن فرانز هالدر مؤمنا بان هجوم القوات الالمانية على منطقة القوقاز امر غير حكيم وبلا جدوى.
تقدم القوات الالمانية في القوقاز عام 1942
رد الزعيم الالماني على اقتراحات رئيس اركان جيشه الفريق اول ركن فرانز هالدر ، مشيرا الى ضرورة اتمام الجيش الالماني السادس لسيطرته على مدينة ستالينغراد .
كما اعرب الزعيم الالماني ادولف هتلر والذي شغل منصب رئيس القيادة العليا للجيش الالماني (OKH) منذ احالة المهيب الركن (فيلد مارشال) براوخيتش الى دائرة الضباط الاحتياط في 19/12/1941 ، عن نيته لاستبدال رئيس اركان الجيش الرفيق اول ركن فرانز هالدر بقائد عسكري اخر لاسيما بعد ان تشكلت لديه قناعة بان هالدر
((لم يعد يمتلك عقلية الحرب الهجومية))
فخرج هالدر من الاجتماع مكتفيا بالقول "سأرحل" . وفعلا وبعد بضعة اسابيع وبالتحديد في 24/9/1942 ، فقد احال الزعيم الالماني رئيس اركانه جيشه الفريق اول ركن فرانز هالدر الى دائرة الضباط الاحتياط .
وهنا نود ان ننبه قرائنا ومتابعينا الكرام الى اننا سنناقش اقتراحات هالدر سالفة الذكر وذلك ضمن بحثنا الخاص عن معركة ستالينغراد .
فرانز هالدر ونظرات الازدراء حول زعيمه ادولف هتلر
مصير هالدر:
في 23/7/1944 ، وعلى اثر فشل "مؤامرة فالكيري" التي اشتركت فيها مجموعة كبيرة من ضباط الجيش الألماني ومن مختلف الرتب والمناصب وساهم فيها عدد من المعارضين السياسيين الالمان يوم 20 يوليو تموز لاغتيال الزعيم ادولف هتلر فقد القى الجستابو القبض على فرانز هالدر.
فرغم عدم اشتراكه المباشر في مؤامرة فالكيري 20 يوليو تموز 1944 ، إلا ان التحقيقات المكثفة التي اجرها الغستابو قد كشفت وباعتراف المتآمرين انفسهم بأن كولونيل جنرال فرانز هالدر كان قد شارك في اوقات سابقة بالتخطيط لعدة مؤامرات استهدفت الاطاحة بحكم الزعيم الالماني ادولف هتلر وتصفيته شخصيا . وعلى اثر ذلك فقد سجن هالدر في معسكريّ الاعتقال قرب بلدة داخاو وقرب بلدة فلوسنبرج ، وقد استجابت السلطات الالمانية لطلب زوجة هالدر غيرترود (Gertrud) للسماح لها برفقة زوجها في السجن .
في 31/1/1945 ، تم طرد هالدر رسميا من الجيش الالماني
إلا ان بقاءه على قيد الحياة رغم دوره في العديد من المؤامرات الفاشلة مستغلا منصبه كرئيس لهيئة الأركان العامة في الجيش الالماني تجعل بقاءه "ملحمة رائعة" كما يصفه بعض المؤرخين .
في الأيام الأخيرة من شهر أبريل نيسان عام 1945 ، وبغية ابعاد المعتقلين الهامين عن تقدم قوات الحلفاء الغربيين
، فقد تم توجيه الاوامر الى وحدة من قوات الاس اس بقيادة إدغار ستيلر (Edgar.Stiller) بنقل (141) اسير من المتورطين بمؤامرة فالكيري 20 يوليو تموز 1944 وغيرهم من السجناء "الخاصين" وقد كان من بينهم الفريق الاول ركن فرانز هالدر من معسكر اعتقال داخاو (Dachau) الى معسكر عمل رايخيناو (Reichenau) قرب مدينة انسبروك (Innsbruck) مركز ولاية تيرول (tyrol) النمساوية .
مدينة انسبروك (Innsbruck) مركز ولاية تيرول (tyrol) النمساوية حيث يقع معسكر عمل رايخيناو (Reichenau) على مقربة منها
لكن معسكر رايخيناو لم يكن مهيئا لهم ، فبدلا من ذلك تم إرسال المعتقلين إلى فندق (Hotel.lago.di.Braies) على بحيرة براكسر (Pragser.Wildsee) جنوب غربي مدينة فيلاباسا الايطالية (Villabassa) على بعد 70 كم شمال شرقي مدينة بولزانو (Bolzano) مركز ولاية تيرول الجنوبية الايطالية.
موقع فندق (Hotel.lago.di.Braies) على بحيرة براكسر (Pragser.Wildsee) جنوب غربي مدينة فيلاباسا (Villabassa) الايطالية على بعد 70 كم شمال شرقي مدينة بولزانو (Bolzano) مركز ولاية تيرول الجنوبية الايطالية.
وصل المعتقلين الخاصين الـ (141) الى فندق بحيرة براكسر يوم 28/4/1945 إلا انه هو الاخر لم يكن متاحا امام زواره الجدد.
فندق (Hotel.lago.di.Braies) على بحيرة براكسر شمال شرقي مدينة بولزانو الايطالية ، المدينة التي شهدت لاحقا لقاءات ضباط المخابرات المصرية مع عميلهم في تل ابيب رأفت الهجان .
في صباح اليوم التالي 29/4/1945 بادر احد المعتقلين وهو العقيد (الكولونيل) بوكيسلاو فون بونين (Bogislaw.von.Bonin) الذي كان قد سجن بسبب اصداره يوم 16/1/1945 امرا لانسحاب مجموعة جيوش (A) الالمانية في الجبهة الشرقية من مدينة وارشو خلافا لأوامر الزعيم الالماني ادولف هتلر ، بإجراء اتصال هاتفي مع مقر الجيش الألماني في مدينة بولزانو لإعلامهم بهوية المعتقلين ذوي الرتب والمناصب الكبيرة وخشيتهم من ان يعدموا على يد حراسهم من قوات الاس اس قبل ان تحررهم القوات الامريكية التي كانت تتقدم من شمال ايطاليا نحو المناطق المحيطة بهم .
فابلغ مقر الجيش الالماني في مدينة بولزانو ، العقيد بونين ، بتمركز احدى وحدات الجيش الالماني والتي كانت تحت قيادة ضابط الماني صغير كان على علاقة وطيدة بالعقيد بونين ، وهو النقيب (كابتن) فيجارد فون الفينسليبين (Wichard.von.Alvensleben) ، بالقرب من فندق بحيرة براكسر وتحديد على مسافة 17 كم شرق مدينة فيلاباسا (Villabassa) الايطالية . فأرسل العقيد بونين رسالة الى النقيب الفينسليبين يطلب منه التوجه فورا نحو مقر اعتقاله في فندق بحيرة براكسر ، فسارع النقيب الفينسليبين لنجدة صديقه القديم .
النقيب فيجارد فون الفينسليبين
اطلق سراحه من الحجز الامريكي في خريف 1945 ، في 1956 عمل في مؤسسة خيرية ترعى الكنائس في المانيا حتى تقاعده عام 1974 ، توفى عام 1982.
في اليوم التالي 30/4/1945 وعلى اثر تقدم القوات الامريكية ومع الحصار الذي فرضته قوات النقيب فيجراد فون الفينسليبين على بلدة فيلاباسا والمنطقة المحيطة ببحيرة براكسر ، فقد قررت قوة حراسة المعتقلين وهم بضعة افراد من قوات الاس اس الانسحاب والتخفي عن العيون .
تقدم القوات الامريكية في شمال ايطاليا نحو مدينة بولزانو وبلدة فيلاباسا على مقربة من الحدود الايطالية – النمساوية
على اثر انسحاب افراد الاس اس ، دخلت قوات النقيب الفينسليبين بلدة فيلاباسا وحررت المعتقلين ، وفي يوم 4/5/1945 سلم النقيب فيجراد فون الفينسليبين قواته والبلدة والمعتقلين الى القوات الامريكية بدون اي قتال ، حيث تم نقل الجميع الى معسكرات الاسر التابعة للقوات الامريكية .
اما رئيس اركان الجيش الالماني السابق الفريق اول ركن فرانز هالدر ، فقد قضى عاميه المقبلين كأسير حرب في المعتقل الامريكي حيث اطلق سراحه في عام 1947 بعد ان ادلى بشهادته في محكمة نورنبيرغ ضد قادة الرايخ الثالث النازيين.
هالدر في محكمة نورنبيرغ
بعد ذلك كافأ الامريكان رئيس هيئة اركان الجيش الالماني الفريق اول ركن فرانز هالدر على خدماته الجليلة التي قدمها لهم في تشتيت جهود الجيوش الالمانية وتآمره ضد قيادته ، بتعيينه كمستشار في قسم الدراسات التاريخية التابع للجيش الأمريكي . توفى هالدر في 2/4/ 1972 عن عمر ناهز (87) عاما ، تاركا بلاده مقطعة الاوصال بين معسكر حلف وارشو بقيادة السوفيت ومعسكر حلف الناتو بقيادة الامريكان .
**يتبع**
الحلقة الاولى :
الخائن فرانز هالدر رئيس اركان الجيش الالماني
تمهيد :
كثيرا ما يتساءل الناس عن سبب هزيمة الرايخ الثالث في الحرب العالمية الثانية ، خاصة وان المانيا النازية كانت تحت ظل قيادة قومية ذو شعبية منقطعة النظير وتمتعت بتطور تقني اسطوري وتفوق عسكري مهول مدعوم بمؤسسة دعائية كفوءة الهبت عواطف وعقول الالمان بل وحتى اعدائهم .
وبين مؤيد داعم ومعارض رافض للنازية ، فقد كثرت الرؤى والتحليلات وتعددت التفسيرات ، فهذا يوعز الهزيمة لثلوج روسيا ، وذاك يعللها بسبب فتح جبهتين في ان واحد ضد الالمان ، وآخر يحمل القيادة السياسية الالمانية مسؤولية التسبب بالهزيمة بسبب تدخلاتها في شؤون القادة العسكر ، ورابع يوعزها الى الاسباب الفنية الميدانية كقلة الوقود وتراجع اداء سلاح الجو الالماني وعدم اضطلاع سلاح الغواصات بمهامه الإستراتيجية لإفشال انزال الحلفاء في النورماندي ، وربما هنالك من يعللها ويفسرها لأسباب اخرى ..!!!
ولكن ومما قد لا يعرفه الكثير من الناس فان الرايخ الثالث لم يكن ليسقط ويتحطم لولا خيانة الكثير من قادة وضباط الجيش الالماني ، نعم فلولا الخيانة لما انكسرت الجيوش الالمانية ولما احتلت برلين ، ولما ذهبت ابتكارات واختراعات علماء الرايخ العسكرية ادراج الرياح.
فعلى ما يبدو فان الامة الالمانية ورغم ما قدمته للإنسانية من اختراعات وابتكارات وانجازات عظيمة فأنها امة قد ابتلت بالخونة والخيانة ، فما جرى في الحرب العالمية الثانية لم يكن بعيدا عما جرى في الحرب العالمية الاولى . فزعيم القومية الاشتراكية ادولف هتلر يعلل سبب هزيمة الامة الالمانية في الحرب الاولى بقوله بان من كل خمسة المان كان هنالك اربعة خونة ..!!!
من جانبنا نحن وحتى يطلع القارئ الكريم ويتأكد من الحقيقة ، حقيقة ان الخيانة ولاشئ سواها هي من الحقت الهزيمة بالأمة الالمانية في الحرب العالمية الثانية ، فأننا سنحاول في بحثنا هذا تغطية اهم الاحداث التي شهدتها الساحة الالمانية في نهاية ثلاثينيات القرن العشرين ، وتحديدا خلال عامي 1938 و 1939 أي قبل نشوب الحرب.
فهذه الفترة والتي قل ما تم الحديث عنها ، كانت قد شهدت البداية الفعلية لتأمر العديد من القادة والضباط والمسؤولين الالمان ضد قيادة الرايخ الثالث . كما شهدت اندلاع واحدة من اشد واخطر الازمات السياسية في اوروبا ، وهي ازمة اقليم السوديت - والتي تعتبر بنظرنا نحن - البداية الفعلية ولكن الغير معلنة لاندلاع شرارة الحرب العالمية الثانية .
لذا فقد دائبنا على تعريف قرائنا الكرام بحقيقة تلك الازمة ، فعلى العكس مما قد يتصوره الكثيرون ، فالزعيم الالماني ادولف هتلر لم يكن تواقا لإشعال فتيل الحرب ، ولم يسعى لغزو كامل تشيكوسلوفاكيا كما يصوره اعداءه وخصومه ، بل كان قد بذل كل ما في وسعه لحل ازمة اقليم السوديت حلا سلميا . اما من كان يسعى للحرب ويرفض الحلول الدبلوماسية فهو رئيس جمهورية تشيكوسلوفاكيا حينذاك وهو السيد ادوارد بينش الذي تسبب صلفه وتعنته وحل حكومته الى ضياع بلاده في فوضى عارمة وسط اوروبا تم ارغام الالمان على الدخول فيها .
حيث تسببت في احداث الكثير من التداعيات على القارة الاوربية عموما وعلى الرايخ الثالث خصوصا ، وأعطت بشكل وبآخر الغطاء النفسي للمشاركين في مؤامرة سبتمبر – ايلول 1938 ، مثلما اعطتهم سببا اخر للتخطيط لمؤامرة نوفمبر – تشرين الثاني 1939 .
كما سنبين الاسباب الحقيقية وراء مواقف نيفيل تشامبرلين رئيس الوزراء البريطاني حينذاك والتي قد يعتبرها البعض مواقف ايجابية سعت فيها بريطانيا العظمى لإنصاف الالمان ومساعدتهم على استعادة حقوقهم التي فرطت بها معاهدي فرساي .
تلك الجهود التي بذلها تشامبرلين والتي ما يزال الكثير من الناس بل وحتى الكثير من المفكرين والساسة والإعلاميين يحسنون الظن بها ويحملونها على محمل خير ، فيتصورون خطئا ان الزعيم الالماني ادولف هتلر شخصيا تمادى كثيرا في مطالبه طمعا في مواقف رئيس الوزراء البريطاني التي جرى تقديمها للعالم على انها مواقف نبيلة سعى فيها تشامبرلين استرضاء هتلر واحتواء مطالبه وشروره ..!!!
وسنكشف ايضا عن قائمة بأسماء اهم المشاركين في مؤامرتي 1938 و 1939 ودوافعهم التآمرية ، ومدى علاقتهم بالحكومة البريطانية التي كانت تضع احدى يديها بيد القيادة الالمانية ، بينما كانت تضع يدها الاخرى بأيدي المتآمرين ضدها ..!!!
هكذا سيجد القارئ الكريم نفسه امام احداث مثيرة لم يجري الحديث عنها كثيرا ، بل ولربما لم يسمع عنها المواطن العربي يوما في حياته اطلاقا .
نعم قد يندهش الكثيرون وقد يتفاجئ الجميع بما سنبينه هنا من احداث دأبنا على ذكر تفاصيلها بدقة شديدة خاصة وان ما نحن بصدده هنا لم يجري الحديث عنه حتى في الكتب والمقالات والبحوث الاجنبية.
ولكن ..
ونظرا لحجم البحث والذي تجاوز الـ 100 صفحة مدعمة بالصور والخرائط ، فسنعتمد على تقسيمه على عدة حلقات ، حيث سنتحدث في هذه الحلقة وهي الاولى على اهم شخصية كانت قد لعبت دور رئيسي وأساسي في تلك المؤامرات ، وهو الفريق اول ركن "كولونيل جنرال" فرانز ريتر فون هالدر رئيس اركان الجيش الالماني "القوات البرية – الهير".
فرانز ريتر فون هالدر
سنواته الاولى :
ولد فرانز ريتر فون هالدر (Franz.Ritter.von.Halder) في 30/6/1884 بمدينة فورتسبورغ التابعة لمقاطعة فرانكونيا شمال ولاية بافاريا وسط المانيا ، كان والده جنرالا (فريق اول) في الجيش الالماني ، في عام 1902 التحق هالدر بفوج المدفعية الميداني البافاري الملكي ، في عام 1904 وبعد تخرجه من المدرسة الحربية في ميونخ تمت ترقيته الى رتبة ملازم اول ، خلال سنتي 1906 و 1907 التحق بمدرسة المدفعية ، دخل هالدر اكاديمية ميونيخ الحربية عام 1911 وتخرج منها عام 1914.
خدمته في الحرب العالمية الاولى :
شارك هالدر في الحرب العالمية الاولى كضابط مدفعية في مقر قيادة الجيش الامبراطوري الثالث ، ثم تمت ترقيته الى نقيب (كابتن) مدفعية في الجيش الامبراطوري السادس ، ثم اصبح قائد هيئة الاركان العامة للجيش الامبراطوري الثاني قبل أن يُنقل إلى الجيش الرابع.
تدرج رتبته ومناصبه العسكرية :
بعد الحرب خدم هالدر في وزارة الدفاع حيث عين امرا لمديرية التدريب في الجيش الالماني بين عامي 1919 و 1920 ، ثم أصبح امر التكتيكات (التخطيط او التعبئة) العسكرية للجيش السابع التابع لجمهورية فايمار في مدينة ميونيخ واستمر بمنصبه هذا حتى عام 1923 . في مارس اذار عام 1924 تمت ترقية هالدر ألى رتبة رائد (ميجر) , وفي عام 1926 اصبح مدير العمليات في هيئة أركان الجيش السابع التابع لجمهورية فايمار . في فبراير شباط عام 1929 رًفي هالدر الى مقدم (اليفتنانت كولونيل) ، حيث خدم منذ اكتوبر تشرين الاول عام 1929 وحتى اواخر عام 1931 في مديرية التدريب العسكري التابعة لوزارة الدفاع الالمانية .
في ديسمبر كانون الاول عام 1931 تمت ترقية هالدر إلى عقيد (كولونيل) وعلى اثر مخاوف الالمان من قيام بولندا باحتلال اراضي بروسيا الشرقية فقد تم تعيين العقيد هالدر رئيسا لهيئة أركان العامة للجيش السادس في مدينة مونستر الالمانية حيث استمر بمنصبه هذا حتى عام 1934. وعلى اثر ترقيته إلى عميد (بريجادير جنرال) في اكتوبر تشرين الاول عام 1934 اصبح هالدر قائد فرقة المشاة السابعة المتمركزة في ميونيخ.
هالدر تحت حكم النازيين :
خلال سنوات خدمته ظهر هالدر كضابط هيئة أركان كفوء ومخطط بارع ، لذلك فقد تمت ترقيته في اغسطس اب عام 1936 الى رتبة لواء (ميجر جنرال) حيث أصبح مدير هيئة المناورات في الجيش الالماني ، ثم عين امر مديرية التدريب العسكري التابعة لوزارة الدفاع الالمانية حيث قاد بنفسه العديد من المناورات التدريبية بين اكتوبر تشرين الاول 1937 وفبراير شباط 1938 وهي المناورات الاكبر بعد اعادة العمل بقانون التجنيد العام .
في 1/2/1938 تمت ترقية هالدر الى رتبة فريق ركن (جنرال) وخلال هذه الفترة كان الفريق اول ركن فيلهام كايتل (Wilhelm.Keitel) القائد العام للقوات المسلحة الالمانية / الفيرماخت (OKW) يسعى الى اعادة تنظيم القيادة العليا للجيش الألماني / الهير (OKH) , فطلب من هالدر ان يتولى رئاسة هيئة الأركان للجيش الالماني بدلا عن الفريق اول ركن لودفيغ أغسطس تيودور بيك .
الفريق اول ركن فيلهام كايتل
القائد العام للقوات المسلحة الالمانية (OKW)
اعدم في محكمة نورنبيرغ
الفريق اول ركن لودفيغ بيك الذي جرى استبداله بفرانز هالدر
رئيسا لهيئة الأركان العامة للجيش الالماني
إلا ان هالدر اعتذر عن ذلك بسبب مشاكل شخصية مع رئيس القيادة العليا للجيش الالماني (OKH) الفريق اول ركن فالتر فون رايخيناو (Walter.von.Reichenau) (وكذلك كان رونشتد ولودفيغ بيك)
فتقدم كايتل بطلب الى زعيمه ادولف هتلر لتعيين هينريش ألفريد هيرمان فون والتر براوخيتش رئيسا للقيادة العليا للجيش الالماني (OKH) بدلا عن رايخيناو ، وحينما اقتنع ادولف هتلر بطلب كايتل ، فقد وافق هالدر على تولي منصبه الجديد كرئيس لهيئة الاركان العامة التابعة للقيادة العليا للجيش الالماني "القوات البرية – الهير" وذلك في 1938/9/1 وهو الامر الذي تقبله لودفيغ بيك برحابة صدر .
المهيب الركن فالتر فون رايخيناو
رئيس القيادة العليا للجيش الالماني (OKH)
احد اهم القادة العسكريين الالمان المتحمسين بالقومية الاشتراكية
والذي توفى بأوكرانيا يوم 1942/1/17
المشير او المهيب الركن (فيلد مارشال) هينريش براوخيتش
الذي عُيّن رئيسا للقيادة العليا للجيش الالماني (OKH) بدلا عن رايخيناو
هالدر في الحرب العالمية الثانية :
رغم اختلافه مع القيادة الالمانية ورفضه للحرب ، إلا ان هالدر كان قد اشترك في التخطيط الاستراتيجي لجميع العمليات الحربية التي تمت في سنوات الحرب الاولى ، حيث أشرف على وضع خطط غزو فرنسا و وهولندا وبلجيكا ودول البلقان كما منحته القيادة الالمانية وسام فارس الصليب الحديدي لدوره الكبير في اعداد غزو بولندا .
في حين رفض هالدر غزو الدنمارك والنرويج لاعتقاده بفشل العملية ، وجعل بعض اعضاء القيادة العليا للقوات المسلحة الالمانية "الفيرماخت" يمتنعون عن المشاركة في التخطيط لتلك العملية التي كانت من صميم عمل القيادة العليا للقوات المسلحة الالمانية والقيادة العليا للبحرية الالمانية. كما شكك هالدر بقدرة ألمانيا على غزو فرنسا منذ البداية ، إلا ان خطة الفريق "الجنرال" إريك فون مانشتاين (Erich.von.Manstein) الجريئة لغزو فرنسا عن طريق غابات الآردين قد أثبتت نجاحها لاحقا حيث سقطت فرنسا بيد الجيش الالماني .
المهيب الركن (فيلدمارشال) ايرك فون مانشتاين
كانت له علاقة مع عدد من المتآمرين إلا انه لم يعتقل
تمت احالته على التقاعد في مارس اذار 1944 ،
بعد اصابة احدى عينيه وبسبب خلافاته المتكررة مع القيادة الالمانية
بعد الحرب اعتقله الحلفاء حتى 1953 ، ثم ساهم في اعادة بناء الجيش الالماني .
في 1940/7/19 تمت ترقية هالدر الى رتبة فريق اول ركن (كولونيل جنرال) ، وعلى اثر عملية بارباروسا لغزو للاتحاد السوفيتي التي انطلقت في يونيو حزيران من نفس العام ، فقد كلف الزعيم الالماني ادولف هتلر رئيس اركان جيشه الفريق اول ركن فرانز هالدر بوضع الخطط العسكرية للجبهة الشرقية فقط ، الامر الذي قلص سلطة هالدر العسكرية في الجيش الالماني "القوات البرية – الهير" .
عملية بارباراوسا (Barbarossa) لغزو الاتحاد السوفيتي التي انطلقت في 22/6/1941
في 1941/3/17 وفي لقاء سري وبحضور بعض كبار قادة الجيش الالماني ، ووفقا لشهادة الفريق اول ركن فرانز هالدر رئيس اركان الجيش الالماني ، فقد ابلغ الزعيم الالماني ادولف هتلر الحاضرين في ذلك اللقاء بأنه
((على ألمانيا ان تتجاهل كل قواعد الحرب في الشرق)) .
فالحرب ضد الاتحاد السوفيتي يجب ان تكون حرب إبادة حسب ادعاء هالدر ، وعلى الرغم من ان هالدر ، والذي دخل في مشاجرة كلامية مع زعيمه ادولف هتلر ، لم يبدي أي اعتراض او احتجاج على توصيات الزعيم الالماني ، انما كان خلافه واحتجاجه حول بعض المسائل العسكرية فحسب .
وفي لقاء اخر جرى يوم 1941/3/30 التقى فيه الزعيم الالماني بعض من كبار قادته العسكريين ، كان من بينهم الفريق اول ركن فرانز هالدر ، وعلى عادة الالمان المعروفة فقد دون هالدر بعض الملاحظات في دفتر يومياته ، قائلا :
((كفاح بين اثنين من الأيديولوجيات ، انتقادا لاذعا للبلشفية التي تساوي حالات الإجرام المعادي للمجتمع ، الشيوعية خطر هائل في المستقبل .. هذا قتال حتى النهاية ، إذا لم نتقبل بان من واجبنا اليوم الانتصار على العدو ، فسنرغم في الثلاثين عام القادمة على مواجهة العدو الشيوعي مرة أخرى ، حربنا لم تكن للحفاظ على العدو .. النضال ضد روسيا : إبادة مفوضي البلشفية ومفكري الشيوعية ، مفوضي وموظفي دائرة الدولة السياسية "المخابرات السوفيتية" مجرمين ويجب أن يعاملوا على هذا الاساس ، الكفاح في الشرق يجب ان يتميز على الكفاح في الغرب. القسوة في الشرق الآن تعني التسامح في المستقبل)) .
وهنا لابد من التوقف مليا عند ملاحظات هالدر هذه ، فعلى الرغم من ان المتابع للملاحظات التي سجلها هالدر في دفتر يومياته خلال ذلك اللقاء لن يجد أي ذكر للمحرقة او الهولوكوست او الابادة او حتى الابعاد والتهجير لليهود بل ولن يجد أي ذكر لكلمة اليهود إلا ان المؤرخ الألماني أندرياس هيلكروبير (Andreas.Hillgruber) ، يقول:
((انه وبسبب تصريحات ادولف هتلر المتكررة في ذلك الوقت عن ان الحرب القادمة ستكون حرب إبادة ضد " البلشفية اليهودية " فان القادة العسكريون الالمان قد فهموا بان دعوة زعيمهم الى تدمير الاتحاد السوفيتي بشكل تام قد ضمت ايضا الدعوة الى تدمير السكان اليهود في الاتحاد السوفيتي وبشكل تام ايضا)) .
أي ان المؤرخ أندرياس هيلكروبير يقول ، ان الزعيم الالماني ادولف هتلر وفي لقائه ببعض كبار قادته العسكريين يوم 1941/3/30 ، قد اعطى الضوء الاخضر للقوات الالمانية للبدء بحملات ابادة يهود الاتحاد السوفيتي ، وان لم يكن ذلك قد تم بشكل مباشر او بأمر رسمي منه .
اما بالنسبة للفريق اول ركن فرانز هالدر رئيس اركان الجيش الالماني ، وخلافا لادعاءاته بعد الحرب ، فلم يبدي أي اعتراض على امر التفويض ذلك .
بل رحب به حيث كتب في نهاية عام 1941 مخاطبا جنوده قائلا:
((يجب عليكم أن تشاركوا في المعركة الأيديولوجية الجارية الان في الشرق حتى النهاية)) .
وباعتباره رئيس اركان الجيش الالماني في الشرق والمكلف بالتخطيط لعملية بارباراوسا لتدمير الاتحاد السوفيتي فقد اوصى هالدر قائلا:
((في حال وقوع هجمات حرب العصابات ، فيجب على القوات الألمانية فرض تدابير قوة جماعية))
في اشارة الى ضرورة انتهاج الجيش الالماني لسياسية ابادة القرى والبلدات السوفيتية بشكل كامل في حال قيامها بتنفيذ عمليات عدائية ضد القوات الالمانية ، وهو الامر الذي انتهك فيه هالدر وبشكل مباشر الاتفاقيات الدولية التي تحظر القيام بعمليات انتقام جماعي .
في 1941، وعلى اثر قرار الزعيم الالماني ادولف هتلر بإعفاء صديق هالدر المقرب الفريق اول ركن فون والتر براوخيتش من منصبه كقائد عام للقيادة العليا للجيش الالماني OKH ، وتولي هتلر بنفسه لهذا المنصب ، وفي موقف متناقض ومثير للشكوك ، فقد وصف هالدر قرار الزعيم الالماني ورغم عدم رضاه عنه
((بأنه أفضل وسيلة لضمان انتصار ألمانيا في الحرب))
ناهيك عن ان هالدر كان من اشد المعارضين للقومية الاشتراكية ومن اشد الرافضين لأدخل القومية الاشتراكية في القوات المسلحة الالمانية ناهيك عن قيادتها ..!!!
وخلال احدى الاجتماعات في صيف (يونيو / حزيران و يوليو / تموز) من عام 1942 ، اخبر هالدر زعيمه هتلر ، بأنه قلّل من عدد الفرق العسكرية السوفيتية ، فرد عليه هتلر قائلا بأن الجيش الأحمر قد كسر تقريبا. الا ان هالدر - الذي قرأ مؤخرا كتابا للقائد العسكري الروسي الفريق انطون دينيكين (Anton.Denikin) عن الحرب الأهلية الروسية وكيف تمكن ستالين من احراز النصر على قواته بالمعركة التي جرت في مدينة فولجوجراد والتي سميت لاحقا "ستالينغراد " - كان مقتنعا بان الجيش السادس الألماني الذي كان مشغولا في القتال بمدينة ستالينغراد في نفس الموقف الذي كانت فيه قوات أنطون دينيكين .
مدينة ستالينغراد ، فولجوجراد حاليا
لذا فقد قدم رئيس اركان الجيش الالماني الفريق اول ركن فرانز هالدر عدة مقترحات وهي :
أ - نقل الجيش الحادي عشر بقيادة الفريق اول ركن مانشتاين من معارك شبه جزيرة القرم (Crimea) الى مدينة سيفاستوبول (Sevastopol) الاوكرانية . وذلك من اجل احكام الحصار المفروض عليها منذ نحو تسعة شهور ، الامر الذي سيدفع القوات السوفيتية المتحصنة بتلك المدينة الى الاستسلام للقوات الالمانية .
مدينة سيفاستوبول (Sevastopol) الاوكرانية في شبه جزيرة القرم
ب – بعد ان يتم الانتهاء من معركة سيفاستوبول ، نقل قوات الجيش الحادي العشر من شبه جزيرة القرم الى جبهة لينينغراد (Leningrad) سانت بطرسبرغ حاليا ، لتعزيز الموقف العسكري لمجموعة الجيوش الشمالية .
مدينة لينينغراد - سانت بطرسبرغ في الشمال ومدينة سيفاستوبول الاوكرانية في شبه جزيرة القرم على ساحل البحر الاسود.
ج – ضرورة تعزيز اجنحة الجيش السادس الذي كان يقاتل حرب شوارع شرسة داخل مدينة ستاليغراد ، وهي الجيش الثامن الايطالي والجيش الثالث الروماني اللذان كانا يتمركزان شمال مدينة ستالينغراد الى الغرب من نهر الدون ، والجيش المدرع الرابع الالماني والجيش الرابع الروماني اللذان كان يتمركزان جنوب مدينة ستالينغراد الى الغرب من نهر الدون . حيث كان موقف الاجنحة ضعيفا لاسيما ما انفتاحها على جبهة واسعة ومع ضعف تجهيزاتها العسكرية .
انتشار القوات الالماني في جبهة ستالينغراد قبل يوم من الهجوم السوفيتي المضاد الذي انطلق يوم 19/11/1942
فعلى على اثر التقرير ألاستخباراتي الذي قدمه رئيس استخبارات الجيش الالماني في الجبهة الشرقية (FHO) اللواء رينهارد كلين (Reinhard.Gehlen) الذي اشار الى امكانية ستالين على حشد ما يقرب من (1.500.000) مليون وخمسمائة الف جندي سوفيتي شمال مدينة ستالينغراد غرب نهر الفولغا وشرق نهر الدون ، فقد خاطب هالدر زعيمه هتلر منذرا اياه بان الوضع على طول نهر الدون – أي اجنحة الجيش السادس - بانتظار ((حدوث كارثة)) إذا ما حول ستالين تلك القوة الكبيرة نحو ستالينغراد .
لواء الاستخبارات رينهارد كلين ((Reinhard.Gehlen
سنتناول سيرته لاحقا في بحث مستقل
كما كان رئيس اركان الجيش الالماني الفريق اول ركن فرانز هالدر مؤمنا بان هجوم القوات الالمانية على منطقة القوقاز امر غير حكيم وبلا جدوى.
تقدم القوات الالمانية في القوقاز عام 1942
رد الزعيم الالماني على اقتراحات رئيس اركان جيشه الفريق اول ركن فرانز هالدر ، مشيرا الى ضرورة اتمام الجيش الالماني السادس لسيطرته على مدينة ستالينغراد .
كما اعرب الزعيم الالماني ادولف هتلر والذي شغل منصب رئيس القيادة العليا للجيش الالماني (OKH) منذ احالة المهيب الركن (فيلد مارشال) براوخيتش الى دائرة الضباط الاحتياط في 19/12/1941 ، عن نيته لاستبدال رئيس اركان الجيش الرفيق اول ركن فرانز هالدر بقائد عسكري اخر لاسيما بعد ان تشكلت لديه قناعة بان هالدر
((لم يعد يمتلك عقلية الحرب الهجومية))
فخرج هالدر من الاجتماع مكتفيا بالقول "سأرحل" . وفعلا وبعد بضعة اسابيع وبالتحديد في 24/9/1942 ، فقد احال الزعيم الالماني رئيس اركانه جيشه الفريق اول ركن فرانز هالدر الى دائرة الضباط الاحتياط .
وهنا نود ان ننبه قرائنا ومتابعينا الكرام الى اننا سنناقش اقتراحات هالدر سالفة الذكر وذلك ضمن بحثنا الخاص عن معركة ستالينغراد .
فرانز هالدر ونظرات الازدراء حول زعيمه ادولف هتلر
مصير هالدر:
في 23/7/1944 ، وعلى اثر فشل "مؤامرة فالكيري" التي اشتركت فيها مجموعة كبيرة من ضباط الجيش الألماني ومن مختلف الرتب والمناصب وساهم فيها عدد من المعارضين السياسيين الالمان يوم 20 يوليو تموز لاغتيال الزعيم ادولف هتلر فقد القى الجستابو القبض على فرانز هالدر.
فرغم عدم اشتراكه المباشر في مؤامرة فالكيري 20 يوليو تموز 1944 ، إلا ان التحقيقات المكثفة التي اجرها الغستابو قد كشفت وباعتراف المتآمرين انفسهم بأن كولونيل جنرال فرانز هالدر كان قد شارك في اوقات سابقة بالتخطيط لعدة مؤامرات استهدفت الاطاحة بحكم الزعيم الالماني ادولف هتلر وتصفيته شخصيا . وعلى اثر ذلك فقد سجن هالدر في معسكريّ الاعتقال قرب بلدة داخاو وقرب بلدة فلوسنبرج ، وقد استجابت السلطات الالمانية لطلب زوجة هالدر غيرترود (Gertrud) للسماح لها برفقة زوجها في السجن .
في 31/1/1945 ، تم طرد هالدر رسميا من الجيش الالماني
إلا ان بقاءه على قيد الحياة رغم دوره في العديد من المؤامرات الفاشلة مستغلا منصبه كرئيس لهيئة الأركان العامة في الجيش الالماني تجعل بقاءه "ملحمة رائعة" كما يصفه بعض المؤرخين .
في الأيام الأخيرة من شهر أبريل نيسان عام 1945 ، وبغية ابعاد المعتقلين الهامين عن تقدم قوات الحلفاء الغربيين
، فقد تم توجيه الاوامر الى وحدة من قوات الاس اس بقيادة إدغار ستيلر (Edgar.Stiller) بنقل (141) اسير من المتورطين بمؤامرة فالكيري 20 يوليو تموز 1944 وغيرهم من السجناء "الخاصين" وقد كان من بينهم الفريق الاول ركن فرانز هالدر من معسكر اعتقال داخاو (Dachau) الى معسكر عمل رايخيناو (Reichenau) قرب مدينة انسبروك (Innsbruck) مركز ولاية تيرول (tyrol) النمساوية .
مدينة انسبروك (Innsbruck) مركز ولاية تيرول (tyrol) النمساوية حيث يقع معسكر عمل رايخيناو (Reichenau) على مقربة منها
لكن معسكر رايخيناو لم يكن مهيئا لهم ، فبدلا من ذلك تم إرسال المعتقلين إلى فندق (Hotel.lago.di.Braies) على بحيرة براكسر (Pragser.Wildsee) جنوب غربي مدينة فيلاباسا الايطالية (Villabassa) على بعد 70 كم شمال شرقي مدينة بولزانو (Bolzano) مركز ولاية تيرول الجنوبية الايطالية.
موقع فندق (Hotel.lago.di.Braies) على بحيرة براكسر (Pragser.Wildsee) جنوب غربي مدينة فيلاباسا (Villabassa) الايطالية على بعد 70 كم شمال شرقي مدينة بولزانو (Bolzano) مركز ولاية تيرول الجنوبية الايطالية.
وصل المعتقلين الخاصين الـ (141) الى فندق بحيرة براكسر يوم 28/4/1945 إلا انه هو الاخر لم يكن متاحا امام زواره الجدد.
فندق (Hotel.lago.di.Braies) على بحيرة براكسر شمال شرقي مدينة بولزانو الايطالية ، المدينة التي شهدت لاحقا لقاءات ضباط المخابرات المصرية مع عميلهم في تل ابيب رأفت الهجان .
في صباح اليوم التالي 29/4/1945 بادر احد المعتقلين وهو العقيد (الكولونيل) بوكيسلاو فون بونين (Bogislaw.von.Bonin) الذي كان قد سجن بسبب اصداره يوم 16/1/1945 امرا لانسحاب مجموعة جيوش (A) الالمانية في الجبهة الشرقية من مدينة وارشو خلافا لأوامر الزعيم الالماني ادولف هتلر ، بإجراء اتصال هاتفي مع مقر الجيش الألماني في مدينة بولزانو لإعلامهم بهوية المعتقلين ذوي الرتب والمناصب الكبيرة وخشيتهم من ان يعدموا على يد حراسهم من قوات الاس اس قبل ان تحررهم القوات الامريكية التي كانت تتقدم من شمال ايطاليا نحو المناطق المحيطة بهم .
فابلغ مقر الجيش الالماني في مدينة بولزانو ، العقيد بونين ، بتمركز احدى وحدات الجيش الالماني والتي كانت تحت قيادة ضابط الماني صغير كان على علاقة وطيدة بالعقيد بونين ، وهو النقيب (كابتن) فيجارد فون الفينسليبين (Wichard.von.Alvensleben) ، بالقرب من فندق بحيرة براكسر وتحديد على مسافة 17 كم شرق مدينة فيلاباسا (Villabassa) الايطالية . فأرسل العقيد بونين رسالة الى النقيب الفينسليبين يطلب منه التوجه فورا نحو مقر اعتقاله في فندق بحيرة براكسر ، فسارع النقيب الفينسليبين لنجدة صديقه القديم .
النقيب فيجارد فون الفينسليبين
اطلق سراحه من الحجز الامريكي في خريف 1945 ، في 1956 عمل في مؤسسة خيرية ترعى الكنائس في المانيا حتى تقاعده عام 1974 ، توفى عام 1982.
في اليوم التالي 30/4/1945 وعلى اثر تقدم القوات الامريكية ومع الحصار الذي فرضته قوات النقيب فيجراد فون الفينسليبين على بلدة فيلاباسا والمنطقة المحيطة ببحيرة براكسر ، فقد قررت قوة حراسة المعتقلين وهم بضعة افراد من قوات الاس اس الانسحاب والتخفي عن العيون .
تقدم القوات الامريكية في شمال ايطاليا نحو مدينة بولزانو وبلدة فيلاباسا على مقربة من الحدود الايطالية – النمساوية
على اثر انسحاب افراد الاس اس ، دخلت قوات النقيب الفينسليبين بلدة فيلاباسا وحررت المعتقلين ، وفي يوم 4/5/1945 سلم النقيب فيجراد فون الفينسليبين قواته والبلدة والمعتقلين الى القوات الامريكية بدون اي قتال ، حيث تم نقل الجميع الى معسكرات الاسر التابعة للقوات الامريكية .
اما رئيس اركان الجيش الالماني السابق الفريق اول ركن فرانز هالدر ، فقد قضى عاميه المقبلين كأسير حرب في المعتقل الامريكي حيث اطلق سراحه في عام 1947 بعد ان ادلى بشهادته في محكمة نورنبيرغ ضد قادة الرايخ الثالث النازيين.
هالدر في محكمة نورنبيرغ
بعد ذلك كافأ الامريكان رئيس هيئة اركان الجيش الالماني الفريق اول ركن فرانز هالدر على خدماته الجليلة التي قدمها لهم في تشتيت جهود الجيوش الالمانية وتآمره ضد قيادته ، بتعيينه كمستشار في قسم الدراسات التاريخية التابع للجيش الأمريكي . توفى هالدر في 2/4/ 1972 عن عمر ناهز (87) عاما ، تاركا بلاده مقطعة الاوصال بين معسكر حلف وارشو بقيادة السوفيت ومعسكر حلف الناتو بقيادة الامريكان .
**يتبع**